Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الشرارة - Page 56

  • بصدد كتاب لينين: "المادية والمذهب النقدي التجريبي"ـ الحلقة الرابعة والأخيرة

    لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية

    أهمية سلاح النظرية في بناء الحزب البلشفي

    وقيادة الثورة الاشتراكية العظمى في روسيا.

    (سلسلة ملخصات ومقالات حول أهمية النصوص اللينينية التي ساهمت

    في بناء الحزب الاشتراكي الديموقراطي العمالي البلشفي الروسي)

    المرحلة الأولى: 1900 – 1912

    سلسلة حلقات حول كتاب "المادية والمذهب النقدي التجريبي"، لينين

    الحلقة الرابعة والأخيرة

    النظرية المادية للمعرفة والدحض اللينيني الحاسم للمذهب النقدي-التجريبي

    يتأرجح النقديون التجريبيون بين مثالية بيركلي القائل بأن "العالم الخارجي هو إحساسي"، بالإضافة إلى صيغة هيوم القائلة "إنني أبعد مسألة معرفة هل هناك شيء وراء أحاسيسي"، وبين المادية، و يزعمون أنهم استطاعوا الارتفاع فوق المادية و المثالية، و بالتالي تصفية التناقض القائم بين التصور، الذي ينتقل من الشيء إلى الوعي و التصور المعاكس. إن هؤلاء اللاأدريين يسيرون تماما في خط فيخته، القائل بأن الإنسان لا يمكن أن يخرج من ذاته، معتقدا أنه ربط بين الأنا والمحيط، بين الوعي و الشيء، هناك إذن تكرار لبيركلي القائل، "إنني لا أدرك سوى أحاسيسي، و ليس لي بالتالي الحق في افتراض وجود شيء في ذاته"، أي خارج إحساسي.

    حسب لينين، فإن لسان حال النقديين التجريبيين يقول :

    "إن العالم هو إحساسي، واللاأنا "مفترض"(مخلوق، منتوج) من طرف أنايانا ، إن الشيء مرتبط بشكل لا فصام فيه بالوعي، إن التنسيق الذي لا ينفك بين أنايانا و المحيط، هو التنسيق المبدئي للمذهب النقدي التجريبي، إنه دائما نفس المبدأ، نفس الشيء القديم المقدم تحت علامة تم إنعاشها أو إعادة صباغتها".

    يقول لينين كذلك :

    "هذه المرة كذلك، فإن الفرق يقوم حصريا في مجال المصطلحات. عندما يقول ماخ بأن الأجسام، هي مركبات أحاسيس، فإنه يتبع بيركلي. و عندما "يصحح نفسه" قائلا بأن العناصر (الأحاسيس) يمكن أن تكون فيزيائية في ارتباط معين و نفسية في ارتباط آخر، فإنه هنا لاأدري، و يتبع هيوم.

    في فلسفته، لا يخرج ماخ عن هذين الاتجاهين، و يجب أن يكون المرء على سذاجة مفرطة لكي يثق بكلمات هذا الغامض، الذي يؤكد أنه "تجاوز" في الواقع المادية و المثالية".

    نجد هنا إذن، محاولة قبول الإحساس، لكن مع الزعم على أنه يذهب إلى العقل، و هذا العقل يقوم بتحريك دورة تأويل للأحاسيس، التي ليست في الحقيقة سوى مركبات أحاسيس، ذلك أن هذا الإحساس يتوفر على حياة مستقلة، و الحياة الداخلية هنا، هو ما يسمح للأحاسيس أن تدرك باعتبارها كذلك، إنه أفق يريد أن يذهب إلى ما وراء المثالية – ذلك أن الإحساس يعترف به - والمادية، ذلك أن الحياة النفسية لا يتم تصورها كانعكاس بسيط.

    في مواجهته لهذا الطرح أخرج لينين حجة منطقية من حجم كبير، تحطم هذه النظرة الأنطروبو مركزية، التي لا ترى وجودا للعالم إلا بوجودنا نحن، ذلك أن هؤلاء الكانطيين الجدد، النقديون التجريبيون، يعتبرون أن وجود عالم مستقل خارج نظرتنا الإنسانية هو أمر مستحيل. و يقول لينين:

    "إن علوم الطبيعة لا تسمح بالشك في تأكيدنا القائل أن الأرض كانت موجودة قبل وجود البشرية، أي حقيقة. و هذا أمر مقبول بالكامل من وجهة نظر المادية في المعرفة: وجود ما هو معكوس باستقلال عما هو عاكس (وجود عالم خارجي باستقلال عن الوعي) هو المبدأ الأساسي في المادية".

    ويخلص لينين إلى القول :

    "إن تأكيد العلم : الأرض سابقة على الإنسان، هو حقيقة موضوعية. إن هذا التأكيد من علوم الطبيعة لا يتوافق مع فلسفة تلامذة ماخ و نظريتهم حول الحقيقة : إذا كانت الحقيقة شكلا منظما للتجربة الإنسانية، فتأكيد وجود الأرض خارج هذه التجربة الإنسانية لا يمكنه أن يكون حقيقيا" .

    و يلخص لينين قائلا :

    "إن علوم الطبيعة تساند إيجابيا أن الأرض كانت موجودة في حالة، حيث لا الإنسان و لا أي كائن حي بشكل عام كان يسكنها و لا بإمكانه أن يسكنها. إن المادة العضوية هي ظاهرة حديثة، نتاج تطور طويل لم تكن هناك مادة لها إحساس، ليست هناك "مركبات إحساس"، و لا أي أنا من أي نوع كان، مرتبطة "بشكل لا فصام فيه" بالمحيط حسب مذهب أفيناريوس. إن المادة أولية و الفكر و الوعي و الإحساس هي نتاج تطور متقدم جدا : تلك هي النظرية المادية للمعرفة، التي تتبناها غريزيا علوم الطبيعة".

    خلاصة القول، نجد أن المثالية تنكر الواقع لصالح العقل (الفكر، الروح) أما المذهب النقدي التجريبي، فلا يفعل ذلك، و لكنه لا يعطي للواقع سوى قيمة جزئية، بمعنى آخر إنه تجريبي ينبني على التجربة، لكنه ليس إلا نقديا، و مع ذلك فإنه يؤمن باستقلالية العقل، و نظريته تقوم على الذهاب و الإياب بين العقل و المادة، و تزعم أنها نظرية ثالثة تتجاوز المادية و المثالية.

    يقول لينين :

    "إن المبدأ الأول لنظرية المعرفة، هو بدون أدنى شك، أن الإحساس هو المصدر الأول لمعارفنا. بعد قبول هذا المبدأ الأول من طرف ماخ، فإنه يلقي نوعا من الغموض على المبدأ الثاني الهام، الذي هو الواقع الموضوعي المعطى للإنسان في إحساسه، أو الذي يشكل مصدر الإحساس الإنساني. بالانطلاق من الإحساس، يمكن أن نتوجه نحو الذاتوية، التي تؤدي إلى السوليبسيزم (الأجسام هي مركبات أو تركيبات من الإحساس)، و يمكن أن نتوجه نحو الموضوعية، التي تؤدي إلى المادية (الإحساس هو صورة للأجسام، للعالم الخارجي".

    من وجهة النظر الأولى، وجهة نظر اللاأدرية (...) لا يمكن أن تكون هناك حقيقة موضوعية. و بالنسبة لوجهة النظر الثانية، اي المادية، فإنها تعترف بشكل أساسي بالحقيقة الموضوعية.

    و يضيف لينين :

    "باعتبارنا ماديين، و مع انجلز، نعتبر الكانطيين وتلامذة هيوم، لاأدريين، لأنهم ينكرون الواقع الموضوعي باعتباره مصدرا لإحساسنا (...) إن اللا أدري يقول، إنني أجهل هل يوجد واقع موضوعي منعكس، ممثلا في إحساسنا، و أعلن أنه من المستحيل معرفة ذلك (...) هنا نفي للحقيقة الموضوعية من طرف اللاأدري، و كذلك التسامح البورجوازي الصغير، الحقير و الجبان تجاه الإيمان بالمستأذبين (اعتقاد قديم في فرنسا و أوروبا، يؤمن بكائن أسطوري عبارة عن إنس يتحولون إلى ذئاب يجولون بالليل و يؤذون الناس بالعض فيتحولون بدورهم إلى كائنات شريرة) و العفاريت و القديسين الكاثوليك و أشياء أخرى مشابهة".

    عموما، فاللاأدري يتوقف عند حد الظاهرة، و بالنسبة له، فالشيء في ذاته، الذي لا يعترف به، لا يمكن معرفته.

    في سياق دحضه لأطروحات النقديين التجريبيين، قام لينين بتعميق نظرية الانعكاس الماركسية، مقدما إسهامات لينينية جديدة في هذا المجال، جعلت الفلسفة الماركسية و نظرية المعرفة المادية الجدلية حصنا حصينا في مواجهة الأطروحات الفلسفية المثالية بكل تلاوينها، بل أكثر من هذا و ذاك، جعلت المادية جديرة بأن تكون فلسفة الثورة.

    - لينين و نسبية المعارف الإنسانية

    إذا كان الفكر بالنسبة للمادي هو انعكاس للواقع، فهل هذا الانعكاس أصيل و كامل؟

    بالنسبة للمادي، فالمادة ليست ساكنة، كما هو الحال بالنسبة للمثاليين، فعند أرسطو، فالفكر هو انعكاس، لكن ما دام العالم ساكن فالفكر الأصيل يعرف ذروته في تأمل النظام الطبيعي الكوني.

    أما في المادية الجدلية، فكل سيرورة هي انعكاس مرتبط بالواقع الذي يتغير و يتحول، وما ينعكس له معنى في علاقة مع حركة المادة نفسها، حيث أن الشخص الذي يفكر هو أحد عناصرها. فليس هناك فكر مستقل و مفصول عن الواقع. فالموضوعية يجب أن، تكون "محايدة" حسب المنظرين البورجوازيين، و هذا مستحيل من وجهة نظر المادية الجدلية، فالواقع في حركة، و الفكر هو انعكاس مرتبط بكائن يتحرك في إطار ملموس .

    هكذا، فإن ما نعرفه هو نسبي، و في نفس الوقت هو غير نسبي حسب قانون التناقض.

    يقول لينين :

    "بالنسبة للمادي، فإن العالم هو أغنى، أكثر حياة، أكثر تنوعا مما يظهر، فكل تقدم للعلم يكتشف مظاهر جديدة. بالنسبة للمادي فإحساسنا، هو صورة للواقع الموضوعي الوحيد و الأسمى، و الأسمى ليس بمعنى أن الواقع تمت معرفته بالشكل الكامل، بل بمعنى أن خارجها لا يوجد و لا يمكن أن يوجد شيء آخر".

    إن المادية الجدلية تتضمن النسبية، لكنه لا يمكن اختزالها فيها، و هذه أطروحة أساسية. إن أعداء الماركسية، في محاولاتهم ضرب و تخريب المادية الجدلية، ينكشفون بالضبط، عندما يتبنون خطا يقوم على تسطير أهمية النسبية، مما يقود إلى الريبية، و يتهمون المادية الجدلية بالميتافيزيقية، تماما كما يفعل المذهب النقدي التجريبي و الكانطية الجديدة.

    و يلخص لينين الموضوع كما يلي :

    "بكلمة واحدة، فكل إيديولوجية هي تاريخيا نسبية، لكن الشيء الأكيد هو أن كل إيديولوجية علمية (عكس ما يقع، كمثال بالنسبة للإيديولوجيا الدينية) توافقها حقيقة موضوعية، طبيعة مطلقة. إن هذا التمييز بين الحقيقة المطلقة و الحقيقة النسبية مبهم، ستقولون ذلك، و سأجيبكم، إنها "مبهمة" إلى حد ما يمنع العلم من أن يصبح دوغما بالمعنى السيء للكلمة، شيء ميت، جامد، متكلس، لكنها "دقيقة" بما يكفي لوضع خط فاصل كثيف و غير قابل للانمحاء، بيننا و بين المذهب الإيماني، اللاأدرية، المثالية الفلسفية، و سفسطة تلامذة هيوم و كانط."

    "إنه الحد بين المادية الجدلية و النسبوية (...) فالجدلية كما شرحها هيجل، تدمج كلحظة من لحظاتها، النسبية، النفي، الشك، لكنها لا تختزل في النسبية".

    إن الموضوعة التي يعالجها لينين هنا لذات راهنية في عصرنا، و يكفي الاطلاع على ما ينشره بعض علماء الفيزياء و الأسطروفيزياء (خاصة من المدرسة الفرنسية النسبوية و التشكيكية) و تهافتهم في شرح قوانين الفيزياء و علاقتها بالكوسمولوجيا، حيث أثر التصورات الإيديولوجية الإنجيلية حاضر بشكل أو بآخر، في تقديم الشروحات حول نظرية "الانفجار العظيم"، فيعيدون إنتاج نظرية الخالق، الذي خلق الكون من عدم (كرياسيونيزم) ...

    إن الوهم القائم لدى عدد من علمائنا اليوم حول خلق النظرية الثالثة، التي تتجاوز الحدين الرئيسيين في الفلسفة : المادية و المثالية، يعيد إنتاج نظريات ماخ و أفيناريوس و هيوم.

    في مواجهة الماخيين القدامى دافع لينين عن الماركسية ،و عن وجهة نظرها ، التي تعترف بالإحساس ضد المثالية، لكن مع الاعتراف بالوعي كانعكاس، و بالممارسة كعنصر حقيقي يسمح بتبني الواقع كما هو، و يقول لينين :

    "إن الممارسة هي أحسن دحض للاأدرية كانط و هيوم، كما باقي الحيل الأخرى الفلسفية، و كما يكرر انجلز (إن نتيجة عملنا تبين تطابق إدراكاتنا مع الطبيعة الموضوعية للأشياء المدركة، إنه رد انجلز على اللاأدريين)".

    و يرى لينين أن المذهب النقدي التجريبي ليس إلا شكلا وسطيا – و هو أمر مستحيل – بين المثالية و المادية، على قاعدة وجود "عنصر ثالث".

    و يشير لينين إلى فكرة هامة، حول ماركس ورفيقه انجلز، قائلا:

    "تمظهرت عبقرية ماركس و انجلز، من بين أشياء أخرى، في احتقارها للعبة المتحذلقة للكلمات الجديدة و المصطلحات المعقدة و الإزمات (هي الكلمات التي تنتهي ب ISM (المترجم)) الماكرة، و كذلك ببساطتهما و لغتهما الصريحة : هناك في الفلسفة اتجاه مادي و آخر مثالي، و بينهما مختلف منوعات اللاأدرية. إن المجهودات المحاولة لإيجاد وجهات نظر "جديدة" في الفلسفة تكشف عن نفس الفقر الفكري في المحاولات الشاقة من أجل خلق نظرية "جديدة" للقيمة، نظرية "جديدة" للريع ...".

    و في معرض رده على أحد تلامذة أفيناريوس (يتعلق الأمر هنا بكارستنجن)، الذي حكى أن أستاذه قال مرة خلال حوار خاص :

    "إنني لا أعرف لا الفيزيائي و لا النفسي، لا أعرف إلا العنصر الثالث" قال لينين "إننا نعرف لماذا لم يستطع بلورة هذا المفهوم، ذلك أن العنصر الثالث ليس له مصطلح مضاد" "السؤال : ما هو العنصر الثالث؟ ينقصه المنطق".

    - العلم من منظور المذهب النقدي التجريبي :

    بالنسبة للمذهب النقدي التجريبي، ليس العلم سوى لغة رمزية بواسطتها ترى الإنسانية فضاءات منظمة بشكل تعسفي ... نحن هنا أمام مثالية ذاتية، العالم الخارجي، الطبيعة، قوانينها، التي ليست إلا رموزا لمعرفتنا، لكنها لبست لباس المهرج بمصطلح "عصري" متنوع و صارخ.

    "هكذا، كما يقول لينين، فالقانون القائل بأن الشتاء يتبع الخريف و الربيع يتبع الشتاء، ليس معطى لنا من خلال التجربة، بل تم خلقه عن طريق الفكر، كوسيلة للتنظيم و التنسيق و التركيب، وماذا و بماذا أيها الرفيق بوجدانوف" و يقول أيضا: "إن الكون هو حركة للمادة، تحكمها قوانين، و معرفتنا، نتاج أرقى للطبيعة، لا يمكن إلا أن تعكس هذه القوانين".

    و في مكان آخر يقول لينين :

    "ليس الفكر هو الذي يمتلك معايير يجب اتباعها، بل الواقع، إذ أن الفكر ليس إلا انعكاسا، و انعكاسا للكلية".

    و يضيف في مكان آخر، و هذا أمر مهم جدا :

    "إن الفكر الماركسي المزيف يريد "الاعتراف" بالماركسية، لكن ليس الاعتراف بديالكتيك الطبيعة، و هذا بشكل دقيق، بسبب مسألة الكلية، و بشكل لا يمكن تلافيه، إذا نحن اعتمدنا على "الفكر"، و ليس على الطبيعة، نغادر حقل المادية" .

    لقد اعتبر لينين، أن نقد الماخيين و النقديين التجريبيين عموما، لا يمكن أن يتم دون إثارة علاقة مذهب أستاذهم ماخ بالعلوم، الشيء الذي لم يفعله بليخانوف في نقده لهم، و اعتبر لينين أن فعل بليخانوف ذلك يعد استهزاء بروح المادية الجدلية، بل تضحية في منهج انجلز بروح النص لصالح النص الحرفي، خاصة وأن انجلز قال بشكل واضح : "على المادية بالضرورة أن تكتسب الصورة الجديدة مع كل اكتشاف هام بادي الأثر في التاريخ"، و نجد لذلك صدى عند لينين حين يقول :

    "إن الذي يطبق النظرية الماركسية، يجب ألا يقف من النظرية موقف المتعبد في محرابها، بل يترجم نصوصها و يتمسك بالحياة والواقع قبل كل شيء، مسترشدا بالنظرية العلمية و متناولا إياها من خلال ارتباطها الجدلي بالواقع الموضوعي، و مقدار تطابق نصوصها و موضوعاتها و تعاليمها مع الواقع التاريخي الملموس".

    إن مراجعة "شكل" المادية بمراجعة بعض مبادئ الفلسفة الطبيعية، لا علاقة له بالتحريفية بالمعنى المتعارف عليه، بل إن الماركسية تطالب بذلك. إن تلامذة ماخ يراوغون، عندما يدعون أنهم ينتقدون الشكل، و هم يخونون جوهر المادية.

    إن القاسم المشترك بين المؤسسات البورجوازية، هو إنكار المادة، و الزعم أنه لا يمكن فهمها. هناك، ولا شك في ذلك، أمر شاذ ولافت للنظر في هذا المفهوم للمادة، التي لا يمكن فهمها و الخاضعة لمحض الصدفة و لا يمكن التنبؤ بها.

    يعتبر لينين أن المادية الجدلية وحدها يمكنها أن ترشد الفيزياء و إعطائها قاعدة علمية أصيلة، فالمثالية تنكر المادة، تخترع "الحركات" فتراها مستقلة كما لو سقطت من السماء، هناك إذن نوع من "الإحيائية" و "الدينامية".

    "إن المادية الجدلية، يقول لينين، تؤكد على الطابع التقريبي، النسبي، لكل اقتراح علمي يخص بنية المادة (...)، و على الغياب لخطوط فصل مطلقة في الطبيعة، و على انتقال المادة المتحركة من حالة إلى أخرى، التي تظهر لنا غير متلائمة مع الأولى".

    "إن الفيزياء الجديدة، يضيف لينين، انحرفت نحو المثالية لأن الفيزيائيين يجهلون الديالكتيك بشكل رئيسي، لقد حاربوا المادية الميتافيزيقية (بالمعنى الذي استعمل فيه انجلز هذه الكلمة، و ليس بالمعنى الوضعي المستلهم من هيوم) مع "ميكانيكيتها" الأحادية الجانب، فألقوا الطفل و الماء الوسخ معا". "بتأكيدهم على الطابع التقريبي، النسبي لمعارفنا، انزلقوا إلى نفي المادة، أي الواقع الموضوعي في الطبيعة والقوانين الطبيعية، مصرحين أنها ليست إلا محض اتفاقات ...".

    - بصدد الزمان و المكان :

    في معرض دفاعه عن الأطروحة الماركسية حول المادة، التي تتحرك في الزمان و المكان، يحدد لينين أسس الطرح الفلسفي المادي الجدلي لمفهوم الزمان و المكان، يقول لينين :

    "باعترافها بوجود الواقع الموضوعي، أي المادة في حركة، باستقلال عن وعينا، و كذلك فإن المادية، تصل بشكل لا يمكن تلافيه، إلى الاعتراف بالواقع الموضوعي للمكان و الزمان، فهكذا، تتميز أولا عن الكانطية، التي بالنسبة لها، كما بالنسبة للمثالية، فإن الزمان و المكان هما شكلان للتأمل الإنساني، و ليست وقائع موضوعية (...)". "ليس الكون إلا مادة في حركة، و هذه المادة في حركة لا يمكن أن تتحرك إلا في الزمان والمكان. إن الأفكار الإنسانية حول الزمان و المكان هي أفكار نسبية، لكن مجموع هاته الأفكار النسبية يعطينا الحقيقة المطلقة : إن هاته الأفكار النسبية تتجه، في تطورها نحو الحقيقة المطلقة، و تقترب منها".

    - فخ الرياضيات و النسبوية :

    يقول لينين، أن السبب الأول للمثالية في ميدان الفيزياء، هو أن المحاولات الرجعية تولد من تقدم العلم نفسه، فالتطورات الكبرى لعلوم الطبيعة، و اكتشاف عناصر منسجمة و بسيطة للمادة، حيث قوانين الحركة يمكن تحويلها إلى تعابير رياضية، إن هذا الأمر ينسي المشتغلين بالرياضيات عنصر المادة، فلا تبقى إلا المعادلات، فتتم العودة إلى الفكرة الكانطية، و هي : العقل يملي قوانينه على الطبيعة.

    و يرى لينين، أن السبب الثاني للمثالية في مجال الفيزياء هو أن مبدأ النسبية، مع جهل الديالكتيك، يؤدي حتما إلى المثالية في الواقع، فوحدها الجدلية المادية، التي تحل، في نظرية صحيحة، مسألة النسبية، و من يجهل ذلك محكوم عليه بالانتقال من النسبية إلى المثالية الفلسفية. لقد كانت الرياضيات "الخالصة"، مقاربة تامة جدا بالنسبة للمثالية في معارضتها للمادية الجدلية.

    و من درس الماخيين، اللذين ظهروا على مسرح السياسة و الفلسفة و الفيزياء في سنوات ما بعد ثورة 1905، يصل لينين إلى خلاصة مفادها أن:

    "تلامذة ماخ لم يفهموا الماركسية، لكونهم عالجوها بالمقلوب، إنهم استوعبوا – أحيانا أقل من استوعبوا، بل حفظوا عن ظهر قلب، النظرية الاقتصادية و التاريخية لماركس، بدون أن يفهموا الأسس، أي المادية الفلسفية".

    إن كتاب "المادية و المذهب النقدي التجريبي"، قد ساهم بشكل كبير في بناء الحزب البلشفي، من خلال هزمه للفلسفة المثالية الماخية، التي كانت وراء أطروحات سياسية تؤدي إلى ضرب وحدة صفوف البلاشفة، و تكرس التشتت و التشرذم و الانهيار الذي تبع هزيمة ثورة 1905، و يعتبر الكتاب، الذي انتصرت فيه المادية الجدلية على النقدية التجريبية بمنوعاتها، سلاحا ثوريا ساهم في خلق أطر شيوعية بلشفية قادرة على قيادة الثورة الاشتراكية، حينما يحين أوانها، بل ساهم في تكوين آلاف الأطر بعد ذلك عبر العالم.

    و يحتفظ الكتاب دائما براهنيته، لأنه يزود المناضلين الماركسيين اللينينيين الثوريين بالفلسفة و المنهج الثوري للتصدي لكل الانحرافات، التي تؤدي إليها كل الخطوط البورجوازية و البورجوازية الصغيرة التحريفية، التي تنهل من كل التأويلات و الخرافات، التي تنبع، كما قال لينين، من تقدم العلوم نفسها، حيث ينخرط علماء يجهلون الفلسفة و الديالكتيك في بثها، و ينضاف إليهم فلاسفة يمضون كما قال أحدهم وقتهم في التنبؤ، أي بمعنى ترقب لحظة احتضار العلوم ليحكموا فيها آخر القرابين المقدسة للفلسفة، و ذلك "من أجل انتصار أعظم لله" (ieDamirlog merajM Ad).

    علي محمود

    15 – 4 – 2019