Ok
En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.
Aller au contenu
Le Centre Marxiste-Léniniste d'Etudes, de Recherches et de Formation
الـشــرارة
من الشرارة يولد اللهيب
الشرارة، الأداة النظرية للمركز الماركسي ــ اللينيني
للدراسات و الأبحاث و التكوين
لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية
من أجل خط ثوري ماركسي ــــ لينيني
-
ينشر الموقع أولى حلقات الجزء الثاني الذي يحمل عنوان: "الحزب الشيوعي الصيني من التأسيس إلى القواعد الثورية ومناطق السلطة السياسية الحمراء"، من سلسلة دفاتر "قوموا بالتحقيقات ولا تنطقوا بالحماقات". وهي السلسلة التي في جزئها الأول تم نشر أربع حلقات تتضمن تقديما وملخصا لأربعة نصوص لماو تسي تونغ (انظر الجزء الأول في خانة ملف الذكرى 68 لانتصار الثورة الصينية العظيمة)
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ
دفاتر "قوموا بالتحقيقات ولا تنطقوا بالحماقات"
الجزء الثاني
كلمة أولية
الحزب الشيوعي الصيني من التأسيس إلى القواعد الثورية ومناطق السلطة السياسية الحمراء
الحلقة الأولى
1 ــ الصين فترة تأسيس الحزب الشيوعي الصيني (1921): لمحة تاريخية مركزة
1 ــ 1 ــ الملامح السياسية الأساسية للفترة
1 ــ 2 ــ مخطوطة مبسطة للتقسيم السياسي
1 ــ 3 ــ الملامح الاجتماعية والاقتصادية الأساسية للفترة
2 ــ دخول البروليتاريا على خط النضال السياسي الوطني والطبقي
ـــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلمة أولية:
إن موضوع هذا الجزء الثاني، الذي ستحاول فيه دفاتر "قوموا بالتحقيقات ولا تنطقوا بالحماقات" تقديمه للمناضلين والقراء، هو جد شائك وغني من حيث الأحداث التاريخية، سواء تلك التي جرت داخل الصين، أو تلك المرتبطة بها والمتعلقة بالسياق والأحداث العالمية لتلك الفترة التي تميزت بتكالب القوى الرأسمالية الإمبريالية على خيرات الشعوب وثرواتها. ويزداد موضوع هذا الجزء الثاني تشابكا وعقدا وجب تفكيكها وتمحيصها والتحقق منها لعرضها بالوضوح اللازم بسبب المعوقات التي يتم الاصطدام بها في هذا الشأن، بدءا حتى من أسماء الأشخاص والأماكن مثلا، والتي تمت ترجمتها أحيانا من اللغة الصينية الكلاسيكية أو الأدبية "وينيان" الموروثة عن العهد الإمبراطوري، وأحيانا أخرى عن اللغة المنطوقة (العامية) "بايهو" التي عرفت انطلاقة قوية ابتداء من سنة 1917 بهدف جعل الأعمال الأدبية في متناول الجميع، ولكي ترتبط كذلك تلك الأعمال مباشرة بحياة وبالواقع الملموس للشعب، وهو ما جعل اسم مكان ما أو شخص ما قد يحمل على الأقل اسمين شبه مختلفين في الترجمات اللاتينية والعربية كذلك1. وصولا إلى العديد من الكتابات والدراسات المقدمة بهذا الشأن، وعلى الخصوص حين نعلم أن تلك القوى الإمبريالية وكلاب حراستها من الرجعيين، لم يعملوا فقط على اضطهاد الشعوب وسلب ثرواتها فقط، بل عملوا كذلك، عن طريق "مثقفيهم" من ممارسي الدعارة الفكرية والثقافية، على تشويه وتزوير تاريخ وتراث وتجارب تلك الشعوب وقواها الثورية بواسطة أجهزتهم الدعائية والإيديولوجية الهائلة والمتنوعة (في التعليم والإعلام والمكتبات ومعاهد الدراسات والبحوث...)، والتي أصبحت اليوم تجد لها الطريق بغلاف البحث العلمي والأكاديمي، في محاولة للتموقع بدون لون، إن وجد، وكأنها قائمة بذاتها وغير معنية أو متأثرة أو هي خارج الحرب الإيديولوجية الطبقية القائمة في الحاضر، أو الحرب الإيديولوجية التي جرت في الماضي وأصبحت مراجعا لصراع الحاضر. إن ذاك التاريخ، حين كان حينها هو الحاضر، كانت تتنازع فيه فئات وطبقات اجتماعية محددة، كل منها عمل على كتابة ذاك التاريخ من زاوية موقعه الطبقي والسياسي الذي كان يحتله حينها، وكل منها دافع في كتاباته، بناء على مصالحه، عن موقفه ومنظوره وقراءته لتلك المراحل التاريخية حينها، وكل منها كانت له، في كتاباته، تحاليله ورؤيته للأحداث التي شاركوا فيها، وكانوا فيها أطرافا نشيطة وفاعلة في خلقها. فتقديم كتابات ودراسات في الحاضر عن تلك الأحداث، بناء على كتابات الماضي (التي أصبحت اليوم هي المراجع التاريخية لتلك الأحداث)، هو في العمق تبني رؤية هذا الطرف أو ذاك، وهو دفاع في الحاضر عن منظور ضد أخر. فمن يدعون "الموضوعية التاريخية" في تقديم تلك الأحداث، وقصدهم هنا "الحياد" في تقديمها، أي وفي أقصى الحالات التي قد نراهم فيها، تقديم حدث ما فقط، مكانه وزمن وقوعه والأطراف المساهمة في وقوعه، هو في حد ذاته، عزل ذاك الحدث عن دينامية البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية التي فيها جرى حدوثه، أي تجريده من موضوعية تاريخيته وسلبه حياته الفعلية، وتقديمه وكأنه خال وفارغ من أي مضمون وإطار مادي تاريخي، ومن سيرورة الصراعات التي هي من مهدت له الطريق وتحكمت في حدوثه، وكأنه سقط أو حط هكذا من خارج الأرض التي عليها قد نشأ وتشكل وحدث فعلا. من دون أن ننسى اللغة المفاهيمية التي بها يتم تقديم هؤلاء لتلك الأحداث، والتي هي في النهاية جزء من هذا المنظور أو ذاك.
ويزداد موضوع هذا الجزء مرارة هذه المرة، حين نعلم أن بعضا ممن يرفعون راية "الشيوعية"، هم الأخرون ساهموا في تشويه ذاك التاريخ لتبرير موقف هذا الزعيم أو ذاك، ولدعم أطروحات يمينية وأخرى "يسراوية" عقائدية. حيث لم يسلم من هذا التشويه والتزوير، حتى الأرشيف الأممي الشيوعي، الذي عرف في بعض منه، ليس فقط تحويرا لفقراته وجمله ومفاهيمه وكلماته، قد يجد لها هؤلاء مبررا باسم أخطاء الترجمة أو الطبع، بل وصل الأمر بهم أن عملوا على حذف فقرات مهمة من بعض مواد ذاك الأرشيف الأممي الشيوعي، والتي من دونها، تصبح بعض قرارات وأطروحات الأممية الشيوعية ناقصة، قد توحي إلى معاني ومضامين وأهداف أخرى، غير المعاني والمضامين والأهداف التي كان قد أرادها لها مناضلوها ومكافحوها الذين استرخصوا حياتهم لأجل بنائها و لأجل رفع راية الثورة البروليتارية وكل الشعوب المضطهدة لأجل التحرر من الاستغلال والاضطهاد الرأسمالي الإمبريالي2.
إن الصراع الذي يخوضه الماركسيون ــ اللينينيون الثوريون اليوم، هو شامل، لا يخص المستقبل الثوري للبروليتاريا والشعوب المضطهدة وحده، كما لا يخص حاضرها المتجسد في تحصينها وتصليب عودها وتهييئها الحديدي للمعارك الثورية الكبرى، بل يمتد ذاك الصراع عميقا إلى تاريخ تراثها وتجاربها الثورية والوطنية، الذي يجب العمل على تنقيته وإزالة السموم التي نفثتها فيه على الخصوص القوى التحريفية. فضد هذه القوى يجد الصراع طريقه الثوري، وضد هذه الأعشاب السامة، يَصِحُّ الثوار وتَصِحُّ الثورة.
وكإشارة أخيرة، في هذه الكلمة الأولية لهذا الجزء، فما فتئت الانتهازية اليمينية من التبرير الإيديولوجي الممسوخ، لتعاملها السياسي مع القوى السياسية الظلامية، عن طريق ضرب المثل بتحالف الحزب الشيوعي الصيني مع حزب الكيومنتانغ "البرجوازي الوطني"، وسحب اسم ماو تسي تونغ وخطه الثوري على كل تجربة الحزب الشيوعي الصيني منذ تأسيسه إلى تحالفه مع حزب "البرجوازية الوطنية"، من دون تحديد للخط السياسي والإستراتيجي الذي دافع عنه ماو تسي تونغ وسط الحزب الشيوعي ووسط جماهير العمال والفلاحين الفقراء، ولا عرض سياقاته وظروفه السياسية والعسكرية، ولا من تحديد الأسس النظرية التي اعتمدها الحزب الشيوعي في تحالفه ذاك، ولا من تحديد طبيعة وشكل ذاك التحالف والمواقف المتصارعة حوله، سواء داخل الحزب الشيوعي أو وسط حزب الكيومنتانغ "البرجوازي الوطني" الذي كان حينها يتمتع بامتداد جماهيري وسط العمال والفلاحين والبرجوازية الصغيرة، والذي استطاع كذلك بناء جيش عسكري نظامي بعد تأسيسه لمدرسة عسكرية تحت إشراف من روسيا السوفياتية، وهو الحزب "الوطني" الذي في حقه اعترف لينين تسع سنوات قبل تأسيس الحزب الشيوعي الصيني، بعد الفشل الذي منيت به ثورة 1911، في إحدى مقالاته بعنوان "الديمقراطية والشعبوية بالصين" (كتب بتاريخ 15 يوليوز 1912، ونشر على البرافدا في 8 نونبر 1912)، بالطابع التقدمي لزعيمه "سان يات سن"، وبأن الثورة الديمقراطية بقيادة الكيومنتانغ (حينها) هي جديرة بالاهتمام بقدر ما هي تقاوم الاضطهاد الإمبريالي "الغربي"3.
كما لم تفتأ الانتهازية "اليسراوية" من الطعن في الحزب الشيوعي الصيني وهويته الماركسية ــ اللينينية بناء على تحالفه مع حزب الكيومنتانغ، ومحاولات تجريد الحزب الشيوعي الصيني من خطه البروليتاري الثوري خلال كل مراحل كفاحه الثوري، مع طبع كل تجربة الحزب الشيوعي الصيني منذ تأسيسه بطابع حزب ماو تسي تونغ، إلى حين وفاة هذا الأخير، من دون أي تحليل مادي تاريخي لتجربة الحزب الشيوعي الصيني، ولدور ماو تسي تونغ فيه، في مختلف فترات تطورات الصراعات الإيديولوجية والسياسية والعسكرية. هكذا أصبح كل تاريخ الحزب الشيوعي في منظور هؤلاء، حزب وتاريخ ماو تسي تونغ، وأصبحت كل مواقف الحزب وسياساته منذ التأسيس إلى انتصار الثورة، هي مواقف وسياسات ماو تسي تونغ. كما لم يفتأ هذا الخط "اليسراوي" العقائدي من رفع راية الأممية الشيوعية، الثالثة طبعا، و"راية" ستالين، في وجه التجربة الثورية للحزب الشيوعي الصيني، وبالأخص فيما يتعلق بطبيعة الثورة الصينية وبتحالفه مع حزب الكيومنتانغ، من دون أن يقوم هؤلاء حتى بإلقاء نظرة خاطفة على مقررات وأطروحات الأممية الشيوعية الثالثة حول "المسألة الوطنية والكولونيالية" بشكل عام، وحول المسألة الصينية بشكل خاص، وحول مهام الشيوعيين الصينيين فيها، قبل وبعد تأسيس الحزب الشيوعي الصيني، ولا من دون أن يتحقق هؤلاء من مواقف ستالين حول كل هذه المسائل (نعرض هنا استباقا لما سنأتي عليه لاحقا، موقف ستالين إثر الإعلان الذي ألقاه في الجلسة العامة السابعة للجنة التنفيذية للكومنترن في 30 نونبر 1926، أي في الوقت الذي فيه كانت قد انطلقت العديد من المناوشات السياسية والعسكرية ضد الحزب الشيوعي، ابتدأت بإعلان الأحكام العرفية في أواخر مارس 1926، حيث سيتم العمل على إقالة الشيوعيين من مسؤولياتهم السياسية والعسكرية وسط الكيومنتانغ، واعتقال العديد منهم شهر ماي 1926، وكذلك وضع القيود على النقابات العمالية الحمراء ونزع السلاح من العمال، وهي النقابات التي فيها كان الشيوعيون ينشطون بقوة، وكذا إجراءات قمعية ضد الفلاحين و اتحاداتهم الثورية. فكل هذه المناوشات كانت مقدمة للحملة الدموية التي سيتعرض لها العمال والفلاحون والشيوعيون ابتداء من ربيع 1927، حيث يقدر عدد القتلى حينذاك وسط الشيوعيين وحدهم ب 38000 (كان عدد أعضاء الحزب في تلك اللحظة، أبريل 1927، يناهز 57963 عضوا، بالإضافة إلى ما يناهز 35000 عضوا من الشبيبة الشيوعية)، أي عمليا الانقلاب على الثورة وإجهاضها على يد الجهاز العسكري للكيومنتانغ بقيادة "كاي تشيك"، حدثت هذه المجزرة أربعة أشهر بعد الإعلان الذي ألقاه ستالين بكل وضوح ووثوقية، وباسم اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية، وفي جلسة عامة يوم 30 نونبر 1926، حيث قال "إن التطور الشامل للثورة الصينية، طابعها وافاقها، تشير من دون أي شك، إلى أنه يجب على الشيوعيين الصينيين أن يظلوا في الكيومنتانغ، وأن يكثفوا عملهم داخل هذا الحزب"، وعليهم، أي الشيوعيون، "الدخول في حكومة كانتون" و"السعي بجهد لجعل الكيومنتانغ حزب الشعب الحقيقي"، وذلك بالنضال ضد جناحه اليميني (الجناح اليميني لحزب الكيومنتانغ) و"محاولاته تحويل الكيومنتانغ إلى حزب برجوازي")4.
نقول إذن لهؤلاء الذين يرفعون جهلا أو زورا5 "راية" ستالين في وجه تجربة تحالف الحزب الشيوعي الصيني مع حزب الكيومنتانغ، ومن دون أن نسقط في مستنقع "البوليميك" والعجرفة اللبرالية، فوضع الماركسيين ــ اللينينيين اليوم، لم يعد ليحتمل المزيد من الأمراض اللبرالية، نقول بجدية وحرقة ثورية، والأمر هنا، بالنسبة لنا، يسري على كل القضايا، في وحدتها الشاملة، التاريخية والنظرية والعملية: تجرؤوا، قوموا بالتحقيقات ولا تنطقوا بالحماقات.
الحزب الشيوعي الصيني من التأسيس
إلى القواعد الثورية ومناطق السلطة السياسية الحمراء
الحلقة الأولى
الصين فترة تأسيس الحزب الشيوعي الصيني (1921): لمحة تاريخية مركزة
الملامح السياسية الأساسية للفترة:
بضعة أشهر قبل التشكل الفعلي للحزب الشيوعي الصيني وانعقاد مؤتمره الأول سنة 1921، كانت هناك ثلاث أقطاب عسكرية تتنازع السلطة فيما بينها وتقتسم المحافظات "المركزية"، كما كانت هناك محافظات، البعيدة عن "المراكز"، وتعرف غالبيتها باسم مواقعها الجغرافية، تعرف نوعا ما من "الاستقلال" عن تلك المراكز وتقع تحت السلطة الفعلية لعسكريين محليين (أهمها منطقة "قوانغسي" والمناطق الجبلية شرقا، وهي منطقة توجد شمال شرق "قوانغ دونغ" التي شكلت مركزا لتواجد حزب الكيومنتانغ والحزب الشيوعي لاحقا). كما كانت هناك حكومة عميلة قائمة ببكين، من قبل تحالفات غير مستقرة، والتي كانت تحوز على اعتراف القوى الاستعمارية، كونها لم تعد النظر في "المعاهدات غير المتكافئة"، ولا في الرقابة المالية، ولم تطالب بالمناطق التي تم التنازل عنها والتي كانت في الواقع مستعمرات حقيقية، ثم لم تطرح قضية التنقل الحر للبواخر الحربية الاستعمارية في المياه الصينية. في الواقع، لقد كانت مهمتها الرئيسية هي التعامل مع القوى الإمبريالية، حيث كانت تتكون من "رئيس الجمهورية" ومجلس مصطنع يتم تنصيبه أو تغييره وفق إرادة الفئة الحاكمة العميلة ببكين، كما كان هناك برلمان فاسد ومثير للسخرية، حيث ناذرا ما كان يعقد دوراته واجتماعاته، أما بعض المحافظات التابعة لبكين، فقد كانت تحت السيادة والمراقبة الفعلية للسلطات العسكرية المحلية رغم أن شؤونها الإدارية كانت تتم باسم حكومة بكين.
قطب أول إذن يتمركز بمنطقة "موكدن" (توجد شمال بكين)، وقطب ثاني يتمركز بمنطقة "هوبي" (محاذية جنوبا لبكين) ويمتد جنوبا إلى منطقة "هوبيه" (محاذية ل "نانكين" في الشمال الشرقي) و "هونان" (المتواجدة شمال كانتون). وقطب ثالث يتمركز بالواد السفلي ل "يانغتسي" (يوجد شمال "كانتون" لمنطقة "قوانغ دونغ").
مخطوطة مبسطة للتقسيم السياسي:
من الشمال في اتجاه الجنوب: 1 ــ منطقة القطب العسكري الأول ـــ 2 ــ منطقة بكين ــــ 3 ــ منطقة القطب العسكري الثاني ـــ 4 ــ منطقة القطب العسكري الثالث ـــ ثم 5 ــ منطقة "قوانغ دونغ" التي تمركز فيها حزب الكيومنانتغ، ومركزها كانتون (وهي محاذية ل "هونغ كونغ" وكذلك لبعض المناطق الشرقية التي تقع تحت سلطة عسكريين محليين أهمها "قوانغسي").
كانت سلطة هذه الأقطاب العسكرية في الواقع، تخدم بالأساس ملاك الأراضي الكبار والفلاحين الأغنياء في الأرياف، وتمثلهم سياسيا على المستوى المحلي، كما هي تخدم في المراكز والمناطق الساحلية (شنغهاي مثلا و تين تسين وتسينغ تو) التي عرفت نشاطا اقتصاديا حديثا، فئة من الكمبرادوريين الذين برزوا كفئة طبقية إبان الاختراق الاستعماري ابتداء من النصف الثاني للقرن التاسع عشر.
في هذه الفترة التي سبقت تشكل الحزب الشيوعي الصيني، انعقد اجتماع في "كانتون" (منطقة قوانغ دونغ)، في 7 أبريل 1921، لحوالي 200 من أعضاء البرلمان السابق الذي تم انتخابه سنة 1913 بعد إسقاط الإمبراطورية وإعلان الجمهورية6، بهدف الإعلان عن تأسيس "حكومة شرعية" وتنصيب "سان يت سون" رئيسا لها (كان عمره حينها 65 سنة)، وهو الشخصية الوطنية البارزة لهذه الفترة. في الواقع، ف "سان يت سون" كان قبل هذا رئيسا لحكومة عسكرية بمنطقة "قوانغ دونغ" بين شتنبر 1917 وماي 1918 ليتم تنحيته من طرف السلطة العسكرية الحاكمة بمنطقة "قوانغسي" المحاذية لها. لم تعمر هذه "الحكومة الوطنية" ل "سان يت سون" طويلا، حيث ستختفي في يونيو 1922، ليتم تشكيل أخرى ب "كانتون" سنة 1923.
على إثر هذا الاجتماع ب "كانتون" لأجل الإعلان عن "حكومة وطنية شرعية"، انعقد مؤتمر في بكين، بتاريخ 25 أبريل 1921، من طرف أمراء الحرب الثلاث الأقوى بالصين في هذه الفترة، لإعادة ترتيب الأوضاع ووضع تنظيم جديد للمناطق التي تأثرت بسبب النزاع على السلطة. في الواقع شكل هذا المؤتمر احتجاجا وردا على التشكل الوشيك للحكومة الوطنية ل "سان يت سون" المنافسة للحكومة العميلة ببكين.
الملامح الاجتماعية والاقتصادية الأساسية للفترة:
لقد كان الوضع الاجتماعي مأساويا، تلخصه إحدى مقولات "سان يت سون" في هذه الفترة، حين قال: "عندنا (ويقصد بلد الصين)، لدينا فقط فقراء والأكثر فقرا". فالغالبية العظمى كانت تعمل في الزراعة التي لم تعرف حينها تطورا، بل حافظت على طرقها التقليدية والتي تتطلب من الفلاحين القيام بمجهودات جبارة جدا، وتنوجد تحت التأثير المباشر للتقلبات المناخية والرياح الموسمية والكوارث الطبيعية وما ينتج عنها من مجاعات التي كانت تواجهها السلطات القائمة باللامبالاة. فالغالبية العظمى من الفلاحين هي أمية، وثابتة على عاداتها القديمة ومحافظة على معتقداتها وطرق تفكيرها، وتعيش التعاسة على أعقاب الفوضى التي عمت تقسيم الأراضي وإيجاراتها والديون المترتبة عنها، حيث أن نسبة 10 بالمئة من ساكنة الريف وهم من ملاك الأراضي الكبار والفلاحين الأغنياء، كانوا يملكون أكثر من 50 بالمئة من الأراضي، في حين أن أزيد من 70 بالمئة هم من الفلاحين الفقراء، مضطرون لإيجار الأراضي بثمن يتجاوز غالبا نصف المحصول، أو العمل لدى ملاك الأراضي الكبار والفلاحين الأغنياء. (انظر بهذا الصدد التحقيقات التي قدمها ماو تسي تونغ حول الفلاحين والتي امتازت بالتشريح والتحليل الملموس والواضح لوضع الفلاحين، أو انظر ملخصات تلك النصوص في الجزء الأول من هذه الدفاتر).
على العموم، فالصين في هذه الفترة كانت بالأساس بلدا زراعيا وحرفيا (قارب عدد الحرفيين بالصين في هذه الفترة اثنا عشرة مليون)، حيث كانت الحرف الريفية والحضرية توفر ثلاث أرباع المنتجات الاستهلاكية اليومية. وبجانب العمل الزراعي والحرفي، نما قطاع اقتصادي "حديث" عن طريق القوى الإمبريالية في "مناطق النفوذ" كشنغهاي، تين تسين، ووهان، هونغ كونع (أطلق عليها ب "المستعمرة الملكية" أو "مستعمرة التاج")، كانتون والشمال الشرقي، وهو يهم النقل (سكك حديد، ملاحة ساحلية ونهرية)، الترسانات والمناجم والصناعات الخفيفة كالنسيج والصناعات الغدائية. أما الصناعة الثقيلة والتي تتطلب رأسمالا مهما ومهارات تقنية، فقد كانت ضعيفة وبطيئة التطور والتوسع، وممركزة أساسا في بعض المدن الكبيرة7.
لم تكن هذه البروليتاريا الحديثة النشأة، والتي تزامنت تاريخيا مع تشكل المجموعات الشيوعية الأولى، ثم مع تشكل الحزب الشيوعي الصيني، بقليلة العدد فقط (يقارب عددها المليونين في الوقت الذي كان فيه عدد سكان الصين يتجاوز 450 مليون نسمة) والممركزة في مجموعة من المناطق الشبه المستعمرة (شركات أجنبية استعمارية)، بل كذلك هي قريبة من جذورها الفلاحية التي تشكل غالبية السكان. فكثير من العمال هم مهاجرون مؤقتون ويشكلون قوة عاملة غير قارة، تعود إلى القرية عندما يقترب موسم الحصاد، وهي بدون خبرة وخاضعة بشكل قوي للتقاليد السائدة التي رسختها الإيديولوجية التراتبية للكونفوشيوسية.
سابقا كانت هذه البروليتاريا تتنظم في ثلاث أشكال: تعاونيات وهي تحت القيادة الفعلية لرب المعمل، أو نقابات إقليمية كانت تجمع عمال المدن الكبيرة (المراكز التي كانت تشكل "مناطق نفوذ" القوى الإمبريالية) وكان الانتماء إليها على أساس المدينة، ثم جمعيات سرية تتواجد أحيانا تحت قيادة "مجرمين" يلتحق بها العمال لحماية أنفسهم. تاريخيا يعود أول تنظيم نقابي للطبقة العاملة إلى نهاية 1850 مع نقابة "الحمالة" وعمال التغليف، وكان اول إضراب لها ب "المستعمرة الملكية" هونغ كونغ. فتاريخ الطبقة العاملة مليء بالإضرابات العمالية في صين ما بعد 1911، هكذا نجد إضرابات لعمال البريد ببكين وإضرابات عمال الترسانات سنة 1913، إضرابات عمال النقل سنة 1914، إضرابات عمال المناجم وعمال المطابع سنتي 1915 / 1916 على التوالي، وإضرابات عمال النسيج سنتي 1917 / 1918. كل هذه النضالات العمالية تم قمعها ولم تكن تحمل أي طابع أو مضمون سياسي، بل كان المستفيد الوحيد منها سياسيا بعد ذلك هو حزب الكيومنتانغ، عن طريق التحاق العديد من العمال به وكذلك بعض النقابات ("نقابة الحلاقين" مثلا). فالعمل السياسي منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كان في الغالب محصورا وسط البرجوازية، منظماتها ومثقفيها، وكان الاهتمام الكامل مركزا بالأساس على الوجود الاستعماري بالصين، وعلى المعاهدات السياسية والاقتصادية الغير المتكافئة أكثر من الاهتمام بالقضايا الاجتماعية. فالمطروح هنا بالنسبة لهم، هو قضية التحرر الوطني، تحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي، وتوحيد البلاد (أي اختيار طريق الثورة الديمقراطية البرجوازية التي تتوافق والسيرورة التاريخية التي فيها وجدوا لهم نماذج سابقة).
تجذر الإشارة إلى أن الصين قد عرفت، بعد إسقاط الإمبراطورية سنة 1911، بعض التحولات الاجتماعية مع انهيار "البنية الإدارية والعسكرية للإمبراطورية"، حيث انهارت معها فئة اجتماعية من كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين الذين كانوا قائمين على كل شؤونها، وبرزت فئة اجتماعية تتشكل من المثقفين "العصريين" والطلبة ذووا الميولات الوطنية والثورية والاستعدادات الهائلة لرفض الثقافة القديمة وفرض الرقابة على السلطة. كذلك برزت فئة مشكلة من بعض العسكريين المحليين الذين كانت لهم تطلعات ثورية ووطنية، إلا أنهم كانوا عالقين في نظام اجتماعي وسياسي لا يمكن لهم التخلص منه إلا إذا حلت الثورة أمامهم وحررتهم منه. وكذلك بروز فئة من برجوازية الأعمال الصناعية أو التجار القادمين من الخدمات المدنية، أو من أصول ملاك الأراضي الكبار، حيث منهم من ارتبط بمصالح الرأسمال الإمبريالي، ومنهم من كان نشاطه الصناعي أو التجاري في صراع معه. لم تعرف هذه الفئة الأخيرة انتعاشا مهما إلا إبان الحرب العالمية الأولى (1914 ــ 1918) بسبب انخفاض الاستيرادات من الخارج، حيث عرفت تطورات على مستوى الصناعات المحلية (الوطنية)، وأطلق على هذه الفترة بالنسبة لهذه البرجوازية ب "العصر الذهبي"، إذ لم تعرف خلالها سوى منافسة من جهة القوة الإمبريالية اليابانية التي ستصبح خلال معارك حركة 4 ماي 1919 هدفا للحركة من خلال الدعوة والعمل على مقاطعة كل منتوجاتها، و ضد استيلائها على "مناطق النفوذ" الألمانية ب "شانتونغ" وخط سكة الحديد "كياوتسي" ومناطق التعدين المحاذية لها.
إن تبلور هذه الفئات الاجتماعية توافق مع طبقة متوسطة صينية جديدة، ستزود بواسطة كوادرها الكبار والمتوسطين، من جهة، الأنظمة التي انشأها أمراء الحرب العسكريين، ومن جهة ثانية حزب الكيومنتانغ، وإلى حد ما ستزود الحزب الشيوعي الصيني في أطواره الأولى ببعض المثقفين الثوريين.
دخول البروليتاريا على خط النضال السياسي الوطني والطبقي
لقد جرت عملية انخراط البروليتاريا في النضال السياسي الوطني والطبقي خلال بروز حركة 4 ماي 1919، والحقيقة فالبروليتاريا دخلت هذا الصراع يوما قبل انطلاق تلك الحركة، حيث بتاريخ 3 ماي تظاهر العديد (ما يقارب ثلاث ألف عامل) من عمال "تسي نان فو"، عاصمة "شانتونغ" (توجد شمال نانكين) من أجل إعادة "تسينغ تاو" للصين (وهي مدينة كبيرة بمحافظة "شانتونغ" والواقعة تحت النفوذ الألماني). ومعلوم أن "تسينغ تاو" (بها قاعدة بحرية ألمانية) كانت من بين المناطق التي استولت عليها اليابان ضدا على ألمانيا خلال بداية الحرب العالمية الأولى، تحديدا في 7 نونبر 1914. ومعلوم كذلك، بعد هذا، وفي 18 يناير 1915 أن اليابان قدمت "المطالب الواحدة والعشرين" للصين التي وافق عليها الخائن رقم واحد "يوان شي كاي" أحد زعماء أمراء الحرب الشماليين8، والتي لم تكن تعني، تلك المطالب إن هي طبقت، سوى أن الصين ستصبح تحت الحماية الكاملة للإمبريالية اليابانية.
لقد دخلت الصين الحرب العالمية الأولى في 14 غشت 1917، وهو الأمر الذي مكنها بعد ذلك من المشاركة فيما سمي ب "مؤتمر السلام" (بباريس) إلى جانب القوى الإمبريالية، حيث ستحاول طرح قضية الوجود العسكري بها، وقضية عودة "مناطق النفوذ" الامبريالية إليها ومجموعة من المطالب المرتبطة بالجمارك...، إلا ان المؤتمر اعتبر أن هذه المطالب كلها تتجاوز حدوده وأنه يستحيل معالجتها من خلاله. لتحاول الصين بعدها طرح قضية سحب "المطالب الواحدة والعشرين" اليابانية لسنة 1915، وتمنى مرة أخرى بالفشل، ويمنح لها الحق فقط في مناقشة تراجع اليابان عما استولت عليه من مناطق "النفوذ الألماني" بمنطقة "شانتونغ"، لكن ومن دون نتيجة، لتبقى المنطقة تحت سيطرة الإمبريالية اليابانية (مشاريع قرارات هذا المؤتمر فيما يخص هذه القضية، هي التي سيتم المصادقة عليها فيما سمي ب "معاهدة فرساي").
حين علم بهذه القرارات، انطلقت ببكين حركة احتجاجية طلابية بشعارات مناهضة للإمبريالية في البداية، لتطور بسرعة إلى مناهضة الحكومة العميلة ببكين بشعارات: "لنناضل ضد الخونة"، "لنرفض التوقيع على المعاهدة"، "من أجل سحب المطالب الواحدة والعشرين" (اليابانية)، "لنقاطع المنتوجات اليابانية". وبلغ السخط أوجه، حين علم أن اتفاقا سريا مع اليابان، كان قد عقد على خلفية "المطالب الواحدة والعشرين" حيث ستمنح اليابان الصين قرضا قيمته 20مليون "ين" خلال تمرير "مناطق النفوذ الألمانية" إليها. وهو الأمر الذي جعل الاتجاه العام لحركة الاحتجاجات يتجه نحو الحكومة التابعة للقوى الإمبريالية، وبالخصوص التركيز على من شاركوا في تلك المفاوضات.
تطورت الحركة بسرعة في اتجاه انخراط طلبة جامعات شنغهاي، نانكين، تين تسين...، ومع امتداداتها هذه انخرط التجار والعمال والحرفيين، وعلى الخصوص عمال الشركات اليابانية مع مقاطعة منتوجاتها بالأسواق من طرف التجار. التحقت العديد من القطاعات العمالية بالحركة، قطاع النسيج والنقل، البريد وعمال المناجم وعمال ورشات سكك الحديد، حيث كانت البروليتاريا هذه المرة أكثر تنظيما من السابق.
لقد عرفت هذه الحركة تصاعدا مهما بانخراط البروليتاريا فيها (على الخصوص بين 3 و 11 يونيو)9 بعد الاعتقالات الجماعية للطلبة التي شملت العديد من المناطق (في بكين وحدها تجاوز عدد الاعتقالات 1000 طالب)، ونجحت هذه الحركة الاحتجاجية في وضع حد لمشاركة الصين في الحرب، وفرض تراجع الحكومة العميلة على التوقيع على "معاهدة فرساي" في 28 يونيو 1919، وكذلك إقالة الوزراء الثلاث الذين شاركوا في المفاوضات التنازلية لليابان.
الملاحظ إذن، أن الحركة عرفت تحولا سريعا من مناهضة الإمبريالية، إلى النضال أيضا ضد القطب السياسي ــ العسكري الحاكم والمتواطئ مع الإمبريالية. فقبل هذا، كان هناك فصل بين النضال ضد السلطة السياسية القائمة، ممثلة ملاك الأراضي الكبار والكمبرادوريين، والنضال ضد الإمبريالية، وأن الربط بينهما كان غير محدد لعدم الربط بين الطرفين. وهو ما يحسب لحركة 4 ماي، التي أنتجت وضعا معاديا للطرفين معا10، ووحدت الشعارات ضدهما، وشكلت عمليا جبهة متحدة جمعت البروليتاريا والحرفيين والتجار والبرجوازية الصغيرة والمتوسطة المعادية للإمبريالية. لقد غلبت على هذه الحركة بشكل عام الإيديولوجية الوطنية وخط النضال الوطني الديمقراطي، والذي في بوتقته تمت عملية تشكل الوعي الطبقي البروليتاري، وانطلاق سيرورة دمج وانصهار قضية التحرر الطبقي بالتحرر الوطني، حيث أصبحت القضايا الطبقية في قلب القضايا الوطنية، وأن التحرر الاجتماعي من الطبقات الحاكمة عميلة الإمبريالية، هو جوهر التحرر السياسي والاقتصادي من الاستعمار.
من جهة أخرى، لقد ساهمت حركة 4 ماي بقوة في الانتصار النهائي للغة المنطوقة (بايهو) على اللغة الكلاسيكية والأدبية (وينيان) الموروثة عن العهد الإمبراطوري، والتي كانت محتكرة وسط الفئات النخبوية "المثقفة" البرجوازية. فمؤسس الحزب الشيوعي الصيني (لاحقا) "شن تو سيو" كان من بين المساهمين الأوائل، خلال سنة 1917، في الدعاية لاستعمال اللغة المنطوقة، حيث اعتبر ان استعمالاتها عن طريق الصحافة والنشر سيعزز الدعاية للثقافة الجديدة والأفكار السياسية الجديدة وسط الجماهير. بهذا الخصوص استطاع الشيوعيون، بعد حركة 4 ماي، التموقع على رأس هذه الحركة الثقافية والأدبية التي ساهم فيها كذلك العديد من المثقفين والمفكرين والكتاب اللبراليون، المدافعون عن اللغة المنطوقة ضد اللغة الأدبية الموروثة عن العهد الإمبراطوري، وضد الكونفوشيوسية التي كان شعار الشيوعيين فيها: "لنقلب دكان كونفوشيوس". فبالنسبة للشيوعيين الصينيين، شكلت حركة 4 ماي نقطة بداية لمرحلة جديدة من زاوية نظر إيديولوجية وثقافية11، وبهذا الصدد كتب ماو تسي تونغ في "الديمقراطية الجديدة" أن "حركة 4 ماي ولدت بناء على نداء الثورة العالمية، نداء الثورة الروسية، نداء لينين. فهي جزء من الثورة البروليتارية العالمية للمرحلة". (يتبع بحلقة ثانية / الجزء الثاني)
حمو العبيوي
28 أبريل 2019
الهوامش