En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.
و نظرا لأهمية هذا الكتاب، الذي حظي بجوائز عالمية، و نظرا للقيمة المعرفية للكتاب، و ما تضمنه من معطيات جديدة حول حياة كارل ماركس العائلية و النضالية، و نظرا لكونه قد أماط اللثام عن جانب حميمي في حياة ماركس، يخص علاقته بزوجته و بناته الثلاث، و لكون الكاتبة قد قضت ثماني سنوات من البحث و التنقيب في حياة ماركس و أسرته، و نظرا لما قد يقدمه من إفادة للمناضلين و القراء على حد سواء، فقد ارتأى موقع "الشرارة" أن ينشر استجوابا للكاتبة (ماري غابرييل) قام به الصحافي دفيد بيستيو David Pestieauسنة 2017، و نشر على موقع المجلة الإلكترونية LAVA و منه قمنا بترجمة نص الاستجواب عن الفرنسية، من أجل تعميم الفائدة، و ذلك بمناسبة الذكرى 201 على ولادة كارل ماركس في 5 ماي 1818 .
الحب و رأس المال، الأمس و اليوم
(ماري غابرييل)
مقابلة أجراها الصحافي ديفيد بيستيو مع ماري غابرييل
(نص المقابلة)
قضت ماري غابرييل ثماني سنوات مع كارل ماركس و أسرته، و تقول "لم يكن يتحدث بالضرورة إلى جيله، في نواحي كثيرة، كان يتحدث عن عصرنا"
بعد مرور 150 سنة من صدور "رأس المال"، مقابلة مع الكاتبة ماري غابرييل.
بعد 150 سنة، نبش لرسائل غير منشورة، و السعي لاكتشاف الدوافع العميقة، اختيارات حياته، سياق مواقفه، باختصار، لمحاولة اكتشاف الرجل الذي يقف وراء العمل، و وجدت ماركس، و لكن كذلك وجدت زوجته جيني، و بناته: جيني، لورا و إليانور، و بالطبع فردريك انجلز، لقد أصبح الحب و "رأس المال": كارل و جيني، ماركس وولادة ثورة، الكتاب الأكثر مبيعا و الذي صدر سنة 2011.
دفيد بيستيو :
طردت فرنسا كارل ماركس بسبب نشاطه السياسي و عمله في صحيفة معارضة للإمبراطورية الألمانية، و استقر في بروكسيل في فبراير 1845، و تؤكدين أن قصة ماركس، المفكر السياسي الذي نعرفه تبدأ في بلجيكا ؟
ماري غابرييل :
بالضبط، في نونبر 1847، أي قبل 170 سنة تقريبا، غادر ماركس و بعض زملائه، بمن فيهم فردريك انجلز، أوستند إلى لندن، حيث ذهب ليحضر الاجتماع الأول ل "عصبة الشيوعيين"، كانت هذه العصبة التي تشكلت قبل بضعة أشهر، أول تنظيم بروليتاري، الذي انخرط فيه ماركس. في آخر اللقاء، بعد أسبوع بالكاد من وصوله إلى لندن طلب منه أن يكتب ما سيصبح "بيان الحزب الشيوعي".
حاول الكثيرون قبل ماركس، لكن لا أحد منهم جلب الرضى، لذلك تحولت العصبة نحو ماركس و انجلز، و قالت لهما: "خذوا تلك الملاحظات، التي توجد عندنا، و انظروا إذا كان بإمكانكم استخلاص شيء منها".
حسنا، ترك انجلز ماركس بمفرده في بروكسيل، إذن، جلس ماركس على طاولة في غرفة الطعام، و بمساعدة زوجته جيني عمل لبضعة اشهر لإخراج النص الأكثر ثورية في القرن 19، "بيان الحزب الشيوعي"، لذلك يمكننا القول أن كل شيء بدأ في بروكسيل.
دفيد بيستيو :
هذا إذن، منذ 170 سنة، لا يمكن للمرء أن يكتب تاريخ الحركة العمالية في القرن 20، دون الرجوع إلى ماركس، علاوة على ذلك، فقد أثر في جميع العلوم الإنسانية، من الاقتصاد إلى علم الاجتماع و الفلسفة، و أكثر من ذلك، و مع ذلك، يقول البعض أن أفكار ماركس لم تعد صالحة اليوم، أليس كذلك؟
أعتقد أن مراجعة البيان ستظهر أن هذا غير صحيح على الإطلاق، فما يمكنه أن يقوله لنا هو أمر حيوي، و يمكن للجميع أن يتعلم منه شيئا.
ماري غابرييل:
يقرأ بيان ماركس، كمقدمة لقضية قضائية، ربما تلميحا للمحامي الذي كان يمكن أن يكونه، إنه يبدأ بنبرة ميلودرامية "شبح يطارد أوروبا، شبح الشيوعية"، ثم يتجاوز هذه "الحكاية" بوصفه للشيوعية و النظام الفاسد الذي يأمل أن تحل محله.
في تركيبه لأفكار المثقفين و الاقتصاديين الآخرين، قبل أن يصنعها بنفسه، وصف ماركس الجرائم التي ارتكبتها البورجوازية، و التي كما يقول "لم تترك أي صلة بين الإنسان و الإنسان إلا المصلحة الباردة و المتطلبات الصعبة ب"الدفع النقدي"، يقول أن النظام قد حول مهنا تقليدية محترمة (الأطباء و المحامون و الكهنة و الشعراء و العلماء) و العلاقات الأسرية [ ...] إلى مجرد علاقات نقدية".
وصف ماركس اضطرابات (زوابع) عالم يسيطر عليه رأس المال، بسبب حاجته إلى إحداث ثورة مستمرة في الإنتاج، و تحقيق الربح، الأمر الذي بدوره يتطلب أسواقا جديدة في جميع أنحاء العالم، "التي عليها أن تنغرس في كل مكان، و استغلالها في كل مكان و ربط علاقات في كل مكان".
لقد زود هذا النظام التجاري المنتجين عبر المحيطات بالمواد الخام من البلدان البعيدة، لكي تباع هذه المنتجات إلى مستهلكين، على بعد من السكة الحديدية و السفينة، لقد انهارت الصناعات الوطنية القديمة، تماما مثل الحضارات القديمة، و استوعبت النظام الصناعي الجديد، يقول ماركس "باختصار "فإن البورجوازية "تضع عالما على صورتها"، و يوضح، أن هذا المجتمع زرع بذور تدميره، مثل ساحر لم يعد يعرف كيف يسيطر على القوى الجهنمية التي استحضرها".
تتفاقم الأزمات التجارية بسبب فائض الإنتاج، فتصبح الطبقة العاملة، البروليتاريا الثورية محرك الثورة، "قبل كل شيء تنتج البورجوازية حفاري قبرها، فسقوطها و انتصار البروليتاريا هو أيضا لا مفر منه".
بالنسبة لماركس، يعد هذا الصراع الطبقي عاملا من عوامل التقدم التاريخي، بنفس الطريقة، التي يشكل بها المنتج أو الاكتشاف، الذي قام به جيل من البشر أساس التحسين في الجيل التالي.
قال ماركس أن الشيوعية أساسا، هي تطور الملكية الخاصة، لقد رد على المخاوف المحتملة للنقد، من خلال الإشارة إلى أن تسعة أعشار السكان في ذلك العصر، لا يملكون شيئا على كل حال، فالأشخاص الوحيدون الذين لديهم شيئا يخسرونه، هم الأقلية، التي استفادت من الاستغلال، "الشيوعية لا تحرم أي شخص من امتلاك المنتجات الاجتماعية، إنها تزيل فقط القدرة على الاستعباد، بواسطة تملك عمل الآخرين".
لماذا يجب على الصناعة، التي يعتمد عملها على عمل 100 شخص، و حتى 1000 شخص، إثراء أقلية فقط، لماذا يجب أن تكون موارد الأرض و المعادن و الأراضي و البحار تحت السيطرة الحصرية لشخص واحد لتحقيق مكاسبه الشخصية؟
و قد رد ماركس على منتقديه، الذين يزعمون أن الشيوعية تهدد استقرار الأسرة، من خلال الإشارة إلى نفاقهم، حيث أشار إلى أنه في النظام الصناعي للبورجوازية، كان الأطفال محرومين من طفولتهم، لا يتلقون أي تعليم، و لكنهم عوملوا "كمجرد أدوات للتجارة، كمجرد أدوات عمل"، و فيما يتعلق بالعلاقات الزوجية، فقد تم تدميرها أيضا من طرف طبقة المال، التي تستغل الزوجات و الفتيات جنسيا، و حيث الأعضاء "يجدون متعة فريدة في إغواء بعضهم البعض".
"بدلا من المجتمع البورجوازي القديم، بطبقاته و تناقضاته الطبقية، تنشأ رابطة يكون فيها التطور الحر لكل فرد شرطا للتنمية الحرة للجميع"، لكنه قال، أن هذا لا يمكن أن يحدث إلا برفض جميع الظروف الاجتماعية القائمة بقوة، و كتب يقول "دع الطبقات الحاكمة ترتعش من فكرة الثورة الشيوعية" "ليس للبروليتاريين أن يخسروا سوى قيودهم، فلديهم عالم يربحونه"، ثم أضاف هذه العبارة الشهيرة: "يا عمال العالم اتحدوا".
في الواقع، فإن ماركس يتحدث عن عالمنا اليوم، و هذه هي المشكلة، و السبب في سوء فهمه في زمانه، وسوء فهمه في القرن 20، لأنه مثل كل المفكرين العظماء لم يخاطب بالضرورة جيله، أو حتى جيل بناته، و أولئك الذين اتبعوه، إنه في نواحي كثيرة، كان يتحدث إلينا، أي يتحدث إلى عصرنا.
دفيد بيستيو :
بالنظر إلى أصوله، لا يوجد شيء كان يهيئ ماركس لمثل هذه الحياة، فما الظروف التي قررت حياته المهنية؟
ماري غابرييل :
كان ماركس ابن محامي يهودي في مدينة تريف في الراين السفلى، كان والده من أبناء الثورة الفرنسية عندما احتل نابوليون منطقة الراين السفلى، و قد تمكن والد ماركس من اكتشاف أفكار الثورة الفرنسية عن "الحرية و المساواة و الإخاء"، لقد كان تأثر ماركس ببروسيا أقل من تأثره بالأفكار الفرنسية، لكنه تلقى أيضا تكوينا قويا وسط تقاليد ألمانية رومانسية، لذلك عندما أنهى دراسته، كان يفكر أنه سيعمل على إنقاذ البشرية.
في ذلك الوقت بالطبع، لم يكن يعرف كيف تبدو الإنسانية، لأنه لم يغادر تريف أبدا، لكن في سلسلة من التحركات من أجل دراسته، وجد طريقه نحو بون و برلين، ثم كولونيا، و في كل رحلة تعلم أن يعرف فلسفات جديدة، مع كل تحرك، كان العالم الذي يحيط به يتغير بشكل كبير، و لحسن الحظ بالنسبة لنا، فإني أعتقد، من وجهة نظر تاريخية، أن واحدة من التغيرات التي حدثت في ذلك الوقت، أنه أصبح من الصعب جدا على شاب مثل ماركس الحصول على وظيفة مدرس في الجامعة، فلو نجح لكان بإمكانه ببساطة أن يصبح فيلسوفا مثل الآخرين، الذين كتبوا كتبا ليقرأها طلابه، و ربما قرأها البعض منا، لكنني متأكدة من أن كتاباته لن تكون هي نفسها، و لن تكون قد أثرت على العالم بنفس الطريقة، و هكذا كان على ماركس أن يصبح صحافيا، و هو البديل المفضل للأشخاص من طبقته، الذين ليس لهم خيارات أخرى، و هو أمر يلائمه جدا، فإن ما أراد أن يدرسه حقا هو المجتمع. لقد تلقى تكوينا فلسفيا، لكنه يريد دراسة المجتمع الذي يحيط به، لأن هدفه كان هو تغيير الإنسانية، كان عليه أن يفهم الرجال و النساء من حوله، و قد فتحت له الصحافة طريقا معبدا، لكن بسبب الرقابة في بروسيا، فقد اضطر إلى الذهاب إلى باريس للكتابة و التعبير عن نفسه بحرية.
انتقل ماركس و زوجته الشابة جيني فون ويستفالن، ابنة البارون البروسي إلى باريس، و التي تبين أنها كانت خيارا سعيدا، لأنه في ذلك الوقت، كانت باريس نقطة التقاء، من سيصيرون الثوريين العالميين، الذين انجذبوا كلهم نحو هذه المدينة، حيث كانوا أحرارا في القول و التفكير و التصرف و التخطيط دون مضايقة الحكومة، لقد كانت باريس إذن، بمثابة مختبر لجميع الإيديولوجيات، التي سادت في القرن 20، و التي ولدت في القرن 19 : الاشتراكية، الشيوعية، الرأسمالية و الفوضوية، لقد كانت المختبر، الذي وجد فيه ماركس نفسه، و هناك سيلتقي بعض الناس، الذين سيبصمون ما تبقى من حياته، و في مقدمتهم فردريك انجلز. كانا يعرفان بعضهم البعض عن طريق كتاباتهما، لكنهما استطاعا في النهاية أن يلتقيا في مقهى في باريس، و حسب ما يحكى، فقد تحدثا لمدة 10 أيام و 10 ليال، لقد أصبحا صديقين، و الأهم من ذلك، فقد أصبحا متعاونين طيلة الحياة، و هكذا بقي ماركس في باريس للعمل و الكتابة لأطول فترة ممكنة، إلى أن أجبرته الحكومة البروسية على المغادرة مرة أخرى بتدخل من الحكومة الفرنسية.
دفيد بيستيو :
و ما الذي أتى به إلى بروكسيل ؟
ماري غابرييل :
بالفعل، فذلك ما أتى به إلى بروكسيل، و هي مدينة أخرى عظيمة بالنسبة إليه، من جهة، لحجمها الصغير، و هذا جعله على اتصال بالمزيد من المهاجرين الألمان، و في هذه المرحلة ما زال يستهدف بروسيا و ألمانيا بشكل عام، و كان وجوده ضمن مجموعة من المهاجرين الألمان في بروكسيل، قد سمح له بتطوير قاعدة هنا، و من الناحية التاريخية، عندما نتحدث عن حزب ماركس، حتى قبل الحديث عن الحزب الماركسي، فإننا نشير إلى دزينة من الأشخاص حول ماركس في بروكسيل في ذلك الوقت، و ضمن عددهم يجب أن نعد انجلز، ربما بقي هناك عشرات الأشخاص ليسوا بأقارب، و الذين شكلوا القوات الصدامية لحزب ماركس، و يمنحك هذا فكرة عن حزب سياسي يبدأ من لا شيء تقريبا، يبدأ من لا شيء و يصبح حركة غيرت تاريخ العالم.
منذ بروكسيل ... و كان ماركس في بروكسيل في سنة 1848، عندما حدثت الثورات، التي اجتاحت أوروبا القارية، و بالطبع أراد أن يكون في قلب كل هذا، لذلك عاد إلى باريس، التي أصبحت بمثابة أوديسا بالنسبة لماركس و أسرته، التي تكبر، لقد كان لديه ثلاثة أطفال صغار في ذلك الوقت، و في المجموع سيكون له سبعة أطفال، لكن نجا منهم ثلاثة فقط، بسبب ظروف ماركس المعيشية، فلم يقتصر الأمر على أنه أجبر على السفر مرارا و تكرارا من بلد لآخر لتجنب السجن، ما دام أنه أصبح أكثر راديكالية، بل نفذت مصادر دخله، و عند وصوله إلى انجلترا كان مفلسا عمليا. لقد كانت انجلترا الإعلان الأخير للثوريين، و المثير للاهتمام أن ذلك كان بالنسبة للملوك المخلوعين أيضا.
يبدو أن جميع أولئك الذين طردوا من بلد ما من قبل الشعب، أو من قبل الحكومة، وجدوا أنفسهم في مكان ما في انجلترا، و خاصة في لندن، و كان ماركس من بين هؤلاء.
دفيد بيستيو :
يقوم عمل ماركس الرئيسي "رأس المال" بتحليل عميق لمنعطفات النظام الرأسمالي، و كشف قانون القيمة، و العديد من المفاهيم الاقتصادية الأخرى، التي تعارض بشكل جذري النظريات الاقتصادية الليبرالية الكلاسيكية، لكن لماذا انطلق من "نقد الاقتصاد السياسي"، الذي نحتفل به هذا العام، و لماذا استغرق 17 سنة لكتابة الجزء الأول؟
ماري غابرييل :
في سنة 1851، عندما كان في لندن و قرر أن يكتب "رأس المال"، في هذه المرحلة أصبح مفهوم الرأسمالية شائعا، فقد كانت الفكرة تدور في الأجواء منذ الأربعينات، لكنك ستلاحظ أنه حتى في "بيان الحزب الشيوعي" لم يستخدم ماركس أبدا كلمة الرأسمالية، و هذا يبين إلى أي درجة كان المفهوم جديدا، و هكذا في هذه السنة، عندما قرر أن يكتب "رأس المال"، كان يكافح ضد نظام لم يفهمه سوى القليل من الناس، أو حتى كانوا قادرين على تسميته، و في الوقت نفسه كتب عن انهياره، الذي اعتقد أنه امر لا مفر منه، بسبب نقاط الضعف الجوهرية للرأسمالية، لذلك طلب من الناس أن يقوموا معه بتلك الخطوة العملاقة من الأمل، كان الأمر أشبه برمي قرائه في مستقبلنا. و أعتقد أن هذا جزء من الأسباب التي جعلته يستغرق مدة طويلة لتأليف هذا الكتاب، لقد كان يكتب عن نظام يتطور بسرعة كبيرة، و في جميع أنحاء العالم، فبمجرد أن يقول "ها أنا أقبض عليه" حتى كان يحدث تغيير هائل في مكان آخر في العالم، و كان عليه أن يعود إلى مكتبه، لقد كانت حياته أشبه بسعي رائع وراء نظام، كان يحاول أن يشرحه لساكنة لا تعرف حتى وجود مثل هذا النظام، في حين أنه كان سبب كل آلامها.
دفيد بيستيو :
لقد أوضحت أن ماركس كان ينتمي إلى عائلة بورجوازية من تريف في ألمانيا، و أنه تزوج أرستقراطية، و في حياته واجه الوضع الأكثر حرمانا في المجتمع، لكن ما الذي جعله يتخذ موقفا لصالح العمال؟
ماري غابرييل :
عندما أجبر ماركس على الانتقال إلى بروكسيل سنة 1845، دعا فردريك انجلز نجل مالك مصانع في الراين السفلى و انجلترا في مدينة مانشستر، ماركس إلى مرافقته هناك: عندما كان صغيرا، كان انجلز يعمل في مصانع والده، و قد كان يرغب في الدراسة في الجامعة، لكن والده كان يخشى أن ينتهي به المطاف في مجموعة يسارية هيجلية، و أراد أن يبقى فردريك في الشركة العائلية، لذا أرسله إلى مانشستر، الشيء الذي كان ناجحا جدا، ما دام أنه في مانشستر تلقى نوعا آخر من التعليمات، لقد تعلم كيف يعمل النظام الصناعي. في ذلك الوقت، كانت مانشستر مركز التصنيع العالمي، فقد كان لديها أكبر صناعة للقطن، و كان النظام الصناعي يستفيد من العمال الأكثر استغلالا على وجه الأرض، هؤلاء العمال، الذين لم يعاملوا معاملة أفضل من الحيوانات، فقد كان على عشرين شخصا أن يتشاركوا في غرفة تتسع لشخص واحد، و يتقاسم 120 شخصا مرحاضا واحدا في الخارج، و كان عليهم أن يعملوا سبعة أيام في الأسبوع، ثم التضحية بالأطفال و الرجال و النساء، و الأسر بكاملها من أجل المصنع.
و عوضا من البقاء في مكتبه في المصنع، و في النوادي، حيث يوجد ارباب المصانع جنبا إلى جنب مع أقرانهم، تعرف انجلز على إحدى العاملات تدعى ماري بورنس، التي أخذته إلى الحي الإيرلندي، حي العمال، و بفضلها، و بفضل هؤلاء العمال، تمكن من أن يقف عن كثب على كل مظاهر هذا النظام الرأسمالي "الرائع"، لقد أراد إظهار كل هذا لماركس، لذلك في سنة 1845 غادر الرجلان بروكسيل في اتجاه انجلترا، حيث مكثا هناك بضعة أسابيع.
كان يمكن لانجلز أن يعيش دون ماركس، لكن لم يكن ماركس ليعيش دون انجلز
كانت هذه الرحلة ضرورية للغاية لتطوير ماركس، لأن ماركس قبل الرحلة إلى مانشستر، وماركس بعدها، شخصان مختلفان تماما. كان الشغف و الغضب، الذين شعر بهما ماركس، و نفاذ الصبر الذي أظهره بعد مانشستر، كل هذا كان واضحا على الفور في كتاباته، و في علاقته مع المثقفين الآخرين، و هكذا تمكن ماركس من اكتشاف النظام الصناعي، و المكاتب، و كذلك ورشة العمل و قذارة مساكن العمال، بهناك حيث عاشوا، حيث ماتوا، و حيث رقصوا و أكلوا ... إنه جحيم حقيقي.
و ماركس الذي خرج من ذلك، ماركس ذلك، الذي قال إن الفلاسفة لا يمكنهم قضاء وقتهم في الحديث عن الأفكار، فعليهم التحدث عن الواقع المادي للعامل و العاملة، إنه من الضروري أن تكون قادرا على إطعام إنسان، و إلباس إنسان، و التأكد من هل لدى الأسرة شيئا تأكله، قبل طرح الأفكار حول السياسة و الفلسفة، لأنه طالما أن الاحتياجات المادية للإنسان غير مشبعة، فإن الاحتياجات الأخرى لا معنى لها، إنها بكل بساطة مجردة جدا، أعتقد أن ذلك حقا، كان لحد ما، ميلاد كارل ماركس، الذي شرع في كتابة "رأس المال".
دفيد بيستيو :
يطرح السؤال الإيرلندي في كتابات ماركس، و يمكننا القول، أنه من خلال إيرلندا طور ماركس أفكاره الأولى ضد الامبراطورية البريطانية و الامبريالية، و حتى ضد العنصرية، التي سادت في المجتمع الانجليزي، هل يمكن أن تحدثينا عن ذلك أكثر؟
ماري غابرييل :
إن المسألة الإيرلندية أمر شغل عائلة ماركس بأكملها، و من خلال انجلز اكتشف ماركس المشكلة الإيرلندية. كان هناك في مانشستير عدد هائل من العمال، الذين فروا من إيرلندا، و الذين فروا من الاحتلال البريطاني لإيرلندا، لقد دخل في اتصال مع الراديكاليين، الذين كانوا يسمون آنذاك Les feniensعن طريق انجلز و ماري بورنس و مانشستر. و أدرك ماركس، أنه بالإضافة إلى الرأسمالية، الكلمة التي كانت تنتشر في سنة 1850 – 1851، هناك مصطلح آخر اصبح مفروغا منه اليوم، و أصبح أكثر شيوعا في ذلك الوقت أيضا، هو مصطلح الامبريالية.
لقد خرج ماركس منها بخلاصة، مفادها، أنه بالنسبة للعامل، ليس في انجلترا فقط، و لكن في جميع أنحاء العالم، أنه من أجل التحرر لتحطيم النظام الرأسمالي، يجب ان يسقط النظام الاستعماري، و المكان المثالي لسقوط النظام الاستعماري هو انجلترا، و نقطة الضعف في انجلترا كانت هي إيرلندا، لأنها كانت تتوفر أصلا على ساكنة غاضبة و ثورية. و قول ماركس مع نفسه، أنه مع القليل من التعليم، يمكن لهؤلاء العمال أن يتعلموا كيف يعودون إلى بلادهم و طرد الانجليز منها، لقد اعتقد، و كان على حق، أنه بوقاحة، يطرد البريطانيون الإيرلنديين من إيرلاندا، من أجل تحويل البلاد إلى ضيعة زراعية، من أجل تغذية الساكنة البريطانية، التي تعرف نموا، لذلك استبدلوا العمال الإيرلنديين، الذين فروا إلى مانشستر، بملاك الأراضي البريطانيين، الذين أقاموا مزارع يرعون فيها حيواناتهم لإطعام السكان البريطانيين.
البروليتاريون الانجليز و الإيرلنديين
"الشيء المهم، هو أن كل مركز صناعي و تجاري في انجلترا، يتوفر الآن على طبقة عاملة مقسمة إلى معسكرين معاديين : البروليتاريون الانجليز، و البروليتاريون الإيرلنديون، العامل الانجليزي المتوسط يكره العامل الإيرلندي، الذي يرى فيه منافسا يحط من مستوى عيشه [...] لديه تحيزات دينية و اجتماعية و قومية ضد العمال الإيرلنديين، إنه يتصرف إلى حد كبير مثل الفقراء البيض في مواجهة الزنوج في ولايات الرقيق القديمة في الولايات المتحدة الأمريكية [...] هذا التناقض هو سر عجز الطبقة العاملة الانجليزية، على الرغم من تنظيمها، هذا هو سر إبقاء الطبقة الرأسمالية في السلطة، و الطبقة الرأسمالية تدرك ذلك تماما". (رسالة من ماركس إلى سيجفريد ماير و أوغوست فوغت، في نيويورك، 9 أبريل 1870) .
هكذا قضى ماركس الكثير من الوقت، و بذلت بناته الكثير من الجهد لمساعدة الإيرلنديين.
لم يمنح لماركس الكثير من المال لأجل هذا، و بالتأكيد القليل منه لبناته، لقد ركزت جيني ابنته الكبرى على إطلاق سراح السجناء الإيرلنديين من السجون البريطانية، و كتبت سلسلة من الرسائل، التي نشرت في الصحف الفرنسية، و التي أدت بالفعل إلى إطلاق سراح بعض السجناء الإيرلنديين الأكثر شهرة، لكن مع الأسف، فلأنها كانت امرأة لم يمنح لها الكثير من الفضل في ذلك.
دفيد بيستيو :
ورد في كتابك، أن ماركس أسيء فهمه من قبل معاصريه طوال معظم حياته، لكن، و للمفارقة، كان معروفا كثيرا، عندما عرفت به المؤسسة الأوروبية نفسها خلال كومونة باريس سنة 1871. كيف أثرت هذه الحلقة أيضا عن ما كانه ماركس، و الطريقة التي كان ينظر إليه بها في ذلك الوقت ؟
ماري غابرييل :
كان ماركس محاصرا في لندن بعد أن تم طرده من فرنسا، دون أن يكون له إذن بالعودة، لذلك كان قائدا ل "الجمعية الدولية للعمال" من بعيد، التي شارك بعض أعضائها في كومونة باريس. لم تكن بأي حال من الأحوال القوة المهيمنة، لكن ماركس كان يتراسل معهم، و كانت الرسائل تمشي ذهابا و إيابا، لكي تأتي له بالتقارير، و كان بالأساس مشاركا مهتما، لكن لم يكن أبدا قائدا. في الواقع، و في بداية الأمر، اعتقد هو و انجلز، أن الكومونة كانت فكرة خاطئة محكوم عليها بالفشل.
كانت كومونة باريس ثورة عفوية يقودها السكان، الذين وجدوا أنفسهم محاصرين لأول مرة في باريس لمدة أربعة أشهر من قبل البروسيين، الذين أحاطوا بالعاصمة، بعد استسلام الحكومة الفرنسية، فقرر الباريسيون ألا يتخلوا عن مدينتهم، سواء كانت الحكومة الفرنسية، التي لم يعودوا يثقون بها، أو البروسيين، الذين نظروا إليهم كغزاة، لذلك ثاروا دون الحاجة إلى محرضين خارجيين لتحفيزهم. لكن عند نهاية الكومونة، بما أن الحكومة الفرنسية أرادت من جنودها أن ينقلبوا ضد الفرنسيين، ضد الباريسيين، كان عليها أن تقنع الجمهور، بأن الأشخاص الذين يقودون الكومونة، و أن فكرة الكومونة نفسها، لم تكن فرنسية و لا سخطا باريسيا ضد الحكومة الفرنسية، لكن كان أحد الأجانب، أحد الألمان من لندن، هو الرجل الشرير وراء كومونة باريس. هكذا بدأت الحكومة حملة، من فم إلى أذن، لكي تصبح إدانة دولية مدوية لشخص ألماني يدعى كارل ماركس في لندن، و الذي أطلق عليه "طبيب الإرهاب الأحمر"، و الذي وصف أنه الدماغ، الذي ليس أنه يهدد باريس فقط، الذي لم يكن فقط مسؤولا عن كومونة باريس، أو الفوضى التي سادت فيها، لكن لديه جيوش من مشعلي الحرائق، الذين سيهددون لندن أيضا و ربما حتى شيكاغو. تاريخيا، هذا ما تفعله الحكومات عندما تريد تجاهل حقيقة أن المشكلة لها جذورها في مجتمع معين، يجب أن يقنعوا السكان، أن الذي يقوم بالتمرد ليس شعبهم، إنما هناك شخص غريب يقوم بسحب الخيوط، هكذا أصبح ماركس مشهورا. لقد كتب كتابا رائعا بعنوان "الحرب الأهلية في فرنسا"، إنه كتاب ممتاز، ممكن أن تضع يدك عليه، و علاوة على ذلك، فقد كان أكثر أعماله قراءة قيد حياته.
دفيد يبستيو :
هل يمكنك التحدث عن مساهمة انجلز في نشر الأجزاء الأخيرة ل "رأس المال؟ لأنه إذا كان ماركس قد كتب الجزء الأول، فإن الجزئين الأخيرين صدرا بعد وفاة ماركس بفضل عمل انجلز على أساس ملاحظات ماركس، إنه لأمر مثير للإعجاب أن هذا الرجل، الذي بلغ من العمر عتيا (أكثر من 70 سنة) حقق مثل هذا العمل، و بمثل هذه القوة.
ماري غابرييل :
شكل انجلز جزءا من تاريخ ماركس، و في الحقيقة لا يوجد تاريخ ماركس بدون تاريخ انجلز، و تعد هذه واحدة من أعظم الصداقات في التاريخ، لقد قدم انجلز نفسه باعتباره غازل القطن و عضوا في المدفعية الملكية، كان له من التواضع ما لم يكن لشخص في مقامه، لقد كان مفكرا لامعا، و كان يمتلك الحماسة، التي افتقر إليها ماركس، تعطش للحياة، تعطش للأفكار. عندما التقى ماركس في باريس خلال تلك الأيام العشرة الشهيرة، كان يبحث عن شخص أو فكرة يكرس نفسه لها، و رأى ذلك في ماركس. لقد فهم أن هذا الرجل يحتاج إلى الإلهام و الحماية، لأن ماركس كان الباحث و الفيلسوف النموذجي، الذي لم يكن جيدا في إدارة المشكلات اليومية، لأن عقله كان دائما في مكان آخر، لقد كرس انجلز نفسه طيلة حياته لتوفير الاحتياجات المادية لعائلة ماركس، لقد عاد لمصنع والده، الذي يكرهه، لكسب ما يكفي من المال لمنحه لعائلة ماركس من أجل البقاء.
لم ينشر ماركس عند وفاته إلا كتابا واحدا من "رأس المال"، و كان من المفروض أن ينشر منه أربعة. لقد كان يكتب باستمرار، لكن لم يكن أحد يعلم أين وصل في الكتابة، و أي حالة كانت عليها، لم يكن يريد الحديث عن ذلك مخافة أن يقول أحد أنه يريد نشره، فذلك كان سيمارس ضغطا عليه، الشي الذي لا يستطيع تدبيره.
عندما توفي ماركس، قام انجلز بفحص أوراقه، و اكتشف أن الكتاب الثاني قد اكتمل تقريبا، لكن، كانت أيضا هناك مئات الصفحات من الملاحظات الخاصة بالمجلد الثالث، و مادة خام جدا لما يمكن أن يكون المجلد الرابع.
اعتقد انجلز أنه كما فعل أثناء حياة ماركس، كان عليه الاستمرار في هذا العمل حتى بعد وفاته، كان عليه الاستمرار في حماية ماركس و الحفاظ عليه، و بما أن ماركس لم يعد حاضرا جسديا، فإن الطريقة الوحيدة للحفاظ عليه كانت هي نشر أفكاره، و ليس ذلك ما فعله فقط، بل كذلك أبقى على قيد الحياة المنظمات العمالية، التي أنشأها ماركس، كما أشرف على الأممية الثانية، لقد كان لا يكل. في النهاية، عند وفاته، كانت بنات ماركس في مستوى استعادة المشعل.
لقد كان من الممكن وجود انجلز بدون ماركس، لكن لم يكن ماركس ليوجد بدون انجلز.
دفيد بيستيو :
كتابك لا يتحدث فقط عن ماركس و انجلز، و لكن أيضا عن جيني ماركس و بنات ماركس، فدورهم لا زال حتى الآن مهملا، ف "الحب و رأس المال" ليس سيرة لحياة ماركس، و لكن أيضا سيرة أسرة ماركس، زوجته و بناته الثلاث. إنه النقطة القوية في كتابك، ما ذا كان تأثير جيني على حياة ماركس؟ ما هي الصعوبات، التي واجهت نساء القرن 19، اللائي كن يرغبن في تغيير العالم؟
ماري غابرييل :
كانت جيني بمثابة مرسى لماركس، فلولاها لكان ما أطلقه عليه والده "مفكر يدور على نفسه في غرفته"، كان سيقضي حياته، و أنفه وسط الكتب، فقد سمحت له جيني بالتعبير و الإفصاح عما في صدره، الخروج من فقاعته، فقاعة المفكر، و جعلت منه كائنا اجتماعيا. لكن بالإضافة إلى ذلك، فقد أعطته الأمن و الثقة التي يحتاجها، وإذا كان شخص ما يحلق عقليا، فهو بحاجة إلى شخص ما للحفاظ على قدميه على الأرض، و هذا ما فعلته. علاوة على ذلك، فقد كان حقا يحترمها جدا على المستوى الفكري، لأنه معها، يمكن أن يتبادلا الأفكار، و يمكنه أن يقوم بذلك معها و مع انجلز.
بطبيعة الحال، تاريخيا، فالفضل في ذلك هو لانجلز تقريبا، و أبدا بالنسبة لجيني، و مع ذلك منذ بداية علاقتهما، عامل ماركس جيني فكريا على قدم المساواة، لم يكن ليستطيع تحمل أن يكون مع أحد لا يمكن أن يناقش معه النقط الأكثر حساسية عندما تعن له، فعلى سبيل المثال، عندما كان عليه أن يكتب "بيان الحزب الشيوعي"، كانت جيني هي من قامت بنسخه، ولم يكن دورها يقتصر على أخذ النقط، بل كان تبادلا حقيقيا للفكر. من نواحي كثيرة، فإن جيني هي الشخص، الذي سمح لكارل ماركس عقليا و عاطفيا و جسديا، أن يكون كارل ماركس، لقد سمحت له بمتابعة ذكائه الكبير هناك إلى حيث يؤديه، و لا يهم الزمن الذي سيستغرقه، لقد كان عليها أن تقوم بتضحيات، كما هو الحال بالنسبة لجميع نساء القرن 19، وكما هو الحال لبعض نساء القرن 20، و بعض نساء القرن 21 سيقومن بها أيضا.
لقد ضحت بنفسها من أجل أن تتبعه إلى حياة الفقر، الفقر المدقع، هي التي كانت ابنة أرستقراطي، كان يمكن أن تعيش حياة أرستقراطية في ألمانيا، و كان شقيقها وزيرا للداخلية في بروسيا، لقد جاءت من واحدة من أكثر العائلات الأعلى شأنا في الراين السفلى، و مع ذلك فقد تخلت عن كل شيء، لأنها أحبت كارل و احترمت أفكاره. ثم أمضت بناته الثلاث حياتهن في العمل من أجله، لقد كرسن حياتهن من أجل فكرته، فقد كن سكرتيراته و باحثاته، و مع الأسف، فقد تزوجن أيضا رجالا ثوريين، كانوا أقل بكثير موهبة، نسخ متدنية جدا من والدهم.
ساهمت بنات ماركس الثلاث في الحركة الماركسية، التي تدين لهما بالكثير، لكن كان للثلاثة مصير مأساوي، فإثنتان منهن انتحرتا هكذا و ببساطة.
عندما يكرس المرء حياته لهدف، و يكون الفرد على استعداد للتضحية بكل شيء من أجل ذلك المثل الأعلى، أو ذلك الشخص، فالمرء حتما يتخلى عن جزء من نفسه، و هؤلاء الشابات الثلاث ضحين بحياتهن تماما، كما أعطت جيني زوجته حياتها، لكن إذا طرح عليهن السؤال "هل أنتن نادمات؟ سأشك كثيرا في أن أحدا منهن سيقول نعم، لأنه حتى لو أنه من الناحية المادية لا يملكن شيئا، فقد كان لهن عالما فكريا كاملا، لقد كن في الخط الأول للثورة، لقد كن وسط الإعصار: أفكار هذا الرجل، كانت لهن حياة غنية، عميقة و متوحشة، لقد كن فقيرات فقط في عيون العالم.
دفيد بيستيو :
غالبا ما يتم توجيه اللوم لماركس، كونه كان غير ذا اهتمام فيما يخص مسألة الجنسين، و كان عنده بالأخص مفهوم ذكوري للطبقة العاملة، و في تأويل حياته يعتبرونه باترياركيا، هل من الصعب أن نقول أن ماركس كان نسويا؟
ماري غابرييل :
لقد كان ماركس نتاج القرن 19، و في "جمعية العمال الدولية"، فكلمة عامل هي بكل تأكيد ذكورية، و إن كان كثير من النساء هن أيضا كذلك، خاصة في زمن الكومونة. كان بعض المبعوثين الأكثر شجاعة، الذين كان ماركس يرسلهم إلى فرنسا نساء شابات، و كان عدد منهم من بناته، لكن ماركس لم يعالج حقا مسألة النسوية أو حقوق المرأة، لم يكن يعتقد حقا أنه يحتاج إلى التمييز بين الرجال و النساء عند وصف حقوق العمال، لأن العمال الذين تحدث عنهم في المصانع لم يكونوا رجالا فقط، بل نساء و أطفالا أيضا، لذلك، فعلى الرغم من أنه يتحدث عن العاملات في "رأس المال" فهو لا يعالج قضية النسوية1.
فيما يتعلق بأسرته و بناته و زوجته فقد كانوا منخرطين عن كثب في جميع جوانب عمله، فالمسألة كانت قضية أسرة، لقد شكلت أفكار ماركس شركة عائلية، و لم يفكر أبدا أنهن غير قادرات تماما على فهم ما كان يتحدث عنه، بل الإتيان بالأفكار، أو تأويل أفكاره و تمثيله، فعلى سبيل المثال، عملت ابنتاه الكبرى لورا و جيني في اسبانيا و فرنسا، خاصة لورا مع زوجها بول لافارغ، الذي كان ممثلا حقيقيا لماركس، يسعين جاهدات لنشر الماركسية في اسبانيا، و قامت لورا بالكثير من الترجمات لعمل ماركس، إذن، كانت بناته منخرطات في كواليس الكتابة، و هما الأكبر سنا، جيني في الصحافة، و لورا في الترجمات.
حسب ماركس، لا يمكن استبدال جزء من حكومة، لأنه إذا بقي جزء واحد فقط من النظام القديم، فسيؤدي ذلك إلى تعفن الباقي.
كانت أوليانور، أصغر بناته مقاتلة شارع، لقد كانت تجسد بالمعنى الحقيقي نظريات والدها، إنها بطريقة ما، مثال على ما يمكن القيام به بالاستيلاء على أفكار ماركس، لقد جلبت هذه الأفكار إلى العمال، و أنشأت نقابات وأحزاب سياسية.
أظن إذن، أنه حتى و إن لم يثر ماركس مسالة النسوية، إلا أنه لم يميز ضد المرأة بأي شكل من الأشكال، إنه فقط موضوع لم يعالجه. لا ينبغي للمرء أن يفكر في زوجته و بناته، و هن في الحقيقة يعملن غالبا معه في المنزل، في الكواليس، كإشارة إلى أن ماركس كان يمكن أن يكون طاغية، ففي القرن 19 لم تتح للنساء فرصة القيام بما يقمن به اليوم.
إذن، كان دور جيني كزوجة، أن تكون لوحة تنسيق لأفكاره، أو أن تكون ناشرة لكتاباته، أو مساهمة في أفكاره، و إذا لم تطالب باعتراف بهذا، فليس لأن ماركس لا يريد ذلك، إنه فقط الدور، الذي كان للنساء في القرن 19، لكن في هذا النوع من الأنشطة المسيج بالأعراف الاجتماعية، كانت هؤلاء النساء تقدميات جدا، وجنودا منخرطين بشكل عميق في أول جيش لماركس.
دفيد بيستيو :
ماذا عن أوليانور، البنت الصغرى لماركس ؟
ماري غابرييل :
شاركت أوليانور بشكل خاص في تأسيس "حزب العمل البريطاني"، و إذا كان ماركس قد أدرك أن الاحتياجات المادية للإنسان يجب أن تكون لها الأولوية، فهذا يعني أن حزبا سياسيا عليه الاهتمام بمدة العمل و بالأجر، هل كان العمال يكسبون ما يكفي للعيش من أجل البقاء؟ لقد استعادت أوليانور نظرية والدها و حولتها، مع الأشخاص الذين تشاركت معهم نفس الأفكار، إلى عمل سياسي، لقد طوروا حزبا كان يعمل باسم العمال.
كان ينظر إلى اشتراكيي ذلك العصر، و الجيل السابق، جيل أوليانور على أنهم ليبراليون ضعفاء، أو ما يمكن تسميته هكذا، اليوم.
كان على جيل إليانور، و الأشخاص الذين يعملون معها في لندن إقناع النقابات، أن الاشتراكيين يمكن أن يساعدوهم على تنظيم الإضرابات بإنشاء صناديق الإضراب. في البداية عرفت إضراباتهم نجاحا ملحوظا، و أنا أتحدث عن إضراب عمال الرصيف، الذي جمع عمال لندن و انجلترا الأكثر اضطهادا، و أعطتهم الوسائل لمهاجمة شركات الشحن، التي كانت قوية للغاية، و تحقيق الانتصار. أعتقد أن إليانور استعادت نظرية ماركس و طبقتها بشكل ملموس على مستوى نقابي، لقد قامت بعمل هائل، لكن حياتها تحطمت بسبب أزمة شخصية، لكن، نعم، وسعت هي و أخواتها جاذبية الماركسية، و نشرها في اسبانيا و فرنسا، لكن إيليانور هي التي، من خلال عملها أعطت الحياة لنظريات ماركس.
دفيد بيستيو :
لا يتحدث كتابك عن حياة ماركس فحسب، بل يتحدث أيضا عن السنوات التي تلت وفاته، عندما، بمعنى آخر، تحققت أفكاره، تحدثت عن انجلز، سنوات بعد وفاة ماركس، أنه ذهب إلى مظاهرة، و أنه قال لإيليانور ماركس : "فقط لو كان ماركس قد رأى هذا" ...
ماري غابرييل :
نعم أنت على حق تماما، هذه الأفكار تأتي من ماركس، فكما تعلم، عندما تعمل على مرض ما، فهناك الدراسات المخبرية، و لكن كذلك، هناك تجارب سريرية، حيث تعمل على ناس، و يمكن القول أن الجيل الموالي ينطبق عليه ذلك الانتقال إلى التجارب السريرية. يجب رؤية التطور، فقد كان هناك حوالي 17 شخصا في بروكسيل في حزب ماركس، حتى أنهم لم يطلقوا على أنفسهم اسما قبل الأممية الأولى (1861)، و هي منظمة دولية للعمال، انضم إليها ماركس للتو، و التي أصبح زعيمها النظري، ثم اختفت سنة (1872) لأن اللحظة حقا لم تكن مواتية، و 15 سنة بعد ذلك (1889) في الأممية الثانية، كان هناك جيل جديد، و كان انجلز آنذاك رجلا مسنا، كان هناك جيل جديد تماما، و توسعت القاعدة، لم يكن هناك عمال فقط، و لكن أيضا مثقفون، و هكذا كانت لهم قاعدة أكثر صلابة لبناء الأرضية المقبلة. عندما تفكر في الأمر، ترى أنه لم يكن هناك سوى 11 شخصا في جنازة ماركس، و في العام التالي في ذكرى وفاته كان هناك حوالي 3000 شخصا في هايد بارك يشيدون به. هذا يبين مدى سرعة التزايد، لقد كان جزء من ذلك يرجع إلى كون الناس يكتشفون "رأس المال"، لأنه في هذا الوقت ترجم إلى الفرنسية و الروسية ... ليس لأن الحكومات أصبحت متعاونة فجأة، أبدا، بل السبب أن العمال بدأوا في إسماع صوتهم. عندما أصبح العمال الأوائل أعضاء في البرلمان الانجليزي، فهم لم يكونوا أولئك الرجال، الذين كانوا يمثلون العمال حتى ذلك الحين، أي الاشتراكيين من الطبقة العليا، بل كانوا عمالا حقيقيين في ملابس العامل، و قد أصبح ذلك ممكنا بفضل النقابات، التي زودتهما قاعدة، التي كانوا يحتاجون إليها لتشكيل منظمة للانضمام إلى حزب سياسي.
دفيد بيستيو :
لقد وجدت مهما ما قلته حول الأجيال المختلفة، لقد أنهيت كتابك مع دفن لافارغ صهر ماركس، و في تلك اللحظة هناك جيل جديد من القادة، جوريس، بلوم، لينين ...
ماري غابرييل :
نعم، لأنه بالنسبة للينين، كان لافارغ رجلا عجوزا، لقد كتبت في نهاية الكتاب، أنه عندما قام لينين بتأبين في جنازة لافارغ، هناك تقرير للشرطة يشير إلى تدخل أحد الروس المجهولين، إنه لينين، لكن لافارغ خلال معظم الفترة السابقة مثل الجيل الأصغر لماركس، و في كل جيل توسعت القاعدة، و تنامى استيعاب ماركس و أفكاره، و أعتقد أن انجلز كان عليه أن يدرك أن أفكار ماركس كانت راديكالية للغاية عندما كتبها، بحيث أن ذلك يستغرق فعليا، أجيالا، و اليوم أيضا، أعتقد أنه ربما فقط الآن بدأنا قراءتها بنوع من الفهم المطلوب. أعتقد أنه في القرن 20، كانت هناك العديد من الاختلافات و التفسيرات للماركسية، لكن اليوم إذا قرأنا "رأس المال" من وجهة نظرنا، أعتقد أن الأمر رائع، لأنه تحدث بالفعل عن عالمنا كما هو، و أعتقد أن هذا هو الحال في الغالب.
بالنسبة للأفكار الكبيرة، يمكننا دائما تفسيرها من خلال أعيننا الخاصة، هي لا تموت، تتطور معنا و مع المجتمعات، مع تقديمها الإجابات لنا، لكن يظهر لي اليوم بالأخص، بأننا نحن في نقطة، حيث ماركس يتكلم فيها حقا عما نعيشه، و الوضع الذي نحن فيه.
دفيد كيستو :
هناك اليوم حركات جذرية في أوروبا، تستلهم من لاكلو، و من شانتال موف، مثل بوديموس، يؤمنون ب "ثورة سياسية" و ذلك بفضل "قلب سريع للمؤسسات"، ماذا تظنون ؟
ماري غابرييل :
إن إحدى النقط الأساسية لماركس، هي فكرة أن السيرورة طويلة، و أن واحدة من الأخطاء التي حددها في العديد من الحركات الثورية، التي درسها، أو التي حدثت حوله، هو أنه لا يمكن استبدال جزء من الحكومة، لا يمكننا تعويض المحاكم أو البرلمان، أو أعضاء البرلمان، لأن الباقي سيظل قائما، يجب تفحص كل مظهر للحكومة، التي نريد استبدالها قبل القيام بذلك، إذ أنها تبقى حتى و لو كان جزءا من النظام القديم فهذا سيعفن الباقي، إن الحكومة الجديدة، أو الحركة الجديدة لن تنجح، و يجب أيضا التوفر على خطة واضحة جدا بشأن ما ستضعه في مكان الحكومة السابقة، إن الثورة بدون خطة ستخسر أمام ثورة مضادة. إنني أعتقد أن ماركس قد أكد على مقاربة تقدمية و مدروسة للغاية.
لقد كان متحمسا جدا، لكن لم يكن أبدا قليل الصبر في تصرفاته، و عندما نفكر في الأمر، من وجهة نظر تاريخية، فقد مرت 150 سنة فقط على صدور "رأس المال"، و هذا لا شيء، فهذا هو التسلسل الزمني الذي كان قد استشرفه.
كما تعلمون، فإن النظام الرأسمالي، الذي يصفه، يستغرق الكثير من الوقت لكي يتجذر، و يتحول، و يصبح المرض، الذي تنبأ به، و يحتاج الأمر لكثير من الوقت لكي يفهم الناس. فقط عندما نفهم نكون قادرين في الأخير أن نرى استبداله. أعتقد أنه، إذا كنت تريد التحدث عن الإطاحة بالأنظمة السياسية، أعتقد أنه من وجهة نظر ماركس، فالسيرورة بطيئة، الشيء الذي يحبط للغاية عندما نكون في معمعانها، لكنها ضرورية لنجاحها.
دفيد بيستيو :
نصيحة أخيرة.
ماري غابرييل :
أعتقد أن أفضل مقدمة لنظريات ماركس، هي كتاب انجلز الذي يسمى "انتي دوهرينغ"، إنه كتاب قصير، و قد كتب بشكل واضح للغاية، فسيوفر لك قاعدة جيدة لما كانت عليه أفكار ماركس، و أيضا فكرة عن الطريق التي يجب سلكها بعد ذلك.
جميلة صابر
2 – 5 - 2019
1ــ هناك التباس شائع حول ماركس و المرأة، و هناك كذلك صورة نمطية قامت بترويجها الحركات النسوانية الراديكالية، حول كارل ماركس، تقوم على فكرة أنه كان رجلا محافظا و باترياركيا على مقاس عصره و زمانه، و لذلك جاءت أفكاره فارغة من أي محتوى نسائي تحرري، و ليس غائبا عن أنظارنا أن هذه الحركات تنهل من أطروحات ترفض أن ترى أن فقدان المرأة لحريتها لا علاقة له بالمجتمع الطبقي، كما أن تحررها غير مرتبط بالتحرر الإنساني الشامل، و لذلك تظل متقوقعة في نضالها المحدود من داخل النظام الرأسمالي، لأنها ترفض الربط بين الاستغلال الاقتصادي الطبقي و الاضطهاد الجنسي، و دون الدخول في مناقشة أطروحاتها (انظر منشورات الموقع) فبعجالة، يمكن القول أن الحديث عن المرأة و تحررها، كان حاضرا منذ كتاباته الأولى خاصة الفلسفية منها، بل أن صدور كتاب "أصل العائلة"، الذي نشره انجلز، كان في أصله مخطوطا لماركس، و قام هذا الأخير بصياغته تلبية لوصية ماركس، و نشره سنة 1884، إضافة إلى هذا، يمكن القول أن فضل ماركس على النساء كما تقول كلارا زتكين كثير، و أهمه، أن ماركس فك لأول مرة في الفكر الإنساني لغز اضطهاد المرأة و أسبابه الحقيقية، لما أسس لأول مرة علما جديدا للتاريخ، هو المادية التاريخية (لمزيد من الاطلاع، الرجوع إلى مقالة "فضل ماركس على المرأة" لكلارا زتكين، نشر في موقع "8 مارس الثورية").