لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية
أهمية سلاح النظرية في بناء الحزب البلشفي
و قيادة الثورة الاشتراكية العظمى في روسيا
(سلسلة ملخصات ومقالات حول أهمية النصوص اللينينية
التي ساهمت في بناء الحزب الاشتراكي الديموقراطي العمالي البلشفي الروسي)
المرحلة الثانية: 1912 -1924
الدولة والثورة
الجزء الثاني
ملخص كتاب "الدولة والثورة"
المؤلف: فلاديمير ايليتش أوليانوف – لينين.
ترجمة: دار التقدم، موسكو.
تقديم
عندما وضع لينين كتابه "الدولة والثورة"، كانت مسألة الدولة بالنسبة له، تكتسي أهمية خاصة سواء من الناحية النظرية أم من الناحية العملية السياسية. فمن جهة، فإن الحرب الامبريالية الأولى قد عجلت وعمقت لأقصى حد ممكن سير تحول الرأسمالية الاحتكارية إلى رأسمالية الدولة الاحتكارية. أما الظلم الفظيع الذي تقاسيه جماهير الشغيلة من قبل الدولة التي تلتحم أوثق فأوثق باتحادات الرأسماليين ذات الحول والطول، فغدا أفظع فأفظع. والبلدان المتقدمة - ونقصد مؤخراتـها- تتحول بالنسبة للعمال إلى سجون عسكرية للأشغال الشاقة. ومن جهة أخرى فإن تنامي عناصر الانتهازية التي تراكمت في غضون عشرات السنين من التطور السلمي نسبيا، فقد أنشأت تيار الاشتراكية-الشوفينية السائدة في الأحزاب الاشتراكية الرسمية في العالم بأسره. وهذا التيار (بليخانوف، بوتروسوف، بريشكوفسكايا، روبانوفيتش، ثم المقنعون بقناع شفاف، السادة تسيريتيلي، تشيرنوف وشركاهما في روسيا؛ شيدمان، ليغين، دافيد وأضرابهم في ألمانيا؛ رينودل، غيد، فاندرفيلده في فرنسا وبلجيكا؛ هايندمان والفابيون في إنكلترا، وهلم جراً وهلم جراً)، وهو الاشتراكية قولاً والشوفينية فعلاً، يتميز بكون زعماء الاشتراكية يتكيفون بذلة وحقارة، ليس فقط وفق مصالح برجوازيتهم الوطنية، بل، وعلى وجه الدقة، وفق مصالح دولتهم.
إن لينين قد اعتمد في مضمون هذا الكتاب على تعاليم ماركس وإنجلز بشأن الدولة، متناولا بإسهاب خاص ما نسي أو تعرض للتشويه الانتهازي من نواحي هذه التعاليم. وبعد ذلك درس بصورة خاصة الممثل الرئيسي لهذه التشويهات، كارل كاوتسكي1، أشهر زعماء الأممية الثانية (سنوات 1889-1914) التي أفلست إفلاسا مشينا للغاية أثناء الحرب الامبريالية الأولى.
المجتمع الطبقي والدولة
1-الدولة هي نتاج استعصاء التناقضات الطبقية
يقول إنجلز بهذا الصدد:
«الدولة ليست بحال قوة مفروضة على المجتمع من خارجه. والدولة ليست كذلك واقع الفكرة الأخلاقية، صورة وواقع العقل كما يدعي هيجل2. الدولة هي نتاج المجتمع عند درجة معينة من تطوره؛ الدولة هي إفصاح عن واقع أن هذا المجتمع قد تورط في تناقض مع ذاته لا يمكنه حله، وأنه قد انقسم إلى متضادات مستعصية هو عاجز عن الخلاص منها. ولكيلا تقوم هذه المتضادات، هذه الطبقات ذات المصالح الاقتصادية المتنافرة، بالتهام بعضها بعضاً، وكذلك المجتمعات في نضال عقيم، لهذا اقتضى الأمر قوة تقف في الظاهر فوق المجتمع، قوة تلطف الاصطدام وتبقيه ضمن حدود النظام. إن هذه القوة المنبثقة عن المجتمع والتي تضع نفسها، مع ذلك، فوقه وتنفصل عنه أكثر هي الدولة (ص 177-178 من الطبعة الألمانية السادسة لأصل العائلة والملكية الخاصة والدولة).
يستنتج لينين من ذلك، أن وجود الدولة كنتاج ومظهر لاستعصاء التناقضات الطبقية، يبرهن أن هذه التناقضات الطبقية لا يمكن التوفيق بينها.
فمن جهة، هذا ما يؤكده ماركس، بحيث يعني لا يمكن للدولة أن تنشأ وأن تبقى إذا كان التوفيق بين الطبقات أمرا ممكنا، ومن جهة أخرى هذا ما ينفيه البرجوازيون، وبالضبط، البرجوازيون الصغار، من كتاب ومفكرين، الذين يقولون إن الدولة توفق بالضبط بين الطبقات. ومن هذه النقطة بالتحديد يبدأ تشويه الماركسية.
2-فصائل خاصة من رجال مسلحين، وسجون، إلخ
يستطرد انجلز قائلا: "
…تتميز الدولة أولا، بتقسيم رعاياها بموجب تقسيم الأراضي، هذا التقسيم الذي تطلب نضالا طويلا (وليس طبيعيا) ضد التنظيم الجنسي القديم القائم على أساس القبائل أو العشائر. وثانيا تتميز الدولة بتأسيس السلطة العامة التي لم تعد تنسجم مباشرة مع السكان المنظمين أنفسهم بأنفسهم في قوة مسلحة. وهذه السلطة العامة المميزة ضرورية لأن منظمة السكان المسلحة العاملة من تلقاء نفسها غدت أمرا مستحيلا منذ انقسام المجتمع إلى طبقات… وتوجد هذه السلطة العامة في كل دولة. وهي لا تتألف فقط من رجال مسلحين، بل كذلك من ملاحق مادية، من السجون ومختلف مؤسسات القسر التي كانت معدومة في المجتمع المنظم على أساس القبائل (العشائر)…".
ما يؤكده لينين بالفعل من خلال شرح ما قاله إنجلز: أن مفهوم القوة التي تسمى الدولة، هي القوة التي نشأت في المجتمع، ولكنها تضع نفسها فوقه وتنفصل عنه أكثر فأكثر. والتي تتألف بصورة رئيسية من فصائل خاصة من رجال مسلحين تحت تصرفهم السجون والخ...
ولكنه يضيف، لماذا غدا من الضروري وجود فصائل خاصة من رجال مسلحين، الشرطة والجيش النظامي، والتي تضع نفسها فوق المجتمع وتنفصل عنه والتي هي في نفس الوقت الأداة الرئيسية لقوة سلطة الدولة؟ يميل التافهون الضيقو الأفق في أوروبا الغربية وروسيا إلى الجواب بجملة من عبارات مقتبسة من سبنسر أو ميخايلوفسكي، مستشهدين بتعقد الحياة الاجتماعية، وبتمايز الوظائف وهلم جرا. إن هذا الاستشهاد يبدو عمليا وهو ينوم بصورة ممتازة ذا الذهنية البرجوازية الصغيرة، بطمسه الأمر الرئيسي والأساسي، أي انقسام المجتمع إلى طبقات متعادية عداء مستعصياً.
3-الدولة أداة لاستغلال الطبقة المظلومة
لقد كتب انجلز:
"إن الموظفين إذ يتمتعون بالسلطة العامة وبحق جباية الضرائب يصبحون، باعتبارهم هيئات المجتمع، فوق المجتمع. فالاحترام الطوعي الاختياري الذي كان يمحض لهيئات مجتمع القبائل (العشائر) لم يعد يكفيهم حتى فيما لو كان باستطاعتهم اكتسابه…كما توضع قوانين خاصة بشأن قداسة وحصانة الموظفين".
ويشرح ذلك لينين كما يلي:
"… بما أن الدولة قد نشأت من الحاجة إلى لجم تضاد الطبقات، وبما أنها نشأت في الوقت نفسه ضمن الاصطدامات بين هذه الطبقات، فهي كقاعدة عامة دولة الطبقة الأقوى السائدة اقتصاديا، والتي تصبح عن طريق الدولة الطبقة السائدة سياسيا أيضا ، وتكتسب على هذه الصورة وسائل جديدة لقمع الطبقة المظلومة واستمرارها... فالدولة القديمة والدولة الإقطاعية لم تكونا وحدهما هيئتين لاستثمار العبيد والأقنان، بل كذلك الدولة التمثيلية الحديثة هي أداة لاستثمار العمل المأجور من قبل رأس المال".
يستطرد إنجلز:
"في الجمهورية الديمقراطية تمارس الثروة سلطتها بصورة غير مباشرة، ولكن بالشكل الأضمن: أولاً، عن طريق الرشوة المباشرة للموظفين (أمريكا) وثانيا، عن طريق التحالف بين الحكومة والبورصة (فرنسا وأمريكا)".
ويوضح لينين:
"إن الجمهورية الديمقراطية هي أحسن غلاف سياسي ممكن للرأسمالية، ولذا فرأس المال، إذ يستولي على هذا الغلاف الأفضل فإنه يقيم سلطته على أساس مكين، على أساس مضمون لحد لا يمكن معه لأي تبديل في الأشخاص ولا في المؤسسات ولا في الأحزاب في إطار الجمهورية البورجوازية الديمقراطية، أن يزعزع هذه السلطة".
4-الثورة العنيفة واضمحلال الدولة
يقول إنجلز:
"إن أول عمل تبرز فيه الدولة حقا (بعد أن تأخذ البروليتاريا سلطة الدولة) بوصفها ممثل المجتمع بأكمله –وليس دولة طبقة التي وحدها فقط تمثل المجتمع بأكمله - هوتملك وسائل الانتاج باسم المجتمع، وهو في الوقت نفسه آخر عمل تقوم به بوصفها دولة، وعندئذ يصبح تدخل الدولة في العلاقات الإجتماعية أمرا لا لزوم له في ميدان بعد آخر ويخبو من نفسه. وبدلا من حكم الناس، ينشأ توجيه الأمور وإدارة عمليات الإنتاج. إن الدولة لا تلغى إنها تضمحل". (ضد دوهر ينغ، السيد أوجين دوهرينغ يقلب العلم، ص 301-303، الطبعة الألمانية الثانية).
ويستنتج لينين:
1)القضاء على، وتدمير وإلغاء الدولة البورجوازية هي مهام الثورة البروليتارية.
2)أما اضمحلال الدولة فيخص بقايا الدولة البروليتارية بعد انتصار وتثبت الثورة الاشتراكية.
3) ديكتاتورية البروليتاريا:
إن القوة الخاصة لقمع البروليتاريا من قبل البورجوازية، لقمع ملايين من الشغيلة من قبل حفنات من الأغنياء، لا بد أن يستعاض عنها بقوة خاصة لقمع البرجوازية من قبل البروليتاريا.
وهذا يعني أن الدولة البرجوازية لا يستطيع القضاء عليها غير الثورة العنيفة. والدولة البروليتارية، أي الديمقراطية الأتم، يمكنها أن تضمحل وحسب. وعلى هذا الأساس ينبغي كذلك تقييم مطلب من يسمون بالفوضويين القائل بإلغاء الدولة بين عشية وضحاها.
خبرة سنوات 1848-1851وخبرة كومونة باريس سنة 1871
لماذا الاهتمام بمؤلفي "بؤس الفلسفة" و"البيان الشيوعي"؟
والجواب: لأنهما باكورتا الماركسية الناضجة، ويعودان بالضبط لعشية ثورة سنة 1848.
يقول ماركس في بؤس الفلسفة:
"… في مجرى التطور، ستحل الطبقة العاملة محل المجتمع البرجوازي القديم، رابطة لا مكان فيها للطبقات وتضادها؛ ولن تكون ثمة أي سلطة سياسية بمعنى الكلمة الخاص، لأن السلطة السياسية بالذات هي الافصاح الرسمي عن تضاد الطبقات في قلب المجتمع البرجوازي" (ص 182 من الطبعة الألمانية لسنة 1885).
كما يضيف ماركس في البيان الشيوعي:
+… رأينا فيما تقدم أن الخطوة الأولى في الثورة العالمية هي تحول (حرفيا: ترقي) البروليتاريا إلى طبقة سائدة، الظفر بالديموقراطية.
+.... تستفيد البروليتاريا من سيادتها السياسية لكي تنتزع بالتدريج من البرجوازية كامل رأس المال وتمركز جميع أدوات الإنتاج في يد الدولة، أي في يد البروليتاريا المنظمة بوصفها طبقة سائدة ولكي ما تزيد بأسرع ما يمكن القوى المنتجة (ص31-37 من الطبعة الألمانية السابقة لسنة 1906).
يرى لينين هنا، صيغة لفكرة من أروع وأهم الأفكار الماركسية في مسألة الدولة، وهي زوال الدولة بعد القضاء على الطبقات، ثم فكرة ديكتاتورية البروليتاريا (كما غدا ماركس وانجلس يقولان بعد كومونة باريس)، ثم تعريفا للدولة في منتهى الأهمية أيضا ألا وهو أن الدولة، أي البروليتاريا المنظمة بوصفها طبقة سائدة.
في مسألة الدولة التي نحن بصددها لخص ماركس خبرة ثورة سنوات 1848-1851 في كتابه الثامن عشر من برومير لويس بونابرت بالعبارات التالية:
"... ولكن الثورة عميقة. إنها ما تزال في رحلة عبر المطهر. إنها تقوم بمهمتها بصورة منهجية. فحتى الثاني من ديسمبر سنة 1851 (يوم قيام لويس بونابرت بالانقلاب) أتمت نصف عملها التحضيري، وهي تتم الآن النصف الآخر. في البدء تسير بالسلطة البرلمانية إلى حد الكمال ليصبح بإمكانها اسقاطها. والآن، وقد بلغت ذلك، تسير بالسلطة التنفيذية إلى حد الكمال، تصل بها إلى تعبيرها الصرف، تجعلها في عزلة، تعرضها بنفسها باعتبارها الموضوع الوحيد لكيما تركز ضدها جميع قوى التدمير. وعندما تتم الثورة هذا النصف الثاني من عملها التحضيري، عندئذ تنهض أوروبا على قدميها وتهتف فرحة: ما أحسن ما تحفر أيها الخلد الهرم!
يستخلص لينين استنتاجا في منتهى الدقة والوضوح وبصورة حسية عملية تماما: جميع الثورات السابقة اتقنت آلة الدولة في حين ينبغي تحطيمها وتكسيرها.
بصفة عامة يمكن طرح المسألة كما يلي:
إن البروليتاريا لا تستطيع إسقاط البرجوازية إذا لم تستولي (يعني تدمير والقضاء على الدولة القديمة وليس خضوع الأقلية بشكل سلمي للأكثرية) في البدء على السلطة السياسية، إذا لم تحصل على السيادة السياسية، إذا لم تحول الدولة إلى بروليتاريا منظمة بوصفها طبقة سائدة، وأن هذه الدولة البروليتارية تبدأ بالاضمحلال فور انتصارها، لأن الدولة لا لزوم لها ولا يمكن أن توجد في مجتمع خال من التناقضات الطبقية.
ويضيف لينين: إن الديموقراطيين صغار البورجوازيين، أدعياء الاشتراكية هؤلاء، الذين استعاضوا عن النضال الطبقي بأحلام عن التوفيق بين الطبقات، تصوروا كذلك التحويل الاشتراكي بصورة خيالية، لا بصورة إسقاط سيادة الطبقة المستغلة، بل بصورة خضوع الأقلية بشكل سلمي للأكثرية المدركة لواجباتها. وهذه الطوباوية البرجوازية الصغيرة المرتبطة ارتباطا لا تنفصم عراه بالاعتراف بوجود دولة قائمة فوق الطبقات ،قد أفضت عمليا إلى خيانة مصالح الطبقات الكادحة، كما بين ذلك مثلا تاريخ ثورتي 1848 و1871 الفرنسيتين، وكما بينت خبرة الاشتراك الاشتراكي بالوزارات البرجوازية في إنجلترا وفرنسا وإيطاليا وغيرها من البلدان في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
إن التاريخ العالمي يدفع الآن دون شك، في نطاق أوسع بما لا يقاس من سنة 1852، إلى تركيز جميع قوى الثورة البروليتارية على تدمير آلة الدولة. أما بم تستعيض عنها البروليتاريا فقد أعطت كومونة باريس مادة حافلة بالعبر في هذا الخصوص.
بم تتلخص إذن البطولة في محاولة الكومونيين؟
يقول لينين: لقد رأى ماركس في هذه الحركة الثورية الجماهيرية، وإن كانت لم تبلغ الهدف، خبرة تاريخية ذات أهمية كبرى، خطوة معينة إلى الأمام تخطوها الثورة البروليتارية العالمية، خطوة عملية أهم من مئات البرامج والمحاكمات، إلى درجة أن التعديل الوحيد الذي اعتبر ماركس من الضروري إدخاله على البيان الشيوعي قد استوحاه من خبرة الكومونيين الباريسيين الثورية. حيث يقول ماركس وإنجلز بتاريخ 24 يونيو سنة 1872 إن برنامج البيان الشيوعي قد شاخ اليوم في بعض أماكنه. هذا التعديل الجوهري الذي تعرض للتشويه من طرف الانتهازيين ولخصوه في فكرة التطور البطيء خلافا للاستيلاء على السلطة وهلم جرا. والحقيقة هي العكس تماما. تتلخص فكرة ماركس في أن واجب الطبقة العاملة هو تحطيم آلة الدولة الجاهزة وكسرها، لا الاكتفاء بمجرد الاستيلاء عليها. وهذا أيضا ما يؤكده الدرس السابق لماركس أثناء تحليله لخبرة ثورة 1848-1851، وما يؤكد الانسجام المتواصل في منهجية التحليل الماركسي.
لقد كتب ماركس إلى كوغلمان في 12أبريل 1871أثناء الكومونة ما يلي: "… إذا ما ألقيت نظرة إلى الفصل الأخير من كتابي 18برومير رأيت أني أعلنت أن المحاولة التالية للثورة الفرنسية يجب أن تكون لا نقل الآلة البيروقراطية العسكرية من يد إلى أخرى كما كان يحدث حتى الآن، بل تحطيمها. وهذا هو الشرط الأولي لكل ثورة شعبية حقا في القارة. وفي هذا بالذات تتلخص محاولة رفاقنا الباريسيين الأبطال".
يستنتج لينين من ذلك ما يلي:
واجب الثورة البروليتارية حيال الدولة هو تحطيم آلة الدولة البيروقراطية العسكرية في كل القارة كشرط أولي لكل ثورة شعبية. إن مفهوم الثورة الشعبية يبدو مستغربا لدى ماركس، الأمر الذي حاول الانتهازيون الركوب عليه وتشويهه إذا ما اعتبروا فقط، وذلك انطلاقا من نظرتهم المثالية الأحادية الجانب، معارضة الثورة البرجوازية بالثورة البروليتارية. إن ماركس في تحليله الدقيق الذي يأخذ بعين الاعتبار الظروف الاقتصادية المادية للإنتاج يؤكد أنه لم تكن تستطيع الثورة أن تكون ثورة شعبية، تجذب للحركة الأكثرية حقا، إلا إذا شملت البروليتاريا والفلاحين، لأن هاتان الطبقتان كانتا تؤلفان الشعب في ذلك الحين. إنه التحالف الحر بين البروليتاريا وفقراء الفلاحين، أخذا بعين الاعتبار خصائص البرجوازية الصغيرة التي كثيرا ما تكلم عنها وأكثر عنها الكلام.
وقد قرر، من الجهة الأخرى، أن تحطيم آلة الدولة تفرضه مصالح العمال ومصالح الفلاحين على السواء، وأنه يوحدهم ويضع أمامهم واجبا مشتركا هو القضاء على الطفيلي والاستعاضة عنه بشيء ما جديد، بأي شيء على وجه التحقيق؟
فبم إذن سيستعاض عن آلة الدولة المحطمة؟
بصيغة أخرى ما هي الأشكال الملموسة التي سيتخذها تنظيم البروليتاريا بوصفها طبقة سائدة وبأي صورة سيقترن هذا التنظيم مع الظفر بالديمقراطية الأتم والأكمل؟
في كتاب «الحرب الأهلية في فرنسا» يحلل ماركس أدق التحليل خبرة الكومونة على ضآلة هذه الخبرة. فلنورد أهم الفقرات من هذا المؤلف: في القرن التاسع عشر، تطورت سلطة الدولة المتمركزة مع أجهزتها المنتشرة في كل مكان: الجيش النظامي والشرطة والبيروقراطية والاكليروس والفئة القضائية، هذه السلطة المتحدرة من القرون الوسطى. ومع اشتداد التناحر الطبقي بين رأس المال والعمل، كانت سلطة الدولة تتخذ أكثر فأكثر طابع سلطة عامة لظلم العمل، طابع أداة للسيطرة الطبقية. وبعد كل ثورة تشكل خطوة معينة إلى الأمام خطاها النضال الطبقي يتجلى طابع الاضطهاد المحض لسلطة الدولة على نحو أوضح فأوضح. وبعد ثورة سنتي 1848-1849، غدت سلطة الدولة آلة قومية لحرب الرأسمال ضد العمل. وجاءت الإمبراطورية الثانية توطد ذلك.
+ كانت الكومونة النقيض المباشر للإمبراطورية. فقد كانت شكلا معينا لجمهورية ينبغي لها أن تزيل لا الشكل الملكي للحكم الطبقي فحسب، بل أيضا الحكم الطبقي ذاته…
بمَ على وجه التدقيق، ظهر هذا الشكل المعين للجمهورية البروليتارية، الاشتراكية؟ وكيف كانت الدولة التي شرعت بتأسيسها؟
+… كان أول مرسوم أصدرته الكومونة يقضي بإلغاء الجيش النظامي والاستعاضة عنه بالشعب المسلح…
+… لقد تشكلت الكومونة من نواب البلدية الذين تم انتخابهم عن طريق الاقتراع العام في مختلف دوائر باريس. كانوا مسؤولين وكان يمكن سحبهم في أي وقت كان. وكانت أكثريتهم، بطبيعة الحال، من العمال أو من ممثلي الطبقة العاملة المعترف بهم…
+… والشرطة التي كانت حتى ذلك الحين أداة في يد الحكومة المركزية جردت في الحال من جميع وظائفها السياسية وحولت إلى هيئة للكومونة مسؤولة يمكن تبديلها في أي وقت كان… وهكذا كان الحال أيضا بالنسبة لموظفي سائر فروع الإدارة…ومن فوق إلى أسفل، ابتداء من أعضاء الكومونة كان يتعين أداء الخدمة العامة لقاء أجرة تساوي أجرة عامل. وقد أزيلت جميع الامتيازات وعلاوات التمثيل التي كان يتقاضاها كبار موظفي الدولة مع زوال هؤلاء الموظفين… وبعد أن أزالت الكومونة الجيش النظامي والشرطة، وهما أداتا الحكم المادي في يد الحكومة القديمة، أخذت في الحال تكسر أداة الاستعباد الروحي، قوة الكهنة… وفقد الموظفون القضائيون استقلالهم الصوري… وأصبح من المترتب عليهم أن يُنتخبوا علنا وأن يكونوا مسؤولين وقابلين للسحب…
وهكذا يستنتج لينين أن الكومونة لم تستعيض عن آلة الدولة المحطمة «إلاّ» بديموقراطية أتم: القضاء على الجيش النظامي، مبدأ انتخاب وسحب جميع الموظفين. ولكن هذه الـ «إلاّ» تعني في حقيقة الأمر تبديلا هائلا لنوع من مؤسسات بنوع آخر يختلف اختلافا مبدئيا. نحن هنا في الحقيقة أمام حالة من حالات تحول الكمية إلى كيفية: فالديموقراطية المطبقة بأتم وأوفى شكل يمكن تصوره عموما تتحول من ديموقراطية برجوازية إلى ديموقراطية بروليتارية، من دولة = قوة خاصة لقمع طبقة معينة إلى شيء ليس الدولة بمفهومها.
إن قمع البرجوازية ومقاومتها كان ما يزال أمرا ضروريا وكانت هذه الضرورة تفرض ذاتها على الكومونة بوجه خاص. فأحد أسباب انهزامها يتلخص في كونها لم تقم بذلك بالحزم المطلوب.
وفيما يخص إلغاء البرلمانية:
لقد كتب ماركس: وكان يراد بالكومونة أن تكون لا هيئة برلمانية، بل هيئة عاملة تتمتع بالسلطتين التشريعية والتنفيذية في الوقت عينه…
يقول لينين كان يراد تحويل المؤسسات من ندوات للثرثرة إلى مؤسسات عاملة. لقد استعاضت الكومونة عن برلمانية المجتمع البرجوازي المرتشية والمتعفنة بمؤسسات لا تنحط فيها حرية الرأي والبحث إلى خداع، لأنه يتوجب على البرلمانيين أن يعملوا هم أنفسهم، أن ينفذوا قوانينهم بأنفسهم، أن يتحققوا بأنفسهم من نتائجها العملية، أن يقدموا الحساب مباشرة لناخبيهم. تبقى المؤسسات التمثيلية، ولكن البرلمانية باعتبارها نظاما خاصا، باعتبارها فصلا للعمل التشريعي عن التنفيذي، باعتبارها وضعا ممتازا للنواب، تنعدم هنا. لا يمكننا أن نتصور الديموقراطية، وحتى الديموقراطية البروليتارية، بدون مؤسسات تمثيلية؛ ولكن يمكننا ومن واجبنا أن نتصورها بدون البرلمانية إذا لم يكن انتقاد المجتمع البرجوازي في نظرنا مجرد عبارات فارغة، وإذا كان طموحنا إلى إسقاط سيطرة البرجوازية صادقا وجديا، لا عبارة انتخابية لتصيد أصوات العمال كما هو حال المناشفة والاشتراكيين-الثوريين، كما هو حال شيدمان وليغين وسامبا وفانرفيلده، ومن لف لفهم.
وفيما يتعلق بتنظيم وحدة الأمة:
يقول ماركس: …وقد ورد بوضوح تام في موجز التنظيم القومي الذي لم يتوفر للكومونة الوقت لوضعه بتفصيل أكبر، أن الكومونة يجب أن … تصير الشكل السياسي حتى لأصغر قرية …
والكومونة هي التي كان عليها أن تنتخب منتدبي الأمة في باريس. …والوظائف القليلة، ولكنها الهامة جدا، التي كانت ستظل في يد الحكومة المركزية لم تكن لتلغى، -ومثل هذا الزعم كان تزويرا عن عمد-بل كان يجب نقلها إلى موظفي الكومونة، أي إلى موظفين ذوي مسؤولية محددة تحديدا دقيقا...
… ووحدة الأمة لم تكن لتفصم، بل بالعكس كانت ستنظم عن طرق البناء الكوموني. وكان لوحدة الأمة أن تصبح حقيقة واقعة بالقضاء على سلطة الدولة التي كانت تدعي بأنها تجسيد لتلك الوحدة، ولكنها كانت ترغب في أن تكون مستقلة عن الأمة، مستعلية عليها. أمّا في الواقع، فلم تكن سلطة الدولة هذه إلاّ بمثابة الزائدة الطفيلية على جسم الأمة … وكانت المهمة هي بتر أجهزة الاضطهاد البحتة التابعة للسلطة الحكومية القديمة، وانتزاع الوظائف المعتادة من سلطة تطمع بأن تكون فوق المجتمع وتسليمها إلى خدم المجتمع المسؤولين.
يستنتج لينين: يلتقي ماركس وبرودون في كون الاثنين يناديان بـتحطيم آلة الدولة الحديثة. وهذا الشبه بين الماركسية والفوضوية (برودون3 وباكونين4 على حد سواء) لا يريد أن يراه الانتهازيون ولا الكاوتسكيون لأنهم حادوا عن الماركسية في هذه النقطة.
ويفترق ماركس عن برودون وكذلك عن باكونين في مسألة الاتحادية على وجه التحقيق (فضلا عن ديكتاتورية البروليتاريا). الاتحادية تنبثق مبدئيا عن النظرات البرجوازية الصغيرة للفوضوية. إن ماركس من القائلين بالمركزية. وفيما أوردناه من محاكماته لا يوجد أي تراجع عن المركزية. فقط الناس الذين حشيت رؤوسهم حشوا بالإيمان الخرافي الأعمى البرجوازي الصغير بالدولة يستطيعون أن يروا في القضاء على آلة الدولة البرجوازية قضاء على المركزية!
وأخيرا لقد أشار ماركس عمدا، وكأنه توقع إمكانية تشويه نظراته، إلى أن اتهام الكومونة بالرغبة في القضاء على وحدة الأمة وفي إلغاء السلطة المركزية هو من التزوير المتعمد. وقد تقصد ماركس استعمال تعبير تنظيم وحدة الأمة لكي ما يعارض المركزية البرجوازية والعسكرية البيروقراطية بالمركزية البروليتارية الواعية والديموقراطية.
فكيف إذن سيتم القضاء على الطفيلي، على الدولة؟
بالنسبة للينين، لقد استخلص ماركس من كامل تاريخ الاشتراكية والنضال السياسي أنه لا بد للدولة أن تزول وأن الشكل الانتقالي لزوالها (الانتقال من الدولة إلى اللادولة) سيكون البروليتاريا المنظمة في طبقة سائدة. ولكن ماركس لم يأخذ على عاتقه اكتشاف الأشكال لهذا المستقبل. لقد اقتصر على تتبع التاريخ الفرنسي بصورة دقيقة، على تحليله وعلى استخلاص الاستنتاج الذي قادت إليه سنة 1851: تقترب الأمور من تحطيم آلة الدولة البرجوازية.
مقابل ذلك انصرف الطوباويون إلى اكتشاف الأشكال السياسية التي ينبغي أن تحدث في ظلها إعادة تنظيم المجتمع على أساس الاشتراكية. وقد أشاح الفوضويون بوجوههم عن مسألة الأشكال السياسية بوجه عام. وقبل الانتهازيون في الاشتراكية-الديموقراطية البرلمانية كحد لا يمكن تخطيه، وعفروا جباههم في الركوع والسجود أمام هذا المعبود، وأعلنوا من الفوضوية كل نزعة إلى تحطيم هذه الأشكال.
إن الكومونة هي الشكل الذي اكتشفته أخيرا الثورة البروليتارية والذي يمكن في ظله أن يتحقق التحرر الاقتصادي للعمل.
إن الكومونة هي أول محاولة تقوم بها الثورة البروليتارية لتحطيم آلة الدولة البرجوازية والشكل السياسي الذي أُكتشف أخيرا والذي يمكن ويجب أن يستعاض به عن المحطَّم.
بصفة عامة، ونتيجة لتحليل ما سبق، يستنتج لينين ما يلي:
إن نظرية ماركس بأكملها تتلخص في كونه يطبق على الرأسمالية الحديثة نظرية التطور بشكلها الأتم والمنسجم والغني المضمون. وطبيعي إذن أن يكون ماركس قد واجه مسألة تطبيق هذه النظرية كذلك على انهيار الرأسمالية المقبل وعلى التطور المقبل للشيوعية المقبلة. فماركس يطرح مسألة الشيوعية كما يطرح عالم الطبيعيات مسألة تطور نوع جديد، لنقل مثلا، تطور من الأنواع البيولوجية بعد أن عرف مصدره واتضح الاتجاه الذي يسلكه تطوره.
إن النقطة التي أثبتتها بكل دقة نظرية التطور كلها والعلم كله بوجه عام والتي نسيها الطوباويون وينساها الانتهازيون الحاليون الذين يخشون الثورة الاشتراكية، هي واقع أنه لابد تاريخيا من طور خاص أو مرحلة خاصة للانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية.
ويستدل ماركس في ذلك حين يقول: بين المجتمع الرأسمالي والمجتمع الشيوعي تقع مرحلة تحول المجتمع الرأسمالي تحولا ثوريا إلى المجتمع الشيوعي. وتناسبها مرحلة سياسية، لا يمكن أن تكون فيها الدولة سوى الديكتاتورية الثورية للبروليتاريا. مستندا في ذلك إلى أن واقع مصالح البروليتاريا والبورجوازية المتضادة لا يمكن التوفيق بينهما.
وهذا ما يؤكده إنجلز بدوره:
"إن البروليتاريا بحاجة إلى الدولة لا من أجل الحرية، بل من أجل قمع خصومها، وعندما يصبح بالإمكان الحديث عن الحرية، عندئذ تزول الدولة".
وتجدر الإشارة هنا أن المقصود بالمجتمع الشيوعي ، لا كما تطور على أسسه الخاصة، بل على العكس، كما يخرج لتوه من رحم المجتمع الرأسمالي بالذات؛ أي مجتمع لايزال، من جميع النواحي، الاقتصادية والأخلاقية والفكرية يحمل سمات المجتمع القديم الذي خرج من أحشائه، لذا فماركس يسمي هذا الطور من المجتمع الشيوعي الطور الأدنى أو الأول ، وعلى ذلك فإن المرحلة الأولى من الشيوعية لا يمكنها أن تعطي العدالة والمساواة لأنه تبقى فروق في الثروة ولأن مجرد انتقال وسائل الإنتاج إلى ملكية عامة للمجتمع كله (الاشتراكية بمعنى الكلمة المعتاد) لا يزيل نواقص التوزيع واللا مساواة في الحق البورجوازي الذي يضل سائدا ما دامت المنتوجات توزع حسب العمل.
يؤكد ماركس أيضا بقوله إن هذا نقص، ولكن لا مفر منه في الطور الأول من الشيوعية (الاشتراكية)، لذلك تبقى الحاجة إلى دولة تصون الملكية العامة لوسائل الإنتاج وبذلك تصون تساوي العمل وتساوي توزيع المنتوجات. وهذا ما يؤكد استنتاجا آخر وهو أن الدولة لا تضمحل بعد بصورة تامة، واضمحلالها بصورة تامة يقتضي الأمر الشيوعية الكاملة أو الطور الأعلى من المجتمع الشيوعي حيث تنعدم الطبقات، ويستحيل بالتالي قمع أية طبقة.
ويستطرد ماركس حيث يصف الطور الأعلى من المجتمع الشيوعي: في الطور الأعلى من المجتمع الشيوعي، بعد أن يزول اخضاع الأفراد المذل لتقسيم العمل ويزول معه التضاد بين العمل الفكري والعمل الجسدي، وحيث يصبح العمل لا وسيلة للعيش وحسب، بل الحاجة الأولى للحياة أيضا؛ وحين تتنامى القوة المنتجة مع تطور الأفراد في جميع النواحي، وحين تتدفق جميع ينابيع الثروة الجماعية بفيض وغزارة؛ حينذاك فقط، يصبح بالإمكان تجاوز الأفق الضيق للحق البورجوازي تجاوزا تاما، ويصبح بإمكان المجتمع أن يسجل على رايته: من كل حسب كفاءاته لكل حسب حاجاتهّ.
إذن لفهم الانتقال من المجتمع الرأسمالي إلى المجتمع الشيوعي، يجب فهم التقسيم الذي أعطاه وحدده ماركس للمجتمع الشيوعي. إن نظرة اعتبار المجتمع الشيوعي منذ بدايته كلا متكاملا، خالي من التناقضات، هي نظرة ليست ديالكتيكية مادية، أي ليست تخضع لقانون تطور الكم إلى الكيف، ما جعل الخلط وعدم التفرقة بين مفهومين أساسيين هما الطور الأدنى(الاشتراكية) والطور الأعلى من المجتمع الشيوعي؛ وهذا هو السبب الرئيسي (الذي هو تحريف في النظرة المادية الديالكتيكية في فلسفة ماركس) ،الذي في نفس الوقت ، جعل الانتهازيين والفوضويين يستعيضون عن مفهوم القضاء وتدمير الدولة القديمة بالتوفيق بين الطبقات والحفاظ على الدولة، وعن مفهوم ديكتاتورية البروليتاريا بالديمقراطية البرلمانية البورجوازية، وأخيرا عن مفهوم اضمحلال الدولة بتدميرها بين عشية وضحاها. ومن هذا الخطأ النظري تمكن لينين من فضح بعض تشويهات الانتهازيين والفوضويين من قبيل كاوتسكي وبليخانوف. دون إغفال أن الجوهري في تشويه وابتذال الماركسية قد نشأ عن التهرب من مسألة موقف الدولة من الثورة البروليتارية وموقف الثورة البروليتارية من الدولة.
لقد حاول الفوضويون أن يعلنوا كومونة باريس ذاتها بأنها كومونتهم، إن أمكن القول، وبأنها تثبت تعاليمهم، ولكنهم لم يفهموا شيئا من دروس الكومونة، ولا من تحليل ماركس لهذه الدروس. لم تعط الفوضوية أي شيء يشبه الحقيقة ولو شبها تقريبا حول السؤالين السياسيين الملموسين:
أينبغي تحطيم آلة الدولة القديمة؟ وبأي شيء يمكن الاستعاضة عنها؟ لأن الانتهازية لا تحتاج لشيء كحاجتها إلى عدم طرح هذين السؤالين. مثلا إن كاوتسكي لم يفهم الفرق أبدا بين البرلمانية البورجوازية التي تجمع الديمقراطية (لا للشعب) والبيروقراطية (ضد الشعب) وبين الديموقراطية البروليتارية.
ويمكن تلخيص الفرق بين الماركسيين والانتهازيين والفوضويين فيما يلي:
1) في كون الماركسيين، إذ يستهدفون القضاء التام على الدولة، يعترفون بـأن هذا الهدف غير ممكن التحقيق إلا بعد الثورة الاشتراكية والقضاء على الطبقات، وكنتيجة لإقامة الاشتراكية التي تؤدي إلى اضمحلال الدولة.وفي كون الفوضويين يريدون القضاء التام على الدولة بين عشية وضحاها، دون أن يفهموا الشروط التي تجعل هذا الأمر قابل التحقيق.
2) في كون الماركسيين يعترفون بأن من الضروري للبروليتاريا أن تحطم بصورة تامة، بعد استيلائها على السلطة السياسية، آلة الدولة القديمة، وأن تستعيض عنها بآلة جديدة تتألف من منظمة العمال المسلحين من طراز الكومونة، وفي كون الفوضويين يقولون بتحطيم آلة الدولة متصورين بغموض تام بما تستعيض البروليتاريا عنها وكيف تستفيد من السلطة الثورية؟ حتى أن الفوضويين ينكرون ديكتاتوريتها الثورية.
3) في كون الماركسيين يطالبون بإعداد البروليتاريا للثورة عن طريق الاستفادة من الدولة الراهنة، أما الفوضويون فينكرون ذلك.
إن ماركس وإنجلز قد علما البروليتاريا في غضون أربعين سنة، من سنة 1852 إلى سنة 1891، أن واجبها تحطيم آلة الدولة، أما كاو تسكي في سنة 1899، حيال خيانة الانتهازيين للماركسية خيانة تامة في هذه النقطة، فيطمس مسألة ما إذا كان من الضروري تحطيم هذه الآلة مستعيضا عنها بمسألة الأشكال الملموسة لهذا التحطيم ويولي دبره لائذا لحقيقة مبتذلة لا جدال فيها (ولا جدوى منها) وهي لا نستطيع أن نعرف سلفا الأشكال الملموسة.
حمو خالد
14 ـــ 12 ـــ 2018
الهوامش