Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الشرارة - Page 6

  • قراءة في كتاب "ما العمل؟" ــ الجزء الثالث ــ الفصل الثالث والرابع

    قراءة في كتاب "ما العمل؟"

    علي محمود

    الجزء الثالث ــــــ الفصل الثالث والرابع

    "لقد كان الناس وسيظلون أبدا، في حقل السياسة، أناسا سذجا يخدعهم الأخرون ويخدعون أنفسهم، ما لم يتعلموا استشفاف مصالح هذه الطبقات أو تلك وراء التعابير والبيانات والوعود الأخلاقية والدينية والسياسية والاجتماعية"

    لينين، المؤلفات، الطبعة الروسية الخامسة، المجلد 23، ص 40-48

    الفصل الثالث

    السياسة التريديونيونية والسياسة الاشتراكية – الديموقراطية

    1) التحريض السياسي وتضييق الاقتصاديين له

    "لقد كان التشهير الاقتصادي (المعملي) وما يزال وسيلة هامة للنضال الاقتصادي، وسيحتفظ بأهميته هذه ما بقيت الرأسمالية، التي تدفع العمال بالضرورة إلى الدفاع عن أنفسهم. ففي أرقى البلدان الأوروبية يحدث حتى الآن أن يكون التشهير بظروف عمل فظيعة في "مهنة" متلاشية أو في أي فرع من فروع العمل المنزلي لا يسترعي انتباه أحد، حافزا ليقظة الوعي الطبقي، ولبدء النضال المهني و انتشار الاشتراكية".

    إن هذا النوع من التشهير كان أغلب الاشتراكيين الديموقراطيين منغمسين فيه لكنهم، يقول لينين:

    "قد نسوا أن هذا النشاط بحد ذاته ليس بعد، من حيث الأساس نشاطا اشتراكيا – ديموقراطيا، بل نشاطا تريديونيونيا فقط، فالتشهير لم يشمل في الجوهر غير العلاقات بين العمال وأصحاب العمل في مهنة معينة، ولم يسفر إلا عن نتيجة واحدة، وهي أن الذين يبيعون قوة عملهم قد تعلموا كيف يبيعون هذه "البضاعة" بفائدة أكبر، وكيف يناضلون ضد المشتري على صعيد المساومة التجارية الصرف. وكان بالإمكان أن يصبح هذا التشهير (شريطة أن تستفيد منه منظمة الثوريين بصورة ملائمة) نقطة انطلاق للنشاط الاشتراكي – الديموقراطي وجزء لا يتجزأ منه، ولكن كان بالإمكان أيضا أن يؤدي إلى النضال "المهني فقط" وإلى حركة عمالية غير اشتراكية – ديموقراطية، فالاشتراكية – الديموقراطية لا تقود نضال الطبقة العاملة في سبيل شروط أفضل لبيع قوة العمل وحسب، بل كذلك في سبيل القضاء على النظام الاجتماعي، الذي يرغم المعدمين على بيع أنفسهم إلى الأغنياء.

    إن الاشتراكية – الديموقراطية تمثل الطبقة العاملة، لا في علاقاتها مع فئة معينة من أصحاب الأعمال وحسب، بل أيضا في علاقاتها مع جميع الطبقات في المجتمع الراهن، ومع الدولة بوصفها قوة سياسية منظمة. يتضح من ذلك أن الاشتراكيين - الديموقراطيين فضلا عن أنهم لا يستطيعون الاقتصار على النضال الاقتصادي، لا يمكنهم أيضا أن يسمحوا بأن يستغرق تنظيم التشهير الاقتصادي القسم الأكبر من نشاطهم. يجب علينا أن نعمل بنشاط على تربية الطبقة العاملة سياسيا، على تنمية وعيها السياسي. والآن بعد أول هجوم تشنه "زاريا" و "إسكرا" على "الاقتصادوية" "يوافق الجميع" على ذلك (وإن كانت موافقة البعض لا تتعدى القول كما سنرى الآن).

    والآن:

    قد يسأل سائل: بما ينبغي أن تتلخص التربية السياسية؟ هل يمكن الاقتصار على الدعاية لفكرة عداء الطبقة العاملة للحكم المطلق؟ كلا، طبعا.

    المطلوب:

    "من الضروري أن نقوم بالتحريض بصدد كل مظهر ملموس من مظاهر هذا الظلم (كما كنا نتناول بتحريضنا مظاهر الظلم الاقتصادي الملموسة)، ولما كان هذا الظلم يمس شتى طبقات المجتمع على اختلافها، ولما كان يتجلى في مختلف ميادين الحياة والنشاط، المهنية والعامة والخاصة والعائلية والدينية والعلمية الخ، أفليس من الواضح أننا لن نقوم بمهمتنا، مهمة إنماء وعي العمال السياسي، إن لم نأخذ على عاتقنا أمر تنظيم التشهير بالحكم المطلق تشهيرا سياسيا شاملا؟ ذلك لأننا إذا كنا نريد أن يتناول تحريضنا هذا الظلم في مظاهره الملموسة، فينبغي فضح هذه المظاهر (كما أن التحريض الاقتصادي كان يقتضي فضح هذه الفظائع في المعامل؟)".

    *تعابير مضادة من طرف الاقتصادويين:

    "إن نضال الطبقة العاملة السياسي لا يعدو أن يكون (وفي الحقيقة يعدو أن يكون)" الشكل الأكثر تطورا و سعة وفاعلية للنضال "الاقتصادي" (برنامج رابوتشيه ديلو العدد 1 و 3).

    "تواجه الاشتراكية – الديموقراطية الآن المهمة التالية: كيف نضفي على النضال الاقتصادي نفسه، بقدر الإمكان، طابعا سياسيا" (مارتينوف في العدد 10، ص 42) "النضال الاقتصادي هو الوسيلة التي يمكن استعمالها بأوسع شكل لجذب الجماهير إلى النضال السياسي النشيط" (قرار مؤتمر "الاتحاد" و "التعديلات"، "مؤتمران" ص 11 و 17).

    ← نظرة واحدة إلى التحريض والنضال السياسيين.

    "ينبغي للتحريض السياسي أن يتبع التحريض الاقتصادي"

    *يطرح لينين السؤال:

    "هل صحيح أن النضال الاقتصادي هو بوجه عام الوسيلة التي يمكن استعمالها بأوسع شكل لجذب الجماهير إلى النضال السياسي؟

    كلا، ليس هذا صحيحا على الإطلاق.

    إن جميع مظاهر الاضطهاد البوليسي والطغيان الاستبدادي بشتى أشكالها، لا المظاهر المرتبطة بالنضال الاقتصادي وحده، هي وسيلة لمثل هذا "الجذب يمكن استعمالها بشكل ليس أقل سعة على الإطلاق".

    *أمثلة عن المظاهر الاضطهادية غير المرتبطة بالنضال الاقتصادي:

    - القصاص الجسدي من الفلاحين، ارتشاء الموظفين، معاملة الشرطة للعامة في المدن، مكافحة الجياع، قمع مساعي الشعب إلى النور والمعرفة، التفنن في جباية الضرائب، ملاحقة الشيع الدينية، ترويض الجنود، معاملة الطلاب والمثقفين الليبراليين معاملة الجنود.

    ←هناك رفض لينين لتضييق إطار التحريض السياسي إلى وسيلة واحدة.

    أي:

    ("إضفاء الطابع السياسي على النضال الاقتصادي نفسه")

    هناك:

    نزوع تقليدي إلى الهبوط بالسياسة الاشتراكية – الديموقراطية حتى مستوى السياسة التريديونيونية، نضال من أجل إصلاحات اقتصادية.

    الشعار: "إضفاء الطابع السياسي على النضال الاقتصادي نفسه" شعار خال من كل شيء، عدا النضال في سبيل الإصلاحات الاقتصادية.

    مارتينوف: "بث الروح الثورية في العقائد أعلى شأنا من بثها في الحياة"

    في الهامش يقول لينين (ص63):

    "إنها طريقة مارتينوف لتطبيق صيغة: "كل خطوة تخطوها الحركة الفعلية هي أهم دستة من البرامج" على وضع حركتنا الحالي الميولي، الأمر الذي وصفناه من قبل. والواقع أن هذه العبارة ليست في الجوهر غير الترجمة الروسية لعبارة برنشتاين السيئة الصيت" "الحركة هي كل شيء، الهدف النهائي هو لا شيء".

    رد لينين على مارتينوف:

    "إن الاشتراكية – الديموقراطية الثورية قد ضمنت نشاطها، وتضمنه على الدوام، النضال من أجل الإصلاحات، ولكنها تستخدم التحريض "الاقتصادي لا مطالبة الحكومة بمختلف الإجراءات وحسب، بل لمطالبتها كذلك (وقبل كل شيء) بأن تكف عن أن تكون حكومة استبدادية، وهي، عدا ذلك، ترى من واجبها أن تقدم للحكومة هذا الطلب لا على صعيد النضال الاقتصادي وحسب، بل كذلك على صعيد جميع مظاهر الحياة السياسية والاجتماعية بوجه عام. إنها بكلمة، تخضع النضال من أجل الإصلاحات، بوصفه جزء من كل، للنضال الثوري من أجل الحرية ومن أجل الاشتراكية. أما مارتينوف فيبعث نظرية المراحل بشكل آخر، محاولا أن يحصر تطور النضال السياسي في طريق، إن جاز القول، اقتصادي، بكل تأكيد. إنه، إذ ينادي "في مرحلة النهوض الثوري بالنضال من أجل الإصلاحات على أنه "مهمة" خاصة كما يزعم، يجر بذلك الحزب إلى الوراء، ويساعد الانتهازية "الاقتصادية" والانتهازية الليبرالية على حد سواء".

    2) حكاية عن كيف عمق مارتينوف بليخانوف

    يناقش لينين في هذا الجزء مفهوم الدعاية لدى الاقتصادويين، ويدافع عن المفهوم الاشتراكي – الديموقراطي في ذلك.

    "يقول لومونوسوف – مارتينوف:

    "لقد تغيرت أمور كثيرة منذ كتب بليخانوف الكتاب المذكور ("مهام الاشتراكيين في مكافحة المجاعة في روسيا") فالاشتراكيون – الديموقراطيون، الذين قادوا نضال الطبقة العاملة الاقتصادي طيلة عشر سنوات ... لم يتسن لهم بعد أن يقيموا تكتيك الحزب على أساس نظري واسع. أما الآن فقد نضجت هذه المسألة. وإذا ما أردنا إقامة مثل هذا الأساس النظري وجب علينا، حتما، أن نعمق لدرجة كبيرة تلك المبادئ التكتيكية التي طرحها بليخانوف فيما مضى ... يجب علينا أن نحدد الفرق بين الدعاية والتحريض بشكل يختلف عن تحديد بليخانوف (وقد ذكر مارتينوف لتوه كلمات بليخانوف: "الداعية يعطي كثرة من الأفكار لشخص أو لعدد من الأشخاص، والمحرض يعطي فكرة واحدة أو بضع أفكار، ولكنه يعطيها بالمقابل لجمهور كبير من الأشخاص").

    "وبودنا أن نفهم من الدعاية الشرح الثوري للنظام الحالي بأكمله أو لبعض مظاهره، سواء جرى ذلك بشكل يفهمه أفراد أو جمهور كبير من الناس، فلا فرق. ونفهم من التحريض بمعنى الكلمة الدقيق (كذا!) نداء الجماهير إلى بعض الأعمال الملموسة، مساعدة البروليتاريا على التدخل الثوري المباشر في الحياة الاجتماعية".

    *وفي معرض رده على ذلك، يقدم لينين الطرح الماركسي للمسألة:

    "إننا نهنئ الاشتراكية – الديموقراطية الروسية والعالمية باصطلاحات جديدة مارتينوفية أكثر دقة وعمقا، فقد كنا نعتقد حتى الآن (مع بليخانوف وجميع قادة حركة العمال العالميين) أن الداعية، إذا ما أخذ مثلا مسألة البطالة نفسها، ينبغي له أن يشرح الأزمات وطبيعتها الرأسمالية، وأن يبين أسباب حتميتها في المجتمع الراهن، وأن يبين ضرورة تحويله إلى مجتمع اشتراكي ... وبكلمة، ينبغي له أن يعطي "كثرة من الأفكار"، كثيرة لدرجة لا يمكن أن يستوعبها لمجموعها دفعة واحدة، غير عدد من الأشخاص قليل (نسبيا). أما المحرض، فإنه، إذ يتكلم عن المسألة نفسها، يأخذ أبرز مثل يعرفه مستمعوه، أكثر من غيره من الأمثال، لنقل مثلا، موت عائلة عامل عاطل عن العمل بسبب المجاعة وانتشار التسول ... ويوجه جميع جهوده، استنادا إلى هذا الواقع الذي يعرفه الجميع، لإعطاء "الجمهور" فكرة واحدة: فكرة التناقض غير المعقول بين تزايد الغنى وتزايد الفقر، بادلا جهده لكي يثير الاستياء في الجمهور والاستياء من هذا الظلم الفاضح، تاركا للداعية مهمة الشرح الكامل لهذا التناقض. ولذلك يعمد الداعية بالدرجة الأولى إلى الكلمة المطبوعة، ويعمد المحرض إلى الكلمة الحية، ولا يتطلب من الداعية الصفات نفسها التي تتطلب من المحرض. فنحن نصف كاوتسكي مثلا و لافارغ بأنهما من الدعاة، و نصف بيبل و غيد بأنهما من المحرضين، وما تعيين ميدان ثالث، وظيفة ثالثة للنشاط العملي، وظيفة تتلخص في  "نداء الجماهير إلى بعض الأعمال الملموسة" إلا حماقة كبرى ، لأن "النداء"  بوصفه عملا على حدى، إما أن يكون لا محالة التتمة الطبيعية للبحث النظري ولكراس الداعية، ولخطاب التحريض، وإما أن يكون عملا تنفيذيا صرفا. وفي الحقيقة لنأخذ مثلا نضال الاشتراكيين – الديموقراطيين الألمان الحالي ضد الرسوم الجمركية المفروضة على الحبوب. النظريون يكتبون الأبحاث عن السياسة الجمركية "منادين" مثلا، إلى النضال من أجل المعاهدات التجارية ومن أجل حرية التجارة، والداعية يقوم  بالعمل نفسه في مجلة، والمحرض في خطابات أمام الجمهور، والأعمال الملموسة التي تقوم بها الجماهير في هذه الحالة هي عبارة عن توقيع عرائض إلى الرايخشتاغ تطالب بعدم  زيادة الرسوم المفروضة على الحبوب، والنداء إلى هذا العمل  يصدر بصورة غير مباشرة عن النظريين والدعاة والمحرضين، وبصورة مباشرة عن العمال الذين يطوفون بهذه العرائض إلى المعامل والبيوت، ويستنتج من "اصطلاحات مارتينوف" أن كلا من كاوتسكي و بيبل من الدعاة ، وأن حاملي العرائض من المحرضين، أليس كذلك؟".

    3) التشهير السياسي و "تربية النشاط الثوري"

    *يناقش لينين هنا مسألة التشهير المكتفي بالمستوى الاقتصادي وعلاقة ذلك بنشوء الوعي السياسي الطبقي لذى العمال: علاقة الطبقة العاملة بباقي الطبقات ....

    "إنه خطأ نموذجي، لأنه أبعد من أن يختص به مارتينوف وحده، والواقع أننا "لا نرفع مستوى نشاط جماهير العمال" إلا إذا لم نكتف ب "التحريض السياسي على الصعيد الاقتصادي". ولما كان أحد الشروط الأساسية لضرورة توسيع التحريض السياسي هو تنظيم التشهير السياسي في جميع الميادين، لأن تربية وعي الجماهير السياسي ونشاطها الثوري لا تمكن إلا عن طريق هذا التشهير – كان هذا النوع من النشاط وظيفة من أهم وظائف الاشتراكية الديموقراطية العالمية بأكملها -، لأن الحرية السياسية هي الأخرى لا تزيل هذا التشهير البتة، بل تغير اتجاهه بعض الشيء، فالحزب الألماني مثلا، يعزز مواقعه ويوسع نفوذه لدرجة كبيرة بفضل حملة التشهير السياسي بالذات، التي يشنها بنشاط لا يفتر. ولا يمكن أن يكون وعي الطبقة العاملة وعيا سياسيا حقا إذا لم يتعود العمال الرد على كل حالة من حالات الطغيان والظلم والعنف وسوء الاستعمال على اختلافها وبصرف النظر عن الطبقة التي توجه إليها، على أن يكون الرد من وجهة النظر الاشتراكية – الديموقراطية، لا من أية وجهة نظر أخرى. ولا يمكن أن يكون وعي جماهير العمال وعيا طبقيا حقا إذا لم يتعلم العمال الاستفادة من الوقائع والحوادث السياسية الملموسة والعاجلة (الملحة) حتما في الوقت نفسه، لمراقبة كل طبقة من الطبقات الاجتماعية الأخرى في جميع مظاهر حياتها العقلية والأخلاقية والسياسية، إذا لم يتعلموا أن يطبقوا في العمل التحليل المادي والتقدير المادي لجميع أوجه نشاط وحياة جميع طبقات السكان وفئاتهم وجماعاتهم. إن كل من يوجه انتباه الطبقة العاملة، وقوة ملاحظتها و وعيها إلى نفسها فقط، أو إلى نفسها بالدرجة الأولى، ليس باشتراكي – ديموقراطي، لأن معرفة الطبقة العاملة لنفسها مرتبطة ارتباطا لا ينفصم بمعرفتها، معرفة واضحة تامة للعلاقات المتبادلة بين جميع طبقات المجتمع الراهن، معرفة ليست نظرية فحسب ... و الأصح أن نقول: ليست نظرية بمقدار ما هي مبنية على تجربة الحياة السياسية. ولذلك فإن ما ينادي به "اقتصاديونا" من أن النضال الاقتصادي هو الوسيلة التي يمكن استعمالها بأوسع شكل لجذب الجماهير إلى الحركة السياسية هو أمر ضار منتهى الضرر، و رجعي منتهى الرجعية من حيث نتائجه العمالية، فلكي ما يصبح العامل اشتراكيا ديموقراطيا، ينبغي له أن يكون لنفسه صورة واضحة عن الطبيعة الاقتصادية والسمات الاجتماعية والسياسية للملاك العقاري والكاهن وصاحبة الرفعة والفلاح والطالب والصعلوك، وأن يعرف نواحي قوتهم ونواحي ضعفهم، وأن يحسن فهم معاني مختلف العبارات الشائعة والسفسطات التي تخفي فيها كل طبقة وكل فئة مطامعها الأنانية وحقيقة "دخيلتها"، و أن يعرف ما هي المؤسسات والقوانين التي تعكس هذه المصالح أو تلك وكيف تعكسها. وهذه "الصورة الواضحة" لا يستطيع العامل أن يجدها في أي كتاب: لا يستطيع أن يستمدها إلا من الصور الحية، إلا من التشهير الذي يذاع مباشرة إثر ما يجري حولنا في برهة ما، ويصبح موضوعا يتحدث به الناس، جماعات وأفرادا، أو يهمسون به على الأقل، وما يتجلى في هذه أو تلك من الأحداث والأرقام والأحكام القضائية ...

    إن هذا التشهير السياسي الذي يشمل جميع الميادين هو شرط أساسي لا بد منه لتربية نشاط الجماهير الثوري".

    ويقدم لينين تقييما لحالة وعي العمال في روسيا آنذاك متسائلا:

    "لماذا يظهر العامل الروسي حتى الآن غير القليل من النشاط الثوري حيال ما يلقاه الشعب من وحشية الشرطة، حيال اضطهاد الشيع الدينية، حيال ضرب الفلاحين، حيال فضائح الرقابة، حيال مرة أخرى تعذيب الجنود، حيال ملاحقة المبادرات الثقافية حتى أضعفها، وهلم جرا؟

    أليس مرد ذلك إلى أن "النضال الاقتصادي" لا "يدفعه" إل مثل هذا النشاط، وأن هذه الأمور "تبعث فيه الأمل" بقلة من "النتائج الحسية" وتعطيه قلة من النتائج "الإيجابية"؟  إن ادعاء المرء بمثل هذا يعني، ونكرر ذلك، محاولة لعزو أخطائه هو إلى الآخرين، عزو تفاهته (أي البرنشتاينية) إلى جماهير العمال. إننا إذا كنا لم نستطع حتى الآن تنظيم التشهير بجميع هذه الصفات بما ينبغي من السعة والسرعة والوضوح، فسبب ذلك، نحن، سبب ذلك تأخرنا عن حركة الجماهير".

    * بصدد شعار: "إضفاء الطابع السياسي على النضال الاقتصادي نفسه"

    يقول لينين في هامش له أسفل الصفحة 74 من كتابه ما العمل؟:

    "إن المطالبة بإضفاء الطابع السياسي على النضال الاقتصادي نفسه، تفصح بأقصى الوضوح عن تقديس العفوية في ميدان النشاط السياسي، فالنضال الاقتصادي يكتسب الطابع السياسي في معظم الأحيان في صورة عفوية، أي بدون تدخل "الجرثومة الثورية" – المثقفين. بدون تدخل الاشتراكيين – الديموقراطيين الواعي، فنضال العمال الاقتصادي في انجلترا، مثلا، قد اكتسب كذلك الطابع السياسي دون أي اشتراك من قبل الاشتراكيين، ولكن واجب الاشتراكيين – الديموقراطيين في التحريض السياسي على الصعيد الاقتصادي، بل إن واجبهم أن يحولوا هذه السياسة التريديونيونية  إلى نضال سياسي اشتراكي – ديموقراطي، أن يستفيدوا من ومضات الوعي السياسي، التي يبعثها في العمال، النضال الاقتصادي، لكي يرفعوا العمال إلى مستوى الوعي السياسي الاشتراكي – الديموقراطي. أما مارتينوف ومن على شاكلته، فبدلا من أن يرفعوا ويدفعوا إلى الأمام الوعي السياسي المستيقظ بصورة عفوية يخرون سجدا أمام العفوية ...".

    4) ما هو مشترك بين الاقتصادوية والإرهابية؟

    ولأنه، عند كتابة "ما العمل؟" عرفت روسيا، إضافة إلى ظهور الاقتصادوية، انتشارا وعودة مفاجئة للأفكار الإرهابية، يقوم لينين في هذا الجزء بتحليل الظاهرة من خلال البحث في الجذر المشترك بين الاقتصاديين وإرهابيي آنذاك.

    يقول لينين:

    "لدى الاقتصاديين وإرهابيي اليوم جذر مشترك هو بالضبط تقديس العفوية".

    "وقد يبدو زعمنا هذا لأول وهلة متناقضا، إذ أن الفرق الظاهري كبير جدا، بين أناس يضعون في المقام الأول "النضال الجاري المعتاد" وأناس يدعون الأفراد إلى نضال يتطلب الحد الأقصى من نكران الذات، ولكن ليس ثمة هناك من تناقض، فالاقتصاديون والإرهابيون يقدسون قطبين مختلفين من التيار العفوي: "الاقتصاديون يقدسون عفوية "الحركة العمالية الصرف"، والإرهابيون يقدسون عفوية شديد سخط المثقفين، الذين لا يعرفون، أو لا يملكون إمكانية ربط العمل الثوري بحركة العمال في كل واحد.

    وفي الحقيقة يصعب على من فقد إيمانه بهذه الإمكانية، أو الذي يؤمن بها فقط، أن يجد مخرجا لسخطه و همته الثورية غير الإرهاب. وهكذا، فإن تقديس العفوية في الاتجاهين المذكورين ليس إلا البدء بتحقيق برنامج "كريدو" المشهور: العمال ينصرفون إلى نضالهم الاقتصادي ضد أصحاب الأعمال والحكومة (وليعذرنا واضع "الكريدو" إذ نعرب عن أفكاره بكلمات مارتينوف! ونعتقد أن ذلك من حقنا ما دام "كريدو"هو الآخر يقول أن العمال يصطدمون في نضالهم الاقتصادي بالنظام السياسي)".

    "إن للنشاط السياسي منطقه المستقل عن إدراك الذين يدعون، عن حسن نية، إلى الإرهاب، أو إلى إضفاء الطابع السياسي على النضال الاقتصادي نفسه. إن جهنم مبلطة بالنوايا الطيبة، وفي هذه الحالة أيضا، لا تمنع النوايا الطيبة من الانجرار العفوي في اتجاه أهون السبل، برنامج "كريدو" البورجوازي الصرف".

    5) الطبقة العاملة مناضل طليعي من أجل الديموقراطية

    يناقش لينين هنا طبقية الحركة والتشهير السياسي الموجه إلى الشعب بكامله، بما يعني معالجة اشكالية التوافق بين حاجة البروليتاريا الى التربية السياسية وما تحتاجه الحركة الديموقراطية العامة، أي عموما، علاقة النضال الاشتراكي بالنضال الديموقراطي، حيث يقوم لينين بنقد "المرحلوية الاقتصادوية" التي تعني النضال الاقتصادي أولا (تجميع العمال)، ثم بعد ذلك النضال السياسي، أي النشاط الترديونيوني وبعده النشاط الاشتراكي الديموقراطي.

    *لحد الآن عالج لينين إشكالية التشهير السياسي من زاوية حاجة الطبقة العاملة للوعي السياسي الطبقي، أي إلى حاجتها للمعرفة السياسية والتربية السياسية، ويقول لينين:

    "أن طرح المسألة على هذا الشكل وحده يكون ضيقا جدا، ويغفل المهام الديموقراطية العامة، التي تواجه كل اشتراكية – ديموقراطية بوجه عام، والاشتراكية – الديموقراطية المعاصرة بشكل خاص".

    "إن كل الناس متفقين على ضرورة إنماء وعي الطبقة العاملة السياسي، والسؤال هو: كيف نقوم بذلك، وماذا ينبغي للقيام بذلك؟ إن النضال الاقتصادي لا يصدم العمال إلا بمسائل موقف الحكومة من الطبقة العاملة، ولذلك، مهما بذلنا من جهد في إضفاء الطابع السياسي على النضال الاقتصادي نفسه، لا نستطيع أبدا أن نصل إلى إنماء وعي العمال السياسي (إلى درجة الوعي السياسي الاشتراكي – الديموقراطي) ضمن إطار هذه المهمة لأن هذا الإطار نفسه ضيق. إن صيغة مارتينوف ذات قيمة في نظرنا، لا لأنها تدل على موهبة مارتينوف في التشويش، بل لأنها تدل بجلاء على الخطأ الرئيسي الذي يقترفه جميع الاقتصاديين، ونعني، الاعتقاد بأنه يمكن إنماء وعي العمال السياسي الطبقي من داخل نضالهم الاقتصادي، إن أمكن القول، انطلاقا من هذا النضال وحده (أو منه بصورة رئيسية على الأقل) وهذا الرأي مغلوط من أساسه، وبما أن الاقتصاديين، من غضبهم علينا بجدالنا إياهم، لا يريدون أن يعملوا الفكر في مصدر خلافاتنا، يكون الحاصل أننا لا نفهم بعضنا البعض بالمعنى الحرفي للكلمة و نتكلم بلغات مختلفة".

    *حول مسالة نقل الوعي إلى الطبقة العاملة:

    "إن الوعي السياسي الطبقي لا يمكن حمله إلى العامل إلا من الخارج، أي من خارج النضال الاقتصادي، من خارج دائرة العلاقات بين العمال وأصحاب الأعمال، فالميدان الوحيد الذي يمكن أن تستمد منه هذه المعرفة هو ميدان علاقات جميع الطبقات والفئات اتجاه الدولة والحكومة، ميدان علاقات جميع الطبقات بعضها تجاه بعض، ولذلك، على سؤال: ماذا ينبغي لحمل المعرفة السياسية للعمال، لا يمكن تقديم ذلك الجواب الوحيد، الذي يكتفي به في معظم الحالات المشتغلون في الميدان العملي، فضلا عن أولئك الذين يميلون منهم إلى الاقتصادية، ونعني جواب: "التوجه إلى العمال"، فلكي ما يحمل الاشتراكيون – الديموقراطيون إلى العمال، المعرفة السياسية، ينبغي لهم التوجه إلى جميع طبقات السكان، ينبغي لهم أن يرسلوا فصائل جيشهم إلى جميع الجهات".

    وبصدد سؤال لمن يجب أن نتوجه؟

    يقول لينين:

    "ينبغي لنا أن نتوجه إلى جميع طبقات السكان بوصفنا نظريين، وبوصفنا دعاة، وبوصفنا محرضين، وبوصفنا منظمين. لا يشك أحد أنه ينبغي لعمل الاشتراكيين – الديموقراطيين النظري، أن يتجه لدراسة جميع خصائص الوضع الاجتماعي والسياسي لمختلف الطبقات. ولكن العمل في هذا الاتجاه قليل، قليل جدا، أقل بكثير من العمل الذي يجري لدراسة خصائص حياة المعامل. إنكم تصادفون في اللجان والحلقات أناسا يتعمقون في دراسة هذا الميدان أو ذاك من ميادين إنتاج الحديد، ولكنكم لا تصادفون تقريبا من يستدل منه على أن أعضاء المنظمات (المضطرون كما يحدث في كثير من الحالات إلى ترك النشاط العملي لسبب من الأسباب) ينصرفون بصفة خاصة إلى جمع مواد حول قضية من قضايا الساعة في حياتنا الاجتماعية والسياسية، يمكن أن تتيح للاشتراكية –الديموقراطية فرصة العمل بين فئات السكان الأخرى.

    ونحن، عندما نتكلم عن ضعف الاستعداد لدى معظم قادة حركة العمال الحاليين، لا يسعنا إلا أن نذكر التحضير في هذا الحقل أيضا، إذ أنه مرتبط كذلك بالمفهوم الاقتصادي للصلة العضوية الوثيقة بالنضال البروليتاري.

    ولكن الأمر الأهم طبعا هو الدعاية والتحريض بين جميع فئات الشعب. إن ما ييسر هذا الواجب على الاشتراكي – الديموقراطي في أوروبا الغربية إنما هي الاجتماعات والتجمهرات العامة، التي يحضرها كل راغب، وييسره البرلمان الذي يتكلم فيه أمام نواب من جميع الطبقات.

     أما نحن، فليس لنا برلمان ولا حرية اجتماع، ولكننا مع ذلك، نحسن تنظيم اجتماعات للعمال، الذين يريدون أن يصغوا إلى اشتراكي ديموقراطي، وينبغي لنا أن نحسن كذلك تنظيم اجتماعات يحضرها ممثلو جميع طبقات السكان، الذين يريدون أن يصغوا إلى ديموقراطي، لأنه ليس باشتراكي - ديموقراطي من ينسى عمليا أن "الشيوعيين يؤيدون كل حركة ثورية"، وإننا تبعا لذلك ملزمون بأن نعرض أمام الشعب كله، ونشدد على المهام الديموقراطية العامة دون أن نخفي لحظة واحدة عقائدنا الاشتراكية. ليس باشتراكي – ديموقراطي من ينسى عمليا أنه ملزم بأن يكون أول من يطرح ويشحذ ويحل كل مسالة من المسائل الديموقراطية العامة".

     "لا يمكن أن يصبح طليعة للقوى الثورية في زمننا غير الحزب الذي ينظم تشهيرا يسترعي انتباه الشعب حقا، ولكلمة الشعب كله مضمون كبير جدا، والأكثرية الكبرى من المشهرين، اللذين لا ينتسبون إلى الطبقة العاملة (والحال أن من يريد أن يكون الطليعة ينبغي له أن يجذب الطبقات الأخرى) هم ساسة حصفاء وأناس عمليون رابطو الجأش، يعرفون حق المعرفة مبلغ خطر الشكوى حتى موظف صغير، ناهيك عن الحكومة الروسية ذات الحول والطول، وهم لن يتوجهوا إلينا بالشكوى إلا عندما يرون أنها ستكون فعلا ذات تأثير، وأننا قوة سياسية، ولكي ما تصبح مثل هذه القوة في نظر الآخرين، لا يكفي أن نعلق لافتة الطليعة على نظرية المؤخرة وممارستها، بل ينبغي لنا أن نعمل بدأب وإصرار على رفع مستوى وعينا ومبادرتنا وهمتنا".

    *"سيسألنا، ولقد سألنا بالفعل، المتحمس حماسا يفوق المعقول "للصلة العضوية الوثيقة بالنضال البروليتاري". ولكن إذا كان ينبغي لنا أن نأخذ على عاتقنا تنظيم تشهير بالحكومة يستدعي انتباه الشعب كله حقا، فبم يتجلى طابع حركتنا الطبقي؟

    - إنه يتجلى في كون تنظيم التشهير الذي يسترعي انتباه الشعب كله، يجري بالذات من قبلنا نحن الاشتراكيون – الديموقراطيون، - يتجلى في كون شرح جميع القضايا التي يثيرها التحريض، سيجري عل الدوام بالروح الاشتراكية – الديموقراطية دون أي تسامح بتشويه الماركسية عن قصد أو غير قصد – يتجلى في كون هذا التحريض السياسي الشامل سيجري من قبل حزب يوحد في كل لا يتجزأ، الهجوم على الحكومة باسم الشعب كله، وتربية البروليتاريا تربية ثورية مع الاحتفاظ باستقلالها السياسي، وقيادة نضال الطبقة العاملة  الاقتصادي، والاستفادة من اصطداماتها العفوية مع مستغليها، هذه الاصطدامات، التي تستنهض و تجذب إلى معسكرنا فئات جديدة وجديدة من البروليتاريا!".

    "لكن إحدى السمات المميزة جدا ل "الاقتصادوية" هي بالضبط عدم فهم هذه الصلة، بل قل عدم فهم هذا التوافق بين ما تحتاج إليه البروليتاريا أشد الحاجة (التربية السياسية الشاملة عن طريق التحريض والتشهير السياسيين) وما تحتاج إليه الحركة الديموقراطية العامة".

    6) مرة أخرى "مفترون" مرة أخرى "مشعوذون"

    تأكيد مرة أخرى من لينين:

    "ومع ذلك يحتاج المرء إلى تفكير طويل لكي يدرك السبب، الذي يجعل بالضبط من كل تقديس لعفوية الحركة الجماهيرية، من كل هبوط بالسياسة الاشتراكية – الديموقراطية إلى مستوى السياسة التريديونيونية، بمثابة تمهيد التربة لتحويل حركة العمال إلى أداة للديموقراطية البورجوازية.

    فالحركة العمالية العفوية بحد ذاتها تستطيع أن تنشئ (وهي تنشئ حتما) التريديونيونية فقط، وما السياسة التريديونيونية للطبقة العاملة غير السياسة البورجوازية للطبقة العاملة، واشتراك الطبقة العاملة في النضال السياسي، وحتى في الثورة السياسية، لا يجعل إطلاقا بعد من سياستها سياسة اشتراكية – ديموقراطية".

    في الهامش ص 97:

    "يستشهدون هنا أيضا ب "الظروف الروسية الملموسة التي تدفع حركة العمال بصورة جبرية إلى الطريق الثوري". إن هؤلاء الناس لا يريدون أن يفهموا أن الطريق الثوري لحركة العمال، يمكن أن يكون أيضا طريق غير اشتراكي – ديموقراطي!

     فالواقع أن البورجوازية في أوروبا الغربية كلها كانت في عهد الحكم المطلق "تدفع" العمال، تدفعهم عن وعي، إلى الطريق الثوري. أما نحن الاشتراكيون – الديموقراطيون فلا يمكن أن نكتفي بذلك. وإذا ما هبطنا نحن بالسياسة الاشتراكية – الديموقراطية بشكل من الأشكال إلى مستوى السياسة العفوية، التريديونيونية، فإننا بذلك نسهل أمور الديموقراطية البورجوازية".

    الفصل الرابع

    عمل الاقتصاديين الحرفي وتنظيم الثوريين

     "إن ما قمنا بتحليله من مزاعم "رابوتشيه ديلو" أن النضال الاقتصادي هو الوسيلة، التي يمكن استعمالها بأوسع شكل للتحريض السياسي، وأن واجبنا هو إضفاء الطابع السياسي على النضال الاقتصادي نفسه الخ... يعرب عن فهم ضيق لا لمهامنا السياسية وحسب، بل لمهامنا التنظيمية أيضا. ف "النضال الاقتصادي ضد أصحاب الأعمال والحكومة" لا يتطلب على الإطلاق – ولذلك لا يمكن أن تنشأ على أساس هذا النضال – منظمة متمركزة لعامة روسيا توحد في ضغط واحد عام جميع مظاهر المعارضة السياسية والاحتجاج والاستياء على اختلافها، منظمة تتألف من ثوريين محترفين، يقودها زعماء سياسيون حقيقيون للشعب كله".

    1) ما هو العمل الحرفي؟

    يقدم لينين الجواب عبر الاستشهاد بنموذج لحلقة اشتراكية – ديموقراطية في سنوات 1894 – 1901:

    طلبة ← ماركسية ← (جواب على سؤال "ما العمل؟") ← نزول إلى الميدان بعتاد بدائي (بل حتى معدما) ← ذهبوا إلى الحرب كفلاحين حيث تركوا المحراث لتوهم (حمل الهراوات) ← لا علاقة لهم بالقدماء ← لا علاقة بالحلقات الأخرى في المناطق الأخرى بل حتى في الأحياء الأخرى ... ← لا تنظيم لمختلف أجزاء العمل الثوري ← لا منهاج عمل منتظم ثابت ← تربط الاتصال بالعمال وتبدأ العمل.

    بداية العمل ← توسع الدعاية والتحريض ← تحبيذ فئات من العمال وقسم من المثقفين (دعم بالنقود، يضعون تحت تصرفها جماعة من الشبيبة بعد أخرى) ← تزداد جاذبية اللجنة ← اتساع ميدان نشاطها (عفويا) ← نفس الأشخاص الذين اشتركوا منذ سنة أو عدة أشهر في حلقات الطلاب، وانكبوا على حل مسألة: "إلى أين نتجه؟" والذين أقاموا الصلات مع فرق من الثوريين، ويحصلون على المطبوعات ويشرعون بإصدار جريدة محلية، ويأخذون بالحديث عن تنظيم مظاهرة وينتقلون في النهاية إلى الأعمال الحربية المكشوفة (مثلا أول نشرة تحريض أو مظاهرة) ← بداية هذه الأعمال عادة تؤدي إلى الانهيار على الفور.

    تعليق لينين:

    "تفضي على الفور إلى الانهيار التام، لأن هذه الأعمال الحربية لم تأت على وجه الدقة نتيجة لمنهاج منتظم، وضع سلفا بعد تبصر وإعمال فكر، لنضال مديد عنيد، بل مجرد تطور عفوي لعمل الحلقات الجاري حسب المعتاد، لأن الشرطة كانت بطبيعة الحال تعرف دائما تقريبا جميع مناضلي الحركة المحلية الرئيسيين، الذين "اشتهر أمرهم" منذ كانوا طلابا على مقاعد الدراسة، ولم تكن تنتظر غير الظرف المناسب للقبض عليهم تاركة للحلقة عن عمد إمكانية النمو وتوسيع نشاطها إلى حد يكفي لكي تحصل على " جسم الجريمة" ".

    = استعمال طعم: ترك أشخاص يتحركون، نحن هنا أمام حرب زمر فلاحين مسلحين بالهراوات ضد جيش حديث......

    لقد كشفت إضرابات 1896 نواقص هذا النوع من التنظيم، وأبانت عن تطور القمع وأساليبه وشدة الضربات الموجهة للثوريين.....

    ويقول لينين:

    " قد كانت النتيجة المحتومة لهذه الظروف التي وصفناها أن انقسم المناضلون المحليون انقساما مذهلا، وأصبح تركيب الحلقات عرضيا، وانعدم الاستعداد، وضاق أفق النظر في ميادين المسائل النظرية والسياسية والتنظيمية. وقد بلغ الأمر أن أصبح العمال في بعض المناطق، بسبب النقص في رباطة جأشنا وفي سرية عملنا، يفقدون ثقتهم بالمثقفين ويتبرمون منهم، ويقولون أن المثقفين يسببون الإخفاقات من جراء طيشهم المفرط".

    2)العمل الحرفي والاقتصادوية

    يطرح لينين سؤالا:

    "هذا العمل الحرفي بوصفه مرض نمو يلازم الحركة بمجموعها، هل يمكن أن يقرن ب "الاقتصادوية" باعتبارها أحد تيارات الاشتراكية – الديموقراطية الروسية؟".

    *جواب: حول علاقة العمل الحرفي بالاقتصادوية

    "نعتقد أن ذلك ممكن. إن نقص الاستعداد العملي، إن عدم المهارة في العمل التنظيمي هو في الحقيقة شيء عام بالنسبة إلينا جميعا، حتى الذين تمسكوا منذ البدء، بوجهة نظر الماركسية الثورية. ولا يمكن لأحد بطبيعة الحال أن يلوم المشتغلين في الميدان العملي لنقص الاستعداد بحد ذاته. ولكن مفهوم "العمل الحرفي" يتضمن، فضلا عن نقص الاستعداد، شيئا آخرا، هو ضيق نطاق العمل الثوري كله بوجه عام، وعدم فهم أن منظمة ثوريين جديدة لا يمكن أن تتكون على أساس هذا العمل الضيق، وأخيرا، وهو الأمر الأهم، محاولات تبرير هذا النطاق الضيق ورفعه إلى مقام "نظرية" خاصة، أي تقديس العفوية في هذا الميدان أيضا. ومنذ أن ظهرت هذه المحاولات، لم يبق شك في أن العمل الحرفي مرتبط ب "الاقتصادوية"، وأننا لن نتخلص من ضيق نشاطنا التنظيمي إذا لم نتخلص من "الاقتصادوية" عموما (أي من المفهوم الضيق للنظرية الماركسية ولدور الاشتراكية – الديموقراطية ولمهامها السياسية)".

    3)منظمة العمال ومنظمة الثوريين

    يقول لينين:

    "إذا كان مفهوم النضال الاقتصادي ضد أصحاب الأعمال والحكومة، في نظر الاشتراكي – الديموقراطي يغطي مفهوم النضال السياسي، فطبيعي أن نتوقع لمفهوم "منظمة العمال" أن يغطي في نظره إلى حد ما مفهوم "منظمة الثوريين" ".

    *بعد هذا التقديم، يتحدث أوليانوف عن مصدر الخلافات مع الاقتصاديين في مجال التنظيم:

    "فما هو مصدر خلافاتنا؟ إنه يكمن في كون الاقتصاديين ينزلقون على الدوام من الاشتراكية – الديموقراطية إلى التريديونيونية، إن في المهام التنظيمية أو المهام السياسية، فنضال الاشتراكية – الديموقراطية السياسي أوسع جدا وأكثر تعقيدا من نضال العمال الاقتصادي ضد أصحاب الأعمال والحكومة. وكذلك، (تبعا لذلك)، فلابد للتنظيم الاشتراكي – الديموقراطي الثوري من أن يكون من نوع آخر، يختلف عن تنظيم العمال للنضال الاقتصادي، إذ ينبغي لمنظمة العمال أن تكون، أولا، مهنية، ثانيا، واسعة ما أمكن، ثالثا، علنية ما أمكن (...) وبالعكس، ينبغي لمنظمة الثوريين أن تضم بالدرجة الأولى، وبصورة رئيسية أناسا يكون النشاط الثوري مهنتهم (ولذلك أتحدث عن منظمة الثوريين، وأنا أعني الثوريين الاشتراكيين –الديموقراطيين). وحيال هذه الصفة المشتركة بين أعضاء مثل هذه المنظمة، ينبغي أن ينمحي بصورة تامة كل فرق بين العمال والمثقفين، فضلا عن الفروق بين مهن هؤلاء وأولئك على اختلافها. ينبغي لهذه المنظمة بالضرورة ألا تكون واسعة جدا، وأن على أكثر ما يمكن من السرية.

    فلنتناول هذه الفروق الثلاثة".

    "إن الفرق بين التنظيم المهني والتنظيم السياسي واضح تماما في البلدان التي تتمتع بحرية سياسية، وضوح الفرق بين التريديونيونيات والاشتراكية – الديموقراطية. وطبيعي أن علاقة الاشتراكية – الديموقراطية بالتريديونيونيات تختلف حتما من بلد لآخر تبعا للظروف التاريخية والحقوقية وغيرها، ويمكن أن تكون على جانب معين من القوة والتعقيد الخ ... ولكن لا يمكن بأي حال أن تعتبر المنظمة النقابية ومنظمة الحزب الاشتراكي – الديموقراطي في البلدان الحرة شيئا واحدا. أما في روسيا، فإن طغيان الحكم المطلق يمحو لأول وهلة كل فرق بين المنظمة الاشتراكية – الديموقراطية ونقابة العمال، لأن جميع نقابات العمال وجميع الحلقات ممنوعة، لأن المظهر الأساسي والأداة الأساسية لنضال العمال الاقتصادي – أي الإضراب - يعتبر بوجه عام جريمة يعاقب عليها قانون الجزاء (ويعتبر أحيانا جريمة سياسية!). وهكذا، تصدم الظروف عندنا بشدة العمال الذين يخوضون النضال الاقتصادي بالقضايا السياسية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى "تصدم" الاشتراكيين – الديموقراطيين بالخلط بين التريديونيونية والاشتراكية – الديموقراطية".

    "ولكن ليس من مصلحتنا على الإطلاق أن نطالب بأن يكون أعضاء الجمعيات "المهنية" من الاشتراكيين – الديموقراطيين وحدهم، لأن ذلك يسفر عن تقلص نفوذنا في الجماهير. فليشترك في الجمعية المهنية كل عامل يدرك ضرورة الاتحاد للنضال ضد أصحاب الأعمال والحكومة، فهدف الجمعية المهنية ذاته لا يمكن بلوغه إن لم تضم هذه الجمعيات البدائية من درجات الفهم، إن لم تكن هذه الجمعيات المهنية منظمات واسعة جدا. وبمقدار ما تتسع هذه المنظمات، يتسع نفوذنا فيها، وهو نفوذ لا ينشأ فقط عن التطور "العفوي" للنضال الاقتصادي، إنما ينشأ أيضا عن تأثير أعضاء الجمعية الاشتراكيين في رفاقهم تأثيرا مباشرا واعيا، ولكن عندما يكون عدد المنتمين إلى منظمة من المنظمات كبيرا تتعذر السرية الدقيقة (التي تتطلب استعدادا أكبر جدا من الاستعداد اللازم للنضال الاقتصادي). فكيف نحل هذا التناقض بين ضرورة سعة المنظمة وضرورة السرية الدقيقة؟ كيف نعمل لتكون المنظمات المهنية سرية لأقل حد ممكن؟ لبلوغ ذلك، لا يوجد بوجه عام غير سبيلين: إما جعل الجمعيات المهنية علنية (وقد حدث هذا في بعض البلدان قبل أن تصبح الجمعيات الاشتراكية و السياسية علنية) و إما إبقاء المنظمة سرية، ولكن "حرة"  و غير واضحة الحدود، LOSE، كما يقول الألمان، لدرجة تصبح معها الصفة السرية بالنسبة لجمهور الأعضاء في حكم العدم تقريبا".

    "ولكن قيامنا بكل ذلك لا يعني البتة أننا ننسى أن جعل حركة العمال علنية سيعود بالنفع في نهاية الأمر علينا نحن، لا على أمثال زوباتوف البتة. إن الأمر على العكس، فبحملتنا التشهيرية نفضل نحن الزوان عن الحنطة، وقد بينا الزوان، أما الحنطة فهي لفت أنظار أوسع فئات العمال وأكثرها تأخرا إلى المسائل الاجتماعية والسياسية، هي تحريرنا، نحن الثوريين، من وظائف هي في الجوهر علنية (نشر الكتب العلنية، المساعدة المتبادلة، الخ...)، وظائف يؤدي تطورها حتما إلى إعطائنا عددا متزايدا على الدوام من المواد للتحريض".

    يعطي لينين الصيغة أو الشكل، الذي يجب أن يقوم عليه تنظيم مهني أو تريديونيوني مرتبط بالتنظيم الاشتراكي – الديموقراطي الثوري:

    "إن نواة صغيرة متراصة، تتألف من أشد العمال ثقة وحنكة وتمرسا بالنضال، لها معتمدون في المناطق الرئيسية، وتتصل بمنظمة الثوريين على أساس مراعاة قواعد العمل السري بكل دقة، تستطيع تماما، استنادا لأوسع تأييد من قبل الجمهور، وبدون أي شكل تنظيمي، أن تقوم بجميع الوظائف الملقاة على المنظمة المهنية، وتستطيع فضلا عن ذلك القيام بها على وجه الضبط بالشكل الذي تريده الاشتراكية – الديموقراطية، هذا هو الطريق الوحيد، الذي يمكن من تعزيز وتطوير الحركة المهنية الاشتراكية – الديموقراطية بالرغم من الدرك كله. وسيعترضون علي بقولهم أن منظمة "Lose" (واسعة، حرة، فضفاضة) إلى حد أنها لا تتخذ لنفسها أي شكل معين، وأعضاؤها غير معروفين وغير مسجلين، لا يمكن أن تسمى بمنظمة. ربما لست بمن يهتمون بالأسماء، ولكن هذه "المنظمة بلا أعضاء" ستقوم بكل ما يلزم، وستؤمن منذ البدء الصلة الوثقى بين تريديونيوناتنا المقبلة وبين الاشتراكية. وكل من يريد في ظل الاستبداد منظمة عمال واسعة تنتخب هيئاتها على أساس الاقتراع العام، وتقدم التقارير و الخ ...فهو بكل بساطة طوبوي لا يرجى له شفاء.

    والعبرة التي تستخلص من ذلك بسيطة: إذا بدأنا بتكوين منظمة ثوريين وطيدة قوية، استطعنا أن نضمن الاستقرار للحركة بمجموعها، استطعنا أن نبلغ الأهداف الاشتراكية – الديموقراطية، والأهداف التريديونيونية الصرفة أيضا. أما إذا بدأنا بتكوين منظمة عمال واسعة، منظمة يزعم أنها "أسهل منالا" للجماهير (والواقع أنها أسهل منالا للدرك، وأنها تجعل الثوريين أسهل منالا للشرطة) فإننا لن نبلغ لا هذه الأهداف ولا تلك، ولن نتخلص من العمل الحرفي، بل إننا، بانقساماتنا وانهياراتنا الدائمة، نجعل طراز تريديونيونيون زوباتوف أو أوزيروف أسهل منا للجماهير".

    *فيما يخص العلاقة بين الحزب والجماهير، والقادة والجمهور، يقول لينين:

    "1- لا يمكن أن توجد أية حركة ثورية وطيدة بدون منظمة من القادة ثابتة تحافظ عل الاستمرارية.

    2-بمقدار ما يتسع الجمهور الذي ينهض بصورة عفوية إلى النضال، والذي يؤلف قاعدة الحركة ويساهم فيها، تشتد الحاجة إلى مثل هذه المنظمة، وينبغي لها أن تكون أوطد (...).

    3-ينبغي لهذه المنظمة أن تتألف بصورة رئيسية من أناس يجعلون من النشاط الثوري مهنة لهم.

    4- بمقدار ما نضيف، في بلد يسودها الاستبداد، قوام أعضاء هذه المنظمة، بحيث لا يشترك فيها غير الأشخاص الذين جعلوا من النشاط الثوري مهنة لهم، والذين تدربوا تدريبا مهنيا على فن النضال ضد الشرطة السياسية، تزداد صعوبة اصطياد هذه المنظمة، ويزداد أعداد أبناء الطبقة العاملة والطبقات الاجتماعية الأخرى، الذين تتاح لهم إمكانية الاشتراك في الحركة والعمل النشيط فيها".

    *حول مسألة القمع وعلاقتها ب " دستة من الأذكياء" ومائة من الحمقى، يقول لينين:

    "هل المنظمة الجماهيرية ممكنة مع ضرورة المراعاة الدقيقة لقواعد العمل السري؟ لن نستطيع بحال من الأحوال أن نرفع منظمة واسعة إلى ذلك المستوى من السرية، الذي لا يمكن بدونه حتى الحديث عن النضال ضد الحكومة له صفة الثبات والاستمرارية.

    إن تركيز جميع الوظائف السرية في أيدي أقل عدد ممكن من الثوريين المحترفين لا يعني قط أن هؤلاء "سيفكرون عوضا عن الجميع"، وأن الجموع لن تساهم في الحركة بنشاط، بل بالعكس، فإن الجموع ستبرز هؤلاء الثوريين المحترفين بعدد يتزايد باستمرار، لأن الجميع سيعرف عندئذ، أنه لا يكفي أن يجتمع عدد من الطلاب والعمال القائمين بالنضال الاقتصادي، ويشكل "اللجن"، إنما ينبغي للجموع أن تنفق السنين على تنشئة ثوريين محترفين من صلبها، وسينصرف تفكيرها إلى هذه التنشئة بالذات، لا إلى العمل الحرفي وحده. إن تركيز الوظائف السرية للمنظمة لا يعني إطلاقا تركيز جميع وظائف الحركة، فاشتراك أوسع الجماهير اشتراكا نشيطا في المنشورات السرية لا يقل، من جراء تركيز "دستة" من الثوريين المحترفين للوظائف السرية في هذا العمل، بل بالعكس، يزداد أضعافا مضاعفة. ليس من طريق غير هذا الطريق يوصلنا إلى جعل أمر قراءة المنشورات السرية، والمساهمة في تحريرها، وحتى أمر توزيعها إلى حد معين، تكف تقريبا عن أن تكون أمرا سريا، لأن السلطة لا تلبث أن تفهم أن من الحماقة والمستحيل اللجوء إلى الإجراءات القضائية والإدارية بصدد كل نسخة من ألوف النسخ الموزعة".

    "إن تركيز منظمة الثوريين لأكثر الوظائف سرية لا يضعف، إنما يزيد سعة ومضمون نشاط مجموعة كبرى من المنظمات الأخرى المعدة للجمهور الواسع، والتي تخلو بسبب ذلك لأقصى حد ممكن من الشكل التنظيمي والسرية، كنقابات العمال، وحلقات العمال للدراسة ولقراءة المنشورات السرية، والحلقات الاشتراكية، وكذلك الحلقات الديموقراطية بين جميع فئات السكان الأخرى الخ ... إن هذه الحلقات والنقابات والمنظمات ضرورية في كل مكان، وبأكبر عدد ممكن، وبوظائف متنوعة ما أمكن، ولكن من الرأي الخاطئ، ومن الضروري أن نخلط بينها وبين منظمة الثوريين، وأن نطمس الحد الفاصل بين هذه المنظمات ومنظمة الثوريين، وأن نطفئ في الجمهور نور الإدراك، الذي سبق له وخبا إلى حد لا يصدق، الإدراك بأن الحركة الجماهيرية تحتاج "لخدمتها" إلى أناس يكرسون أنفسهم  خصيصا وكليا  للنشاط الاشتراكي – الديموقراطي، وأنه ينبغي لهؤلاء الناس أن يربوا من أنفسهم بصبر ومثابرة ثوريين محترفين. أجل، لقد خبا هذا الإدراك لدرجة يصعب تصورها، والخطيئة الرئيسية التي اقترفناها في ميدان التنظيم، هي كوننا، في عملنا الحرفي، قد أسأنا إلى سمعة الثوري في روسيا، ثوري ضيق الأفق، ضعيف ومتردد في القضايا النظرية، يجعل من عفوية الجماهير مبررا لرخاوته، أشبه بسكرتير تريديونيون منه إلى خطيب شعبي، غير كفئ لعرض برنامج واسع جريء، ينتزع احترام الخصوم أنفسهم، قليل الخبرة وأخرق في الفن الذي اتخذه لنفسه مهمة – النضال ضد الشرطة السياسية - هل هذا هو الثوري من فضلكم؟ لا، إن هذا حرفي يستحق الشفقة".

    ← "أعطونا منظمة من الثوريين نقلب روسيا رأسا على عقب! وبمقدار ما وجب علي منذ ذلك الحين أن أتذكر الشعور الخجل المميض، الذي يحز في نفسي آنذاك، كانت تمتلأ نفسي بالمرارة ضد أولئك الاشتراكيين – الديموقراطيين المزيفين، الذين "يهينون لقب الثوري" بدعايتهم، والذين لا يفهمون أن واجبنا، ليس الدفاع عن الهبوط الثوري إلى مستوى الحرفي، بل رفع الحرفيين إلى مستوى الثوريين".

    4) سعة العمل التنظيمي

    "إن المحرض العامل لا ينبغي أن يعمل في المعمل إحدى عشرة ساعة، إذا كان موهوبا و"باعثا للآمال" ولو إلى حد ضئيل، ينبغي لنا أن نبذل جهدنا لكي يعيش على نفقة الحزب لكي ينتقل إلى السرية في الوقت الملائم، لكي يغير مكان  نشاطه، إذ انه إن لم يفعل ذلك لا يمكنه أن يكتسب خبرة كبيرة، وأن يوسع أفقه، وأن يصمد عدة سنوات على الأقل في النضال ضد الدرك، وكلما اتسع نهوض جماهير العمال العفوي وازداد عمقا، يبرز من صفوفها عدد أكبر، لا من الموهوبين في التحريض فحسب، بل من الموهوبين كذلك في التنظيم وفي الدعاية، ومن "المشتغلين في الميدان العملي"، بمعنى الكلمة الأحسن (القلائل جدا عندنا بين مثقفينا الذين هم في معظمهم على شيء من الرخاوة والجمود الروسيين). وعندما تصبح لدينا فصائل من الثوريين العمال المعدين إعدادا خاصا، والذين اجتازوا مدرسة نضال طويل (والاختصاصيين طبعا في "جميع الأسلحة"). عندئذ لا يمكن لأية شرطة سياسية في العالم أن تتغلب على هذه الفصائل، لأن هذه الفصائل المؤلفة من أناس مخلصين للثورة منتهى الإخلاص، ستتمتع أيضا بثقة لا حد لها بين أوسع جماهير العمال. وخطأنا الأكيد هو كوننا قلما "ندفع" العمال إلى هذه الطريقة المشتركة بينهم وبين "المثقفين"، طريق التدريب الثوري المهني، ونكثر من جرهم إلى الوراء بخطاباتنا البليدة عما هو في "متناول" جماهير العمال و"العمال المتوسطين"، الخ ...".

    5) المنظمة "التآمرية" و "الروح الديموقراطية"

    " ... ولكن تلك المنظمة الرائعة، التي كانت لدى الثوريين في العقد الثامن، والتي ينبغي أن تكون نموذجا نحتذيه جميعا، لم تؤسسها جماعة "نارودنايا فوليا"، بل أسستها جماعة "زيمليا إي فوليا"، التي انشقت فيما بعد إلى جماعة "تشيورني بيريديل" وجماعة "نارودنايافوليا". فمن الحماقة إذن، من وجهتي النظر التاريخية والمنطقية أن نرى في منظمة الكفاح الثورية سمة من السمات، التي اختصت بها جماعة "نارودنايا فوليا"، لأن كل اتجاه ثوري، شرط أن يستهدف فعلا القيام بنضال جدي لا يمكنه أن يستغني عن مثل هذه المنظمة، فجماعة "نارودنايا فوليا" لم تخطئ، إذ دأبت على أن تجذب إلى منظمتها جميع الساخطين، وعلى أن توجه هذه المنظمة إلى النضال الحازم ضد الحكم المطلق، بل إنما كان ذلك، بالعكس، مأثرتها التاريخية العظمى. لقد كان خطأ هذه الجماعة أنها استندت إلى نظرية ليست في الجوهر بثورية أصلا، وأنها لم تعرف، أو لم تستطع ربط حركتها ربطا وثيقا بالنضال الطبقي داخل المجتمع الرأسمالي المتطور.

    إن الرأي القائل بأن نشوء حركة العمال الجماهيرية العفوية يخلصنا من واجب تأسيس منظمة ثوريين جيدة، فالمنظمة التي أسستها جماعة "زيمليا إي فوليا"، بل تفضلها جدا، لا يمكن أن ينبثق إلا على أساس عدم فهم للماركسية فظ إلى أبعد حدود الفظاظة (أو على أساس "فهمها" على نمط "الستروفية"). بالعكس، إن هذه الحركة تفرض علينا بالذات هذا الواجب، لأن نضال البروليتاريا العفوي لا يصبح "نضالا طبقيا" حقا للبروليتاريا إلا عندما توجهه منظمة ثوريين قوية".

    "يعترض علينا: أن منظمة قوية وسرية جدا تجمع في يديها جميع خيوط النشاط السري، وتقوم بالضرورة على المركزية، يمكن لها أن تندفع بسهولة فائقة إل الهجوم قبل الأوان، يمكن لها أن توتر الحركة بطيش قبل أن يبلغ السخط السياسي والفوران والنقمة في الطبقة العاملة الخ ... حدا يجعل ذلك أمرا ممكنا وضروريا".

    "إن منظمة كفاحية متمركزة، تنتهج السياسة الاشتراكية – الديموقراطية دون عوج، وترضي، إن أمكن القول جميع الغرائز والمطامح الثورية، هي وحدها القادرة على حفظ الحركة من الهجمات الطائشة، وعلى تحضير هجوم يبعث على الأمل بالنجاح، ويعترض علينا أيضا أن وجهة النظر المعروضة بصدد المنظمة تتناقض والمبدأ الديموقراطي" ".

    " إن هذا "اللعب بالديموقراطية" لم يكن من الممكن أن يتطور هنا وهناك، وخصوصا لدى الفرق الصغيرة، إلا في الخارج، حيث لا يندر أن يجتمع أناس ممن لا يجدون إمكانية القيام بعمل حقيقي وحي".

    "إن المبدأ التنظيمي الوحيد، ينبغي أن يكون بالنسبة للعاملين في حركتنا: المراعاة الدقيقة لقواعد العمل السري واختيار الدقيق للأعضاء واعداد الثوريين المحترفين. فإذا ما وجدت هذه الصفات حصلنا على شيء أكثر من "الديموقراطية"، حصلنا بالضبط على الثقة الرفاقية بين الثوريين".

    6) العمل في النطاق المحلي والروسي العام

    *حول التساؤل المتعلق ببناء منظمة ثورية ممركزة لعامة روسيا، قد يؤدي إلى انتقال مركز الثقل من العمل المحلي إلى العمل الوطني، وإمكانية خلق الضرر بالحركة لإضعافه متانة الصلات بجمهور العمال، ويضرب استقرار التحريض المحلي بوجه عام؟

    يجيب لينين بلا:

    "إن الإكثار بالعمل المحلي وجعله أولوية، يؤدي إلى ضرب العمل السياسي العام، ذلك أنه ليس بمستطاع أية منظمة محلية أن تجمع المواد الكافية، وأن تستفيد منها لإلقاء الضوء على الحياة السياسية كلها".

    "إن الجهاز السري الجيد يتطلب من الثوريين إعدادا مهنيا طيبا، ويتطلب تقسيما للعمل ينفذ بمنتهى الدقة، وليس في طاقة أية منظمة محلية مهما كانت قوية في هذا الظرف أن تضمن تحقيق هذين الشرطين".

    "إن تفوق الجرائد المحلية على الجرائد المركزية، إما أن يكون دليل الفقر أو دليل البذخ، فهو دليل الفقر، إذا كانت الحركة لم تعد بعد القوى اللازمة للإنتاج الضخم، وإذا كانت ما تزال تتسكع في الحرفية، وإذا كانت غارقة تقريبا في "توافه حياة المعامل"، وهو دليل البذخ، إذا كانت الحركة قد حققت بصورة تامة مهمة التشهير الشامل، والتحريض الشامل، بشكل تنشأ معه ضرورة وجود عدد كبير من الجرائد المحلية إلى جانب الجريدة المركزية. فليقرر إذن كل بنفسه على أي شيء يدل تفوق الجرائد المحلية عندنا الآن.

    أما أنا فسأقتصر على تحري الدقة في صياغة استنتاجي، دفعا لسوء الفهم. حتى الآن تقصر معظم المنظمات المحلية عندنا تفكيرها كله تقريبا على الجرائد المحلية وحدها، وتقصر نشاطها كله تقريبا على هذه الجرائد. هذا أمر غير طبيعي؟

    "ولكن الأمر ليس كذلك، فالنضال الاقتصادي، وقد أشرنا إلى ذلك مرارا، هو نضال مهني، وهو لذلك يتطلب اتجاه حسب المهن، لا تبعا لأماكن عملهم وحسب، وهذا الاتحاد حسب المهن يصبح أمرا لا مناص منه بمقدار ما يسرع أصحاب الأعمال عندنا إلى الاتحاد في مختلف أنواع الجمعيات والنقابات، وما تبعثرنا وطريقة عملنا الحرفي إلا عائق مباشر في طريق هذا الاتحاد، الذي يتطلب منظمة ثوريين واحدة لعامة روسيا، قادرة على قيادة نقابات العمال في النطاق الروسي العام. لقد تكلمنا عن طراز التنظيم المرغوب فيه لهذا الغرض".

    يتبع بالفصل الخامس والأخير، ليتم بعدها نشر الأجزاء الثلاثة كاملة في عدد خاص من كراسات الشرارة