Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الشرارة - Page 8

  • الجزء الثاني ــ قراءة في كتاب "ما العمل؟" ــ

    قراءة في كتاب "ما العمل؟"

    علي محمود

    الجزء الثاني

    "لقد كان الناس وسيظلون أبدا، في حقل السياسة، أناسا سذجا يخدعهم الأخرون ويخدعون أنفسهم، ما لم يتعلموا استشفاف مصالح هذه الطبقات أو تلك وراء التعابير والبيانات والوعود الأخلاقية والدينية والسياسية والاجتماعية"

    لينين، المؤلفات، الطبعة الروسية الخامسة، المجلد 23، ص 40-48

    يقدم الجزء الثاني، ويكمل في نفس الوقت، الجزء الأول، الذي اهتم بالسياقات التاريخية، متابعة لتطور فكر لينين قبل صدور كتاب "ما العمل؟"، وذلك من خلال بعض النصوص التي تم اختيارها من أجل تتبع تطور سياق الأفكار، التي ستؤدي في جانب منها إلى تبلور أفكار لينين في كتابه "ما العمل؟".

    مهمات الاشتراكيين الديموقراطيين الروس

    تقديم:

    كتبه لينين في المنفى في سيبيريا أواخر 1897، وأصدرته مجموعة "تحرير العمل" لأول مرة في كراس على حدى في جنيف سنة 1898. أما الطبعة الثانية التي كتب لها لينين هذه المقدمة فقد صدرت سنة 1902 (لينين، المؤلفات، الطبعة الروسية الخامسة، المجلد 2، ص ص 454 - 470.)

    في مقدمة الطبعة الثانية لهذا الكراس، والتي جاءت بعد خمس سنوات من الطبعة الأولى، تلبية لحاجات التحريض، وبين التاريخين، كانت الحركة العمالية الروسية الفتية قد خطت خطوة هامة إلى الأمام، كما طرأت في وضع الاشتراكية - الديموقراطية الروسية، وفي وضعية قواها تغيرات عل درجة من العمق، مما طرح السؤال حول ضرورة، أو الحاجة إل طبع كراس قديم طبعة ثانية بسيطة، ألم تتغير مهمات الاشتراكيين- الديموقراطيين الروس منذ 1897، ونحن الآن في 1902؟ أفلم تخطو إلى الأمام أي خطوة بهذا الصدد نظرات المؤلف نفسه، الذي عرض آنذاك رصيد التجربة الأولى فقط من نشاطه الحزبي؟ ويقول لينين أنه للإجابة عن هذه الأسئلة، التي انبثقت عند العديد من القراء، يجب العودة إلى كراس "ما العمل؟"، وأن نضيف شيئا إلى ما قيل هناك عن الظروف التي كتب فيها الكراس، الذي يعاد طبعه الآن. وعن مواقفه من المرحلة الخاصة في تطور الاشتراكية الديموقراطية في روسيا، وكان لينين قد ذكر بالإجمال أربع مراحل في كراس "ما العمل؟" تعود المرحلة الأخيرة منها إل مجال الحاضر، وجزئيا إلى مجال المستقبل، والمرحلة الثالثة المسماة بمرحلة سيطرة التيار الاقتصادوي ابتداء من 1897- 1898، والمرحلة الثانية تشمل 1894- 1898، والمرحلة الأولى سنوات 1884- 1894.

    يرى لينين أنه في المرحلة الثانية عل نقيض المرحلة الثالثة لم تكن هناك أي خلافات في أوساط الاشتراكيين - الديموقراطيين الروس، فقد كانت الحركة موحدة فكريا، بل قامت محاولات لبلوغ الوحدة كذلك عمليا (تشكيل "حزب العمال الاشتراكي- الديموقراطي الروسي"). لقد كان انتباه الاشتراكيين – الديموقراطيين الرئيسي خلال هذه الفترة موجها ليس إلى توضيح وحل هذه أو تلك من القضايا الحزبية الداخلية كما هو الحال خلال المرحلة الثالثة، بل نحو الصراع الفكري ضد خصوم الاشتراكية - الديموقراطية من جهة، ونحو تطوير النشاط الحزبي العملي من جهة أخرى. هكذا، فبين نظرية الاشتراكيين – الديموقراطيين ونشاطهم العملي، لم يكن ثمة ذلك التناقض الذي كان في عهد الاقتصادوية.

    يوضح لينين أن هذا الكراس كان يعكس بالضبط خصائص الوضع آنذاك، ومن ثمة مهمات الاشتراكية – الديموقراطية في ذلك الوقت، ونجد أن الكراس يدعو إلى تعميق النشاط العملي وتوسيعه، ولا يرى المصاعب التي لم يكن لها وجود آنذاك في الجمع بين النضال السياسي والنضال الاقتصادي، ويتوجه الكراس إلى خصوم الاشتراكية – الديموقراطية بتوضيحاته المبدئية وإلى الناردوفوليين و الناردو برافيين، ساعيا إلى تبديد الآراء الخاطئة والأوهام التي تحملهم على الوقوف على هامش الحركة الجديدة.

    يقول لينين أنه في الوقت الحاضر  إذ توشك أن تنتهي  مرحلة الاقتصادوية حسب كل احتمال، يبدو موقف الاشتراكيين - الديموقراطيين من جديد مماثلا للموقف الذي كان منذ خمسة أعوام، إنه لطبيعي أن المهام التي نواجهها  الآن أعقد مما لا يقاس، نظرا لنمو الحركة نموا عملاقا في هذه الحقبة من الزمن، ولكن خصائص الوقت الحاضر  الأساسية  تكرر عل أساس أوسع وعلى مقياس أكبر  خصائص المرحلة الثانية، و أن التنافر بين نظريتنا و برنامجنا ومهامنا التكتيكية ونشاطنا العملي يزول مع زوال الاقتصادوية، ونحن من جديد نستطيع، ويجب علينا أن ندعو بجرأة إلى تعميق وتوسيع النشاط العملي، لأن توضيح المقدمات النظرية لهذا النشاط قد تحقق إلى حد كبير، ومن جديد يجب علينا أن نولي انتباها خاصا إلى الميول غير الاشتراكية - الديموقراطية السرية في روسيا، إذ تبدو أمامنا من جديد، و من حيث الجوهر  نفس الميول التي تجلت في النصف الأول من سنوات التسعينات من القرن الماضي، ولكنها الآن أكثر تطورا بكثير، أكثر تكونا بكثير، أكثر "نضجا" بكثير.

    "لقد ذهب الناردوفوليون في سياق خلع حللهم القديمة إلى حد أنهم تحولوا إلى "اشتراكيين ثوريين" وكأنهم بهذه التسوية بالذات قد بينوا أنهم قد وقفوا في منتصف الطريق. لقد تأخروا عن الاشتراكية الروسية القديمة، ولكنهم لم يلتحقوا بالاشتراكية- الديموقراطية الجديدة. أما النظرية الوحيدة للاشتراكية الثورية، النظرية التي لا تعرف الإنسانية المعاصرة غيرها، أي الماركسية، فإنهم يحيلونها إلى الأرشيفات استنادا إلى نقد بورجوازي "الاشتراكيون" وانتهازي "الثوريون". إن انعدام الأفكار وانعدام المبدأ يقودانهم، عمليا، إلى "المغامرة الثورية"، التي تتجلى فيما تتجلى في سعيهم إلى أن يضعوا في مصف واحد، فئات وطبقات اجتماعية، كالمثقفين والبروليتاريا والفلاحين، وفي دعايتهم الصاخبة للإرهاب "المنهاجي"، وفي برنامج الحد الأدنى الزراعي السيء الذكر، الذي وضعوه "جعل الأرض ملكية اجتماعية –التعاون – الربط بحصة الأرض ... وفي موقفهم من اللبراليين وفي أشياء كثيرة أخرى، سيتأتى عليها في أغلب الظن أن نتناولها في أكثر من مرة. فلا تزال في روسيا كثرة كبيرة من العناصر الاجتماعية والظروف الاجتماعية التي تغذي تذبذب المثقفين، وتثير رغبة الأفراد ذوي الميول الراديكالية في الجمع بين القديم الذي ولى عهده، والحديث الدارج غير المؤهل للحياة، ويعيقهم عن دمج قضيتهم مع البروليتاريا، التي تخوض نضالها الطبقي، بحيث أنه سيترتب على الاشتراكية – الديموقراطية الروسية أن تحسب الحساب لميول "الاشتراكية الثورية" ما دام التطور الرأسمالي وتأزم التناقضات الطبقية لم يقض على كل تربة لها" لينين.

    يقول لينين أن النارودوبرافيون الذين تميزوا قي سنة 1897 بقدر من التذبذب والغموض لا يقل عن القدر الذي يتميز به "الاشتراكيون الثوريون" الحاليون، فقد غادروا المسرح من جراء ذلك بسرعة بالغة. ولكن فكرتهم حول مطلب الحرية السياسية فصلا تاما عن الاشتراكية لم تمت، ولم يكن من الممكن أن تموت لأن التيارات اللبرالية الديموقراطية قوية جدا في روسيا.

    ويرى لينين أنه:

    بقدر ما يبدو من المحتم ذبول وزوال عهد روسيا القديمة، روسيا قبل الإصلاح، وطبقة الفلاحين الباترياركية والنموذج القديم من المثقفين القادرين على الولع على حد سواء بالمشاعة والتعاونيات الزراعية والإرهاب، بقدر ما يبدو من المحتم أيضا نمو ونضوج الطبقات المالكة في روسيا الرأسمالية، البورجوازية الصغيرة، مع لبراليتها الرصينة التي بدأت تدرك بأن التهور بالاحتفاظ بحكومة مطلقة غبية وحشية غالية التكاليف ولا تحمي إطلاقا من الاشتراكية، مع مطلبها بالأشكال الأوروبية للنضال الطبقي والسيادة الطبقية، مع سعيها الغريزي (في عهد يقظة البروليتاريا و تناميها) إلى ستر مصالحها البورجوازية الطبقية بإنكار النضال الطبقي على العموم.

    مادة النص الأصلي

    *يحدد لينين أهمية البرنامج الثوري انطلاقا من تسطير أهم مميزات المرحلة التي صيغ فيها النص.

    يقول لينين في تحديده أن النصف الثاني من العقد العاشر (ق 19) يتصف بانتعاش رائع في وضع القضايا الثورية الروسية وحلها: ظهور الحزب الثوري الجديد "نارودناويه برافو" ونجاحات الاشتراكيين – الديموقراطيين وتعاظم نفوذهم والتطور الداخلي في " نارودنايا فوليا". كل هذا أثار  نقاشا نشيطا للمسائل البرنامجية، سواء في حلقات الاشتراكيين المثقفين والعمال، أم في المنشورات السرية، وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى "المسألة الملحة" و "البيان" (سنة 1894) لحزب "ناردوناويه برافو" و "الورقة الطائرة" لفرقة "نارودنايا فوليا" و "رابوتنيك" التي يصدرها في الخارج  "اتحاد الاشتراكيين - الديموقراطيين الروس" والنشاط المتعاظم  فيما يخص إصدار الكراريس الثورية لا سيما منها للعمال في روسيا والعمل التحريضي الذي يقوم به اتحاد النضال من أجل تحرير الطبقة العاملة" الاشتراكي – الديموقراطي في سان بترسبورغ، إضافة إلى تنامي الإضرابات المتهورة في بترسبورغ سنة 1886.

    فيما سبق، كان الوضع أواخر 1897 يجعل من المسألة الألح، مسألة النشاط العملي  للاشتراكيين – الديموقراطيين، ذلك أن الجانب النظري قد اجتاز على ما يبدو إحدى المراحل التي كانت تتميز بالميل المشتد نحو سحق التيار الجديد عند ظهوره، وهي التي ولدت في نفس الوقت مرحلة الدفاع العنيد عن أسس الاشتراكية – الديموقراطية، و يقول لينين : إن آراء الاشتراكيين – الديموقراطيين النظرية تبدو اليوم بما يكفي من الوضوح من حيث سماتها الأساسية والرئيسية، وهذا ما لا يمكن قوله عن الجانب العملي من الاشتراكية – الديموقراطية، عن برنامجها السياسي  عن طرائق عملها وتكتيكها، وهو الذي يعرقل إلى حد ما وحدة الثوريين، خاصة و أن باقي الثوريين يتوجهون إلى الطبقة العاملة، ويقدمون تصورا عن المهمات الديموقراطية، ويضعون نشاطهم بين العمال على صعيد النضال الطبقي.

    وعليه، اعتبر لينين أنه من المناسب أن نحاول تفسير المهمات العملية الموضوعية أمام الاشتراكية – الديموقراطية، وعرض الأسباب التي تدفع إلى اعتبار برنامجها، البرنامج الأكثر عقلانية بين البرامج الثلاثة القائمة، واعتبار الاعترافات الموجهة إليه قائمة على سوء الفهم.

    *تقديم البرنامج

    إلى ماذا يهدف البرنامج؟

    يقول لينين:

    "معلوم أن نشاط الديموقراطيين العملي يستهدف قيادة نضال البروليتاريا الطبقي، وتنظيم هذا النضال بمظهريه الاشتراكي (النضال ضد طبقة الرأسماليين، النضال الذي يرمي إلى القضاء على نظام الطبقات وتنظيم المجتمع الاشتراكي) والديموقراطي (النضال ضد الحكم المطلق، النضال الذي يرمي الظفر بالحرية السياسية في روسيا وإشاعة الديموقراطية في نظام هذا البلد، السياسي والاجتماعي)".

    ويضيف:

    "وأشاروا (الاشتراكيون – الديموقراطيون) دائما إلى مظهري نضال البروليتاريا الطبقي، وإلى ازدواج مضمونه، وألحوا دائما على الصلة الوثقى التي لا تنفصم عراها بين مهماتهم الاشتراكية والديموقراطية، هذه الصلة التي وجدت تعبيرا جليا لها في الاسم الذي أطلقوه على أنفسهم، ومع ذلك فإنهم غالبا ما تلتقون، حتى في هذه الأيام، اشتراكيين يكونون عن الاشتراكيين – الديموقراطيين فكرة من أشد الأفكار ظلاما، ويتهمونهم بتجاهل النضال السياسي ..."

    وفي المزيد من التوضيح يقول لينين:

    "إن عمل الاشتراكيين – الديموقراطيين الروس الاشتراكي يتقوى في الدعاية لتعاليم الاشتراكية العلمية، في نشر مفهوم صحيح بين العمال عن النظام الاجتماعي  والاقتصادي الحالي، عن أسس هذا النظام وتطوره، عن مختلف الطبقات في المجتمع الروسي والعلاقات فيما بينها، وصراع هذه الطبقات فيما بينها، ودور الطبقة العاملة في هذا النضال، وموقفها من الطبقات التي تسير في طريق الزوال والطبقات التي تتطور، وموقفها من ماضي الرأسمالية ومستقبلها، وعن المهمة التاريخية الموضوعة أمام الاشتراكية – الديموقراطية العالمية  والطبقة العاملة الروسية. إن التحريض بين العمال لعلى صلة وثيقة بالدعاية، وهو يشغل طبعا المرتبة الأولى في أوضاع روسيا السياسية الراهنة، ونظرا لمستوى تطور الجماهير العاملة فإن التحريض بين العمال يتقوم فيما يلي:

    إن الاشتراكيين – الديموقراطيين يجتمعون في جميع المظاهر العفوية لنضال الطبقة العاملة، في جميع النزاعات بين العمال والرأسماليين بسبب يوم العمل والأجور وشروط العمل إلخ ... مهمتنا أن ندمج نشاطنا مع قضايا حياة العمال العملية، المعيشية، ونساعد العمال على فهم جوهر هذه المسائل، أن نلفت انتباه العمال  إلى أهم التجاوزات، و نساعدهم على أن يصوغوا بمزيد من الدقة والروح العمالية المطالب التي يتقدمون بها لأرباب عملهم، ونطور عند العمال  وعي تضامنهم، وعي مصالحهم المشتركة،  والعمل المشترك لجميع العمال الروس بوصفهم طبقة عاملة موحدة تؤلف قسما من جيش البروليتاريا العالمي، تنظيم هذه الحلقات بين العمال، إقامة علاقات صحيحة وسرية بين هذه الحلقات وفرقة الاشتراكيين – الديموقراطيين المركزية، إصدار المنشورات العمالية وتوزيعها، تنظيم إرسال المراسلات من جميع مراكز الحركة العمالية، إصدار المناشير  التحريضية والنداءات وتوزيعها، تكوين فريق من المحرضين المحنكين. تلك هي بخطواتها العامة مظاهر النشاط الاشتراكي للاشتراكية - الديموقراطية الروسية.

    إن عملنا موجه قبل كل شيء وفي كل شيء نحو عمال المصانع، عمال المدن. فعلى الاشتراكية - الديموقراطية الروسية ألا تبعثر  قواها إنما يجب عليها أن تركز  جهودها في صفوف البروليتاريا الصناعية الأكثر تطورا  ثقافيا وسياسيا، الأهم من حيث عددها وتمركزها في مراكز البلاد السياسية الكبرى، وإذا كان إنشاء منظمات ثورية متينة بين عمال المصانع، بين عمال المدن، المهمة الأولى والألح بين مهام الاشتراكية - الديموقراطية، المهمة التي يكون في أقصى الجنون الانصراف عنها في الوقت الحاضر، ولكننا، مع اعترافنا بضرورة حصر قوانا بين عمال المصانع ومع شجبنا لبعثرة هذه القوى لا نريد أبدا أن تتجاهل  الاشتراكية – الديموقراطية الروسية سائر فئات البروليتاريا  والطبقة العاملة الروسيتين".

    في هذا السياق نفسه يؤكد لينين على أهمية الروابط الوثيقة التي تجمع العمال مع الحرفيين  ومع البروليتاريا الصناعية في المدن و القرى، كما أن العامل الروسي في المصنع على صلة مباشرة أيضا بسكان الريف، فغالبا ما تعيش أسرة العامل في الريف، وكذلك الارتباط بالبروليتاريا الريفية من ملايين الزراعيين المحترفين والمياومين، وكذلك الفلاحون الفقراء، وسيسعون إلى إنارة العمال الطليعيين حول المسائل المتعلقة  بحياة الحرفيين و الأجراء الزراعيين، وأن يحملوا إليها أفكار  النضال الطبقي  والاشتراكية، والمهمات السياسية والديموقراطية الروسية بوجه عام، والبروليتاريا الروسية بشكل خاص.

    وللرد على الاتهام الموجه للاشتراكية – الديموقراطية الروسية في تجاهلها سواد السكان الكادحين، والاهتمام فقط بعمال المصانع وحدهم، يقول لينين أن التحريض بين الفئات المتقدمة من البروليتاريا هو أأمن وسيلة، والوسيلة الوحيدة لإيقاف، بقدر ما تتسع الحركة، البروليتاريا الروسية بأسرها.

    يبرر لينين هنا أهمية التركيز على الطبقة العاملة في مرحلة أولى دون إغفال للفئات الأخرى. وفيما يخص مهمات الاشتراكيين - الديموقراطيين الديموقراطية، وحول عملهم الديموقراطي، يقول لينين:

    "إننا نعيد القول مرة أخرى أن هذا العمل يرتبط بالعمل الاشتراكي ارتباطا وثيقا لا ينفصم عراه، فإن الاشتراكيين – الديموقراطيين إذ يقومون بالدعاية بين العمال، لا يستطيعون التهرب من القضايا السياسية، بل يعتبرون كل محاولة للتهرب منها، أو حتى للتأجيل هفوة كبيرة وانتهاكا للمبادئ الأساسية للاشتراكية الديموقراطية العالمية. وإلى جانب الدعاية للاشتراكية العلمية يأخذ الاشتراكيون – الديموقراطيون على عاتقهم مهمة الدعاية أيضا للأفكار الديموقراطية بين جماهير العمال، ويسعون إلى نشر مفهوم الحكم المطلق بكل ظاهرات نشاطه، مفهوم مضمونه الطبقي، وضرورة إسقاطه، واستحالة النضال بنجاح في سبيل قضية العمال بدون الحصول على الحرية السياسية وإشاعة الديموقراطية في النظام السياسي والاجتماعي في روسيا.

    إن الاشتراكيين – الديموقراطيين  إذ يقومون بعمل تحريضي بين العمال يرتكز على المطالب الاقتصادية المباشرة للطبقة العاملة، على شقائها ومطالبها، التحريض ضد النير البوليسي الذي يتجلى في كل إضراب، في كل نزاع بين العمال والرأسماليين، التحريض ضد التقييد على حقوق العمال بوصفهم مواطنين في روسيا بوجه عام، وبوصفهم الطبقة التي تعاني أشد الاضطهاد وأشد الحرمان من الحقوق بشكل خاص، التحريض ضد كل ممثل بارز وخادم للحكم المطلق، يحتك مباشرة بالعمال، ويبين بوضوح للطبقة العاملة عبوديتها السياسية، وإذا كانت لا توجد مسألة في حياة العمال في ميدان الاقتصاد لا يجب استخدامها في أغراض التحريض الاقتصادي، لا توجد كذلك مسألة في حقل السياسة لا يجب استخدامها في أغراض التحريض السياسي.

    إن هذين الشكلين من التحريض مترابطان ترابطا وثيقا لا ينفصم عراه في نشاط الاشتراكيين – الديموقراطيين كوجهي ميدالية واحدة، فإن التحريض الاقتصادي والتحريض السياسي كلاهما ضروري على حد سواء لتطوير وعي البروليتاري الطبقي، لأن كل نضال طبقي هو نضال سياسي. إن شكلي التحريض، كليهما إذ يوقظان وعي العمال وينظمانهم ويعودانهم الطاعة ويربيانهم للقيام بنشاط تضامني، وللنضال في سبيل المثل العليا للاشتراكية - الديموقراطية، سيمكنان العمال من اختبار  قواهم فيما يتعلق بالقضايا التي تمسهم عن كثب، فيما يتعلق بحاجاتهم المباشرة، إنهما سيمكنانهم من انتزاع تنازلات جزئية من عدوهم فيحسنون وضعهم الاقتصادي، ويجبرون الرأسماليين على حسبان الحساب لقوة العمال المنظمة، ويكرهون الحكومة على توسيع حقوق العمال والإصغاء لمطالبهم إذ يبقونها في خوف دائم من الجماهير العاملة المعادية لها، السائرة بقيادة منظمة اشتراكية متينة".

    ما الفرق بين مجالي النضال الطبقي للبروليتاريا؟

    في حالة النضال الاقتصادي تكون البروليتاريا وحدها ويكون ضدها أسياد الأراضي النبلاء والبورجوازية، ولا تحظى إلا بمساعدة عناصر البورجوازية الصغيرة التي تنجذب نحو البروليتاريا. أما في النضال الديموقراطي السياسي، فإلى جانب البروليتاريا تنضم جميع عناصر المعارضة السياسية، جميع فئات السكان، وجميع الطبقات، التي تعادي الحكم المطلق وتحاربه بهذه الأشكال أو تلك. وإلى جانب البروليتاريا تقف أيضا عناصر المعارضة البورجوازية، أو الطبقات المتعلمة، ومن القوميات والأديان والطوائف التي يضطهدها الحكم المطلق.

    بناء على ما جاء أعلاه ينطرح السؤال:

    كيف يجب أن تكون علاقة الطبقة العاملة مع هذه العناصر؟

    سؤال ثاني:

    ألا يجب على الطبقة العاملة أن تتحالف مع هذه العناصر من أجل القيام بنضال مشترك ضد الحكم المطلق؟

    بما أن جميع الاشتراكيين - الديموقراطيين يعترفون بأن يجب أن تسبق الثورة السياسية في روسيا الثورة الاشتراكية، أفلا يجدر تأجيل الاشتراكية مؤقتا بعد التحالف مع جميع عناصر المعارضة السياسية من أجل النضال ضد الحكم المطلق؟

    أليس ذلك إلزاميا من أجل تقوية النضال ضد الحكم المطلق؟

    يقوم لينين ببحث هذين السؤالين:

    1-فيما يتعلق بعلاقات الطبقة العاملة بكفاحها ضد الحكم المطلق مع جميع فئات وطبقات المعارضة السياسية الأخرى في المجتمع يقول لينين:

    "إن هذه العلاقات إنما تحددها بدقة كاملة المبادئ الأساسية للاشتراكية الديموقراطية المعروفة في البيان الشيوعي الشهير. إن الاشتراكيين - الديموقراطيين يؤيدون طبقات المجتمع التقدمية ضد الطبقات الرجعية، والبورجوازية ضد ممثلي الملكية العقارية المميزة والمغلقة، وضد سلك الموظفين، البورجوازية الكبيرة ضد الأطماع الرجعية للبورجوازية الصغيرة، وهذا التأييد لا يفترض ولا يتطلب أية مساومة مع البرامج والمبادئ غير الاشتراكية – الديموقراطية، فهو تأييد حليف ضد عدو معين، وإذا كان الاشتراكيون- الديموقراطيون يمحضون هذا التأييد فلكي يعجلوا بسقوط عدو مشترك، ولكنهم لا يتوقعون شيئا لأنفسهم من هؤلاء الحلفاء المؤقتين، ولا يتنازلون لهم عن شيء. إن الاشتراكيين – الديموقراطيين يؤيدون كل حركة ثورية ضد النظام الاجتماعي الحالي، كل قومية مظلومة، كل دين مضطهد، كل فئة اجتماعية مستذلة، وهكذا دواليك، في نضالها من أجل المساواة في الحقوق".

    هذا بالنسبة للسؤال الأول، أما بالنسبة للسؤال الثاني فيقول لينين:

    إن الاشتراكيين – الديموقراطيين، إذ يبينون تضامن هذه الفئات المعارضة أو تلك مع العمال، سيضعون العمال دائما على حدى، و سيجهدون دائما لتفسير طابع هذا التضامن المؤقت والمشروط، وسيشيرون على الدوام أن البروليتاريا طبقة على حدى، قد تتكشف غدا عن خصم لحلفائها اليوم. سيقال لنا:

    "إن مثل هذه الإشارة ستضعف الحرية السياسية في الوقت الحاضر" وسنجيب: إن هذه الإشارة ستقوي جميع المكافحين من أجل الحرية السياسية، فالأقوياء هم أولئك المكافحون الذين يعتمدون على ما لطبقات معينة من مصالح فعلية، مفهومة فهما جيدا، وكل تمويه لهذه المصالح الطبقية، التي تضطلع منذ الآن بدور أولي في المجتمع المعاصر، لم يفعل سوى أن يضعف هذا أولا.

    ثانيا، في النضال ضد الحكم المطلق، يجب على الطبقة العاملة أن تضع نفسها على حدى، لأنها وحدها، إلى النهاية العدو المنسجم والمطلق للحكم المطلق، وبينها وحدها والحكم المطلق تستحيل المساومات، وفي الطبقة العاملة وحدها يمكن للديموقراطية أن تجد مصيرا مطلقا لن يظهر عليه التردد ولن يتطلع إلى الوراء. إن العداء للحكم المطلق لجميع الطبقات الأخرى، في جميع الفئات والكتل الأخرى من السكان ليس مطلقا، وديموقراطيته تتطلع دائما إلى الوراء، وليس في مستطاع البورجوازية ألا تدرك أن الحكم المطلق يعيق التطور الصناعي والاجتماعي، ولكنها تخشى إشاعة الديموقراطية بصورة تامة في النظام الاقتصادي و الاجتماعي، وفي إمكانها دائما أن تتحالف مع الحكم المطلق ضد البروليتاريا، أما البورجوازية الصغيرة فطبيعتها مزدوجة، فهي تشعر من جهة إلى الميل إلى البروليتاريا والديموقراطية، كما تشعر من جهة أخرى بالميل إلى الطبقات الرجعية، فتسعى إلى إعاقة سير التاريخ، وفي وسعها أن تؤخذ وتخدع بتجارب الحكم المطلق وحيله (مثلا، بشكل "السياسة الشعبية" التي انتهجها ألكسندر الثالث) وبوسعها أن تتحالف مع الطبقات الحاكمة ضد البروليتاريا بمجرد أن توطد وضعها بوصفها مالكا صغيرا.

    إن الناس المتعلمين أو الأنتلجانسيا بوجه عام، لا يمكنها ألا تنتفض ضد الاضطهاد البوليسي الوحشي يسلطه الحكم المطلق، الذي يطارد الفكر والمعرفة، ولكن مصالح هذه الأنتلجانسيا المادية تربطها بالحكم المطلق، بالبورجوازية، وتجبرها على ألا تكون منسجمة، على إجراء مساومات، على بيع حميتها الثورية وحمية معارضيها لقاء الرواتب التي تدفعها لها الدولة، أو لقاء حصة من الأرباح أو القسائم.

    أما فيما يتعلق بالعناصر الديموقراطية التي تنتسب إلى القوميات المظلومة، أو التي تعتنق دينا مضطهدا، فإن كل امرئ يعرف أن التناحرات الطبقية في قلب هذه الفئات من السكان أقوى وأعمق بكثير من تضامن جميع طبقات الفئة المعنية ضد الحكم المطلق، وفي سبيل المؤسسات الديموقراطية، ولكن البروليتاريا وحدها تستطيع أن تكون – وبحكم وضعها الطبقي لا تستطيع ألا تكون – ديموقراطية منسجمة إلى النهاية، عدوا حازما للحكم المطلق، غير قابلة لأي تنازل وعن أي مساومة. إن البروليتاريا وحدها تستطيع أن تكون مكافحا طليعيا في سبيل الحرية السياسية والمؤسسات الديموقراطية، أولا، لأن على البروليتاريا يمارس الاضطهاد بأعنف أشكاله، ولا يجب أي تخفيف له في وضع هذه الطبقة، فأبواب السلطة العليا موصدة في وجهها، وحتى أبواب سلك الموظفين، وليس في إمكانها التأثير في الرأي العام. ثانيا، إن البروليتاريا وحدها قادرة على أن تدفع إلى النهاية إشاعة الديموقراطية في النظام السياسي الاجتماعي، إذن إن مثل هذه الإشاعة من شأنها أن تدفع هذا النظام في أيدي العمال، ولهذا السبب، كان دمج نشاط الطبقة العاملة الديموقراطي مع ديموقراطية الطبقات والفئات الأخرى من شأنه أن يضعف من قوة الحركة الديموقراطية، أن يضعف النضال السياسي ويجعله أقل حزما، وأقل انسجاما وأوفر قدرة على المساومة.

    أما وضع الطبقة العاملة على حدى، بوصفها مكافحا طليعيا في سبيل المؤسسات الديموقراطية، فهو على العكس يقوي الحركة الديموقراطية، يقوي النضال في سبيل الحرية السياسية لأن الطبقة العاملة ستحفز جميع العناصر الديموقراطية وعناصر المعارضة السياسية الأخرى، وتدفع اللبراليين نحو الرادكاليين السياسيين، و تدفع الراديكاليين إلى القطيعة الحاسمة مع كل النظام السياسي والاجتماعي للمجتمع الحالي، ولقد قلنا أعلاه أنه يجب على جميع الاشتراكيين في روسيا أن يصبحوا اشتراكيين – ديموقراطيين. ونضيف الآن قائلين: يجب على جميع الديموقراطيين الحقيقيين والمنسجمين في روسيا أن يصبحوا اشتراكيين – ديموقراطيين".

    بعد تحليل الوضع في روسيا وتطور الاقتصاد الرأسمالي فيها وآفاقه، كتب لينين يقول:

    "وهكذا إذن، إلى العمل أيها الرفاق ولا نضيعن وقتا ثمينا! فعلى الاشتراكيين – الديموقراطيين الروس أن يبذلوا جهدا هائلا لتلبية حاجات البروليتاريا التي تستيقظ، لتنظيم الحركة العمالية، لتعزيز الجماعات الثورية وصلاتها المتبادلة، لتزويد العمال بأدب الدعاية والتحريض لحشد الحلقات العمالية والفرق الاشتراكية – الديموقراطية المبعثرة في جميع أنحاء روسيا، في حزب عمالي اشتراكي – ديموقراطي واحد!".

    برنامجنا ــــ فلادمير لينين

    1899

    تاريخ الكتابة لا يقع قبل أكتوبر 1899. صدر لأول مرة سنة 1925 في المجموعة اللينينية، المجلد الثالث

    يقول لينين في بداية المقالة:

    "تعاني الاشتراكية – الديموقراطية العالمية في الوقت الحاضر اضطرابات في التفكير: حتى الآن كانت تعاليم ماركس و انجلز تعتبر أساسا مكينا للنظرية الثورية، أما الآن، فترتفع في كل مكان أصوات تقول بأن هذه التعاليم لا تكفي و بأنها شاخت. ولكل من يعلن عن نفسه اشتراكي – ديموقراطي، ويعتزم إصدار صحيفة اشتراكية – ديموقراطية، يتعين عليه أن يحدد بدقة موقفه من المسألة التي هي أبعد من أن تشغل بال الاشتراكيين – الديموقراطيين الألمان وحدهم".

    ويعطي لينين رأيه قائلا:

    "إننا نقف كليا على أرضية نظرية ماركس، فهي التي حولت للمرة الأولى الاشتراكية، من طوباوية إلى علم، وأرست هذا العلم على أسس ثابتة، ورسمت الطريق الذي ينبغي السير فيه، مع تطوير هذا العلم باستمرار. ومع دراسته وتعميقه بجميع تفاصيله، وقد كشفت كنه الاقتصاد الرأسمالي المعاصر، إذ أوضحت بأي نحو يستر استئجار العامل شراء قوة العمل، استعباد الملايين من أبناء الشعب غير المالك من قبل حفنة من الرأسماليين، مالكي الأراضي والمصانع والمناجم وغيرها".

    " وأوضحت مهمة الحزب الاشتراكي الثوري الحقيقية، إن هذه المهمة لا تقوم في اختلاق المشاريع لإعادة بناء المجتمع، ولا في وعظ الرأسماليين وأذنابهم بتحسين أوضاع العمال، ولا في حبك المؤامرات، بل في تنظيم نضال البروليتاريا الطبقي، وقيادة هذا النضال الذي هدفه النهائي هو ظفر البروليتاريا بالسلطة السياسية، وتنظيم المجتمع الاشتراكي".

    *نقد لينين لمن يسمون ب "المجددين"

    "ونحن نسأل الآن: أي شيء جديد قدمه لهذه النظرية "مجددوها"، الصخابون الذين أثاروا في زمننا هذه الضجة الشديدة ملتفين حول الاشتراكي الألماني برينشتاين؟ لا شيء أبدا، فإنهم لم يدفعوا خطوة إلى الأمام هذا العلم الذي أوصانا ماركس و انجلز بتطويره، و لم يعلموا البروليتاريا أي أساليب جديدة للنضال إنما تقهقروا فقط، مقتبسين مقتطفات من نظريات متأخرة، و مروجين بين صفوف البروليتاريا، لا لنظرية النضال، بل نظرية التنازل، التنازل أمام أعداء البروليتاريا الألداء، أمام الحكومات و الأحزاب البورجوازية، التي لا تكل في  البحث عن وسائل جديدة لمطاردة الاشتراكيين، ولقد كان أحد مؤسسي و زعماء الاشتراكية – الديموقراطية الروسية و أعني به بليخانوف على كامل الحق و الصواب عندما أخضع لنقد صارم  لا هوادة فيه "النقد" الأحدث، أي "نقد" برينشتاين، الذي تنكر لنظراته الآن حتى ممثلو  العمال الألمان (في مؤتمر هانوفر)".

    وتوقع لينين أن يهاجم لوجهة نظره هاته:

    "نحن نعرف أن سيلا من الاتهامات سينصب علينا بسبب هذه الأقوال، فإنهم سيرفعون عقيرتهم بالصياح قائلين بأننا نريد تحويل الحزب الاشتراكي إلى طائفة من "الأرتودوكس" تضطهد الهراطقة لارتدادهم عن "العقيدة"، ولكل رأي مستقل وخلافه. ونحن نعرف جميعا هذه التعابير اللاذعة الدارجة، ولكنها لا تنطوي على أي ذرة من الحقيقة، ولا على أي ذرة من المعنى".

    ثم يضيف:

    "فلا يمكن أن يقوم حزب اشتراكي صلب إذا لم تكن ثمة نظرية ثورية توحد جميع الاشتراكيين، و يستمدون منها  جميع معتقداتهم و يطبقونها في أساليب نضالهم و طرائق نشاطهم، و إذا ما دافعنا عن هذه النظرية، التي تعتبر صحيحة في أعمق اعتقادنا دون التهجمات الباطلة، و بدون محاولات تشويهها، فإن هذا لا يعني البتة أننا أعداء كل انتقاد، فنحن لا نعتبر  أبدا نظرية ماركس شيئا كاملا لا يجوز المساس به، بل إننا على العكس، مقتنعون بأنها لم تفعل غير أنها وضعت حجر الزاوية لذلك العلم الذي يترتب على الاشتراكيين أن يدفعوه إلى البعد في جميع الاتجاهات إذا شاءوا ألا يتأخروا عن موكب الحياة".

    انطلاقا مما سبق، يجيب لينين عن المسائل الرئيسية التي تنبثق عن تطبيق البرنامج المشترك بين جميع الاشتراكيين - الديموقراطيين في روسيا.

    "لقد قلنا أن كنه هذا البرنامج يتلخص في تنظيم نضال البروليتاريا الطبقي، وفي قيادة هذا النضال، الذي هدفه النهائي ظفر البروليتاريا بالسلطة السياسية و إقامة المجتمع الاشتراكي. إن نضال البروليتاريا الطبقي ينقسم إلى نضال اقتصادي (نضال ضد مختلف الرأسماليين أو ضد جماعات مختلفة من الرأسماليين من أجل تحسين وضع العمال) ونضال سياسي (نضال ضد الحكومة من أجل توسيع حقوق الشعب، أي من أجل الديموقراطية ومن أجل توسيع السلطة السياسية للبروليتاريا)".

    بعد ذلك، يقوم لينين بنقد لأولئك اللذين يشرفون على جريدة (رابوتشايا ميسل)، كان هؤلاء يعتبرون أن النضال الاقتصادي أهم بما لا يقاس، ويؤجلون النضال السياسي أو يكاد، إلى مستقبل قد يبعد أو يقرب، ويقول لينين في هذا الصدد:

    "إن هذا الرأي غير صحيح إطلاقا، فإن جميع الاشتراكيين – الديموقراطيين متفقين على أنه من الضروري تنظيم نضال الطبقة العاملة الاقتصادي، وأنه من الضروري القيام بالتحريض بين العمال في هذا الميدان أي مساعدة العمال في نضالهم اليومي ضد أرباب العمل، ولفت انتباههم إلى جميع أشكال وحالات التعسف، وتبيان ضرورة الاتحاد وتوضيحها لهم على هذا النحو، ولكن نسيان النضال السياسي بسبب النضال الاقتصادي، يعني التخلي عن الموضوعة الأساسية في الاشتراكية الديموقراطية العالميةِ، يعني نسيان ما يعلمهم تاريخ كل الحركة العمالية".

    "إن النضال الاقتصادي، أيا كان، لا يمكنه أن يعطي العمال تحسينا ثابتا، ولا يمكنه حتى يجري على نطاق واسع، إذا لم يتوفر للعمال الحق في تنظيم الاجتماعات والجمعيات بحرية وإصدار جرائدهم، وإرسال ممثليهم إلى المجالس الشعبية كما يفعل عمال ألمانيا وجميع البلدان الأوروبية الأخرى (عدا روسيا وتركيا)".

    ولذلك من أجل تحقيق تلك الحقوق، يقول لينين:

    "يجب خوض النضال السياسي، وفي روسيا، ليس العمال وحدهم من هم محرومون من الحقوق السياسية، بل أيضا جميع المواطنين. إن روسيا ملكية أوتوقراطية لا حدود لسلطاتها، والقيصر وحده يسن القوانين ويعين الموظفين، ويشرف عليهم، ومن هنا يخيل أن القيصر والحكومة القيصرية في روسيا لا يتبعان أي طبقات، ويعنيان بالجميع على قدم المساواة، أما في الواقع، فإن جميع الموظفين يؤخذون فقط من طبقة المالكين وجميعهم يخضعون لنفوذ كبار الرأسماليين الذين يفعلون بالوزراء ما يريدون ويتوصلون إلى كل ما يريدون.

    إن الطبقة العاملة الروسية تعاني نيرا مزدوجا، فإن الرأسماليين والملاكين العقاريين ينهبونها ويسلبونها، والبوليس يقيد يديها ورجليها لكيلا تتمكن من النضال ضدهم، ويسد فمها، ويقمع كل محاولة للذود عن حقوق الشعب، وكل إضراب ضد الرأسماليين يؤدي إلى توجيه البوليس والجيش إلى العمال، وكل إضراب ضد الرأسماليين يؤدي إلى توجيه البوليس والجيش إلى العمال، وكل نضال اقتصادي يتحول حتما إلى نضال سياسي، وينبغي للاشتراكية الديموقراطية أن تجمع هذا وذاك بعرى لا انفصام لها في نضال طبقي واحد تخوضه البروليتاريا. أما الهدف الأول والرئيسي لهذا النضال فيجب أن يكون الظفر بالحقوق السياسية، الظفر بالحرية السياسية".

    وفيما يخص المضمون الديموقراطي لهذا النضال، الذي يجب أن تخوضه الطبقة العاملة الروسية يقول لينين:

    "إن الطبقة العاملة ستتمكن وحدها أيضا من خوض نضالها الاقتصادي والسياسي، حتى، وإن لم تلق أي عون من أي طبقة أخرى، ولكن العمال ليسوا وحدهم في النضال السياسي، فإن حرمان الشعب حرمانا تاما من الحقوق  وتعسف الموظفين الباشبوزوقات الوحشي يثيران غضب جميع الناس المتعلمين الشرفاء نوعا، الذين لا يمكنهم أن يسلموا باضطهاد كل كلمة حرة وكل فكر حر، يثيران غضب الملاحقين من البولونيين و الفلنديين و اليهود وأتباع الشيعة الروسية، يثيران غضب صغار التجار والصناعيين والفلاحين، الذين لا يجدون من يحميهم من تعسف الموظفين والبوليس. إن جميع فئات السكان هذه عاجزة، كلا بمفردها، عن النضال السياسي العنيد، ولكن عندما ترفع الطبقة العاملة راية هذا النضال، فإن يد المساعدة ستمتد لها من كل مكان. إن الاشتراكية –الديموقراطية الروسية، ستسير في طليعة جميع المناضلين من أجل حقوق الشعب، جميع المناضلين من أجل الديموقراطية، وآنذاك ستصبح منيعة لا تقهر!".

    ويقول لينين عن هذه الأفكار:

    "هذه هي نظراتنا الأساسية، التي سنعرضها في جريدتنا بدأب وانتظام، ومن جميع النواحي، ونحن على اقتناع بأننا على هذا النحو سنسير في السبيل الذي رسمه الحزب العمالي الاشتراكي – الديموقراطي الروسي في البيان الذي أصدره".

    بما نبدأ؟ لينين

    كتب هذا المقال في ماي 1901، وصدر نفس الشهر والسنة في جريدة "إسكرا" العدد 4.

    المقالة مخصصة للجواب عن سؤال ما العمل؟ الذي كان يطرح في السنوات الأخيرة أمام الاشتراكيين – الديموقراطيين الروس.

    ويقول لينين بأن:

    "ليس المقصود اختيار السبيل (كما كان الحال في أواخر العقد التاسع وأوائل العقد العاشر (ق 19))، بل المقصود أن نعرف أية خطوات عملية يتعين علينا أن نخطوها في السبيل المعروف، وبأية طريقة على وجه الضبط".

    ويجيب لينين:

    "إن المقصود هو منهج وخطة النشاط العملي، ولا بد من الاعتراف بأن هذه المسألة المتعلقة بطابع النضال و وسائله، والأساسية بالنسبة لحزب عملي لم نجد بعد حلا لها عندنا، ولا تزال تثير خلافات جديدة تدل على تقلقل واضطراب في الأفكار يؤسف لها".

    يتناول لينين هنا، مسألة الاقتصادوية وانعكاساتها على الاشتراكية – الديموقراطية الروسية من نواحي تكتيك النضال الاقتصادي والسياسي والتنظيم الكفاحي. وبعد تسجيل ارتياحه بكون أنصار "رابوتشيه ديلو" قد استوعبوا بسرعة البرنامج الذي عرضته "إسكرا" في عددها الأول، ذلك البرنامج القائل بإنشاء حزب منظم قوي، لا يكتفي بالظفر ببعض التنازلات فحسب، بل ينبغي له كذلك الاستيلاء على قلعة الحكم المطلق ذاتها. ويضيف لينين أن عدم وجود أية وجهة نظر ثابتة عند هؤلاء المستوعبين الجدد من شأنه أن يفسد كل ارتياح، ثم يستمر لينين في نقده، من خلال نقد تعامل جريدة "رابوتشيه ديلو" مع شعار ليبنيخت "إذا تغيرت الأحوال في 24 ساعة، تعين تغيير التاكتيك أيضا في 24 ساعة".

    وحول هذا التعامل يقول لينين:

    "من العبث طبعا أن تستغل "رابوتشيه ديلو" ليبنيخت، ففي 24 ساعة يمكن تغيير التاكتيك، التحريض حول قضية خاصة ما، و تاكتيك تطبيق تفصيل ما من التنظيم الحزبي، ولكن أولئك الذين لا مبدأ لهم على الإطلاق هم وحدهم الذين يسعهم أن يغيروا، لا في 24 ساعة فحسب، ولكن حتى في 24 شهرا آراءهم فيما إذا كانت ثمة حاجة على العموم، وعلى الدوام، وبكل تأكيد إلى التنظيم الكفاحي والتحريض السياسي بين الجماهير، ومن المضحك الاستشهاد  باختلاف الأحوال وبتعاقب المراحل: فإن العمل على إنشاء التنظيم الكفاحي، وعلى تحقيق التحريض السياسي أمر إلزامي في الظرف "الرمادي السلمي" أيا كان في مرحلة هبوط المعنويات الثورية أيا كانت، ناهيك عن أن هذا العمل ضروري بخاصة في مثل هذا الظرف على وجه الضبط، لأنه يفوت أوان إنشاء التنظيم في أوقات الانفجارات والغليانات، ينبغي أن يكون التنظيم جاهزا لكي يقوم بنشاطه على الفور".

    "يجب تغيير التاكتيك في 24 ساعة!". ولكن لأجل تغيير التاكتيك يجب أولا أن يكون هناك تاكتيك، وإذا لم يوجد تنظيم قوي متمرس للنضال السياسي في جميع الظروف والمراحل، فلا يمكن أن يكون موضع بحث أي مشروع للعمل متماسك الأجزاء، يرتكز على مبادئ ثابتة وينفذ باستقامته مشروع يستحق وحده من دون سائر المشاريع تسميته بالتاكتيك.

    ينتقد لينين موقف "رابوتشيه ديلو" الداعي إلى تغيير تاكتيك النضال وتبني أسلوب الإرهاب، ويبسط لينين موقف الماركسية في مسألة الإرهاب، وذلك على المستوى النظري، ثم يربط ذلك بظروف تنامي الحركة العمالية الروسية، التي تستدعي بناء الأداة السياسية، والارتباط بتلك الجماهير والقضاء على تبعثرها بدل دفع طلائعها إلى تبني أسلوب الإرهاب الفردي. وفي كل الأحوال، فمسألة الإرهاب في روسيا ليست جديدة وإن أعادت ظهورها في السنوات الأخيرة.

    ويقول لينين منتقدا شعار الجريدة المذكورة: "الإقدام على الهجوم" بل يجب أن يكون: "ضرب حصار محكم حول قلعة العدو".

     ويضيف في مكان آخر قائلا:

    "إن مهمة حزبنا المباشرة لا يمكن أن تكون دعوة جميع القوى الموجودة إلى الهجوم الآن بالذات، بل يجب أن تكون الدعوة إلى خلق تنظيم ثوري أهل لتوحيد جميع القوى وبقيادة الحركة، لا بالاسم فحسب، بل بالفعل أيضا في أن يكون مستعدا على الدوام لتأييد كل احتجاج وكل غليان، وللاستفادة من هذه الاحتجاجات والغليانات في زيادة وتعزيز القوات الحربية الصالحة للمعركة الفاصلة".

    يقول لينين، أن المطلوب في الوقت الحاضر ليس الحل المبدئي، بل الحل العملي، وليس المطلوب أن نوضح لأنفسنا أي تنظيم على وجه الدقة ينبغي لنا – ولأي عمل على وجه الضبط – بل المطلوب أن نرسم مشروعا معينا للتنظيم، لكي يمكن الشروع في بنائه في جميع الجوانب. وقال أنه، نظرا لإلحاح المسألة وأهميتها، يعتزم من جهته أن يعرض على الرفاق مسودة مشروع، سيبسطه بمزيد من التفصيل في كراس يهيئه للطبع.

    *مخطط لينين

    - تأسيس جريدة سياسية لعامة روسيا

    - نقطة انطلاق النشاط

    - الخطوة العملية الأولى لإنشاء التنظيم المنشود

    - الخيط الأساسي الذي يمكن التمسك به

    - تطوير هذا التنظيم وتعميقه وتوسيعه باستمرار

    بدون الجريدة يرى لينين أنه:

    ــــ يستحيل القيام بدأب وانتظام بالدعاية والتحريض المبدئيين والشاملين، وهو الذي يشكل المهمة الدائمة والرئيسية التي تجابه الاشتراكية – الديموقراطية على العموم، وفي الظرف الراهن.

    ومن هنا يجب إكمال التحريض المبعثر بالتأثير الشخصي عبر المناشر والكراريس. وهذا التحريض المعمم والمنتظم لا يمكن القيام به إلا بواسطة الصحافة الدورية.

    يقول لينين أن الحركة، سواء على الصعيد الفكري أو العملي، التنظيمي، تشكو أكبر مما تشكو من التشتت، من أن الاشتراكيين – الديموقراطيين غارقون كليا تقريبا بأغلبيتهم الهائلة في لجة العمل المحلي الصرف، الذي يضيق على السواء، أفقهم الفكري ومجال نشاطهم، ومقدرتهم على النشاط السري واستعدادهم له، والجريدة هي طريق الخلاص من هذا النقص، فبدون جريدة سياسية لا يمكن تصور حركة جديرة بأن توصف أنها سياسية، وهذا يعني استحالة كلية في تنفيذ مهمة تركيز جميع عناصر الاستياء والاحتجاج السياسي، وتلقيح الحركة الثورية للبروليتاريا بها، فبعدما أيقظنا في الطبقة العاملة الشغف بالتشهير الاقتصادي المصنعي، ينبغي لنا أن نخطو  الخطوة التالية، وهي أن نوقظ الشغف إلى التشهير السياسي في جميع فئات السكان الواعية بعض الشيء.

    في وسعنا اليوم، ومن واجبنا إنشاء منبر للتشهير بالحكومة القيصرية أمام الشعب كله، وهذا المنبر ينبغي أن يكون "الجريدة الاشتراكية الديموقراطية".

    يقول لينين حول الجريدة:

    "بيد أن دور الجريدة لا يقتصر على مجرد نشر الأفكار، على مجرد التربية السياسية، واجتذاب الحلفاء السياسيين، إن الجريدة ليست فقط داعية جماعيا، ومحرضا جماعيا، بل هي في الوقت نفسه منظما جماعيا، ومن هذه الناحية الأخيرة يمكن أن تقارن بالسقالات التي تنصب حول بناية يجري تشييدها تشير إلى معالم البناية، وتسهل الاتصال بين البناة، وتساعدهم على توزيع العمل بينهم، وعلى رؤية مجمل النتائج التي أحرزها العمل المنظم، وبواسطة  الجريدة، وبالاتصال معها، سيتكون من تلقاء ذاته تنظيم دائم لا يقوم بعمل محلي فحسب، بل يقوم أيضا بعمل عام منتظم، ويعود أعضاءه على تتبع الأحداث السياسية باهتمام وعناية، وتقدير أهميتها وتأثيرها في مختلف فئات السكان، وإيجاد أساليب صائبة لتأثير الحزب الثوري في هذه الأحداث. وإن المهمة التكتيكية وحدها - وهي تزويد الجريدة بالمواد بانتظام وتوزيعها بانتظام – تجبر على إنشاء شبكة من العملاء المحليين للحزب الموحد، عملاء يكونون على صلة حية بعضهم مع بعض، ويعرفون وضع الأمور العام، ويعتادون على أن ينفذوا بانتظام وظائف العمل الروسي العام الجزئية، ويمتحنون قواهم في تنظيم هذه أو تلك من الأعمال الثورية. إن هذه الشبكة من العملاء، ستكون صقالة هذه المنظمة التي نحتاجها على وجه التحقيق: منظمة تكون على ما يكفي من الكبر، بحيث تشمل البلد كله، على ما يكفي من رباطة الجأش، بحيث تستطيع في جميع الظروف، وفي جميع "الانعطافات" والمفاجآت أن تقوم بعملها باستقامة، على ما يكفي من المرونة، بحيث تستطيع من جهة، أن تتجنب المعركة في ميدان مكشوف، ضد عدو ذي قوة ساحقة، وحشد جميع قواه في نقطة واحدة، وبحيث تستطيع من جهة أخرى أن تستغل خراقة هذا العدو وتهاجمه حيث، وعندما لا يتوقع الهجوم".

    في ختام المقالة، ولإبعاد تهمة الدوغمائية عن تصوره السياسي كتب لينين هذه الفقرة الرائعة:

    "وختاما، بعض الكلمات تجنبا لكل سوء فهم محتمل. لقد تحدثنا على الدوام على التحضير الدائب المنتظم، المنهاجي فقط، ولكننا لم نقصد البتة أن نقول بهذا، أنه ليس من الممكن أن يسقط الحكم المطلق إلا من جراء حصار محكم وهجوم منظم.

    إن هذه النظرة هي نظرة عقائدية جامدة غبية، الأمر بالعكس. فمن الممكن تماما، ومن المحتمل أكثر بكثير تاريخيا، أن يسقط الحكم المطلق تحت ضغط أحد هذه الانفجارات العفوية، أو التعقيدات السياسية غير المتوقعة، التي تتهدده على الدوام من جميع الجهات، ولكن حزبا سياسيا واحدا لا يسعه إن لم ينزلق إلى المغامرة، أن يبني نشاطه على أمل حدوث هذه الانفجارات والتعقيدات.

    يجب علينا أن نسير في طريقنا، وأن نقوم باستقامة بعملنا المنتظم، وبقدر ما يقل اعتمادنا على المفاجآت، بقدر ما تزداد الاحتمالات بألا تباغتنا "الانعطافات التاريخية " أيا كانت".

    رسالة إلى رفيق حول مهامنا التنظيمية ـــ لينين

    كتبت سنة 1902

    الجزء الأول

    الرسالة هي جواب لينين على أحد الرفاق، الذي طالبه بنقد مسودة تحت عنوان "منظمة الحزب الثوري في سان بترسبورغ"، ويشير لينين إلى أن الرسالة المطروحة ذات درجة بالغة من الأهمية، يجب أن يشترك في مناقشتها كافة أعضاء لجنة سان بترسبورغ، بل جميع الاشتراكيين – الديموقراطيين في عموم روسيا.

    منذ البداية، عبر لينين عن اتفاقه الكامل، مع صاحب الرسالة الذي بين فيها عدم صلاحية التنظيم السابق.

     ويلخص لينين القضية في:

    1ـــ الافتقار إلى التدريب الجاد والتربية الثورية.

    2 ــــ التطبيق غير المناسب والمسرف لمبدأ الاختيار.

    3- اغتراب العمال عن النشاط الثوري الفعال، هذا هو مكمن النقص الأساسي الذي تعاني منه بالفعل منظمة بترسبورغ وكثير غيرها من المنظمات المحلية لحزبنا.

    يتفق لينين اتفاقا تاما بأن الواجب يدعو بصفة خاصة إلى التشديد على المهمات المرتبطة بالعمل على روسيا كلها، وبعمل الحزب ككل.

    ويشير لينين إلى أن:

    "الجريدة يمكن، وينبغي أن تكون القائد الإيديولوجي للحزب، تنمي الحقائق النظرية والأسس التكتيكية، والأفكار التنظيمية العامة، والمهمات التي يجابهها الحزب بصورة عامة في وقت من الأوقات. غير أن القائد العملي المباشر للحركة لا يمكن أن يكون إلا مجموعة مركزية خاصة (ولنطلق عليها اتفاقا اسم اللجنة المركزية، مثلا).

    هذه المجموعة هي التي تديم الصلات المباشرة  لكافة اللجان، وتضم أفضل القوى الثورية بين الاشتراكيين – الديموقراطيين الروس، وتقوم بإدارة كافة الشؤون العامة للحزب، مثل توزيع الأدبيات وإصدار البيانات وتوزيع القوى، وتنسيب الأفراد والجماعات للقيام بالمهمات الخاصة، والإعداد للمظاهرات والانتفاضة على نطاق روسيا كلها ... ولما كان من الضروري الحفاظ على أقصى قدر من سرية التنظيم ، وتأمين الاستمرارية للحركة، لهذا، يمكن لحزبنا، ويجب عليه أن يمتلك مركزين قياديين هما : الصحيفة المركزية واللجنة المركزية، تقع على الأولى مسؤولية القيادة الإيديولوجية، وعلى الثانية مسؤولية القيادة المباشرة و العملية.

    من الضروري تأمين وحدة العمل والتعاضد المطلوب بين هاتين المجموعتين، ليس خلال برنامج واحد للحزب فحسب، وإنما من خلال تركيب المجموعتين أيضا (إذ أن المجموعتين، الصحيفة المركزية واللجنة المركزية، يجب أن تتألف من أشخاص ينسجمون فيما بينهم انسجاما كليا) وعقد كونفرانس مشترك بصفة دورية ومنتظمة. في تلك الحالة فقط، يمكن أن تكون الصحيفة المركزية من جهة بعيدة عن متناول الشرطة الروسية، ويضمن لها الثبات والاستمرارية، في نفس الوقت الذي تكون فيه اللجنة المركزية منسجمة مع الصحيفة المركزية بخصوص جميع القضايا الأساسية، وتتمتع بصلاحية كافية لتتولى أمر العناية بكافة الجوانب العملية من الحركة بصورة مباشرة".

    وفي سياق تدقيق بعض المسائل التي طرحتها الرسالة يقول لينين:

    "ينبغي ألا تكون هناك إلا لجنة واحدة لحزب العمال الاشتراكي – الديموقراطي الروسي (المقصود هنا اللجنة المحلية) ومن الواجب أن تتألف هذه اللجنة من اشتراكيين – ديموقراطيين يمتلكون قناعة تامة، ويكرسون أنفسهم تكريسا تاما للنشاطات الاشتراكية – الديموقراطية. علينا أن نقوم بسعي خاص من أجل توفير أكبر عدد ممكن من العمال اللذين يملكون وعيا طبقيا مكتملا، ويعملون كثوريين محترفين وأعضاء في اللجنة".

    الجزء الثاني

    في هذا الجزء يتحدث لينين عن مسألة حلقة الدعاة:

    1- "تصدر اللجنة تعليماتها إلى عدد من أعضائها لتنظيم مجموعة من الدعاة (تكون فرعا من فروع اللجنة أو واحدة من الهياكل التابعة لها) ولفرض الحفاظ على سرية العمل، على هذه المجموعة أن تستفيد من خدمات مجموعات المنطقة، وتقوم بالدعاية في سائر أرجاء البلدة، وضمن كافة الأحياء "الداخلة ضمن اختصاص" اللجنة. وإذا استدعت الضرورة، يحق لهذه المجموعة إقامة عدد من المجموعات المتفرعة تعهد إليها مثلا، بقسم من وظائفها، غير أن كل هذا لا يمكن القيام به من دون موافقة اللجنة، التي لها دائما أن تمتلك الحق غير المشروط في إرسال من ينوب عنها إلى أية مجموعة أو مجموعة متفرعة أو حلقة مهما كانت صلتها بالحركة.

    2-يجب تبني نفس نمط التنظيم، ونفس النوع من فروع اللجنة أو هياكلها من مختلفة المجموعات العاملة في الحركة بكافة أشكالها، المجموعات الطلابية في الجامعات والثانويات، المجموعات المؤيدة لنا بين موظفي الحكومة مثلا، مجموعة النقل والطباعة والجوازات، مجموعات تنظيم أماكن الاجتماعات السرية، مجموعات تعقب الجواسيس، المجموعات العسكرية، مجموعات تزويد السلاح، مجموعات تنظيم "المشروعات المربحة ماليا" مثل ...".

    3-"يجب أن يقوم كامل فن إدارة التنظيم السري على الاستفادة من كل ما هو ممكن، و "في إعطاء كل فرد واجبا يقوم به"، في نفس الوقت الذي يجري فيه الاحتفاظ بقيادة الحركة كلها، لا بفضل الصلاحيات التي تتمتع بها فقط، و لإنما بفضل النفوذ والإمكانية، وتوفر قدر أعظم من الخبرة والقدرات المتعددة والموهبة".

    هناك اعتراض منتظر حول إذا كانت المركزية الصارمة، وكان في المركز شخص غير مقتدر تناط به سلطات واسعة، فالحركة سيتم تقويضها بمنتهى السهولة".

    يجيب لينين قائلا:

    "هذا ممكن بطبيعة الحال، بيد أن تحاشيها باللجوء إلى مبدأ الاختيار والمركزية التي لا يجوز تطبيقها على نطاق واسع في ظل الحكم الأتوقراطي، ولا يمكن لأي نظام داخلي أن يوفر سبل الوقوف بوجهه، فمثل هذه السبل لا تتوفر إلا من خلال "إجراءات" التأثير الرفاقي، ابتداء من قرارات  كل مجموعة متفرعة ، سويا ، أو على انفراد، مقترنة بنداءاتها إلى الصحيفة المركزية واللجنة المركزية، وانتهاء بإزاحة الأشخاص المسؤولين (إذا سارت الأمور من سيء إلى أسوأ) الذين لا تتوفر لديهم القدرة إطلاقا، يجب على اللجنة أن تسعى إلى تحقيق أقصى قدر ممكن من تقييم العمل الثوري، من قابليات متنوعة، وما يصادف أحيانا من وجود شخص قد لا ينفع أبدا كمنظم، ولكنه ربما أصبح محرضا لا يقدر بثمن، أو شخص لا تتوفر فيه الصفات المطلوبة في أداء العمل السري الدقيق، لكنه يمكن أن يصبح داعية ممتازا...".

    ويلخص لينين أقواله السابقة فيما يلي:

    *بالنسبة للمستويات التنظيمية:

    "باختصار، يجب  أن يكون النمط العام، حسب ما أرى، كالتالي، لابد أن تكون هناك لجنة على رأس الحركة المحلية بأسرها للنشاطات الاشتراكية – الديموقراطية المحلية كلها، عن هذه اللجنة تتفرع  الهياكل والفروع التابعة لها، مثلا، أولا، شبكة العملاء التنفيذيين، التي تضم (قدر الإمكان) جمهرة الطبقة العاملة كلها، وتنظم على شكل مجموعات منطقة ولجان متفرعة عن المصنع (أو المعمل) تنخرط هذه الشبكة وقت السلم في توزيع الأدبيات والبيانات والنداءات، والاتصالات السرية باللجنة، وتنظم في أوقات الحرب، المظاهرات وغيرها من النشاطات الجماعية.

    ثانيا، تتفرع اللجنة كذلك إلى حلقات ومجموعات  من شتى الأنواع  تخدم الحركة كلها (دعاية، نقل، سائر أشكال النشاط السري ...) وعلى كافة المجموعات والحلقات واللجان المتفرعة التمتع بمركز لجنة ولجنة متفرعة، قسم منها سيعلن جهارا عن رغبته في الانضمام إلى الحزب العمالي الاشتراكي – الديموقراطي الروسي، و ذا وافقت اللجنة على ذلك، فإنه سينضم إلى الحزب، ويتعهد بأداء وظائف محددة (بأوامر من اللجنة أو باتفاق معها) وعليه أن يطيع أوامر أجهزة الحزب، وتكون له نفس حقوق الأعضاء الآخرين، ويعتبر في الحال مرشحا إلى عضوية اللجنة ... وسوف لن ينضم آخرون إلى عضوية حزب العمال الاشتراكي – الديموقراطي الروسي، بل ينتظمون في حلقات يشكلها أعضاء الحزب، أو تكون لهم علاقة بإحدى المجموعات الحزبية أو الأخرى ...".

    *بالنسبة لأساليب العمل:

    "إن درجة سرية مختلف الحلقات والشكل التنظيمي لها سيتوقف على طبيعة الوظائف، ولهذا، فسوف تكون التنظيمات تبعا لذلك متنوعة للغاية (تتراوح ما بين نمط التنظيم الأشد ضيقا وصرامة وأكثرهم محدودية إلى النمط "الأكثر حرية" وسعة وانفتاحا، الذي لا يقوم على أساس صارم). على سبيل المثال، يجب الحفاظ على السرية التامة والضبط العسكري في مجموعات التوزيع. كما أنه من الضروري الحفاظ على السرية في مجموعات الدعاة، ولكن الضبط العسكري يكون فيها أيضا أقل بدرجة كبيرة، كما تتطلب مجموعات قراءة الأدبيات الممنوعة، أو تنظيم المناقشات والمطالب النقابية أقل سرية من ذلك، وهلم جرا. يجب أن تكون مجموعة التوزيع تابعة إلى حزب العمال الاشتراكي – الديموقراطي الروسي، ولديها معرفة بعدد محدد من أعضائه وموظفين، ولا يشترط في مجموعات دراسة ظروف العمل وصياغة المطالب النقابية أن تكون تابعة إلى الحزب العمالي الاشتراكي – الديموقراطي الروسي. كما أنه على مجموعات الطلبة والضباط أو موظفي الدولة المنخرطة في التثقيف الذاتي بالاشتراك مع أحد أعضاء الحزب ألا تشعر أحيانا بأن لهذا التثقيف أدنى علاقة بالحزب ...".

    *في الربط بين المركزية واللامركزية:

    لقد تحدث لينين لحد الآن حول مبدأ هام للغاية لكافة منظمات الحزب ونشاطاته، بمعنى آخر، الحديث عن توفر أقصى قدر من المركزية فيما يتعلق بالقيادة الإيديولوجية والعملية للحركة والكفاح الثوري للبروليتاريا.

    ويتحدث الآن في المقابل عن ضرورة توفر أقصى قدر من اللامركزية فيما يتعلق بجعل مركز الحزب (وبالتالي الحزب كله) على علم بأحوال الحركة وما له علاقة بالمسؤولية إزاء الحزب.

    "يجب أن تودع قيادة الحركة بيد أصغر عدد من الثوريين المحترفين، الذين يتألفون في جماعات على أقصى قدر من التجانس وأقصى قدر من الخبرة العملية. وعلى المساهمين في الحركة أن يتغلغلوا في أكبر عدد ممكن من المجموعات المتنوعة والمتنافرة إلى أقصى الحدود من أقسام البروليتاريا غاية التنوع (وكذلك إلى الطبقات الأخرى من الشعب").

    "يجب أن تكون بحوزة الحزب، ليس المعلومات الدقيقة فقط، المتعلقة بنشاطات كل مجموعة من هذه المجموعات، بل وأكمل المعلومات الممكنة بخصوص تركيبها كذلك. علينا كذلك (ولذلك السبب بعينه لأنه بدون توفر المعلومات تصبح المركزية أمرا غير ممكن)، وبقدر ما نستطيع أن نضفي طابعا لا مركزيا بأعلى المسؤولية من الحزب من جميع أعضائه كأفراد، ومن جانب كل من له دور في العمل، ومن كل حلقة تعود إلى الحزب أو على اتصال به. هذه اللامركزية شرط مسبق للمركزية الثورية ودواء شاف لها، وعندما تتحقق المركزية كما ينبغي، وتكون بحوزتنا صحيفة مركزية ولجنة مركزية، عندها فقط، يمكن لكل مجموعة مهما بلغت من الصغر أن تتصل بها، ولا تتصل بها فقط، بل وتتصل بها على نحو منتظم بفضل نظام قام على خبرة سنوات، وفي تلك الحالة فقط، يمكن القضاء على إمكانية نشوء عواقب وخيمة من جراء تركيب غير مناسب حدث صدفة لإحدى اللجن المحلية. وإذ نوشك الآن أن نصل إلى وحدة فعلية للحزب، وخلق مركز قيادي حقيقي، يجب علينا أن نتذكر جيدا أن هذا المركز سيكون عاجزا إذا لم ندخل عليه في الوقت ذاته أقصى قدر من اللامركزية، سواء ما تعلق من ذلك بالمسؤولية إزاء المركز، أو إبقائه على علم بكل صغيرة وكبيرة في الوجه الآخر من تقسيم العمل، الذي يعتبر عادة واحدا من ألح الضرورات العملية لحركتنا، ولا يستطيع أي اعتراف رسمي بمنظمة من المنظمات على أساس كونها المركز القيادي، ولإنشاء لجنة مركزية شكلية، لا يستطيع هذا كله أن يجعل من حركتنا حركة موحدة بحق  أو الماكينة الحزبية، وهذه اللامركزية ليست أكثر من حركة تؤدي إلى خلق حزب كفاحي ثابت. إذا استمر مركز الحزب مقطوعا عن العمل التطبيقي المباشر من قبل اللجان المحلية من النمط القديم، أي تلك اللجان التي تتألف من جانب، من خليط منتظم من الأشخاص كل منه يقوم بكافة الأعمال بدون استثناء، دون أن يتخصص في نوع معين من العمل الثوري دون أن يأخذ على عاتقه المسؤولية عن إحدى الواجبات الخاصة، دون أن يقوم بعمل محدد، وينجزه إلى آخره بعد أن أخذه على عاتقه، وجرت دراسته والإعداد له بصورة شاملة  ويهدر بالتالي كثيرا من الوقت والطاقة في الضجيج الراديكالي في حين أن هناك، من جانب آخر جمهرة كبيرة من حلقة الطلبة والعمال، نصفها لا تعلم اللجنة أي شيء عنه ونصفها الآخر بطيء ويفتقر إلى التخصص بالقدر نفسه، ولم تتح له الفرصة إلا قليلا لاكتساب خبرة الثوريين المحترفين، أو الانتفاع من خبرة الآخرين، يستهلك وقته بكونفرونسات لا تنتهي (حول كل شيء) ..."

    *حول كيفية عمل المركز حسب لينين:

    "إذ أريد أن يعمل المركز كما ينبغي، يجب على اللجان المحلية "وأكثر علمية" أن تكون قادرة على الوصول إلى "كمال" حقيقي في هذا الميدان أو ذاك من ميدان النشاط العملي، ليس من شأن المركز فقط تقديم النصح والإقناع  والمناقشة (مثلما كانت عليه الحالة سابقا،  وإنما عليه في الحقيقة قيادة الأوركسترا، ولهذا، فمن الضروري معرفة من يعزف على هذه الآلة  أو تلك بدقة، وأين وكيف استلمت التعليمات وتستلم عند العزف على كل آلة، ومن هو الذي يعزف نشازا (وقت أن تبدأ الموسيقى تصر في الأذن) وأين ولماذا ومن هو الذي ينبغي نقله وكيف وإلى أين، وذلك لكي يكون بالإمكان معالجة التنافر ...

    في الوقت الحاضر، وهذا أمر يجب أن يقال بصراحة، نحن إما أننا لا نعرف شيئا عن العمل التنظيمي للجنة من اللجان، اللهم إلا من نداءاتها ومراسلاتها العامة، أو أننا نعرف شيئا عنها من أصدقاء ومعارف طيبين، غير أنه من السخف أن نتصور أن حزبا ضخما، قادرا على قيادة حركة الطبقة العاملة الروسية، ويستعد لشن هجوم على الأوتوقراطية، يمكنه أن يكتفي بشيء كهذا. ينبغي تقليص عدد أعضاء اللجان، يجب أن يعهد لكل منهم، كل ما كان ذلك ممكنا، بوظيفة محددة خاصة وهامة، يجري على أساسها محاسبتهم. يجب إقامة مركز توجيه خاص وصغير للغاية، وكذلك شبكة من المتعاملين التنفيذيين والعمل على تطويرها، وربط كل لجنة بكل مصنع كبير، ومواصلة التوزيع المنتظم للأدبيات وإعطاء المركز صورة دقيقة عن هذا التوزيع، وعن ميكانيزم العمل كله. وأخيرا يجب تشكيل مختلف المجموعات والحلقات، التي تأخذ على عاتقها مختلف الوظائف، أو توحيد الأشخاص القريبين من الاشتراكيين – الديموقراطيين، وذلك لكي تكون اللجنة والمركز على علم دائم بنشاطات هذه الحلقات (وبتركيبها). على هذه التوجيهات ينبغي أن يعاد تنظيم لجنة بترسبورغ وسائر اللجان الأخرى للحزب ...".

    يتبع بجزء ثالث