Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الشرارة - Page 30

  • إنفير خوجا ومسار الثورة الصينية

    يقدم موقع الشرارة الماركسي ــ اللينيني أولى حلقات الترجمة العربية لنص:

    Beat Back the Dogmato-Revisionist Attack on Mao Tsetung Thought

    Comments on Enver Hoxha’s Imperialism and the Revolution

    لكاتبه ج. وارنر (J. Werner)، وتضم هذه الحلقة الأولى محورين: 1ــ مقدمة. 2 ـــ خوجا ومسار الثورة الصينية.

    ـــــ ـــــ ــــ

    الرد الحاسم على الهجمة العقائدية ـــ التحريفية

    ضد فكر ماو تسي تونغ

    تعليقات حول "الإمبريالية والثورة" ل "إنفير خوجا"

    ج. وارنر

    ("الشيوعي" ــــ عدد 5، ماي 1979)

    ترجمه إلى اللغة العربية: حمو العبيوي

    1 ــــ مقدمة:

    عندما نتفحص كتاب إنفير خوجا الجديد أول مرة، "الإمبريالية والثورة"، نجنح إلى عدم منح أهمية لهذا العمل التافه والسطحي، وبذلا عن ذلك، إلى إحالة القارئ إلى أعمال ماو تسي تونغ التي تكشف بوضوح أن معظم الاتهامات التي يوجهها خوجا ضد ماو، هي ببساطة تلاعب صارخ بالاقتباسات، وتشويه للحقائق وأكاذيب شائنة. كما نود كذلك إحالة القارئ إلى الانتقادات السوفياتية العديدة لماو، التي رغم كونها تنتمي إلى الطريقة نفسها، وتُقدم معظم الأطروحات نفسها التي يُقدمها خوجا، إلا أنها على الأقل تتمتع بجودة عرض منهجي وكامل للخط التحريفي.

    ومع ذلك، فإن الواقع الحالي وسط الحركة الشيوعية العالمية يجعل من المستحيل اتباع مسار من هذا القبيل، مهما كان مغريا. لقد أدى الاستيلاء على السلطة في الصين الثورية من طرف المسؤولين المنخرطين في الطريق الرأسمالي بقيادة "هوا" (Houa) و "تينغ" (Teng)، إلى استسلام بعض الماركسيين ـــ اللينينيين القدامى، وإلى إحباط معنويات الكثيرين من غيرهم. فتركزت أعين الحركة العالمية على خوجا وعلى حزب العمل الألباني، على أمل أنه وسط هذا الاضطراب والارتباك في صفوف الشيوعيين، سيواصل حزب العمل الألباني في لعب دور مهم في النضال ضد التحريفية. وبالفعل، فالاستجابة الأولية للألبان قد ألهمت أملا كهذا رغم كونها مليئة بالانتقائية والأطروحات المتناقضة.

    إلا أن خوجا وقيادة حزب العمل الألباني اختاروا طريقا مختلفا. فالسمعة التي يتمتع بها حزب العمل الألباني (سمعة، وللسخرية، اكتُسبت إلى حد كبير من حقيقة أن خوجا كان قد اتحد مع ماو والثورة الثقافية البروليتارية العظمى في الوقت الذي كانت تتعرض فيه للهجوم من طرف التحريفيين في كل مكان)، تم إضفاؤها على الذين يريدون التراجع إلى الوراء بإنكار التقدم المحرز خلال النضال ضد التحريفية المعاصرة في العقدين الأخيرين، وبناء خط سياسي وإيديولوجي تحريفي، يقوم على التقديس وتركيز الأخطاء المرتكبة من طرف الثوريين منذ الثلاثينيات، وكل هذا يتم باسم "نقاء" الماركسية ّــ اللينينية.

    بالطبع هذه ليست هي المرة الأولى في التاريخ التي قدمت فيها التحريفية نفسها على أنها ماركسية "أرثودوكسية"، وحاولت رسم الشيوعيين الثوريين الحقيقيين بفرشاة "الانحراف" أو حتى التعصب. فكارل كاوتسكي كان الماركسي الأرثودوكسي لزمانه في معركته ضد اللينينية. وبالمثل، زعم تروتسكي بأنه ماركسي "بروليتاري" و"نقي"، مع أنه بذل قصارى جهده لتقويض وتدمير أول دولة اشتراكية في العالم.

    لأنه على عكس وجهة النظر التي تميز كتابات إنفير خوجا، فالعالم لا يتقدم في مسار سلس ومستقيم. وما ينطبق على العالم نفسه ينطبق أيضا على الماركسية ــ اللينينية التي هي، بعد كل شيء، علم قائم على فهم التناقضات في الطبيعة والمجتمع، وأداة لتقدم المجتمع إلى الأمام، وفقا لقوانين حركة هذه التناقضات ــــ علم يتم إغناؤه وتعميقه باستمرار، ولا يمكنه إلا ذلك، في سياق الممارسة الثورية.

    يوجه إنفير خوجا العديد من الاتهامات ضد ماو تسي تونغ، وهي اتهامات تستند إلى أطروحات سنعالجها هنا الواحدة تلو الأخرى، إلا أن ما يظهر بوضوح شديد هو عدم قدرة خوجا التامة على فهم العلم الحي للديالكتيك، وهو ارتباك احتفظ به لنفسه طالما استمرت الصين الثورية في التقدم ومحاربة الأعداء الذين اعترف خوجا نفسه أيضا بأنهم أعداء، لكن الارتباك انقلب إلى عداء يسعى خوجا فرضه الآن على الحركة الشيوعية العالمية بأكملها حيث انقلبت مؤقتا مسيرة إلى الأمام بالصين.

    في الواقع، في إحدى توصيفاته القليلة والدقيقة نسبيا لخط ماو، كتب خوجا:

    "إنه [ماو] يعتبر [الثورة] عملية لا نهاية لها، تتكرر بشكل دوري طوال فترة وجود الجنس البشري على الأرض، كسيرورة تنتقل من الهزيمة إلى النصر، ومن النصر إلى الهزيمة، وما إلى ذلك إلى ما لا نهاية " [1].

    أكيد، باختياره لهذا المقطع، يحاول خوجا الإيحاء بأن ماو لا يرى تقدما في المجتمع البشري، بل مجرد تكرار دوري للأشياء، لكن ما يظهر بوضوح أكثر(لأن هذا الابتذال المسيء لماو، لا يمر بالنسبة لأي شخص درس أيًا من كتاباته) هو منظور خوجا نفسه للثورة، باعتبارها اضطرابا مؤسفا، وإن كان ضروريا أحيانا عندما يفرضه التاريخ على المجتمع في أوقات نادرة للغاية، اضطراب سيتوقف إلى الأبد بمجرد أن تتمكن الطبقة العاملة (أو منقذين متعالين لديهم مصالح الطبقة العاملة في قلوبهم) من الاستيلاء على سلطة المستغِلين السابقين، لمباشرة "التقدم اللا منقطع"، على طول شارع نيفسكي  ·  الواسع والمستقيم، نحو هدف يشبه كثيرا المنظور الديني لمملكة الإله على الأرض، حيث كل نزاع، كل صراع، كل خلاف، سيتم استبداله بالانسجام والاستقرار التام.

    يريد خوجا مهاجمة الماركسية ـــ اللينينية وفكر ماو تسي تونغ، وفي نفس الوقت تمييز نفسه عن التحريفية المعاصرة، والنتيجة هي تبنيه ليس فقط لوجهة نظر تحريفية أساسية، ولكن أيضا تبنيه للعديد من الأطروحات التحريفية البالية، وكلها مغطاة بقشرة دوغمائية. ومن هنا جاء مصطلحنا العقائدية ـــ التحريفية (dogmato-revisionist).

    يغطي" الإمبريالية والثورة" العديد من الموضوعات، ويتطلب التعامل مع جميع الأخطاء والتشويهات الواردة فيه والمتعلقة بالماركسية، كتابا أطول بكثير من كتاب خوجا. إن هذه المقالة تتناول بشكل حصري تقريبا الجزء الثاني، القسم الثالث: "فكر ماو تسي تونغ، نظرية مناهِضة للماركسية". وحتى هنا، لن نتطرق للتشويهات والأخطاء والافتراءات من جميع جوانبها، ومع ذلك، فمقالتنا لها من التفاصيل الكافية لإعطاء أكثر من مجرد مذاق (في الحقيقة حد التخمة) لخط خوجا المعادي للثورة! *

    2 ــــــ إنفير خوجا ومسار الثورة الصينية

    وفقا لإنفير خوجا، فإن الحزب الشيوعي الصيني قد هيمن فيه "فكر ماو تسي تونغ" التحريفي منذ سنة 1935، وهي السنة التي قامت فيها بالأساس قيادة ماو تسي تونغ وسط الحزب. وعلى ما يبدو أن الخط السديد، وفقا لإنفير خوجا، كان يمثله وانغ مينغ (Wang Ming)، على الرغم من أن اسم هذا المرتد لم يظهر في كتابه. كان وانغ مينغ زعيما للحزب الشيوعي الصيني لعدة سنوات حتى هزيمة خطه في سنة 1935، واتسمت مسيرته في الحزب بميزتين: أولا، خطه السياسي كان خاطئا على الدوام، أدى به إلى انحرافات انتهازية يمينية و"يسارية". وثانيا، تمتعه بثقة ودعم الأممية الشيوعية، وربما ستالين.

    إن قادة الحزب الشيوعي الذين يشاركون وانغ مينغ خطه (أولئك الذين أطلقوا على أنفسهم ال "أمميين"، وأطلق عليهم أحيانا اسم "28 ونصف بلاشفة"، في إشارة إلى ادعاء وانغ أنه وحفنة من طلابه الذين عادوا من موسكو، أنهم كانوا "بلاشفة مائة بالمائة")، بدأوا يلعبون دورا مهما في لحظة حرجة من الثورة الصينية، فقد رفضوا الاعتراف بأن الثورة الصينية قد تكبدت انتكاسة مؤقتة بعد هزيمة سنوات 1924-1927، ونتيجة ذلك، فإن فترة طويلة من الدفاع الاستراتيجي كانت ضرورية.

    كان ماو قد أجرى تحليلا للظروف الملموسة للصين، تحليلا يقوم على أساس الماركسية ـــ اللينينية ويأخذ بالاعتبار الأطروحات الأساسية للينين وستالين حول الثورة الصينية، حيث توصل إلى استنتاج مفاده أنه على الرغم من تعرض الثورة للهزائم، فقد كانت هناك ظروف مختلفة سمحت في أجزاء مختلفة من الصين بإنشاء قواعد ارتكاز ريفية محاطة بالعدو، وكان لمسألة الفلاحين ارتباطا وثيقا بهذا الأمر، حيث تبين لماو وبشكل سليم أنه في المرحلة الديمقراطية، ينبغي على الفلاحين أن يكونوا القوة الرئيسية (وليس القوة القائدة) للثورة، وأن حَشدَهُم تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني وإنجاز الثورة الزراعية كان لا غنى عنه لتطوير هذه القواعد الريفية.

    فيما يخص هذه الأطروحات الأساسية، بالإضافة إلى العديد من المسائل السياسية والعسكرية التي انبثقت عنها، فقد عارض وانغ مينغ (Wang Ming) ماو بلا هوادة. ومثل خوجا، انتقد وانغ مينغ أطروحة ماو القائلة بأنه في الصين ينبغي محاصرة المدن انطلاقا من الريف.

    لم يستطع وانغ، مثل خوجا، فهم مد وجزر الثورة، وبدلا من ذلك، قدم صورة لوضع موضوعي موات باستمرار، يفتقر فقط للعامل الذاتي من أجل قيادة هجوم فوري وناجح على السلطة الرجعية. لقد قاد وانغ مينغ الحزب بخط عسكري وسياسي وإيديولوجي خاطئ أدى إلى الهزيمة على يد تشيانغ كاي تشيك (Chiang Kai-shek) في حملته الخامسة "للتطويق والقمع"، وهي الهزيمة التي أجبرت الجيش الأحمر على التراجع في المسيرة الطويلة الشهيرة. كانت نتيجة هذا الخط الانتهازي "اليساري"، أن تم تصفية العديد من أعضاء الحزب الشيوعي والجيش الأحمر، وكذلك تصفية مناطق قواعد الارتكاز.

    بالطبع، هذا التاريخ معروف جيدا بأكمله، والتقييم السياسي لهذه الانحرافات يشكل جزءا مهما من أعمال ماو تسي تونغ. علاوة على ذلك، وعلى أساس صد هذا الخط على وجه الخصوص، تمكن الحزب الشيوعي الصيني من الاستمرار بنجاح في التحقيق الكامل للمسيرة الطويلة الشهيرة وللثورة الصينية نفسها.

    لكن إنفير خوجا، مثل وانغ مينغ والتحريفيين السوفيات، يتهم ماو بـ "القومية" و "عقلية الفلاحين" والانتهازية، هذا لأن ماو طبق الماركسية ـــ اللينينية على الظروف الملموسة للصين، وطور بالتالي خطا سياسيا شاملا قادرا على قيادة تلك الثورة إلى النصر.

    لنرى بعض الحجج العميقة التي يستحضرها خوجا لمهاجمة ماو:

    "هذه النظرية البرجوازية الصغيرة [التي لا تعترف بالدور القيادي للبروليتاريا]، عبر عنها ماو تسي تونغ في أطروحته العامة "تطويق المدن انطلاقا من الريف"، "... الريف الثوري، كما كتب، يمكن أن يطوق المدن ... العمل في الريف يجب أن يلعب الدور الرئيسي في الحركة الثورية الصينية، بينما العمل في المدينة دورا ثانويا".

    أدرج ماو هذه الفكرة عندما تناول أيضا دور الفلاحين في السلطة. لقد قال إنه على جميع الأحزاب والقوى السياسية الأخرى أن تخضع للفلاحين وآرائهم، "... سينهض، كما كتب، مئات الملايين من الفلاحين مثل عاصفة شديدة، قوة سريعة وعنيفة لدرجة أنه لا توجد قوة، مهما كانت عظيمة، قادرة على كبح جماحها ... سيُخْضِعون للاختبار كل الأحزاب والمجموعات الثورية، كل ثوري، حتى يقبلوا بآرائهم أو يرفضونها". حسب ماو، يتضح أن دور الهيمنة في الثورة سيكون للفلاحين وليس للطبقة العاملة. [2]

    هذه إذن، هي طريقة التفكير العميقة لإنفير خوجا. ولكن، بحق الجحيم، أين هو المبدأ الذي حسبه يجب في كل بلد أن يكون المركز الرئيسي لعمل الحزب بالمدن؟

    إذا قمنا بالثورة في بلد يشكل فيه الفلاحون 80٪ من السكان، وإذا تم إبعاد الثورة خارج المدن، وإذا تعرضت الحركة إلى تراجع مؤقت، وإذا كانت هناك إمكانية لتأسيس سلطة سياسية حمراء في الريف، كما كان عليه الحال في الصين، فكيف يمكن القول إنه من الخطأ جعل الريف "المركز الرئيسي لعمل الحزب"؟ أو تطوير استراتيجية "تطويق المدن انطلاقا من الريف"؟ في ظل ظروف كهذه، فإن عدم القيام بذلك لا يعني، كما الحال في الصين، إلا سياسة المغامرة المتهورة التي أدت بسرعة إلى الاستسلام للعدو، وبالضبط، لأن خط "اليسارية" المتمثل في التمركز بالمدن، والرافض ل "تطويق المدن انطلاقا من الريف"، لم يكن قادرا على حشد القوى الضرورية للثورة في الظروف الملموسة للصين في تلك الفترة.

    من الواضح للغاية أن خوجا يثير مثل هذه الضجة حول مقولة ماو الشهيرة، المقتبسة من "تحقيقات حول حركة الفلاحين بهونان"، التي يقول فيها ماو أن العاصفة القوية لحركة الفلاحين ستضع "كل الأحزاب الثورية تحت الاختبار"، لأن هذا العمل الكلاسيكي تعرض تاريخيا لهجومات من طرف التحريفيين، من شن تو سيو (Tchen Tou-sieou) و وانغ مينغ (Wang Ming) إلى المرتدين السوفيات.

    إن ما يؤكده ماو في "تحقيقات حول حركة الفلاحين بهونان"، ليس أن البروليتاريا لا ينبغي لها أن تقود الفلاحين، بل على العكس تماما. إنه يحارب الميول اليمينية، شكلا ومضمونا، لقادة الحزب الذين يعتبرون أن حركة الفلاحين تسير بشكل سيء ومروع للغاية، وأنها "تجاوزت الحد".

    إن الذين يزعمون أن حركة الفلاحين "تجاوزت الحد"، يعتقدون أنها تقوض التحالف مع البرجوازية الوطنية (الكيومنتانغ في هذه الحالة)، وبالتالي ينبغي علينا إما رفض الاعتراف بهذه الحركة، أو معارضتها تماما، أو على الأقل الحد منها.

    عندما اقتبس خوجا مقولة ماو: "سيُخْضِعون للاختبار كل الأحزاب والمجموعات الثورية، كل ثوري، حتى يقبلوا بآرائهم أو يرفضونها "، فقد تعمد حذف الجمل التي تليها مباشرة، والتي تكشف الخلفية الحقيقية والهدف الكامل من كتابة ماو لهذا المقال:

    "نضع أنفسنا على رأس الفلاحين ونقودهم؟ أم نبقى وراءهم ونكتفي بانتقادهم بإشارات قوية متسلطة؟ أم نقف أمامهم لمقاتلتهم؟ كل صيني هو حر في اختيار إحدى هذه المسارات الثلاثة، لكن الأحداث ستجبر كل واحد على الاختيار بسرعة." [3]

    إذن من الواضح أن ما يقصده ماو (إذا لم نسحق مقولات ماو كما اعتاد خوجا على فعل ذلك طوال هجومه)، ليس على الفلاحين أن يقودوا الحزب، بل على العكس تماما، أي أن الحزب يجب أن يتقدم إلى الأمام ويضع نفسه على رأس الانتفاضة العارمة لحركة الفلاحين.

    لقد هاجم ستالين هو الآخر نفس الأخطاء التي ارتكبها قادة بارزين للحزب الشيوعي الصيني في ذلك الوقت:

    "أعلم أن هناك كيومنتانغيين، وحتى شيوعيين صينيين، الذين لا يعتبرون أنه من الممكن إطلاق الثورة في الريف، لأنهم يخشون أنه إذا انخرط الفلاحون في الثورة، فإن ذلك سيؤدي إلى تفكك الجبهة المناهضة للإمبريالية.

    هذا خطأ فادح أيها الرفاق... برأيي، لقد حان الوقت لوضع حد لهذا الجمود وهذا "الحياد" اتجاه الفلاحين." [4]

    إن الازدراء الذي يظهره إنفير خوجا اتجاه الفلاحين، واستخفافه بدورهم المركزي في السيرورة الثورية في بلدان مثل الصين، مرتبط بعدم قدرته على فهم طبيعة هذه الثورات نفسها. لم يكن ماو، بل لينين وستالين، هما أول من بلور الأطروحة التي مفادها أن الثورات في بلدان آسيا هي من نوع ثورات برجوازية ديمقراطية، تهدف إلى غايتين رئيسيتين: طرد الإمبريالية الأجنبية وهزم شرائح الطبقة الرأسمالية المرتبطة بهذه الإمبريالية، وحل المسألة الزراعية: تحطيم بقايا الإقطاعية وتحقيق مبدأ "الأرض لمن يحرثها"

    مرة أخرى، كان ستالين واضحا جدا بشأن هذا السؤال:

    "كان من رأي الكومنترن ولا يزال كذلك، أن أساس الثورة الصينية في الفترة الحالية [1927] هو الثورة الفلاحية الزراعية" [5] *

    خوجا يتهم:

    "لم يستطع ماو تسي تونغ أبدا أن يفهم أو يفسر بشكل صحيح الروابط الوثيقة القائمة بين الثورة الديمقراطية البرجوازية والثورة البروليتارية.

    خلافا للنظرية الماركسية ـــ اللينينية التي أتثبت علميا أنه لا يوجد سور صيني بين الثورة الديمقراطية البرجوازية والثورة الاشتراكية، وأنه لا يجب فصل هاتين الثورتين، الواحدة عن الأخرى، لفترة زمنية طويلة. وأكد ماو "إن تحول ثورتنا إلى ثورة اشتراكية هي مسألة تنتمي إلى المستقبل ... أما متى سيحدث هذا الانتقال ... فمن الممكن أن يستغرق هذا فترة طويلة. طالما لم يتم استيفاء جميع الشروط السياسية والاقتصادية الضرورية لهذا الانتقال، وطالما أن هذا الانتقال لا يفيد، بل يضر فقط بالغالبية العظمى لشعبنا، فلا ينبغي أن يكون موضع تساؤل" [6]

    بالطبع، سيتساءل القارئ النبيه: ما الذي حذفه خوجا مكان نقط الحذف تلك؟ نقط الحذف الأولى عملت على طمس جملة كتب فيها ماو: "في المستقبل ستتحول الثورة الديمقراطية حتما إلى ثورة اشتراكية". ونقط الحذف الثانية أزالت العبارة بالخط المائل أدناه: "متى سيحدث هذا الانتقال؟ هذا يتوقف على وجود شروط ضرورية محددة وقد تتطلب وقتا طويلا." [7] *

    وهكذا نرى إذن أن خوجا حذف نقطتين هامتين في سياسة ماو:

    1 ـــ أن الانتقال إلى الثورة الاشتراكية هو حتمي، لا مناص منه و 2 ـــــ أن هذا الانتقال يتوقف على "وجود بعض الشروط الضرورية".

    يضيف خوجا:

    "تمسك ماو تسي تونغ، طوال الثورة، وحتى بعد التحرير، بهذا المفهوم المعادي للماركسية، الذي لا يهدف إلى تحويل الثورة الديمقراطية البرجوازية إلى ثورة اشتراكية. وهكذا، في سنة 1940، قال ماو تسي تونغ إن "الثورة الصينية يجب أن تمر بالضرورة ... بمرحلة الديمقراطية الجديدة، وبعد ذلك فقط، مرحلة الاشتراكية. من هاتين المرحلتين، ستكون المرحلة الأولى طويلة نسبيا ..." [8]

    نعيد للقارئ نشر الفقرة بأكملها التي اقتبس منها خوجا "مقولته"، والفقرة مأخوذة من الترجمة الصينية الأصلية، ومن دون نقط الحذف المريحة جدا لخوجا:

    "لا شك أن الثورة ما زالت في مرحلتها الأولى، ولن تدخل إلا فيما بعد، خلال تطورها اللاحق، المرحلة الثانية، مرحلة الاشتراكية. لن تعرف الصين السعادة الحقيقية إلا مع الاشتراكية. ولكن ليس الآن الوقت لتحقيقها. المهمة الحالية للثورة الصينية هي محاربة الإمبريالية والإقطاعية، قبل إتمام هذه المهمة، لا يمكن أن يكون هناك سؤال عن الاشتراكية. الثورة الصينية يجب أن تمر حتما بمرحلتين، أولا الثورة الديمقراطية الجديدة، ثم الثورة الاشتراكية. بالإضافة، فالمرحلة الأولى ستكون طويلة جدا، ولا يمكن إتمامها بين عشية وضحاها. لسنا طوباويين، ولا يمكننا تجاهل الظروف القائمة"  [9]

    مرة أخرى، من الواضح، حتى حسب المقاطع ذاتها التي حاول خوجا تزويرها وتشويهها لدعم افتراءاته، أن ماو أعلن بوضوح أن ثورة الديمقراطية الجديدة تؤدي إلى الاشتراكية، بمجرد توفر الشروط اللازمة، التي حددها ماو في هزيمة الإمبريالية والإقطاعية.

    فخوجا على حق، لا يوجد "سور صيني" يفصل بين مرحلتين من الثورة، ولكن في العمق، فهو يريد إنكار وجود مرحلتين متميزتين للثورة يتم تحديدهما بالضرورة من خلال الاصطفافات الطبقية والمهام المختلفة. فخوجا يحاول خلط كل شيء، دمج إثنين في واحد، فنتج عنه نوع غير مبلور من الثورة الاشتراكية الديمقراطية خصائصها هي في الأساس نفسها بالبلدان الرأسمالية والبلدان المضطهدة.

    فخط خوجا انتقائي للغاية، ومشوَّش لدرجة يستحيل معرفة ما يعنيه بالضبط. هل يقصد أن الثورة الصينية قبل سنة 1949 كانت (أو كان ينبغي أن تكون) ثورة اشتراكية؟ هل يحاكي الخط الذي تبناه بعض قادة الحزب الصيني (الذين يتمتعون ببعض الدعم من الكومنترن) والذي حسبه ستتحول الثورة البرجوازية إلى ثورة اشتراكية بمجرد الاستيلاء على السلطة في مقاطعة أو مقاطعتين رئيسيتين؟ أم أنه يقصد أن ماو لم يدرك أن الثورة ستتحول إلى ثورة اشتراكية مع الاستيلاء على السلطة على نطاق وطني؟ على أي حال، سنرى أن ماو من كان على حق، وليس خوجا أو وانغ مينغ. *

    يخلط خوجا عمدا بين حقيقة أن الثورة الاشتراكية يمكنها أن تُتِم مهاما ديمقراطية (التي تعتبر ثورة أكتوبر مثالا لها بامتياز) مع مفهوم الثورة الديمقراطية البرجوازية نفسها، وليس من المستغرب أنه في الجزء الأول من كتابه، الذي وضع فيه خوجا وصفاته للثورة في جميع دول العالم (من دون تحديد طريق كل بلد على وجه الخصوص)، يُظْهِر خوجا عدم قدرته على فهم هذه المسألة، بل ينتج عنه في الواقع خلط رهيب:

    "أصبح هذا الارتباط [بين الثورة البروليتارية في الغرب والنضال في المستعمرات والبلدان التابعة –JW (ج. وارنر)] أكثر وضوحا وطبيعيا اليوم، حيث أن غالبية الناس، بإسقاطهم للنظام الاستعماري القديم، قد خطوا خطوة كبيرة إلى الأمام نحو الاستقلال، من خلال إنشاء دولهم الوطنية الخاصة بهم، وأنه بعد هذه الخطوة، يتطلعون إلى المضي قدما. إنهم يريدون تصفية النظام الاستعماري الجديد، وتحرير أنفسهم من أي تبعية إمبريالية، ومن أي استغلال لرأس المال الأجنبي، وانتزاع سيادتهم واستقلالهم الكامل، اقتصاديا وسياسيا. لقد تبث أنه لا يمكن تحقيق هذه التطلعات والأهداف، إلا من خلال القضاء على أي سيطرة أو تبعية أجنبية، وبالتحرر من اضطهاد واستغلال الحكام البرجوازيين وملاك الأراضي الكبار في البلاد.

    يترتب عن ذلك أن الثورة الوطنية الديمقراطية للتحرر الوطني، والمناهضة للإمبريالية، مرتبطة وتتشابك مع الثورة الاشتراكية، لأنه بمهاجمة الإمبريالية والرجعية، وهم أعداء مشتركون للبروليتاريا والشعوب، تفتح الثورة أيضا الطريق للتحولات الاجتماعية الكبرى، وتساهم في انتصار الثورة الاشتراكية، والعكس صحيح، فالثورة الاشتراكية بمهاجمتها للبرجوازية الإمبريالية وتقويض مواقعها الاقتصادية والسياسية، تخلق ظروفا مواتية لحركات التحرر وتسهل انتصارها." [10]

    على الرغم من أن خوجا يشير هنا إلى "ملاك الأراضي الكبار"، فإن ما يلفت النظر في هذا المقطع، كما هو الحال في كتابه بأكمله في هذا الصدد، هو عدم وجود أي نقاش حول طابع الثورة المناهض للإقطاع في العديد من بلدان العالم، آسيا، أفريقيا وأمريكا اللاتينية، لأن النضال ضد الإقطاع على وجه الخصوص، هو الذي يضفي على الثورة الديمقراطية طابعها البرجوازي.

    في الفقرة أعلاه، يجمع خوجا ببراعة بين الثورة الاشتراكية والثورة الديمقراطية البرجوازية، بالقول إن الاستقلال والسيادة، وما إلى ذلك، لا يمكن تحقيقها إلا من خلال "التحرر من اضطهاد واستغلال الحكام البرجوازيين وملاك الأراضي في البلاد". بالطبع، من الصحيح ان التحرر الحقيقي من الإمبريالية هو في نهاية التحليل يعتمد على الثورة الاشتراكية. وقد أوضح ماو هذه النقطة عدة مرات، بما في ذلك إعلانه الشهير: "الاشتراكية فقط هي التي يمكن أن تنقد الصين". لكن تبقى حقيقة أن الثورة الاشتراكية والثورة الديمقراطية البرجوازية ليستا نفس الشيء، ليستا متماثلتين، بمعنى أنه خلال الثورة الديمقراطية البرجوازية يمكن لبعض القوى البرجوازية (القوى المستغِلة) أن تلعب دورا إيجابيا.

    ومن المفارقة، على الرغم من محاولات خوجا إعلان نفسه من أتباع ستالين المخلصين، فإن ستالين، كاتبا بخصوص مرتد آخر، هو الذي قيَّم بإيجاز الأخطاء الأساسية لخوجا في مسألة الثورة الصينية:

    "إن الخطأ الأساسي الذي يرتكبه تروتسكي (وبالتالي المعارضة) هو أنه يستخف بالثورة الزراعية في الصين، ولا يفهم طابعها الديمقراطي البرجوازي، وينكر وجود الشروط المسبقة الضرورية لحركة زراعية في الصين، تضم عدة ملايين من الفلاحين، ويقلل من دور الفلاحين في الثورة الصينية" [11]

    على عكس احتجاجات خوجا، فإن ماو هو بالضبط من وضح العلاقة بين المرحلة الديمقراطية البرجوازية والمرحلة الاشتراكية. بداية، أغنى ماو الأطروحة الأساسية للينين القائلة بأن الثورات الديمقراطية البرجوازية للبلدان التابعة والمستعمرات في عصر الإمبريالية والثورة البروليتارية الجديدة (بمعنى منذ ثورة أكتوبر بروسيا سنة 1917)، لم تعد جزءا من الثورة البرجوازية القديمة، وإنما تنتمي إلى الثورة البروليتارية العالمية الجديدة.

    أصر ماو مرارا وتكرارا على أن البورجوازية الوطنية في الصين وفي بلدان شبيهة بالصين، لا تستطيع قيادة الثورة الديمقراطية البرجوازية إلى النصر، وأن هذه البرجوازية تتعرض للإساءة من طرف الإمبريالية، وأحيانا في تناقض معها، وتنضم من وقت لآخر إلى النضال الثوري، ولكن بالضبط، بسبب الضعف والقصور السياسي والاقتصادي لهذه الطبقة، وبسبب العلاقات التي لا زالت تربطها ببعض الفئات المهمة (الكمبرادورية) من البرجوازية وبملكية الأرض، فإن هذه الطبقة ستتميز دائما وفي أفضل الأحوال بالتذبذب، وستستسلم أحيانا لقوى الإمبريالية وللرجعية المحلية.

    لهذا السبب، فقيادة الشعب، وفي مقدمتهم الفلاحون، لإنجاز الثورة الديمقراطية البرجوازية، أصبحت مهمة البروليتاريا. في الواقع، أوضح ماو أنه بالضبط لأن الثورة الصينية كانت بقيادة البروليتاريا وطليعتها، الحزب الشيوعي، فهي بذلك ثورة ديمقراطية جديدة (وليست القديمة)، وأن هذه الثورة لا تؤدي إلى "إقامة مجتمع رأسمالي ودولة ديكتاتورية بورجوازية"، بل "تعمل في الواقع على فتح طريق أوسع لتطور الاشتراكية" [12]

    يضيف ماو شارحا:

    المرحلة الأولى من الثورة الصينية (المرحلة تنقسم هي نفسها إلى عدة أطوار وسيطة) هي، بطابعها الاجتماعي، ثورة ديمقراطية برجوازية من نوع جديد، فهي ليست بعد ثورة اشتراكية بروليتارية، ومع ذلك، فهي منذ وقت طويل جزء من الثورة الاشتراكية البروليتارية العالمية، بل وتشكل فيها الآن جزءا هاما، وهي بالنسبة لها حليف كبير.

    إن الفترة الأولى أو المرحلة الأولى من هذه الثورة، هي ليست بالتأكيد، ولا يمكن أن تكون تشييد مجتمع رأسمالي للديكتاتورية البرجوازية، بل يجب أن تنتهي ببناء مجتمع ديمقراطي جديد يخضع للديكتاتورية المشتركة لجميع الطبقات الثورية الصينية، وعلى رأسها البروليتاريا الصينية، ثم ننتقل بالثورة إلى المرحلة الثانية، وهي بناء المجتمع الاشتراكي في الصين. هذه هي الخاصية الأساسية للثورة الصينية الحالية، والسيرورة الثورية الجديدة خلال العشرين سنة الماضية (اعتبارا من حركة 4 ماي 1919) والمحتوى الحي والملموس لهذه الثورة. [13]

    يؤكد ماو باستمرار على الصلة الحقيقية بين الثورة الديمقراطية البرجوازية والثورة الاشتراكية: تحقيق الثورة الديمقراطية وحده فقط، بمعنى هزيمة الإمبريالية والإقطاعية، يمهد الطريق للثورة الاشتراكية، وهذه الأخيرة لا يمكن إنجازها بدون وجود هذه الشروط. كما أكد أيضا، بأن قيادة البروليتاريا والحزب، هي التي تجعل من الممكن استمرار الثورة وانتقالها لما بعد المرحلة الديمقراطية، إلى المرحلة الاشتراكية.

    نظرا لأن خوجا غير قادر على فهم (أو يتظاهر بعدم فهم) الطابع الطبقي للمرحلة الأولى من الثورة الصينية، فليس من المستغرب أنه يهاجم أيضا الخط العسكري لماو تسي تونغ ــــ حرب الشعب ــــ الذي كان قائما بالتحديد على فهم سديد لظروف الثورة الصينية.

    إليكم ما قاله خوجا في هذا الصدد، في وصفته التي يقترحها للثورة في جميع البلدان:

    "وفق الظروف الملموسة لبلد والوضع بشكل عام، يمكن أن تكون الانتفاضة المسلحة انفجارا مفاجئا أو عملية ثورية طويلة، ولكنها ليست لا نهائية وبدون أفق ملموس، كما تدعي "نظرية الحرب الشعبية الطويلة" لماو تسي تونغ. إذا قارنا تعاليم ماركس، إنجلز، لينين وستالين بشأن الانتفاضة الثورية المسلحة، مع نظرية ماو حول "الحرب الشعبية"، فإن الطابع المناهض للماركسية وللينينية وللعلم لهذه النظرية يبدو واضحا. تعاليم الماركسية ــ اللينينية حول الانتفاضة المسلحة تستند على الارتباط الوثيق بين النضال في المدن والنضال في القرى، تحت قيادة الطبقة العاملة وحزبها الثوري.

    إن النظرية الماوية، التي تعارض الدور القيادي للبروليتاريا في الثورة، تعتبر الريف الأساس الوحيد للانتفاضة المسلحة، وتتجاهل الكفاح المسلح للجماهير العاملة في المدن. إنها تدعو إلى أن يحاصر الريف المدينة، التي تعتبر معقلا للبورجوازية المعادية للثورة. هذا تعبير عن انعدام الثقة في الطبقة العاملة، وإنكار لدورها المهيمن." [14]

    مثير للاهتمام حقا! هذا المقطع لخوجا يجعل احتجاجاته (المذكورة أعلاه) أكثر وضوحا، بسبب أن ماو أكد أن ثورة الديمقراطية الجديدة قد تتطلب "فترة طويلة".

    من الواضح أن ادعاء خوجا بأن ماو طالب بحرب لا نهاية لها، و"بلا أفق ملموس"، هو أمر سخيف. لقد دعا ماو بوضوح شديد إلى أن الحرب نفسها (أو بالأحرى في حالة الصين، سلسلة من ثلاث فترات متميزة من الحرب: الفترة الأولى ضد الكيومنتانغ، الثانية ضد اليابان، الثالثة من جديد ضد الكيومنتانغ) تمثل الشكل الأساسي لاستمرار الثورة حتى تحقيق أهدافها الأولى المتمثلة تحديدا في طرد الإمبريالية من البلد، وحل المسألة الزراعية. لا يمكننا أن نجد "أفقا ملموسا" أكثر!

    في نقد خوجا للحرب الشعبية ينكشف بوضوح التمركز الشديد للجوهر اليميني ل "يسراويته". نود أن نسأل خوجا: أي طريق كان يجب أن تتبعها الثورة الصينية بعد هزيمة ثورة 1924 ـــ 1927؟ بمعنى، عندما انتصرت الثورة المضادة في المدن والشيوعيون يُذبحون؟

    على ما يبدو كان من الصحيح إنشاء قواعد ارتكاز ريفية، بشرط ألا تفقد "أفقها الملموس"، وهو ما يعني انتصارا سريعا (في غضون سنوات قليلة) على القوى الرجعية. كان هذا الخط، في الواقع، خط وانغ مينغ الذي توقع نصرا فوريا وانهيارا للعدو، وأمر الجيش الأحمر بشن هجوم مستمر. إن هذه السياسة أدت إلى انتكاسة كبيرة للثورة الصينية، وإلى فقدان جميع قواعد الدعم في جنوب الصين، ومن تم ضرورة الشروع في المسيرة الطويلة.

    إذا استمعنا إلى خوجا، يجب أن يستنتج أنه من الخطأ الانخراط في الكفاح المسلح طالما ليس هناك نصر فوري في الأفق، وأن الحفاظ على السلطة السياسية الحمراء في الريف، في حالة انعدام إمكانية الاستيلاء على المدن بسرعة، هو تخل عن الطبقة العاملة وفقدان الثقة في دورها المهيمن.

    هذه طريقة تفكير ميكانيكية حقا، تصل إلى "مرتفعات" لم يتم بلوغها من قبل. لأنه على الرغم من أن الانتهازيين خلال الثورة الصينية (خاصة التروتسكيين) قدموا حججا مماثلة، كان وانغ مينغ الذي يشتغل من مكانه الآمن البعيد في موسكو، هو الوحيد الذي كرر مثل هذه المغالطات لفترة طويلة بعد أن أتبث التاريخ خطأه.

    كان خوجا يفضل أن يرى حل الجيش الأحمر من طرف الحزب الشيوعي الصيني، أو إذا فشل ذلك، فعلى هذا الأخير وببساطة أن يهاجم المدن بشكل متهور وانتحاري، بينما الظروف لا تسمح بالنصر على الصعيد الوطني، وهذا ما كان سيؤدي أيضا إلى حل الجيش الأحمر. هل يعتقد خوجا جديا، أن "هيمنة البروليتاريا" كان من الممكن أن تتحقق بشكل أفضل لو لم تكن قواعد الارتكاز الريفية موجودة، فإذا كان الحزب الشيوعي، الذي تعرض لضربات الإرهاب الأبيض، قد تقلص إلى قوى مبعثرة تقوم بعمل قانوني وغير قانوني بالمدن؟ هل صحيح أن وضعا مثل هذا، كان من شأنه أن يسرع من تطور اندلاع انتفاضة جديدة في الصين؟ أو ليست سياسة ماو المتمثلة في بناء وتطوير قواعد الارتكاز الثورية، هي التي ساعدت في نهاية المطاف، على التحضير في خضم النضال، لإمكانية الاستيلاء على المدن؟

    لا يسعنا إلا أن يُسأل خوجا أيضا: أين يوجد في كتابات ماركس وإنجلز ولينين وستالين، خط محدد يتعلق بالطريقة التي يجب اتباعها للاستيلاء على السلطة بقوة السلاح في بلد مثل الصين؟ بالطبع، لا توجد مثل هذه الوصفة، لأن قادة البروليتاريا العظام، على عكس خوجا، لم يشرعوا في التكهن بأحداث افتراضية لم تحدث بعد. علما أنه قبل الثورة في الصين، لم تكن هناك ثورة بقيادة الطبقة العاملة في بلد مثل هذا البلد.

    أليس من السخافة حقا نصحنا بمقارنة كتابات ماو بالكتابات العسكرية للقادة الماركسيين ـــ اللينينيين الذين سبقوه لاكتشاف أخطاء ماو؟ في الواقع، إذا أجرينا مثل هذه المقارنة، نجد أن ماو، متجاوزا حتى المعلمين العظام الذين سبقوه، لم يحلل فقط سيرورة الحرب الثورية في الصين، بل قدم أيضا إسهامات ثمينة للخط الماركسي في الشؤون العسكرية بشكل عام. [15] هذه الحقيقة ليست مفاجئة، لأن ماو كانت لديه خبرة أكثر بكثير من أسلافه في ممارسة الحرب الثورية. كما يجب تذكير خوجا أيضا بالتصريح الذي أدلى به ستالين حول هذا الموضوع في سنة 1926؛ حيث قال: "الثورة المسلحة في الصين تحارب جيش الثورة المضادة المسلحة. هذه خصوصية فضلا عن أنها ميزة للثورة الصينية ".[16]

    إن الدوغمائية التحريفية تمنع خوجا من فهم سديد للعلاقة بين السياسة والحرب. لأنه حسب منظوره، فالأضداد لا يمكن أن يتحول أحدها إلى الآخر (وهو موضوع سنتناوله في الصفحات التالية)، إنه لا يستطيع أن يفهم أن الحرب الثورية نفسها كانت في الصين هي الأسلوب الرئيسي للقيام بعمل سياسي واسع النطاق بين الجماهير. لقد أوضح ماو جيدا هذا الأمر من خلال تقييم أهمية المسيرة الطويلة:

    "إن المسيرة الطويلة هي أول مسيرة من نوعها في مجرى التاريخ ... فهي ... بيان، وأداة دعاية وآلة بذر ... إن المسيرة الطويلة بيان، إذ أنها أعلنت للعالم أجمع أن الجيش الأحمر هو جيش من الأبطال، وأن الإمبرياليين وخدامهم ــ تشيانغ كاي شيك وأمثاله ــ هم عاجزون لا ينفعون لشيء ... إن المسيرة الطويلة هي أيضا أداة للدعاية، لقد أوضحت لحوالي مائتي مليون من سكان الإحدى عشر مقاطعة أن طريق الجيش الأحمر هو الطريق الوحيد للتحرير. بدون هذه المسيرة الطويلة، كيف يمكن لهذه الجماهير الغفيرة، أنت تعلم بهذه السرعة وجود الحقيقة العظمى التي يجسدها الجيش الأحمر؟ إن المسيرة الطويلة هي أيضا آلة بذر، إذ أنها زرعت بذورا كثيرة في الإحدى عشر مقاطعة، وهي سوف تنبث وتورق وتزهر وتثمر، وتعطي حصادا في المستقبل ... ومن الذي قادها إلى النصر؟ إنه الحزب الشيوعي. بدونه لما كان من الممكن تصور القيام بهذه المسيرة الكبرى." [17]

    نرى إذن، أن الحرب الثورية لم تكن مجرد مسألة عسكرية، بل كانت الشكل الرئيسي للصراع الطبقي بالصين. أولئك الذين أصروا على أن الثورة يجب أن تتم على غرار نموذج الثورة الروسية (ثورة تتميز بفترة طويلة من التحضير اتخذ فيها النضال بشكل رئيسي شكلا سياسيا وليس عسكريا، يليها تمرد وحرب أهلية)، كانوا سيحكمون على الطبقة العاملة وكذلك الشعب الصيني بعدم القيام بأي ثورة على الإطلاق.

    يدعي خوجا أن خط ماو بأكمله الداعي إلى تطويق المدن انطلاقا من الريف يعني التخلي عن هيمنة البروليتاريا. والحقيقة، أن عدم شن النضال المسلح في الريف، سيعني بالضبط التخلي عن هيمنة البروليتاريا في الثورة، وتحديدا على مئات الملايين من الفلاحين الصينيين.

    هيمنة البروليتاريا تعني قبل كل شيء، قيادة حزبها السياسي الطليعي، الحزب الشيوعي. هذا لا يعني بالضرورة القول بأن البروليتاريا هي القوة الرئيسية في الثورة (خوجا نفسه مجبر على الاعتراف بهذا). إن قيادة البروليتاريا تعني حشد الجماهير المضطهدة تحت راية الطبقة العاملة وبرنامجها للثورة. في الظروف الملموسة للصين، هذا المبدأ يقتضي من البروليتاريا، عن طريق حزبها، التموضع في الصفوف الأمامية للنضال ضد الإمبريالية والإقطاعية، بينما هي في نفس الوقت تبني القوة السياسية المستقلة لحزبها الشيوعي الذي وحده يمكنه قيادة الثورة حتى النصر، ومن تم إلى الاشتراكية. من هذا المنظور، فإن عدم الشروع في الحرب في الريف، يعني أن البروليتاريا لم تكن لتتولى قيادة الفلاحين، وبالتالي ستضيع إمكانية القيام بالثورة.

    لماذا لم يكن بإمكان الثورة الانتصار بداية في المدن، لتمتد بعد ذلك بالريف، كما في حالة الثورة الروسية على سبيل المثال؟ لأنه لم يكن فقط اعتبار (كما يصفها خوجا) المدن قلاعا للبرجوازية المضادة للثورة، بل هي كانت بالفعل كذلك.

    لقد كانت قوات العدو ممركزة في المدن، بالإضافة إلى أن القوات الإمبريالية كان بإمكانها الوصول بسرعة للمدن، وهو ما يمكنها من تقديم المساعدة الأكثر فعالية للقوى الرجعية الصينية. والطبقة العاملة هي الأخرى كانت ممركزة في المدن، لكنها لم تكن قوية بما فيه الكفاية، ولم تكن الظروف مواتية لها لقيادة الانتفاضات والاستيلاء على السلطة السياسية. في الواقع، لقد حاول العمال فعلا القيام بمثل هذه الانتفاضات، وانتهت بإغراقها في الدماء.

    ولإجراء تشبيه، يمكننا النظر إلى الوضع العالمي في كليته. فقد اعتقد ماركس وانجلز (وشكل هذا "مبدأ" مقبولا في الماركسية) أن الثورة ستحدث أولا في بلدان أوربا الغربية، البلدان التي بلغت أعلى مستوى من التطور الرأسمالي. وكان فقط أن طور لينين، في فترة ثورة أكتوبر، أطروحة أن الثورة ستحدث أولا في البلدان التي تشكل الحلقة الضعيفة في السلسلة الإمبريالية. اتُهم لينين من طرف "الماركسي الأرثودوكسي" كاوتسكي بالتخلي عن البروليتاريا لاعتقاده (لينين)بأن الثورة البروليتارية يمكن في الواقع أن تحدث في المجتمع الروسي الذي لا زال ذو أغلبية فلاحية. بالطبع، أثبتت ثورة أكتوبر أن أطروحة لينين كانت صحيحة. والأمر نفسه بالصين، ليس فقط لأن التناقض الرئيسي الذي يجب حله لإنجاز الثورة الديمقراطية (المسألة الزراعية) كان يتركز في الريف، بل وأيضا هناك كانت قوة الرجعيين أكثر ضعفا، وحيث يمكن للبروليتاريا قيادة الجماهير الشعبية وتأسيس السلطة السياسية والحفاظ عليها.

    يحاول خوجا أن يجعل الأمر يبدو كما لو أن ماو  يعلن تطويق المدن انطلاقا من الريف   كاستراتيجية  للانتصار في جميع البلدان. بل على العكس تماما: ماو أوضح أن نموذج ثورة أكتوبر، الانتفاضة في المدن، سيكون الطريق إلى السلطة في البلدان الإمبريالية. وعلاوة على ذلك، لم يقل ماو أبدا أن النضال الثوري لجميع البلدان التبعية والمستعمرة سيتطور على نفس الطريق كما في الصين. ففي البداية، كان يعتقد أن الصين هي البلد الوحيد التي سيؤدي فيها هذا الطريق إلى النصر، لأسباب عديدة حللها بتفصيل، مثل حقيقة أن الصين لم تكن مستعمرة بل شبه مستعمرة حيث مختلف القوى الإمبريالية المتنازعة تتنافس لأجل إخضاعها، وأن أراضي الصين الشاسعة كانت مواتية لمناورات القوى الثورية. ومع ذلك، فمن خلال تطور النضال الثوري، خصوصا في آسيا، ثبت بشكل قاطع أن خط ماو للحرب الشعبية، وتطويق المدن انطلاقا من الريف، وما إلى ذلك، ينطبق على العديد من البلدان الأخرى خارج الصين. رغم أن الطريق إلى السلطة لن يكون هو نفسه تماما في بلدين مختلفين، فمن الواضح على سبيل المثال، أن الكفاح المسلح في فييتنام قد تطور بشكل أساسي وفق المبادئ التي صيغت للمرة الأولى من طرف ماو.

    على الرغم من أنه من المؤكد أن طريق الحرب الشعبية، المتميزة بتطويق المدن انطلاقا من الريف، لن تكون الطريق الكوني لجميع بلدان آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، إلا أنه من المؤكد أيضا أنه على هذه الطريق انخرطت العديد من هذه الشعوب، والذي سوف يكون طريق النصر لكثير من هذه البلدان، إن لم يكن لمعظمها. إن معارضة من حيث المبدأ لخط ماو في الحرب الشعبية، هي معارضة الثورة في البلدان المضطهدة.

    يعلن خوجا أن:

    "لا تستطيع طبقة الفلاحين، البرجوازية الصغيرة، قيادة البروليتاريا في الثورة. التفكير وإعلان العكس، هو تعارض مع الماركسية ــ اللينينية. هنا تكمن إحدى المصادر الرئيسية لآراء ماو تسي تونغ المناهضة للماركسية، والتي كان لها تأثير سيء على الثورة الصينية بأكملها."  [18]

    بالطبع، لا يستطيع خوجا أن يقدم أي دليل على ادعائه بأن ماو كان يدعو إلى قيادة الطبقة العاملة من طرف الفلاحين. في الواقع، توضح أعمال ماو كلها بصورة جلية وجهة نظر معاكسة لذلك تماما، وقد تكررت وجهة النظر هذه حرفيا عشرات المرات في أعماله. كل ما يمكن أن يدعيه خوجا هو أنه منذ أن أوضح ماو أن عمل الحزب يجب أن يتركز في الريف، لأنه أدرك أن المسألة الزراعية تمثل التناقض الداخلي الرئيسي الذي يجب حله عبر الثورة الديمقراطية، فهذا يدل عند خوجا على أن ماو دعا إلى قيادة العمال من طرف الفلاحين.

    ماو كان محقا تماما عندما قال أنه:

    "في الصين شبه المستعمرة، لن تفشل الثورة إلا إذا حرم نضال الفلاحين من قيادة العمال، ولن تتضرر الثورة لِما أصبح عليه الفلاحون خلال نضالهم، أقوى من العمال". [19]

    إن القول بأن "قيادة" البروليتاريا تتطلب التخلي عن نضال الفلاحين أو خنقه، إلى أن تحدث انتفاضة للحركة العمالية، هو خيانة للثورة.

    في الواقع، خاض ماو صراعا مريرا لضمان ممارسة الإيديولوجية البروليتارية - الماركسية ــ اللينينية - هيمنتها في الحزب، لقد ناضل بدون توقف ضد جميع أنواع الانحرافات، البرجوازية والبرجوازية الصغيرة، التي تجلت في صفوف الحزب خلال مرحلتي الثورة، حيث قام بتحليل الانحرافات المختلفة، وأبرز أسسها الطبقية في المجتمع (تحليل يبدو أن خوجا، كما سنرى لاحقا، غير قادر تماما على القيام به فيما يتعلق بالصراع الطبقي في ظل الاشتراكية)، وتصديه للانحراف البرجوازي الصغير الفعلي وسط الحزب الشيوعي الصيني (الذي يمثله بشكل خاص وانغ مينغ، بطل خوجا الواضح). لقد أبدى ماو ملاحظات مهمة للغاية في مناقشتنا لوجهة نظر خوجا، وهذا المقطع يستحق ذكره بالكامل:

    "أولا: طريقة التفكير. بشكل عام، يتجلى أسلوب التفكير البرجوازي الصغير بشكل أساسي في الذاتية والأحادية عند التعاطي مع مشكلة ما، أي أنها (البورجوازية الصغيرة) لا تنطلق من منظور موضوعي وشامل لميزان القوى الطبقية، ولكنها تأخذ رغباتها وانطباعاتها الذاتية وأفكارها المجردة على أنها الواقع الفعلي، تأخذ جانبا واحدا على أنه كل الجوانب، وجزءا على أنه الكل، والشجرة على أنها الغابة. ونظرا لكونهم منفصلين عن عملية الإنتاج الفعلية، فإن المثقفين البورجوازيين الصغار لا يملكون سوى المعرفة التي يكتسبونها من الكتب، ويفتقرون إلى المعرفة العملية، وهكذا فطريقة تفكيرهم هي مناسبة للتعبير عن نفسها في الدوغمائية التي نوقشت أعلاه. والبرجوازيون الصغار المرتبطون بالإنتاج، على الرغم من امتلاكهم لبعض المعرفة الإدراكية، فهم يعانون من القيود التي تميز الإنتاج الصغير ــــ ضيق، عدم الانضباط، العزلة والمحافظة (conservatism) ـــ وهكذا فإن أسلوب تفكيرهم هو مناسب للتعبير عن نفسه في التجريبية التي نوقشت أعلاه.

    ثانياً: النزعة السياسية. تميل البرجوازية الصغيرة سياسيا إلى التأرجح بين "اليسار" واليمين، بسبب أسلوب حياتها وما يترتب عن ذلك من أسلوب تفكيرها الذاتي والأحادي الجانب. يتوق العديد من الثوريين البورجوازيين الصغار إلى انتصار فوري للثورة من أجل إحداث تغيير جذري في وضعهم الحالي. لذلك يعوزهم الصبر الضروري للجهود الثورية المطولة، فهم مهتمون بشدة بالعبارات والشعارات الثورية "اليسارية"، ويميلون في مشاعرهم وأفعالهم، إلى أن يصبحوا طائفيين أو مغامرين. لقد أدى هذا الاتجاه البرجوازي الصغير، الذي انعكس في الحزب، إلى ظهور أخطاء مختلفة لخط "اليسار" في المسائل التي نوقشت أعلاه، لا سيما في المهام الثورية، ومناطق القواعد الثورية، والتوجيه التكتيكي والخط العسكري.

    ولكن نفس الثوريين البرجوازيين الصغار، أو قسم آخر من الثوريين البورجوازيين الصغار، عندما يوضعون في ظروف مختلفة، يصبحون متشائمين ويائسين، ويعبرون عن مشاعر وآراء يمينية، تتعقب البرجوازية (في تبعية للبرجوازية).

    كانت حركة تشن تو هسيوي (Chen Tu-hsiu-ismـــــــ أي خط شن تو سيو) في الفترة الأخيرة من ثورة 1924-1927، وتشانغ كيو طاو (Chang Kuo-t’aoism أي خط شانغ كيو تاو، أو طاو) في الفترة الأخيرة من الثورة الزراعية، والفرار في الفترة المبكرة من المسيرة الطويلة، كلها انعكاسات داخل الحزب لمثل هذه الإيديولوجية البرجوازية الصغيرة اليمينية التافهة.

    وخلال حرب المقاومة ضد اليابان ظهرت من جديد الأفكار الاستسلامية .. تكشف إيديولوجية البرجوازية الصغيرة جانبها السيئ تحت وطأة الظروف المتغيرة في تأرجحها بين "اليسار" واليمين، وميلها نحو التطرف، والبهرجة من دون جوهر والانتهازية الماكرة، هي كلها انعكاسات في المجال الإيديولوجي للوضع الاقتصادي غير المستقر للبرجوازية الصغيرة." [20]

    وهكذا، نرى في هذا المقطع أن ماو، كان مدركا تماما لمشكلة الانحرافات عن الماركسية ـــ اللينينية داخل الحزب، وأنه (ماو) كشف أساسها الطبقي بوضوح. على سبيل المثال، وفي مقطع آخر من النص المقتبس أعلاه، يعالج (ماو) مسألة الأشخاص الذين ينحدرون من أصل برجوازي صغير والذين "انضموا إلى الحزب على المستوى التنظيمي، ولكن ليس على المستوى الإيديولوجي ولا بشكل أساسي، وهم غالبا ما يكونون لبراليين، إصلاحيين، فوضويين، بلانكيين متنكرين في مظهر الماركسيين ــ اللينينيين، لذلك هم غير قادرين على أن يقودوا إلى الانتصار، ليس فقط الحركة الشيوعية في صين الغد، ولكن حتى الحركة الديمقراطية الجديدة اليوم". وشدد (ماو) على ضرورة "تثقيفهم والنضال ضدهم بطريقة جادة وصحيحة وصبورة"، وإلا فإن هؤلاء الأشخاص سيحاولون "تشكيل خصائص الحزب، وخصائص طليعة البروليتاريا، على صورتهم الخاصة والاستيلاء على قيادة الحزب ..." [21]

    إن المشكلة التي تناولها ماو هنا، كانت بالطبع مشكلة خطيرة للغاية على المدى البعيد للحزب الشيوعي الصيني، وهي مشكلة ساهمت إلى حد كبير في انقلاب 1976، والاستيلاء على الحزب من طرف المسؤولين المنخرطين في الطريق الرأسمالي. من الواضح أن ماو قد أدرك هذه المشكلة في وقت مبكر جدا، وأنه بذل جهودا جدية لإيجاد الوسائل من أجل الحفاظ على الطابع البروليتاري للحزب.

    إنه خوجا، وليس ماو، هو من يصوغ خطا بورجوازيا صغيرا وليس خطا بروليتاريا فيما يتعلق بالثورة الصينية. إنه بالضبط الخط الذي لخصه ماو في النص أعلاه، الخط الذي يدعو، في الممارسة العملية، إلى نصر سريع وتقدم غير مدروس في فترة معينة من النضال، وعندما لا يفتح هذا على الفور "أفقا ملموسا" للانتصار، فإنه يدعو الشيوعيين إذن إلى التخلي عن قيادة الفلاحين، وأن يركزوا عملهم في المدن، وأن ينتظروا (بمعنى آخر أن يستسلموا!) إلى حين أن تسنح ظروف "أكثر ملائمة".

    الهوامش:

    [1]ـــ إنفير خوجا، الإمبريالية والثورة، ص 439 (تيرانا 1979) في النص المترجم إلى اللغة الفرنسية. {ملاحظة المترجم: أشار كاتب النص في الهامش الأول من الطبعة الأصلية باللغة الإنجليزية إلى طبعة كتاب "الإمبريالية والثورة" التي اعتمدها في عمله، حيث جاء الهامش 1 على الشكل التالي: "إنفير خوجا، الإمبريالية والثورة (نُشر في عدد من "الأممية البروليتارية، شيكاغو، 1979)، ص. 113. أستخدم هذا الإصدار من كتاب خوجا لأن السعر يتوافق بشكل كبير مع قيمته السياسية".}

    • ـــ ملاحظة المترجم: (شارع نيفسكي) وهو الشارع الرئيسي لمدينة "سانت بيترسبورغ"، يفوق طوله 4 كلم. وسمي بذلك على شرف "ألكسندر نيفسكي"، الشخصية الروسية المشهورة في العصور الوسطى، والتي أصبحت تتمتع بمكانة أسطورية بسبب الانتصارات العسكرية على الألمان... حيث كان حاكما على مدينة "نوفغورود". بعد انتصار الثورة البلشفية، تم تغيير اسم هذا الشارع حيث أطلق عليه "شارع 25 أكتوبر"، وبعد ذلك في سنة 1944، أعاد ستالين الاسم الأصلي للشارع.

    *ــ يحاول خوجا، كما يفعل القادة التحريفيون الصينيون، أن ينسبوا إلى ماو تطور نظرية "العوالم الثلاثة" الرجعية. يتناول الحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة الأمريكية، هذه القضية في مقالته: "استراتيجية العوالم الثلاثة: دعوة إلى الاستسلام"، في المجلة الشهرية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة الأمريكية، الثورة، لشهر نونبر 1978.

    هذه المقالة ليست موجهة، لا لتصور خوجا للوضع العالمي الراهن، ولا للتقارب الملحوظ بين وجهات نظر خوجا ومؤامرات الاشتراكيين-الإمبرياليين السوفيات.

    [2]ــ نفس المرجع، ص 114 ــ 115. (من الطبعة التي اعتمدت في النص الأصلي باللغة الإنجليزية، وفي النص باللغة الفرنسية ص. 443 ـــ 444).

    [3]ـــ ماو تسي تونغ، الأعمال الكاملة، المجلد الأول (بكين 1967)، ص. 22.

    [4]ــ ج. ستالين، "آفاق الثورة الصينية"، الأعمال الكاملة، المجلد الثامن (موسكو 1954)، ص. 385

    [5] ــ ستالين، "السمات السياسية للمعارضة الروسية" الأعمال الكاملة، المجلد العاشر (موسكو، 1954)، ص. 161.

    * ـــ يمكن العثور على نفس الأطروحة في عدة نقاط في كتابات ستالين حول الصين، وكذلك في قرارات الكومنترن بشأن الثورة الصينية. انظر على سبيل المثال، قرار الدورة الثامنة للجنة التنفيذية للأممية الشيوعية (CEIC) بشأن مسألة الصين (ماي، 1927) الذي ينص على: الثورة الزراعية، بما في ذلك مصادرة وتأميم الأراضي: هذا هو المحتوى الاجتماعي والاقتصادي الداخلي للمرحلة الجديدة من الثورة الصينية ... ويجب على الحزب الشيوعي أن يضع نفس على رأس هذه الحركة ويقودها (الأممية الشيوعية، 1919 ـــ 1943: نشر جين ديكراس (ed. Jane Degras)، المجلد الثاني: 1923 ـــ 1928 (لندن 1960)، ص. 386.) أو، مرة أخرى، قرار CEIC الصادر في يونيو 1930 بشأن المسألة الصينية: المسألة الزراعية هي أساس الثورة الصينية. تتطور الثورة في شكل حروب فلاحية بقيادة البروليتاريا (نفس المرجع، المجلد الثالث: 1929 ـــ 1943 (لندن، 1965)، ص. 120.) بالطبع، هذا لا يعني أن ستالين أو الكومنترن، كانا دائما على صواب في تحليلهم أو توصياتهم فيما يخص الثورة الصينية.

    [6]ـــ خوجا، نفس المرجع (ص. 114 النص الأصلي. و ص.440 ــ 441 من نص اللغة الفرنسية)

    [7]ــ ماو، "حول تكتيك مناهضة الإمبريالية اليابانية"، الأعمال الكاملة، المجلد الأول، ص. 188.

    * ــ نترك الأمر للقارئ ليقرر ما إذا كان المترجمون الألبان يستشهدون عن قصد بالنسخة الألبانية من أعمال ماو لأجل منع القارئ من مقارنة هذا العمل المشوش لـخوجا بالأصل، أم يتعلق الأمر فقط بطريقة غير مسؤولة للغاية في التعاطي مع مسألة بهذه الأهمية. على أي حال، هذه الطريقة تجعل من المستحيل عمليا على معظم القراء العودة إلى الأصل، خاصة وأن المقالات الموجودة في الأعمال المختارة لماو لم يتم الاستشهاد بها.

    [8] ــ خوجا، مرجع سابق، ص. 441.

    [9]ــ ماو، "الديمقراطية الجديدة"، الأعمال الكاملة، المجلد الثاني (بكين 1967)، ص. 383.

    *ــ بالطبع، من الممكن أن يكون خوجا قد تعمد التشهير بماو. على كل حال، من الواضح أن الثورة بألبانيا تنتمي إلى نوع الثورات ذات مرحلتين. وأن حزب العمل الألباني، وفقا لتاريخه الرسمي، يبدو أنه يفهم هذه المسألة جيدا، مشيرا إلى أن الثورة الألبانية كانت في البداية "ثورة ديمقراطية مناهضة للإمبريالية"، وتطورت فيما بعد إلى ثورة اشتراكية، وموضحا أنه "... في المرحلة الأولى من الثورة كان الهدف الاستراتيجي للحزب هو ضمان الاستقلال الوطني وإقامة نظام ديمقراطي شعبي..." (تاريخ حزب العمل الألباني (تيرانا 1971)، ص. 292. بالإضافة إلى ذلك، فإن خط الحزب الألباني بعد تحرير ألبانيا يُوضَّحُ على النحو التالي:

    "في ظل الظروف الجديدة، أطلق الحزب الشيوعي لألبانيا شعار الوحدة الوطنية. هذه الوحدة، عليها أن تشمل، إلى جانب الجماهير الشعبية العريضة التي شاركت بنشاط في نضال التحرير الوطني، كل أولئك الذين ابتعدوا عن هذا النضال أو الذين خدعهم القادة الرجعيون، لكنهم يستطيعون الآن تقديم مساهمتهم في بناء المجتمع الجديد" (نفس المرجع، ص. 268.).

    ألا تبرهن هذه المقولة، بوضوح كاف، تعزيز مرحلة بعيدة كل البعد عن الاشتراكية؟ في الواقع، قد يكون هذا خطا سليما للحزب الشيوعي الألباني (كما كان يطلق عليه في ذلك الوقت). صحة مثل هذا الخط ليست موضع تساؤل هنا (على الرغم من أن الحزب الألباني اعترف بنفسه أنه ارتكب خلال هذه الفترة سلسلة من الأخطاء اليمينية) (نفس المرجع، ص282-283, 340-341.)، المهم هنا، هو أن خوجا لعب دورا رئيسيا في ثورة ذات مرحلة ديمقراطية واضحة، مرحلة، وفق تقدير خوجا والحزب في ذلك الوقت، ستستمر لفترة طويلة بعد الاستيلاء على السلطة، ومع ذلك، فهو يتهم ماو الآن بارتكاب نوع من الهرطقة بتطويره لنظرية الثورة الديمقراطية الجديدة. نشك هنا بالأحرى، أنها حيلة أكثر منها حيرة من جانب خوجا.

    [10]ــ خوجا، مرجع سابق، (المرجع الأصلي، ص. 48 ــ 49. المرجع الفرنسي، ص. 184.)

    [11] ــ ستالين، "الثورة في الصين ومهمات الأممية الشيوعية"، الأعمال، المجلد التاسع (موسكو 1954)، ص. 297.

    [12] ــ ماو، "الديمقراطية الجديدة"، مرجع سابق، ص. 368.

    [13] ــ نفس المرجع، ص. 371 ــ 372.

    [14] ــ خوجا، مرجع سابق، ص. 65. (مرجع النص الفرنسي، ص. 247 ــ 248).

    [15]ــ انظر الجزء الثاني من سلسلة المساهمات الخالدة لماو تسي تونغ، بعنوان "الحرب الثورية والخط العسكري". تم نشر هذا المقال في مجلة "Revolution" في يونيو 1978، وتم نشر السلسلة منذ ذلك الحين في شكل كتاب (RCP Publications، Chicago، 1979).

    [16]ــ ستالين، "آفاق الثورة الصينية" الأعمال الكاملة، المجلد الثامن، ص. 379.

    [17]ــ ماو، "حول تكتيك مناهضة الإمبريالية اليابانية"، الأعمال الكاملة، المجلد الأول، ص. 160 في المرجع الأصلي (في مرجع النص الفرنسي ص. 177.).

    [18]ــ خوجا، مرجع سابق، ص. 115. (مرجع النص الفرنسي، ص 445.).

    [19]ــ ماو، "رب شرارة أحرقت سهلا"، الأعمال المختارة، المجلد 1، ص. 123. في النص الفرنسي، ص. 135. (يعرض ماو ويؤيد رسالة من لجنة الجبهة إلى اللجنة المركزية).

    [20]ــ المؤلفات المختارة، المجلد 3 (بكين، 1965)، ص. 215-217. ("قرارات بشأن بعض الأسئلة المتعلقة بتاريخ حزبنا"؛ نُشر هذا المقال كملحق لمقال ماو "دراستنا والوضع الحالي" - في النسخة التي نُشرت باللغة الإنجليزية عام 1965). (إضافة المترجم: في هذا المقطع، وبعد كلمة "الاستسلامية..."، يجد القارئ نقط الحذف، وهي تعوض الفقرة التالية: "بشكل عام، فالأخطاء "اليسارية" قد تنتج بشكل أكبر في الفترات التي يكون فيها انفصال بين البرجوازية والبروليتاريا (على سبيل المثال، سيطرة الخط "اليساري" على قيادة الحزب بما لا يقل عن ثلاث مرات خلال فترة الثورة الزراعية)، بينما الأخطاء اليمينية فتكون إمكانية حدوثها أكثر في الفترات التي يوجد فيها تحالف بين البرجوازية والبروليتاريا (على سبيل المثال، في الفترة الأخيرة من ثورة 1924-1927 وفي الفترة الأولى من حرب المقاومة ضد اليابان). لكن سواء كانت "يسارية" أو يمينية، فإن هذه الاتجاهات لا تفيد الثورة، بل تنفع فقط الثورة المضادة".)

    [21]ــ نفس المرجع.

    ـــ ــــ ــــ

    يتبع بحلقة ثانية، وهي تضم المحاور التالية:

    2 ــــ 1 ـــ ماو، الكومنترن، اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية وستالين

    2 ـــ 2 ـــ ماو، ستالين وخروتشوف