Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الشرارة - Page 28

  • بناء الاشتراكية في الصين

    بعد نشره للحلقة الأولى بمحورين: 1 ـــ مقدمة. 2 ـــ إنفير خوجا ومسار الثورة الصينية، والحلقة الثانية التي تضمنت: 2 ـــ 1: ماو، الكومنترن، اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية وستالين، 2 ــــ 2: ماو، ستالين وخروتشوف، يقدم موقع الشرارة الماركسي ــ اللينيني الحلقة الثالثة من الترجمة العربية لنص:

    Beat Back the Dogmato-Revisionist Attack on Mao Tsetung Thought

    Comments on Enver Hoxha’s Imperialism and the Revolution

    لكاتبه ج. وارنر (J. Werner)، وهي تتضمن المحور الثالث:

    3: بناء الاشتراكية في الصين.

    ـــــ ـــــ ــــ

    الرد الحاسم على الهجمة العقائدية ـــ التحريفية

    ضد فكر ماو تسي تونغ

    تعليقات حول "الإمبريالية والثورة" ل "إنفير خوجا"

    ج. وارنر

    ("الشيوعي" ــــ عدد 5، ماي 1979)

    ترجمه إلى اللغة العربية: حمو العبيوي

    3 ـــ بناء الاشتراكية في الصين

    من الصعب تقديم نقد شامل وعميق لتحليل خوجا لتطور الاشتراكية في الصين (أو غياب مثل هذا التطور)، بالنظر إلى أن هذا القسم من عمله، هو مليء بالانتقائية والهجمات الرخيصة والتزييف المتعمد. ويبدو أن أطروحته الأساسية هي أن "الثورة الصينية ظلت ثورة ديمقراطية بورجوازية ولم تتطور إلى ثورة اشتراكية"[1].

    جوهر حجة خوجا هو ادعائه أن البروليتاريا تحت قيادة ماو "تقاسمت السلطة" مع البرجوازية الوطنية. خوجا يصرح:

    "لا يمكن تحقيق الانتقال من الثورة الديمقراطية البرجوازية إلى الثورة الاشتراكية إلا عندما تقوم البروليتاريا بطرد البورجوازية بحزم من السلطة ومصادرتها. ما دامت الطبقة العاملة في الصين تتقاسم السلطة مع البرجوازية، واحتفظت هذه الأخيرة بامتيازاتها، فإن السلطة التي تم تأسيسها هناك، لا يمكن أن تكون سلطة البروليتاريا، وبالتالي لا يمكن أن تتحول الثورة الصينية إلى ثورة اشتراكية" [2].

    عندما نجح جيش التحرير الشعبي عام 1949 في سحق الكومينتانغ وإحراز انتصار على الصعيد الوطني، كان الأساسي في الثورة الديمقراطية قد اكتمل في معظمه. واعتبر ماو، محقا، أن جميع فئات الشعب التي ناهضت الإقطاع والإمبريالية، والمؤيدة لنظام اجتماعي قائم على مصالح الطبقة العاملة وتحالف العمال والفلاحين، يجب أن تتمتع بالحقوق في الدولة الجديدة.

    في الظروف الملموسة للصين، كان هذا المبدأ يعني أن أقساما من البورجوازية - ولا سيما البورجوازية الوسطى أو الوطنية - التي تتناسب مع هذه المعايير، يجب أن تُدرج في الديكتاتورية الديمقراطية التي تقودها البروليتاريا، ولم تكن تلك الأٌقسام من البورجوازية في ذلك الوقت على الأقل، هدفا لمثل هذه الديكتاتورية.

    كان هذا التحليل متوافقا تماما مع خط ماو الأساسي - والصحيح - بشأن طبيعة الثورة الصينية، وأهدافها، والقوى المحركة لها، وحلفائها مهما كانت متذبذبة.

    في الوقت نفسه (مارس 1949) وضع ماو السياسة الأساسية التي يجب أن تتبعها الحكومة الجديدة من أجل تحقيق الانتقال إلى الثورة الاشتراكية. وهذا حتى قبل أن يتحقق النصر على المستوى الوطني. أعلن ماو بوضوح أن:

    "بعد القضاء على الأعداء المسلحين، سيظل هناك أعداء غير مسلحين، ومن المؤكد أنهم سيخوضون قتالا مستميثا ضدنا، فيجب علينا ألا ننظر إلى هؤلاء باستخفاف...

    على من نعتمد في قيادة نضالنا في المدن؟ يعتقد بعض رفاقنا ذووا الأفكار المشوشة ألا نعتمد على الطبقة العاملة، بل على جماهير الفقراء، ويعتقد رفاق أخرون ذووا أفكار أكثر تشوشا أنه يجب علينا الاعتماد على البرجوازية.... يجب علينا أن نعتمد بكل إخلاص على الطبقة العاملة، ونتحد مع بقية الجماهير الكادحة، ونكسب المثقفين، ونجتذب إلى جانبنا أكبر عدد ممكن من أفراد البرجوازية الوطنية وممثليهم، الذين يمكنهم أن يتعاونوا معنا، أو نجعلهم يقفون موقف الحياد، حتى نتمكن من خوض صراع حازم ضد الإمبرياليين والكيومنتانغ والبرجوازية البيروقراطية، وقهر هؤلاء الأعداء خطوة بخطوة." [3]

    استندت هذه الإستراتيجية للنهوض بالثورة إلى الظروف الملموسة للصين، حيث لا تمثل فيها الصناعة الحديثة إلا 10٪ فقط من إنتاج الاقتصاد الوطني، بينما تمثل الزراعة والحرف اليدوية 90٪. أشار ماو إلى أن وجود صناعة حديثة يسمح أساسا للطبقة العاملة بقيادة الثورة ومتابعة البناء الاشتراكي، ولو أن الوضع يتطلب مشاركة البرجوازية الوطنية في الاقتصاد، بل وحتى أن تلعب دورا معينا في الدولة. أشار ماو إلى أن:

    "وترتب على ذلك أن شهدت الصين طبقتين جديدتين وحزبين سياسيين جديدين، البروليتاريا والبورجوازية، الحزب البروليتاري والحزب البورجوازي. إن البروليتاريا وحزبها قد تصلب عودهما جراء اضطهادهم من طرف عدة أعداء، وأصبحا مؤهلين لقيادة ثورة الشعب الصيني، ومن يتغاضى عن هذه النقطة أو يقلل من شأنها فإنه سيرتكب أخطاء الانتهازية اليمينية." [4]

    يواصل ماو قوله:

    "إن صناعة الصين الحديثة ممركزة للغاية، رغم أن قيمة إنتاجها لا تشكل إلا حوالي 10 بالمائة من مجمل قيمة الإنتاج الوطني، إذ أن القسط الأكبر والأهم من الرأسمال ممركز في أيدي الإمبرياليين وخدامهم البرجوازيين البيروقراطيين الصينيين. إن مصادرة هذا القسط وتحويله إلى ملكية الجمهورية الشعبية التي تقودها البروليتاريا سوف يمكنان هذه الجمهورية من السيطرة على عصب الاقتصاد في البلاد، ويجعل من اقتصاد الدولة القطاع القيادي في الاقتصاد الوطني كله. إن هذا القطاع من الاقتصاد ذو طابع اشتراكي لا رأسمالي، ومن يتغاضى عن هذه النقطة، أو يقلل من شأنها، فإنه سيرتكب أخطاء الانتهازية اليمينية." [5]

    إن الاتجاه الذي سعى فيه ماو لدفع الثورة إلى الأمام نحو الاشتراكية، لم يكن مجرد "صيغة" كما يدعي خوجا، بل كان في الواقع مبنيا على الحقائق الفعلية للصين ومدعوما بمنظور واضح لكيفية بدء عملية التحول الاشتراكي للاقتصاد. في نفس الوقت، أدرك ماو أن هذا التحول لا يمكن أن يتحقق بضربة واحدة، فلا تزال قطاعات ضخمة من الزراعة والحرف اليدوية في الاقتصاد، التي لا يزال للرأسماليين فيها دورا معينا يلعبونه، وهو ما حال دون القضاء عليهم على الفور. يعلل ماو ذلك:

    "في هذه الفترة يجب السماح لجميع العناصر الرأسمالية في المدن والأرياف، والتي ليست ضارة بل مفيدة للاقتصاد الوطني، أن تبقى وتتطور. هذا ليس أمرا لا مفر منه فحسب، ولكنه ضروري اقتصاديا أيضا. لكن لا يمكن أن نترك الرأسمالية تبقى وتتطور في الصين كما هو الحال في البلدان الرأسمالية حيث تطغى بدون قيود. إن الرأسمالية في الصين سوف تقيد من عدة نواح، من نواحي نطاق نشاطها والسياسة الضريبية وأسعار السوق وظروف العمل.... إن سياسة تقييد الرأسمالية الخاصة سوف تصطدم حتما بمقاومة على درجات متفاوتة وفي أشكال مختلفة، وخاصة مقاومة كبار مالكي المؤسسات الخاصة، أي كبار الرأسماليين. إن التقييد ومقاومة التقييد سيكونان الشكل الرئيسي للصراع الطبقي في الدولة الديمقراطية الجديدة. [أي أثناء الانتقال إلى الاشتراكية - JW]. [6]

    هذه هي السياسة التي، حسب خوجا، أعطت الأولوية لتطور الرأسمالية!

    واستباقا لتساؤل القارئ عن كيفية ربط خوجا نقده لماو في السنوات الأولى للجمهورية الشعبية، مع السياسة الاقتصادية الجديدة المشهورة للينين في السنوات الأولى للجمهورية السوفياتية بعد الحرب الأهلية، يقتبس خوجا مقولة للينين، الذي قال:

    "لا يوجد أي خطر على الدولة البروليتارية طالما أن البروليتاريا متمسكة بحزم بالسلطة، وطالما أنها تحتفظ بقوة على النقل والصناعة الكبيرة" [7]

    خوجا يعلق إذن:

    "في الصين، ليس في عام 1949 أكثر مما كان عليه في عام 1956، عندما أيد ماو تسي تونغ هذه الأطروحات، لم يكن للبروليتاريا، في الواقع، لا السلطة ولا الصناعة الكبيرة في يديها.

    من ناحية أخرى، اعتبر لينين السياسة الاقتصادية الجديدة سياسة مؤقتة فرضتها الظروف الملموسة لروسيا آنذاك، التي دمرتها الحرب الأهلية الطويلة، وليس كقانون عام للبناء الاشتراكي. والحقيقة أنه بعد مرور عام على إعلان السياسة الاقتصادية الجديدة، أشار لينين إلى أن التراجع قد انتهى، وأطلق شعار يدعو إلى التحضير للهجوم على رأس المال الخاص في الاقتصاد. بينما في الصين، كان من المتوقع أن يستمر الحفاظ على الإنتاج الرأسمالي إلى أجل غير مسمى. وفقا لوجهة نظر ماو تسي تونغ، كان من المفترض أن يكون النظام الذي نشأ في الصين بعد التحرير نظاما ديمقراطيا بورجوازيا، ولن يكون الحزب الشيوعي الصيني في السلطة إلا في المظهر. هذا هو "فكر ماو تسي تونغ"." [8]

    إنها خلطة خوجية نموذجية من التشويهات والأكاذيب! أولا، كانت السلطة السياسية، فضلا عن النقل والقطاعات الرئيسية للصناعة الكبرى، في أيدي البروليتاريا فور التحرير سنة 1949. ولعبت البروليتاريا والحزب الشيوعي الدور القيادي في الدولة. أما بالنسبة لادعاء خوجا بأن النقل والصناعة الكبرى لم تكونا في أيدي البروليتاريا، فمن الواضح أن خوجا يعتقد أنه إذا تخيل شيئا ما مثل هذه الأوهام ووضعه في كتابه، فسيقبله الجميع دون تمييز ... كالحقيقة. قد يكون هذا صحيحا بالنسبة ل "الأممية" الجديرة بالشفقة التي يحاول أن يشكلها حوله، لكن مثل هذه الأوهام لن يقبلها الماركسيون ـــ اللينينيون الحقيقيون أبدا.

    الأمر الأكثر تسلية هنا هو أن خوجا شدد على عبارة "سياسة مؤقتة مفروضة بشروط ملموسة" في روسيا، لأن الظروف في الصين كانت أقل ملاءمة بكثير للمصادرة الفورية لملكية البرجوازية بأكملها. كانت الصين، كما أشرنا من قبل، أكثر تخلفا بكثير من روسيا، حيث تعرضت للدمار، ليس فقط بسبب سنوات قليلة من الحرب الأهلية، ولكن أيضا بسبب ثلاثة عقود من الحرب، بالإضافة إلى الخراب، الخنق والركود الذي فرضته الإمبريالية والإقطاع. فهذه هي الظروف الملموسة التي دفعت ماو إلى تبني هذه السياسات.

    أما بالنسبة لملاحظة خوجا البارعة بأن لينين لم ينظر إلى السياسة الاقتصادية الجديدة على أنها "قانونا عاما للبناء الاشتراكي" (كما لو كان ماو قد رآها بهذه الطريقة) وادعائه بأن ماو "تصور أن يستمر الإنتاج الرأسمالي إلى أجل غير مسمى"، يمكننا فقط تذكير خوجا بتعليق للينين وجهه ضد مجادل بارع مثل خوجا نفسه (أي كاوتسكي)، يقول لينين: إن إسناد موقف خاطئ بشكل صارخ للخصم ثم دحضه، هو أسلوب أناس غير بارعين. ودعونا نضيف أنها طريقة بعيدة كل البعد عن الماركسية!

    سنتحدث بشكل كامل في الصفحات التالية عن نظرية ثورة الديمقراطية الجديدة في الصين، ومع ذلك يمكننا بالفعل أن نرى أنه حتى في المراحل الأولى لجمهورية الصين الشعبية، في الفترة التي كان لابد من التركيز فيها على تعزيز الانتصار على الإمبريالية، وعلى ملاك الأراضي، وعلى الرأسماليين الصينيين الكبار المرتبطين بهم، كان ماو يتخذ بالفعل الخطوات اللازمة لضمان أن يكون مستقبل الصين اشتراكيا وليس رأسماليا. أي أن ماو اتخذ تدابير اشتراكية محددة لضمان أن يكون العامل الرئيسي للاقتصاد هو قطاع ملكية الدولة الاشتراكي، وكان الأهم من ذلك هو النضال المرير الذي كان يخوضه ماو داخل الحزب، لتوضيح تجاه الثورة الصينية وتمهيد الطريق الضرورية لها، ولإعداد الجماهير للنضال القادم.

    بالفعل في وقت مبكر من عام 1952، بدأ ماو ينتقد بشدة نظرية "القاعدة الاقتصادية المركبة"، وهو الخط الذي دافع عنه وروج له ليو تشاو تشي (Liu Shao-chi)، والذي بموجبه سيكون اقتصاد الصين مزيجا متناغما من الصناعة الاشتراكية، والصناعة الخاصة والاقتصاد الفلاحي.

    بينما أشار ماو بشكل صحيح، إلى أنه لا يمكن التخلص من جميع عناصر الرأسمالية في المدينة والريف دفعة واحدة، وأن بعضها سيستمر لفترة طويلة نسبيا، حيث أوضح أن الانتقال إلى المجتمع الاشتراكي قد بدأ، وأن محاولة "تعزيز" نظام الديمقراطية الجديدة من شأنه أن يزج الصين في الطريق الرأسمالي. على مستوى النظرية، عبر ماو عن هذه الحقيقة في إعلانه الصادر في يونيو 1952:

    "مع الإطاحة بطبقة ملاك الأراضي والطبقة البيروقراطية الرأسمالية، أصبح التناقض بين الطبقة العاملة والبورجوازية الوطنية هو التناقض الرئيسي في الصين، لذلك لا ينبغي بعد الآن تعريف البرجوازية الوطنية على أنها طبقة وسطى" [9]

    وهكذا أشار ماو بوضوح إلى أن البرجوازية الوطنية كانت هدفا للثورة الاشتراكية. هل يعني ذلك إذن، أنه يمكن مصادرة كل الممتلكات البرجوازية على الفور، أو أنه يمكن تجريد البرجوازية من حقوقها السياسية بضربة واحدة؟ بالطبع لا، لأن واقع الاقتصاد الصيني ما زال يتطلب مشاركة أقسام معينة من البورجوازية فيه، وحشد الجماهير وكسبها لمواصلة الثورة الاشتراكية إلى أبعد من ذلك، وإطلاق العنان لحركة الفلاحين الفقراء وخاصة الأقل فقرا من أجل تحقيق الزراعة الجماعية، كما يجب على معظم المثقفين أيضا، الذين كانوا إلى حد كبير مرتبطين بالبرجوازية الوطنية، أن ينضموا إلى خدمة البروليتاريا.

    مرة أخرى، تعد كلمات ماو أكثر إفادة للقارئ من التوصيف الذي يقوم به خوجا:

    "يجد البعض أن الفترة الانتقالية طويلة جدا، ويظهرون نفاذ صبرهم، إنهم على وشك الوقوع في خطأ الانحراف "اليساري". ّوآخرون، على العكس، راوحوا مكانهم منذ انتصار الثورة الديمقراطية. لم يفهموا أن طابع الثورة قد تغير، واستمروا في ممارسة "ديمقراطيتهم الجديدة" بدلا من التعامل مع التحول الاشتراكي، وهؤلاء على وشك الوقوع في خطأ الانحراف اليميني...

    "ترسيخ نظام المجتمع الديمقراطي الجديد بحزم." هذه الصيغة ضارة. خلال الفترة الانتقالية، هناك تغييرات تحدث باستمرار، وتظهر العوامل الاشتراكية كل يوم، فكيف يمكننا إذن "ترسيخ نظام المجتمع الديمقراطي الجديد"؟

    إن الفترة الانتقالية مليئة بالتناقضات والصراعات. إن نضالنا الثوري الحالي هو أعمق حتى من النضال الثوري المسلح القديم. إنها ثورة ستدفن بشكل نهائي النظام الرأسمالي وجميع أنظمة الاستغلال الأخرى. إن فكرة "ترسيخ نظام المجتمع الديمقراطي الجديد" تتعارض مع واقع النضال، إنها تعيق تطور القضية الاشتراكية.

    "الانتقال من الديمقراطية الجديدة نحو الاشتراكية"، هذه صياغة غامضة، نحن فقط "نتحرك نحو الهدف ..." نحن "نتقدم" نحوه عاما بعد عام، وما زلنا نتحرك نحوه، في غضون خمسة عشر عاما هل ستظل مسألة "التوجه نحو..."؟ مجرد "التحرك نحو ..."، تعني ببساطة عدم بلوغ الهدف. تبدو هذه الصياغة مقبولة للوهلة الأولى، ولكن عند التمحيص الدقيق، ندرك أنها ليست جيدة." [10]

    يُظهر هذا التصريح، المكتوب في عام 1953، مدى صحة ما قاله ماو عن أن الثورة الاشتراكية قد بدأت بالفعل، وهو ما يتعارض بشكل مباشر مع توصيف خوجا لها. لذلك يمكننا أن نرى أن ادعاء خوجا بأن ماو دعا إلى إقامة "نظام بورجوازي ديمقراطي" "بعد التحرير" هو مرة أخرى نقيض الحقيقة. فبعد تحرير الصين، اعتبر ماو "نظام" الديموقراطية الجديدة بمثابة انتقال إلى الاشتراكية، وتتميز أساسا بالموقع القيادي للبروليتاريا بالتحالف مع قوى تقدمية أخرى (كما كان بالفعل وإن بشكل مختلف نوعا ما في روسيا)، وخاصة جماهير الفلاحين (المزيد حول هذا لاحقا). علاوة على ذلك، فإن أي شخص لديه أي معرفة بالثورة الصينية، يعرف جيدا أنه بين عامي 1952 و1956، قاد ماو والحزب الشيوعي الصيني صراعا شديدا وعلى مستوى هائل، نتج عنه أن الصينيين أنجزوا الأساسي من القاعدة الاقتصادية الاشتراكية.

    كان أحد الإنجازات الرئيسية لهذه الفترة، النضال الهائل الذي خيض في الريف، بهدف تحويل الملكية الخاصة للاقتصاد الفلاحي (الذي ميز مجال الزراعة) إلى نظام ملكية اشتراكية. حيث قاد ماو الفلاحين لتجاوز "فرق الدعم" البدائية التي تم إنشاؤها خلال الحرب الأهلية في قواعد الدعم بعد الانتهاء من الإصلاح الزراعي والتي انتشرت في جميع أنحاء الصين بعد الانتصار في عام 1949. احتوى "الدعم المتبادل" بداخله على عناصر من المستقبل الاشتراكي، ولكنه لم يكن كافيا لتغيير جذري في علاقات الملكية القديمة، حيث ظلت الملكية الخاصة للأرض كما هي. كافح ماو لقيادة الفلاحين من أجل إنشاء تعاونيات أكثر تطورا، وإتمام إنشاء المزارع الجماعية (collectivisation) الأساسية، ثم المرور بسرعة إلى تشكيل كومونات شعبية ضخمة، والتي تمثل الشكل الأساسي لنظام الملكية الاشتراكية في الريف، وذلك لفترة طويلة، إلى أن يتيح تطور القوى المنتجة وتعميق الوعي الاشتراكي للفلاحين قفزة يمكن من خلالها إنشاء مزارع الدولة حيث سيصبح الفلاحون عمالا بأجر.

    من أجل قيادة هذه المعركة الكبرى حتى النهاية، كان على ماو أن يقاتل بضراوة ضد اليمينيين داخل الحزب الذين طالبوا بـ "المكننة أولا، التعاونية بعد ذلك"، حيث استشهدوا، لتعزيز أطروحتهم، بمثال الاتحاد السوفيتي (الذي لم تكتمل فيه المزارع الجماعية إلا في أوائل الثلاثينيات). أوضح ماو أن تأخير المزارع الجماعية إلى حين أن تستطيع القاعدة الاقتصادية الضعيفة للصين أن توفر الجرارات وكل ما يلزم لمكننة الزراعة، سيكون كارثة للثورة. بعد إنجاز الإصلاح الزراعي تطور الاستقطاب بين الفلاحين بسرعة، وتمكن بعض الفلاحين من العيش بشكل جيد، بينما ظل البعض الآخر فقيرا نسبيا. فأشار ماو إلى أنه إذا تم السماح لهذا الوضع بالتطور بدون قيود، فسيؤدي إلى تدمير تحالف العمال والفلاحين، وهو التحالف الذي شكل حجر الأساس للثورة الصينية خلال مرحلة الديمقراطية الجديدة، وكذلك خلال المرحلة الاشتراكية (على الرغم من أن تحالف المرحلة الاشتراكية هو على مستوى أعلى).

    في المدن، تم تحويل المؤسسات الرأسمالية الصناعية الحكومية (التي، كما أشرنا سابقا، لم تشكل أبدا العامل المهيمن في الصناعة بجمهورية الصين الشعبية)، وكذلك الشركات المختلطة، المشتركة بين الدولة والخواص، إلى ملكية اشتراكية للدولة. وتجدر الإشارة إلى أنه في كثير من الحالات حصل الملاك السابقون لهذه الشركات على فائدة ثابتة على الممتلكات التي تمت مصادرتها منهم، وهو ما يمثل في الواقع شكلا من أشكال استغلال القوى العاملة.

    استندت هذه السياسة على عدة عوامل: أولا، بسبب خصوصية المرحلة الديمقراطية الطويلة نوعا ما للثورة الصينية، كان هناك العديد من أعضاء البورجوازية الوطنية الذين قبلوا ببعض التحولات. وبينما يسعى ماو إلى تصفية البرجوازية كطبقة، أدرك مزايا تكتيكية معينة في عدم اعتبار كل فرد برجوازي على أنه عدو شديد للثورة. ثانيا، كانت خبرة البورجوازية لا تزال مطلوبة وضرورية لتشغيل بعض المصانع، إلخ... وهذه السياسة لا تكاد تختلف عن سياسة لينين المعروفة والمتمثلة في "رشوة" التقنيين والمديرين من الطبقة الرأسمالية القديمة للعمل لصالح الدولة السوفياتية، وهي سياسة استمرت حتى الثلاثينيات من القرن الماضي، وكانت تمثل حلا وسطا وتسوية ضرورية [11].

    إن واقع استمرار دفع الفائدة لعدة سنوات بعد التحول الاشتراكي للصناعة، استخدمه خوجا وآخرون للإصرار على أنه لم يحدث تحول اشتراكي حقيقي على الإطلاق بالصين، إن هذا الأمر يمثل تحريفا بشعا للواقع.

    بمجرد أن يتم تأميم وسائل الإنتاج التي كانت في أيدي البورجوازية الوطنية، لم يعد من الممكن اعتبارها مؤسسات أو مشاريع رأسمالية، فالمصانع أصبحت إذن مملوكة للشعب بأكمله في شكل ملكية الدولة. لقد استندت مستويات الإنتاج والتخطيط على الاحتياجات الاجتماعية الشاملة كما وردت في خطط الدولة، وليس على أساس إملاءات أو متطلبات السوق، ولا على أساس الحاجة إلى الربح. لم يكن باستطاعة المالكين السابقين بيع أو نقل ممتلكاتهم السابقة تحت أي ظرف من الظروف، ولا يمكن إعادة استثمار المبلغ الضئيل للفائدة التي تلقوها على ممتلكاتهم السابقة كرأس مال، وبالمثل، حتى في تلك المصانع التي تم فيها الاحتفاظ بالمالكين القدامى بشكل أو بآخر، من أجل ممارسة بعض الوظائف، لم تعد لديهم الكلمة الحاسمة ولم يعودوا يحددون ظروف العمل ولا قواعد العمل وما إلى ذلك... لا يمكن لفرد واحد أن يستحوذ بشكل خاص على إنتاج القوى العاملة. باختصار، لم تكن هناك علاقات رأسمالية في القطاع الصناعي.

    من الواضح أن الفوائد التي يحصل عليها الرأسماليون أتت من قوة عمل الطبقة العاملة، وهي تمثل في الواقع شكلا من أشكال الاستغلال. وبالمثل، عندما يستورد بلد اشتراكي سلعا رأسمالية من البلدان الإمبريالية ويتعين عليه دفع فوائد (بشكل أو بآخر)، فإن هذا يمثل أيضا شكلا من أشكال الاستغلال الإمبريالي. ومع ذلك، فالدوغمائيين والماديين الميكانيكيين هم وحدهم من يدعون (كما يفعل خوجا) أن بلدا اشتراكيا، كبيرا كان أو صغيرا، لا يجوز له أبدا أن يسمح بالاقتراض من الدول الإمبريالية. هذا الأمر يتعارض بشكل مباشر مع سياسة لينين الذي وافق على مثل هذه الاتفاقيات عندما كانت الظروف ملائمة، وبالمثل، من المعروف أن ستالين استورد العديد من المصانع الكاملة من الشركات الغربية (بما في ذلك شركة Ford Motor Company).(إن سياسة ستالين هذه يجب انتقادها بدلا من محاكاتها، ومع ذلك، فإن ذروة النفاق هي التي يتظاهر بها خوجا، هنا كما في أي مكان آخر، بدعمه ستالين من أجل معارضة ماو، بينما يغض الطرف عن ممارسة ستالين الفعلية عندما يكون ذلك مناسبا لأهدافه. بالإضافة إلى ذلك، فيما يتعلق بالسؤال العام المطروح حول جواز اتفاقيات القروض وما شابه ذلك في ظروف معينة، فإن ستالين كان على حق، وليس خوجا).

    الهدف من هذه الإشارة، هو للتأكيد على حقيقة أنه حتى عند ترسيخ علاقات الإنتاج الاشتراكية، فقد تظل هناك بقايا لعلاقات هي في الواقع رأسمالية، كحالة هذا المثال على دفع الفوائد. كانت هذه المسألة برمتها حول وجود العناصر الرأسمالية حتى داخل النظام الاشتراكي، مسألة، كما سنرى لاحقا، كرس ماو الكثير من الاهتمام الجدي لحلها. وهو أيضا مجال خاض فيه ماو مرة أخرى صراعا طبقيا قويا ضد المستغِلين.

    وكما هو معروف أيضا (على الرغم من أن خوجا يبدو أنه "نسي") أن سياسة دفع الفوائد للمالكين القدامى قد ألغيت تماما خلال الثورة الثقافية. أليس لهذا السبب يشوه القادة الصينيون الحاليون سمعة "الأربعة" (وفي الواقع ماو)، متهمين إياهم "بإساءة معاملة البرجوازية الوطنية"، ويطالبون بإعادة كل الممتلكات إلى هذه البرجوازية الوطنية؟ وإعادة دفع الفوائد؟ هذا إلى جانب الانفتاح السريع وتعريض الصين على نطاق واسع للاستغلال الإمبريالي الحقيقي!

    وبطبيعة الحال، فإن هذا النوع من التحول في القاعدة الاقتصادية الذي تم تنفيذه خلال السنوات الأولى للجمهورية الشعبية لا يمكن تحقيقه دون صراع شرس في البنية الفوقية، أي في مؤسسات الدولة، في الحزب، وفي مجالات التعليم والثقافة، وفي مجال الإيديولوجيا بشكل عام. وقد ثبت صحة توقع ماو بأن "تقييد أو عدم تقييد الرأسمالية" سيكون الشكل الرئيسي للصراع الطبقي في الجمهورية الشعبية التي تم إنشاؤها حديثا. إن العديد من القوى البرجوازية التي كانت إلى جانب النظام الشعبي قد عارضته بشكل متزايد مع تعمق الثورة الاشتراكية.

    وصل هذا الصراع إلى نقطة حرجة خلال السنوات 1956-59، وهي فترة حاسمة للصراع الطبقي في الصين. في ذلك الوقت، قاد ماو النضال من أجل تأسيس الكومونات الشعبية بالإضافة إلى جوانب أخرى من القفزة العظيمة إلى الأمام، بهدف تسريع الثورة الاشتراكية وبناء علاقات إنتاج اشتراكية جديدة، مع دفع الاقتصاد إلى الأمام على أساس اشتراكي. وفي هذه اللحظة بالضبط ظهرت التحريفية السوفيتية منتصرة، وهو انتصار تميز بشكل بارز من خلال ما سمي بـ "الخطاب السري" الذي ألقاه خروتشوف في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي. بطبيعة الحال، لم يكن هذا الخطاب "سريا" على الإطلاق، بل على العكس من ذلك، شكل إشارة إلى التحريفيين في الأحزاب بالعالم أسره (بالتأكيد، بما في ذلك في الصين)، إشارة لإطلاق العنان لهؤلاء التحريفيين للانخراط في النضال من أجل الخط التحريفي. في الوقت ذاته، ظهر العديد من المعادين للثورة في بعض بلدان أوروبا الشرقية، ولا سيما في المجر وبولندا، مما تسبب في فوضى تحت راية معارضة "الديكتاتورية" والمطالبة بالديمقراطية (البورجوازية). وقد انعكس هذا الوضع أيضا في الصين، لا سيما بين المثقفين البورجوازيين.

    وفي هذا السياق أطلق ماو حملة "المائة زهرة" التي كان شعارها "دع مائة زهرة تتفتح، دع مائة مدرسة فكرية تتنافس". إلا أن خوجا، على الرغم من أنه لم يقدم أي تحليل حقيقي لهذه الحركة، يستخدم هذا الشعار للادعاء بأن ماو اقترح أنه "إلى جانب الإيديولوجية البروليتارية والمادية والإلحاد، ينبغي للمرء أيضا أن يسمح للإيديولوجية البرجوازية والمثالية والدين، ونمو "الأعشاب السامة" إلى جانب "عبق الزهور "وغيرها" [12]. لكن في الواقع، إذا ألقى المرء نظرة جادة على كتابات ماو لهذه الفترة، يمكن أن يرى بوضوح شديد، أن هدف حملة "مائة زهرة"، كان عكس ما يدعيه خوجا تماما.

    كان ماو قد حلل حقيقة أنه في المجتمع الصيني لا تزال هناك طبقات متعادية (البورجوازية والبروليتاريا)، وأن الصراع بين هذه الطبقات لم يكن على وشك الزوال أو القضاء عليه بإصدار مرسوم كذا وكذا. كما أشار إلى وجود تناقضات كثيرة وسط الشعب، بما في ذلك العمال والفلاحين، وأنه إذا لم يتم التعامل معها بشكل سديد، فمن الممكن أن تتحول هذه التناقضات إلى عدائية، مؤدية بذلك بالثورة إلى الكارثة. هكذا واجه ماو بطريقة ملموسة وضعا صعبا نشأ من وجود نوعين متميزين من التناقضات: التناقضات العدائية والتناقضات غير العدائية، لم يكن نوع هذه التناقضات يستبعد الواحد منها الآخر، ولكنها في الواقع كانت مرتبطة بعضها ببعض ارتباطا وثيقا، مع إمكانية أن تتحول أيضا إلى نقيضها.

    كان التناقض مع المثقفين الذين دعم معظمهم النظام الشعبي من جهة، بينما من جهة أخرى لا زالوا دون حسم واحتفظوا بإيديولوجية البورجوازية، فكان عليهم مواصلة إعادة تثقيفهم والتخلص من الإيديولوجية البورجوازية. كان هذا التناقض في الأساس غير عدائي، وبالتالي كان لا بد من حله من خلال المناقشات والنضالات، وليس عن طريق الإكراه أو عن طريق نزع حقوق هؤلاء المثقفين. في الوقت نفسه، كان من الواضح تماما أن التناقض مع المثقفين البورجوازيين الذين لم يتم إعادة تثقيفهم، يتعلق بتناقض عدائي مع الثورة المضادة، وأن العديد من الموضوعات التي أصر عليها قادة اليمين داخل وخارج الحزب، كانت تستهدف حشد هؤلاء المثقفين البورجوازيين كجزء من القاعدة الاجتماعية اللازمة لمهاجمة النظام الاشتراكي.

    في صياغة استدلاله لهذه المسألة، تأثر ماو أيضا بتقييمه لتجربة الاتحاد السوفياتي، ليس فقط لتطور التحريفية الخروتشوفية، ولكن أيضا الأخطاء التي ارتكبها ستالين، خاصة في منتصف وأواخر الثلاثينيات، عندما أعلن، بعد إنجاز التحول الاشتراكي الأساسي للصناعة والزراعة، أنه لم يعد هناك أي طبقات عدائية في الاتحاد السوفياتي، بل ولم يدرك أيضا إمكانية نشوء أو تطور مثل هذه الطبقات.

    سنتحدث لاحقا عن المسألة الأساسية المتعلقة بالصراع الطبقي في ظل الاشتراكية، ولكن يجب الإشارة إلى أنه حتى في هذه المرحلة الأولى المبكرة من الثورة الصينية، عندما لم تكن فيها مسألة برجوازية جديدة تنشأ داخل الحزب والدولة مسألة رئيسية، كان لانتقادات ماو للأخطاء التي ارتكبها ستالين تأثيرا كبيرا على تطور اتجاهه الخاص. لقد أدرك ماو أن الفشل في التمييز بين هذين النوعين من التناقضات، والخلط بينهما، سيؤدي، أولا، إلى إنكار إمكانية استعادة الرأسمالية، وبالتالي الحاجة إلى ممارسة ديكتاتورية صارمة قدر الإمكان ضد أولئك الذين يرغبون في محاولة مثل هذه الاستعادة. وثانيا، الفشل في فهم أن التناقضات وسط الشعب يجب حلها بطريقة مختلفة، أي من خلال النقاش والنضال. إن عدم القيام بذلك أو الفشل فيه، سيؤدي إلى تحول التناقضات غير العدائية إلى تناقضات عدائية، وبالتالي زيادة احتمال أن تنضم أقسام واسعة من الشعب إلى الثورة المضادة، ويتم حشدهم كقوى اجتماعية لاستعادة الرأسمالية. كانت هذه هي المشكلة في صميم سياسة ماو "دع مائة زهرة تتفتح، دع مائة مدرسة فكرية تتنافس"، وليس مشكلة "الليبرالية".

    وإدراكا منه أن الصراع الطبقي سيستمر في ظل النظام الاشتراكي الجديد، وأن صراعا مهما كان يختمر (بسبب تقارب الظروف المحلية والدولية المذكورة سابقا)، أطلق ماو نداء "دع مائة زهرة تتفتح، دع مائة مدرسة فكرية تتنافس". حيث تم تشجيع الناس على التعبير علانية عن آرائهم حول الحزب الشيوعي، وعما يعتقدون أنها عيوبا في الحزب، ومناقشة القضايا المختلفة على الجبهات الثقافية والتعليمية والعلمية. في الوقت نفسه، أشار ماو إلى أنه لا ينبغي السماح للمعادين للثورة بمثل هذه الحرية في التعبير (على وجه التحديد تلك العناصر المضادة للثورة، التي تم كشفها والتعرف عليها على هذا النحو خلال حركات القضاء على أعداء الثورة في أوائل الخمسينات)، والأهم من ذلك، أن ماو وضع مبادئ توجيهية لمساعدة الجماهير على فرز "الأزهار العاطرة" من "الأعشاب السامة":

    "إن الشعارين "دع مائة زهرة تتفتح" و "دع مائة مدرسة فكرية تتنافس"، لا تحمل ألفاظهما طابعا طبقيا، بحيث من الممكن أن تستخدمهما البروليتاريا، كما يمكن أن تستخدمهما البرجوازية والناس الآخرون. إن لكل طبقة، ولكل فئة، ولكل كتلة اجتماعية المفهوم الخاص بها عن الأزهار العاطرة والاعشاب السامة. فما هي المعايير التي نميز بها اليوم بين الأزهار العاطرة والأعشاب السامة من وجهة نظر الجماهير الشعبية الغفيرة؟ وكيف يمكن في مجرى حياة شعبنا السياسية التمييز بين الصواب والخطأ في أقوالنا وأفعالنا؟...، يمكننا أن نضع لذلك، على وجه عام، المعايير التالية:

    1 ـــــ أن تساعد أقوالنا وأفعالنا على توحيد الشعب من مختلف القوميات في بلادنا، لا أن تعمل على تقسيمه.

    2 ـــــ أن تساعد على التحويل الاشتراكي والبناء الاشتراكي، لا أن تضر بهما.

    3 ــــ أن تساعد على توطيد الديكتاتورية الديمقراطية الشعبية، لا أن تقوضها أو تضعفها.

    4 ــــ أن تساعد على توطيد نظام المركزية الديمقراطية، لا أن تهدمه أو تضعفه.

    5 ــــ أن تساعد على تعزيز قيادة الحزب الشيوعي، لا أن تحاول التخلص منها أو تضعفها.

    6 ـــ أن تساعد على التضامن الاشتراكي الأممي والتضامن الأممي بين جميع الشعوب المحبة للسلام في العالم، لا أن تلحق بهما ضررا أو أذى.

    وأهم هذه المعايير الستة هما معيار الطريق الاشتراكي ومعيار قيادة الحزب." [13]

    لم يكن لدى ماو أوهام بأن اليمينيين البورجوازيين سيتبعون هذه المعايير في النضال اللاحق. بل على العكس تماما: فقد توقع أن يشن هؤلاء اليمينيون هجوما شرسا على قيادة الحزب، وضد الطريق الاشتراكي، كما فعل نظرائهم في المجر. كان يعلم أن اليمينيين سوف يكشفون عن أنفسهم، وأنهم سيحاولون تعبئة الرأي العام لصالح عودة الرأسمالية سواء "سمح" لهم الحزب بذلك أم لا. ومن خلال إصدار المعايير الستة (والتركيز بشكل خاص على اثنين منها)، أنشأ ماو أفضل أساس ممكن للجماهير لفرز الآراء ووجهات النظر السياسية المختلفة التي كان من المؤكد أن تتطور.

    خلال الأسابيع الأولى لحملة "مائة زهرة"، في ربيع عام 1957، شن حزب الرابطة الديمقراطية، وهو حزب سياسي برجوازي شارك في حكومة الجمهورية الشعبية، هجوما شاملا على الحزب عن طريق جريدة "وينهوي باو" (Wen Hui Pao)، المرتبطة بتلك الرابطة، وهي تمثل وجهة النظر السياسية للبرجوازية الوطنية. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك ظاهرة انضمام أعضاء الحزب إلى هذا الهجوم الهستيري، حيث دعا اليمينيون إلى إقامة "ديمقراطية" على النمط الغربي، مطالبين بـ "نزول الحزب الشيوعي عن كرسي سيدان *". ورفعت الملصقات حول نفس المواضيع، في معاقل مختلفة لليمينيين، خاصة في الجامعات. كانت هناك أيضا حوادث فظيعة، حيث تم نزع وتمزيق ملصقات تدعم الحزب، وضرب الناس وما إلى ذلك..

    اختار ماو عدم الرد على الفور، وانتظر بضعة أسابيع حتى يتقدم اليمينيون البرجوازيون ويكشفون عن أقنعتهم وحتى أن يسارع أعضاء الحزب الذين لديهم نفس الأفكار ونفس البرنامج للدفاع عنهم. لكن هذه السياسة لم تكن البتة نوعا من التعايش السلمي بين الخط البرجوازي والماركسية ــ اللينينية: لقد قاد ماو الجماهير الشعبية لشن هجوم مضاد شرس ضد اليمين البرجوازي. وتحت ضربات الحزب والجماهير، اضطر البرجوازيون اليمينيون إلى التراجع بأقصى سرعة، فتوطدت قيادة الحزب بين الجماهير. لقد اتهمت الصحافة الغربية واليمينيون الصينيون ماو بأنه "خدعهم" عن طريق السماح لهم بالكشف عن برنامجهم الرجعي، وذلك بهدف وحيد هو الدوس والقضاء عليهم.

    أجاب ماو عن ذلك:

    "وهكذا كان على الجماهير أن تميز بوضوح بين أولئك الذين كان نقدهم حسن القصد، وبين أولئك الذين كان نقدهم مزعوما خبيثا، وبالتالي أمكن حشد القوى وتركيزها للانتقال للهجوم المضاد في الوقت المناسب.

    يقول البعض أن هذا كان مؤامرة دبرت في الظل. نقول إنها كانت مشروعا صمم في واضحة النهار. لأننا أوضحنا للعدو مسبقا: لا يمكننا تصفية العباقرة الأشرار إلا بالسماح لهم بالتعبير عن أنفسهم أولا، كما لا يمكن اقتلاع الأعشاب السامة والقضاء عليها إلا عن طريق السماح لها بالخروج من الأرض.

    ألا يقتلع الفلاحون الأعشاب السامة عدة مرات في السنة؟ إلى جانب ذلك، يمكن استخدام الأعشاب المقتلعة كسماد. سوف يبحث الأعداء الطبقيون دائما عن الفرص لإظهار أنفسهم، لن يستسلموا لفقدان سلطة الدولة ومصادرة ممتلكاتهم. فعلى الرغم من تحذيرات الحزب الشيوعي لأعدائه مسبقا وإعلامهم باستراتيجيته الأساسية، فإنهم لن يتخلوا عن شن هجماتهم. الصراع الطبقي هو حقيقة موضوعية مستقلة عن إرادة الإنسان، وهذا يعني أن الصراع الطبقي أمر لا مفر منه. لا يمكن تجنبه حتى لو أراد الناس تجنبه، أي حتمي. الشيء الوحيد الذي يجب فعله هو قيادته حسب قوانينه الخاصة بهدف تحقيق النصر." [14]

    إن تحقيق النصر في حملة "مائة زهرة" هو بالضبط ما قام به ماو. لقد استيقظ وعي الجماهير، ومن المؤكد أن هذه الجماهير لن تتسامح مع الهجمات المسعورة على انتصارات الثورة والتحولات الاشتراكية التي كانت تتحقق. تراجع اليمينيون البورجوازيون، لكن ماو طاردهم وأصر على أنهم لن يفروا من الوضع السيئ الذي وجدوا أنفسهم فيه ببضع عبارات بسيطة من النقد الذاتي. أولئك الذين شاركوا في أنشطة معادية للثورة (كانت هناك هجمات وحتى القتل على أيدي اليمين البرجوازي) تم اعتقالهم وتقديمهم إلى العدالة. فعلى الرغم من محاولات خوجا تصوير ماو على أنه ليبرالي يحب أن يكون محاطا بالمعادين للثورة، أكد ماو بوضوح شديد في خضم الهجوم المضاد الذي استهدف اليمين البرجوازي:

    "يجب القضاء على المعادين للثورة أينما وجدوا. أقل عدد ممكن من عمليات الإعدام، لكن دون إلغاء عقوبة الإعدام أو إعلان عفو ​​عام ... يجب أن تعاقب العدالة العناصر السيئة المعترف بها على هذا النحو من قبل الجمهور.

    لكن الآن، يهمل بعض مسؤولي العدالة والأمن العام أداء واجبهم من خلال إطلاق سراح أولئك الذين ينبغي اعتقالهم ومعاقبتهم، هم مخطئون. فكما أنه من الخطأ إنزال عقوبة مفرطة، فمن الخطأ أيضا إصدار حكم متساهل للغاية، في الوقت الحالي، يكمن الخطر في هذا الاتجاه الأخير." [15]

    بالإضافة إلى ذلك، عانى أولئك الذين تم تصنيفهم على أنهم يمينيون بورجوازيون، داخل الحزب وخارجه، من قيود شديدة على حقوقهم السياسية. في الواقع، لم تتم استعادة حقوق هؤلاء الرجعيين إلا بعد وفاة ماو، على يد هوا كيو فنغ (Hua Guo-feng) وتينغ سياو بينغ (Deng Xiao ping) بعد انقلابهم التحريفي.

    لقد استمرت حملة "مائة زهرة" حتى نهاية عام 1958. ومع ذلك، بعد صيف عام 1957، لم يعد اليمينيون البرجوازيون في حالة هجوم، وكانت ملصقات الحائط وتعليقات الصحف ملكا للجماهير العريضة من الشعب، وخاصة العمال والفلاحين. واستمرت الانتقادات الموجهة للحزب الشيوعي، لكنها كانت ذات طابع مختلف تماما، حيث كانت تستند في الفعل كما في الكلمة على المعايير الستة لماو. لقد ساهمت هذه الانتقادات في تصليب وتقوية الحزب الشيوعي، وأدى النقاش الذي دار على نطاق واسع بين الجماهير إلى فهم أعمق لخط الحزب وطبيعة الثورة الاشتراكية، وزاد من تصميمهم وقدرتهم على مواصلة هذه الثورة. كما أشار ماو ، كانت حملة "مائة زهرة" أيضا مدرسة مهمة للحزب نفسه، وكذلك للجماهير. أشار ماو إلى:

    "ينبغي للماركسيين ألا يخشوا النقد من أي كان، بل عليهم أن يتمرسوا خلال الانتقاد من قبل الناس وعبر عواصف الكفاح حتى يتصلب عودهم ويطوروا صفوفهم ويوسعوا مراكزهم. يمكن أن نشبه النضال ضد الأفكار الخاطئة باللقاح ضد الجدري، فإن الجسم يزداد مناعة تحت تأثير اللقاح. أما النبات الذي نما في بيت زجاجي فلا يكون قويا متعافيا. وأن تطبيق السياسة القائلة: "دع مائة زهرة تتفتح، ومائة مدرسة فكرية تتنافس"، لن يضعف مركز الماركسية القيادي في المجال الإيديولوجي، بل على العكس من ذلك، فهو يقوي هذا المركز.

    فما هي إذن السياسة الواجب اتباعها حيال الأفكار الغير الماركسية؟ إن حل هذه المسألة بسيط اتجاه العناصر التي تجاهر الثورة بالعداء والعناصر التي تعمل على تقويض قضية الاشتراكية، ذلك فقط بأن نحرمهم من حرية الكلام. ولكن الأمر يختلف حيال الأفكار الخاطئة الموجودة بين صفوف الشعب. فهل يمكن تحريم مثل هذه الأفكار، وألا تعطى أي فرصة للإفصاح عنها؟ كلا، بالطبع. فإن استخدام الأساليب الجافة في معالجة المسائل ذات الصفة الإيديولوجية بين صفوف الشعب وفي معالجة مسائل العالم الروحي، هو عديم الجدوى أبدا، بل إنه مضر للغاية. وإذا لم يسمح بإبداء الأفكار الخاطئة، فإن هذه الأفكار ستظل رغم ذلك قائمة. أما الأفكار الصحيحة فإنها إذا كانت ناشئة في بيوت زجاجية ولم تتعرض للعواصف والأعاصير ولم تكتسب المناعة، فلن تتمكن من الانتصار حينما تواجهها الآراء الخاطئة، ولذلك لا يمكن إنماء الأفكار الصحيحة والتغلب على الأفكار الخاطئة بصورة عملية، ولا يمكن حل المسائل حلا حقيقيا إلا عن طريق النقاش والانتقاد والإقناع بالحجج." [16]

    هكذا يمكننا أن نرى بوضوح جانبين لحملة "مائة زهرة" التي تم الهجوم عليها بطريقة ماكرة ومخادعة من طرف خوجا والدوغمائيين التحريفيين الآخرين (وأيضا من قبل التحريفيين الخروتشوفيين الذين افتروا عليها في ذلك الوقت ب "اللبرالية"). أولا، مثلت هذه الحملة محاولة لصرف وصد تيار معاد للثورة كان يتطور في الصين في ظل التحولات الاشتراكية ومصادرة ملكية البورجوازية الصينية، فضلا عن صعود التحريفية عالميا (على الخصوص بالاتحاد السوفياتي، وكذلك منذ انتفاضة الثورة المضادة بالمجر). ثانيا، كانت حملة "مائة زهرة" نداء لنقاش إيديولوجي بين صفوف الجماهير على نطاق وطني، والذي لا يمكنه إلا أن يعمق تأثير الماركسية ــ اللينينية في صفوف البروليتاريا والشعب الصيني.

    قد يتساءل المرء لماذا تنتاب العقائديين التحريفيين نوبة غضب تجاه حملة "مائة زهرة". بالطبع، فمن الواضح أن هذه الحملة تقدم لـخوجا وأعوانه، فرصة ممتازة لنزع الاقتباسات من سياقها، في محاولة لقلب الواقع وتصوير ماو على أنه كان ليبراليا مبتذلا. ولكن الأهم، هو أن حملة "مائة زهرة" دفعت خوجا إلى سعار جنوني، لأن الفهم السياسي الكامن في أساسها، يضرب في العمق تماما كل وجهة نظر خوجا الميكانيكية والخاطئة حول تطور الاشتراكية. فحسب وجهة النظر السائدة الآن في الحزب الألباني، فإن الجماهير قد تتبنى الماركسية وتتخلص من الإيديولوجية البرجوازية، ليس في خضم الصراع العنيف بين الخطين والطريقين، وليس من خلال إطلاق العنان لموجة واسعة من الجدال والنضال، ولكن من خلال سيرورة مستقرة و "غير منقطعة" يقوم فيها الحزب ببساطة بتثقيف الجماهير. هذه النظرة هي التي تقود خوجا، كما سنرى لاحقا، إلى تقييمه الضد ــ ثوري للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى.

    في حين أن التحليل الشامل للخط العام لخوجا، وممارسات الحزب الألباني هو خارج نطاق هذه المقالة، فمن المفيد مع ذلك مقارنة وجهة نظر ماو في حملة "مائة زهرة"، مع موقف الحزب الألباني بشأن الصراع الطبقي في ظل الاشتراكية. دعونا نرى، على سبيل المثال، مقتطفا من الدستور الألباني الجديد، الذي تم تبنيه في نهاية عام 1976:

    "في جمهورية ألبانيا الاشتراكية الشعبية، لا توجد طبقات مستغلة، وتمت تصفية وحظر الملكية الخاصة واستغلال الإنسان للإنسان." [17]

    ولكن رغما عن ما هو مكتوب في الوثائق القانونية الألبانية، ورغما عن أن السيد خوجا يريد حظر الطبقات العدائية، فإنها لا تزال موجودة في ألبانيا كما كانت موجودة ولا تزال في الصين. يُظهر هذا النص في الدستور خلطا بين الأشكال القانونية والواقع الاجتماعي. في الفترة التاريخية الحالية يمثل هذا الخلط إنكارا متعمدا للماركسية.

    بما أن خوجا لا يعترف بوجود طبقات عدائية خلال المرحلة الاشتراكية بعد مصادرة ملكية البورجوازية (موضوع سنناقشه لاحقا)، فإنه لا يستطيع تصور كيفية معالجة الأنواع المختلفة من التناقضات داخل المجتمع الاشتراكي. لذلك ينتهي به الأمر حتما بالوقوع في جميع أنواع الانحرافات "اليسارية" واليمينية، التي تؤدي في المقام الأول إلى تحول التناقضات غير العدائية في صفوف الشعب، إلى تناقضات عدائية وتقويض الأساس الذي عليه يكتمل التحول الاشتراكي.

    إن نقد خوجا لحملة ماو "مائة زهرة" وما سمي بـ "لبرالية" ماو تجاه البورجوازية الوطنية، مرتبط بشكل وثيق بانتقاده لسياسة الحزب الشيوعي الصيني التي سمحت بوجود بعض الأحزاب السياسية البورجوازية ومنحتهم صوتا محدودا في الهيئات القيادية للدولة.

    يأخذ خوجا هذا الاقتباس من كتابات ماو: "هل من الأفضل، بعد كل شيء، أن يكون لديك حزب واحد أم أكثر؟ من الأفضل أن يكون لديك العديد، كما يبدو لنا. كان هذا هو الحال في الماضي، وربما يكون كذلك في المستقبل. إنه تعايش طويل الأمد والرقابة المتبادلة " [18]

    تعليق خوجا:

    "اعتبر ماو أن مشاركة الأحزاب البورجوازية في السلطة وإدارة البلاد بنفس الحقوق والامتيازات التي يتمتع بها الحزب الشيوعي الصيني أمر ضروري. علاوة على ذلك، فإن أحزاب البرجوازية هذه، "التاريخية" حسبه، لا يمكن أن تنمحي قبل أن ينمحي الحزب الشيوعي الصيني أيضا، أي أنهم سيتعايشون حتى ظهور الشيوعية." [19]

    مرة أخرى، من المفيد جدا أن نترك ماو يتحدث عن نفسه، لذا نعيد كتابة نص ماو الذي "اقتبس" منه خوجا:

    "إن كلا من الحزب الشيوعي والأحزاب الديمقراطية هما نتاج التاريخ. وما ينشأ في مجرى التاريخ يزول في مجراه. وعليه فإن الحزب الشيوعي سيزول يوما وكذلك الأحزاب الديمقراطية. وهل هذا الزوال أمر مزعج جدا؟ إنه في نظري مريح جدا. وإني لأعتقد أنه أمر رائع أن يستغنى عن الحزب الشيوعي وديكتاتورية البروليتاريا في يوم من الأيام. ومهمتنا أن نعجل في زوالهما. وهذه الحقيقة قد تحدثنا عنها مرات عديدة.

    ولكن في الوقت الحاضر لا يمكن الاستغناء عن الحزب البروليتاري وديكتاتورية البروليتاريا، بل وأكثر من ذلك، من الضروري تعزيزهما باستمرار وأن يصبحوا أكثر قوة، وإلا فلن نتمكن من قمع أعداء الثورة ومقاومة الإمبريالية وبناء الاشتراكية أو ترسيخها عند بنائها. إن نظرية لينين حول الحزب البروليتاري وديكتاتورية البروليتاريا ليست بأي حال من الأحوال "بالية" كما يزعم البعض. " [20]

    وهكذا يمكن ملاحظة أن ما يقوله ماو لا يشبه كثيرا الكلمات التي يحاول خوجا وضعها في فمه. نفترض أنه عندما قال خوجا إن الأحزاب الديمقراطية "كانت تاريخية"، فإنه يشير إلى تصريح ماو بأن كلا من الحزب الشيوعي والأحزاب الديمقراطية "كلها نتاج التاريخ". هذه حقيقة واضحة تماما كما يصح أيضا أن الحزب الشيوعي والأحزاب الديمقراطية سوف تختفي يوما ما. لا يقول ماو بأن الأحزاب الديمقراطية ستظل قائمة طالما ظل الحزب الشيوعي، أي حتى الوصول إلى الشيوعية.

    ترتبط سياسة ماو القائمة على "التعايش طويل الأمد والرقابة المتبادلة" بين الحزب الشيوعي والأحزاب الديمقراطية ارتباطا مباشرا بالظروف الفعلية لتطور الثورة الصينية. فلأن الثورة الصينية تضمنت مرحلة ديمقراطية طويلة إلى حد ما، كان من الطبيعي والصحيح أن تلعب بعض الأحزاب البرجوازية التي ناهضت الإمبريالية والإقطاعية بدرجات متفاوتة وكانت على استعداد للعمل مع الحزب الشيوعي، دورا معينا في النظام الجديد. لم يكن الأمر مجرد بذل مجهود لتحقيق الوحدة مع القادة البرجوازيين في المستويات العليا لهذه الأحزاب، بل كانت المسألة تتعلق بالاتحاد مع أقسام من الشعب التي تأثرت بهؤلاء، وذلك من أجل حشدهم وتحويلهم. فقد شكلت هذه الأقسام الشعبية قوة اجتماعية مهمة للغاية.

    في الوقت نفسه، أشار ماو بوضوح أن أي تعاون بين الحزب الشيوعي والأحزاب الديمقراطية يجب أن يقوم فقط على أساس قيادة الحزب الشيوعي وعلى قبول الانتقال إلى الاشتراكية. إن ادعاء خوجا بأن الأحزاب الديمقراطية مُنحت نفس الحقوق والامتيازات التي يتمتع بها الحزب الشيوعي هو ادعاء سخيف.

    كان "الحق" و"الامتياز" لقيادة الثورة، بالطبع من مسؤولية الحزب الشيوعي، وكانت قيادته هي الأساس الوحيد الذي يمكن أن تقوم عليه أية مشاركة من أي نوع كانت للأحزاب الديمقراطية.

    لم يكن لدى ماو أوهام حول دور الأحزاب الديمقراطية. فقد أشار إلى أن هذه الأحزاب عارضت الكثير من سياسات الحزب الشيوعي، فضلا عن أنهم يحتفظون بنظرة للعالم مختلفة تماما. وأكد في الوقت نفسه: "إنهم موجودون وغير موجودون في المعارضة. فغالبا ما ينتقلون من المعارضة إلى اللا معارضة ". [21] فقط خلال هذا الانتقال إلى اللا معارضة يمكن تحقيق تعاون طويل الأمد، هذا الاحتمال أراد ماو أن يحتفظ به، لكنه في ذات الوقت استعد لاحتمال آخر مختلف تماما، وهو أن الأحزاب الديمقراطية بإمكانها أن تنقلب ضد الثورة، حيث أكد ذلك بوضوح في عام 1957، خلال بداية حملة "مائة زهرة":

    "إن التعايش الطويل الأمد بين الحزب الشيوعي والأحزاب الديمقراطية، هذه رغبتنا، وهي أيضا سياستنا. أما مسألة ما إذا كانت الأحزاب الديمقراطية تستطيع البقاء زمنا طويلا، فهي مسألة لا تتوقف على رغبة الحزب الشيوعي وحده، بل تتوقف كذلك على تصرفات مختلف الأحزاب الديمقراطية وعلى ما إذا كانت تحظى بثقة الشعب أم لا." [22]

    وهكذا يوضح ماو أن "الشروط التاريخية" لحل وزوال هذه الأحزاب البورجوازية ليست هي نفسها بالنسبة للحزب الشيوعي نفسه. "تتوقف كذلك على تصرفات مختلف الأحزاب الديمقراطية " يمكن أن تعني فقط: ما إذا كانت تقبل التحولات الاشتراكية أم لا. "ما إذا كانت تحظى بثقة الشعب أم لا" تتجلى في الموقف الذي أبدوه تجاه العمال والفلاحين، وما إذا كانت هذه الأحزاب لا زالت لها قاعدة اجتماعية التي لا بد من كسبها والاتحاد معها.

    في الواقع، لم تعد معظم الأحزاب الديمقراطية موجودة إلى حد كبير خلال الثورة الثقافية. لقد شاركوا في الدولة على شكل المؤتمر الاستشاري السياسي، الذي أصبح بقايا لهيئة سياسية من دون سلطة ونادرا ما يجتمع. من الواضح، من وجهة نظر ماو وأولئك الذين شكلوا جزءا من القيادة العامة الثورية، أن الظروف التاريخية التي تتطلب التعاون مع الأحزاب الديمقراطية لم تعد موجودة (باستثناء، ربما، وبطريقة محدودة للغاية فيما يتعلق بتايوان)

    وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من محاولة خوجا إظهار بأن وجود العديد من الأحزاب لا يتوافق مع اللينينية، إلا أن هناك تجربة تاريخية لهذا الوضع موجودة في الاتحاد السوفياتي، وكذلك في بلدان أخرى. ثورة أكتوبر، على سبيل المثال، انطلقت ليس فقط من قبل الحزب البلشفي (الذي كان بالطبع القوة المحركة والقائدة لها)، ولكن أيضا بمشاركة الاشتراكيين الثوريين اليساريين (SR اليساري). اقترح لينين أن يشارك ممثلو هذا الحزب في الحكومة الجديدة (مجلس مفوضي الشعب) وناقش الأساس الذي يمكن عليه تحقيق هذا النوع من التعاون.

    أشار لينين إلى أن الاشتراكيين الثوريين اليساريين كان لهم تأثير قوي على الفلاحين، وأنهم يمثلون إلى حد ما الفلاحين المستعدين للانضمام إلى الثورة، ويترتب على ذلك أنه من الضروري الاتحاد مع الاشتراكيين الثوريين اليساريين أثناء وبعد الاستيلاء على السلطة. كان هذا التعاون بين البلاشفة والاشتراكيين الثوريين اليساريين قصير الأمد، ليس لأن لينين والحزب البلشفي تبنوا سياسة تفكيك هذا التحالف، ولكن لأن الاشتراكيين الثوريين اليساريين انتفضوا ضد النظام الجديد وخاصة معارضة معاهدة سلام بريست. ليتوفسك (Brest-Litovsk).

    في ظل هذه الظروف، قاد الحزب البلشفي هجوما قويا ضد الاشتراكيين الثوريين اليساريين الذين أصبحوا هدفا لديكتاتورية البروليتاريا. لقد كانت هناك العديد من الأسباب التي دفعت أعضاء هذا الحزب إلى معارضة البروليتاريا والنظام الاشتراكي، ترجع في جزء كبير منها إلى حقيقة أن الثورة كانت تتعرض لهجوم الإمبرياليين والرجعيين، وبالتالي كانت في موقف دفاعي. ومع ذلك، فلا يوجد شيء في كتابات لينين يشير أو يسمح بالاعتقاد بأن التعاون مع الاشتراكيين الثوريين اليساريين لا يمكنه أن يستمر لمدة أطول لو كانت الظروف مختلفة.

    بل ذهب لينين إلى حد القول إن "حرمان البورجوازية من حقوقها الانتخابية ليس سمة إلزامية وضرورية لديكتاتورية البروليتاريا" [23]. إن تصريح لينين هذا يمكن اعتباره في هذا الوقت غير صحيح (على الأقل إذا تم اعتباره على أنه يعني مرحلة الاشتراكية بأكملها)، ومع ذلك، سيكون من الخطأ الجسيم (وأيضا افتراء معاديا للثورة) وصف لينين بأنه ليبرالي مبتذل بسبب هذا التصريح! يتعلق الأمر بحقيقة أن دعم دكتاتورية البروليتاريا والالتزام بها هو مبدأ بالنسبة للشيوعيين، ومع ذلك يجب الاعتراف بأنه خلال استكمال هذا المبدأ، من المحتمل أن تكون تكتيكات مختلفة ضرورية في ظل ظروف مختلفة، وحتى إذا ارتكب المرء أخطاء في اختيار أو استخدام تكتيكات معينة، فهذا ليس سببا لتوجيه اتهامات هستيرية كما يفعل خوجا (بالإضافة إلى أن خوجا لم يتمكن من إثبات أن ماو ارتكب حتى أخطاء تكتيكية).

    علاوة على ذلك، بينما نتحدث عن "الدور القيادي والغير القابل للتجزيء للحزب الماركسي ــ اللينيني في الثورة والبناء الاشتراكي" [24]، فمن الجدير بالذكر أن التاريخ الرسمي للحزب الألباني يعترف بأنه لعدة سنوات بعد التحرير، ظل الحزب في "حالة شبه غير شرعية، حتى بعد أن أصبح الحزب الحاكم في السلطة... كان برنامج الحزب متخفيا في إطار برنامج الجبهة الديمقراطية... واحتفظ أعضاء الحزب بسرية عضويتهم ... وتم نشر توجيهات الحزب (كان يطلق عليه في ذلك الوقت الحزب الشيوعي الألباني) كقرارات للجبهة الديمقراطية..." [25]. تم ذكر هذه السياسات في التاريخ، في سياق النقد الذاتي من قبل الحزب الألباني نفسه، وهي تمثل انحرافات فظيعة، تقترب من خط "كل شيء من خلال الجبهة المتحدة".

    من جهة أخرى، حتى بينما كان ماو يسمح بوجود أحزاب ديمقراطية ويشجع التعاون معها، فقد أشار إلى أنه إذا تعرضت الثورة لتغير، على سبيل المثال، إذا قام الإمبرياليون بهجوم واسع النطاق عليها، يمكن للأحزاب الديمقراطية أن تنقلب بشراسة ضد الثورة. وحذر ساخرا: "إذا حدث تحول في العالم، وقامت قنبلة ذرية بتحويل بكين وشنغهاي إلى ركام، ألن يغيروا موقفهم؟ لا أحد يعلم... كثير منهم يفضلون البقاء مختبئين". [26]

    أخيرا حول هذه المسألة، من الضروري العودة من جديد وبطريقة أكثر شمولا وعمقا لإشكالية نظرية واحدة تتعلق بطبيعة الدولة الصينية أثناء الانتقال من الثورة الديمقراطية إلى الثورة الاشتراكية: مسألة "الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية". ففي الوقت الذي أطلق فيه ماو هذا الشعار لأول مرة، مشيرا إلى الدكتاتورية المشتركة لأربع طبقات متميزة (الطبقة العاملة والفلاحين والبرجوازية الصغيرة الحضرية والبرجوازية الوطنية)، كانت الثورة الصينية لا تزال في المرحلة الأولى، المرحلة الديمقراطية. وبالطبع، كان لكل هذه الطبقات الأربع، وبدرجات متفاوتة، مصلحة موضوعية في إتمام هذه الثورة. بالإضافة إلى ذلك، كانت إحدى خصائص الثورة الصينية هي أن الحرب الطويلة الأمد ووجود مناطق قواعد الدعم يعني في الواقع عن وجود نظامين في مواجهة بعضهما البعض.

    على سبيل المثال، خلال الحرب الأهلية الثورية الثالثة (الحرب الأخيرة ضد تشيانغ كاي شيك)، واجهت قواعد الدعم للشيوعيين (الذين يبلغ عدد سكانهم 100 مليون نسمة) المناطق التي يسيطر عليها الكومينتانغ. بطبيعة الحال، كان وجود قواعد الدعم هذه يعني أن الحكومة يجب أن تكون قادرة على القضاء على أعداء الثورة، ومواصلة الإصلاح الزراعي، وإنتاج الغداء والملابس اللازمة لجيش التحرير الشعبي، والحفاظ على استمرار الاقتصاد، وما إلى ذلك. إن سياسة الديكتاتورية الديمقراطية الشعبية التي دعا إليها ماو كانت في الواقع تمارس في قواعد الدعم خلال هذه الحرب الأهلية، والأحزاب السياسية والشخصيات المؤثرة والقوى الأخرى التي تمثل الطبقات الأربع كانت ممثلة في أجهزة السلطة. فمن الواضح إذن أن هذه  السياسة   كانت صحيحة بالنظر إلى مهام الثورة في المرحلة المذكورة.

    عندما تأسست الجمهورية الشعبية سنة 1949، ضمت نفس القوى الطبقية المنخرطة فيها، أي القوى التي تحالفت مع الثورة ضد الإمبريالية والإقطاعية والرأسمالية البيروقراطية. في الوقت نفسه، كان على هذه الحكومة الجديدة (التي قادتها بوضوح الطبقة العاملة وحزبها الشيوعي، والقائمة على تحالف العمال والفلاحين) مهمة الشروع على الفور في الانتقال إلى الاشتراكية.

    وهكذا، فمنذ البداية، تضمنت "الديكتاتورية الديمقراطية الشعبية" مظهران متناقضان: من ناحية، مثلت انتصار الثورة الديمقراطية ومن ثم تضمنت ممثلي البرجوازية الوطنية. ومن ناحية أخرى، كانت حكومة يقودها الممثلون السياسيون للطبقة العاملة مصممة على قيادة الثورة نحو الاشتراكية والقضاء النهائي على البورجوازية.

    وبالعودة إلى الوراء، فمن المؤكد أن هذا المظهر الثاني، أي حقيقة أن النظام الجديد كان يسير على الطريق الاشتراكي، كان يشكل المظهر الرئيسي الذي حدد الطابع الاشتراكي لهذا النظام. وبحلول سنة 1956، كان ماو يشير إلى أن النظام في الصين على أنه "ديكتاتورية البروليتاريا" و "ديكتاتورية ديمقراطية شعبية". ومنذ ذلك الحين يشير الأدب الصيني إلى عام 1949، وهو العام الذي تم فيه انتصار الثورة الديمقراطية على الصعيد الوطني، كالعام الذي تأسست فيه دكتاتورية البروليتاريا. وهكذا، وبالعودة إلى الوراء، يتضح أن النظام الذي أقيم عام 1949 كان شكلا من أشكال ديكتاتورية البروليتاريا، نظام أخذ في الاعتبار طبيعة المجتمع الصيني والظروف التاريخية التي تطورت خلال مسار الثورة الديمقراطية.

    كان لينين قد أدلى بملاحظة مهمة في روسيا تساعد في إلقاء الضوء على هذا الموضوع.، حيث أشار إلى أن ديكتاتورية البروليتاريا كانت، في ظروف روسيا، شكلا خاصا من أشكال التحالف الطبقي، وتحديدا تحالف الطبقة العاملة مع الفلاحين الفقراء، الذين كانوا يشكلون معا غالبية الشعب. ليس من المستغرب أن يكون شكل التحالف الطبقي الضروري للبروليتاريا لممارسة حكمها - ديكتاتوريتها - في الصين مختلفا عن الشكل الضروري في الاتحاد السوفياتي، باختلاف الظروف المادية، والتركيب الطبقي، والطريق إلى السلطة بالبلدين. من الواضح أيضا أن هذا التحالف لم يكن ثابتا، لأنه مع تحول الثورة إلى ثورة اشتراكية، فإن طابع هذا التحالف سيتغير أيضا، ومن هنا جاء تصريح ماو في سنة 1953 بأنه: "لم يعد من الممكن اعتبار البورجوازية الوطنية على أنها طبقة وسيطة".

    من المهم أيضا ملاحظة أنه في الفترة التي كتب فيها ماو أعماله النظرية الرئيسية التي تتناول هذا الموضوع، لم يكن لدى البروليتاريا وحزبها الشيوعي خبرة تاريخية فيما يتعلق بمهمة قيادة ثورة ديمقراطية إلى النصر، وبناء نظام اجتماعي جديد على هذا الأساس. كانت هناك تجربة الديمقراطيات الشعبية، التي تشكلت في أوروبا الشرقية (بما في ذلك ألبانيا) على أساس الانتصار على الفاشيين، وتم التمييز في الأدبيات الشيوعية في ذلك الوقت، بين ديكتاتورية البروليتاريا وتلك الانتصارات الديمقراطية (والتي بالمناسبة تفترض غالبا مشاركة العديد من الأحزاب في الحكومة). ومع ذلك، ولعدة أسباب، لم يكن من الممكن تقييم هذه التجربة نظريا من طرف ماو في ذلك الوقت، بالإضافة إلى أن هذا الوضع كان مختلفا بشكل واضح عن الوضع في الصين. باختصار، على الرغم من أن الوضع التاريخي جديد لم يسبق له مثيل، إلا أن ماو تعامل معه بشكل صحيح للغاية، وقدم إسهامات للماركسية ـــ اللينينية والثورة البروليتارية من خلال القيام بذلك.

    إنها ذروة النفاق عندما يشير خوجا إلى أن النظام في الصين، خاصة منذ التحول الاشتراكي لنظام الملكية الذي اكتمل في عام 1956، لم يمثل دكتاتورية البروليتاريا. فكل الأدب الصيني الذي نُشر خلال الثورة الثقافية وحتى انقلاب 1976، يظهر بوضوح أن خط ماو والثوريين الذين دعموه، كان من أجل أن تمارس البروليتاريا ديكتاتورية على البورجوازية في جميع مجالات الحياة الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، تُظهر التجربة الكاملة للثورة الصينية أن ماو كان يقود البروليتاريا والجماهير الصينية إلى قمع البورجوازية بلا رحمة، سواء تعلق الأمر بالمستغِلين القدامى الذين ما زالوا يطمحون للعودة إلى السلطة، أو العناصر البرجوازية الجديدة التي نشأت داخل المجتمع الاشتراكي نفسه.

    يقتصر خوجا في نهاية المطاف على ترديد النغمة القديمة المتهالكة للتروتسكيين، التي حسبها أن الدولة الصينية لم تكن تشكل ديكتاتورية البروليتاريا، مستشهدا في ذلك بوجود نجوم على علم جمهورية الصين الشعبية. [27]

    بعد فحص هجمات خوجا على تطور الثورة الصينية إلى إنجاز الأساسي للاقتصاد الاشتراكي في عام 1956، وحملة "مائة زهرة" في العام الموالي، وقبل الانتقال إلى هجومه على الثورة الثقافية وخط ماو بشأن استمرار الثورة في ظل دكتاتورية البروليتاريا، نتوقف للحظة لنطرح السؤال التالي: لماذا يؤسس خوجا معظم الانتقادات الموجهة إلى ماو على هذه الفترة من الثورة الصينية، محاولا لف كل منطقه حول ما يدعيه بأن ماو "تصالح" مع المستغِلين الصينيين القدامى؟

    أولا، يريد إنفير خوجا البقاء على ما يعتقده أنه أرضية صلبة. بعد كل شيء، فإن تحليل الطبقات والتناقضات في ظل الاشتراكية ليست موطن قوته، وهو يأمل من خلال الاستعانة بطريقة تفكير ميكانيكية ودوغمائية مقرونة بإعادة كتابة وتشكيل التاريخ، في حشد القارئ الساذج إلى استنتاجاته الرجعية.

    ولكن الأهم من ذلك، أن خوجا يحاول عمدا توجيه النقاش بعيدا عن المسألة الأساسية التي يجب أن يتركز فيها: وهي كيفية منع بورجوازية جديدة، نشأت داخل المجتمع الاشتراكي ذاته، من الاستيلاء على السلطة واستعادة الرأسمالية. هذه هي بالضبط المسألة التي قدم فيها ماو تسي تونغ، من الناحية النظرية والعملية على حد سواء، أهم إسهاماته وأكثرها إشراقا وحيوية للماركسية ـــ اللينينية والثورة البروليتارية. لا يريد خوجا ولا يستطيع تحدي خط ماو بشكل مباشر، إنه يعلم جيدا أنه في هذا الصدد وعلى هذه الجبهة سيواجه صعوبة أكبر في دعم أخطاء ستالين باعتبارها الكلمة الأخيرة للماركسية. بالإضافة إلى ذلك، فهو بلا شك يخشى كشف الصيغ الانتقائية والملتبسة للحزب الألباني بشأن هذه المسائل. لذلك فهو يأمل في صرف الانتباه بعيدا عن قضية الثورة الثقافية والخط الذي يكمن ورائها، والتركيز بدلا من ذلك على قضية المستغِلين القدامى في المجتمع الصيني الذين لعبوا في الواقع دورا ثانويا فقط في استعادة الرأسمالية بالصين.

    سعيا إلى مواصلة النقاش على هذا الأساس، يضع خوجا نفسه فعليا في نفس موقع التحريفيين الصينيين الحاليين، الذين كانوا حريصين على إثبات أن خطر استعادة الرأسمالية يمكن أن يأتي من أي جانب، ولكن ليس من جانبهم. الآن فقط، مع اكتمال انقلابهم، وبينما هم يتخلصون تدريجيا من قناعهم الماركسي، أعاد هوا (Hua) وتنغ (Teng) تأهيل جميع المستغِلين وأشادوا بهم وبجميع أوغاد المجتمع القديم.

    الهوامش

    [1]ـ خوجا، الإمبريالية والثورة، ص. 115 ــ 116. (مرجع النص الفرنسي، ص. 448).

    [2]ـ نفس المرجع، ص. 117. (مرجع النص الفرنسي، ص. 453).

    [3]ــ "تقرير إلى الدورة العامة الثانية للجنة المركزية المنبثقة عن المؤتمر الوطني السابع للحزب الشيوعي الصيني"، الأعمال المختارة، المجلد 4، ص. 364 (مرجع النص الفرنسي، ص. 382-383.)

    [4]ــ نفس المرجع، ص. 367. (مرجع النص الفرنسي، ص385).

    [5]ــ نفس المرجع، ص. 367. (مرجع النص الفرنسي، ص. 386.).

    [6]ــ نفس المرجع. ص. 368. (مرجع النص الفرنسي، ص. 386 ــ 387.).

    [7]ــ ذكره خوجا في الصفحة 117. (مرجع النص الفرنسي، في الصفحة 452).

    [8]ــ نفس المرجع، ص. 117. (مرجع النص الفرنسي، ص. 452 ــ 453).

    [9]ــ ماو، "التناقض بين الطبقة العاملة والبرجوازية هو التناقض الأساسي في الصين" المؤلفات المختارة، المجلد. 5، ص. 77. (مرجع النص الفرنسي، ص. 80).

    [10]ــ ماو، "دحض الانحرافات اليمينية التي تحيد عن الخط العام" المرجع نفسه، ص. 93-94. (مرجع النص الفرنسي، ص. 97 ــ 98).

    [11]ــ انظر  Red Papers رقم 7: كيف تمت استعادة الرأسمالية في الاتحاد السوفياتي وماذا يعني هذا بالنسبة للنضال العالمي (شيكاغو ، 1974) ، ص. 15.

    [12]ــ خوجا، مرجع سابق، ص. 112 (مرجع النص الفرنسي، ص. 433).

    [13]ــ ماو، "حول المعالجة الصحيحة للتناقضات في صفوف الشعب"، الأعمال المختارة، المجلد 5، ص. 412 (مرجع النص الفرنسي، ص. 447 ــ 448).

    * ــ ملاحظة المترجم: وهو كرسي عبارة عن مقصورة لنقل شخص واحد، قد تكون مزودة بنقالات ومغلقة، ويتم حملها على أذرع الحمالين (جياو (jiào) هو المصطلح الصيني العام). والقصد هنا هو تخلي الحزب الشيوعي عن "كرسي" القيادة والسلطة.

    [14]ــ ماو، "يجب نقد التوجه البورجوازي لـ Wenhui Bao" الأعمال المختارة، المجلد. 5، ص. 454. (مرجع النص الفرنسي، ص. 493).

    [15]ــ ماو، "الوضع في صيف عام 1957"، المؤلفات المختارة، المجلد. 5، ص. 476 (مرجع النص الفرنسي، ص 518).

    [16]ــ ماو، "حول المعالجة الصحيحة للتناقضات في صفوف الشعب"، مرجع سابق، ص 410 – 411. (مرجع النص الفرنسي، ص. 445 ــ 446).

    [17]ــ المادة 16 من دستور جمهورية ألبانيا الشعبية الاشتراكية (تيرانا، 1977)، ص. 13.

    [18]ــ خوجا، ص. III، نقلا عن ماو، "حول العلاقات العشر الرئيسية" الأعمال المختارة، المجلد. 5، ص. 296 (مرجع النص الفرنسي، ص. 319).

    [19]ــ خوجا، نفس المرجع.

    [20]ــ ماو، "حول العلاقات العشر الرئيسية"، مرجع سابق، ص. 297. (مرجع النص الفرنسي، ص. 320 ــ 321).

    [21]ــ المرجع السابق، ص. 297. (مرجع النص الفرنسي، ص. 320).

    [22]ــ ماو، "حول المعالجة الصحيحة للتناقضات في صفوف الشعب"، مرجع سابق، ص 413. (مرجع النص الفرنسي، ص. 449).

    [23]ــ لينين، الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي، الأعمال الكاملة، المجلد. 28 (موسكو، 1965)، ص. 271 (مرجع النص الفرنسي، ص. 58).

    [24]ــ خوجا، الإمبريالية والثورة، مرجع سابق، ص. 112 (مرجع النص الفرنسي، ص. 432).

    [25]ــ تاريخ حزب العمل الألباني، مرجع سالق، ص. 321 (مرجع النص الفرنسي، ص. 340).

    [26]ــ ماو، "خطاب ألقي في مؤتمر الأمناء الرابع للجان الحزب للمقاطعات والبلديات ومناطق الحكم الذاتي"، الأعمال المختارة، المجلد 5، ص. 533 (مرجع النص الفرنسي، ص. 383).

    [27]ــ خوجا، مرجع سابق، ص. 116 (مرجع النص الفرنسي، ص. 448).

    ـــــ ــــــ ـــــ 

    يتبع بحلقة رابعة وتتضمن المحور الرابع: 4 ــ حول استمرار الثورة في ظل ديكتاتورية البروليتاريا.