Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الشرارة - Page 26

  • الديــالـكتـيك

    يقدم موقع الشرارة الماركسي ــ اللينيني الحلقة الأخيرة من الترجمة العربية لنص: " Beat Back the Dogmato-Revisionist Attack on Mao Tsetung Thought - Comments on Enver Hoxha’s Imperialism and the Revolution"، لكاتبه ج. وارنر (J. Werner)، وهي تتضمن المحور الخامس بعنوان: 5 ـــ الديالكتيك.

    هذا وقد قدم الموقع سابقا أربعة محاور من هذه الترجمة (انظر خانة ملفات جديدة لموقع الشرارة، تحت عنوان: "الرد الحاسم على الهجمة العقائدية ــ التحريفية ضد فكر ماو تسي تونغ) والتي جاءت كالتالي:  

    1 ـــ مقدمة.

    2 ـــ إنفير خوجا ومسار الثورة الصينية

    2 ـــ 1: ماو، الكومنترن، اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية وستالين

    2 ــــ 2: ماو، ستالين وخروتشوف

    3 ــ بناء الاشتراكية في الصين.

    4 ــــ حول استمرار الثورة في ظل دكتاتورية البروليتاريا

    ـــــ ـــــ ــــ

    الرد الحاسم على الهجمة العقائدية ـــ التحريفية

    ضد فكر ماو تسي تونغ

    تعليقات حول "الإمبريالية والثورة" ل "إنفير خوجا"

    ج. وارنر

    ("الشيوعي" ــــ عدد 5، ماي 1979)

    ترجمه إلى اللغة العربية: حمو العبيوي

    ــــ ــــ ــــ

    5 ــــ الديالكتيك

    لقد حاولنا في هذا المقال أن نظهر أن نظرة خوجا هي في نفس الوقت ميتافيزيقية ومثالية، مع أنه ليس من الضروري استنتاج ذلك من آرائه السياسية، فهو يعترف بذلك بصراحة تامة، ودون أي خجل في نقده لمادية ماو الديالكتيكية.

    يبدأ خوجا بتوجيه اتهامات سخيفة ضد ماو، على أن هذا الأخير "يتمسك ... بتصور ميتافيزيقي تطوري"، إلا أنه في محاولته "لشرح" وجهة نظر ماو، يكشف خوجا عن نظرته الميتافيزيقية المطلقة للعالم:

    "على عكس الديالكتيك المادي، الذي يتصور التطور التدريجي في شكل حلزوني (لولبي)، يدعو ماو تسي تونغ إلى التطور في شكل دوري، في دائرة مغلقة، كسيرورة من المد والجزر، التي تنتقل من التوازن إلى عدم التوازن، والعودة إلى التوازن مرة أخرى، من الحركة إلى السكون، والعودة إلى الحركة مرة أخرى، من الصعود إلى الانحدار، ومن الانحدار إلى الصعود، من التقدم إلى التراجع، وإلى التقدم مرة اخرى، إلخ..." [1]

    بالطبع، لم تكن لدى ماو على الإطلاق وجهة نظر ميتافيزيقية تطورية، ففي عمله الشهير "حول التناقض" ("On Contradiction")، قام بتطوير جدال يستهدف مباشرة "الميتافيزيقيا، أو النظرة التطورية المبتذلة للعالم [التي] تعتبر الأشياء منعزلة، ساكنة و"أحادية الجانب". وأشار إلى أنهم:

    "يعتبرون أن شيئا ما أو ظاهرة لا يمكن إلا أن تتكرر إلى أجل غير مسمى، ولا يمكن أن تتحول إلى شيء آخر مختلف. في رأيهم، فكل ما يميز المجتمع الرأسمالي: الاستغلال، المنافسة، والفردانية، وما إلى ذلك، هو موجود أيضا في المجتمع العبودي في العصور القديمة، وحتى في المجتمع البدائي، وسيظل موجودا إلى الأبد دون تغيير " [2]

    في هذا المقطع، وفي الواقع في النص بأكمله، يقدم ماو نقدا شاملا وعميقا للنظرة الميتافيزيقية، ومن الواضح لأي شخص يقرأ هذا النص، سيجد أن تفسير خوجا يساوي أقل من لا شيء، فالمثير للاهتمام هو التعريف الذي يمنحه خوجا لمصطلح "دورة" وكيف يحاول مواجهته لمفهوم لولبي (حلزوني).

    من المؤكد حقا أن الأشياء لا تكرر نفسها في "دائرة"، ولكن من الصحيح تماما أن الأشياء تنتقل من مد إلى جزر (من تدفق إلى ارتداد)، ومن جزر إلى مد، من تقدم إلى هزيمة، ثم ّإلى التقدم من جديد، وما إلى ذلك.

    أليست هذه هي الطريقة التي تتطور بها الحركة الجماهيرية في البلدان الرأسمالية؟ نعم، إنهاكذلك، وكل "دورة"، إذا صح التعبير، لا تعود إلى نفس نقطة الانطلاق، ولكنها في الواقع وبشكل عام، تمثل تقدما عاما للحركة ككل.

    أليس من الصحيح كذلك، أنه خلال الحرب يتقدم الجيش ويتراجع، ثم يتقدم من جديد؟ الاتجاه العام، تقدم الحرب، يأتي بالضبط من هذه الحركة الدورية، وبشكل عام، ينطبق الشيء نفسه على أي سيرورة معقدة وطويلة الأمد.

    فقط في ألبانيا (أو بالأحرى فقط في ذهن إنفير خوجا) يتطور الصراع الطبقي والثورة "دون انقطاع"، وينتقلان من انتصار إلى آخر، دون أن يتعرضا أبدا للهزيمة أو الانتكاسة، أو لا سمح الله! فترات من الاضطرابات و "الفوضى".

    بينما يحرق خوجا كتب ماو، فما عليه إلا أن يحرق أيضا رأسمال ماركس، لأن هذا العمل (الذي يؤيده دائما الماركسيون اللينينيون كمثال كلاسيكي بامتياز لتطبيق الديالكتيك) يعج بأمثلة للأشياء / للظواهر التي لا تتطور من خلال التكرار الثابت واللانهائي، ولكن حركتها إلى الأمام تأتي من خلال التقدم بدورات. لنأخذ على سبيل المثال، تداول رأس المال نفسه، والذي تكتب صيغته كالتاليM-C-M( from money to commodity to money) (الانتقال من النقود إلى السلع، للعودة إلى شكل النقود) والتي وصفها ماركس بأنها "حركة الربح المتجدد باستمرار" ("عملية جني الأرباح التي لا تهدأ ولا تنتهي أبدًا")، و "العملية الدورية لرأس المال"، والتي يقول فيها "لهذا السبب فهذه العملية ككل تشكل بالتالي عملية التحرك في دوائر" [3]، لكن مع ذلك، فإن هذه العملية الدورية "المتجددة باستمرار" هي أيضا سيرورة تراكم رأس المال، والانتقال من الرأسمالية التنافسية إلى الرأسمالية الاحتكارية، إلخ....وهناك أزمات دورية تتكرر في الرأسمالية، ولكن من خلال التكرار الدوري، الذي تتحرك فيه الرأسمالية تتقدم نحو نهايتها النهائية.

    إن الأهم هنا، هو أنه على الرغم من أن هذه العمليات تحدث في دورات، إلا أنها ليست دورات تعود بلا نهاية إلى نفس نقاط بدايتها: إن ما يحدث في الواقع هو حركة لولبية (حلزونية)، ومن خلال هذه الدورات والحلقات على وجه التحديد تحدث كل التطورات والقفزات النوعية إلى الأمام.

    من المفيد الاستشهاد بملخص ماو الرائع للنظرية الماركسية حول المعرفة، لأنه يشكل مثالا ممتازا للتطبيق الصحيح للديالكتيك:

    كتشاف الحقيقة من خلال الممارسة العملية، وإثبات وتطوير الحقيقة عن طريق الممارسة العملية مرة ثانية. الانطلاق من المعرفة الحسية وتطويرها بنشاط إلى المعرفة العقلانية، ثم الانطلاق من المعرفة العقلانية لتوجيه الممارسة العملية الثورية بنشاط، من أجل تغيير كل من العالم الذاتي والموضوعي. الممارسة العملية، المعرفة، ثم من جديد الممارسة العملية والمعرفة. يكرر هذا النموذج نفسه في دورات لا نهاية لها، علاوة على ذلك، مع كل دورة يرتقي مضمون الممارسة العملية والمعرفة إلى مستوى أعلى. هذه هي النظرية المادية الديالكتيكية للمعرفة بمجملها، وهذه هي النظرية المادية الديالكتيكية لوحدة المعرفة والفعل." [4]

    هكذا فإن ماو يطرح بوضوح سيرورة الارتقاء إلى "مستوى أعلى" من خلال سلسلة لا نهائية من الدورات: لولبية (حلزونية)! يرتبك خوجا ويلفه الضباب في هذه النقطة، لأنه لا يستطيع فهم ما هو اللولبي (الحلزوني) ما لم يتم إزالة كل المنعطفات / المنحنيات!

    على أي شخص يعتقد أن اللولب لا يحتوي على دورات أن يكون أعمى، ليس فقط سياسيا، ولكن بالمعنى الحرفي *.

    دعنا نمضي دون تعليق على محاولة خوجا لجعلنا نعتقد أن ماو كان منجما وأنه يؤمن بالأساطير القديمة، وذلك من أجل فحص واحدة من أخطر اتهاماته ضد ماو.

    إن خوجا، وبتوليفة من أفكار مشوشة وأكاذيب فعلية تميزه، يقول:

    "ينفي ماو تسي تونغ بشكل أساسي التناقضات الداخلية المتأصلة في الأشياء والظواهر، ويعتبر التطور بمثابة تكرار بسيط، كسلسلة من الحالات الثابتة، حيث تتم ملاحظة نفس الأضداد ونفس العلاقة بينهما. إن التحول المتبادل بين الأضداد إلى بعضها البعض، يتصوره كمجرد تبادل للأماكن وليس كحل للتناقض وتغيير نوعي للظاهرة ذاتها التي تتضمن هذه الأضداد، ويستخدمه كنمط شكلي يخضع     له كل شيء." [5]

    حسنا، ماذا لدينا هنا! خوجا، الذي يرفض الاعتراف بوجود خطين داخل الحزب، ويرفض الاعتراف بوجود طبقات عدائية في ظل الاشتراكية، يركب خيوله العالية ويتهم ماو تسي تونغ بنفي وجود التناقضات الداخلية للأشياء! هذا الاتهام يكاد يساوي أطروحته اللامعة بأن ماو "عنصري"، والذي من خلاله يكشف خوجا عن سلسلة أمثلة كاملة من شوفينيته وقوميته الضيقة! هذا التصريح يشبه حقا قصة اللص الذي يندفع صائحا تجاه جميع القادمين نحوه: "لا يوجد كنز في هذا الجانب".

    إذا تجاوزنا هذا الاتهام السخيف، وكذلك الطريقة العبثية التي يحاول بها خوجا إحياء "نظرية الدوائر" الخاصة به ونسبها إلى ماو، فإننا نصل أخيرا إلى جوهر المسألة: يقر خوجا أن "التحول المتبادل بين الأضداد إلى بعضها البعض "يمثل" حل التناقض [و] تغيير نوعي للظاهرة ذاتها التي تتضمن هذه الأضداد ".

    حسنا، خوجا نصف محق، وهو ما يشكل تقدما مهما مقارنة بمعظم تصريحاته. إن تحول الأشياء إلى نقيضها يعني، وهو صحيح، أن تغييرا نوعيا قد حدث. لسوء حظ جدال خوجا، فهو غير قادر على إيجاد نص ينفي فيه ماو هذا المبدأ، كما أنه يكتفي فقط برصد هذه "الحقيقة"، في حين أن ماو، بعيدا عن نفيه لهذا المبدأ، فهو على عكس خوجا قادر على تفسيره، وتفسيره بشكل صحيح:

    "غالبا ما نتحدث عن "حلول الجديد محل القديم". هذا هو القانون العام للكون، الذي لا يمكن انتهاكه أبدا. إن تحول ظاهرة إلى أخرى عبر قفزات تختلف أشكالها وفق طبيعة الظاهرة نفسها والظروف التي توجد فيها. تلك هي سيرورة حلول الجديد محل القديم.    في    كل ظاهرة هناك تناقض بين طرفه الجديد وطرفه القديم، وهو ما يفضي إلى سلسلة من الصراعات بمسارات متعرجة، ويترتب على هذه الصراعات، أن الطرف الجديد ينمو ويرتقي إلى الدور المهيمن، بينما الطرف القديم يتناقص إلى أن يتلاشى في النهاية. وحالما يسيطر الطرف الجديد على الطرف القديم، تتحول الظاهرة القديمة نوعيا إلى ظاهرة جديدة، فيترتب على هذا أن نوعية الظاهرة أو شيء، يحددها أساسا الطرف الرئيسي للتناقض، الذي يحتل مركز السيطرة، وعندما يتغير الطرف الرئيسي للتناقض، الطرف الذي يحتل مركز السيطرة، تتغير نوعية الظاهرة تبعا لذلك." [6]

    هكذا، فإن ماو واضح جدا في هذا الموضوع: في تحول أضداد التناقض، لا يتعلق الأمر ب «تبادل بسيط للأماكن" (هذه هي الطريقة التي يريدنا خوجا أن نفسر بها خط ماو)، ولكن (حسب كلمات ماو الخاصة): "تتحول الظاهرة القديمة نوعيا إلى ظاهرة جديدة".

    لا، فالسؤال المطروح هنا، هو ليس ما إذا كان التغيير النوعي يحدث عندما تتحول الأضداد بعضها إلى البعض، ولكن ما إذا كان هذا التحول "يحل" التناقض، أو بعبارة أخرى، ما إذا كان التناقض نفسه لم يعد موجودا! هذا السؤال حرج للغاية.

    هكذا ينتقل خوجا إلى الطرف الآخر من الخطأ النموذجي ل "مدرسة ديبورين"، الذي أشرنا إليه أعلاه. من جهة، يتألف خط خوجا، كما أشرنا إلى ذلك سابقا، من وجهة نظر مفادها أن التناقض لا ينشأ إلا في مرحلة معينة من تطوره، ومن جهة ثانية، نرى أن خوجا يؤكد أن التناقض يختفي في لحظة التغيير النوعي بين الأضداد! إن وجهتا النظر هاته تشتركان معا في عدم القدرة على فهم وجود التناقض خلال السيرورة الكاملة لتطور الظاهرة، من بدايتها حتى نهايتها.

    إن أطروحة خوجا القائلة بأن التناقض يحل لمجرد أن كل طرف تحول إلى نقيضه، هي أطروحة خاطئة بشكل واضح. لنأخذ على سبيل المثال التناقض بين الحرب والسلام على المستوى العالمي أو في بلد معين، فالتناقض بين الحرب والسلام يعود إلى ما قبل نشوء الطبقات بوقت طويل، ولن يحل حتى يصبح السلام ،ليس فقط الطرف الرئيسي للتناقض، بل حتى "يلتهم" كليا، وعلى المستوى العالمي، طرفه النقيض، الحرب، ومن هذه اللحظة، لن يكون هناك أي تناقض بين الحرب والسلام، ولن يكون لمصطلح السلام أي معنى، إن لم يكن كعامل تاريخي، لكن هناك فترة تاريخية طويلة بين فجر الحروب وفجر الشيوعية، وهي فترة صراع لا يتوقف بين طرفي التناقض، والتي تتميز بالعديد من التغيرات النوعية تتحول خلالها الحرب إلى سلام... والعكس كذلك. لأجل هذا، كان ماو محقا في انتقاده النص الفلسفي السوفياتي (الذي حسبه، يعكس وجهة نظر ستالين) لادعائه أنه لا توجد وحدة بين الحرب والسلام [7].

    نشأت الحرب العالمية الثانية من فترة سلام نسبي، والتي نشأت بدورها عن فترة حرب نسبية، أي الحرب العالمية الأولى. أدت الحرب العالمية الثانية إلى فترة جديدة من السلام النسبي على المستوى العالمي، ومع ذلك، فالتناقض بين الحرب والسلام لم يتم حله أبدا خلال هذه التحولات.

    كل فترة سلام تحتوي على مظاهر للحرب بداخلها (للحرب القديمة والحرب القادمة، فضلا عن الحروب الثورية)، إضافة إلى ذلك، فإن هذه السيرورة لا تشكل سلسلة دوائر متكررة وبلا نهاية، ولكنها بالأحرى حركة لولبية (حلزونية): كل دورة من الحرب إلى السلام والعودة من جديد إلى الحرب، أدت إلى تقدم المجتمع، تقدم تمثله الحروب الثورية (حروب الطبقة العاملة والشعوب المضطهدة، وهي الحروب الوحيدة التي يمكنها أن تؤدي إلى القضاء على أي حرب) التي انتصرت بداية في بلد واحد، ثم في عدة دول.

    نظرا لكونه قد استوعب هذه الأمور بشكل صحيح، ومن وجهة نظر ديالكتيكية، فقد تمكن ماو من ملاحظة أن حربا جديدة (في مواجهة ادعاءات خروتشوف الهستيرية بأن حربا عالمية جديدة ستؤدي إلى إبادة البشرية جمعاء)، على العكس من ادعاءات خروتشوف، ستؤدي إلى عاصفة ثورية كبيرة لم يسبق لها مثيل، وأنها ستوفر الفرصة لجعل النظام الامبريالي يعاني من أخطر هزائمه.

    بالطبع، تزودنا الطبيعة والمجتمع بالعديد من الأمثلة الأخرى التي، تبين هذا المبدأ الذي بموجبه يتحول الطرف الرئيسي للتناقض، فيؤدي إلى تحول نوعي للظاهرة، على الرغم من أن التناقض نفسه يستمر في الوجود، وأن الأطراف المتناقضة للظاهرة تبقى منخرطة في الصراع.

    تمثل أطروحة خوجا انعكاسا لنظرته الميتافيزيقية، والتي تنص على أنه بمجرد حدوث التغير النوعي الأول، فمن المستحيل أن تنقلب أطراف التناقض مرة أخرى، لأن التناقض نفسه لم يعد موجودا.

    نعم هي نعم ولا هي لا: هذا هو منطق خوجا، منطق بورجوازي ومناهض للديالكتيك. قد يبدو للوهلة الأولى أن هذا المنطق سليم بما فيه الكفاية، لكن مثل هذه النظرة ستؤدي بالتأكيد إلى هزيمة الثورة.

    إن وجهة نظر خوجا في اتخاذ موقف بشأن هذه المسألة واضحة، فهو يريد ابتكار مبدأ فلسفي غير موجود (أن التغيير النوعي يعني إزالة التناقض الذي أدى إلى ظهوره) من أجل تبرير خطه المثالي الميتافيزيقي حول طبيعة الاشتراكية، ولهذا يتهم ماو بالآتي:

    "... إنه لا يتصور الثورة الاشتراكية على أنها تغيير نوعي للمجتمع تؤدي إلى القضاء على الطبقات العدائية واضطهاد واستغلال الإنسان للإنسان، ولكنه يتصورها على أنها تغير بسيط في الأماكن بين البورجوازية والبروليتاريا" [8].

    وبعد ذلك يقتبس لماو:

    "إذا كانت البورجوازية والبروليتاريا لا تستطيعان التحول الواحد إلى الأخر، فكيف تفسرون أن البروليتاريا تصبح، عن طريق الثورة، هي الطبقة المسيطِرة والبورجوازية طبقة مسيطَر عليها؟ ... نحن وكيومينتانغ (Kuomintang) تشيانغ كاي شيك (Tchiang Kaï-chek) في الأساس متعارضين، ونتيجة للنضال والإقصاء المتبادل للطرفين المتناقضين، قمنا بتغيير المكان مع الكومينتانغ ..." [9]

    يقول خوجا معلقا على اقتباسه:

    "هذا المنطق نفسه أدى بماو تسي تونغ أيضا إلى مراجعة النظرية الماركسية ـــ اللينينية حول مرحلتي المجتمع الشيوعي".

    حسنا، خوجا على وشك الانتهاء. صحيح أن منطق ماو هذا، المنطق الديالكتيكي الذي يقوم على تحليل كل شيء انطلاقا من تناقضاته الداخلية وأطرافه المتناقضة، هو نفس المنطق الذي قاد ماو إلى تطوير المعرفة الماركسية ـــ اللينينية للاشتراكية والانتقال إلى الشيوعية. خوجا منزعج للغاية من هذا التصريح لماو:

    "يعتبر الديالكتيك أن النظام الاشتراكي كظاهرة تاريخية سيختفي يوما من الأيام، كما الإنسان يجب أن يموت، وأن النظام الشيوعي سيكون نفيه. كيف يمكننا كماركسيين أن نعتبر التأكيد الذي يقول إن النظام الاشتراكي، وكذلك علاقات الإنتاج والبنية الفوقية للاشتراكية، لن يختفوا؟ أليست هذه عقيدة دينية، اللاهوت الذي يبشر بخلود الله؟" [10]

    إن هذا التصريح قد لا يروق لخوجا، لكننا نجده ممتازا!

    أليس من الواضح تماما أن النظام الاشتراكي يختلف نوعيا عن النظام الشيوعي؟!

    يعتقد خوجا أن الأمر عكس ذلك، وأن الاشتراكية والشيوعية هما "في الأساس (الجوهر) مرحلتان من نوع واحد، من نظام اقتصادي واجتماعي واحد، ولا يتم تمييز كل منهما عن الآخر إلا بدرجة تطورهما ونضجهما [] يقدم ماو تسي تونغ الاشتراكية على أنها شيء معارض تماما للشيوعية" [11].

    ها هو الخط التحريفي بكل مجده وكامل روعته! لا يقتصر الأمر فقط على عدم السماح بتقسيم الاشتراكية إلى جوانب متناقضة من أجل تحليلها، بل لا يحق لنا حتى الاعتراف بوجود تناقض بين الاشتراكية والشيوعية.

    هذا ليس مفاجئا: لأن خوجا غير قادر بالتحديد على فهم تناقضات الاشتراكية، فلن يكون قادرا على فهم التناقض بين الاشتراكية والشيوعية.

    بما أن وجهة نظر خوجا المثالية ترى أن التغيير النوعي من الرأسمالية إلى الاشتراكية يعني حل التناقض بين البروليتاريا والبورجوازية، يترتب على ذلك أن هذا التحول يعني إنجاز الأساسي للشيوعية، وإن كانت في مرحلة "أدنى" (شيوعية "أقل تطورا")؛ ويكفي فقط أن يتبع النظام مسار التطور الكمي "دون انقطاع"، وأن ينضج قليلا، وبذلك يصل إلى الشيوعية بمعناها الكامل.

    إن التناقض الأساسي في المجتمع الاشتراكي هو بالضبط التناقض بين البروليتاريا والبورجوازية، والذي بدوره يعكس التناقض بين "الشيوعية الوليدة" (كما يسميها لينين) والآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية للمجتمع الرأسمالي، الذي تنبثق منه الاشتراكية. عندما تحل هذه التناقضات، أي عندما يتم القضاء على البورجوازية وآثار المجتمع القديم تحت الضربات المتكررة للبروليتاريا، وبفضل تقدم التحول الاشتراكي، عندها فقط يمكننا القول إن البشرية قد دخلت عالم الشيوعية، وطبيعة المجتمع ستتحدد عن طريق تناقضات جديدة.

    يمثل تحول الطبقة العاملة إلى طبقة حاكمة للمجتمع قفزة نوعية إلى الأمام، ويمثل القضاء على الطبقات كليا قفزة نوعية أخرى إلى الأمام أكثر عمقا.

    قد يبدو هذا أمرا أوليا تماما، لاسيما في ضوء التجربة المتراكمة خلال مائة عام من الثورات الاشتراكية منذ كومونة باريس، التجربة، التي أثبتت لنا أن الانتقال إلى الشيوعية سيكون أطول، ومقاومة البورجوازية أكثر شراسة، وآثار المجتمع القديم أكثر عنادا وتصلبا مما تصوره ماركس وإنجلز في البداية، حيث أن كتاباتهما عن الاشتراكية والشيوعية لها أهمية تاريخية كبيرة للغاية، لكنها كانت محدودة بسبب نقص خبرة البروليتاريا في بناء الاشتراكية خلال حياتهما. أما خوجا، فهو يحرص على نشر ودفع حد العبث، فكرة أن الاشتراكية والشيوعية هما نفس "النظام الاقتصادي والاجتماعي"!

    حسنا سيد خوجا، هل يمكننا أن نقول إن الصيغة "لكل فرد حسب عمله"، تعكس نفس النظام الاقتصادي والاجتماعي لصيغة "لكل حسب احتياجاته"؟ هل المجتمع، الذي تؤسس فيه طبقة واحدة دولة، وتمارس الديكتاتورية هو نفسه المجتمع الذي لا توجد فيه دولة وتختفي فيه الطبقات؟ أخيرا، حقا حتى الطفل يمكنه أن يتعرف على غباء خوجا. كيف يمكن ألا يكون الانتقال إلى مجتمع لا طبقي، بعد آلاف السنين من المجتمعات الطبقية (بما في ذلك الاشتراكية) قفزة نوعية هائلة إلى الأمام؟

    إن إصرار خوجا على أن الاشتراكية والشيوعية هما في "جوهرهما" نفس الشيء، يؤدي إلى عواقب خطيرة للغاية، إنه يفتح الباب على مصراعيه أمام هذا الخط الخبيث الذي يبدو أنه يلازم كل تحريفية: "نظرية القوى المنتجة".

    في الواقع، إذا كانت الاشتراكية لا تختلف عن الشيوعية إلافي درجة "نضجها"، وإذا كان التناقض بين البروليتاريا والبورجوازية قد أزيل حقا عن طريق الاشتراكية، فإن ذلك يعني أن مستوى تطور القوى المنتجة هو ما يميز الشيوعية عن مرحلتها الأقل "نضجا"، الاشتراكية. بالتأكيد، إن "نظرية القوى المنتجة" هي النتيجة المنطقية، وهي تشكل على نحو تام جزءا من كل الحملة الصليبية لخوجا ضد الماركسية ـــ اللينينية، فكر ماو تسي تونغ.

    بالنظر إلى الخسارة في الصين، خسارة مأساوية للبروليتاريا بالعالم كله، تواجه الحركة الشيوعية العالمية حاليا أخطر أزماتها، فالرهان الحالي للماركسيين ـــ اللينينيين: هل سنتمكن من الصمود والثبات في قناعاتنا الثورية، والمضي قدما في النضال الثوري على أساس علم الماركسية ـــ اللينينية، وإغناء هذا العلم من طرف ماو تسي تونغ؟ أم ينبغي أن يتخلى الماركسيون ـــ اللينينيون عن كل ما تم إنجازه خلال النضال ضد التحريفية الخروتشوفية، ونسيان دروس الثورة الثقافية... إلخ، والتكيف بطريقة أو بأخرى مع التحريفية؟

    بعد الخسارة في الصين، تركز انتباه الماركسيين ـــ اللينينيين على ألبانيا وإنفير خوجا، فحزب العمل الألباني ناضل جنبا إلى جنب مع ماو والحزب الشيوعي الصيني ضد خروتشوف، ودعم الثورة الثقافية، وكان قدوة في نظر العالم كله برفضه الانصياع للتحريفية الحديثة، ولكن اليوم، فكل الأشياء التي يجب أن نعتز بها وندافع عنها بحق، وكل ما فازت به الحركة الشيوعية العالمية خلال النضالات المريرة، إخفاقات وانتصارات السنوات الأخيرة، يتم مهاجمته من طرف أولئك الذين كنا نتوقع منهم شيئا مختلفا تماما.

    على الرغم من احتجاجات خوجا، فمن الواضح أن الهجوم الألباني على فكر ماو تسي تونغ لا يختلف من حيث الأساس عن الجوقة التي أثيرت ضد ماو من طرف الاشتراكيين ــــ الإمبرياليين السوفيات والقادة التحريفيين الحاليين في الصين، فجميعهم يتفقون على مهاجمة أهم إسهامات ماو في الماركسية ـــ اللينينية، أي نظرية وممارسة استمرار الثورة في ظل دكتاتورية البروليتاريا.

    لقد أصيب جميعهم بالرعب من الثورة الثقافية، وقبل كل شيء خوفا من السيل الثوري للجماهير، التي هاجمت كل ما يعيق طريق المستقبل الشيوعي، وتجرأت على تشكيل كل شيء في المجتمع على صورة البروليتاريا.

    إن التحريفيين السوفيات والصينيين، والآن إنفير خوجا، يتراجعون في رعب أمام ديالكتيك ماو، أمام عمله البعيد النظر والدؤوب والحازم للوصول إلى كشف التناقض الموجود في قلب كل حركة، أمام رفضه السجود لأي بقرة مقدسة، وأمام إدراكه أن العالم يتقدم دائما عبر النزاعات والصراعات، وأمام تجرئه على قيادة الجماهير إلى الأمام وسط العواصف الحتمية. إن النداء الشهير الذي أطلقه ماو: "من حقنا أن نثور ضد الرجعيين!" ألهم الثوار في جميع القارات كما ألهب الرعب في قلوب كل الرجعيين والتحريفيين.

    إن اتهامات خوجا المسماة ب "الشيوعية الآسيوية" و "العنصرية" مستمدة مباشرة من مواعظ التحريفيين السوفيات *،أما أنه يكره "فوضى" الثورة الثقافية وأنه يشفق على الفقراء "الشيوعيين"، اللذين تعرضوا لسوء المعاملة، فهو ينهل مباشرة من تينغ كسياو بينغ (Teng xiao-ping)! يريد خوجا أن يضع نفسه على رأس الحركة الشيوعية العالمية، وأن يكون ممثلا للماركسية ـــ اللينينية "النقية": إنها في الحقيقة مجرد نوع متحور غريب من التحريفية، التي تبدو أنها تفقد تدريجيا خصائصها المميزة لتصبح أكثر اندماجا في التيار التحريفي الرئيسي المنبثق من موسكو.

    إن أهمية خوجا الوحيدة اليوم، هي أنه يحاول جر قسم معين من الماركسيين ـــ اللينينيين المعارضين حتى الآن للتحريفية إلى المستنقع التحريفي، ولأنه يحاول أن يلطف حبة الاستسلام والخيانة المرة، ومع ذلك، لا ينبغي له أن يفقد عقله وأن تكون لديه الكثير من الأوهام بفكرته عن أممية جديدة (يتخيل نفسه على أنه ستالين هذه الحركة، على الرغم من أنه يخلو تماما من الجوهر الثوري لستالين)، لأن الماركسيين ــ اللينينيين الحقيقيين قد بدأوا يتخلون عنه بالفعل، وآخرون يميلون أكثر فأكثر إلى اليمين، يشبهون أكثر فأكثر للأحزاب التحريفية. بالإضافة لآخرين، الذين لا يمثلون إلا طوائف صغيرة بائسة مثيرة للشفقة، لم تعد تفكر حتى في الثورة.

    إن التعليق الذي تم الإدلاء به في "ثورة" بعد ظهور البيان الصحفي الألباني الذي يعلن خروج خوجا المطلق والكامل عن الماركسية بنشر الإمبريالية والثورة، لا يزال مناسبا بعد أن فحصنا بدقة بعض هجمات خوجا الرئيسية على الماركسية اللينينية، فكر ماو تسي تونغ: "في الوقت الذي تجد فيه الحركة الشيوعية العالمية نفسها عند مفترق طرق، كانت لدى إنفير خوجا الفرصة والمسؤولية للعب دور هائل، وعوضا عن ذلك اختار أن يكون شخصا ثرثارا" [12].

    الهوامش:

    [1] ـــ خوجا، مرجع سابق، ص. 112 (مرجع النص الفرنسي، ص. 435)

    [2] ـــ ماو، في التناقض، الأعمال المختارة، المجلد الأول، ص. 312 (مرجع النص الفرنسي، ص. 348 ــ 349).

    [3] ـــ ماركس، رأس المال، المجلد الأول (نيويورك، 1967)، ص. 152؛ المجلد الثاني (نيويورك، 1967)، ص 56 و48. (مرجع النص الفرنسي، ماركس، رأس المال، المجلد الأول (Editions sociales، مونتريال، 1976)، ص. 119؛ المجلد الثاني، ص. 48 ــ 52.).

    [4] ـــ ماو، في الممارسة العملية، الأعمال المختارة، المجلد الأول، ص. 308 (مرجع النص الفرنسي، ص. 344).

    * ـــ نود أن نقترح أن يقود خوجا حملته الصليبية ضد "الأشكال الدائرية" إلى أن يصل إلى لينين، الذي كتب في عمله "حول الديالكتيك" (مقال من خمس صفحات يستشهد بها خوجا، ولكن من الواضح أنه لم يقرأه) "إن معرفة الإنسان ليست (أو لا تتبع) خطا مستقيما، بل منحنى يقترب إلى ما لا نهاية من سلسلة من الدوائر، خط لولبي" (لينين، حول الديالكتيك، الاعمال الكاملة، المجلد 38، ص. 363 / المرجع الفرنسي، حول الديالكتيك، الاعمال الكاملة، المجلد 38، (باريس وموسكو، 1976)، ص. 347).

    [5] ـــ خوجا، مرجع سابق، ص. 113 (المرجع الفرنسي، ص. 437).

    [6] ـــ ماو، في التناقض، ص. 333 (مرجع النص الفرنسي، ص. 372).

    [7] ـــ ماو، "خطاب ألقي في مؤتمر أمناء لجان الحزب للمقاطعات والبلديات ومناطق الحكم الذاتي" الأعمال المختارة، المجلد. 5، ص. 368. (المرجع الفرنسي، ص. 399).

    [8] ـــ خوجا، مرجع سابق، ص. 113 (مرجع النص الفرنسي، ص. 438).

    [9] ـــ المرجع نفسه، ص. 128، نقلا عن ماو، "خطاب ألقي في مؤتمر أمناء لجان الحزب" المجلد. 5، ص. 368، حيث يظهر هذا المقطع في شكل مختلف قليلا. (مرجع النص الفرنسي، ص. 438، نقلا عن ماو، "خطاب ألقي في مؤتمر أمناء لجان الحزب"، مرجع سابق، ص. 399 ــ 400).

    [10] ـــ خوجا، ص. 113، نقلا عن ماو، "خطاب في مؤتمر أمناء لجان الحزب " المجلد. 5، ص. 377. (مرجع النص الفرنسي، خوجا، ص. 438-439؛ نقلا عن ماو، "خطاب ألقي في مؤتمر أمناء لجان الحزب للمقاطعات والبلديات ومناطق الحكم الذاتي"، مرجع سابق، ص. 409).

    [11] ـــ خوجا، مرجع سابق، ص. 113 (مرجع النص الفرنسي، ص. 439).

    * ـــ تأمل على سبيل المثال الاقتباس التالي: "تعكس وجهة النظر السياسية والاقتصادية والفلسفية والاجتماعية، وكذلك الأساليب التكتيكية لماو تسي تونغ وأتباعه، تأثير مختلف المذاهب والنظريات والمفاهيم، بما في ذلك الفلسفة الصينية الإقطاعية (معظمها من الكونفوشيوسية والطاوية)، والاشتراكية البرجوازية الصغيرة، ووجهات نظر البرجوازية الصغيرة والفلاحين، والمنظور البرجوازي القومي، وشوفينية القوة العظمى، والأفكار التروتسكية والفوضوية، الكل يشكل مزيجا انتقائيا". هل خوجا من يتحدث هكذا، أو ربما واحدا من ببغاواته المثيرة للشفقة؟ لا، هذا الاقتباس مأخوذ من كراسة بعنوان "ما لا تقوله بكين"، نشر في موسكو عام 1972.

    [12] ـــ ثورة، المجلد. 4، رقم 1 (يناير 1979)، ص. 4.

    ـــ / ـــ