Ok
En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.
Aller au contenu
Le Centre Marxiste-Léniniste d'Etudes, de Recherches et de Formation
الـشــرارة
من الشرارة يولد اللهيب
الشرارة، الأداة النظرية للمركز الماركسي ــ اللينيني
للدراسات و الأبحاث و التكوين
لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية
من أجل خط ثوري ماركسي ــــ لينيني
-
الحلقة الثانية
1 ـــ سيرورة تطور مفاهيم علم الاقتصاد السياسي
ترجع كلمة "اقتصاد" تاريخيا إلى أرسطو وتعني علم مبادئ تدبير المنزل، وهي مشتقة من الكلمتين اليونانيتين (إيكوس) التي تعني منزلا، و(نوموس) التي تعني قانونا. وكان "مونكرتيان" (Antoine Montchrestien) أول من استعمل اصطلاح "الاقتصاد السياسي" في مؤلفه "بحث في الاقتصاد السياسي"، المنشور في عام 1615. وتشير صفة "السياسي" إلى أن المؤلف كان يعنى بمبادئ اقتصاد الدولة، لأن "مونكرتيان" كان مهتما بمالية الدولة في الأساس.
منذ ذلك الحين بدأ استعمال اصطلاح "الاقتصاد السياسي" ينتشر انتشارا واسعا ليشمل الأبحاث في مشاكل الاقتصاد الاجتماعي، لأن الكلمة اليونانية الأصلية تعني "اجتماعي" (فقد عرف أرسطو الانسان على أنه حيوان اجتماعي). وعليه تعتبر الكلمتان "الاقتصاد السياسي" و"الاقتصاد الاجتماعي" مترادفتين، على أن "الاقتصاد الاجتماعي" قد تعطي فكرة أوضح عن موضوعات هذا العلم.
لذلك يعرف الاقتصاد السياسي "بالاقتصاد الاجتماعي" أحيانا، فمثلا يستعمل "سوبنسكي" الاقتصادي البولوني هذا الاصطلاح في عنوان كتاب "المدرسة البولونية في الاقتصاد الاجتماعي، 1862 – 1865، وقد استعمل هذا الاصطلاح في فرنسا، جريا على التقليد الذي بدأه "مونكرتيان" عام 1615، وما يزال يستعمل حتى يومنا هذا. والجدير بالملاحظة أن الكتاب المشهور ل"شارل جيد" عن "مبادئ الاقتصاد السياسي" (1884) كان قد نشر في بولونيا تحت عنوان "مبادئ الاقتصاد الاجتماعي". وكان مصطلح "الاقتصاد الاجتماعي" واسع الانتشار في بولونيا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وكان لهذا المصطلح أنصاره في الأقطار الأخرى أيضا، ففي إيطاليا، نشر "ليوبكي كوسا" "الاقتصاد الاجتماعي" (1891)، وفي ألمانيا، كتب "هاينريش ديتزل" "الاقتصاد الاجتماعي النظري" (1895).
وربما جاء استعمال اصطلاح "الاقتصاد السياسي" في بريطانيا متأثرا بالاصطلاحات الفرنسية، وكان "جيمس ستيوارت" أول من استعمله في عنوان كتابه "بحث في مبادئ الاقتصاد السياسي" (1762).
انحدر اصطلاح الاقتصاد السياسي كما استعمله ماركس وانجلز من هذا التقليد الإنجليزي – الفرنسي، فقد استعملاه ليبينا القوانين الاجتماعية لإنتاج السلع وتوزيعها: إذ أسمى ماركس عمله "نقد الاقتصاد السياسي" أي نقد مبادئ ما هو معروف بالاقتصاد السياسي الكلاسيكي. ومنذ ذلك الحين انتظم استعمال اصطلاح الاقتصاد السياسي في الأدبيات الماركسية بصورة عامة، ولم تشذ عن ذلك إلا روزا لوكسمبورغ التي كانت في عرضها للاقتصاد السياسي تشير الى "علم الاقتصاد الوطني".
وقد احتل اصطلاح "الاقتصاد الوطني" مكانا ثابتا في الدراسات الألمانية منذ أواسط القرن التاسع عشر، وهو تعبير عن الدور المحدد المنسوب الى الأمة من قبل المدرسة التاريخية على أنها عامل اقتصادي، وكان هذا الاتجاه السائد في الأوساط الاكاديمية الألمانية لذلك الزمن، ومما هو جدير بالملاحظة أن هذا الاصطلاح نفسه كان قد استعمل لأول مرة من قبل الراهب "كياماريا أورتيس" في كتابه "حول الاقتصاد الوطني" (1774).
وفي بولونيا، أسمى "فردريك سكاربيك" محاضراته عن الاقتصاد السياسي "المبادئ العامة لعلم الاقتصاد الوطني" (1859). وفي روسيا، استعمل اصطلاح الاقتصاد السياسي استعمالا مستقيما، تحت تأثير التقليد الإنجليزي – الفرنسي أولا، وقد كان هذا في نفس الوقت يتماشى مع استعمال هذا الاصطلاح استعمالا عالميا في الأدبيات الماركسية.
وبعد أن نشر "ألفريد مارشال" كتابه "مبادئ الاقتصاد" في عام 1890، أخذ اصطلاح الاقتصاد ينتشر على نطاق واسع بين الكتاب في الأوساط الأكاديمية في الأقطار المتكلمة بالإنجليزية، وقد أزاح هذا الاصطلاح مصطلح "الاقتصاد السياسي"، الذي كان ما يزال مستعملا من قبل "وليم ستانلي جيفينز" في كتابه "نظرية الاقتصاد السياسي" (1871). وقد وضع "ادورد تيلر" تأكيدا خاصا على "الاقتصاد" في كتابه "مقدمة في الاقتصاد"، الطبعة الثانية، كيدنيا 1937. (أنظر أيضا "آدم كويزيانوفسكي" "أسس الاقتصاد" كركاو ــ عام 1919.) وكان هذا التحول مرتبطا بالتحول الذي طرأ على غرض البحث الاقتصادي، ويكاد يكون استعمال اصطلاح "الاقتصاد السياسي" مقتصرا على الأدبيات الماركسية في الأقطار المتكلمة بالانجليزية في الوقت الحاضر، التي تعارض بالاقتصاد السياسي للمدرسة الكلاسيكية ولماركس وانجلز "الاقتصاد" الأكاديمي المعاصر معارضة واعية.
2 ـــ مضمون الاقتصاد السياسي
بعد اطلاعنا على عدد من المفاهيم الاقتصادية الأساسية، أصبح من الممكن إعطاء تعريف لموضوع الاقتصاد السياسي كعلم يدرس أنماط الإنتاج المختلفة، والمقصود هنا بنمط الإنتاج، مجمل القوى المنتجة والعلاقات الإنتاجية في درجة محددة تاريخيا من تطور المجتمع البشري.
إن نمط الإنتاج هو عبارة عن وحدة جانبين يشترط بعضهما البعض بصورة متبادلة، هما القوى المنتجة والعلاقات الإنتاجية التي تشير إلى المستوى الذي بلغه انتاج وسائل الإنتاج وسلع الاستهلاك الضرورية للمعيشة.
إن القوى المنتجة وطابع ومستوى تطورها تعني إلى حد كبير، العلاقات الاقتصادية بين الناس، وقبل كل شيء شكل ملكية وسائل الإنتاج، وتؤثر العلاقات الإنتاجية بدورها تأثيرا فعالا على القوى المنتجة، ويدل التاريخ على أن العلاقات الإنتاجية يمكن أن تضمن تطورا جبارا للقوى المنتجة، ولكنها يمكن أن تعيق هذا التطور أيضا، وفي ظروف معينة أن تدمرها جزئيا، ويجري ذلك عندما تتأخر العلاقات الإنتاجية عن تطور القوى المنتجة وتكف عن التناسب معها. ويسفر التناقض بينها عن استبدال أحد أساليب الإنتاج بغيره، وقد عرف التاريخ أنماط الإنتاج التالية: المشاعة البدائية، والعبودية، والاقطاعية والرأسمالية.
1 - ضد الاقتصادية المبتذلة:
برهنت الماركسية على أن الإنتاج المادي هو الأساس لمجمل التقدم الاجتماعي وسائر التغيرات الاجتماعية، وبهذا المعنى ينعت الماركسيون بكل حق "بالماديين" تمييزا لهم عن "المثاليين" الذين يعتبرون الروح والوعي والفكر أساس التطور الاجتماعي.
إن الاقتصاد السياسي الماركسي- اللينيني يدرس بالدرجة الأولى أنماط الإنتاج المحددة تاريخيا، ولكنه لا يقتصر على "الاقتصاد الصرف"، وهو لا يتجاهل في تحليله الاقتصادي طابع السلطة السياسية، والمضمون الطبقي للدولة، وتأثير سياسة الدولة على الاقتصاد والتأثير المتبادل بين مختلف الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية القائمة في العالم المعاصر.
ولكون الماركسيين ماديين ديالكتيكيين فلقد وقفوا على الدوام، ويقفون اليوم أيضا، ضد إيديولوجي "المادية المبتذلة" أو "الاقتصادية المبتذلة" الذين لا يفهمون التطور الديالكتيكي، وهم غالبا ما يغطون "نظريتهم" باصطلاحات ماركسية، إلا أنهم يشوهون الماركسية في جوهر الأمر، وإن منطقهم هو على النحو التالي تقريبا: لا يمكن للعلاقات الإنتاجية الاشتراكية أن تقوم حتى في المستقبل المنظور في تلك البلدان التي لم تتطور فيها تطورا كافيا بعد القوى المنتجة، ويجب على جميع البلدان أن تمر على الطريق نحو الاشتراكية بكافة أنماط الإنتاج بصورة متوالية، بما فيها نمط الإنتاج الرأسمالي، أي أن تنصهر في بوتقة الإنتاج الرأسمالي.
ويستحيل من موقع "الاقتصاد الصرف" فهم المضمون الاقتصادي والاجتماعي وطبيعة قطاع الدولة في البلدان النامية، ومن الواضح أن طبيعة هذا القطاع كانت تختلف جدا في بلدان التوجه الاشتراكي عنها في تلك البلدان التي تتطور فيها الميول الرأسمالية بسرعة. وبغية الإجابة بصورة علمية عن هذه الأسئلة، ينبغي مراعاة تلك "العوامل غير الاقتصادية" مثل طبيعة السلطة السياسية في البلد، والوعي الاجتماعي (الأيديولوجيا والسيكولوجيا)، وسياسة الدولة، والصلات الدولية المعاصرة، والتضامن الدولي، والتناسب بين مختلف القوى الاجتماعية في العالم، وغير ذلك.
وذلك هو السبب في أنه لا يمكن للتحليل الاقتصادي تجاهل تلك المفاهيم مثل التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية، والبناء التحتي الاقتصادي والبناء الفوقي، والسياسة الاقتصادية، والخ..
2 - التشكيلة الاقتصادية - الاجتماعية:
التشكيلة الاقتصادية - الاجتماعية هي عبارة عن طراز تاريخي للمجتمع، وهذا المفهوم أوسع من مفهوم نمط الإنتاج الذي يعتبر، كما أكدنا سابقا، مجموعا للقوى المنتجة والعلاقات الإنتاجية، ويتضمن مفهوم التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية عنصرا آخر هاما للغاية هو البناء الفوقي، أي منظومة الأفكار السياسية والحقوقية والأيديولوجية وما يناسبها من مؤسسات ومنظمات.
والعلاقات الإنتاجية تشكل البنية الاقتصادية للمجتمع و"هيكله العظمي" الذي يكسى "بلحم ودم" الظواهر الاجتماعية التي تعلو العلاقات الإنتاجية بوصفها البناء التحتي لتلك الظواهر.
وهكذا، تتصف التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية بأنها مجموع:
1) – القوى المنتجة في المجتمع المعين.
2) – نظام العلاقات الإنتاجية التي تشكل بنية المجتمع الاقتصادية أو بناءه التحتي.
3) – البناء الفوقي، ويشكل العلاقات السياسية والحقوقية والأيديولوجية والأفكار وما يناسب ذلك من مؤسسات ومنظمات، وإن المفهوم العلمي للتشكيلة الاقتصادية الاجتماعية يتيح النظر إلى المجتمع، ليس كمجموع آلي للظواهر والعمليات المتنوعة، بل كعضوية اجتماعية موحدة تتضمن الظواهر الاجتماعية في وحدتها العضوية وتفاعلها على أساس أسلوب انتاج محدد تاريخيا.
3 - الاقتصاد والسياسة والتفاعل بينهما:
قدم ماركس في مقدمة كتابه "مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي" الوصف الكلاسيكي للاقتصاد ودوره في التطور الاجتماعي : "إن الناس، أثناء الإنتاج الاجتماعي لحياتهم، يقيمون فيما بينهم علاقات معينة ضرورية مستقلة عن إرادتهم، وتطابق العلاقات الإنتاجية هذه درجة معينة من تطور قواهم المنتجة المادية، ومجموع علاقات الإنتاج هذه، يؤلف البناء الاقتصادي للمجتمع، أي الأساس الواقعي الذي يقوم عليه بناء فوقي حقوقي وسياسي، وتطابقه أشكال معينة من الوعي الاجتماعي، وإن أسلوب إنتاج الحياة المادية يشترط تفاعل الحياة الاجتماعي والسياسي والفكري بصورة عامة. فليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم، بل على العكس من ذلك، فوجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم"1.
وعلى هذا النحو عللت الماركسية علميا للمرة الأولى الدور الحاسم للإنتاج المادي في حياة المجتمع، ووضعت النظرية عن التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية "عن طريق فرز الميدان الاقتصادي من بين شتى ميادين الحياة الاجتماعية، عن طريق فرز العلاقات الإنتاجية من بين جميع العلاقات الاجتماعية باعتبارها العلاقات الأساسية، الأولية، التي تحدد جميع العلاقات الأخرى"2.
من المميز للتشكيلة الاقتصادية الاجتماعية، بوصفها عضوية اجتماعية متكاملة، هو التفاعل بين عناصرها الأساسية، فتطور القوى المنتجة يؤدي إلى تغير العلاقات الإنتاجية، بينما تعتبر العلاقات الإنتاجية (البناء التحتي الاقتصادي) بدورها أولية وحاسمة بالمقارنة مع البناء الفوقي المعقد والمتعدد المظاهر برمته. إلا أنه من غير الصحيح أن يستخلص من هذا الحكم الماركسي استنتاج يقول بأن البناء الفوقي، والسياسة بالدرجة الأولى، ليس سوى انعكاس فحسب للبناء التحتي الاقتصادي. إن أعداء الماركسية يشوهون هذا الحكم ويحاولون اتهام مؤسسي النظرية الماركسية بالحتمية الاقتصادية الضيقة. ولكن، وكما أشار لينين، فإن المأثرة الجليلة لماركس وانجلس تكمن في أنهما "كانا أول اشتراكيين طرحا مسألة ضرورة تحليل، ليس الجانب الاقتصادي فقط، بل كافة جوانب الحياة الاجتماعية"3.
وفقا للنظرية الماركسية اللينينية، فإن البناء الفوقي يؤثر تأثيرا عكسيا فعالا على البناء التحتي الاقتصادي، كما تؤثر العلاقات الإنتاجية على القوى المنتجة. وعلى الرغم من أن البناء الفوقي لا يعتبر موضوعا لدراسة خاصة في الاقتصاد، الا أنه لا يجوز تجاهل عدد كبير من ظواهر البناء الفوقي: دور الأيديولوجيا والسياسة في المجتمع، وطابع السلطة السياسية للدولة، ونفوذ سياسة الاستعمار الجديد للامبريالية في البلدان النامية والخ..
من الهام بصورة خاصة للتحليل الاقتصادي التفاعل بين الاقتصاد والسياسة، فالسياسة هي نشاط موجه لحماية مصالح هذه الطبقة أو تلك، وللاستيلاء على سلطة الدولة والاحتفاظ بها واستخدامها لما فيه مصالح الطبقة المعنية.
طبعا، إن السياسة هي بالدرجة الأولى مجال للعلاقات الطبقية داخل الدولة، ولكن توجد إلى جانبها، وكمواصلة لها، السياسة الخارجية التي تضبط العلاقات بين الدول، وتشغل السياسة مكانا خاصا في الحياة الاجتماعية ولاسيما في الحياة الاقتصادية. يتحدد هذا المكان أولا، بأن السياسة تعكس بوضوح أكبر، خلافا لبقية عناصر البناء الفوقي (الحقوق والفنون والأخلاق والخ) الاقتصاد والمصالح الاقتصادية للطبقات، وثانيا، تعكس السياسة، الجوانب الرئيسية للعلاقات الاقتصادية في المجتمع وطبيعتها الطبقية وطابع ملكية وسائل الإنتاج، وهذا ما يتيح معالجة السياسة، ليس كمجرد انعكاس للاقتصاد، بل كتعبير مكثف عنها.
إن الفهم الماركسي- اللينيني للتفاعل بين الاقتصاد والسياسة لا ينحصر إطلاقا في شرح الدور الحاسم للأول بالمقارنة مع الثانية، ويتضمن هذا الفهم الاعتراف بالتأثير العكسي النشيط للسياسة على تطوير الاقتصاد، ويمكن لطابع هذا التأثير أن يكون مختلفا. أشار انجلس في معرض كلامه عن السلطة السياسية، أو سلطة الدولة، الى أن "تأثيرها المقابل ... في التطور الاقتصادي يمكن أن يكون ثلاثي الوجوه، فقد تفعل في نفس اتجاه التطور فيسير التطور بمزيد من السرعة، أو قد تفعل ضد اتجاه التطور الاقتصادي، فتمنى بالإخفاق في الوقت الحاضر عند كل شعب كبير، بعد مرور حقبة معينة من الزمن، أو قد تقيم عقبات أمام التطور الاقتصادي في اتجاهات أخرى. وهذه الحالة تحول في آخر المطاف إلى احدى الحالتين السابقتين"4.
إن الفهم الماركسي - اللينيني للتفاعل بين الاقتصاد والسياسة يتيح الانتقال بصورة مثمرة أكثر، إلى دراسة العمليات المعقدة لتشكل الاقتصاد الوطني في البلدان النامية، وعند تحليل البناء التحتي الاقتصادي في البلدان النامية سيكون من غير الكافي إطلاقا الاقتصار على تعداد مختلف "أطرزة" العلاقات الإنتاجية، فأمام كل اقتصادي يتوخى دراسة اقتصاد البلدان النامية بصورة جدية، تنطرح بصورة حتمية قضية التفاعل الديالكتيكي بين الاقتصاد والسياسة.
وبالفعل، فإن البناء التحتي الاقتصادي المعاصر في هذه البلدان هو عبارة عن وحدة متناقضة ل "أطرزة" مختلفة من العلاقات الإنتاجية، وبالذات ستتوقف في نهاية المطاف وإلى درجة كبيرة مسألة انتصار هذه العلاقات الإنتاجية أو تلك، وبكلمات أخرى، فعلى تطور طابع السلطة السياسية في البلد والأحزاب السياسية والعلاقات المتبادلة لهذه البلدان مع الدول الأخرى ذات الأنظمة الاجتماعية المختلفة، ستتوقف إلى حد كبير مسألة انتصار العلاقات الإنتاجية الرأسمالية أو الاشتراكية في البلد المعين5.
4 - القوانين الموضوعية للتطور الاقتصادي
الاقتصاد السياسي علم تاريخي، أي أنه يدرس العلاقات الإنتاجية (أو أساليب الإنتاج) في تطورها، لكن تطور المجتمع البشري بشكل عام والتطور الاقتصادي على الخصوص، ليس لهما علاقة بالقرارات الإرادية التي يبتكرها الناس، أو بكلمات أخرى لا تتوقف على إرادتهم ووعيهم.
ويرغب جميع الكادحين وكافة القوى التقدمية في المجتمع بالقضاء بأسرع ما يمكن على التخلف الاقتصادي للبلدان النامية وعلى تبعيتها للإمبريالية، ولكن، ينبغي للناس أن يعرفوا كيف، وبأي اتجاه عليهم أن يعملوا، ولهذا يجب بدورهم أن يرفعوا الأسباب الحقيقية والعواقب لهذا الطراز أو ذاك للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويجب التعمق في معرفة صلات السبب والنتيجة التي تقوم في العملية الموضوعية للتطور الاقتصادي والاجتماعي، ولقد استرعى اهتمام الناس منذ زمن بعيد أنه توجد في الطبيعة وفي المجتمع أيضا صلات السبب والنتيجة المتكررة على الدوام،ومن أجل التصرف بصورة صحيحة والتوصل إلى الأهداف المطروحة، ينبغي إدراك مفعول القوانين الموضوعية وتعلم استخدامها بشكل صائب.
إن الاحتكارات الامبريالية المتعددة الجنسيات تبتز من البلدان "النامية" على الدوام أرباحا متعاظمة تفوق إلى عدة مرات ما كانت قد وظفته فيها من رأسمال، وتدل معطيات مؤتمر منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (يونكتاد) على أن أرباح الاحتكارات الامبريالية العابرة للأطر الوطنية في البلدان "النامية" قد تجاوزت في السبعينات إلى أكثر من مرتين الحجم العام للتوظيفات الأساسية الأجنبية في تلك البلدان. وهكذا، فعلى الرغم من الخطب البليغة والوعود المتعددة التي يطلقها ممثلو العالم الرأسمالي في مختلف المؤتمرات الدولية، إلا أنه لا تزال تعمل ضمن أطر النظام الرأسمالي العالمي سنن موضوعية تلازم طبيعة الامبريالية بحد ذاتها: إن الاحتكارات الرأسمالية تغتني كذلك إلى درجة كبيرة على حساب نهب ثروات شعوب البلدان "النامية".
لقد أوردنا هذه الأمثلة للدلالة على أنه توجد صلات جوهرية بين الظواهر ليس في الطبيعة وحسب، بل وفي المجتمع أيضا، وهذه الصلات هي ضرورية وثابتة ومتكررة، وإن صلات السبب والنتيجة المتكررة دائما، والتي تعبر عن الجوانب الجوهرية للعمليات الموضوعية، هي قوانين الطبيعة أو تطور المجتمع البشري التي تعمل بغض النظر عن إرادة ووعي الناس.
والآن يمكن تقديم تعريف ملموس للقانون الاقتصادي، فالقانون الاقتصادي هو صلات السبب والنتيجة المتكررة والثابتة والضرورية وترابط الظواهر الاقتصادية في عملية انتاج وتوزيع وتبادل الخيرات المادية والخدمات عند مختلف درجات تطور المجتمع البشري، وإن وجود القوانين الاقتصادية الموضوعية يشكل أساس علم الاقتصاد، ومن الواضح أن مهمات العلم تكمن أيضا في الكشف عن سريان مفعول القوانين الموضوعية، وبالاسترشاد بها يمكن تجنب القيام بأعمال واتخاذ قرارات اعتباطية وإرادية خاطئة.
وتطبيقا على القضايا الاقتصادية والاجتماعية الملحة للبلدان المسماة نامية، فإن ذلك يعني ليس فقط اعلان الأهداف الاستراتيجية الأساسية للتنمية، بل وأيضا استجلاء جملة السنن والأسباب الحقيقية للتخلف الاقتصادي والاجتماعي وتبعية هذه البلدان للإمبريالية. وتنبثق هنا بالدرجة الأولى أسئلة مشروعة مثل: هل فعلا أن مناطق وقارات بكاملها في كوكبنا كانت "متخلفة" على الدوام، وما هو أسلوب الإنتاج الرأسمالي والامبريالية بوصفها أعلى مراحل الرأسمالية، وما هو الدور الذي لعبه نظام الاستعمار الجديد في تطور بلدان آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية، إن كل هذه الأسئلة والكثير غيرها، تتيح لنا أن ندرك على شكل أفضل القوانين الموضوعية لتكون الاقتصاد الوطني في البلدان "النامية".
إن إنكار موضوعية القوانين الاقتصادية يوفر التربة المغذية لنشوء النزعة الذاتية وروح المغامرات في السياسة الاقتصادية، وعلى سبيل المثال يمكن أن نشير إلى السياسة الاقتصادية السيئة الصيت التي مارستها طغمة بول بوت في كمبوديا. فلقد جرى هناك إلغاء النقود، وحظر بيع البضائع، واعتبرت الماكنات والتجهيزات التكنيكية الحديثة وليدة للرأسمالية وتم تحطيمها بالأساس، وجرى تهجير ملايين سكان المدن بالعنف الى الريف حيث مات الكثيرون منهم بسبب الجوع، ونجد تجاهل القوانين الاقتصادية الموضوعية أو عدم فهمها لدى بعض المنظرين المعروفين في البلدان "النامية"، مثال الاقتصادي المصري سمير أمين، وهو معروف على نطاق واسع في البلدان "النامية" من خلال كتابيه الأساسيين: "تراكم الرأسمال على النطاق العالمي" و"التطور اللامتكافئ"6.
إن الماركسيين -اللينينيين مع اعترافهم بوجود القوانين الموضوعية للتطور الاجتماعي، إلا أنهم لا يضفون عليها صفة الاطلاق، ولا ينفون الدور الكبير للعامل الذاتي، فعندما يدرك الناس القوانين الموضوعية يصبح بإمكانهم استخدامها لبلوغ أهدافهم الواقعية التي تحددها الظروف الموضوعية.
وبالفعل فإن سريان مفعول الجاذبية الأرضية لا يعني اطلاقا أن الناس ليس بوسعهم الانفصال عن الأرض، فبمعرفة قانون الجاذبية الأرضية وغيره من قوانين الفيزياء يحلق الناس على الطائرات ويقومون بتحليقات في الفضاء الكوني وإلى القمر، وبمعرفة طبيعة الكهرباء لا يقتصر الناس على مراقبة النشوء العفوي للتفريغ الكهربائي (البرق) أثناء حدوث الصواعق، بل لقد تعلموا استخدام الكهرباء كقوة خلاقة تحرك الآلات والماكنات والقطارات والخ.. وبالتالي فإن معرفة قوانين الطبيعة قد علمت الناس استخدامها بغية حل مهمات تطبيقية معينة، ويمكن قول الشيء ذاته فيما يتعلق بقوانين تطور المجتمع، ففيما يتعلق بالقوانين الاقتصادية، فبمعرفة هذه القوانين إنما يمكن رؤية الطرق الواقعية لإنجاز تلك المهمات المطروحة أمام شعوب البلدان "النامية".
إن الخبرة التاريخية للنضال الثوري للاشتراكية العالمية والطبقة العاملة العالمية وحركة التحرر الوطني في العالم، تدل بصورة ساطعة على الأهمية الضخمة التي تنطوي عليها هذه الخبرة بالنسبة لممارسة المعرفة العلمية لقوانين تطور المجتمع.
5 - موضوع الاقتصاد السياسي
في معرض استخلاص نتائج ما سبق قوله يمكن صياغة الاستنتاج التالي:
يتمثل موضوع الاقتصاد السياسي في العلاقات الإنتاجية وقوانين تطورها، أو بكلمات أخرى قوانين إنتاج وتبادل وتوزيع واستهلاك الخيرات المادية والخدمات عند مختلف درجات تطور المجتمع البشري.
يشكل الاقتصاد السياسي الأساس للعلوم الاقتصادية الأخرى، حيث نشأت على قاعدته العلوم الاقتصادية التطبيقية: تخطيط الاقتصاد الوطني، والمالية، وتكوين الأسعار، والخ.. كما توجد علوم اقتصادية فرعية: اقتصاد الصناعة، واقتصاد الزراعة، واقتصاد البناء، الخ..
ويشكل الاقتصاد السياسي أيضا الأساس المنهجي لعلوم مثل تاريخ النظريات الاقتصادية الدولية، واقتصاد البلدان النامية، ويرتبط الاقتصاد السياسي ارتباطا وثيقا جدا بالعلم الجديد: السياسة الاقتصادية، وخلافا للاقتصاد السياسي تدرس السياسة الاقتصادية ليس العلاقات الإنتاجية والقوانين الاقتصادية بحد ذاتها، بل آليات استخدامها الواعي في ذلك القسم منها الذي يرتبط مباشرة بإدارة العمليات الاقتصادية والاجتماعية.
أحمد الحمراوي
10 ــ 05 ــ 2017
الهوامش
1 ــ ــ ماركس وانجلز، المؤلفات، المجلد 12، ص6-7(تم تصحيح بعض المفردات والتعابير الواردة في النص نتيجة أخطاء في الترجمة)
2 ــ لينين، المؤلفات الكاملة، المجلد 1، ص 134.
3 ــ لينين، المؤلفات الكاملة، المجلد 1، الصفحة 161.
4 ــ ماركس وانجلس، المؤلفات، المجلد 27، الصفحة 417.
5 ــ ينطوي على أهمة كبيرة في هذا المجال كتاب الاقتصادي الماركسي المغربي عبد العزيز بلال "التطور الاقتصادي والعوامل اللااقتصادية"، الدار البيضاء، عام 1981.
6 ــ راجع: سمير أمين، التراكم على النطاق العالمي، والتطور الغير المتكافئ.