Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الشرارة - Page 89

  • موضوعات حول المادية التاريخية ــ الحلقة الثالثة

    الحلقة الثالثة

     الموضوعة السادسة: نمط الإنتاج كقوة محددة للتطور الاجتماعي

     

    إن المسلمة الأولى التي تنطلق منها المادية التاريخية، هي أن التقدم الاجتماعي يحدده في آخر المطاف تطور الإنتاج، وتلك هي إحدى القوانين الرئيسية للتطور الاجتماعي، فإنتاج الخيرات المادية الضرورية لحياة الإنسان (الغذاء، اللباس، السكن ...) هو الشرط الذي لا مناص منه لوجود كل مجتمع.

    ← هذه المسلمة يؤكدها تاريخ المجتمعات البشرية.

    أصول المجتمع الإنساني وتاريخ الإنتاج الاجتماعي

    لقد بين العلم بشكل غير قابل للدحض الأصل البيولوجي الطبيعي للإنسان. لقد ظهر هذا الأخير خلال سيرورة التطور الحيواني، في بداية الزمن الرابع. إن الإنسان الأول ينحدر من فصيلة قرود انقرضت اليوم، ففي نهاية الزمن الثالث كانت توجد فصائل متعددة من "أنتروبويد"، منهم من سيصبح أسلافا للإنسان، ومنهم من سيصير أسلافا للفصائل القائمة الآن من القرود، ومنها الشامبانزي والغوريلا والجيبون ...

    كانت مختلف الفصائل تختلف بطبيعتها المورفولوجية والفيزيولوجية وبنمط حياتها، وتلك التي انبثق عنها الإنسان، كانت الأقل تخصصا، فقد تكيفت مع وضعية الوقوف والحياة على الأرض، بينما كان أجداد الغوريلا والشامبانزي الحالية، قد تكيفت مع نمط الحياة في الأشجار، ولذلك أصبحت أذرعها أطول بينما أرجلها قصيرة.

    ماهي العوامل التي ساهمت في تطور أجداد الإنسان ؟

    هناك عاملان :

    - ظهور الأشكال الأولى للعمل والتجمع في قطيع مستقر بهذا القدر أو ذاك، وبفضل هذا العامل أي العمل، ولو بشكل جنيني توسعت قائمة المواد الاستهلاكية، بينما سمح نمط الحياة الجماعي لسلف الإنسان أن يحمي نفسه بفعالية ضد الحيوانات المفترسة، والتي تفوقه قوة، وفي نفس الوقت سمح له ذلك بالتعاطي لصيد الحيوانات المتوحشة . خلال هذه السيرورة، وبشكل تدريجي تحول العمل من وسيلة رئيسية للنضال من اجل الوجود خاضعة لميكانيزم الارتقاء الطبيعي، ليصبح عاملا نشيطا يخضع ميكانيزم هذا القانون البيولوجي للقانون الاجتماعي، فأصبح الإنسان كائنا اجتماعيا.

    إن النضال من أجل الحياة فرض على الأنتروبوييد تحسينا مستمرا لأدوات العمل التي تقدمها الطبيعة، ثم الانتقال إلى مرحلة إتقان تلك الأشكال الطبيعية، عن طريق صناعة أدوات مصنعة، وفي هذه اللحظة بالضبط، ستنطلق سيرورة أنسنة القرد، ويقول انجلز في "جدلية الطبيعة" العمل "هو الشرط الأساسي الأول لكل حياة إنسانية، وهو كذلك، إلى الحد الذي يمكن القول : العمل خلق الإنسان نفسه".

    ويقول انجلز كذلك : "لم يسبق لأي يد قرد أن صنعت سكينا حجريا الأكثر رداءة" (نفس المرجع) . وكما تظهره الاكتشافات الأركيولوجية، فأول ما صنعه الإنسان هو" قبضة اليد" وبشكل نموذج ثابت (ستاندار)، وكانت تستعمل أداة لإنتاج. إن صناعة أداة مثل هاته، وحسب نماذج قائمة، يفترض معرفة واطلاعا على تجربة صناعتها، وهاته المعرفة وهذه التجربة المنتجة لا يمكن أن تنتقل ويحافظ عليها من جيل إلى آخر، إلا وجود مجتمع أو جماعة منتجة، وهي أمور كانت مستحيلة في جماعة حيوانية.

    ← إن الانتقال إلى صناعة أدوات حجرية كنشاط دائم، واستعمال قوى الطبيعة كالنار والصيد الجماعي للحيوانات الوحشية، كل هذه العناصر ساهمت في تعميق التحولات في الخصائص البيولوجية لدى أسلاف الإنسان.

    ولأجل الحفاظ وضمان هذه الوحدة الإنتاجية للقطيع، كان لابد من الحد من الفردانية الحيوانية، وهكذا شكل تحول القطيع الإنساني البدائي إلى مشاعة إنتاجية، انتصارا للاجتماعي على البيولوجي.

    على إثر ظهور مجتمع العشيرة، كان الإنتاج وإعادة إنتاج الخيرات المادية ممركزا في حدود العشيرة، وإعادة إنتاج أعضاء عشيرة معينة ما كان ليتم إلا عن طريق الارتباط الضيق، بل وغير القابل للانفكاك مع عشيرة أخرى، وقد كانت هذه العلاقات في بدايتها غير مقننة، لكن بعد ذلك تم وضع أشكال محددة للزواج من أجل تقنينها، وفي مجتمع العشيرة أخذت العلاقات البيولوجية بين الجنسين شكل علاقات أسرية قائمة على أساس روابط الزواج، وفي هذا الميدان كذلك انتصر الإنساني على البيولوجي. ومنذ المرحلة التي أخذ فيها الإنسان مميزاته الحالية، أصبح تطور المجتمع غير مرتبط بالتحولات المورفولوجية والفيزيولوجية بل بتطور أدوات الإنتاج، وفي المجالات الاقتصادية المختلفة حوالي خمسين ألف سنة وسبعين ألف سنة، وهي اللحظة التي ظهر فيها الإنسان الحديث.

    الإنتاج الاجتماعي والوسط الجغرافي

    كثيرا ما يساء فهم المعنى الحقيقي لمفهوم الوسط الجغرافي، والمقصود عموما بالوسط الجغرافي، الظروف الطبيعية التي تشكل إطار مجتمع ما، والعوامل المكونة للوسط الجغرافي، هي التضاريس والمناخ والموارد المائية وطبيعة الأرض والنباتات والحيوانات وباطن الأرض، وتراب كل بلد يمثل تمازجا وحيدا في نوعه لكل هذه العوامل.

    إن التراب الذي على قاعدته وضعت صدفة التاريخ هذا أو ذاك من الشعوب، هو جزء لا يتجزأ، وانطلاقا من ذلك فهو مرتبط بشكل مباشر بمجموع الظروف الطبيعية لوجود الإنسانية . إن الوسط الطبيعي المشترك لكل الإنسانية، يتشكل من الأرض، ومن روابطها مع الأجسام الفضائية الأخرى.

    ليس لمفهوم الوسط الجغرافي معنى إلا بارتباط مع المجتمع، وهو مثل هذا الأخير له معنى تاريخي، والوسط الجغرافي متغير باستمرار، فالبشرية كانت شاهدة على تغيرات عميقة في هذا المجال، وبالنسبة لعلوم الجيولوجيا والجغرافيا، فمثلا خلال خمسين أو سبعين ألف سنة الاخيرة، عرف كوكب الأرض تحولات جيولوجية وجغرافية عميقة، فالبشر القدامى الذين سكنوا أوربا عايشوا المراحل الأخيرة للعصر الجليدي الذي انتهى منذ 12 ألف سنة تقريبا. بعد تراجع الجليد عرف مناخ أوربا تغيرات مختلفة، ويقسمها العلماء إلى ست فترات مناخية : الأركتيك والفوق أركتيك والنباتية (أي 7000 إلى 5000 سنة قبل الميلاد) والأطلنتيكية (من 5000 إلى 3000 سنة قبل الميلاد) وسوبوريال (من 3000 إلى 500 سنة ق.م) ثم سوبأتلنتيك (من 500 ق.م إلى يومنا هذا).

    ومهما تكن أهمية التغيرات الجغرافية التي تعود لأسباب طبيعية، فإننا لا يمكننا مقارنتها مع تلك التي سببها ظهور الرعي والزراعة منذ 8000 أو 9000 سنة ق.م.

    هكذا وبقدر ما كانت تتطور هذه الأشكال الاقتصادية وبعدها الحرف، أصبح الإنسان يترك بصماته الخلاقة على الطبيعة. إن هذا التحول للوسط الجغرافي سيعرف وتائر متسارعة، نتيجة النشاط البشري، ابتداءا من نهاية القرن 18، أي بعد الثورة الصناعية في بريطانيا، وهكذا، فإذا كان الناس في القديم، المنتمون لنفس الجيل، يعتبرون الطبيعة جامدة لا تتحرك، لأن التغييرات في الوسط الجغرافي كانت بطيئة، فإن الأجيال في القرن 19 و20 أصبحت شاهدة على تحولات طبيعية عملاقة، نتيجة تطور الصناعة وإدخال الآلات الزراعية .

    وباختصار يمكن الآن القول أن الوسط الجغرافي هو اليوم نتاج لتبادل الفعل بين القوانين الطبيعية والقوانين الاجتماعية.

    في الجماعات البدائية والمجتمعات العبودية والإقطاعية، كانت العوامل الجغرافية المناسبة للتطور الاقتصادي، تتشكل من القاعدة الزراعية وإنتاج وسائل الاستهلاك، بينما مع ظهور الأشكال الرأسمالية للإنتاج، أصبح الوسط الجغرافي يهم أساسا الخيرات الطبيعية كوسائل للعمل، أي التي تعني القاعدة الطبيعية للصناعة، ولإنتاج وسائل الإنتاج، هكذا فوجود مناجم الفحم الكبيرة في بريطانيا وفرنسا وألمانيا، سرع التطور الاقتصادي لهذه البلدان في فجر الثورة الصناعية، وعلى العكس، فإن غياب هذه المناجم في اليابان فرمل التطور الاقتصادي في المرحلة الأولى لتطورها الرأسمالي ، وفي الولايات المتحدة الأمريكية ، لعبت الظروف الاجتماعية الدور الحاسم أكثر من الظروف الجغرافية، أي أن غياب الإقطاعية وآثارها، سمح للرأسمالية أن تتطور بكل حرية، وهذا عكس الحالة في أوربا.

    الاشتراكية والوسط الجغرافي

    إن انتصار الاشتراكية يغير جذريا موقف المجتمع تجاه الوسط الجغرافي، لأن الهدف الرئيسي للنشاط الاقتصادي هو تحقيق رفاه المجتمع. إن الملكية الاشتراكية لوسائل الإنتاج وتخطيط الحياة الاقتصادية على صعيد البلد، يسمحان بالاستعمال العقلاني للخيرات الطبيعية للتحكم في عناصرها.

    الإنتاج الاجتماعي والسكان

    إن إعادة الإنتاج الموسع لوسائل الإنتاج ولحاجيات الاستهلاك، من نتائجها إدخال عدد متزايد من البشر في سيرورة الإنتاج، مما يتطلب المزيد من اليد العاملة.

    إن قوانين إعادة إنتاج القوة العاملة مرتبط بدرجة تطور القوى المنتجة، وبطابع النظام الاجتماعي والسياسي القائم في بلد ما، وفي نفس الوقت، وفي كل مراحل التطور الاجتماعي، تتأثر هذه القوانين بخصوصيات إعادة إنتاج النوع البشري كنوع بيولوجي محدد .

    إن متغيرات العدد أو كثافة السكان، بإمكانها أن تساعد أو تعرقل تطور الإنتاج الاجتماعي بحسب الظروف التاريخية الملموسة، غير أنه وكيفما كان تأثير هذان العاملان، فإنهما لا يمثلان قوة تستطيع تحديد تطور المجتمع وتشكل وتتابع التشكيلات الاقتصادية والاجتماعية.

    إن طول عمر الإنسان يرتبط بالظروف الاجتماعية، فإذا كان عمر الإنسان في العصر الحجري والبرونزي رلا يتجاوز 18 سنة، وفي الإمبراطورية الرومانية أصبح 25 سنة، وفي منتصف القرن 19 قد وصل إلى 34 سنة، والآن بالنسبة لمجموع العالم فقد وصل من 50 إلى 60 سنة تقريبا بل تجاوز ذلك احيانا.

    في الأصل فإنه من 70 ألف سنة إلى 10 آلاف سنة ق.م، لم يكن النمو الديموغرافي السنوي ذا قيمة كبيرة، وحتى مع ظهور الزراعة وتربية الماشية لم يتعد بعض الأجزاء من المئة، ومع ظهور الاقتصاد الرأسمالي تغيرت الوضعية، ففي بداية القرن 17 وصل النمو الديموغرافي إلى 0,1%، وابتداء من 1750 وإلى حدود 1850 أصبح 0,5%، وفي مرحلة ما بعد الحرب أصبح 1,5 % ثم 2% وعند فاتح يوليوز2017 أصبح 1,2.

    وبالنسبة لدورات النمو السكاني، فمن سنة 1000 م إلى 1964 تضاعفت نسبة السكان 10 مرات، وقد تطلب أول تضاعف لعدد السكان 700 سنة، و150 سنة بعد ذلك، وبالنسبة للوضع الحالي فإن الأمر لا يتطلب أكثر من 35 سنة.

    القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج

    إن الإنتاج الاجتماعي يتكون من عنصرين: القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج.

    ماهي القوى المنتجة ؟

    إنها القوى التي يستخدمها المجتمع للتأثير على الطبيعة، من أجل التزود بوسائل العيش الضرورية، ومن أجل إخضاع العناصر الطبيعية، ويضم مفهوم القوى المنتجة، كلا من وسائل الإنتاج التي يخلقها المجتمع، خاصة وسائل العمل، وكذلك الناس الذين يساهمون في إنتاج الخيرات المادية.

    تعد الوسائل وأدوات العمل العامل الحاسم في القوى المنتجة، فهما الأشياء التي يستعملها الإنسان من أجل إنتاج الخيرات المادية، وذلك بعد سيطرته وتحكمه في الطاقة الطبيعية. إن العنصر الرئيسي في القوى المنتجة هو قوة العمل، أي الناس الذين يحركون الوسائل ومواد العمل، من أجل إنتاج الخيرات المادية، والذين يتوفرون على المعارف الضرورية وعلى التجربة العملية، وعلى عادات العمل الضرورية. وعندما يقول الماركسيون بأن الناس هم جزء لا يتجزأ من القوى المنتجة، فهم يعنون بذلك مجموع القوة العمالية للمجتمع.

    ما هي علاقات الإنتاج أو العلاقات الاقتصادية

    إن إنتاج الخيرات المادية في كل مجتمع منذ العصور القديمة يتحقق على قاعدة قسمة العمل الاجتماعي. إن قسمة العمل، أو بمعنى آخر تخصص وتعاون المنتجين في عملية الإنتاج، تنفي كل عمل معزول خارج الارتباط مع الناس الآخرين، ومن أجل جعل الإنتاج منسجما في ظروف عمل متخصص ومتعاون كيفما كانت بساطته، يجب على الناس ربط تعاون فيما بينهم، وكذلك روابط وعلاقات إنتاج لابد منها. إن طبيعة هذه الروابط مشروطة بأشكال ملكية وسائل الإنتاج. إن قاعدة علاقات الإنتاج، هي قبل كل شيء علاقات الملكية.

    ففي دائرة الإنتاج المباشر، فإن العلاقات بين المنتجين  مشروطة باستملاك وسائل الإنتاج وقوة العمل، وفي دائرة التوزيع تتدخل علاقات الملكية باعتبارها علاقات مرتبطة باستملاك نتائج العمل، أي منتوج الإنتاج الاجتماعي. أما في دائرة التبادل فالعلاقات بين المساهمين في القسمة الاجتماعية للعمل المرتبطة بإعادة توزيع نتائج الإنتاج تتم تحت شكل ملموس للاستهلاك، وأخيرا، وفي دائرة الاستهلاك، فهناك العلاقات المرتبطة باستملاك مواد الاستهلاك غير المنتجة، الشخصية والاجتماعية، أي التحقيق الفعلي لوسائل العيش المنتجة.

     إن أهم علاقات الملكية، وبالتالي أهم علاقات الإنتاج هي العلاقة تجاه وسائل الإنتاج.

    إن علاقات الإنتاج، كما القوى المنتجة، لهما طابع تاريخي، فهناك، حيث وسائل الإنتاج والإنتاج الاجتماعي تستحوذ عليها طبقة الملاكين، وحيث بالتالي يتعرض المنتجون المباشرون للاستغلال، فإن التعاون بين الناس في سيرورة الإنتاج يأخذ طابعا تناحريا، كما هو الحال بالنسبة لعلاقات الإنتاج في المجتمع العبودي والإقطاعي والرأسمالي.

    وهناك حيث المنتجون متساوون أمام ملكية وسائل الإنتاج ونتائج العمل، ومجتمعون في مجموعة إنتاج على قاعدة التزام الجميع بالعمل، لا يمكن استغلال الإنسان من طرف الإنسان، أي ليس هناك تناقض عدائي اجتماعيا.

    إن الوحدة التاريخية الملموسة للقوى المنتجة وعلاقات الإنتاج التي تناسبها يشكلان نمط الإنتاج للخيرات المادية. إن نمط الإنتاج هو القاعدة المادية لكل تشكيلة اقتصادية واجتماعية.

    جدلية القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج

    إن تطور القوى المنتجة هو نقطة انطلاق تقدم الإنتاج المادي. إن القوى المنتجة هي العامل الأكثر حركية لنمط الإنتاج والخيرات المادية، وكقاعدة عامة، فالقوى المنتجة هي التي تتغير في الأول، وبعد ذلك، تأتي قوى الإنتاج بين الناس، الشكل الاجتماعي للإنتاج.

    في مقدمة "الاقتصاد السياسي" يقول ماركس :

    "خلال الإنتاج الاجتماعي لوجودهم، يدخل الناس في علاقات محددة ضرورية،

    مستقلة عن إرادتهم، علاقات إنتاج تناسب درجة تطور محدد لقواهم المنتجة المادية".

    ← إن ماركس هنا يبلور قانون التوافق بين علاقات الإنتاج وطابع ومستوى تطور قوى الإنتاج.

    من هذا القانون نستنتج أن الناس لا يمكن لهم أن يختاروا تعسفيا علاقاتهم الإنتاجية، بل إنهم ملزمون دائما بتحقيق علاقات اقتصادية بينهم توافق أو تناسب طبيعة ومستوى حالة القوى المنتجة.

    إن تطور القوى المنتجة يؤدي بالضرورة إلى تغيير علاقات الإنتاج، التي تمثل في مجموعها البنية الاقتصادية لمجتمع ما.

    هكذا نرى أن تطور علاقات الإنتاج مرتبط بالتحولات التي تحصل على مستوى القوى المنتجة، ومع ذلك تتوفر علاقات الإنتاج على استقلال نسبي في تطورها، الذي يؤثر بدوره على تطور القوى المنتجة.

    ← تشكل القوى المنتجة مضمون الإنتاج الاجتماعي، بينما تشكل علاقات الإنتاج شكله، والشكل لا يمكن أن يوافق المضمون إلا ضمن علاقة جدلية تجمع بين الوحدة والتناقض.

    إن تطابق علاقات الإنتاج والقوى المنتجة، تظهر من خلال حوافز تطور القوى المنتجة المحددة بعلاقات الإنتاج التي تسمح بتطور قوى الإنتاج. هنا تساهم علاقات الإنتاج بتسريع تطور القوى المنتجة.

    وعلى العكس من ذلك، هناك لا توافق بينهما حينما، عند مستوى معين من التطور، تكون فيه القوى المنتجة في حاجة إلى حوافز اقتصادية جديدة، حيث أصبحت القديمة تعرقل تطور القوى المنتجة. هكذا تكون علاقات الإنتاج قد أصبحت عرقلة أمام تطور القوى المنتجة. وعموما يجب علينا أن نفهم أن توافق أو تطابق علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج مسألة دائما نسبية.

    قوانين الانتقال من نمط إنتاج قديم إلى آخر جديد

    يظهر لنا تاريخ المجتمع بأن نمط الإنتاج الجديد لا ينبثق دفعة واحدة وبشكل نهائي، بل يظهر عادة في شكل بنية اقتصادية، خاصة داخل التشكيلة الاجتماعية القديمة والمثال على ذلك المشاعة البدائية وانبثاق قوى منتجة جديدة وعلاقات جديدة توافقها، والعلاقات العبودية ونفس الحالة بالنسبة لنمط الإقطاعي والرأسمالي.

    ← كما تشهد التجربة التاريخية، فالانتقال من نمط إنتاج قديم إلى نمط إنتاج جديد لا يتحدد بالاختيار الحر للناس أو إرادتهم، ولكن ذلك يخضع لقوانين التطور الاقتصادي الذي يفعل خارج إرادتهم و وعيهم.

    يقول ماركس في رسالة إلى أننكوف (1846) :

    "ليس الناس أحرارا تجاه قواهم المنتجة – التي تشكل قاعدة كل تاريخهم –

    ذلك أن كل قوة منتجة هي قوة مكتسبة ونتاج لنشاط سابق".

    ← إن التغييرات الجذرية التي تحصل في علاقات الإنتاج، والتي تؤدي إلى تغيير نوع من علاقات الإنتاج بأخرى، والمرور من تشكيلة اجتماعية إلى أخرى أعلى، تتم عن طريق الثورات الاجتماعية. إن القول بأنها تتم عبر ثورات اجتماعية لا ينفي وجود تغييرات ثانوية من داخل تشكيلة اجتماعية محددة، عبر تكيفات معينة تقع ما بين علاقات الإنتاج والقوى المنتجة، إلا أن هذه الحالة ليست بلا حدود، وكنموذج على هذه التكيفات، ما عرفه نمط الإنتاج الإقطاعي من تغيرات على مستوى الريع الإقطاعي (سخرة ← ريع عيني ← ريع نقدي). لكن التاريخ لم يعرف أشكالا أخرى للريع خارج هذه الأشكال الثلاثة للريع، ذلك أن تطور القوى المنتجة فرض، ليس إيجاد شكل جديد من الريع، بل ثورة في علاقات الإنتاج، أي نوع جديد من علاقات الإنتاج : إنها العلاقات الرأسمالية.

    وقد عرفت الرأسمالية نفس هذا التطور، حيث يتم التكيف مع القوى المنتجة، آخرها ظهور الرأسمالية الاحتكارية وما تعرفه هذه الاخيرة من تطورات مع العولمة الامبريالية الجديدة.

    وما يجب ملاحظته ،هو أن علاقات إنتاج جديدة لا تصبح مسيطرة قبل أن تصبح العلاقات القديمة منتهية الصلاحية بالكامل، وقبل أن تتشكل من داخلها قوى منتجة جديدة، وقد كتب ماركس يقول في مقدمة كتاب "الاقتصاد السياسي" :

    "إن تشكيلة اجتماعية لا تختفي قبل أن تتطور كل القوى المنتجة التي تملك السعة لاحتوائها، أبدا،

    لا تأخذ علاقات إنتاج جديدة وأرقى مكان الأخرى، قبل أن تتفتح ظروف الوجود المادي

    لهذه العلاقات في وسط المجتمع القديم نفسه".

    إن المرور من نمط إنتاج قديم إلى نمط إنتاج جديد، لا تتم بنفس الطريقة في جميع التشكيلات الاجتماعية، وهكذا فإن الانتقال إلى الاشتراكية يتميز بعدم ظهوره وسط المجتمع الرأسمالي كما حصل مع الرأسمالية التي ظهرت في قلب المجتمع الإقطاعي.

    ← في أحضان الرأسمالية لا تظهر إلا الظروف المادية والتقنية التي تسمح ببناء الاشتراكية، ونعني بهذا تنامي القوى المنتجة التي يكون لها طابع اجتماعي.

    لماذا هذا الفرق وكيف يمكن تفسيره ؟

    عندما تأخذ الرأسمالية مكان الإقطاعية، فطبيعة علاقات الإنتاج لا تتغير فكل ما هنالك أن نوعا من الملكية الخاصة تحل محل أخرى، ففي وسط المجتمع الإقطاعي، وخلال تطوره، سيأخذ الملاكون الخواص أي الرأسماليون، أو بالأحرى سيصبحون الطبقة المسيطرة اقتصاديا، وعبر الثورة السياسية سيقضون على طبقة الملاكين العقاريين الكبار، وسيفرضون السيطرة السياسية للبورجوازية. وبالنسبة للاشتراكية فالوضع مختلف، فمالك وسائل الإنتاج في النظام الاشتراكي لا يمكن أن يكون إلا الطبقة العاملة، والتحول الاشتراكي للاقتصاد لا يبدأ إلا بعد قلب السيطرة السياسية للبورجوازية وفرض دكتاتورية البروليتاريا، وبين الرأسمالية والاشتراكية تمتد فترة طويلة بشكل عام للانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية، على إثر الانقلابات الثورية، وخلال هذه الفترة تعزز الملكية الاشتراكية وضعيتها في كل قطاعات الاقتصاد الوطني وينبني اقتصاد اشتراكي . وعلى الصعيد العالمي أصبح التقارب بين مهام الثورة الديموقراطية والثورة الاشتراكية أحد مميزات الحركة الثورية العالمية، فانتصار الثورة الديموقراطية الشعبية خلال المرحلة الديموقراطية (المعادية للكومبرادور والإقطاع) يمكن أن تفضي إلى بناء سلطة إذا حققت بطريقة منسجمة حتى النهاية الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية المعادية للكومبرادور والإقطاع، وذلك في الصناعة والزراعة، ستحل في نفس الآن جزءا من المهام المعادية للرأسمالية اي الاشتراكية.

    إن بناء الاشتراكية هو نتاج مجهودات واعية لملايين العمال، الشيء الذي لا يعني أن التطور الاقتصادي للمجتمع الاشتراكي محدد بالوعي الإنساني، وبالنتيجة لم يعد سيرورة موضوعية. إن توجيه تطور الاقتصاد لا يمنع من ارتباط الناس بالظروف الموضوعية التي يعيشون فيها ويفعلون، وهنا كذلك، لا يمكن للناس أن يختاروا بشكل تعسفي القوى المنتجة، وعليهم الانطلاق من المرحلة التي وصل إليها تطور القوى المنتجة لتثوير علاقات الانتاج وبناء الاشتراكية على طريق المجتمع الشيوعي حيث يتم الانتقال من شعار "لكل حسب عمله" إلى شعار "لكل حسب حاجته" ومن مجتمع الضرورة إلى مجتمع الحرية.

     

    علي محمود

    28-8-2017