Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الشرارة - Page 81

  • موضوعات حول المادية التاريخية ــ الحلقة الخامسة والأخيرة

    بالموازاة مع عملية إحياء الذكرى 100 على انتصار الثورة الاشتراكية العظمى، والذكرى 68 على انتصار الثورة الصينية العظيمة، يستمر الموقع في إتمام نشر حلقات سلسلة المقالات التي أطلقها سابقا.

     

    موضوعات حول المادية التاريخية

    الحلقة الخامسة / الأخيرة

    الموضوعة الثامنة: نظرية الثورة الاجتماعية والسيرورة التاريخية الثورية

    من أكثر المفاهيم عرضة للتشويه والتزييف والتحريف مفهوم الثورة الاجتماعية، حتى أصبحت كل حركة اجتماعية أو تاريخية أو سياسية أو ثقافية على بساطة أو محدودية مطالبها يطلق عليها ثورة. وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي رأس المنظومة التحريفية العالمية، ومعه دول أوروبا الشرقية التابعة، وبعد تراجع المد الثوري العالمي (سقوط الثورة الصينية في أيدي التحريفيين، تراجع حركات التحرر الوطني عبر العالم، واستنزاف الطبقة العاملة العالمية وضرب أدواتها الطبقية ...) أطلقت الامبريالية العالمية إحدى أكبر حملاتها المعادية للشيوعية، موظفة الآلاف من المرتزقة، من الكتاب والأكاديميين ورجال الإعلام كلاب حراسة النظام الامبريالي العالمي، وبطبيعة الحال، قام كل هؤلاء وهم مدعمون من طرف أحزاب بورجوازية وساسة ذوي ثقافة رديئة ومنحطة ومحدودة، بالهجوم على أهم المفاهيم، التي يقوم عليها الفكر الماركسي – اللينيني الثوري، في محاولة يائسة لتجريم كل منظور ثوري مناهض للرأسمالية ومعادي للإمبريالية وداعم لبناء نظام الاشتراكية، وهكذا، استغل الإمبرياليون جماعة من المرتدين والخونة ليطلقوا حملاتهم السوداء والمضللة تحت شعار "الشيوعية تساوي 100 مليون قتيل"، وذلك عبر خلط الأوراق وتشويه الحقائق التاريخية وتغليط الشعوب التي يتمكن منها هذا الخطاب، فالبلشفية، حسبهم، هي المسؤولة عن الحرب الأهلية في روسيا، وهي المسؤولة عن الحرب العالمية الثانية ، وأن الحزب الشيوعي الصيني مسؤول عن الحرب الأهلية الأولى والثانية، وعن الحرب ضد اليابان، والشيوعيون هم المسؤولون عن الحرب في كوريا والفيتنام، وأضاف مرتزقة الإعلام الغربي إلى لائحة أرقام من أسموهم ضحايا الشيوعية، كل من سقطوا نتيجة الكوارث الطبيعية (فيضانات، زلازل، سوء تغذية، مجاعات ...) وكل بلاءات العالم فالشيوعية هي المسؤولة عنها، هي عدوة البشرية، التي قامت بتخريب الطبيعة والمجتمع. هكذا لم يجد المرتزقة غضاضة في الدعوة إلى تجريم الشيوعية، واعتبار أعمالها المرتكبة، جرائم ضد الإنسانية إسوة بجرائم النازية والفاشية.

    في ظل هذا التشويه المرتكب والدعاية المضللة، أصبح مفهوم الثورة مشبوها وبعبعا مخيفا، وانطلت اللعبة وتمكنت الحيلة من عقول مثقفي البورجوازية الصغيرة، الذين سرعان ما اصطفوا إلى جانب الفكر البورجوازي الامبريالي مدعين أن زمن الثورات قد انتهى، وأن الإصلاح هو الطريق الصحيح والمنهج القويم للتغيير والتحرر، وأصبح كل ثوري في منظورهم مجرد ماضوي أو طوباوي يحلم بالعودة إلى ماضي ذهبي، لم يكن كذلك حسب زعمهم، فسلام على الإصلاحي والإصلاحيين فقد نصفهم التاريخ أخيرا، التاريخ بمنظورهم طبعا، منظور الأيادي المرتعشة و الضمائر الميتة والقلوب المحبطة المنهارة المسقية بإيديولوجية الهزيمة وعقلية الانكسار .

    إن مفهوم الثورة يجب أن يوضح بطريقة علمية وتحليل رصين، لا يترك لغربان الموت أي فرصة للإفلات من الفضيحة، والظهور بمظهر الضعف والهزيمة، فالحقيقة دائما ثورية لا يصمد أمامها خطاب الخونة والمرتدين والمرتزقة، والماسكون العصا من الوسط، الذين يتجهون أينما اتجهت الرياح، مثل دوارة الرياح (جيروويت).

    إن الحق في الثورة أقدس حق من حقوق الشعوب ضد الاستغلال والاضطهاد والاستعباد والاستبداد والاستلاب الاقتصادي والثقافي والفكري، هذا الأخير الذي يجد فيه المرتزقة ذواتهم معتقدين أنهم يسبحون في ملكوت الحرية، غير مدركين لقيود الاستلاب المحيطة بهم، فرحين بما عندهم، يأكلون من موائد أسيادهم، وينفثون سمومهم على الشعوب وعلى الكادحين ومنتجي الخيرات المادية والثقافية الحقيقيين. إن تاريخ المجتمعات لم يكن سوى تاريخ صراع الطبقات، وسيبقى كذلك مهما وظفوا من ترسانة في التضليل والتزييف، ومهما فعلوا فلن يخفوا الشمس بالغربال، لقد دقت ساعة الحقيقة وسقط النقاب عن الوجوه الغادرة وظهر وجه الإمبرياليين سافرا، وعادت راية الشيوعية الحمراء ترفرف من جديد، إن العالم في حاجة إلى الشيوعية وإلى الثورة كبديل للهمجية والبربرية الامبريالية.

    1) الماركسية ومفهوم الثورة الاجتماعية

    إن القاعدة الاقتصادية للثورة الاجتماعية، تجد سببها في الصراع الدائر بين علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج.

    حسب التعريف الكلاسيكي عند كارل ماركس، تكون هذه المرحلة أو تلك ناضجة لقيام الثورة الاجتماعية، عندما تصبح علاقات الإنتاج شكلا يعيق تطور قوى الإنتاج، أي شكلا معرقلا لتطورها. إن هذا التناقض والنزاع يجد حله في الثورة الاجتماعية التي تحطم علاقات الإنتاج القديمة، وتعوضها بأخرى جديدة.

    إن الثورة الاجتماعية بمعناها الواسع، تمثل منعطفا مفاجئا في كل نظام العلاقات الاجتماعية، التي تشكل تشكيلة اقتصادية – اجتماعية محددة، فهي بهذا المعنى، تمس على حد سواء القاعدة الاقتصادية للمجتمع وكذلك بنيته الفوقية. فالثورة الاجتماعية كنتاج للنزاع بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج لا تتسبب فقط في زلزال داخل النظام الاقتصادي للمجتمع، بل تساهم كذلك في انهيار النظام القديم للعلاقات السياسية والقانونية، وفي مقدمتها المؤسسات القانونية والسياسية، وتخلق نظاما بديلا له.

    ولأن السلطة السياسية عامل حاسم وأولي، يضمن تحويل مجموع نظام العلاقات الاجتماعية للبنية التحتية والبنية الفوقية، فإن المسألة الأساسية لكل ثورة هي مسألة السلطة. يقول لينين:

    "إن انتقال السلطة من طبقة إلى أخرى، هو الطابع الأول، الرئيسي، الأساسي للثورة،

    وذلك بالمعنى الضيق العلمي، كما بالمعنى السياسي والعملي للكلمة"

    (لينين، الأعمال الكاملة، باريس – موسكو، المجلد 24، ص 34).

    إن أشكال هذا الانتقال، ودرجة العنف الثوري، المؤدي إلى الاستيلاء على السلطة مرتبط بالظروف التاريخية الملموسة. ولكي تقوم ثورة، وأن تنتصر، فلا يكفي أن يكون هناك نزاع أو تناقض بين القوى المنتجة الجديدة وعلاقات الإنتاج القديمة، بمعنى آخر، فالقاعدة الاقتصادية للثورة الاجتماعية، لا تكفي لوحدها، فلابد من تركيب وتقاطع بين العوامل الموضوعية والعوامل الذاتية. فالجماهير الشعبية والكادحة لا تكون جاهزة للقضاء على النظام القديم، إلا عندما يصبح الاضطهاد الطبقي لديها قد بلغ حدا أصبح لا يحتمل. كما أن الفوضى والغموض لا يظهران في صفوف الطبقة المسيطرة، إلا عندما تتخبط في تناقضات اقتصادية وسياسية تعجز عن حلها، وعندما، نتيجة أسباب موضوعية، تهتز قوتها الاقتصادية والسياسية بشكل جدي.

    هذان الظرفان أو العاملان يظهران في استقلال عن إرادة الناس، والإيديولوجيين، والأحزاب السياسية، والطبقات. وبشكل عام، لا يظهران إلا عندما يصل الصراع بين علاقات الإنتاج المتقادمة والقوى المنتجة الجديدة، وكذا التناقضات الاجتماعية التي تعكس هذا النزاع، إلى مداه الأقصى.

    إن هاته الأزمة الوطنية، التي تمس على حد سواء، المستغلين والمستغلين، وتمس الاقتصاد والسياسة كذلك، هو ما أسماه لينين ب "الظرف الثوري".

    يشير لينين إلى أن الوضع الثوري يتميز بثلاث مؤشرات رئيسية، وهي:

    " 1 – الاستحالة بالنسبة للطبقات المسيطرة، الإبقاء على سيطرتها في شكل لا متغير، أزمة في "القمة"، أزمة سياسة الطبقة المسيطرة، التي تخلق فجوة عن طريقها يجد غضب واستنكار الطبقات المضطهدة طريقه. من أجل أن تنفجر الثورة لا يكفي، بشكل عادي، "ألا تريد القاعدة" أن تعيش كما في السابق، ولكن يهم أكثر، "أن القمة لا تستطيع ذلك".

    2- تفاقم البؤس والمحن بشكل أكثر من المعتاد، بالنسبة للطبقات المضطهدة.

    3- تزايد ملموس، للأسباب المذكورة أعلاه، لنشاط الجماهير، التي كانت، تقبل أن تنهب في هدوء، في الظروف "السلمية"، والتي، في الظروف العاصفة، تكون مدفوعة تحت وطأة الأزمة عامة، بل ومن طرف "القمة" نفسها، نحو عمل تاريخي مستقل" (لينين، الأعمال الكاملة، باريس – موسكو، المجلد 21، ص216، ص217).

    إن الثورة السياسية مستحيلة بدون وضع ثوري، كما أن الثورة لا تولد بشكل إلزامي من كل وضع ثوري، فحسب لينين، يجب أن تضاف كذلك الظروف الذاتية إلى الظروف الموضوعية، بمعنى آخر، توفر القدرة لدى الطبقة الثورية على إنجاز الأعمال الثورية الجماهيرية.

    يتضمن العامل الذاتي كلا من حالة الوعي والتنظيم لدى الجماهير، وكذا توفر قيادة لهذه الجماهير من طرف تنظيم سياسي. وبتحميس من طرف الأفكار الثورية تقوم الطبقات الثورية بقلب النظام السياسي الرجعي، وبمساعدة النظام الجديد، تقوم بإزالة علاقات الإنتاج القديمة وإنجاز أخرى جديدة أكثر تقدما.

    إن سيرورة تحول تشكيلة اجتماعية - اقتصادية لا يتوقف عند هذا الحد، ذلك أن النظام الاجتماعي الجديد يلزمه الوصول إلى مستوى إنتاجية أعلى لا يصلها النظام القديم، بمعنى آخر، توفر قاعدة مادية وتقنية مناسبة، يجب خلقها، وعلى قاعدتها تقف علاقات الإنتاج الجديدة. إن هذا الانقلاب في القوى المنتجة، كان شرطا أساسيا في انتقال رأسمالية المانيفاكتورة إلى الرأسمالية الصناعية، ففي ختام الثورة الصناعية تعزز نمط الإنتاج الرأسمالي ومعه التشكيلة الرأسمالية، التي انتصرت نهائيا على تشكيلة الإقطاعية.

    إن الثورة الاجتماعية، هي قانون ضروري لتطور المجتمعات الطبقية، إنها قانون الانتقال من التشكيلة القديمة إلى التشكيلة الجديدة. إن نهاية النظام القديم، وولادة النظام الجديد، تمثلان منعطفا مفاجئا في التطور التاريخي للإنسانية. إنه انقلاب يمتد إلى العديد من الدول، ويغطي مرحلة تطول بهذا القدر أو ذاك، من الهزات الثورية.

    أثبت التاريخ وجود ثلاثة أنواع من الثورات، لكل منها تنوع كبير، فهكذا هناك ثورات توجه ضربة رئيسية وحاسمة لتشكيلة اجتماعية في حالة احتضار، وهناك ثورات تقوم على تهيئ التشكيلة الاجتماعية للثورة من النوع الأول، وهناك ثورات تقوم بدفع الأمور إلى نهايتها المنطقية.

    هناك من الباحثين والعلماء البورجوازيين، الذين رغم عدم إنكارهم لوجود ثورات باستمرار عبر التاريخ، لكن يجعلون من دورها الخلاق غير ذي قيمة مقارنة بالتغيرات، التي يأتي بها التطور البطيء والتدريجي للمجتمع.

    إن الماركسية لا تنكر وجود مرحلة التطور التدريجي والمستمر خلال تاريخ التشكيلات الاجتماعية. ومع ذلك حسب تعريف ماركس، فإن الثورات الاجتماعية شكلت "قاطرات التاريخ" الحقيقية في المجتمعات الطبقية، حيث يقوم التناقض العدائي بين الطبقات.

    يزعم الإصلاحيون أن فترات "التطور السلمي" هي الفترات التقدمية الوحيدة في تاريخ المجتمع. ويرى سوسيولوجيون بورجوازيون أن الثورات الاجتماعية مجرد حوادث عرضية ليس إلا، وليست ضرورة في الحياة الاجتماعية، بمعنى آخر بالإمكان تجاوزها إذا أبان رجال الدولة عن نوع من الذكاء والوضوح، ومن تم، فبالنسبة لهم، فإن الإصلاحات المطبقة في إطار نظام قائم هي الوسيلة الوحيدة المقبولة من أجل تحقيق التغييرات الاجتماعية، مبرهنين هنا عن عدائهم للثورات الاجتماعية، باعتبارها انحرافا عرضيا وغير مرغوب فيه، بالمقارنة مع النهج التطوري "العادي" لتطورالنظام "الأبدي" للاستغلال.

    في الواقع، فإن الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، هي منتوج ثانوي للثورات، فالطبقات المستغلة المسيطرة تحقق هذه الإصلاحات أو تلك، ليس لأنها مهتمة بالتقدم الإنساني كما يزعم إيديولوجيوها، بل لأنها تكون مدفوعة إلى ذلك بضغط النضال الثوري للجماهير المضطهدة، فنتائج النضال الطبقي للجماهير المضطهدة يتم تجسيدها بهذا الإصلاح الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي، التي تظل في مجموعها جزئية، لأنها لا تحل ولا يمكنها أن تحل التناقضات الأساسية بين الطبقات المتعادية. إن التصور المثالي، الذي يضع الثورات في مرتبة الظواهر العرضية في التاريخ لبعض الشعوب، تدحضه التجربة التاريخية، ذلك أن التجربة تظهر أن أي تشكيلة اقتصادية – اجتماعية لم تترك مكانها لأخرى بدون ثورة، لأن الثورة هي الشرط الذي لا مندوحة عنه لمثل هذا الانتقال.

    يكثر الحديث دائما عن الثورات، لكن بمعاني مزيفة ومغلوطة، كما هو الحال بالنسبة لانقلابات عسكرية، التي تدعي الثورية لنفسها. ومن الملاحظ كذلك أن الصحافة والإعلام البورجوازي يطنب في الحديث ما يسميه ثورات ك "ثورة المداخيل"، و "ثورة القادة"، بما يعني أن إيديولوجي الرأسمالية يريدون الإيحاء للجماهير، أن الرأسمالية أصبحت "ثورية". وبطبيعة الحال، فقد فقد هذا المفهوم كل معنى، وأصبحت له دلالات أخرى، وحاول أحد السوسيولوجيين يوما تحديد مفهوم للثورة قائلا:

    "إن الثورة هي تغيير للنظام الاجتماعي الشرعي القائم بوسائل تخرج عن إطار الشرعية".

    إن اختزال معنى الانقلاب الثوري في هذه اللحظة، كما جاء أعلاه، يؤدي إلى نكران الفرق المبدئي بين الثورات والثورات المضادة السياسية، أي أنه يتم وضعهما في سلة واحدة.

    من أجل تحديد دقيق لمفهوم الثورة، تجب الإشارة إلى أن النظام الشرعي يتم تصفيته خلال الثورة، بواسطة الطبقات التقدمية، ولهذه الطبقات الحق التاريخي في القيام بأعمال ثورية ضد الأنظمة السياسية الرجعية المتقادمة، وإذا كانت الثورة السياسية تعني الانتقال للسلطة إلى أيدي الطبقة الثورية، فالثورة المضادة تعني قلب السلطة السياسية للطبقة الثورية، وعودة الطبقة الرجعية إلى السلطة.

    ففي صيف 1919 تم قلب السلطة السوفياتية في هنغاريا، بينما في 1938 تم قلب السلطة الديموقراطية الشعبية في اسبانيا، هذان المثالان هما نموذجان للثورة المضادة، حيث استطاعت البورجوازية الكبيرة والملاكون العقاريون لكلا البلدين، استرجاع السيطرة السياسية والاقتصادية فيهما.

    لا يجب كذلك الخلط بين الثورة والثورة المضادة (باعتبارهما تغييرا للطبقات الموجودة في السلطة) والانقلاب أو الحركة الانقلابية. إن الانقلاب لا يمس أسس السيطرة السياسية والاقتصادية للطبقة السائدة، فالانقلاب من صنع جزء أو فئة من هذه الطبقة، والأمثلة عن ذلك كثيرة، نذكر منها انقلاب الفاشيين في إيطاليا سنة 1922، في ألمانيا سنة 1933 على يد النازيين، وسنة 1973 انقلاب بينوشي في الشيلي والأمثلة متعددة، إلا أنه في جميع الحالات تكون النتيجة هي استيلاء على السلطة من طرف الجزء الأكثر رجعية وشوفينية من البورجوازية أو البورجوازية الامبريالية.

    إن طابع الثورة المحددة يظهر في طبيعة التناقضات الاجتماعية التي تقوم بحلها، وفي طابع النظام الاجتماعي والاقتصادي الذي تقوم بقلبه، وفي طبيعة النظام الذي تقوم بإنشائه.

    إن القوى المحركة للثورة تتجسد في الطبقات التي تقوم بها، ومن بين هذه الطبقات توجد دائما إحداها أكثر نضجا سياسيا وأكثر قدرة على قيادة الطبقات الأخرى، حلفائها في النضال من أجل الثورة الاجتماعية، وتأخذ هذه الطبقة على عاتقها قيادة الثورة، كما وقع في الثورة البورجوازية بالمعنى الكلاسيكي (الثورة الفرنسية سنة 1789)، وفي الثورة الاشتراكية البلشفية في روسيا في أكتوبر 1917).

    2) نماذج الثورات الاجتماعية الأولى في التاريخ

    نبدأ بالتشكيلات الاجتماعية التي عرفت تحولات أدت إلى الانتقال من المشاعات البدائية إلى مجتمع الطبقات المتعادية. إن هذا الانتقال هو نتيجة النزاع بين القوى المنتجة الجديدة وعلاقات الإنتاج الاجتماعية العشيرية، وكان في منطلق هذه الثورات، ذلك التحول الذي عرفته القوى المنتجة، التي حققت تقدما تاريخيا مهما.

    أ – اليونان القديمة وايطاليا:

    يقدم اليونان نموذجا كلاسيكيا للانقلاب الاجتماعي، الذي سيؤدي إلى تعويض المجتمع العشيري بالمجتمع العبودي، وبالإمكان كما قال انجلز تتبع سيرورة تشكل المجتمع الطبقي وسط اتحادات العشائر، التي كانت قليلة ولا تحتل سوى أراضي قليلة، خاصة في منطقة الأتيك. ففي القرن السابع ق.م كانت الأرستقراطية العشيرية في اليونان القديم قد أصبحت الطبقة المسيطرة لكبار ملاكي العبيد، فحسب أرسطو كانت أغلبية سكان الأتيك قد تم استعبادها من طرف أقلية، كما أن العبودية، بسبب الديون كانت قد انتشرت بشكل واسع في الدويلات اليونانية.

    "إن النضال الثوري لأوسع فئات من سكان الديموس (الشعب) – تجار، صناع، ملاكون صغار ومتوسطون – ليس فقط ضد سيطرة الأرستقراطية بل كذلك ضد العبودية من أجل الدين والأشكال المختلفة لاستعباد أعضاء العشيرة، يشكل الخط الرئيسي للتطور التاريخي لليونان في القرن الثامن إلى السادس ق م"، (التاريخ العام، موسكو 1955، مجلد 1، ص 657).

    إن الثورة الاجتماعية الأكثر أهمية، التي تم توجيهها ضد الملكية العقارية الكبيرة لملاكي العبيد، هي الثورة الاجتماعية التي عرفتها إيطاليا، التي ابتدأت بحركة الغراشوش (نهاية القرن الثاني ق م واستمرت حتى الحرب الاجتماعية بداية القرن الأول ق م). وحسب المؤرخين السوفيات كانت هذه الحرب الاجتماعية عبارة عن انتفاضة كبيرة للفلاحين الإيطاليين، وقد شكلت المرحلة العليا للثورة الاجتماعية، ومن نتائجها:

    - استطاعة الفلاحين الإيطاليين الحصول على الأرض بنفس الشروط التي يحصل عليها الرومانيون.

    - حصول الساكنة الإيطالية على المواطنة الرومانية.

    ومن نتائجها كذلك، أن الثورة ساهمت في ضرب تنظيم ومؤسسات المدن - الدول، وفي نفس الوقت وجهت ضربة قوية لوضع الأرستقراطية الرومانية القديمة، بمعنى آخر وجهت ضربة قوية إلى روما نفسها.

    خلال تطور المجتمع العبودي تطور في أحشائه، بالإضافة إلى التناقض العدائي وسط السكان الأحرار، ذلك التناقض العدائي الأساسي للمجتمع القديم بين العبيد وأسيادهم، لقد كان العبيد ينتمون إلى مناطق مختلفة ودول مختلفة ويتكلمون لغات مختلفة، مما كان يضعف وحدتهم، ولكن حينما ينتفضون فنضالهم يهز قواعد كل النظام الاجتماعي العبودي.

    هناك سؤال حول العلاقات التي نشأت ما بين ثورات العبيد والحركات الثورية للفلاحين الأحرار، خاصة وأن الحركة الثورية الكبيرة قد تزامنت مع أكبر الأعمال الثورية للعبيد، ونعني بذلك انتفاضة صقلية والحرب الكبيرة للعبيد بقيادة سبارتاكوس.

    لقد أظهر المؤرخون السوفيات ذوي الباع الكبير في هذا المجال، على أنه، رغم كون الحركتين كانت لهما نفس الأسباب (أزمة روما كمدينة- دولة)، فقد تطورتا بشكل مستقل عن بعضهما البعض بدون أن يتقاطعا، ففي تلك المرحلة التاريخية كانت المسافة كبيرة جدا بين الإنسان الحر (بدرجة أولى مواطنو روما) والعبد، بحيث لا يمكن أن يتحالفا. فالعبيد لم يكونوا بعد قادرين على التحرر رغم كل مجهوداتهم العنيفة، ذلك أن العبيد لم يكونوا طبقة قادرة على الإتيان بنمط إنتاج أكثر تقدما، فقد كانوا لا يبحثون إلا عن تحررهم الشخصي وليس عن العبودية بشكل عام، أي تنظيم المجتمع على أسس جديدة، لم يكن بإمكانهم بلورة برنامج ثوري يسمح بلف أوسع الجماهير في تحالف ثوري.

    لقد انفجرت ثورة سبارتاكوس في وقت كان فيه تطور النظام العبودي يتبع خطا تصاعديا، مما ساعد على العزل السياسي لثورات العبيد، وقد تغير الوضع جذريا عندما دخل النظام العبودي مرحلة الأزمة في القرن الثالث والرابع ق م.

    خلال هذه المرحلة بدأ نوع من التقارب في وضع مختلف فئات السكان المستعبدة (الملاكون العقاريون الصغار، الفلاحون، من حيث وضعهم الاجتماعي والاقتصادي والقانوني، بدأوا يقتربون من العبيد). لقد كان الشخص الرئيسي في الإنتاج الزراعي في المراحل الأخيرة للإمبراطورية هو المعمر أي الملاك العقاري الصغير، الذي كان في الماضي حرا، وأصبح الآن اقتصاديا وقانونيا مرتبطا وتابعا للمك العقاري الكبير. هكذا، بجعله للملاك العقاري الصغير، في وضع أقرب إلى العبد، حطم النظام العبودي بشكل نهائي الحدود الفاصلة بين الفلاح والعبد، لقد أصبح المعمر حليفا طبيعيا للعبد، هكذا، أصبحت القاعدة الاجتماعية التي كان يعتمد عليها مالك العبيد محدودة، ولذلك توحد العبيد والمعمرون في جبهة موحدة إبان الثورات الشعبية الثورية في نهاية الامبراطورية الرومانية.

    إن الوسيلة الوحيدة القادرة على ضمان حرية تطور القوى المنتجة الجديدة، هو الانقلاب الجذري الثوري للأوضاع، أي ثورة شاملة قادرة على الإقبار النهائي للمجتمع العبودي مع بنيته الفوقية السياسية. وكان لابد للعوامل الداخلية أن تتقاطع مع عوامل خارجية ليتحقق ذلك. فالحركات الشعبية بين القرن الثالث والخامس، كما هو الحال بالنسبة لثورة الباغود وحركة الأغونيست اللتان زعزعتا الامبراطورية الرومانية دون التمكن من القضاء عليها نهائيا. فمن أجل تحقيق ذلك كان على الصراع الطبقي في المجتمع أن يتقاطع مع عامل خارجي يتمثل في الغزوات البربرية في أراضي الامبراطورية الرومانية.

    إن سقوط روما كان نتيجة العمل المشترك للعبيد والمعمرين من جهة، والبرابرة من جهة أخرى، أي من الوسط الاجتماعي، حيث كان النظام العبودي خلال قرون يتزود منه، فيما يخص اليد العاملة المستعبدة، اي العبيد.

    3) الثورات البورجوازية ضد الإقطاع:

    كما هو الحال بالنسبة للمجتمع العبودي، مر النظام الاجتماعي الإقطاعي في أوروبا بمرحلتين كبيرتين في تطوره: مرحلة تصاعدية ومرحلة تنازلية.

    خلال المرحلة التصاعدية اندلعت العديد من الانتفاضات الجماهيرية للفلاحين وسكان المدن، ففي أوروبا، فإن حروب الفلاحين بفرنسا سنة 1358(لاجكري) وحروب سكان المدن (حركة الكومونات في مدن القرون الوسطى) ،قد شملت مناطق واسعة وتميزت بعناد كبير، وفي بعض الأحيان انتفض الفلاحون وسكان المدن بشكل مشترك ضد العدو المشترك أي الإقطاعيين، كما هو الحال بالنسبة للحروب التي حملت مثلا أعلى مشتركا (انشقاق ديني) كغطاء كما وقع بالنسبة لانتفاضات الألبيجوا في جنوب فرنسا خلال القرن 12 و13، والحركة الحوسية في بوهيميا في النصف الأول للقرن 15 . لقد كان الأمر يتعلق بنضالات طويلة وحادة هددت طبقة الإقطاعيين والكنيسة الكاثوليكية. لكن هذه الحروب الثورية للفلاحين كانت تنتهي في آخر المطاف إلى الفشل، ففي حقيقة الأمر فإن طموحات الجماهير الفلاحية لم تخرج عن إطار النظام الاجتماعي الإقطاعي. لم يكن المنتفضون ينتظرون أكثر من نوع من المرونة، فيما يخص النير الإقطاعي، وذلك بإرادة للملك أو القيصر أو الامبراطور، لقد كانت الأوهام تجاه هؤلاء الملوك وغيرهم متجذرة، حتى أن قادات الانتفاضات ينسبون لأنفسهم لقب الملك ويحاولون إعطاء الحركة الثورية للفلاحين الأشكال التقليدية للتراتبية الإقطاعية، وقد كان الحال نفسه بالنسبة للانتفاضات الفلاحية في الصين خلال سنوات 875 – 883 و1626 – 1646 و1850 – 1864، بحيث ظهر أن قادة الحركات عادة ما يعودون إلى الأشكال الاستغلالية الإقطاعية.

    لقد كان محكوما على كل هذه الحروب والحركات الفلاحية بالتفكك الداخلي والوهن ثم الهزيمة.

    في صراعهم ضد الأسياد الإقطاعيين كان سكان المدن في أوروبا العصر الوسيط يحققون انتصارات أكثر أهمية من الفلاحين. فعلى إثر التمردات المنتصرة والمسماة من طرف المؤرخين بثورات الكومونات، استطاعت بعض المدن (إيطاليا كمثال) تحقيق الاستقلال الاقتصادي والسياسي، وحصلت مدن أخرى (مثال ألمانيا) على وضعية مدينة حرة رغم بقائها على الولاء، وذلك بطريقة شكلية من طرف الامبراطور الجرماني، بينما حصلت مدن أخرى (فرنسا كمثال) على حق أداء الضرائب وواجبات أخرى تجاه الملك وحده، في نفس الوقت الذي حافظت على نوع من استقلالية كبيرة في تدبير شؤونها. لكن في كل الأحوال لم تكن الثورات المدينية تهدف إلى تصفية النظام الإقطاعي في مجموعه، أي أن طموحاتها لا تتعدى سقف المصالح الاقتصادية للمدينة، وهو نفس الحال بالنسبة لثورات الصناع في المدن الحرة، عندما كانوا ينتفضون ضد طبقة التجار والمرابين الذين كانوا يستغلون، بدون شفقة سكان المدن الفقراء، لكنهم كذلك، لم يكونوا يستهدفون النظام الإقطاعي باعتباره كذلك.

    فطالما أن العلاقات الإقطاعية للإنتاج في المدن والبوادي، توافقان بشكل أساسي قوى الإنتاج في المجتمع، فإن الانفجارات الثورية الفلاحية والمدينية، لم يكن بإمكانها قلب النظام الإقطاعي، ولن يتحقق ذلك، إلا بعدما بدأ يعرف الوضع تغييرا جذريا مع ظهور الأشكال الأولى للاقتصاد الرأسمالي.

    يتأكد هنا، أن قوى الإنتاج قد دخلت في نزاع مع علاقات الإنتاج في المجتمع الإقطاعي، وبأن قوى اجتماعية معادية للنظام الإقطاعي في المدن والبوادي قد نشأت، ونعني هنا طبقتان رئيسيتان وهما البورجوازية والبروليتاريا، اللذان دخلا مسرح التاريخ. هكذا مع ظهور البنيات الرأسمالية يبتدئ عصر الثورات البورجوازية المعادية للإقطاع. ويحدد المؤرخون بداية الرأسمالية في الحدود الفاصلة بين القرن الخامس عشر والسادس عشر.

    إن الميزة الأساسية للثورات البورجوازية الأولى في الدول المنخفضة (1566 – 1609) ، في انجلترا (1641 – 1653)، في أمريكا (1775 – 1783) وفي فرنسا ( 1789 – 1794) هي كونها وقعت في بلدان كانت قاعدة النمط الرأسمالي للإنتاج فيها هو المانيفاكتورة، التي لا تختلف بنيتها التحتية بشكل أساسي عن نظام الكوربوراسيون، هكذا، ولهذا السبب، عادت الهيمنة في الثورات البورجوازية الأولى للبورجوازية حيث كانت البروليتاريا ما زالت ضعيفة، وكانت القوة السياسية المسيطرة للفئات العاملة تمثلها الفئة البورجوازية الصغيرة الثورية .

    كان توزيع القوى الطبقية يأخذ في كل ثورة شكلا أصيلا متميزا، فالقوى المحركة للثورة الانجليزية في وسط القرن 17 كانت تتشكل من البورجوازية ومن الفئة المبرجزة من النبلاء، وهذا ما يفسر كون المسألة الأساسية للثورة، أي المسألة الزراعية، لم تحل في صالح الفلاحين، بل في صالح اللندس لورد، هكذا خانت البورجوازية الانجليزية حليفها الرئيسي الذي تحمل ثقل النضال الثوري، نعني بذلك الفلاحين.

    هكذا، بعد انتصار الثورة تصارعت سيرورة نزع ملكية الفلاحين بوتيرة سريعة لدرجة أنه في بداية القرن 19 كان الفلاحون الانجليز قد انتهى وجودهم كطبقة.

    فيما يخص فرنسا، لم تكن درجة تبرجز النبلاء ذات أهمية، ولذلك، ومن أجل ضمان عيشها الطفيلي كانت طبقة النبلاء الفرنسية تأخذ أموالها ليس فقط من الاستغلال المباشر للفلاحين، بل كذلك بالاستيلاء على الجزء الأكبر من مداخيل البورجوازية، وذلك عن طريق الضرائب. وما أن توقفت الحروب الداخلية بين النبلاء وتوقفت الحمائية الملكية، حتى أصبحت البورجوازية تطرح مسألة السلطة، وبما أن طبقة الملاكين العقاريين والدولة قد قاومتا طموحاتها، وبما أنها لم تجد من داخلها تلك القوى الداخلية للقضاء على الإقطاعيين، ستلجأ البورجوازية إلى فئة العمال واضعة حدا لتحالف طويل مع طبقة الملاكين العقاريين ومحولة وجهتها نحو طبقة الفلاحين والبورجوازية الصغيرة في المدن. إن الثورة التي قادتها البورجوازية الفرنسية ستقضي على جدور الإقطاعية في المدن، كما في البوادي. ومن نتائج ذلك أن عرفت فرنسا حلا للمسألة الزراعية كان في صالح الفلاحين.

    في ألمانيا، لم تعرف البورجوازية الألمانية في بداية القرن 16 كيف تقدر مصالحها الحقيقية على الصعيد الوطني، ولذلك لم تقدم أي دعم فعال لطبقة الفلاحين الثورية، وبذلك فشلت أول ثورة معادية للإقطاع في ألمانيا. إن خيانة البورجوازية كان سببا في تقسيم سياسي دائم لألمانيا، وانعكس ذلك على تطورها الاقتصادي بشكل سيء.

    سطر انجلز إحدى أهم قوانين الثورة البورجوازية قائلا:

    "حتى يمكن ضمان انتصارات البورجوازية، التي كانت ناضجة وجاهزة للحصاد، كان على الثورة أن تتجاوز الهدف" (كارل ماركس – فردريك انجلز، الأعمال المختارة في مجلدين، منشورات دار التقدم، موسكو، المجلد التاني، ص 107).

    خلال سنة 1848- 1849، كانت ألمانيا تعرف غيابا لحركة فلاحية معادية للإقطاع وضعفا للحركة البروليتارية في المدن، وهذا ما يفسر أن القوى الثورية كانت غير قادرة على الحد من تردد البورجوازية الألمانية، التي أرهبها الخوف من المساس بالملكية الخاصة، مما جعلها تفقد انطلاقتها الثورية وتتوجه نحو الملاكين العقاريين أعداء الأمس، ولذلك فشلت ثورة 1848 – 1849 في ألمانيا، وهكذا فالمشكل الرئيسي للثورة (الوحدة الوطنية لألمانيا) لم يتحقق.

    غيرت المرحلة الامبريالية بشكل أساسي توزيع القوى الطبقية في البلدان التي لم تتحقق فيها بعد مهام الثورة البورجوازية المعادية للإقطاع، لقد أظهرت الثورة الشعبية في روسيا (1905 – 1907) أن البورجوازية الاحتكارية خلال الثورات الديموقراطية البورجوازية تتخذ مواقف معادية للثورة وتتحالف مع طبقة الملاكين العقاريين الكبار، وبالتالي، فالبروليتاريا والفلاحين هما القوى المحركة لهذه الثورات الديموقراطية البورجوازية.

    أما في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة والتابعة، فرغم ترددها وعدم استقرارها، تستطيع البورجوازية الوطنية فيها لعب أدوار ثورية.

    حسب درجة مساهمة الجماهير الشعبية في النضال الثوري، تتوزع الثورات المعادية للإقطاع إلى ثورات بورجوازية، ثورات الأعيان، ثورات ديموقرطية بورجوازية، ثورات شعبية. ففي الثورات من النوع الأول تنجح البورجوازية في تحقيق أهدافها بدون جر الفلاحين والعمال إلى النضال، أما في النوع الثاني فمشاركة الجماهير الشعبية (الفلاحون، الطبقة العاملة) يؤثر بشكل كبير على مسار والمحطة النهائية للثورة. في كتابه "الدولة والثورة" ذكر لينين الثورة التركية (1908) والبرتغالية (1910) كنماذج لثورات الأعيان، والثورة الروسية لسنة 1905 كنموذج للثورة الشعبية. إنهما قطبان تتدحرج بينهما أغلبية الثورات البورجوازية.

    هناك إشكالية أخرى تتمثل في موقف الثورة البورجوازية من جهاز الدولة الإقطاعي والجهاز العسكري والبيروقراطي للاستبداد. وتظهر التجربة التاريخية في هذا الصدد، أن الثورة البورجوازية، التي لا تقضي على الاستغلال الطبقي، لا تحاول تحويل آلة الدولة التي بنتها دولة الملاكين العقاريين. فكقاعدة عامة، تحاول البورجوازية عن طريق الثورة، أن تستولي على الآلة العسكرية والبيروقراطية الاستبدادية وتكييفها مع حاجياتها وتطويرها لصالحها، ويتأثر عملها من حيث الأشكال الملموسة بطبيعة الثورة الديموقراطية البورجوازية، ويتبين من التجربة التاريخية، أنه بقدر ما تتدخل الجماهير في الثورة، بقدر ما يلقى بالأشكال القديمة للدولة الإقطاعية في مزبلة التاريخ.

    هناك من الثورات البورجوازية التي أخذت شكل حروب تحرير وطني، كما هو الحال بالنسبة للثورة الأولى البورجوازية المنتصرة في البلدان المنخفضة، وذلك ضد السيطرة الإسبانية في نهاية القرن 16، ونفس الحال بالنسبة للثورة الأمريكية في نهاية القرن 18 ضد السيطرة الانجليزية، وهو كذلك حال الثورات الأمريكية اللاتينية في القرن 19 ضد المتروبولات الاسبانية والبرتغالية، والحال نفسه كذلك بالنسبة للثورات الإيطالية والهنغارية ضد النير النمساوي، والثورات في جنوب شرق أوروبا في القرن19 ضد السيطرة التركية. أغلب ثورات التحرر الوطني هاته كانت تستهدف تحرير البلاد من اضطهاد الإقطاع الأجنبي، ومع ذلك فإحدى الثورات البورجوازية الأولى للتحرر الوطني، أي النموذج الأمريكي في القرن 18، كان من أهدافها التحرر من النير الرأسمالي الأجنبي، نير البورجوازية الانجليزية.

    4) الثورة البروليتارية الاشتراكية والسيرورة الثورية العالمية:

    تختلف الثورة الاجتماعية للبروليتاريا عن كل أنواع الثورات الاجتماعية السابقة، وخاصة الثورة البورجوازية، فكل الثورات في التاريخ قبل ثورة أكتوبر الاشتراكية، كانت تؤدي في آخر المطاف إلى قلب شكل من أشكال الاستغلال، ثم تعويضها بأشكال جديدة للاستغلال، حيث تخضع الجماهير من جديد لنير الاستغلال والاضطهاد على يد طبقة أو طبقات جديدة، بينما تقضي الثورة الاشتراكية على كل شكل من أشكال الاستغلال.

    أما الميزة الثانية للثورة الاشتراكية، فهي كون نظام الإنتاج الاشتراكي لا يولد جاهزا كما هو الحال بالنسبة لنمط الإنتاج الرأسمالي الذي ترعرع وتطور من داخل النظام الإقطاعي من داخل النظام الرأسمالي، بل فقط تظهر فقط مقدماته المادية من خلال التطور الذي تعرفه القوى المنتجة، التي تتميز بطابعها الاجتماعي، حيث تشكل الصناعة الكبيرة الميكانيكية قاعدتها التقنية. وعلى هذا الأساس لا يمكن للبروليتاريا والجماهير العمالية أن تحدد مجرد هدف ضيق كما تفعل الثورة البورجوازية ضد الإقطاع، التي تكتفي بالاستيلاء على السلطة السياسية، من أجل جعل البنية الرأسمالية القائمة نمطا إنتاجيا مسيطرا.

     إن الثورة البروليتارية لا تتوقف عند الاستيلاء على السلطة، فهذا الاستيلاء لا يعني بالنسبة لها سوى مرحلة البداية، ذلك أنه من أجل تحويل الملكية الرأسمالية إلى ملكية اشتراكية، أو الملكية الخاصة إلى الملكية الاجتماعية، ذات طابع جديد بالكامل، يجب القيام بالثورة السياسية وقلب السيطرة السياسية للبورجوازية وتحقيق السيطرة السياسية للطبقة العاملة، أي إنشاء دكتاتورية البروليتاريا واستعمالها من أجل تصفية الملكية الخاصة وانتصار الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج.

    لهذا السبب، هناك بين الرأسمالية والاشتراكية مرحلة تاريخية انتقالية قد تطول أو تقصر، حيث تتحقق التحولات الثورية للبنيات القائمة، وفي هذه الفترة الانتقالية، حيث تصهر من داخل صراع طبقي حاد علاقات الإنتاج الاشتراكية الموافقة للقوى المنتجة الاجتماعية، خلال هذه المرحلة، التي تمتد فيها الثورة الاشتراكية، حيث يتحقق التحويل السياسي والاقتصادي والثقافي لحياة المجتمع، لا يمكن أن يتم انتقال تطوري من الرأسمالية إلى الاشتراكية بدون ثورة.

    5) تطور الرأسمالية إلى امبريالية وقانون التطور الغير المتكافئ وأثرهما على السيرورة الثورية

    انتقلت الرأسمالية إلى المرحلة الأخيرة من تطورها، وهي ما يطلق عليها من طرف الماركسيين -اللينينيين بالمرحلة الامبريالية، التي تعني رغم كل التعرجات التي يعرفها هذا التطور، دخول مرحلة الانحطاط والعد التنازلي. وتمثل الامبريالية، نتيجة خصائصها التي حددها لينين في كتابه الشهير "الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" مقدمة للثورة الاشتراكية.

    غيرت الامبريالية بشكل كبير ظروف الثورة الاشتراكية، من حيث أن التطور الاقتصادي والسياسي غير المتكافئ للدول الرأسمالية يتم عبر قفزات، مما يجعل نضج الظروف الاقتصادية والسياسية للثورة البروليتارية في مختلف البلدان غير متزامنة، وقد كان لينين أول من اكتشف هذا القانون للرأسمالية، الذي يثبت إمكانية قيام الثورات في الحلقات الضعيفة من السلسلة الامبريالية، وهنا لابد من تسجيل أن الحلقة الأضعف في السلسلة الامبريالية، أي البلد الناضج موضوعيا من أجل انتصار الثورة الاشتراكية، لا يعني بالضرورة بلدا أكثر تطورا من الناحية الاقتصادية، بل ذلك الذي توجد فيه عقدة من التناقضات الامبريالية، أي ذلك البلد الذي وصلت فيه التناقضات الاجتماعية والاقتصادية للإمبريالية حدا أقصى. في بلدان كهذه، يساهم تفاقم التناقضات الاجتماعية في إنضاج الجماهير الشعبية من أجل القيام بالثورة، ويخلق الظروف الموضوعية من أجل قلب السيطرة الاقتصادية والسياسية للبورجوازية وإقامة دكتاتورية البروليتاريا.

    على قاعدة التغيير الذي تم بحكم تطور الرأسمالية إلى امبريالية، عرفت السيرورة الثورية العالمية انشطارا جعل الأفق الاشتراكي للثورة ينطلق من نوعين مختلفين من الثورات، الثورات الاشتراكية في دول المراكز الامبريالية والثورات الديموقراطية البورجوازية، في بلدان المستعمرات وأشباه المستعمرات والدول التابعة، وهي عموما ما يطلق عليه بثورات التحرر الوطني للبلدان المضطهدة من طرف الامبريالية. في هذه البلدان، فبقايا النظام الإقطاعي أو ما يشابهه يتم الدفاع عنها، في نفس الوقت من طرف الملاكين العقاريين والبورجوازية الكومبرادورية المتحالفة مع الامبريالية، وبالتالي تأخذ الثورات في هذه البلدان بقيادة الطبقة العاملة وحزبها الثوري الماركسي اللينيني، وبالتحالف مع الفلاحين، طابعا معاديا للإقطاع والكمبرادور والامبريالية، ولذلك أصبحت ثورات التحرر الوطني حليفا أساسيا للثورة الاشتراكية العالمية.

    لقد كان ولا زال، أن جوهر السياسة الاستعمارية الجديدة، يقوم على منع الدولة الحديثة العهد بالاستقلال، من تطوير اقتصادها الوطني، وخاصة صناعتها، وذلك لربطها بعجلة النظام الاقتصادي والسياسي العالمي للرأسمالية أي جعلها تدور في فلك الرأسمالية.

    يقول لينين في هذا الصدد:

    "يتحدث إيديولوجيو الامبريالية عن التحرر الوطني تاركين في الظل التحرر الاقتصادي، والحال أنه في الواقع، فهذا الأخير هو الأهم" (الأعمال الكاملة، مجلد 22، ص 187).

    ليس هناك سوى وسيلة واحدة لتجاوز التأخر الاقتصادي وتحقيق اقتصاد متطور، وهي الانخراط في إقامة صناعة وطنية متقدمة ودعم ذلك بإصلاح زراعي. إن الاستقلال الاقتصادي والسياسي وبناء اقتصاد وطني، لا يمكن تحقيقه إلا عن طريق نضال ثوري بقيادة الطبقة العاملة وحزبها الثوري ضد الامبريالية والقوى الرجعية داخل البلدان التابعة.

    لا تنتصر الثورات البروليتارية في نفس الوقت، في نفس البلدان، والانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية في العالم كله يمتد على مرحلة طويلة تاريخيا، مرحلة الثورات الاشتراكية وثورات التحرر الوطني. لكن، وإن قامت هذه الثورات في لحظات مختلفة، فإنها تندمج في سيرورة ثورية عالمية واحدة.

    علي محمود

    11- يناير-2018