Ok
En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.
Aller au contenu
Le Centre Marxiste-Léniniste d'Etudes, de Recherches et de Formation
الـشــرارة
من الشرارة يولد اللهيب
الشرارة، الأداة النظرية للمركز الماركسي ــ اللينيني
للدراسات و الأبحاث و التكوين
لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية
من أجل خط ثوري ماركسي ــــ لينيني
-
الحلقة الأولى
كارل ماركس بين تريف، برلين، بون وكولونيا
ولد كارل ماركس يوم 5 ماي من سنة 1818 في مدينة تريف جنوب غرب ألمانيا، من أسرة بورجوازية صغيرة يهودية، اعتنقت البروتستانتية حماية لنفسها من الاضطهاد، ولكي يحافظ والده هنريش ماركس على مهنة المحاماة التي كان فيها محاميا لامعا، وقد كان الأب من عائلة ميسورة وكان وطنيا ليبراليا متنورا قارئا للفلسفات الفرنسية للقرن الثامن عشر.
أتم ماركس الدراسة الثانوية في مدينة تريف مسقط رأسه، ثم التحق بالجامعة في مدينة بون، ثم إلى جامعة برلين، وذلك في السنوات المتراوحة فيما بين 1835 و1841. كانت دراسة ماركس في الحقوق والاقتصاد السياسي، لكن ميله كان للتاريخ، وللفلسفة بوجه خاص لعدة اعتبارات، منها أن الفلسفة كانت المجال الوحيد الذي لم تكن تتدخل فيه الحكومة البروسية بشكل سافر. حصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة، وكانت أطروحته حول "الفوارق في فلسفة الطبيعة عند ديموقريتس وأبيقور"، وقد ركب ماركس موضوعا صعبا مكنه من الإلمام بمجمل فلسفة الإغريق، وخاصة الفلسفة المادية والمنهج الديالكتيكي وتطورهما.
عندما نال شهادته العليا، وبعد تخرجه استقر في مدينة بون، وكان طموح ماركس أن يحصل على منصب أستاذ في الجامعة، غير أن السياسة الرجعية التي كانت تسلكها الحكومة البروسية اضطرت ماركس إلى صرف النظر عن الحياة الجامعية والعزوف عنها.
انتمى كارل ماركس في شبابه لعدة نوادي فكرية، كان أبرزها "نادي الهيجليين اليساريين الشباب"، أي أن ماركس كان هيجليا في بداية مشواره الفكري، لذلك انضم إلى حلقة أتباع هيجل اليساريين في مدينة برلين.
في سنوات الأربعينات من القرن 19 أسس البورجوازيون الراديكاليون في رينانيا، الذين كانوا يلتقون في بعض الأفكار مع أتباع هيجل اليساريين، جريدة معارضة في مدينة كولونيا تسمى "الجريدة الرينانية"، التي كان أول صدور لها بتاريخ 1 يناير 1842، وقد دعي ماركس للعمل كأحد المحررين الأساسيين فيها، وفي أكتوبر من نفس السنة أصبح رئيس تحريرها، مما جعله ينتقل من مدينة بون التي كان يقيم فيها إلى مدينة كولونيا، حيث يوجد مقر الجريدة، وقد كان لكتاباته السياسية والفلسفية وقع كبير على الرأي العام، مما جعل السلطات تمنع الجرائد التي كان يكتب فيها .ولأن ماركس لم يستطع ولوج الجامعة كمدرس كما كان يتمنى، فقد كانت الصحافة الوسيلة الوحيدة التي توفر له عملا ممكنا، وقد قاده عمله في "الجريدة الرينانية" إلى التطرق لقضايا متعددة ودراسة الفكر الاشتراكي والشيوعي .
تأثير الأب هنريش والجار ويستفالن :
كان لكارل ماركس ست إخوة، وكان ماركس الإبن الثاني في الترتيب، وقد أدرك والد ماركس منذ وقت مبكر أن أولاده الآخرين لم يكن فيهم من يتمتع بأية مواهب ممتازة، وقد كان له في كارل ابن صعب المراس يتمتع بذكاء حاد، متألق، يجمع بين مزاج عنيد ورغبة جامحة في الاستقلال وقدرة كبيرة على ضبط الأعصاب، كان حدس الأب صادقا وتقييمه لابنه في محله، فقد ظلت هذه الصفات ملازمة لماركس طيلة حياته تدعمها عدة شهادات من الرفاق والأصدقاء والمناضلين وحتى الأعداء، قيد حياته، أدرك الأب هنريش مبكرا أن صلابة ابنه، وهي صفة أخرى لكارل، لابد أنها ستكون مثار عداوة، كما رأى أنها قد توقعه يوما في مشاكل خطيرة .
كان الدور الذي لعبه الأب هنريش في حياة ماركس كبيرا، حتى أنه عندما أنجب أول ابن له كان يريد ان تكون علاقته به كالعلاقة التي كانت له مع أبيه، وفي الوقت الذي كان تأثير الأب كبيرا على ماركس، فإن الأم على العكس من ذلك، فلم تلعب أمه في حياته إلا دورا صغيرا وتأثيرا باهتا، وبذلك فالتعلق بالأب كان أكبر من التعلق بالأم. وكان من الناس الذين مارسوا تأثيرهم على كارل ماركس السيد ويستفالن والد جيني التي ستصبح زوجة ماركس فيما بعد، فقد كان حبه له شديدا، فقد تمكن ويستفالن أن يقوي إيمان ماركس بنفسه وبقدراته وأن يصبغه بصبغة إنسانية، وهو الإيمان الذي ظل أبرز طابع في ماركس في جميع فترات حياته، وقد كان من أثر ذلك أن ماركس بالرغم من حساسيته غير العادية واعتداده بنفسه وعلى الرغم من كبريائه، كانت الشخصية التي تواجهنا طوال أربعين عاما متصلة من المرض والفقر والنضال المستمر، شخصية إيجابية واثقة من نفسها ثابتة الكيان.
كانت إذن لماركس اليافع علاقة خاصة برب الأسرة لودفيغ فون ويستفالن، الذي نهل منه أول تكوينه أكثر مما أخذ من أبيه، فالأرستقراطية الليبرالية التي كانت تمثلها عائلة ويستفالن عرفت صديقها الشاب وفتحت عيونه على الكتابات "المدمرة" التي كانت تروج في رينانيا، كتابات الاشتراكيين الفرنسيين خاصة سان سيمون، وقد بلغ من تأثر ماركس بمعاملة جارهم ويستفالن، الذي كان يستقبله في منزله بأدب وحسن ضيافة نادرة، أنه ضمن الرسالة التي أعدها للدكتوراه إهداء متأججا لويستفالن، زاخرا بالإعجاب وعرفانا بالجميل، لأن الرجل ساهم في منحه التوازن النفسي في سن كان فيها ماركس شابا وفي أمس الحاجة لهذه المساندة المعنوية، وفي سنة 1837 تقدم ماركس لخطبة ابنته جيني، -حبه وعشقه الذي عاش معه كل الأحاسيس النبيلة- وحصل على موافقته بدون أدنى صعوبة وبدون أدنى تردد، فالرجل لن يجد أحسن من شاب كماركس زوجا لابنته، وهو الذي خبر معدنه وقرأ خبايا صدره العامر بالحب الجياش والأحاسيس النبيلة وعقله المليء بالأفكار المتمردة الخارجة عن المألوف .
في سن 17 كان ماركس ذلك الشاب الرومانسي، فقد كان يقرأ قصائد الشاعر الشاب هنريشهيين (شاعر ألماني، رومانسي، مدافع عن حرية الفكر،1797-1856)، كان يرقص، يركب الفرس، لقد كان مليئا بالحياة، كان يرى أن الأدب يليق به، ولذلك كان يريد ان يجرب مهنة أدبية.
تولد بين كارل ماركس والجميلة جيني ويستفالن حب قوي ودائم، رغم اختلاف وضعهما الاجتماعي والتباين في السن (كانت تكبره بأربع سنوات)، وعندما عاد إلى تريف قادما إليها من بون حيث يتابع دراسته الجامعية ارتبط بخطوبة سرية مع جيني، وقد اعترف بذلك لأبيه، الذي أرعبه الخبر، أولا بسبب صغر سن كارل ماركس، الشيء الذي من شأنه أن يعطله أو يلهيه عن المستقبل الذي يريد الأب للابن، وأيضا لما يمكن أن يحدثه ذلك الارتباط بجيني من فضيحة حول هذا الزواج، في مدينة صغيرة يسهل أن يعلم سكانها بالخبر، ولم يكن أمام الأب إلا أن يبعد ولده ف"صدره" إلى برلين، "مركز كل ثقافة وكل حقيقة" كما يقول هيجل في خطاب تمت قراءته عند افتتاح جامعة برلين سن 1818 (سنة ميلاد ماركس).
في برلين، وفي خريف 1836، فإن كارل ماركس، الذي هو الآن في سن 18، قد فهم أن زمن الصبيانيات قد ولى وانتهى، لذلك فقد انطلق بشكل جنوني نحو الدراسة، فقد قرأ كل الكتب التي تسقط تحت يديه، وأصبح قارئا نهما لكتب القانون والتاريخ والجغرافيا، وخاصة الفلسفة، وما زالت مع ذلك تظهر موهبته أدبية أكثر منها فلسفية، فقد كرس لياليه لكتابة الشعر، حول حبه، حول جيني، وحول نفسه، والأمر لا يبدو غريبا بالنظر إلى كونه في بداية الشباب وتغمره الأحاسيس الفياضة والجارفة. كتب ماركس:
لم أعد أشتغل بهدوء
بما أستحوذ على روحي من قوة
لا أستطيع البقاء في سلام منذ الآن
أنطلق بشغف نحو العمل
كل شيء أريد إخضاعه
كل أفضال الآلهة
وامتلاك المعرفة
معانقة الفن كله
وهكذا يعبر ابن 18 سنة مسبقا عن طموحه، وعن حس المجموع لديه.
خلال هذه السنوات الخصبة من حياته، فإن التوفيق بين العمل الشاق وارتياد أماكن شرب الجعة، حيث يلتقي المثقفين الأكثر تقدمية في عصره أي اليسار الهيجلي قد أثر على ماركس، ولم يعد ينام، وسرعان ما سيسقط مريضا، وهو مرض يتطابق مع مرض جيني حبيبته، وذلك بسبب الفراق والقلق، مما تسبب له في أزمة أحرق على إثرها أشعاره ومشاريع رواياته وتراجدياته، ومن هنا ستكون القطيعة مع الأدب، الذي هجره نحو الفلسفة.
كان التعبير عن هذا التحول نحو الفلسفة، تلك الرسالة الطويلة إلى والده، ذات النبرة الفلسفية، والتي يرجع تاريخها إلى 10 نونبر 1835، يحكي له فيها عن هذه الأزمة الأولى والحاسمة في حياته، إذ رسم تحليلا لوضعيته، منطلقا من مبدأ مركزي، وهو أن كل حياة هي تعبير عن جوهر عقلي، التي تتجلى في نفس الوقت في الفن، في العلم، في الوجود الخالص.
منذ التحاقه ببرلين، حاول الطالب ماركس كتابة فلسفة الحق، التي تقوم على إظهار التناقض بين الواقع والمثال، وهكذا، فحتى يدرس بعمق الفلسفة والهيجلية، فقد بدأ يفهم الديالكتيك المحلي، ونظرية السيرورة، تناقضات مرتبطة بالأشياء الملموسة كتعبير ملموس للعالم الحي، وسيتعلق ماركس بالاتجاه النقدي المنبثق من الهيجلية، اتجاه يستخرج من الديالكتيك تحليلا نقديا للدين والثقافة والمجتمع، لكنها تبقى مجردة. لقد كان عنده شيء أكثر مما عند أصدقائه، فقد استشعر اثنين من المتطلبات، تلك المتعلقة بالدخول مع الواقع "الملموس" من جهة، وتلك المتعلقة بتغيير هذا الواقع بشكل حيوي. وإذا كان كارل ماركس إلى غاية هذا الوقت ما زال يكتب شعرا، فلكي يعلن هذا المتطلب المؤمن بالإنسان، فقد كان يمتلك خيالا شعريا لا مثيل لثرائه، لذلك كانت أول أعماله الأدبية أشعارا، وهو عموما محب وشغوف بالأدب، وكان الأديب الفرنسي هنري دو بالزاك الروائي المفضل لديه، وإذا كانت صفة الأديب قد ميزت كارل ماركس في شبابه، فقد أضاف إليها صفة الفيلسوف، وهي الصفة التي ستلازمه طيلة حياته.
يقول موزيس هيس لأحد أصدقائه وهو برثولد أورباخ عن ماركس وذلك في سنة 1842:
"تستطيع أن تتهيأ للقاء الفيلسوف العظيم، وربما الوحيد الحقيقي، في الجيل الحالي (...)، تخيل روسو وفولتير وهولباخ وليينغ وهينه وهيجل مجتمعين في شخص واحد – أقول مجتمعين – فلديك الدكتور ماركس".
في 16 أكتوبر من سنة 1842 يكتب ماركس أولى مقالاته السياسية "الشيوعية"، وبذلك ستكون السياسة المنعطف الثالث في حياة ماركس بعد الأدب والفلسفة وسيظل عليه إلى آخر رمق. كان يريد حينذاك كتابة مقال حول الملكية( بكسر الميم)، فظهر له أن معارفه في الاقتصاد السياسي لا تزال ضعيفة، - وقد أدرك ذلك بالأخص، عندما كان صحافيا في "الجريدة الرينانية"- فانكب على دراسته بكل حماس - في لندن، منفاه الأخير، سيعمق هذه الدراسة أكثر- فينهمك عندئذ في قراءة الاشتراكيين الفرنسيين وخاصة كتابات سان سيمون- الذي طالما حدثه عنه أبوه - الذي يؤكد على المساواة بين الرجال والنساء، وأولوية الاقتصادي على السياسي، ويقرأ مؤلفات سيسموندي وجيمس ميل (والد جون ستيوارت)، ويقرأ أعمال لويس بلان ومؤلفات شارل فوريي وروبرت أوين، ويقرأ أيضا مؤلفات برودون. كل هذه القراءات ستكون أساس التطوير الذي سيدخله ماركس في كل ما يتعلق بالاقتصاد بمنهج مادي جدلي، ويرى ماركس عندئذ أن الاقتصاد أساس كل العلوم الاجتماعية الأخرى، وأن لا شيء يمكن الإفلات من قوانينه أو من قوانين المادية، فيتخلى عن الاشتراكية الطوباوية وستولد معه الاشتراكية العلمية.
في سنوات الأربعينات من القرن 19، وكما سبق ذكره، أسس البورجوازيون الراديكاليون في رينانيا، جريدة معارضة في مدينة كولونيا تسمى "الجريدة الرينانية"، كان أول صدور لها بتاريخ 1 يناير 1842، وقد دعي ماركس للعمل فيها كأحد المحررين الأساسيين وفي أكتوبر من نفس السنة أصبح رئيس تحريرها، لكن ألمعية كتاباته في الجريدة جعلته ينتقل من مجرد كاتب على صفحاتها إلى الإشراف على إدارتها، و لما أصبحت "الجريدة الرينانية" تحت إدارة ماركس، عرفت نجاحا كبيرا، حيث تضاعف عدد مشتركيها ثلاث مرات، وكان الكثير يسارع في الكتابة فيها، لكن في بروسيا ليس ممكنا لأحد ان يكون صحافيا أو استاذا للفلسفة، إذا لم يكن ذلك بأمر السلطة، لذلك تم منع الجريدة، وهو منع ارتبط أساسا بالموقف الذي اتخذه ماركس حول حق الملكية، ولأنه تحت إدارة ماركس أصبح اتجاه الجريدة الديموقراطي الثوري اكثر وضوحا، فقد عرض ذلك الجريدة للرقابة من طرف الحكومة الرجعية القائمة، فتخلى ماركس عن إدارة تحريرها، إلا أن مصير الجريدة انتهى بها إلى المنع من الصدور في السنة الموالية لصدورها سنة 1843، و ما لبث ماركس بعد ذلك أن غادر عمله في الجريدة، وعلى إثر ذلك سيغادر المانيا قاصدا باريس، وسيكون ذلك أول خروج لماركس من ألمانيا ، سيكون له ما بعده .
السياق التاريخي لنشأة كارل ماركس
لفهم محتوى الماركسية وخلفيات تبلورها في سياقها التاريخي، المرتبط بما كان يحدث في أوروبا، وللوقوف عند نشأة كارل ماركس لابد من تطبيق منهجية المادية التاريخية على هذه النشأة، من خلال دراسة السياق التاريخي لنشأته.
فكارل ماركس ولد في بداية القرن 19 ، وهي فترة كانت لا تزال تشهد إرهاصات ما بعد الثورة الفرنسية لسنة 1789، التي كانت بمثابة ثمرة عصر الأنوار الهادف إلى التخلص من ظلمات عصر الإقطاع وسيطرة الكنيسة، وذلك لما كانت تعنيه على عدة مستويات، فعلى المستوى الاقتصادي انهيار نمط الإنتاج الإقطاعي، وعلى المستوى السياسي والإيديولوجي انهيار تام لهيمنة الكنيسة وأمراء الإقطاع والملكية المطلقة، ولم تكن الأحداث التي عجلت بانهيار النظام الإقطاعي الذي عمر طويلا بالأمر اليسير، فسقوط نظام اقتصادي وسياسي لا يحدث بين عشية وضحاها، بل هو نتيجة تراكم صراع طبقي اقتصادي وسياسي وإيديولوجي وثقافي دام أربعة قرون (من القرن 15 إلى القرن 18) .
ولا شك أن انتصار عصر الأنوار اقتصاديا وفكريا وإيديولوجيا على المجتمع الإقطاعي العتيق، كان له وقع كبير على البيئة التي نشأ فيها كارل ماركس، كما أن انتصار البورجوازية السياسي والاقتصادي والإيديولوجي لم يكن دائما حاملا لبوادر التقدم ومبادئ الثورة كالحرية والمساواة والإخاء، وهي شعارات الثورة الفرنسية. فقد استعمرت الشعوب الأخرى من طرف البورجوازية التي حملت تلك الشعارات، وتمت إبادة بعضها بالكامل واتجرت في شعوبها على اساس اعتبارهم كعبيد، حيث بيع منهم الملايين، وتم ترحيلهم نحو أمريكا للعمل في مزارع القطن ومناجم استخراج الذهب والفضة، كما أن نمط الإنتاج الرأسمالي الناشئ، كان، من جهة، يحقق الأرباح الخيالية للبورجوازية، التي بدأ نجمها يسطع، وسلطتها الاقتصادية تتقوى من جراء تراكم الثروات المنهوبة من المستعمرات، بينما كانت تخلق في المقابل البؤس والفقر، حيث كان يفرض على العمال المبلترين، الذين تم حرمانهم من وسائل الإنتاج كأقنان أرض في النظام الاقتصادي والاجتماعي السابق، العمل لساعات طويلة قد تصل إلى 18 ساعة في اليوم مقابل أجور زهيدة، وفي ظل شروط قاسية لا إنسانية، فمثل هذا التناقض العميق الذي ولد مع تطور نمط الإنتاج الرأسمالي كان لابد من أن يثير ردود فعل قوية، هنا كان ظهور الاشتراكية الطوباوية على يد عدد من المفكرين الأوروبيين بتزامن مع صعود نمط الإنتاج الرأسمالي بمثابة رد فعل طبيعي على هذا التناقض ومآسي نمط الإنتاج الرأسمالي، فالماركسية إذن ظهرت كسيرورة طبيعية للفكر الاشتراكي المناهض للرأسمالية .
لقد تشكلت المصادر الفكرية لكارل ماركس في ثلاثة مصادر: من الفلسفة والتاريخ خلال فترة دراسته في ألمانيا، ثم من خلال استيعاب الفكر الاشتراكي ومنهج التاريخ السوسيولوجي الفرنسي والممارسة السياسية في كل من فرنسا وبلجيكا، ثم من خلال استيعاب عمق الاقتصاد السياسي الانجليزي والعمل على تطويره أثناء استقراره في لندن.
جميلة صابر
10-6-2018