Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الشرارة - Page 74

  • دفاتر "قوموا بالتحقيقات ولا تنطقوا بالحماقات" ـ

    استمرارا في إحيائه للذكرى الثامنة والستون لانتصار الثورة الصينية العظيمة، وبمناسبة الذكرى الثانية والأربعون على وفاة الرفيق ماو تسي تونغ (9 شتنبر 1976)، قائد الحزب الشيوعي الصيني والثورة الصينية العظيمة، يقدم موقع الشرارة الماركسي ــ اللينيني، الأداة النظرية للمركز الماركسي ــ اللينيني للدراسات والأبحاث والتكوين، سلسلة مقالات تحمل عنوان:

    دفاتر "قوموا بالتحقيقات ولا تنطقوا بالحماقات"1

    توضيح:

    ستعمل هذه الدفاتر على تقديم مجموعة من الأعمال والمقالات التي صاغها قائد الحزب الشيوعي الصيني، الرفيق ماو تسي تونغ، خلال مسيرة هذا الحزب الثورية في قيادته للثورة الصينية العظيمة التي نحيي هذه السنة ذكراها الثامنة والستين. وهي أعمال تم إنجازها في معمعان الصراع الوطني والثوري الذي حبل بمجموعة من التناقضات ما كان للحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو أن يفجر سيروراتها ويسير بها نحو الانتصار، لولا التحاليل السديدة لخطه الثوري بقيادة الرفيق ماو، والدمج الخلاق للحقائق العامة للماركسية ــ اللينينية بالممارسة العملية للثورة الصينية، وبلوة، بهذا الصدد، الاطروحات الماركسية ــ اللينينية لخط الثورة الصينية، وعلى الخصوص الثورة الثقافية البروليتارية التي شيدت الحد الفاصل بين خط التحريفية أمميا وخط الماركسية ــ اللينينية الثورية.

    لمحة مركزة عن الصين زمن الاختراق الاستعماري:

    كانت الصين، بداية القرن التاسع عشر، شبه مغلقة أمام التجارة الخارجية، حيث كانت في وضع شبه اكتفاء ذاتي، ولم تكن فيه في حاجة فعلية إلى سلع خارجية، كما أن الطبقة الحاكمة حينها، والتي كانت المحاور الوحيد للتجار الأجانب2، كان لديها ما تخشاه من التبادل التجاري مع البرجوازية التجارية الاوروبية بناء على تجربتها التاريخية السابقة في هذا الشأن3، كما كانت بهذا الصدد تعتمد باستمرار أيدولوجيتها "التقليدية" السائدة واستخدامها ضد جلب واستعمال السلع الأجنبية، بدعوى أنها غير مفيدة للشعب الصيني.

    على العكس من هذا، فالبرجوازية التجارية الأوروبية كانت تطلب المزيد من المنتجات الصينية: الخزف والحرير، وعلى الخصوص الشاي الذي شكل قمة طلب البرجوازية الأوروبية4، الشيء الذي خلق عدم توازن تجاري قوي، حيث كانت الصين ترفض أي تبادل تجاري سلعي، بل تفرض تأدية ثمن السلع ذهبا أو فضة. وهو الأمر الذي كان يتناسب مع الحكم المطلق بإسبانيا الذي كان حينها يسيطر على مناجم أمريكا الجنوبية، في حين شكل هذا التعامل التجاري "عقابا اقتصاديا" للبرجوازية التجارية البريطانية.

    في هذه الظروف، عملت البرجوازية التجارية البريطانية بدعم من حكومتها، وعن طريق شركتها الاستعمارية ب"الهند الشرقية" (British East India Company)، على تسويق الأفيون وسط الصين5 بتقديم رشاوي للمسؤولين المحليين الخاصين بمراقبة ميناء "كانتون"، حيث عرفت سنة 1838 تسويق أضخم كمية في تاريخ تسويق الأفيون بالصين التي معها ارتفعت نسبة المدمنين بشكل مذهل، وفرضت بريطانيا من خلالها أن يتم دفع الثمن نقدا / فضة، مستعيدة بذلك المعدن الثمين الذي كانت تدفعه مقابل الشاي الصيني، لينقلب الميزان التجاري بشكل دراماتيكي لصالح البرجوازية التجارية البريطانية، وتدخل معها السلطة الحاكمة وإداراتها6 بالصين للعمل على الحد من تجارة الأفيون وحظر تسويقه داخلها7.

    نجحت السلطة في الصين، بعد محاولات كثيرة، في الحد من تجارة الأفيون داخل البلاد، حيث حجزت كمية ضخمة جدا في 28 مارس 1839 (تبلغ قيمتها وفق المصادر التاريخية ب 21 مليون دولار التي طالب ممثل بريطانيا بتعويض مالي عن إتلافها)، وإلغاء التعامل التجاري مع بريطانيا، بحيث تم إغلاق ميناء "كانتون" في يناير 1840. وهو الامر الذي شكل مقدمة للحرب التي ستعلنها بريطانيا على الصين باسم "حرية التجارة"، حيث انطلقت في مناورات ابتداء من يونيو 1840 على سواحل كانتون، وعلى الخصوص وأن سيرورة الثورة الصناعية قد بلغت حينها مستوى عال، حيث سيتم توظيف هذا التطور من طرف القوى الاستعمارية لتعزيز قوتهم وفرض شروطهم التجارية في المنطقة.

     انهزمت الصين في هذه "الحرب" التي لم تستمر طويلا، وفرض عليها التوقيع على "معاهدة غير متكافئة"8، "معاهدة نانكين" (أو نانجينغ)9 في 29 غشت 1842 كنهاية لحرب الأفيون الأولى (1839 ــ 1842) التي خاضتها البرجوازية البريطانية وحكومتها ضد الإمبراطورية الصينية، والقاضية بتسليم جزيرة "هونغ كونغ" للبريطانيين للتحكم في مدخل نهر "كانتون"، وفتح مجموعة من الموانئ الصينية للتجارة الأجنبية وعلى رأسها ميناء "شنغهاي" (تم احتلالها في 18 يونيو 1842، وتعتبر المستودع الرئيسي للتجارة العالمية بالمنطقة)10، بعد أن كان هناك فقط ميناء واحد خاص بهذا الغرض (ميناء كانتون). كما تعهدت السلطة بالصين بدفع 21 مليون دولار على أربع سنوات كتعويض عن الأفيون الذي تم إتلافه سنة 1839. وحصلت كذلك بموجبها القوة الاستعمارية البريطانية على تمثيلية دبلوماسية بالصين، وضرائب ثابتة (وصلت إلى 5 بالمئة)، وعلى الخصوص إمكانية شراء الأراضي من طرف البريطانيين وفتح مدارس لهم بالصين.

    بعد ذلك حصلت نفس المعاهدات مع كل من الولايات المتحدة الامريكية في 3 يوليوز 1844، ومع فرنسا في 25 أكتوبر 1844، كما تم إصدار مرسوم في 20 فبراير 1846، حصلت فرنسا بموجبه على ترخيص للدعاية المسيحية بالصين.

    لم يتوقف التدخل الاستعماري عند حدود هذه المعاهدات، بل استطاع فرض وبالقوة معاهدات اخرى، وعلى الخصوص بعد ما يعرف بحرب الافيون الثانية (1856)، والحرب التي شنها التحالف الاستعماري البريطاني ــ الفرنسي (1860) واقتحام "بكين" وفرض المصادقة على كل بنود معاهدة "تيان تسين" (او "تيان جين") التي تمت في 26 / 27 يونيو 1858 مع كل من امريكا وروسيا إلى جانب بريطانيا وفرنسا. لقد كانت هذه القوى الاستعمارية تبحث عن المزيد من التغلغل التجاري في الصين لأجل دمجها في النظام العالمي. هكذا تم الاستحواذ على إحدى عشر ميناءا جديدا كموانئ حرة، مع حرية الملاحة لسفن قوى الاستعمار التجارية على نهر "يانغ تسي كيانغ"، وتقنين استيراد الأفيون ودفع الصين لتعويضات الحرب وحرية الاجانب في السفر وسط الصين، والتحكم في النظام الجمركي الذي أصبح تحت إدارة بريطانيا.

    هكذا تقلصت إلى حد كبير السيادة الصينية، حتى في بعض القطاعات الأساسية مثل الإدارة والقضاء والمالية، وأصبحت الأراضي الصينية عمليا مفككة وتحت سلطة القوى الاستعمارية التي إلى جانب تنظيمها لاقتصاد الصين وفق مصالحها، أصبحت تمتلك كل واحدة منها مناطق نفوذ من موانئ ومناطق منجمية وخطوط للسكك الحديدية11 ومصانع12.

    فبموجب الحروب التي خاضتها الصين ضد فرنسا واليابان، تم التنازل من طرف السلطة الحاكمة بالصين عن مجموعة من المناطق التي كانت تحت وصايتها (الحرب ضد فرنسا في 1884 / 1885 والحرب ضد اليابان في 1894 / 1895، وقبلها في 1875 ضد قوى التحالف الاستعمارية بمعية اليابان في جنوب شرق اسيا، وما ترتب عن كل هذه الحروب من إلحاق "تونكين" / فيتنام بفرنسا، وبرمانيا ببريطانيا، ووضع روسيا اليد على مجموعة من مناطق "ماندشوري"، وإلحاق "تايوان" وبعض الجزر باليابان، مع دفع تعويض ضخم عن تلك الحروب).

    في الواقع، وفي ظل الاختراق التجاري الاستعماري، أصبحت تتداخل شيئا فشيئا مصالح القوى الاستعمارية مع مصالح الطبقات السائدة، وهي نفسها المصالح التي دفعت إلى التحالف بينهما من أجل قمع وإخماد مجموعة من الانتفاضات (مثلا ما بين 1851 و1864)، وعلى الخصوص الفلاحية منها ضد الملاكين الكبار، وضد الوجود الاستعماري بالصين. هكذا بدأت تنشأ مجموعة من المنظمات والجمعيات السرية وبشعار "لأجل نهضة الصين وإعادة إحيائها". ففي معمعان هذا الصراع، برزت الحركة الوطنية والقومية (ابتداءا من 1890)، حيث تأسست بهذا الصدد الجمعية السرية التي تزعمها "سون يات سن" في 1894، والتي توحدت مع العديد من الجمعيات في حركة واحدة في غشت 1905 تحمل اسم "تونغ مينغ هوي" (الرابطة المتحدة" أو التحالف الثوري الصيني") تعمل على ثلاث محاور وضعها سون يات سن: 1 ــ المسألة الوطنية: الاستقلال والنضال ضد الإمبريالية وضد هيمنة السلطة القائمة. 2 ــ الديمقراطية: إقامة الجمهورية. 3 ــ رفاهية الشعب: حق ملكية الأرض للجميع وبالتساوي. (تسمى هذه المحاور ب "مبادئ الشعب الثلاثة")

    على أرضية هذه المبادئ، تصاعدت وثيرة الصراع ضد كبار الملاك13 وطبقة الكمبرادوريين التي نشأت خلال مرحلة الاختراق التجاري الاستعماري، حيث كانت قد تداخلت من جهة، مصالح الطبقتين معا، ومن جهة ثانية مصالحهما ومصالح القوى الاستعمارية، فأصبحت الطبقتان معا كتلة واحدة تشكل بوابة للمزيد من التغلغل الإمبريالي. ففي هذا الإطار تصاعدت الانتفاضات ضدهها وضد الهيمنة الاستعمارية، وقامت "ثورة" في 1911 التي أطاحت بحكومة أسرة تشينغ الجديد، عن طريق انتفاضة في مدينة ووتشانغ بتحريض من الجماعات الثورية البرجوازية والبرجوازية الصغيرة آنذاك. وأعقبت ذلك انتفاضات قامت في مقاطعات أخرى، فانهار حكم أسرة تشينغ سريعا. وفي اول يناير 1912، تشكلت الحكومة المؤقتة لجمهورية الصين وانتخبت "سون" رئيسا مؤقتا للجمهورية. لقد استطاعت هذه "الثورة" أن تنجح في البداية في الإطاحة بالحكم، وذلك بفضل التحالف بين البرجوازية والفلاحين والعمال والبرجوازية الصغيرة في المدن. إلا انه سرعان ما اظهرت ضعف وتردد البرجوازية الوطنية، ومهادنة بعض الجماعات السياسية فيما يخص الاستقلال وإنهاء الوجود الاستعماري بالبلاد، بل خضعت بعد ذلك لضغوطات هذه الاخيرة، وتخلت عن قضية الفلاحين حيث لم تمنحهم أي منافع حقيقية، خصوصا بعد وقوع السلطة في أيدي امراء الحرب، بعد وفاة سون يات سن، وعلى رأسهم أمير الحرب الشمالي "تشي كاي"، الذي عمل على تحويل "الكومينتانغ"14 إلى اداة طيعة بيد الإمبرياليين والكمبرادوريين والملاك الكبار، وتخلى نهائيا عن مبادئ الشعب التي وضعها "سون" سابقا، والتي طورها هذا الأخير في أول مؤتمر وطني "للكومينتانغ" الذي فيه اوضح مبدأ الوطنية بانها مناهضة للإمبريالية15.

    لم يكن ذاك التحالف الوطني الوحيد في مجرى الصراع ضد القوى الإمبريالية، فعلى إثر انتشار خبر معاهدة "فرساي"، في 4 ماي 1919، الذي نص على ان المستعمرات الألمانية في الصين سيتم تمريرها لليابان، عمت المظاهرات التي كان الطلاب في طليعة حركتها. حركة 4 ماي هذه التي قادها الطلبة، والتي نظمت حملات مقاطعة السلع اليابانية وأطلقت سلسلة من الإضرابات العمالية وإضرابات التجار، والتف حولها كل مناصري الاستقلال الوطني، كانت حلقة أساسية في تاريخ الصين الحديث التي فيها تم تشكيل تحالف بين البروليتاريا والحرفيين والمثقفين وجزء من البرجوازية الوطنية.

    ففي معمعان هذا الصراع، انطلقت البروليتاريا الصناعية في خوض النضال، وبدأ الفكر الماركسي في الانتشار، وبدأت مجموعة من المجلات تعمل على نشر الفكر الماركسي، والتي كانت من بينها المجلة التي عمل ماو تسي تونغ على تنظيمها. في هذه الظروف، ومع بدايات 1920، انطلقت سيرورة تنظيم المجموعات الشيوعية وسط الطبقة العاملة وأخذ زمام المبادرة في النضالات الاجتماعية، لتنفتح الطريق نحو تأسيس الحزب الشيوعي للصين الذي منذ انطلاقته سنة 1921 عمل على الارتباط بجموع العمال الذين كانوا يقودون نضالات مريرة في هذه الفترة، وأعلن أهدافه في تحرير البلاد من الهيمنة الإمبريالية وإنجاز الثورة الزراعية وسحق البنى الإقطاعية. فرغم انه تبين للحزب الشيوعي أن الطبقة العاملة لوحدها لن تستطيع سحق النظام، استمر في العمل وسط البروليتاريا (قيادته لإضراب 300000 عامل في هونان مثلا)، إلا أنه سيعمل على التركيز على جماهير الفلاحين وتنظيم الكفاح المسلح. هذه المبادئ بلورها ماو تسي تونغ الذي قدم سنة 1926 تحليلا لطبقات المجتمع الصيني (كما صاغ سنة بعد هذا تحقيقا حول حركة الفلاحين يخص "أهمية مسألة الفلاحين في الثورة الصينية") بهدف محاربة، من جهة، الانتهازية اليمينية التي اهتمت بالتعاون مع "الكومينتانغ" وأهملت الفلاحين، ومن جهة ثانية، محاربة الانتهازية "اليسارية" التي حصرت كل اهتمامها في الحركة العمالية وحدها من دون الفلاحين. فالاتجاهين معا، واللذان شكلا انحرافين وسط الحزب الشيوعي، لم يدركا عدم كفاية قوتهما، ولم يعرفا أين يجدا القوة والجموع الجماهيرية الغفيرة التي ستشكل السند الرئيسي والدعم الحقيقي للبروليتاريا. فكان أن حدد ماو تسي تونغ أخلص الحلفاء للبروليتاريا وأكثرهم عددا في جماهير الفلاحين، واعتبرهم الحليف الرئيسي الأول للبروليتاريا في الثورة الصينية.

     

    الجزء الأول

    إنجاز جميلة صابر

     

    في تحليل الطبقات والمعالجة السديدة للتناقضات الطبقية

    أربعة نصوص أساسية لماو تسي تونغ

    تقديم:

    عرفت السيرورة الثورية في الصين، خاصة منذ 1921 ، سنة تأسيس الحزب الشيوعي الصيني، زخما نضاليا جماهيريا وثوريا واكبته نصوص ثورية تعمل باستمرار على تسديد طريق الثورة الصينية ومعالجة كل الانحرافات اليمينية واليسراوية داخل الحزب الشيوعي الصيني، وإذا كان الخط الثوري، بقيادة ماو تسي تونغ لم يحقق سيادته داخل الحزب إلا بعد ندوة تسونيي سنة 1935، فإن الفترات السابقة كانت مليئة بالمقالات التي كتبها الرفيق ماو تسي تونغ يعالج فيها أوضاعا ومواقف مختلفة تعرض لها مسار الثورة الصينية، وقد اخترنا من ضمن مقالات البدايات الأولى للثورة الصينية مقالان ينتميان لسنتي 1926 و1927، ومقالا يعود لسنة 1933، وأضفنا، في سياق وحدة الموضوع مقالا رابعا ينتمي لمرحلة البناء الاشتراكي بعد انتصار الثورة في أكتوبر 1949، ويعود بالضبط إلى سنة 1957.

    إن النصوص الأربعة تقدم نموذجا جيدا لكل ماركسي – لينيني يعمل ويفكر بعيدا عن الدوغمائية والشعاراتية الفارغة والفرازيولوجية الثورية الزائفة، إن التحليل الملموس للواقع الملموس هو روح الماركسية – اللينينية، نظرية التغيير الثوري بامتياز، نظرية البراكسيس الثوري. وماو تسي تونغ من خلال النصوص الأربعة، مسلحا بأسلوب التحقيقات، يقوم بتحديد الطبقات، ليس فقط بالاعتماد على العنصر الاقتصادي، بل كذلك بالنظر إلى الموقف الطبقي في جدلية بنيوية تحدد مواقع ومواقف القوى الطبقية في المجتمع، وتنظر إلى الطبقات في إطار العلاقات الطبقية وما ينتج عن ذلك من مواقف وصراعات مستمرة، ولم يتوقف ماو تسي تونغ عند هذا الحد، بل نظر إلى تلك العلاقات في إطار مفهوم أوسع، هو مفهوم الشعب. والشعب عند ماو تسي تونغ مفهوم استراتيجي عالي التجريد، ليس عائما فوق المراحل التاريخية، بل يتحدد مضمونه بتلك المراحل فيختلف من مرحلة إلى أخرى، من مرحلة الثورة الديموقراطية الجديدة إلى مرحلة الثورة الاشتراكية، بل يتغير أحيانا في بعض فترات كل مرحلة، فهو متحرك كذلك يخضع لحركية التناقض الرئيسي والتناقضات الثانوية ضمن السيرورة الثورية في كل مرحلة تاريخية واستراتيجية، ولم يكتف ماو تسي تونغ بتحديد الطبقات، بل ساهم في توضيح كيفية المعالجة الصحيحة للتناقضات الطبقية ضمن المفاهيم المسطرة أعلاه.

    إن النصوص الأربعة الأساسية التي نقدمها للمناضلين والقراء، في الجزء الأول من هذه "الدفاتر"، لتعتبر بحق إسهاما كبيرا للرفيق ماو تسي تونغ، وندعو إلى دراستها بتمعن والاستفادة منها لتغيير الأساليب الخاطئة السائدة وسط الماركسيين – اللينينيين.

     

    النص الأول

    التحليل الطبقي للمجتمع الصيني

    مارس 1926

    1) السياق العام للنص:

    يدخل السياق العام لهذا النص في إطار محاربة ماو تسي تونغ للانحرافات التي كانت موجودة داخل الحزب الشيوعي الصيني في فترة 1926، سواء الانحراف الذي تمثله الانتهازية اليمينية، التي تستبعد الفلاحين، وترى أن التعاون يجب أن يكون فقط مع الكيومنتانغ، أو الانحراف الذي تمثله الانتهازية اليسارية التي تركز بالأساس على الحركة العمالية و لا تهتم بالفلاحين، فكلا الانحرافين لا يدخل الفلاحين في قائمة اهتمامه، و لا يعرف أين توجد القوى التي يجب دعمها، في الوقت الذي كان ماو تسي تونغ يرى أن الفلاحين هم الحلفاء الأكثر إخلاصا للبروليتاريا الصينية، وبذلك حل المشكلة المتعلقة بالحليف الرئيسي الأول في الثورة الصينية، وهذا يبين الصراع بين الخطوط الذي كان داخل الحزب الشيوعي الصيني والذي سيحل لصالح الخط الذي يمثله ماو تسي تونغ الذي أبانت التجربة والممارسة أنه الخط السديد الذي يلائم الوضع في الصين.

    إن قوة موقف ما وتسي تونغ استندت على موقف لينين من الثورات في الشرق، حيث اعتبر أن القضية الفلاحية حاسمة في تطور المستعمرات، وقال أن أغلب شعوب الشرق:

    " ليسوا عمالا مروا من مدرسة المصانع الرأسمالية، وإنما ممثلين نموذجيين للجماهير الفلاحية الشغيلة والمستغلة، التي هي ضحايا الاضطهاد القروسطي".

    وقال أيضا:

    "إنكم تواجهون في هذا الصدد مهمة لم تواجه شيوعي العالم من قبل: يتعين عليكم استنادا إلى النظرية العامة وتطبيق الشيوعية، أن تكيفوا أنفسكم على الأوضاع الملموسة التي لا نظير لها في البلدان الأوربية، عليكم أن تكونوا قادرين على تطبيق تلك النظرية وذاك التطبيق على أوضاع غالبية السكان فيها من الفلاحين، كما أن المهمة فيها، هي شن النضال ضد بقايا القرون الوسطى وليس ضد الرأسمالية (خطاب لينين إلى المؤتمر الثاني لعموم روسيا للمنظمات الشيوعية لشعوب الشرق، 22 نونبر 1919).

    وفي الوقت الذي كان فيه البعض داخل الحزب الشيوعي حذرا تجاه حركة الفلاحين ويرفض مساندتها، من أمثال تشين تو سيو، الذي كان ينفي عن طبقة الفلاحين الصينيين، التي تتشكل حسبه من نصف عدد الملاكين الصغار، أن تقبل بالشيوعية، وأن تكون شيئا آخرا سوى حليف متذبذب يميل إلى التسوية مع الرجعية، وكان حذر تشين تجاه حركة الفلاحين ورفضه مساندتها والموافقة على تشكيلها يعبر عن موقف الانتهازيين اليمينيين داخل الحزب الشيوعي الصيني، هذا في الوقت الذي كان فيه ماو يؤكد على المسألة الفلاحية، التي كان يرى  أنه يجب أن تحتل موقعا مركزيا في سياسة الحزب، حيث كان مع رأي لينين أن يصبح الفلاحون في مركز اهتمام الثوريين والشيوعيين في المستعمرات.

    كان الصراع يتطور بين انحرافين: الانحراف التصفوي اليميني، ويتمثل في المحاولات لطمس الفوارق السياسية بين الحزب الشيوعي والكيومنتانغ، ومن الجانب الآخر كانت هناك "المزاجات اليسارية" المتطرفة، التي تحاول القفز على مرحلة الثورة الديموقراطية نحو مهمات دكتاتورية البروليتاريا والسلطة السوفياتية، ناسية كل ما يرتبط بالفلاحين الذين هم العامل الحاسم والأكبر أهمية في مرحلة التحرر الوطني في الصين.

    إن موقف اليمينيين داخل الحزب الشيوعي الصيني ينسجم مع رأي تروتسكي والتروتسكية عموما، فهو يستهين بوضوح بإمكانيات طبقة الفلاحين في الصين، فهو يقول بأن طبقة كبار الملاكين العقاريين لا توجد تقريبا في الصين، من تم فإنه يرى أن الوزن الخاص بمشكل الفلاحين فيها هو أقل بكثير ثقلا كما كان في روسيا القيصرية، ويقول تروتسكي أيضا في كتابه "الثورة الدائمة":

    "ليس في الصين نبلاء الأرض ولا طبقة فلاحية ملتحمة بمصالح مشتركة ضد الملاكين العقاريين، إن الثورة الزراعية في الصين موجهة ضد البورجوازية الحضرية والريفية".

    ويضيف في هامش له:

    "إن المدينة تتوفر على الهيمنة في المجتمع المعاصر، والمدينة هي وحدها القادرة على أن تمارس هذه الهيمنة في الثورة البورجوازية".

    إن تروتسكي بهذا يلوي عنق الحقيقة وهو الذي ليست له أية معرفة بالصين ولم يسبق له أن زارها، بينما قام ماو بتحقيقاته حول الريف الصيني التي عكسها تقريره حول حركة الفلاحين في هونان، مما سنتعرف عليه في نص آخر.

    في نونبر 1926، تبنت الدورة السابعة العامة للجنة التنفيذية للكومنتانغ حول الثورة الفلاحية الموقف حول الثورة الفلاحية، مع التأكيد على أنه يجب دعم الكومنتانغ وصرحت بصفة خاصة:

    "إن على البروليتاريا أن تختار بين وجهة نظر جبهة مع الفئات الهامة للبورجوازية، ووجهة نظر مزيدا من تعزيز التحالف مع الفلاحين، فإذا لم تشكل البروليتايا برنامجا زراعيا جذريا، لن تعرف كيف تجر طبقة الفلاحين إلى النضال الثوري وستفقد هيمنتها في حركة التحرر الوطني".

    وفي الخطاب الذي ألقاه ستالين أمام الأممية التي عقدت دورتها السابعة في نونبر 1926، الذي حضرته بعثة صينية قال:

    "أعرف أنه من بين أعضاء الكيومنتانغ، وحتى بين الشيوعيين الصينيين، هناك من يعتقد أنه ليس من الممكن إشعال الثورة في الريف، نظرا خوفا من أن جر الفلاحين إلى الثورة سيقوض الجبهة المتحدة المعادية للإمبريالية هو خطأ عميق أيها الرفاق، إن الجبهة ضد الامبريالية في الصين ستكون قوية إذا تم التسريع بجر الفلاحين الصينين، وبدقة أكثر، نحو الثورة".

    2) ما هي الطبقات التي يتحدث عنها ماو تسي تونغ، وما ميزات كل طبقة من هذه الطبقات؟

    في استعراضه للطبقات التي يضمها المجتمع الصيني، صنف ماو تسي تونغ المجتمع الصيني إلى خمس طبقات:

    - طبقة ملاك الأراضي وطبقة الكمبرادوريين:

    من مميزات هاتين الطبقتين أنهما تابعتان للبورجوازية الامبريالية، لأن بقاءهما وتطورهما مرتبط بتلك الامبريالية، وهما أكثر الطبقات رجعية في الصين وتأخرا على مستوى علاقات الإنتاج، وهما أيضا طبقتان تعيقان تطور القوى المنتجة: يقول ماو عن هاتين الطبقتين:

    " ... وجودهما مخالف تماما لأهداف الثورة الصينية... وتؤلفان أشد العناصر عداء للثورة، وتمثلهما سياسيا جماعة الإيتاتيست والجناح اليميني من الكيومنتانغ".

    - البورجوازية المتوسطة:

    المقصود بها البورجوازية الوطنية، تتميز بضعفها السياسي وتبعيتها للإمبريالية وخوفها من أن تزيحها الحركة الثورية، لذلك فأن موقفها متناقض من الثورة، فعندما تضرب الامبريالية مصالحها أو تتعرض للاضطهاد من طرف أمراء الحرب، تكون مؤيدة للحركة الثورية المناهضة للإمبريالية، لكن عندما تقود البروليتاريا الثورة تصبح ضد الثورة وضد الحزب الشيوعي، وهي تريد إقامة دولة تحكمها البورجوازية الوطنية. يقول ماو عن هذه الطبقة:

    " ... فهي إذا آلمتها ضربات الرأسمال الأجنبي واضطهاد أمراء الحرب أحست بحاجة إلى الثورة، وأيدت الحركة الثورية المناوئة للإمبريالية وأمراء الحرب، لكنها تعود فيساورها الشك في الثورة، إذا رأت البروليتاريا في داخل البلاد قد هبت تخوض غمار الثورة في قوة وعزم، تساندها البروليتاريا العالمية من الخارج مساندة إيجابية".

    - البورجوازية الصغيرة: تقسيم ثلاثي

    تتميز بالتنوع وضخامة عددها، وتضم كلا من الفلاحين الزراعيين وأصحاب الصناعات اليدوية والطلبة والمعلمون وصغار الموظفين الحكوميين والمحامين والتجار الصغار، ويمكن تقسيمها إلى ثلاث فئات حسب موقعها الطبقي ومواقفها من الثورة:

    * الفئة الأولى:

    تشكل الجناح اليميني من البورجوازية الصغيرة، تتشكل من الذين يملكون فائضا من المال والحبوب، وتتطلع إلى الانتماء إلى البورجوازية المتوسطة، كما أنها تتخوف من الثورة وتقف موقف المتشكك فيها، يقول ماو عن هذه الفئة:

    "هؤلاء شديدو اللهفة إلى الثراء ... وهم وإن كانوا لا يحلمون بجمع ثروات طائلة، فإنهم يتطلعون دائما إلى الارتقاء إلى مرتبة البورجوازية المتوسطة، وكثيرا ما يسيل لعابهم بغزارة إذا وقع نظرهم على صغار الأغنياء الذين يحضون باحترام الناس".

    * الفئة الثانية:

    عددها كبير قياسا بالفئة الأولى، وتمثل نصف عدد البورجوازية الصغيرة، تطمح هي أيضا إلى الثروة مثل الفئة الأولى، لكنها تختلف اختلافا واضحا عنها، فهي لها موقف معادي للأجانب وأمراء الحرب، لكنها تقف موقف الحياد من الحركة المناوئة للإمبريالية وأمراء الحرب، لأنها تشكك في قدرة الحركة على النجاح، لكنها لا تعارض الثورة بصورة مطلقة. يقول ما وتسي تونغ عن هذه الفئة من البورجوازية الصغيرة:

    "جعلهم ... الاضطهاد والاستغلال الذي يعانوه في السنوات الأخيرة على يد الإمبرياليين وأمراء الحرب وملاك الأراضي الإقطاعيين والبورجوازية الكمبرادورية الكبيرة، يشعرون أن الدنيا اليوم قد أصبحت غيرها بالأمس، ووجدوا أنهم لن يستطيعوا أن يكسبوا ما يكفيهم لمعيشتهم إذا بذلوا فقط نفس الجهود التي كانوا يبذلونها في ما مضى، بل عليهم في سبيل ذلك أن يزيدوا ساعات العمل فيقومون إلى العمل في ساعة مبكرة ولا يتركوه إلا في ساعة متأخرة، وأن يضاعفوا العناية في العمل، وصاروا شيئا فشيئا يشتمون فسموا الأجانب ب "الشياطين الأجانب" وسموا أمراء الحرب "القواد النهابين" ووصفوا العتاة المحليين والوجهاء الأشرار بأنهم "أغنياء قساة القلوب"".

    - الفئة الثالثة:

    أما هذه الفئة فتتكون من الذين تدنى مستوى عيشهم، تشكل جمهورا كبيرا، وهي على عكس الفئة الأولى التي تشكل الجناح اليميني داخل طبقة البورجوازية الصغيرة، فهي تمثل الجناح اليساري فيها وأهميتها عظيمة في الحركة الثورية. يقول ماو عن هذه الفئة:

    "ولما كان هؤلاء قد عاشوا على حال من الرخاء ثم ساءت حالهم سنة عن أخرى، وتراكمت عليهم الديون، وصاروا يعيشون في غم وسوء حال، فهم يرتجفون رعبا كلما فكروا في مستقبلهم، وهم يعانون ألما نفسيا شديدا، لأنهم يجدون اختلافا بينا بين ماضيهم وحاضرهم".

    رغم تذبذب مواقف الفئة الأولى والثانية من البورجوازية، فإن الفئات الثلاثة وخاصة الجناح اليساري منها، فهي تنضم إلى الثورة، بل إن الفئة المتوسطة منها يمكن أن تفعل ذلك أيضا، بل حتى العناصر اليمينية يجرفها التيار الثوري للبروليتاريا والجناح اليساري من البورجوازية الصغيرة، فتضطر إلى مسايرة الثورة، وقد تجسد ذلك في كل من حركة 30 ماي 1925 (الحرب الأهلية الأولى) أوفي مرحلة الثورة الزراعية) والحركات الفلاحية في مناطق مختلفة.

    *أشباه البروليتاريا: تقسيم خماسي

    يتكون أشباه البروليتاريا من خمس فئات:

    1- الأغلبية الساحقة من أشباه الفلاحين الزارعين في أرضهم.

    2- الفلاحون الفقراء.

    3- صغار أصحاب الصناعات اليدوية.

    4- عمال المحلات التجارية.

    5- الباعة المتجولون.

    تشكل هذه الفئات الخمسة قسما عظيما جدا من الجماهير في المناطق الفلاحية، ورغم أنهم ينتمون لنفس الطبقة، فهم يختلفون حسب ظروفهم الاقتصادية، والتي بالاعتماد عليها يمكن تقسيمهم إلى ثلاثة مراتب: عليا، متوسطة ودنيا:

    1- فئة أشباه الفلاحين الزارعين في أرضهم:

    يعيشون ظروفا أسوأ من ظروف الفلاحين الزارعين في أرضهم، فلسد النقص من الغذاء يستأجرون الأرض من غيرهم، أو يبيعون قسما من قوة عملهم، لكن إذا كان هؤلاء اسوأ حالا من الفلاحين الزارعين في أرضهم، إلا أنهم أحسن حالا من الفلاحين الفقراء، ذلك لأن هؤلاء الأخيرين لا يملكون أرضا.

    في الموقف من الثورة، وباعتبار الموقع الاقتصادي الذي يشغلونه، فهناك اختلاف فيما بينهم، فأشباه الفلاحين الزارعين أكثر ثورية من الفلاحين الزارعين في ارضهم، وأقل ثورية من الفلاحين الفقراء، وبذلك فالموقع الاقتصادي إذن يحدد الموقف من الثورة.

    2- الفلاحون الفقراء:

    هم فلاحون مستأجرون، يعانون من استغلال ملاك الأراضي الإقطاعيين، وهم أيضا ينقسمون إلى فئات، فهم فئتان حسب مراكزهما الاقتصادية، فئة منهم تملك قدرا وافرا من الأدوات الزراعية وبعض المال، ويحصلون على نصف ما يحتاجون في العام ويسدون العجز ببيع جانب من قوة عملهم، يعانون حياة قاسية، وبالتالي فهم يعيشون في ظروف أسوأ من ظروف أشباه الفلاحين الزارعين في أرضهم، وأحسن من ظروف الفئة الأخرى من الفلاحين الفقراء، وهذه الفئة الأخرى من الفلاحين الفقراء، هم أولئك الذين لا يملكون أدوات زراعية كافية ولا أموال ولا أسمدة وافرة، لذلك فهم يبيعون جانبا من قوة عملهم.

    تختلف مواقف الفلاحين الفقراء من الثورة، فالفئة الأولى من الفلاحين الفقراء أكثر ثورية من أشباه الفلاحين الزارعين في أرضهم، وأقل ثورية من الفئة الثانية من الفلاحين الفقراء، التي تعتبر أكثر استجابة للدعاية الثورية.

    3- صغار أصحاب الصناعات اليدوية:

    سموا بأشباه البروليتاريا لأنهم كثيرا ما يضطرون إلى بيع جانب من قوة عملهم، وهم يشبهون الفلاحين الفقراء في الريف إلى حد ما من حيث مركزهم الاقتصادي، وهم مهددون دائما بالبطالة، يستجيبون للدعاية الثورية بحكم أوضاعهم الاقتصادية.

    4- عمال المحلات التجارية:

    أجورهم ضئيلة، وهم في مركز لا يختلف كثيرا عن مركز الفلاحين الفقراء وصغار أصحاب الصناعات اليدوية، فتجعلهم هذه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية أكثر استجابة للدعاية الثورية.

    5 –الباعة المتجولون:

    لا يملكون سوى رأسمال صغير ولا يكسبون إلا أرباحا ضئيلة، يوجدون في مركز اقتصادي لا يختلف عن مركز الفلاحين الفقراء، لذلك فهم يشاركونهم الحاجة إلى ثورة تغير الأوضاع القائمة.

    - البروليتاريا: تقسيم ثلاثي

    تتكون من ثلاثة فئات:

    1- البروليتاريا الصناعية:

    نظرا لكون الصين بلدا متأخرا اقتصاديا، فإن البروليتاريا الصناعية الحديثة فيها ليست كبيرة العدد، فهي لا تتعدى مليوني عامل، وهؤلاء العمال الصناعيين يعملون بشكل رئيسي في خمس صناعات، وهي: السكك الحديدية، المناجم، النقل البحري، الغزل والنسيج وبناء السفن، ويرزح عدد كبير منهم تحت استعباد المؤسسات التي يملكها الرأسماليون الأجانب، لكن البروليتاريا الصناعية رغم قلة عددها، فهي تمثل قوى الإنتاج الجديدة في الصين، وهي أكثر الطبقات تقدمية في الصين في العصر الحديث وأصبحت القوة القائدة للحركة الثورية فيها.

    2- البروليتاريا الريفية:

    هم الفلاحون الأجراء، الذين لا يملكون أرضا ولا أدوات زراعية، يبيعون قوة عملهم لكسب معيشتهم، يعانون من طول ساعات العمل وقلة الأجور، وهم أكثر سكان الريف بؤسا ومركزهم في الحركة الفلاحية يساوي في الأهمية مركز الفلاحين الفقراء.

    - البروليتاريا المتشردة:

    هم الفلاحون الذين فقدوا أرضهم وعمال الصناعات اليدوية الذين فقدوا كل فرصة عمل، هم أقوياء وأشد بأسا في النضال، إلا أنهم يميلون إلى التخريب، لكن يمكنهم أن يصبحوا قوة ثورية إذا ما تم توجيههم التوجيه الصحيح.

    يعتمد ماو منهجية الربط بين التحديد الطبقي البنيوي والموقف الطبقي، بالتأكيد على جدلية تلك العلاقة وانعكاساتها على المواقف من الثورة، مع التدقيق، من حيث الفئات المشكلة لكل طبقة والتمييز فيما بينها خاصة على مستوى المواقف الطبقية وقابليتها للانخراط في السيرورة الثورية.

    إن التحليل الطبقي للمجتمع الصيني تظهر أهميته في تحديد الاستراتيجية الثورية من خلال التمييز، عن طريق هذا التحليل، بين أصدقاء الشعب وأعدائه، يقول ماو:

    "فأعداء الثورة هم كل من يتواطأ مع الامبريالية، وهم أمراء الحرب والإداريون الكبار وطبقة الكومبرادوريين وطبقة كبار ملاكي الأراضي وفئة المثقفين الرجعيين التابعين لهم، والقوة القائدة للثورة هي البروليتاريا الصناعية، وأقرب أصدقاء الثورة هم أشباه البروليتاريا والبورجوازية الصغيرة بمختلف فئاتها، أما البورجوازية المتوسطة المتذبذبة، فقد يصبح جناحها اليميني عدوا للثورة وجناحها اليساري صديقا للثورة، لكن من الضروري الحذر منها لكي لا تخلق الفوضى في جبهتنا".

     

    ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ ــــ

    هوامش:

    1 ـ لقد استوحت هذه الدفاتر عنوانها من كتابات الرفيق ماو، وهو هنا موجه تحديدا لتلك الزمرة "اليسراوية" العقائدية التي تعتقد وبطريقة إيمانية بالصفاء النظري متناسية أحد أهم قوانين الديالكتيك المادي: التناقض في كل شيء (كونية التناقض)، وأن شيئا صحيحا وصافيا بشكل كامل وشامل وأبدي لا يوجد إلا في مخيلة زمرة المتدينين. فحتى من دون تقديم لا تحقيقات ملموسة، ولا تحليلات سديدة تستند إلى أحداث ووقائع ضمن سياقها المادي التاريخي طبعا، ولا بلورت هذه الزمرة العقائدية تصورات أو أطروحات نظرية تستند إليها في نقدها لخط وفكر ماو تسي تونغ الماركسي ــ اللينيني، أصدرت أحكامها، هكذا، أو على الأصح فتاويها، في حق الثورة الصينية بقيادة الحزب الشيوعي الصيني وعلى رأسه الرفيق ماو تسي تونغ، فتاوي تحاول من خلالها نزع الطبيعة البروليتارية الثورية للثورة الصينية، وتجرد قيادة هذه الثورة، الحزب الشيوعي للصين بقيادة ماو تسي تونغ، من خطها الثوري الماركسي ــ اللينيني.

    2 ــ مثالا على ذلك، كانت الطبقة الحاكمة وحكومتها يمنعون التجار الأجانب من تعلم اللغة الصينية والتواصل مع السكان

    3 ــ انطلق التعامل التجاري للصين بداية مع البرتغال في بدايات القرن السادس عشر، ثم مع الإسبان، عن طريق ميناء "كانتون" بجنوب شرق الصين.

    4 ــ تحول العديد من الصينيين إلى زراعة الشاي بعد التزايد الكبير للطلب عليه، وذلك على حساب الزراعات الغذائية.

    5 ــ كان للأفيون المنتج بالهند التي أصبحت مستعمرة بريطانية، والذي يتم تسويقه داخل الصين عن طريق ميناء "كانتون"، تاريخ سابق للصين مع التجار البرتغاليين، حيث كان يستعمل في الغالب كمسكن في العلاج الطبي التقليدي (بالأعشاب).

    6 ــ كانت هناك سلطة مركزية بيد "السلالة" الحاكمة، والتي تتمتع كذلك بسلطة دينية (ممثلة السماء على الأرض)، وتحيط بها فئة بيروقراطية متعلمة، مختارة بعناية كبيرة وتحت سيطرة شاملة للسلطة التي اعتمدت "الكونفوسيوسية" أساسا إيديولوجيا ــ سياسيا في حكمها، وعلى الخصوص الاحترام التام والانضباط الشامل للهرم الاجتماعي الذي اعتبر طبيعيا ويتماشى مع طبيعة الأشياء وإرادة السماء (وهو جوهر الفكر الكونفوسيوسي). هذا لم يمنع من ظهور إيديولوجيات "دينية" أخرى، إلا انها لم تستطع تقويض "الكونفوسيوسية" التي عمرت قرونا قبل ذلك، بل امتزجت معها، وأصبحت جزءا من إيديولوجية سائدة تخدم استمرارية النظام الاجتماعي الهرمي، وبالأساس تخدم سيطرة الإمبراطور والفئات المحيطة به (الفئة البيروقراطية). واعتمدت السلطة الحاكمة هنا في تسيير شؤون البلاد على ست إدارات: الإدارة المدنية، إدارة المداخيل (أو ما يصطلح عليه اليوم بالمالية)، إدارة الطقوس (التربية والبروتوكول)، إدارة الحرب (الدفاع)، إدارة العقوبات (القضاء ومديرية السجون)، وإدارة الأشغال العمومية.

    7 ــ وصل الأمر بالسلطة الحاكمة بقيادة الإمبراطور "تاو كوانغ" إلى وضع عقوبة الإعدام للمتاجرين بالأفيون.

    8 ــ كان "سون يات سن" هو أول من استعمل هذا المفهوم للتعبير عن المعاهدات التي فرضت على الصين من طرف القوى الاستعمارية.

    9 ــ وهي "حلقة أولى" من سلسلة المعاهدات التي ستفرضها عسكريا القوى الرأسمالية الاستعمارية على الصين.

    10 ــ إلى جانب مينائي "كانتون" و"شنغهاي"، تم فتح ميناء "نينغبو" و"أموي" وفيزهو".

    11 ــ إلى حدود سنة 1911، بلغ طول سكة الحديد بالصين 9778 كلم، وكلها تم تشييدها على يد شركات القوى الاستعمارية (تقول بعض المصادر التاريخية أن الصين اقترضت من أجل ذلك ما قيمته 750 مليون فرنك فرنسي (فسلطات البلد تقترض من القوى الاستعمارية، وتتكلف شركات تلك البلدان الاستعمارية بالبناء).

    12 ــ شكلت الصناعة لحظتها 10 بالمئة من اقتصاد الصين بحوالي مليوني عامل، واستحوذت القوى الاستعمارية على أزيد من 90 بالمئة من قطاع المعادن، واكثر من 80 بالمئة في قطاع النسيج، واكثر من 70 بالمئة في قطاع الفحم. لقد بلغت قيمة الاستثمارات الاستعمارية بالصين في سنة 1911 مثلا ما قيمته 1100 مليون دولار امريكي (ارتفعت هذه النسبة سنة 1914 إلى حدود 1610,3 مليون دولار أمريكي)

    13 ــ سيطر ملاك الأراضي الكبار على الإنتاج الزراعي بشكل تام، وعملوا على الحفاظ على أساليب الاستغلال الإقطاعية وعلى أشكال ما قبل الرأسمالية للإيجارات (الإيجار ــ العمل، إيجار عيني أو نقدي). حيث كانت أكثر من نصف الأراضي الزراعية تحت سيطرة 4 إلى 5 بالمئة، في حين كانت الغالبية العظمى من الفلاحين تعيش البؤس والحرمان الدائمين.

    14 ــ "الكيومنتانغ" حزب كان فى البداية تنظيما قوميا يناضل من أجل الاستقلال وضد الهيمنة الأجنبية. لكن بعد أن استلم "تشيانغ كاي شيك" قيادته، سيطر عليه بشكل كامل وحوله إلى أداة طيعة بيد الإمبرياليين والكمبرادوريين والملاك الكبار. حيث قام بداية بتهميش الحزب الشيوعي والقوى الثورية، ومحاربة حركة الفلاحين الثورية التي كانت قد تمكنت من السيطرة على بعض الأراضي من الملاك في بعض المناطق.

    في صيف 1927 أطلق "الكيومنتانغ" تحت قيادة "تشيانغ كاي شيك" العديد من الحملات التي استهدفت تحطيم الحزب الشيوعي والقوى الثورية. وفى المدن عمل "الكيومنتانغ" على التضييق على المنظمات العمالية وحقها في الإضرابات، وعلى الاجتماعات السياسية وعلى الصحافة، حيث أجبر الحزب الشيوعي في المدن على العمل في السرية. قام "الكومينتانغ" كذلك بقتل آلاف العمال، وإعدام العديد من الشيوعيين والمتعاطفين معهم. لم توجد حينها حكومة وطنية، إذ كان أمراء الحرب، وهم جماعات عسكرية إقطاعية، يسيطرون في بعض مناطق البلاد الشمالية ويتحكمون في كل شؤونها.

    15 ــ مبادئ الشعب الثلاثة، هي تلك المبادئ والبرامج التي وضعها سون يات سن للثورة في الصين حول مسألة الوطنية والديمقراطية ورفاهية الشعب. في عام 1924 أعاد سون يات سن تفسير مبادئ الشعب الثلاثة في بيان "المؤتمر الوطني الأول للكومينتانغ"، فأوضح مبدأ الوطنية بانها مناهضة للإمبريالية، ووعد بتقديم العون النشط لحركات العمال والفلاحين، وهكذا تطورت مبادئ الشعب الثلاثة القديمة فأصبحت جديدة تتضمن السياسات الكبرى الثلاث: التحالف مع روسيا، التعاون مع الحزب الشيوعي وتقديم المساعدة إلى العمال والفلاحين. وقد كانت مبادئ الشعب الثلاثة الجديدة هذه التي تتضمن السياسات الكبرى الثلاث أساسا سياسيا للتعاون بين الحزب الشيوعي والكومينتانغ خلال مرحلة الحرب الاهلية الثورية الأولى.

     

    ــــــــــ ــــــــــ ــــــــ ــــــــ ــــــــ ــــــــ ــــــــ ــــــــ ـــــــ

    يتبع هذا النص الأول من الجزء الأول لدفاتر "قوموا بالتحقيقات ولا تنطقوا بالحماقات"، بالنصوص التالية:

    ـــــ كيف نحلل الطبقات في الريف.

    ـــــ تقرير عن تحقيقات في حركة الفلاحين في هونان.

    ـــــ في المعالجة الصحيحة للتناقضات في صفوف الشعب.