Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الشرارة - Page 62

  • بصدد كتاب لينين: "المادية والمذهب النقدي التجريبي"ـ الحلقة الثالثة

    لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية

    أهمية سلاح النظرية في بناء الحزب البلشفي

    وقيادة الثورة الاشتراكية العظمى في روسيا

    (سلسلة ملخصات ومقالات حول أهم النصوص اللينينية التي ساهمت

    في بناء الحزب الاشتراكي الديموقراطي العمالي البلشفي الروسي)

    المرحلة الأولى:1900-1912

    سلسلة حلقات حول كتاب "المادية و المذهب النقدي التجريبي" لينين

    الحلقة الثالثة

    يحتل كتاب "المادية و المذهب النقدي التجريبي" أهمية كبرى في تاريخ الفكر المادي الجدلي، و قد كان صدوره في سياق عالمي عرف انتشار و سيادة التحريفية على كل المستويات داخل الأحزاب الاشتراكية الديموقراطية خاصة الحزب الاشتراكي الديموقراطي الألماني، أكبر حزب اشتراكي أوروبي، لقد كان الاتجاه بقيادة كارل كاوتسكي يعطي الأهمية للمادية التاريخية فقط و يتنكر لتعاليم ماركس و انجلز حول المادية الجدلية، و هو الأمر الذي أدى بالتحريفيين على عادتهم إلى إخفاء مخطوط كتاب انجلز "جدلية الطبيعة"، الذي لن ينشر لأول مرة إلا سنة 1925 في الاتحاد السوفياتي و ذلك بعد وفاة لينين، الذي لم يقرأ الكتاب، لكن لينين العظيم رغم ذلك توصل في أبحاثه إلى نفس خلاصات انجلز.

    وقد سبق للينين أن درس كتاب "أنتي دوهرينغ" واستوعب أطروحاته، واقتنع اقتناعا صلبا و رصينا بأن ما يبرر إمكانية المادية التاريخية هو المادية الجدلية، فالصراعات الطبقية مثلا لا يمكن فهمها و إدراكها بدون فهم و إدراك ماهية الكون، و قد قال انجلز أن:

    "وحدة العالم توجد في ماديته" و "المادة بدون حركة هي شيء لا يمكن تصوره كما هو الحال بالنسبة للحركة بدون مادة".

    لقد صدر كتاب لينين في بلد كان يعرف حركة اشتراكية ديموقراطية متطورة جدا، و يعرف حركية فكرية متقدمة، بينما العديد من الدول الأوروبية، كانت فيها الحركة الاشتراكية الديموقراطية تتأرجح بين الإصلاحية الفكرية و السياسية و "النقابية الثورية" الرافضة للعمل السياسي و لمفهوم الحزب الإيديولوجي (المثال الفرنسي نموذجا).

    لقراءة كتاب لينين "المادية والمذهب النقدي التجريبي" لا بد من التمييز بين عناصره المشكلة للحقائق العامة، وبين تفاصيله الملتصقة بالوضع المحلي الروسي (أحداث، أشخاص، أسماء ...) التي يضيع فيها القارئ ويفقد الخيوط الرابطة على حساب العناصر الأساسية للكتاب، الفلسفية والعلمية.

    يقول لينين في مقدمة لكتابه، الذي أعيد نشره سنة 1920:

    "أتمنى ألا يكون غير ذا فائدة، باستقلال عن البوليميك مع تلامذة ماخ الروس، كمقدمة لفلسفة الماركسية، للمادية الجدلية، وللاستنتاجات الفلسفية المستخلصة من اكتشافات علوم الطبيعة".

    و في تصديه لسؤال، هل كتابات ماركس وانجلز خالصة و كاملة، يقول لينين: قطعا لا، فحسب لينين، بإمكاننا تصحيح بعض الأخطاء، تصحيح اتجاه بعض النقط، لكن في كل الأحوال لا يمكن مراجعة مادة (لب، جوهر) الماركسية، و المعيار الكبير هو المادية الجدلية و ليس فقط المادية.

    و في حديثه عن السياق الفلسفي الروسي إبان صدور الكتاب، يقول لينين:

    "كل واحد يعرف قليلا عن الأدبيات الفلسفية، لا بد أن يعرف أنه من الصعوبة إيجاد أستاذ فلسفة (أو ثيولوجيا) لم يهتم بشكل مكشوف أو بطرق ملتوية، بدحض المادية".

    ويرى لينين أن المادية يمكن أن توجد بشكلين:

    - شكل المادية التي تتبناها البورجوازية، ومثل كانط قمتها الأكثر تقدما.

    - شكل تحمله البروليتاريا، وهو المادية الجدلية التي قام بالتنظير لها كارل ماركس و فردريك انجلز.

    تاريخيا، و في ألمانيا العاجزة عن القيام بثورة بورجوازية ضد الإقطاع، وذلك لتخلفها التاريخي، قام كانط بتوافق فلسفي مع الفكر الديني الإقطاعي، عندما قال بأنه لا يعرف لماذا الأشياء توجد، و هذا بالنسبة له ثانوي، بينما الذي يهم هو العلم، و هذا يعني الفهم الذي يفكر في طبيعة الأشياء التي يتم الإحساس بها، و هذا يعني أننا لا نعرف طبيعة الأشياء إلا من خلال العلاقة معها، أما ماهية الأشياء في الواقع، يقول كانط أنه  لا يعرفها، لأن لها بعدها الخاص بها، و هو ما أطلق عليه اسم "الأشياء في ذاتها"، بمعنى الأشياء التي لا نستطيع معرفة جوهرها .

    و قد توصل لينين بعد انجلز، إلى أن هناك معسكرين في مجال الفلسفة، المعسكر المثالي و المعسكر المادي (بعدما تحولت المادية البورجوازية إلى رجعية، نشأت المادية الجدلية الثورية) إلا أن بعض الماركسيين قاموا بمحاولة لتحريف المادية الجدلية نحو المادية البورجوازية، و هذا الشكل أسماه لينين ب "التجريبية النقدية"، و هذا يعني أن هناك معسكرين و ثلاثة أشكال: المثالية، المادية الجدلية و التجريبية النقدية.

    عند معالجته للموضوع، استعاد لينين الطريقة نفسها التي اتخذها انجلز في بلورته للإشكالية، عندما قال بأن، بالنسبة للماديين أن الطبيعة هي المعطى الأول و الفكر هو المعطى الثاني، و بالنسب للمثاليين فالعكس، وبين المعسكرين وضع انجلز أنصار دفيد هيوم( فيلسوف واقتصادي ومؤرخ بريطاني، 1711-1776) وايمانويل كانط(فيلسوف الماني، 1724-1804)، اللذين أطلق عليهم اسم اللاأدريون (Agnostiques) أي أولئك اللذين ينكرون إمكانية معرفة العالم، أو على الأقل معرفته بشكل عميق، و بذلك اعتبرت الكانطية الجديدة التي انتشرت وسط الاشتراكية الديموقراطية الألمانية على يد برنشتاين و أتباعه نوعا من اللاأدرية.

    وإذا كان بالنسبة للماركسية، و بالنسبة للماديين، الفكر هو انعكاس للواقع المادي، أما بالنسبة للمثاليين فهو العكس.

    ويعني ذلك بالنسبة للمثاليين، أننا نفكر بطريقة مستقلة عن الواقع المادي، بمعنى اننا نفكر فيما ندركه عبر حواسنا، فالألوان مثلا باعتبارها كذلك، لا توجد و لا توجد إلا في علاقة بنا، و بالملموس عن طريقنا، و هذا ما يسمى التفكير بإرادة حرة (Libre-Arbitre).

    - بيركلي وفلسفة "أن توجد الأشياء يعني أن تكون مدركة"

     اختار لينين نموذجا للفلسفة المثالية فاستعمل مقتطفات من كتابات جورج بيركلي (فيلسوف مثالي ورجل دين ايرلندي، 1685 – 1753) الفلسفية.

     يقول بيركلي:

    "لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن الحديث عن الوجود المطلق للأشياء بدون أن نهتم بما إذا كان أحد يدركها، أن توجد (الأشياء) يعني أن تكون مدركة".

    "في الواقع، الشيء و الإحساس ليسا إلا شيئا واحدا (The same thing) و بالتالي لا يمكن أن يشتق أحدهما من الآخر" .

    "إن وجود المادة، أو أشياء غير مدركة، لم تكن فقط نقطة الارتكاز الرئيسية للملحدين و الجبريين، بل إن عبادة الأوثان (Idolâtrie ) بكل أشكالها تعتمد على نفس المبدأ" .

    و بعد قوله أنه لا ينكر وجود الأشياء، كيفما كانت، يضيف بيركلي:

    "إن الشيء الوحيد الذي ننكر وجوده، هو ما يسميه الفلاسفة مادة أو شيئا ماديا. إن إنكار ذلك لا يشكل أي ضرر لباقي النوع البشري، بحيث يمكن أن أتجرأ على القول، بأنه لن يدرك أبدا غيابه. بينما الملحد يحتاج إلى هذا الشبح باسم فارغ من المعنى، و ذلك لتأسيس إلحاده".

    لقد استطاع لينين في كتابه "المادية و المذهب النقدي التجريبي" أن يحقق أمران:

    أولا، كونه فصل بين المادية و المثالية.

    ثانيا، قام بدحض العديد من الكتاب الروس، اللذين كانوا يتموقعون في صف المادية قولا، و يعودون إلى المثالية فعلا، والأمر هنا يتعلق ب "التجريبيين النقديين" الروس.

    ولإنجاز مهمته، ولتعرية و فضح هؤلاء و أولئك من "النقديين التجريبيين"، عاد لينين إلى دراسة آباء المادية الأوروبية، و في مقدمتهم الفيلسوف الموسوعي المادي دنيس ديدرو (كاتب وفيلسوف وموسوعي فرنسي من عصر الأنوار، متعدد الاهتمامات والمواهب: روائي، كاتب مسرحي، قاص، ناقد فني وأدبي ومترجم...،1713-1784) .

    - ديدرو و نظرية البيانو القيثاري (Clavecin)

    اعتمد لينين في أحد مراجعه حول الفلسفة المادية على دونيس ديدرو، حيث قدمه كفيلسوف يلخص الأطروحة المادية، يقول لينين:

    "بالنسبة للماديين، فإن أستاذ الموسوعيين ديدرو يقول عن بيركلي: "إننا نسمي مثاليين أولئك الفلاسفة، اللذين لا يعون إلا وجودهم، و الأحاسيس التي تتوالى في داخلهم، لا يقبلون أي شيء آخر: نظام سخيف يظهر لي أن ولادته قد ارتبطت بناس عمي، نظام، يا لفضيحة العقل الإنساني و الفلسفة، الذي تصعب جدا محاربته، رغم أنه الأكثر سخافة من بين الكل".

    يعرض ديدرو مواقفه خلال حوار مع دالامبير (فيلسوف موسوعي وعالم فيزياء ورياضيات فرنسي وكذلك موسيقي ومنظر موسيقي وكاتب ومهندس ومترجم....،1717-1783) من خلال مثال البيانو القيثاري قائلا:

    "لنفترض أن بيانو قيثاري له إحساس وذاكرة، و قل لي إن كان لن يردد المعزوفات لوحده، التي تم تنفيذها على لوحة المفاتيح، إننا آلات تمتلك إحساسا و ذاكرة. إن حواسنا بمثابة لوحة مفاتيح منقوشة من طرف الطبيعة المحيطة بنا، التي تضغط على نفسها بنفسها، و هذا في تقديري كل ما يجري في البيانو القيثاري المنظم مثلك و مثلي".

    و عن سؤال وجهه له دالامبير، الذي قال فيه أن هذا البيانو القيثاري لابد أن يكون مزودا بملكة الأكل و القدرة على التوالد، هذا بلا شك كان جواب ديدرو، ثم قال له، انظر إلى هذه البيضة:

    "إننا بهذه سنقلب كل مدارس الثيولوجيا و كل معابد الأرض. فما هي هذه البيضة؟ إنها كتلة بدون إحساس قبل أن تدخلها البذرة، و بعد دخولها، ماذا أيضا؟ إنها كتلة بدون إحساس ذلك أن هذه البذرة ليست هي نفسها سوى سائل جامد و فظ. كيف انتقلت هذه الكتلة إلى تنظيم جديد، إلى الإحساس، إلى الحياة؟ عن طريق الحرارة. و من ينتج الحرارة؟ الحركة. إن هذا الحيوان الذي خرج من البيضة مزود بكل عواطفك، إنه قادر على تنفيذ كل أفعالك".

    و في رده على اعتراض دالامبير، القائل بأن هذه الفرضية تقبل صفة، هي جوهريا تتنافى مع المادة، قال ديدرو:

    "من أين تعرف أن الإحساس يتنافى جوهريا مع المادة أنت الذي لا تعرف جوهر أي شيء سواء كان مادة أو إحساسا؟ هل تدرك جيدا طبيعة الحركة و وجودها في جسم معين و انتقالها من جسم إلى آخر".

    و يضيف ديدرو في مكان آخر:

    "لا يوجد في الكون سوى مادة واحدة في الإنسان و في الحيوان، إن المنغرة (La Serinette) من خشب و الإنسان من لحم و طائر الكناري من لحم، و الموسيقي من لحم منظم بشكل مختلف، لكن هذا و ذاك لهم أصل واحد، تكون واحد، و نفس الوظائف و نفس الغاية" .

    لقد أوردنا هذه الفقرات لإعطاء فكرة عن القراءات التي قام بها لينين في ما يخص الفلسفة الأوروبية، و خاصة فلسفة القرن 18، في سياق بحثه عن صياغة أدق للأسئلة الفلسفية لمواجهة الماخيين و أنصارهم في روسيا، و عندما انتهى من طرح الإطار المناسب للنقاش انطلق في هجومه على منظري الفلسفة الماخية ممن سموا ب "النقديين التجريبيين".

    بداية، سيقوم لينين بشرح الموقف الفلسفي لعالم الفيزياء و الفيلسوف إرنست ماخ (1838 – 1916)، و نفس الشيء بالنسبة للفيلسوف الألماني ريشارد أفيناريوس (1843 – 1896)، وهؤلاء هم أساتذة الماخيين والنقديين التجريبيين، و يرى لينين أن أطروحاتهما قريبة جدا من مثيلاتها عند هنري برغسون (فيلسوف فرنسي، 1859-1941).

    فماذا يقول ماخ: "ليست الأشياء (الأجسام) بل الألوان و الأصوات و الضغوطات و الفضاءات و المدد (ما نسميه عادة بالإحساسات) التي هي العناصر الحقيقية للعالم".

    هناك، حسب لينين مقاربة بسيكولوجية توجه المعرفة نحو ما يمكن أن يكون حياة داخلية خاصة بكل واحد، أي أن ما هو واقعي هو ما ندركه، و ما ندركه فهو جزئي مقارنة بكلية الواقع. و يلخص لينين أطروحات الفيلسوفين:

    "بالنسبة لكل عالم لم تحرف طريقه الفلسفة الأستاذية، و نفس الشيء بالنسبة لكل مادي، فإن الإحساس هو بالفعل الرابط المباشر للوعي مع العالم الخارجي، ليس كصورة ظاهرة خارجية توافق الإحساس، بل كمعطى وحيد موجود".

    لما تحدث لينين عن تلامذة ماخ وافيناريوس الروس، اتهمهم بالعودة إلى المثالية باستعمال قناع المادية، و ذلك بسبب قولهم، الذي يرى أن الإحساسات تعبر عن نفسها في الدماغ عبر تركيبات ل "عناصر".

    فأنتم يضيف لينين:

    "قولا تبعدنا التعارض بين الفيزيائي و النفسي، بين المادية (التي تعتبر الطبيعة المعطى الأول) و المثالية (التي تعتبر العقل، الوعي، الإحساس المعطى الأول)، لكنكم في الواقع تعيدونها بسرعة خلسة متخلين عن مبدئكم الأساس! لأنه، إذا كانت العناصر إحساسات، فليس لكم الحق بقبول لحظة واحدة وجود عناصر خارج تبعيتها لأعصابي و لوعيي، لكن، و من اللحظة التي تقبلون فيها الأشياء المادية باستقلال عن أعصابي و إحساساتي، و التي لا تثير الإحساس إلا بالتأثير على شبكية العين، فإنكم تتركون هنا بشكل مخجل مثاليتكم الحصرية لصالح مادية حصرية.

    إذا كان اللون ليس إلا إحساسا، بسبب تبعيته لشبكية العين (كما تلزمكم بقبوله علوم الطبيعة)، فهذا يستتبع أن الأشعة المضيئة تحصل بوصولها إلى شبكة العين. إن الإحساس باللون يعني، أنه خارج ذاتنا، باستقلال عنا و عن وعينا، توجد حركات للمادة، لنقول موجات الأثير بطول و سرعة محددتين تؤثر على شبكة العين، يحصل من خلالها الإنسان على إحساس بهذا اللون أو ذاك. ذلك هو موقف العلوم الطبيعية، التي تفسر مختلف الإحساسات، باللون عن طريق الطول المختلف للموجات المضيئة الموجودة خارج شبكة العين الإنسانية، خارج ذات الإنسان و باستقلال عنههذا هو التصور المادي: "المادة تولد الإحساس" للتأثير على أعضاء حواسنا. إن الإحساس يعتمد على الدماغ و الأعصاب و شبكة العين ... بمعنى المادة المنظمة بطريقة محددة. إن وجود المادة لا يعتمد على الأحاسيس، إن المادة أولية، و الأحاسيس و الفكر و الوعي هو المنتوج الأكثر تطورا للمادة المنظمة بطريقة ما. تلك هي وجهات نظر المادية بشكل عام و وجهة نظر ماركس و انجلز بشكل خاص".

    يرى لينين أن النقديين التجريبيين يزعمون أنهم ماديين، لكنهم يقبلون كما هو الحال بالنسبة لكانط بأنه لا يمكننا معرفة "الشيء في ذاته"، إنهم يعترفون بالأحاسيس، لكنهم ينكرون طبيعة الانعكاس الكامل للواقع.

    يقول لينين: "... إن المذهب القائل بأن الأجسام هي مركبات أحاسيس، هو وهم مطلق أي الأنانة (سوليبسيزم) (نظرية تؤمن أن الإيمان بالذات أو وعي المرء بذاته هو الشيء الوحيد الموجود)، ذلك لأن العالم من وجهة نظر هاته ليس عندي، إلا وهما".

    إن المشكل الحقيقي عند هؤلاء الماديين المزيفين، هو عندما يرفضون المثالية بطريقة شكلية، ففي الواقع يجدون صعوبة في قبول ان الإحساس هو صورة خارجية عن العالم، فبالنسبة لهم، فالإحساس لا ينقل حقيقة الأحاسيس، أي كلية العالم المطبوع في الدماغ البشري، الذي لا يقوم إلا بعكسه (من الانعكاس) ، إننا أمام اختيار : الحدس، القرار، الإرادة الحرة ... و بشكل مؤكد لا يتعلق الأمر هنا بنظرية الانعكاس. بالنسبة لهؤلاء فإنه يوجد عالم "نفسي"، و لذلك تجد توجها متكررا للماركسيين المزيفين في القرن العشرين نحو التحليل النفسي، أو نحو البسيكولوجيا كما هو الحال بالنسبة لمدرسة فرانكفورت مع تيودور أدورنو، و ماكس هوركهيمر و ماركوز، و اتجاهات و مدارس أخرى، التي سقطت في مستنقع الكانطية الجديدة.

    يقول لينين: "إن العديد من المثاليين و اللاأدريين (بما فيهم تلامذة كانط و هيوم) يصفون الماديين بالميتافيزيقية، ذلك أن الاعتراف بوجود عالم خارجي مستقل عن وعي الإنسان، هو تجاوز، حسب ما يظهر لهم، لحدود التجربة (....)"

    علي محمود

    7 – 2 – 2019