Ok
En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.
Aller au contenu
Le Centre Marxiste-Léniniste d'Etudes, de Recherches et de Formation
الـشــرارة
من الشرارة يولد اللهيب
الشرارة، الأداة النظرية للمركز الماركسي ــ اللينيني
للدراسات و الأبحاث و التكوين
لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية
من أجل خط ثوري ماركسي ــــ لينيني
-
الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية
(شرح مبسط)
المؤلف: فلاديميراليتش أاوليانوف(لينين)
الكتاب: تمت صياغته من طرف لينين في الفترة الممتدة بين يناير ويونيو 1916. وصدر لأول مرة، في منتصف سنة 1917 ببتروغراد في كراس على حدة عن دار الطبع والنشر "جيزن أي زناييه"("الحياة والمعرفة"). و نشرت مقدمة الطبعتين الفرنسية والألمانية في سنة 1921 في مجلة" كومونيستيتشيسكي انترناسيونال"( "الأممية الشيوعية") العدد 18.
لاحركة ثورية بدون نظرية ثورية
أهمية سلاح النظرية في بناء الحزب البلشفي
وقيادة الثورة الاشتراكية العظمى في روسيا
(سلسلة ملخصات ومقالات حول أهمية النصوص اللينينية
التي ساهمت في بناء الحزب الاشتراكي الديموقراطي العمالي البلشفي الروسي)
المرحلة الثانية 1912-1924
الحلقة الأولى
تقديم:
في يناير 1916، قبل لينين عرضا لدار الطبع و النشر الروسية الشرعية "باروس" في بتروغراد، وكان موضوع العرض هو أن يكتب لينين كراسة من أجل السلسلة المبسطة التي تنشرها الدار تحت عنوان "أوربا قبل الحرب و بعدها".
قرر لينين إذن، أن يغتنم الفرصة لكي ينشر في الصحافة العلنية تقييما ماركسيا لواقع تلك المرحلة، مبينا جوهر الحرب الامبريالية و أسباب الانشقاق في الحركة العمالية، وبالفعل كتب لينين مؤلفه في زيوريخ، من يناير إلى يونيو 1916.
لم يكن لينين في أولى اهتماماته بالإمبريالية، فقد سبق له أن اهتم بالموضوع مرارا، حيث اهتم بالميول الجديدة في اقتصاد الرأسمالية.
نجد عند لينين في مؤلفاته من سنوات 1895 - 1913 ("مشروع و توضيح برنامج الحزب الاشتراكي الديموقراطي ("1895 – 1896)، "دروس الأزمة" (1901)، "الحرب الصينية" (1900)، "الماركسية و التحريفية" (1908)، "تمركز الإنتاج في روسيا" (1912)، "التسلح و الرأسمالية" (1913) الخ ...) إشارات إلى مختلف الظاهرات التي تميز عهد الامبريالية : تمركز الإنتاج و نمو الاحتكارات، تصدير رأس المال و الصراع من أجل الاستيلاء على الأسواق العالمية، تدويل العلاقات الاقتصادية، طفيلية الرأسمالية و تعفنها، تفاقم التناقضات بين العمل و رأس المال، نشوء المقدمات المادية للانتقال إلى الاشتراكية.
و في كتابات مختلفة، نجد كذلك فضح سياسة النهب الاستعمارية و حروب الفتح و الغزو و الاغتصاب، و عندما انطلقت الحرب العالمية الأولى شرع لينين في دراسة جميع نواحي المرحلة الاحتكارية من الرأسمالية، و من أجل هذا درس مئات الكتب و المقالات و الأطروحات و المجموعات الإحصائية، و قد تم تجميع المواد التحضيرية لكتاب "الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" في كتاب "دفاتر الامبريالية"، و هو كتاب يضم أكثر من 1200 صفحة تحتوي مقتطفات من 148 كتابا و 232 مقالة باللغات الألمانية و الفرنسية و الإنجليزية، و شملت بحوثه كذلك المطبوعات في الاقتصاد و الإحصاء و التكنيك و التاريخ و الجغرافيا و السياسة و الدبلوماسية و الحركة العمالية و حركة التحرر الوطني.
صدر كتاب لينين في أواسط 1917 في بتروغراد بعد الإطاحة بالنظام القيصري في روسيا.
-1- سمات الوضع التاريخي أواخر القرن 19 و أوائل القرن 20
اكتمل في أواسط القرن 19 الانقلاب الصناعي في البلدان الرأسمالية الرئيسية، هكذا بدأت الصناعة الآلية تنتشر في كل مكان، و عرف تكنيك الإنتاج تطورات نوعية.
في سنة 1851، ظهرت في المعرض العالمي بلندن آلات لتحويل المعادن، و كان ذلك بمثابة مؤشر هام على التغيرات الثورية في صناعة بناء الآلات، كما عرفت نفس المرحلة اتساع شبكة السكك الحديدية مما استتبع ازدياد الطلب على المعدن، و أسفرت الحاجة الماسة إلى توسيع إنتاج الفولاذ عن اكتشاف طريقتين في صناعة التعدين ، طريقة بسمير و طريقة مارتان لصهر المعادن، و في الوقت نفسه سيتم اختراع أنواع جديدة من المحركات (محرك الاحتراق الداخلي، الدينامو- الآلة – و التوربين) و كان من نتائج كل هذا ظهور وسائط جديدة للنقل، مثل السيارة و طرامواي و الطائرة، كما تطور استخراج البترول.
كل هذه العوامل (الاكتشافات و الاختراعات التقنية) ستساهم في بناء قاعدة مادية للإنتاج، فعرفت الصناعات نموا كبيرا. هكذا، فمن سنة 1870 إلى سنة 1900 عرف الإنتاج الصناعي العالمي زيادة ب 150%، كما عرفت التجارة العالمية توسعا متزايدا.
هذا التحول كانت له نتائج هامة على الإنتاج الصناعي، فقبل ذلك كانت الصناعة الخفيفة خاصة صناعة النسيج تهيمن على اقتصاد البلدان الصناعية، أما الآن فقد أصبحت الصناعة الثقيلة في المرتبة الأولى، كما صارت صناعة التعدين وصناعة بناء الآلات الفرعين الرائدين في الصناعة الرأسمالية، و قد ساهمت السكك الحديدية كفرع من الفروع الرائدة في تأمين نهوض الصناعة في أواخر القرن 19.
من نتائج هذا التحول كذلك، الحاصل في قاعدة الإنتاج التقني:
-ازدياد أحجام المؤسسات بسرعة كبيرة، ذلك أن استيعاب أحدث وسائل الإنتاج لم يكن إلا بوسع المؤسسات الضخمة، و في نفس الوقت، فإن بناء هده المؤسسات لم يصبح ممكنا إلا في حال توفر رأسمال كبير.
-ازدياد مقاييس الإنتاج و تمركزه، وقد رافقه تمركز الرساميل و تطور كبر المؤسسات وحجمها وصل إلى حد تجاوز الإمكانيات المالية حتى لدى المالكين الفرديين الكبار.
- نشوء و تطور الرأسمال المتحد لبضعة رأسماليين، و قد جرى اتحاد الرساميل (تمركز الرساميل) عن طريق تأسيس الشركات المساهمة، الشيء الذي سمح بتعبئة الرساميل المتوسطة و الصغيرة فضلا عن الرساميل الكبيرة، فأصبحت محصورة في أيدي واحدة.
فالرأسمال المساهم الكبير يساهم في تحفيز بناء مؤسسات كبيرة تحقق أرباحا كبيرة، و قادرة على المنافسة في فروع أخرى من الصناعة الرأسمالية مما أدى إلى تركيز قسم أكبر فأكبر من إنتاج الفروع الصناعية في يد مجموعة صغيرة نسبيا من الرأسماليين.
خلاصة القول، لقد عرف الثلث الأخير من القرن 19 عملية تمركز الإنتاج و الرأسمال، التي قال عنها ماركس إنها قانون من قوانين الرأسمالية.
و النتيجة هي حصول تغيير في تقنية الإنتاج و في نظام علاقات الإنتاج في الرأسمالية، هكذا بقدر ما كانت تتعاظم مقاييس المؤسسة كانت المنافسة الحرة بين أرباب العمل الرأسماليين العديدين تخلي المكان لسيادة عدد قليل من الاحتكارات الصناعية و المصرفية و لسيادة حفنة من الاحتكاريين.
- تفاقم التناقضات في العالم بين الشغيلة و رأس المال، بين الاحتكارات، بين الرأسمال الكبير و الرأسمال الصغير و بين الدول الامبريالية في الصراع من أجل السيادة العالمية.
هكذا، ففي أواخر القرن 19 سبقت الولايات المتحدة و بعدها ألمانيا في تطورهما الاقتصادي كلا من إنجلترا و فرنسا، في وقت بقي توزع المستعمرات كما كان من قبل، فقد ظلت إنجلترا و فرنسا أكبر الامبراطوريات الاستعمارية.
لقد أصبح تصادم الضواري الرأسمالية في الصراع من أجل الاستيلاء على مختلف اقسام الكرة الأرضية، من أجل إعادة اقتسام المستعمرات، من أجل أسواق التصريف و مصادر المواد الخام، أمرا محتما.
إن تطور التناقضات سيؤدي إلى انفجار الحرب الامبريالية الأولى، التي أظهرت حدة كل التناقضات المذكورة أعلاه، كما أظهرت علاقة الأحداث السياسية بالتغيرات الاقتصادية في نظام الإنتاج، و أظهرت جوهر الامبريالية الحقيقي، فقد انساقت إلى الحرب العالمية 38 دولة يبلغ عدد سكانها أكثر من مليار و 500 مليون نسمة، و بشكل موازي هزت الحرب القوى الثورية و وضعت الأحزاب العمالية أمام امتحان عسير، فيما يخص مواقفها و فهمها للتضامن البروليتاري و موقفها من حكوماتها و من الحرب الامبريالية.
-2-الحركة الاشتراكية العالمية و الحرب الامبريالية الأولى
من خلال مؤتمرات الأممية الثانية (شتوتغارت 1907، كوبنهاغن 1910، بال 1912) تمت الإشارة إلى الطابع الامبريالي للحرب، و من تمة، تم استخلاص استنتاجات تكتيكية مهمة – لا يمكن لعمال مختلف البلدان أن يطلقوا النار على بعضهم البعض في الحرب المقبلة، التي للرأسمال الكبير مصلحة فيها، و إذا ما أطلقوا النار فإن هذا سيكون جريمة، أما إذا وجدت الحرب مع ذلك، فإنه يتعين على الاشتراكيين في جميع البلدان، كما جاء في قرار مؤتمر بال، أن يستغلوا الأزمة الناجمة عن الحرب من أجل التعجيل بسقوط الرأسمالية – و عندما انطلقت الحرب بقيت جميع القرارات حبرا على ورق.
إن زعماء الأحزاب العمالية خانوا قراراتهم بالذات و الأممية البروليتارية و مهمة النضال من أجل الاشتراكية، و صوتوا بالموافقة على منح حكوماتهم البورجوازية القروض لخوض غمار الحرب، و حبذوا عمليا، بالتالي، سياستها الامبريالية، و رفعوا شعار "الدفاع عن الوطن"، الأمر الذي عنى فعلا دعوة العمال إلى إطلاق النار على إخوتهم من الطبقة في البلدان الأخرى، التي جرها الإمبرياليون إلى المجزرة الحربية، و قد كان ذلك خيانة لأهداف و مهمات نضال الطبقة العاملة في سبيل تحررها من سيطرة الرأسمال، و تعبيرا عن سياسة الانتهازية، و انشقت الحركة الاشتراكية تحت ضربات الانتهازية، التي كان شعارها الدعوة إلى السلام الطبقي و التوافق مع البورجوازية الوطنية. لقد كانت الانتهازية سندا إيديولوجيا للبورجوازية في صفوف الطبقة العاملة، و كانت في زمن الحرب العالمية البؤرة الرئيسية للانحلال و الانشقاق في صفوف الحركة العمالية، و لم يستطع غير حزب العمال الاشتراكي والديموقراطي في روسيا و على رأسه لينين، أن يبقى أمينا لمبادئ التضامن البروليتاري و مهمات النضال البروليتاري، فقد أعرب هذا الحزب عن احتجاجه الحازم على الحرب، و وصم بالعار سياسة الحكومات البورجوازية الأوربية بوصفها سياسة امبريالية غريبة عن مصالح الطبقة العاملة.
لقد نشأ عن هذا الوضع واقع تاريخي جديد، كان يتعين فيه على الطبقة العاملة أن تجد أدلة واضحة و دقيقة، و أن تحدد موقفها من العهد الجديد من الحرب، من الحكومات البورجوازية، من واجبها الأممي. و للوصول إلى ذلك، كان ينبغي بادئ ذي بدء أن تفهم طبيعة الظاهرات الجديدة و جدورها العميقة، و الأسباب الموضوعية، و من تمة أصبح تحليل هذا العهد الجديد تحليلا نظريا من النواحي المهمة الأولى، التي عكف لينين على أدائها. و هكذا استطاع لينين بعد مجهود نظري كبير، أن يقدم تحليلا للخصائص و الميول الأساسية للإمبريالية بوصفها نظاما من العلاقات الاقتصادية في الرأسمالية الحديثة، العالية التطور، الناضجة و المفرطة في النضوج.
لقد كشف لينين قوانين تطور الرأسمالية الاقتصادي، كما وضح مغزى الأحداث السياسية الحقيقي و أهميتها، و أسباب الانشقاق في الحركة العمالية.
هكذا سلح لينين البروليتاريا الروسية بنظرية ثورية عن الامبريالية سمحت للبروليتاريا الدخول إلى حلبة الثورة بخط استراتيجي و تكتيكي دقيق و واضح، و برنامج حزبي يرتكز على أساس النظرية الماركسية – اللينينية الصلب، و تصور واضح عن آفاق التطور الثوري.
لقد أنقدت اللينينية النظرية الماركسية من الابتذال و من التحريف و بينت راهنيتها و فعاليتها و قوتها الحيوية الهائلة. لقد كان تطوير الماركسية و تطبيقها في الظروف التاريخية الجديدة خير أسلوب للذود عنها، الشيء الذي كان من أعظم إنجازات لينين بالنسبة للنظرية الماركسية.
فكيف فعل لينين ذلك؟
إن تطبيق النظرية الماركسية، و الطريقة الماركسية لتحليل الرأسمالية في ذلك الوضع الجديد، كان يتطلب في الوقت نفسه تطويرهما تطويرا خلاقا، فالماركسية تنكر الجمود العقائدي و التحجر و القراءة السطحية الآلية، و تكرار الموضوعات الشائخة. و لقد سبق للينين أن قال في مقالة له تحت عنوان "برنامجنا" "فنحن لا نعتبر أبدا نظرية ماركس شيئا كاملا لا يجوز المساس به، بل إننا مقتنعون، على العكس، بأنها لم تفعل غير أن وضعت حجر الزاوية لذلك العلم، الذي يترتب على الاشتراكيين أن يدفعوه إلى الأبعد في جميع الاتجاهات إذا شاءوا ألا يتأخروا عن موكب الحياة". (المختارات في 10 مجلدات، المجلد الأول، ص 449).
لقد شكلت نظرية الامبريالية التي صاغها لينين بابا جديدا في الاقتصاد السياسي الماركسي. لقد وضع ماركس نصب عينيه الهدف التالي (من خلال كتاب الرأسمال) : كشف القانون الاقتصادي لحركة المجتمع البورجوازي، و بالنتيجة، بنى نظاما مهيبا، جاء انعكاسا نظريا للعلاقات الاقتصادية الرأسمالية، و عندما قام لينين بدراسة الوضع المتغير في العالم، انطلق من المقدمة العامة القائلة بان الظاهرات الجديدة هي استمرار للخصائص الأساسية الملازمة للرأسمالية، و أن نظرية الامبريالية تدرس بالتالي الوضع نفسه، أي أسلوب الإنتاج الرأسمالي ، و هذا يعني أن القانون الأساسي الذي اكتشفه ماركس، قانون حركة الرأسمالية، يلازم كذلك مرحلتها الجديدة، مرحلة الامبريالية، و قد تلخصت مهمة لينين العلمية في تحديد أسباب الظاهرات النوعية الجديدة و جوهرها و قوانينها، و في تبيان نشاطها و علاقتها المتبادلة. و رغم الفوارق بين المهمتين العلميتين، جاء مؤلف لينين مواصلة مباشرة لنظرية ماركس و طريقته.
فما هي الاتجاهات الأساسية، التي يواصل فيها لينين و يطور فيها نظرية ماركس و طريقته؟
1- مثله مثل ماركس، يرى لينين أسباب الظاهرات الملحوظة في الحياة الاقتصادية، وأسباب الأحداث السياسية في أساسها في العلاقات الاقتصادية بين الناس. إن الميول في ميدان السياسة يتضح في نهاية الأمر حين تبين التبعيات العميقة التي ترتكز على البناء التحتي و تحدد سلوك الناس.
2- إن الواقع الموضوعي بكل تنوع جوانبه، بجميع علاقاته و تفاعلاته، هو موضوع الدراسة في النظرية اللينينية، كما في تعاليم ماركس الاقتصادية، و المفاهيم و التعميمات النظرية جاءت انعكاسا لهذا التنوع، و كان لينين يؤكد كل مرة على أهمية الممارسة و التطبيق و التجربة الفعلية بوصفها المعايير النهائية من أجل التحقق من صحة الأحكام النظرية.
3- بعمله، قام لينين بمواصلة و تطوير طريقة ماركس الديالكتيكية، معتبرا موضوع بحثه في حالة تطور و تغير مستمر، و تفاقم التناقضات الداخلية هو دافع هذا التطور و قوته المحركة، و بفعل ذلك تدخل الرأسمالية مرحلتها العليا، و تصبح رأسمالية احتكارية، فتقترب من ضرورة الاستعانة عنها بنظام اجتماعي جديد.
4- اعتمد لينين على الطرح الماركسي حول المفاهيم و القوانين، باعتبارها نظاما واحدا، تترابط أقسامها و تتفاعل بشكل متماسك. إن فهم طبيعة النظام بمجمله، يعطي كذلك تصورا عن طبيعة كل ظاهرة بمفردها، باعتبارها جزءا من هذا النظام.
5- إن الميزة الأساسية في موقف لينين من الامبريالية، هو تميزها بنزعة ثورية واضحة، أي نقد النظام البورجوازي من مواقع المستقبل، أي من مواقع الطبقة العاملة، و لذلك شكلت نظريته مدخلا هاما لفهم نظرية الثورة الاشتراكية في عصر الامبريالية، و جمع كتاب لينين "الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" بين العلمية و الثورية، ذلك أن مفهوم الواقع يتضمن تناقضا، فهو الواقع من جهة، و الإمكان من جهة أخرى.
-3-بعض المعطيات التكميلية
انفجرت في صيف 1914، الحرب الامبريالية الإجرامية، التي شاركت فيها و بشكل تدريجي 38 دولة، و قد أدت هذه الحرب إلى تسعير و كشف التناقضات، التي توارت بعمق في الحركة الاشتراكية العمالية، مبرزة الخيانة المكشوفة لغالبية قادة الأحزاب الاشتراكية الديموقراطية و الأممية الثانية أمام أعين الطبقة العاملة.
عندما انطلقت الحرب، كان لينين يعيش في مدينة بورونينو البولونية، و يوم الثامن من غشت 1914، ألقي القبض على لينين من جراء وشاية من طرف أحد الأشخاص، و جرى اعتقاله بتهمة التجسس الحربي و سيق إلى السجن. و نتيجة وضوح بطلان تلك الوشاية أفرج عنه في 19 غشت، و انتقل لينين إلى مدينة بيرن في سويسرا، و قدم في اليوم التالي مباشرة تقريره عن وجهة نظر البلاشفة حول الحرب، و كان ذلك التقرير هو موضوعاته التاريخية "مهام الاشتراكية الديموقراطية الثورية في الحرب الأوربية"، و في هذا البرنامج الأول للبلاشفة منذ نشوء الحرب، وصف لينين الحرب الناشبة باعتبارها حربا امبريالية اغتصابية، و وصم لينين بوصمة العار قادة الأممية الثانية بسبب خيانتهم لقضية الطبقة العاملة، و اعتبر لينين أن أهم مهمة تواجه الماركسيين في ظروف الحرب هي الدعاية للثورة الاشتراكية. و قد جاء في تلك الموضوعات، أن اندحار القيصرية من وجهة نظر الطبقة العاملة و جماهير الكادحين لعامة شعوب روسيا، قد يكون أدنى و أقل ضرر تصاب به الدولة. و قد كان تقرير لينين هذا ركيزة و دعامة لبيانه الذي كتبه في نهاية شتنبر 1914 بعنوان " الحرب و الاشتراكية الديموقراطية الروسية"، و قد أشار لينين إلى أنه، بغية تحديد الموقف من الحرب يجب بكل وضوح معرفة تلك الطبقة التي تشن الحرب، و أية سياسة تمارسها الحرب، و أية غاية سياسية ترتجيها الطبقة السائدة في تلك الحرب، و من وجهة النظر هذه، يصنف الماركسيون الحروب إلى حروب عادلة و حروب غير عادلة، فالحرب التي شنها الإمبرياليون كانت حربا غير عادلة، و هذا حدد موقف البلاشفة منها، فقد ضم البيان الدعوة إلى تحويل الحرب الامبريالية إلى حرب أهلية ضد البورجوازية و الإقطاعيين، و ينطبق موقفهم هذا على الحرب التي دخلتها روسيا، و استنادا إلى تلك المهمة و الموقف منها، تم اختبار الروح الثورية الحقيقية و الوعي السياسي، سواء بالنسبة لمختلف الأحزاب التي تصبغ نفسها بصبغة الشعبية، أو بالنسبة لقادة تلك الأحزاب. و لمزيد من التوضيح في هاته المهمة، كتب لينين مقالته "حول هزيمة حكومتنا في الحرب الامبريالية". إن الطبقة الثورية كما أشار لينين لا يمكنها في الحرب غير العادلة إلا و أن تدعو لهزيمة حكومتها و الاستفادة من الصعوبات التي تجابهها تلك الحكومة و البورجوازية، من أجل القضاء عليها.
و بما أن قادة و زعماء و أحزاب الأممية الثانية قد انتقلوا لخدمة حكوماتهم الامبريالية، دعا لينين إلى تكوين أممية جديدة، هي الأممية الشيوعية الثالثة.
اتهمت الأحزاب البورجوازية، و كذلك الانتهازيون، لينين و حزب البلاشفة بخيانة مصالح الوطن و انعدام الروح الوطنية و عدم الشعور بالكرامة الوطنية، و جاء رد لينين بكل سخط على تلك الاتهامات فكتب مقالته الشهيرة "بصدد كرامة الروس الوطنية"، و كتب يقول:
"ليس هناك أحد مثل البلاشفة يعمل من أجل رفع كادحي روسيا إلى مستوى الوعي الاشتراكي من أجل تحرير شعوب روسيا من الظلم و الجور و التعسف السياسي للسفاحين و الرأسماليين و الإقطاعيين القيصريين".
تقدم لينين في أكتوبر 1914، بتقريرين علنيين: "البروليتاريا و الحرب"، ثم "الحرب الأوربية و الاشتراكية العلمية"، و من خلالهما أصل لينين فضح نوايا تلك الحرب باعتبارها حربا غير عادلة، حربا اغتصابية من جانب التكتلين. و قد تعرض موقف لينين الداعي إلى تحويل الحرب الامبريالية إلى حرب أهلية ضد البورجوازية و الإقطاعيين لهجوم عنيف من جانب الاشتراكيين الشوفينيين و العناصر الانتهازية في الحركة الاشتراكية الديموقراطية الروسية و الأوربية.
في اجتماع هيئات التنظيم الخارجي (خارج روسيا) للحزب العمالي الاشتراكي الديموقراطي الروسي(البلاشفة)، الذي انعقد في مدينة بيرن في مارس 1915، تقدم لينين بتقريره "الحرب و واجبات الحزب"، و قد حدد هذا الاجتماع في قراراته التي كتبها لينين، الإجراءات الموضوعية التي يجب اتخاذها بغية تحويل الحرب الامبريالية إلى حرب أهلية:
- التصويت ضد الاعتمادات العسكرية و استقالة ممثلي الأحزاب الاشتراكية في الدول المتحاربة من حكوماتهم البورجوازية.
- الامتناع عن الهدنة مع البورجوازية، و التخلي التام عن سياسة "السلام الوطني".
إنشاء منظمات سرية للحزب في كافة الأقطار، التي تقوم فيها الحكومات البورجوازية بمنع الحريات الدستورية متدرعة بحالة الحرب.
- مساندة تآخي جنود البلدان المتحاربة.
- مساندة كافة الانتفاضات و الحركات الثورية البروليتارية.
و في أوائل شهر أكتوبر من سنة 1915 كتب لينين مقالته الشهيرة "بضعة موضوعات"، و ردا على السؤال: ما الذي كان على حزب البروليتاريا أن يفعله لو أن الثورة منحت السلطة لهذا الحزب أوان الحرب، كتب لينين : لاقترحنا السلام آنذاك على كافة البلدان المتحاربة، شريطة تحرير المستعمرات و كافة الشعوب المقيدة و المضطهدة و غير المتساوية في الحقوق" .
و في كتابه "الاشتراكية و الحرب" كتب لينين يقول: "إن الطبقة العاملة في روسيا لن توافق على عقد الهدنة مع البورجوازية، و أن حزبها قام حتى النهاية بواجبه الأممي تجاه البروليتاريا العالمية".
في مواجهة الأطروحة اللينينية حول هزيمة الحكومات البورجوازية للدول المتحاربة، زعم بعض الاشتراكيين اليساريين بأن على الشيوعيين في عصر الرأسمالية أن يقفوا ضد فكرة الدفاع عن الوطن، و قد تصدى لينين لهذه الأطروحة (انظر مجموعة مؤلفات لينين "الدفاع عن الوطن الاشتراكي")، و حدد لينين للبروليتاريا فيما يخص هذه المسألة، المعايير الأساسية المحددة للموقف :
-الأخذ بعين الاعتبار الطبقة التي تدعو إلى الدفاع عن الوطن، و الغاية التي تكمن وراء تلك الدعوة، فعندما يتعلق الأمر بالدفاع عن الاستقلال الوطني، فإن شعار الدفاع عن الوطن، يجب أن يلقى كل تأييد و مساندة من قبل البروليتاريا.
لقد بين لينين أن الاعتراف بقضية الدفاع عن الوطن في الحروب الوطنية التحررية، و كذلك في الحروب التي تخوضها الدول الاشتراكية ضد الامبريالية، يتناسب قلبا و قالبا مع جوهر الماركسية و روحها. إن هذا لا يتناقض قط و تلك الحقيقة العامة القائلة بأن الاشتراكية كبناء اجتماعي تسعى قدر جهدها من أدجل القضاء على الحروب، و بناء دعائم سلم وطيد على سطح الأرض، و قد كتب لينين سنة 1915 : "إيقاف الحروب، السلم بين الشعوب، الكف عن أعمال النهب و الاغتصاب، هذه هي بالذات غايتنا المثلى".
و فيما يخص النشوء و التطور التدريجي للانتهازية في الأحزاب الاشتراكية الديموقراطية، كتب لينين سنة 1915 كتابان، و هما : "إفلاس الأممية الثانية" و "الانتهازية و إفلاس الأممية الثانية".
في هذين الكتابين، بين لينين كيف نضجت الانتهازية على مدى عشرات السنين، و بشكل تدريجي، و كيف أخذت تقوض تلك الأحزاب و تنخرها من الداخل، و قام لينين بفضح الشوفينية الاشتراكية العالمية، و كشف النقاب عن الأسباب التي أدت إلى فشل الأممية الثانية و إفلاسها، كما حدد أهم واجبات الحركة العمالية الثورية في عهد الامبريالية.
و فيما يخص الأساس الاقتصادي للانتهازية و الشوفينية الاشتراكية، يرى لينين أنه يكمن وراء ما تقوم به الامبريالية البورجوازية بشكل دوري في ارشاء فئة معينة من عمال بلدانها على حساب الأرباح الطائلة، التي تجنيها من جراء الاستغلال الفاحش لبقية العمال، و نهب ثروات كافة شعوب المستعمرات التابعة لها، و قد أكد لينين بكل عزم على ضرورة دحر الانتهازية، ليس على الصعيد الفكري فحسب، بل و في المجال التنظيمي كذلك، و كتب لينين في هذا الصدد يقول :
"إن نضال حزبنا بأسره (و الحركة العمالية في أوربا بشكل عام) يجب أن يكون موجها ضد الانتهازية، إنها (الانتهازية) ليست مجرد حركة، و لا محض اتجاه، بل إنها أصبحت الآن سلاحا منظما في أيدي البورجوازية داخل صفوف الحركة العمالية".
"إن النضال ضد الامبريالية غير المرتبط بالنضال ضد الانتهازية، ما هو إلا مجرد تغير فارغ أو خداع".
↔ إن الإفلاس السياسي لغالبية أحزاب الأممية الثانية خلال سنوات الحرب العالمية الأولى، أدى إلى استسلامهم الفكري التام أمام البورجوازية، فالتحريفية الفلسفية اندمجت مع الانتهازية في نظرية اقتصادية و سياسية، فأصبحت جبهة الاشتراكية الديموقراطية موجهة، ليس ضد الأعداء الطبقيين للبروليتاريا، بل ضد الحركة الشيوعية، التي هبت بالكادحين نحو الثورة تحت راية الاستراتيجية و التكتيك، اللذين وضعهما لينين .
إذا كان ماركس و انجلز قد اكتشف قوانين نشوء الرأسمالية و تطورها و اندحارها، فقد اكتشف لينين و حلل عصرا جديدا هو عصر الامبريالية، فبعد أن بين الجوهر الاقتصادي و السياسي للإمبريالية، و بعد أن حدد مكانتها التاريخية، باعتبارها أعلى و آخر مراحل الرأسمالية، بين لينين أن الامبريالية نشأت و ترعرعت، باعتبارها تكملة مباشرة للسمات الرئيسية، التي تتميز بها الرأسمالية، و التي بدأت في المرحلة الجديدة تتحول إلى نقيضها، و هذه العناصر هي :
- تدعيم و تقوية تركيز الإنتاج و رأس المال.
- تصاعد الأزمات و النزاعات بين الدول الرأسمالية من أجل السيطرة.
لقد دعت مصالح النضال الثوري للطبقة العاملة، دراسة كافة هذه الظواهر دراسة عميقة و شاملة، و خاصة، و قبل كل شيء، من وجهة نظر العواقب السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية، التي ستتركها تلك الظواهر في حياة الكادحين و كافة المضطهدين. و قد قام لينين بذلك حيث شكلت مسودة كتابه عن الامبريالية مقتطفات من 148 كتابا و 232 مقالة كتبت بلغات عديدة، و تناولت الاقتصاد و صناعة و تاريخ و جغرافية و سياسة و دبلوماسية الدول الرأسمالية الكبرى، و تناولت كذلك الحركة العمالية و مجالات أخرى من الحياة الاجتماعية في تلك الأقطار، و تضم مسودة الكتاب أيضا كمية هائلة من التعليقات و الملاحظات و المواضيع و الوثائق التاريخية و الحسابات، و كل هذه المواد قد صدرت فيما بعد على هيئة كتاب بحد ذاته تحت عنوان "كراريس حول الامبريالية" و يضم الكتاب في طياته ما يقارب 800 صفحة.
انتهى لينين في صيف 1916، من وضع كتابه الكبير "الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" (شرح مبسط)، و كان من المتوقع أن يصدر هذا الكتاب بصفة علانية في روسيا ضمن سلسلة من الكتب صادرة تحت عنوان "روسيا قبل و إبان الحرب"، و قد ساهم ذلك بشكل كبير، في تحديد صيغة هذا الكتاب، ذلك أن لينين حاول تجنب الصيغ الحادة كي لا يعطي هيئات الرقابة حجة لمنع إصدار الكتاب، و صدر الكتاب في أوائل سنة 1917، أما الكتاب بهيئته الحقيقية، و بالشكل الذي كتبه لينين فلم يصدر إلا بعد ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى.
في كتابه "الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية"، يظهر لينين كعالم عبقري، و كباحث و أعظم مناضل ثوري ضد الامبريالية، و بالفعل فاستنتاجاته العلمية تجمعت موادها النظرية و الموضوعية لفترة نصف قرن بعد صدور كتاب "الرأسمال" لماركس، مما جعل لينين قادرا على إثبات أن الامبريالية، انطلاقا من القوانين الموضوعية قد دخلت أعلى و آخر مرحلة من مراحل تطورها السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي، و قد أعطى لينين تعريفا رائعا من حيث دقته العلمية وعمقه النظري، فكتب يقول :
"إن الامبريالية هي تلك الرأسمالية، التي بلغت في تطورها مرحلة تركزت فيها سيادة الاحتكارات و رأس المال المالي، و احتل تصدير رؤوس الأموال أهمية بالغة جدا، و بدأت عندها الشركات الاحتكارية العالمية بتقسيم العالم فيما بينها، و تم خلالها الانتهاء من تقسيم كافة بقاع الأرض من طرف الدول الرأسمالية الكبرى".
خلاصة القول، وضع لينين خمس مميزات للإمبريالية:
- تحول المنافسة الرأسمالية الحرة إلى احتكار، نتيجة نمو تركيز الإنتاج و رأس المال.
- اندماج الرأسمال البنكي و الرأسمال الصناعي و نشوء الرأسمال المالي.
- تفوق دور تصدير الرأسمال على تصدير البضائع.
- تقسيم العالم من قبل الاتحادات العالمية الاحتكارية للرأسماليين.
- الصراع بين الدول الاستعمارية من أجل إعادة تقسيم العالم.
بالاعتماد ، و الاستناد على هذه الظاهرة (الامبريالية)، خرج مفكرو الامبريالية و الانتهازيون و التحريفيون اليمينيون بنتيجة تزعم أن الرأسمالية الاحتكارية أصبحت غير رأسمالية بكافة ما تحمله من آثار و عواقب سلبية، و أن الرأسمالية الاحتكارية الحكومية غدت سمة لعصر يسوده اقتصاد رأسمالي مخطط خال من الأزمات و الصراعات الطبقية و الهزات الاجتماعية، و قد بين لينين الإفلاس العلمي التام لهذه المزاعم، و أثبت بشكل لا يقبل الجدل أن تحول الرأسمالية الاحتكارية إلى رأسمالية احتكارية حكومية(هنا تختبئ الأرنب) يشير إلى دخول الامبريالية طورا جديدا لم تبق عنده بينها و بين الاشتراكية أية مراحل وسطية، و إلى لينين يعود الفضل إلى الاستنتاج العبقري، الذي يقضي بكون الرأسمالية هي عشية الثورة الاشتراكية.
علي محمود
(يتبع بحلقة ثانية: "ملخص كتاب الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية"، حمو خالد)