Ok
En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.
Aller au contenu
Le Centre Marxiste-Léniniste d'Etudes, de Recherches et de Formation
الـشــرارة
من الشرارة يولد اللهيب
الشرارة، الأداة النظرية للمركز الماركسي ــ اللينيني
للدراسات و الأبحاث و التكوين
لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية
من أجل خط ثوري ماركسي ــــ لينيني
-
بناء الأحزاب الماركسية – اللينينية:
السياقات، السيرورات، الأفكار و التجارب
القسم الأول
I - الإسهامات الأساسية لكارل ماركس (1818 - 1883) و فردريك انجلز (1820 - 1895) في نظرية الحزب الثوري
تقديم :
إن مسألة بناء الحزب الثوري الماركسي – اللينيني لذات راهنية في زماننا الملتهب هذا، حيث تتوسع رقعة الانتفاضات و التمردات باستمرار، في ظل أجواء الأزمة البنيوية العامة للرأسمالية، التي تزداد تعفنا و انحلالا إلى الحد الذي أصبحت خطرا محدقا بالبشرية و الطبيعة.
هكذا، و عندما اعتقد المرتدون التحريفيون من كل صوب و أبواق النظام الامبريالي و كلاب حراسته و مثقفوه المزيفون، أن الماركسية قد تم إقبارها إلى الأبد، و انتهى التاريخ إلى توافق بين الرأسمالية و الليبرالية و الديموقراطية البورجوازية، و ذلك كأفق وحيد للبشرية، بما يعني أن الاستغلال و الاضطهاد قدر أبدي يطارد خطى البشرية جمعاء، و أن الرأسمالية نظام أبدي فوق التاريخ غير قابل للتجاوز، و كل محاولة للقيام بذلك محكوم عليها مسبقا بالفشل، و وجد منظرو الرأسمالية الجدد في سقوط التجارب الاشتراكية مثالا على ادعاءاتهم، و أصبحت الليبرالية و ديموقراطيتها الشكلية دينا جديدا مفروضا على شعوب العالم، و أمسى توكفيل بطلا من الأبطال المبجلين،بينما تحول ماركس العظيم عند المثقفين الماركسيين السابقين المزيفين إلى مجرد شبح مخيف، يتلون كل تعاويذهم لمنعه من عودته إلى الظهور، نقول لأمثال هؤلاء هيهات ثم هيهات، لقد ولدت الماركسية من رحم المجتمع الرأسمالي لتحطمه، و تفتح الطريق لمجتمع جديد يتحرر فيه الإنسان من الاستغلال و الاضطهاد و الاستيلاب و التمييز الجنسي، بعدما يتم القضاء على كل الأنماط و الأشكال و الأدوات المكرسة لذلك (الدولة، نمط الإنتاج و علاقات الإنتاج، الاضطهاد القومي و النظام الاجتماعي الباترياركي).
لم يمض وقت طويل على ذلك الزمن، الذي احتفل فيه أنصار الاستغلال والاضطهاد في كل مكان بانتصارهم المزعوم على الماركسية، النظرية الثورية الوحيدة القادرة على رد أسلحتهم إلى نحورهم، و فتح طريق الثورة من جديد، حتى عاد شبح الشيوعية المخيف للرأسماليين في القرن 19، كما يقول البيان الشيوعي، و اليوم، فإن شبح الماركسية – اللينينية يطوف فوق رؤوس كل المستغلين الرأسماليين و أنظمتهم عبر العالم.
و يعتمد مستغلو العالم على دعم أنصار "حرية النقد"، التي يحملها ماركسيو الأمس في هجومهم السافر على ماركس و لينين و ستالين و ماو، في سعيهم المسعور إلى تحويل الحركات الثورية و الأحزاب الشيوعية الثورية إلى أحزاب إصلاحية و ليبرالية، و ذلك بأساليب و مناهج مختلفة و بشعارات متنوعة و بتكتيكات مختلفة، لكن الهدف واحد: إسقاط المشروع الشيوعي الثوري بضرب النظرية التي تحمل في طياتها هذا المشروع ...
لقد كان الهجوم على الماركسية شاملا لم يترك مجالا إلا و اقتحمه في محاولة لضرب النظرية الثورية، فصدرت مئات الكتب و المقالات، خاصة في اللغات المهيمنة على العالم، فأصبحت الترهات و التخاريف و التشويهات و الأضاليل بمثابة حقائق ساطعة تدعي العلم و المعرفة الموضوعية. لكن ماركس يأبى إلا أن ينبثق من خارج غبار هاته الكتل الضخمة من الأكاذيب المنسوجة حول النظرية الماركسية، فانبرى تلاميذ ماركس المخلصين و أنصار الحقيقة الثورية للدفاع عن ماركس و عن تراثه، فجاء الرد شاملا، و بدأت الماركسية تحقق انتصارات جديدة في مجالات مختلفة، مثل الفلسفة و الأنتروبولوجيا و البيولوجيا و الفيزياء و الإيكولوجيا و علم التاريخ و الاقتصاد السياسي و علاقة الماركسية بالمستعمرات و غيرها ...
و لا زال هذا الباب ناقصا و في بدايته من حيث التطرق إلى علم السياسة و السياسي في علاقته بالتنظيمي، مما يعني الانتقال إلى إعادة الاعتبار إلى لينين منظر و مؤسس الحزب الثوري من طراز جديد، بعدما تم الانتقال من ماركس إلى لينين في عصر الانتقال إلى المرحلة الامبريالية، و انفجار الحروب البينية الامبريالية، لتظهر اللينينية كنظرية للثورة العالمية في عصر الامبريالية و انتصار الثورة الاشتراكية.
إن التصدي لهذه المهمة يستدعي إعادة الاعتبار لموقع النظرية الثورية في بناء الحزب الماركسي – اللينيني الطليعي، فلا التجريبية و العفوية و الفوضوية و لا الدوغمائية قادرة على الاضطلاع بهذه المهمة التاريخية، فلن تعوض الدوغمائية أهمية التحليل العلمي الموضوعي، لأنها نظرية جوفاء و فارغة من أي مضمون، و جوهر الماركسية – اللينينية يتلخص في "التحليل الملموس للواقع الملموس" كما يقول لينين.
لقد نشأ الحزب الماركسي الثوري، هذا السلاح الضروري لإنجاز الثورة البروليتارية، من الصراعات الطبقية خلال ما يزيد عن 170 سنة مضت، ولذلك، وجبت دراسة نشأته و تطوره التاريخي كسيرورة جمعت بين النظرية و الممارسة من خلال التطبيق الخلاق للمادية الجدلية و المادية التاريخية، و لذلك نعتبر أن هذه النشأة جاءت كوحدة جدلية للممارسة و النظرية، و حدة تخضع بطبيعة الحال إلى قانون التناقض المادي الجدلي كمحرك للتطور و التبلور.
1) السياق العام
في الفترة الممتدة بين 1830 و 1850، عرفت أوروبا الغربية، خاصة في بريطانيا و فرنسا، و ألمانيا بشكل متأخر، انطلاق مرحلة كبيرة من التصنيع الرأسمالي، كانت له نتائج هائلة على المستوى الاجتماعي و الاقتصادي، و هو ظاهرة صاحبت النظام الرأسمالي منذ فترته الأولى، و سنجد لدى كارل ماركس و فردريك انجلز من خلال كتابهما "البيان الشيوعي"، الذي جاء تفعيلا لطلب من "عصبة الشيوعيين"، التي كانا ينتميان لها، و ذلك في نونبر 1847، ليكون بمثابة برنامج نظري و عملي مفصل للعصبة (اعتبرت العصبة تاريخيا نواة أول حزب ماركسي) وصفا و أول تحليل للظاهرة الاجتماعية و الاقتصادية المميزة و المرافقة لتطور الرأسمالية منذ بدايتها الأولى، تلك الظاهرة التي نتج عنها انبثاق البروليتاريا كطبقة جديدة على مسرح التاريخ، ستصبح الطبقة الاجتماعية النقيضة للبورجوازية، و التي تحمل مشروعا تاريخيا للتحرر الإنساني من الاستغلال و الاضطهاد القومي، عبر بناء المجتمع الاشتراكي على طريق الشيوعية كهدف أسمى، و عن هذه الطبقة يقول مؤلفا البيان الشيوعي ما يلي :
"إن الأسلحة التي استخدمتها البورجوازية من أجل القضاء على الإقطاعية ترتد اليوم ضد البورجوازية نفسها.
لكن البورجوازية لم تصهر فقط الأسلحة التي ستؤدي إلى موتها، بل أنتجت الناس اللذين سيستعملون هذه الأسلحة، إنهم العمال الحديثون، البروليتاريون.
و بقدر ما تكبر البورجوازية، أي الرأسمال، تتطور البروليتاريا كذلك، طبقة العمال الحديثين، اللذين لا يعيشون إلا شريطة أن يجدوا عملا، و لا يجدونه إلا إذا كان عملهم ينمي الرأسمال ..." "البيان الشيوعي".
بعد ذلك، تطرق مؤسسا الماركسية و الاشتراكية العلمية إلى سيرورة تطور هذه الطبقة الاجتماعية التي أنتجتها الرأسمالية:
"لقد مرت البروليتاريا بفترات مختلفة من التطور، فنضالها ضد البورجوازية ابتدأ مع وجودها نفسه.
لقد خيض النضال في بدايته من طرف عمال معزولين، بعد ذلك من طرف عمال نفس المصنع، ثم من طرف عمال قطاع صناعي في نفس المكان، ضد البورجوازي الذي يستغلهم مباشرة. إنهم لا يوجهون هجوماتهم فقط ضد العلاقات البورجوازية للإنتاج، بل ضد أدوات الإنتاج نفسها، يدمرون السلع الأجنبية، التي تنافسهم، يكسرون الآلات، يحرقون المصانع و يحاولون استعادة الوضع المفقود لحرفيي القرون الوسطى. شكلت البروليتاريا في هذه المرحلة جماهير منتشرة عبر البلاد و مفتتة عن طريق المنافسة، و إذا حصل أن العمال يتضامنون فيما بينهم عن طريق عمل جماهيري، فليس هذا بعد نتيجة وحدتهم الخاصة ...
و الحال أن تطور الصناعة، لا ينمي فقط عدد البروليتاريين، بل يمركزهم كجماهير أكثر حجما، تزداد قوة البروليتاريين و يكتسبون وعيا أكثر ... تصبح الأجور غير قارة أكثر فأكثر، الإتقان المستمر و أكثر سرعة للآلة دائما، يجعل ظرف العامل هشا أكثر فأكثر، تأخذ الاصطدامات الفردية بين العامل و البورجوازي طابع اصطدام بين طبقتين أكثر فأكثر، ويبدأ العمال بتشكيل ائتلافات ضد البورجوازيين من أجل الدفاع عن أجورهم، و قد وصل بهم الأمر حد تكوين جمعيات دائمة ليكونوا جاهزين للتمردات الطارئة هنا و هناك، و ينفجر النضال على شكل عصيان، و ينتصر العمال بعض المرات لكنه انتصار عابر. إن النتيجة الحقيقية لنضالاتهم، تكمن ليس في الانتصار المباشر، بل في الوحدة المتصاعدة للعمال. لقد سهل نمو وسائل الاتصال هذه الوحدة، التي تخلقها الصناعة الكبيرة، و التي تسمح للمناطق المحلية المختلفة للاتصال فيما بينها. و الحال أنه يكفي أن يتم هذا الاتصال لتتحقق مركزة النضالات المحلية العديدة، التي تأخذ نفس الطابع في كل مكان، لتأخذ طابعا وطنيا و نضالا طبقيا. لكن كل نضال طبقي هو نضال سياسي، والوحدة التي حققها بورجوازيو القرون الوسطى، التي استغرقت قرونا، عبر طرقهم المحلية، حققها البروليتاريون الحديثون في بضع سنوات بفضل السكك الحديدية. إن هذا التنظيم للبروليتاريا في طبقة، و بالتالي في حزب سياسي يتحطم باستمرار بدون توقف من جديد من طرف المنافسة، التي يقوم بها العمال فيما بينهم، لكنه يولد من جديد أكثر قوة و حزما و شدة ...".
و ينهي ماركس و انجلز هذا الفصل (بورجوازيون و بروليتاريون) من كتابهما "البيان الشيوعي" بفقرة تسمح بتكوين فكرة صحيحة عن الظروف التاريخية التي نشأ فيها أول مفهوم ل "الحزب الشيوعي":
"إن وجود الطبقة البورجوازية و سيطرتها مشروط بشرط أساسي، و هو تراكم الغنى في يد أفراد، إن تكون الرأسمال و نموه، شرط وجود الرأسمال، هو العمل المأجور. إن العمل المأجور يرتكز بشكل خاص على المنافسة بين العمال أنفسهم. إن تقدم الصناعة، التي تشكل البورجوازية ناقلته السلبية و اللاواعية، يعوض شيئا فشيئا عزلة العمال الناشئة عن المنافسة، عن طريق وحدتهم الثورية بالتكتل في جمعية. هكذا، فإن تطور الصناعة الكبيرة ينسف من تحت أقدام البورجوازية، تلك الأرضية التي بنت فوقها نظام إنتاجها و استملاكها. إن البورجوازية تنتج قبل كل شيء حفار قبرها، سقوطها و انتصار البروليتاريا هما أمران لا يمكن تلافيهما".
و في فصل آخر من " البيان الشيوعي" (بروليتاريون و شيوعيون) يقول ماركس و انجلز :
"... إن الشيوعيين لا يشكلون حزبا متميزا معارضا للأحزاب العمالية الأخرى" .
لكنهم يتميزون بما يلي :
"ليس لهم مصالح خاصة تفصلهم عن مجموع البروليتاريا، و لا يرسون مبادئ خاصة، يريدون على أساسها تشكيل الحركة العمالية.
إن الشيوعيين لا يتميزون عن باقي الأحزاب العمالية إلا على أساس نقطتين :
1- في مختلف النضالات القومية للبروليتاريين، فإنهم يضعون في المقام الأول، ويؤكدون على المصالح المستقلة عن القومية و المشتركة بين كل البروليتاريا.
2 – في مختلف الفترات التي يقطعها الصراع بين البروليتاريا و البورجوازية، يمثلون دائما مصالح الحركة في شموليتها. عمليا، فالشيوعيون هم الفئة الأكثر حزما في الأحزاب العمالية في كل البلدان، الفئة التي تحفز الآخرين. نظريا، فإن لهم عن باقي البروليتاريا ميزة الإدراك الواضح للظروف و المسار و الغايات العامة للحركة البروليتارية.
إن الهدف المباشر للشيوعيين هو نفسه لدى الأحزاب البروليتارية الأخرى: تشكل البروليتاريين كطبقة، قلب السيطرة البورجوازية
و الاستيلاء على السلطة السياسية من طرف البروليتاريا ...".
هكذا، وضعت في سنة 1848 أسس نظرية حزب الطبقة العاملة، و ذلك بالاعتماد على أربعة مبادئ:
المبدأ الأول : الحزب الثوري هو حزب أممي، أي يستلهم مبادئ الأممية البروليتارية .
المبدأ الثاني : إن هدف هذا الحزب الثوري هو القضاء على السيطرة البورجوازية و القيام بالثورة .
المبدأ الثالث : إن الحزب الثوري هو طليعة البروليتاريا .
المبدأ الرابع : سلاح الحزب الثوري هو النظرية الثورية .
تلك هي المبادئ التي سطرها ماركس و انجلز لتكون الموجه الأساسي في بناء الحزب الثوري، و قد كانت تتويجا لتجربتهما في "العصبة الشيوعية"
التي جاء "بيان الحزب الشيوعي" كبرنامج نظري و عملي لها.
و ستنتهي مرحلة "العصبة الشيوعية" بحكم تناقضاتها الداخلية، و بحكم القمع الذي تعرضت له على أيدي مجموعة من الدول التي حاربت العصبة، و كذلك بسبب فشل ثورات 1848، التي سميت بربيع الشعوب بسبب خيانة البورجوازية (حالة ألمانيا) و بسبب قلة تجربة و ضعف البروليتاريا (حالة فرنسا).
ستختفي "العصبة الشيوعية" نهائيا بعد "محاكمة كولونيا"، التي مثل أمامها ماركس و العديد من الشيوعيين، و التي قدم فيها ماركس مداخلة تاريخية أربكت القضاة و أدت إلى تبرئته و تبرئة العديد من الشيوعيين، و تخفيف الأحكام عن الباقي.
و قد جاء في كلام لماركس حول المرحلة الممتدة من 1848 إلى 1864 (تأسيس الجمعية الأممية للعمال في 28 شتنبر 1864):
"أيها العمال!
إنه لواقع رئيسي أن بؤس الجماهير العمالية لم ينقص من 1848 إلى 1864، إنه في هذه المرحلة، التي مع ذلك تتميز من بين أشياء أخرى، بتطور لا مثيل له للصناعة، و بنمو أقل للتجارة ..." (كارل ماركس، الأعمال، مكتبة لا بلياد، المجلد 1، ص 459، 1965).
2) ماركس – انجلز و الأممية الأولى و كومونة باريس
بالفقرة أعلاه، ابتدأ "النداء الافتتاحي" الذي حرره كارل ماركس في أكتوبر 1864، أي شهرا بعد التجمع العمالي الأممي في سانت مارتنزهال بمدينة لندن، ذلك التجمع الذي تقرر فيه تأسيس "الجمعية الأممية للعمال"، التي ستعرف باسم الأممية الأولى. كان هذا النداء مرفوقا بالقانون الأساسي المؤقت للجمعية، الذي ساهم ماركس في صياغته و خاض صراعا قويا ضد مختلف العناصر المشاركة في الصياغة و ذات الميول المختلفة، و خاصة ضد من أسماهم "هؤلاء الحمير البرودونيون".
يتكون القانون الأساسي المؤقت من عشرة فصول لم تحمل جديدا مقارنة بنص "البيان الشيوعي"، بل هناك نوع من التراجع، و من هذه الفصول التي تهم موضوعنا، هناك فصلان:
ـــ الفصل الأول:
"لقد تم تأسيس الجمعية لخلق نقطة مركزية للتواصل و التعاون بين مختلف الجمعيات العمالية من مختلف البلدان الطامحة إلى نفس الهدف، و هو التعاون الأخوي المتبادل، التقدم و التحرر الكامل للطبقة العاملة".
- الفصل السابع:
"بما أن نجاح الحركة العمالية في كل بلد لا يمكن ضمانه إلا بالقوة الناتجة عن الاتحاد و التشارك : - من جهة أخرى، فعمل المجلس العام سيكون أكثر فعالية إذا، بدل المراسلة مع مجموعة من الجمعيات المحلية الصغيرة، المعزولة عن بعضها البعض، بإمكانه أن يكون في علاقة مع بعض المراكز القومية الكبرى للجمعيات العمالية- بهذه الأسباب فإن أعضاء الجمعية الأممية يجب عليهم بذل كل إمكانياتهم لتجميع الجمعيات العمالية، التي لا زالت معزولة، و المنتمية لبلدانهم الخاصة في جمعيات قومية ممثلة بهيئات مركزية، و غني عن القول أن تطبيق هذا الفصل مرتبط بالقوانين الخاصة بكل بلد، و بغض النظر عن الحواجز القانونية، فكل جمعية محلية مستقلة لها الحق في أن تراسل المجلس العام مباشرة" .
إن قراءة بسيطة للفصلين أعلاه تظهر أن مسألة المركزة على مستوى الجمعية الأممية حاضرة، لكن احترام الشرعية في الدول المختلفة، التي ينتمي لها الأعضاء سيهدد بشكل جدي فعالية هذا المبدأ، و رغم أن القانون الأساسي للأممية قد تمت المصادقة عليه بشكل نهائي في المؤتمر الأول للأممية سنة 1866، بعد إضافة ثلاثة فصول جديدة، مخصصة للاستقلالية التنظيمية لكل جمعية منتمية إلى الأممية، و كذلك مراجعة القانون الأساسي في كل مؤتمر، فإن هذا القانون، و خاصة الفصل السابع، سيصبح نقطة خلاف بين الإيديولوجيات الحاضرة في الأممية الأولى.
خمس سنوات بعد ذلك، قدمت كومونة باريس بعد فشلها مجموعة من الدروس والتعاليم لكارل ماركس و انجلز، مما سهل عليهما مهمة استخلاص مبادئ أساسية حول مسألة الدولة، و علاقتها بدكتاتورية البروليتاريا، و أثر ذلك على مسألة الحزب، و هذا أمر قليلا ما انتبه إليه ماركسيو القرن 19، باعتباره تقدما على المستوى النظري، مما كان له الأثر الوخيم على المدى البعيد بالنسبة لمستقبل الأحزاب الاشتراكية الديموقراطية، التي ستتأسس بعد نهاية الأممية الأولى.
قبل انطلاق كومونة باريس، كان ماركس ينصح العمال البارزين بخلق حزب بروليتاري صلب، و في نفس الوقت حذرهم ضد القيام بانتفاضة سابقة لأوانها. لكن عندما انطلقت ثورة الكومونة في 18 مارس 1871، و أصبحت واقعا مفروضا ساندها ماركس و انجلز بكل قواهما، حتى و إن ظلا مقتنعين بفشلها المحتوم. لقد كان الفرع الفرنسي للأممية الأولى ضعيفا جدا من كل الجوانب، في الميدان التنظيمي كما في المجال النظري، و بالتالي لم يكن بوسعه القيام بقيادة خاصة للطبقة العاملة في فرنسا، و نفس الحال بالنسبة للمنظمات العمالية الأخرى، لكن مع ذلك، فمناضلو الفرع الأكثر تقدما اتبعوا توجيهات ماركس، كان البعض منهم ينتمي إلى قوميات أخرى، و تحملوا مسؤولية وظائف قيادية إلى جانب البلانكيين و البرودونيين، و سقطوا أبطالا في معركة الدفاع عن الكومونة، مثال أوجين فرلان، و بعض منهم استطاع الإفلات من القمع أمثال ليو فرانكيل و أوغوست سيرايي.
بعد ستة أشهر من المجزرة الدامية التي تعرض لها الكومونيون، نظمت الأممية الأولى ندوة سرية في لندن من 17 إلى 23 شتنبر 1871، ذلك أن القمع البوليسي لم يكن يسمح بعقد مؤتمر عادي للأممية، لكن الباكونينيين قاموا باحتجاجات، معتبرين أن عقد هذه الندوة بدل و مكان المؤتمر يشكل خرقا للقانون الأساسي للأممية و رفضوا الاشتراك في الندوة.
و على العكس من ذلك، قام ماركس و انجلز بدفع الندوة إلى مناقشة دروس و تعاليم كومونة باريس، مركزين بشكل أساسي على النضال السياسي للبروليتاريا، وعلى دكتاتورية البروليتاريا، و حول دور الحزب الثوري في الثورة، و صادقت الندوة في الأخير على قرار رئيسي حول ضرورة خلق حزب سياسي للبروليتاريا في كل بلد، حزب مستقل عن كل التشكيلات البورجوازية و البورجوازية الصغيرة.
خلال الأشهر التي تلت، قام الفوضويون خاصة في سويسرا، المنتمون إلى الفدرالية المسماة ب "الجوراسيون" بمهاجمة قرارات المجلس العام بعنف، مطالبين بقلب "دكتاتورية قيادة الأممية"، لقد كانوا أعداء لكل انضباط بشكل منهجي، مطالبين باستقلالية الفروع القومية، و رافضين لكل بنية تنظيمية ممركزة، و في انتظار القضاء على الدولة المستغلة، كانوا يتبنون "اللاسياسة" كما فعل البرودونيون قبل ذلك، و يقدمون أنفسهم كأناس "مضادين للسلطة" (اللاسلطويون) في صراع ضد "السلطويين" و على رأسهم ماركس و انجلز حسب زعمهم.
و سيقوم مجموعة من هؤلاء يتقدمهم غيوم، باكونين و الجوراسيون بتأسيس أممية "لا سلطوية" في شتنبر 1873 في مدينة جنيف، لكن هذه الأممية المزعومة تفككت سنة 1881 نتيجة صراعاتها الداخلية.
و أمام الاتهامات و التشويهات التي تعرضا لها، جاء رد ماركس و انجلز حاسما و صارما و منتصرا، فمن 2 إلى 7 شتنبر 1872 انعقد المؤتمر الخامس للأممية الأولى في مدينة لاهاي، حيث كرس انتصار فكر العظيمين ماركس و انجلز، اللذان ستسيطر أفكارهما على المؤتمر الخامس، و جاء ذلك بعد معركة فكرية و سياسية تاريخية، هزم خلالها الفوضويون، اللذين سيقوم المؤتمر بطردهم في شخص باكونين و غيوم و فئة الجوراسيين، و جاء الانتصار باهرا عندما جاء وقت التصويت على إدخال فصل جديد (7 أ) إلى القانون الأساسي، حيث جاء التصويت لصالح ماركس و انجلز ب 29 صوتا ضد 5 و 8 ممتنعين.
لقد شكل هذا الانتصار خطوة إلى الأمام في المفهوم الماركسي لحزب البروليتاريا، الذي تدعم و تعمق نتيجة استخلاص الدروس السلبية لتجربة كومونة باريس. وجاء التعديل مطابقا حرفيا لما جاء في قرار "حول العمل السياسي الضروري للطبقة العاملة"، الذي تمت المصادقة عليه سنة من قبل في الندوة السرية بلندن.
و جاء في الفصل 7 أ ما يلي:
الفصل 7 أ :
"في نضالها ضد السلطة الجماعية للطبقات المالكة، لا تستطيع البروليتاريا أن تعمل كطبقة إلا إذا تكونت كحزب سياسي متميز، معارض لكل الأحزاب القديمة، التي شكلتها الطبقات المالكة. إن هذا التشكل للبروليتاريا كحزب سياسي لضروري من أجل ضمان انتصار الثورة الاجتماعية و هدفها الأسمى: القضاء على الطبقات. إن ائتلاف القوى العمالية، الذي كان قد تم تحقيقه بالنضال الاقتصادي، يجب أن يستخدم كرافعة في أيدي هذه الطبقة في نضالها ضد سلطة مستغليها.
إن الاستيلاء على السلطة السياسية يصبح أكبر واجب على البروليتاريا، فأسياد الأرض و الرأسمال، يستخدمون دائما امتيازاتهم السياسية من أجل الدفاع عن احتكاراتهم الاقتصادية و إدامتها و استعباد العمل".
هكذا، فمن مفهوم "البيان الشيوعي" (1848) القائل إن "الشيوعيين لا يشكلون حزبا متميزا معارضا لكل الأحزاب الأخرى التي شكلتها الطبقات المالكة"، حصل تطور هائل لنظرية الحزب البروليتاري عبر نضال مرير ضد الخطوط البورجوازية و البورجوازية الصغيرة داخل الطبقة العاملة، و ذلك وصولا إلى الفصل 7 أ، الذي كرس انتصارا ساحقا للفكر الماركسي داخل الأممية الأولى بعد 24 سنة من صدور "البيان الشيوعي".
بعد التجربة الأولى في "عصبة الشيوعيين"، التي تأسست في يونيو 1847 في لندن، و التي توجت بصدور "بيان الحزب الشيوعي" في 1848، انحلت سنة 1852 بعد فشل ثورات 1848، التي استخلص ماركس و انجلز دروسها، وعرفت الأممية الأولى نهايتها كذلك كتجربة ثانية من مستوى أعلى في 1876، بعد عشر سنوات من التأسيس، الذي كان سنة 1864. لم تكن التجربة فشلا بقدر ما وفرت جيلا جديدا من مناضلي الحركة العمالية العالمية و طلائعها الثورية، فانطلقت مرحلة جديدة في تاريخ الحركة العمالية، معلنة انتشار الفكر الماركسي وسط الطبقة العاملة و تأسيس الأحزاب الاشتراكية الديموقراطية في كل مكان. وكما قال لينين فإن:
"الأممية الأولى وضعت أسس النضال البروليتاري الأممي من أجل الاشتراكية"
"إنها لا تنسى، إنها خالدة في تاريخ نضالات العمال من أجل تحررهم"
و بعد الأممية الأولى، كان على الحركة العمالية العالمية و نظريتها الماركسية الثورية أن تمر من مراحل جديدة خاضت فيها معارك فكرية و سياسية ضد الإيديولوجيات البورجوازية و البورجوازية الصغيرة، و خبرت دروسا جديدة استمدتها من المعارك النضالية التي خاضتها قبل الوصول إلى مرحلة جديدة أخرى، أصبح فيها بالإمكان ظهور نظرية لينين حول الحزب من طراز جديد، و التي أدت إلى أول انتصار للبروليتاريا في التاريخ، و نعني ثورة أكتوبر البلشفية سنة 1917.
علي محمود
المراجع:
باللغة العربية:
1)كارل ماركس، فرانز مهرينغ
2)خبرة سنوات 48-51، كارل ماركس
3)تاريخ الثورة الفرنسية، ألبير سوبول
4)الثورات السياسية: المفهوم والأبعاد
5)بيان الحزب الشيوعي، كارل ماركس وفردريك انجلز
6)عريضة المجلس المركزي إلى عصبة الشيوعيين، كارل ماركس
7)الثامن عشر من برومير، كارل ماركس
8)موضوعات حول المادية التاريخية، علي محمود
9)الحرب الأهلية في فرنسا، كارل ماركس
10)ماركس ونقده للسياسة، أندري توزيل، إتيان باليبار، سيزارلويوديني
11) مقدمات لدراسة البيان الشيوعية، ف . ه
En français
1 - Les luttes de classes en France, Karl Marx
2 - Histoire de la révolution de 1848, Daniel Stern
3 - Lénine, Marx, Engels (la commune, l’état, le parlementarisme
4 - La gazette rhénane (partie1-2-3)
5 - 1844, Le jeune Marx devant 2 mouvements sérieux, Rene Merle
6 - Marx, de la révolution partielle et de la révolution radicale, Rene Merle
7 - Introduction à la guerre civile en France, Frederic Engels
8 - Quelques mots sur l’histoire de la ligue des communistes, Frederic Engels
9 - Les révolutions de 1848 et le prolétariat, Karl Marx
10 - Révolution et contre – Révolution en Allemagne, Frederic Engels
11 - Les journées de juin 1848, Frederic Engels
12 - La nouvelle Gazette Rhénane (la révolution de juin, Karl Marx)
13 - Statuts de la ligue des communistes
14 - Karl Marx, sa vie, son œuvre, Henri Lefebvre
15 - La pensée de Karl Marx, Henri Lefebvre