Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الشرارة - Page 108

  • مصادر الماركسية الثلاثة ــ ملخص ــ علي محمود

    مصادر الماركسية الثلاثة

    لينين

    ـــ ملخص ـــ

    "إن مذهب ماركس بالغ القوة لأنه صحيح" ـــ لينين ـــ

     

    كتب لينين هذه المقالة سنة 1913 بمناسبة مرور 30 سنة على وفاة كارل ماركس. و تعتبر هذه المقالة جزءا من مجموعة مقالات كتبها لينين عن كارل ماركس و الماركسية و هي:

    - كارل ماركس (كتبت في يوليوز – نونبر 1914)

    - المآل التاريخي لمذهب كارل ماركس (كتبت في مارس 1913)

    - الماركسية و النزعة التحريفية (كتبت في النصف الثاني من مارس1908)

    - الماركسية و الإصلاحية (كتبت في 12 شتنبر 1913)

     

    في مقدمة المقالة يدافع لينين عن مذهب ماركس ضد أعدائه البرجوازيين و ممثلي العلم البرجوازي، و في سياق هذا الدفاع أكد لينين على فكرة انعدام علم اجتماع غير متحيز في مجتمع قائم على الصراع الطبقي و يقول:" يثير مذهب ماركس أشد عداء و حقد العلم البرجوازي كله (سواء الرسمي أو اللبرالي) في العالم المتمدن بأسره، إذ يرى الماركسية ضربا من "بدعة ضارة". ليس بالإمكان توقع موقف آخر إذ لا يمكن أن يكون هناك علم اجتماع غير متحيز في مجتمع قائم على الصراع الطبقي، فكل العلم الرسمي و الليبرالي يدافع بصورة أو بأخرى عن العبودية المأجورة، بينما أعلنتها الماركسية حربا بلا هوادة ضد هذه العبودية. أن تطلب علما غير متحيز في مجتمع قائم على العبودية المأجورة، لمن السذاجة الصبيانية، كأن تطلب من أصحاب المصانع عدم التحيز في مسألة ما إذا كان يجدر تخفيض أرباح الرأسمال من أجل زيادة أجر العمال".

    تحتفظ أطروحة لينين هذه على راهنية كبيرة في عصرنا حيث ينخرط علماء و مثقفو و كلاب الحراسة لذى الرأسمالية، إضافة إلى ممثلي الكنائس و الديانات و المرتزقة من كل حذب و صوب في هجوم شرس على المبادئ المؤسسة للفكر الماركسي من مادية و ديالكتيك واشتراكية.

    يرى لينين أن التأكيد على تلك الأفكار لا يعني انعزالية الفكر الماركسي بل بالعكس كما يقول:

    "فإن عبقرية ماركس تكمن كلها بالذات في أنه أجاب على الأسئلة التي طرحها الفكر الإنساني التقدمي، و قد ولد مذهبه تتمة مباشرة فورية لمذاهب أعظم ممثلي الفلسفة و الاقتصاد السياسي".

    و يعني ذلك أن الماركسية هي الوريث الشرعي كما يقول لينين لخير ما أبدعته الإنسانية في القرن 19: الفلسفة الألمانية، الاقتصاد السياسي الانجليزي و الاشتراكية الفرنسية. هكذا إذن حدد لينين مصادر ثلاثة للماركسية و اعتبرها في نفس الوقت أقسامها المكونة الثلاثة.

    1 ـــ المادية هي فلسفة الماركسية

    يعتبر لينين أن المادية هي فلسفة الماركسية على اعتبار أن المادية هي الفلسفة الوحيدة المنسجمة إلى النهاية مع جميع مبادئ العلوم الطبيعية و الأمينة لها ...

    و ذكر لينين بدور فلسفة المادية في أوربا و خاصة في فرنسا أواخر القرن 18 حيث كان يجري صراع ضاري ضد كل نفايات العصور الوسطى أي ضد الإقطاعيين في المؤسسات و الأفكار، و قد حاول أعداء البرجوازية بكل قواهم دحض المادية و تقويضها و الافتراء عليها مدافعين عن كل أشكال المثالية الفلسفية التي تعود كلها في الأخير إلى الدفاع عن الدين أو نصرته.

    لقد دافع ماركس و انجلز خلال حياتهما النضالية و العلمية و الفلسفية عن المادية الفلسفية و تصديا لكل انحراف عن هذا الاتجاه، و كتابي انجلز "ليودينغ فيورباخ " و "ضد دوهرينغ" أشهر من نار على علم، و قد وضعهما لينين على نفس درجة التفضيل من "البيان الشيوعي" لدى كل عامل واعي.

    لم يتوقف ماركس عند مادية القرن 18 بل أغناها هو و رفيقه انجلز بمكتسبات الفلسفة الكلاسيكية الألمانية، و لا سيما بإسهامات كل من الفلسفة الهيجلية، و أهمها الديالكتيك أي نظرية التطور كما قال لينين، بأكمل مظاهرها و أشده عمقا و أكثرها بعدا عن ضيق الأفق و نظرية نسبية المعارف الإنسانية التي تعكس المادة في تطورها الدائم، و قد أثبتت اكتشافات العلوم الطبيعية صحة مادية ماركس الديالكتيكية.

    و من جهة المادية الفلسفية قام ماركس و انجلز بتطوير مادية فيورباخ و الدفع بالمادية حتى نهايتها المنطقية عبر ربطها ربطا عضويا بالديالكتيك، فتوسع نطاقها من معرفة الطبيعة إلى معرفة المجتمع البشري، فكان أن تبلور علم جديد أطلق عليه المادية التاريخية، و اعتبر لينين ذلك الاكتشاف "نظرية علمية رائعة التناسق و التجانس و الانسجام، تبين كيف ينبثق شكل آخر أرفع و كيف يتطور من شكل معين من التنظيم الاجتماعي، و من جراء نمو القوى المنتجة - كيف تولد الرأسمالية من الإقطاعية مثلاــ و قياسا على كون معرفة الإنسان تعكس الطبيعة القائمة بصورة مستقلة عنه، أي المادة في طريق التطور، كذلك تعكس معرفة الإنسان الاجتماعية (مختلف الآراء و المذاهب الفلسفية و الدينية والسياسية ...) نظام المجتمع الاقتصادي. فالمؤسسات السياسية هي بناء فوقي يقوم على أساس اقتصادي، و كمثال على ذلك، فمختلف الأشكال السياسية للدول الرأسمالية هي أدوات لتعزيز سيطرة البرجوازية على البرولتاريا.

    يقول لينين :

    "إن فلسفة ماركس هي مادية فلسفية كاملة، أعطت الإنسانية

    و الطبقة العاملة بصورة خاصة أدوات جبارة للمعرفة".

    دون الدخول في عرض مفصل عن أهمية ما تشكله المادية الفلسفية عموما و المادية الماركسية خصوصا من سلاح في يد القوى الثورية على طريق بناء المجتمع المتحرر من الاستغلال و الاضطهاد و الاستيلاب، أي المجتمع الشيوعي، فالطرح اللينيني هنا يثبت أهمية المادية الفلسفية في مواجهة الأوهام الدينية و المثالية كما حصل مع مادية القرن 18 (ديدرو و الفلاسفة الموسوعيين بفرنسا) و لذلك قيمة تاريخية تثبت كيف تم إسقاط الفكر الديني و مؤسساته القروسطية في أوربا على يد الفلسفة المادية في عصر الصراع بين البرجوازية و الإقطاع، أما برجوازياتنا في العالم العربي كبرجوازيات هجينة في خدمة الرأسمال الامبريالي لم تستطع و لا كان لها طموح في ذلك الصراع ضد المؤسسة الدينية و مشايخها مفضلة التعايش معها و استعمالها لخدمة مصالحها، و حينما ينقلب السحر على الساحر بإيعاز من الامبريالية و خدمة لاستراتيجياتها المختلفة فتتحرك جيوش المتطرفين الظلاميين لتخريب كل مظاهر الفكر و الحضارة في أشرس و أسوء حملة على الشعوب و على الفكر التنويري و التقدمي،تدعي برجوازياتنا الكبيرة منها و الصغيرة استعدادها لمواجهة الفكر الظلامي عن طريق الدين و المؤسسات الدينية التي خرج من عباءتها الفكر الظلامي الممول بالبترودولار من طرف مختلف أجهزة المخابرات الرجعية و المدعم من طرف الامبريالية العالمية و الكيان الصهيوني.

    إن هذا لذو قيمة كبرى حين نعلم أن أغلب مثقفينا و مفكرينا تخلو عن مواقفهم و مواقعهم الفكرية السابقة لصالح الليبرالية و لصالح خدمة المصالح الامبريالية المتعددة (منظمات المجتمع المدني، اتفاقات الشراكة مع مراكز التمويل الامبريالي...). و للتغطية عل طبيعة الصراع الدائر في المنطقة العربية يتم التعتيم على الصراع الطبقي تحت مسميات مختلفة منها صراع العلمانيين و الإسلاميين، علما أن الطرفان المعنيان كل منهما في خدمة الرأسمالية و الامبريالية العالمية.

      

    2 ـــ الاقتصاد السياسي

     لقد رأينا في الجزء الأول كيف انتقل ماركس من المادية الفلسفية إلى اكتشاف قوانين تطور المجتمع البشري، فتم اكتشاف المادية التاريخية التي أظهرت له أن النظام الاقتصادي يشكل الأساس الذي يقوم عليه البناء الفوقي السياسي و كل أشكال الوعي الإديولوجي. و لدراسة هذا النظام الاقتصادي كرس ماركس جزءا كبيرا من حياته العلمية و النضالية لدراسة النظام الاقتصادي في المجتمع الرأسمالي و كتابه "الرأسمال" مشهور في هذا الصدد.

    ماركس و الاقتصاد السياسي الكلاسيكي

    قبل ماركس كان الاقتصاد السياسي الكلاسيكي قد عرف تطورا كبيرا في البلد الذي كان يعرف تطورا كبيرا للرأسمالية أي بريطانيا، و كان على ماركس أن يقوم بدراسة نظريات أدام سميث و دافيد ريكاردو في مجال النظام الاقتصادي و استطاع ماركس أن يسجل وجود بداية نظرية القيمة من وجهة نظر العمل لدى سميث و ريكاردو، فانطلق من عملهما و قام بتطويره ليضفي على نظرية القيمة أساسا علميا خالصا، و بين أن قيمة كل سلعة تتوقف على وقت العمل الضروري اجتماعيا لإنتاج هذه السلعة.

    و فيما كان الاقتصاديون البرجوازيون يرون علاقات بين الأشياء (مبادلة سلعة بسلعة أخرى)، اكتشف ماركس علاقات بين الناس. فتبادل السلع يعبر عن الصلة القائمة بوساطة السوق بين المنتجين المنفردين، كما أن قوة عمل الإنسان نفسها تغدو سلعة، فالأجير يبيع قوة عمله لصاحب المصنع و مالك الأرض مستخدما قسما من يوم عمله لتغطية نفقات إعالته و إعالة أسرته (و هذا ما يسمى بالأجر).و يستخدم القسم الآخر من قوة العمل مجانا خالقا بذلك لحساب الرأسمالي ما يطلق عليه ماركس بفائض القيمة، و هو مصدر ربح و إثراء الطبقة الرأسمالية و محركة عملية التراكم الرأسمالي، و قد كان هذا الاكتشاف ثورة حقيقية في الاقتصاد السياسي سلح البرولتاريا ضد أعدائها الطبقيين بنظرية علمية، يقول لينين في هذا الصدد:

    "إن نظرية فائض القيمة تشكل حجر الزاوية في نظرية ماركس الاقتصادية"

    كما يقول في مكان آخر

    "إن النظام الرأسمالي يزيد من تبعية العمال للرأسمال و يخلق في الوقت نفسه قدرة العمل الموحد الكبيرة"

    "لقد انتصرت الرأسمالية في العالم بأسره لكن هذا الانتصار ليس سوى مقدمة لانتصار العمل على الرأسمال"

    لقد مرت عشرات السنين على هذا الاكتشاف العلمي المدوي و توالت خلالها محاولات دحض هذه النظرية من طرف علماء الاقتصاد البرجوازي و غيرهم وفي كل مرة تخرج فيها الماركسية منتصرة، و لعل أزمة 2008 المستمرة جعلت منظري و ساسة و رؤساء الدول الامبريالية يهرولون إلى قراءة كتاب"الرأسمال" في محاولة لاستنكاه طبيعة أزمة الرأسمالية المستمرة منذ منتصف السبعينات رغم كل الترقيعات و منها ما سمي بالنيولبرالية (التي تم تعميمها و فرضها على بلدان العالم و شعوبه).

    3 ـــ ماركس و الاشتراكية

    ما أن تم القضاء على النظام الإقطاعي و رأى المجتمع الرأسمالي "الحر" النور، حتى تبين أن هاته الحرية لم تكن سوى نظاما جديدا لاستغلال و اضطهاد الطبقة العاملة، و على الفور بدأت تنبثق شتى المذاهب الاشتراكية كرد فعل على هذا الاضطهاد و احتجاجا عليه، لكن الاشتراكية ما قبل ماركس كانت طوباوية (خيالية). لقد انتقدت المجتمع الرأسمالي و حلمت بإزالته و تخيلت نظاما اجتماعيا آخر و حاولت إقناع الأغنياء أن الاستغلال منافي للأخلاق، و لذلك ظلت غير قادرة على إيجاد مخرج حقيقي لكونها كانت عاجزة عن تفسير طبيعة العبودية المأجورة في ظل النظام الرأسمالي، بمعنى آخر كانت عاجزة عن اكتشاف قوانين التطور الرأسمالية، و عن إيجاد القوة الاجتماعية القادرة على خلق المجتمع الجديد، و هو الأمر الذي قام به كارل ماركس و رفيقه فردريك انجلز عندما اكتشفا نظرية فائض القيمة و الطبقة الثورية في المجتمع الرأسمالي الخالقة لفائض القيمة حجر الزاوية الذي تقوم عليه الرأسمالية، و استخلص ماركس كذلك من التاريخ السياسي للنضال ضد الإقطاع في أوروبا ثم احتداد الصراع بعد انفضاح المجتمع البرجوازي كمجتمع اضطهادي استغلالي، قانون الصراع الطبقي الذي يشكل محركا للتاريخ و يعتبر الجماهير البرولتارية و الكادحة و المنتجة هي القوة الصانعة للتاريخ.

    هكذا قام بقلب لمفهوم للتاريخ السائد آنذاك جاعلا من الجماهير صانعته الأساسية و قانون الصراع الطبقي محركه، و قد كان لهذا الأثر الكبير على المفاهيم الإديولوجية و السياسية و التاريخية و الفكرية في علم التاريخ.

    يقول لينين:

    "لقد كان الناس و سيظلون أبدا أناسا سذجا في حقل السياسة، يخدعهم الآخرون و يخدعون أنفسهم ما لم يتعلموا استشفاف مصالح هذه الطبقات و تلك وراء التعابير و البيانات و الوعود الأخلاقية و الدينية و السياسية و الاجتماعية، فإن أنصار الإصلاحات و التحسينات سيكونون أبدا عرضة لخداع المدافعين عن الأوضاع القديمة طالما لم يدركوا أن هذه الطبقات السائدة أو تلك تؤمن وجود كل مؤسسة قديمة مهما ظهر فيها من بربرية و اهتراء، فلكي نسحق مقاومة هذه الطبقات ليس هناك سوى وسيلة واحدة هي أن نجد في نفس المجتمع الذي يحيط بنا القوى التي تستطيع ـــ و ينبغي عليها بحكم وضعها الاجتماعي ـــ أن تغدو القوة القادرة على إزالة القديم و خلق الجديد و أن تثقف هذه القوى و تنظمها للنضال"

    يقول لينين تتويجا لهذا الكلام:

    "لقد بينت مادية ماركس الفلسفية للبرولتاريا الطريق الواجب سلوكه للخروج من العبودية الفكرية التي كانت تتخبط فيها جميع الطبقات المظلومة حتى ذلك الحين، و نظرية ماركس الاقتصادية وحدها هي التي أوضحت وضع البرولتاريا الحقيقي في مجمل النظام الرأسمالي".

    "و البرولتاريا تتعلم و تتربى في غمرة نضالها الطبقي و تتحرر من أوهام المجتمع البرجوازي و تزداد تلاحما على الدوام و تتعلم كيف تقدر نجاحاتها حق قدرها و توطد قواها و تنموا بشكل لا مرد له".

    إن حقيقة هذا الطرح اللينيني تثبتها الوقائع التاريخية بحيث لا زالت البرولتاريا العالمية و قواها الثورية تتعلم باستمرار من الصراع داخلها ضد كل الخطوط الإصلاحية و التحريفية و الفوضوية و تنهض من كبوتها استعدادا لمعارك القرن 21 الحاسمة من أجل التحرر الوطني و الاشتراكية و الشيوعية.

     

    علي محمود

    26 دجنبر 2014