Ok
En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.
Aller au contenu
Le Centre Marxiste-Léniniste d'Etudes, de Recherches et de Formation
الـشــرارة
من الشرارة يولد اللهيب
الشرارة، الأداة النظرية للمركز الماركسي ــ اللينيني
للدراسات و الأبحاث و التكوين
لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية
من أجل خط ثوري ماركسي ــــ لينيني
بناء الأحزاب الماركسية – اللينينية
(السياقات، السيرورات، الأفكار والتجارب)
القسم السادس
الحزب الشيوعي الفيتنامي وملاحم الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية في الفيتنام
الحلقة الثانية
III – الحزب الشيوعي الفيتنامي والنضال من أجل حماية الاستقلال الوطني وصيانة السلطة الشعبية 1945 – 1954
عندما أعلن الحزب الشيوعي الفيتنامي عن تأسيس أول جمهورية ديموقراطية شعبية في آسيا سنة 1945، واجهت الدولة الفتية صعوبات جمة، من بينها استمرار المجاعة الرهيبة التي مست باك بو، وهي من نتائج سياسة النهب من قبل الامبرياليين الفرنسيين واليابانيين، تلاها فيضان كبير، أعقبه جفاف، وكانت جميع فروع الإنتاج في حالة ركود، وأصبحت السلع نادرة ومستودعات الدولة تركها اليابانيون فارغة. وفي الوقت ذاته دخل مائة ألف جندي من جنود شانغ كاي تشيك إلى شمال البلاد تحت غطاء نزع سلاح القوات اليابانية بدعم من الحلفاء الامبرياليين، والحقيقة أنهم جاؤوا البلاد بهدف تدمير الحزب وتصفية الفييت مينه بهدف الإطاحة بالحكم الشعبي، وإقامة حكومة عميلة للأمريكيين.
أما في الجنوب، فقد دخلت قوات بريطانية مستعملة نفس الذريعة، وجاءت بهدف تشجيع عودة المستعمرين الفرنسيين، وبالفعل ساعدت القوات البريطانية الفرنسيين في إعادة احتلال نام بو و جنوبي ترونغ بو، و الإعداد لإعادة احتلال الهند الصينية بأسرها، وبشكل مواز للأنشطة الامبريالية السياسية والعسكرية، قام العملاء بشكل منتظم ومدروس بأعمال استفزازية وتخريبية ولصوصية وقطع الطرق، إلا أن الشعب الفيتنامي استطاع التغلب عل هذه الصعوبات، و تمكن من صيانة سلطته الثورية.
في سياق هذه الأوضاع، اجتمعت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفيتنامي في 25 نونبر 1945، وأصدرت بيانا توجيهيا تحت عنوان "المقاومة والبناء الوطنيان" المهمة الملحة العاجلة الموضوعة أمام الحزب والشعب بأسره، ودعا البيان التوجيهي إلى توطيد الحكم والنضال ضد المستعمرين الفرنسيين المعتدين وقمع رجال الثورة المضادة في الداخل وتحسبن شروط معيشة الشعب.
كانت المهمة الأساسية، من بين المهام الأخرى، هي النضال لصيانة السلطة الثورية والاحتفاظ بها، وهو نضال حيوي يخوضه الشعب بأسره ضد الامبريالية وخدامها، وكان المهم بالدرجة الأولى، أن يجعل من الحكم الثوري حكما يقوده حقا الشعب بأسره، حكما منتخبا ومدعوما من قبل الشعب، الذي يجب أن يكون متأهبا للنضال والتضحية لصيانة الحكم الثوري. وفي 6 دجنبر 1946، جرت الانتخابات العامة بنجاح في جميع أنحاء البلاد، في حين كان المستعمرون الفرنسيون يقومون بعدوانهم المسلح ضد الجنوب، بينما في الشمال كانت قوات تشانغ كاي تشيك تعمل بكل الوسائل لتخريب الانتخابات والإطاحة بالسلطة الشعبية. هكذا، كانت الانتخابات الأولى في الفيتنام تأخذ طابع صراع طبقي ونضال تحرر وطني قاس وبالغ الضراوة، وجنبا إلى جنب مع كل هذه الأعمال، أنشئت بتاريخ 20 شتنبر 1945 لجنة صياغة مشروع الدستور تحت قيادة الرئيس هو شي منه، وفي 9 دجنبر 1946 صوتت الجمعية الوطنية على الدستور الأول لجمهورية الفيتنام الديموقراطية، كما تشكل في ماي 1946 الاتحاد الوطني للفيتنام، الذي يسمى اختصارا ليان فييت، ويشمل هذا الإطار الأحزاب والأشخاص، الذين لم يكونوا قد انتسبوا بعد للفييت مينه. وعموما، كانت كتلة الاتحاد الوطني مؤسسة عل التحالف العمالي- الفلاحي، أساس الحكم الشعبي.
اتخذ الحكم الشعبي منذ شهوره الأولى مجموعة من التدابير تهدف إلى تحسين شروط حياة الشعب، ومنها:
- تخفيض معدل المآكرة (أجرة الأرض الزراعية) بمقدار 25% لصالح الفلاحين
- مصادرة أراضي المستعمرين والخونة وإعادة توزيعها على الفلاحين
- التوزيع العادل للأراضي المشاعية والأميرية على جميع المواطنين من الذكور والإناث
- إقرار يوم عمل 8 ساعات وحماية مصالح العمال في علاقتهم مع أرباب العمل
- إنجاز وتطبيق، بعزم وحمية، تدابير مستعجلة ضد الأمية والمجاعة والعدوان
1 – احتلال الفيتنام من جديد وتكتيك النضال الثوري
بعد تأسيس الجمهورية الديموقراطية الشعبية، و عاصمتها هانوي، و بعد عودة القوات الامبريالية إلى جنوب الفيتنام، بدأ الحزب الشيوعي الفيتنامي يهتم بشكل خاص ببناء القوات المسلحة، و تعبئة الشعب الفيتنامي لدعم إخوانه في الجنوب، اللذين كانوا يخوضون قتالا بطوليا ضد المستعمرين المعتدين، هكذا تشكلت في كل مكان لجان لدعم المقاومة، و بدأت تشكيلات من المقاتلين تتوجه من جميع أنحاء البلاد نحو الجنوب للمشاركة في القتال، و بدأ الوضع العسكري يتحسن تدريجيا لصالح القوات المسلحة و سكان الجنوب، اللذين بدأوا يحرزون الكثير من الانتصارات ،مما ساهم في شحذ روح النضال لدى الشعب الفيتنامي بأسره .
عندما كانت القوات الفرنسية تقوم بعدوانها ضد الجنوب، كانت قوات تشانغ كاي تشيك وعملائها تعمل بكل قواها من أجل الإطاحة بالحكم الشعبي. وأمام هذا الوضع المعقد اضطر الحزب الشيوعي الفيتنامي إلى دراسة التكتيك المناسب لمواجهة العدو، وكانت وثيقة "المقاومة والبناء الوطنيان" الصادرة بتاريخ 25 نونبر 1945، الصادرة عن اللجنة المركزية للحزب قد جاء فيها:
"أن عدونا الرئيسي في هذه اللحظة هو الاستعمار الفرنسي المعتدي، الذي ينبغي تركيز نيران النضال ضده". ومن باب تحليل التناقضات الناشئة عن احتلال الجنوب من طرف القوات الفرنسية، والشمال من طرف قوات تشانغ كاي تشيك، تبين للحزب:
"أن قوات تشانغ كاي تشيك كانت تشكل، هي أيضا، خطرا كبيرا، لكنها لم تكن تجرؤ على الاعتداء جهارا على بلادنا شأن المستعمرين الفرنسيين. ومن جهة أخرى، فقد كان على القوات الأولى أن تواجه الخطر الذي يشكله عليها النضال الثوري، الذي كان يخوضه الشعب الصيني تحت قيادة حزبه الشيوعي، هذا النضال الذي كان يزداد شدة بلا انقطاع. لذلك، دعا حزبنا في ذلك الحين لتقديم تنازلات لتشانغ كاي تشيك، وذلك مع صيانة سيادتنا واستقلالنا. واتجاه الاندفاع الثوري العاصف للجماهير الشعبية، والموقف الحازم لحزبنا وحكومتنا، كانت استفزازات تشانغ كاي تشيك تلاقي الفشل والإفلاس، كما كانت أعمال الخيانة للعملاء الفيتناميين، خونة الوطن، تقابل بالعقاب الذي تستحقه.
بعد ستة أشهر من احتلال فيتنام الشمالية، لم تستطع قوات تشانغ كاي تشيك أن تدمر حزبنا، ولا أن تصفي رابطة الفييت – مينه، ولا أن تطيح بالسلطة الثورية".
وتغير الوضع في الشمال مرة أخرى، الشيء الذي أدركه الحزب الشيوعي الفيتنامي جيدا، ومما جاء في كتاب " موجز تاريخ حزب العمل الفيتنامي 1930 – 1975" ص 47:
" أنه في فبراير 1945، وتلبية لأمر من الإمبرياليين الأمريكيين، وقعت طغمة تشانغ كاي تشيك مع المستعمرين الفرنسيين ميثاقا يخول للقوات الفرنسية الحلول محل القوات الصينية في شمال الفيتنام. وهكذا كشف الامبرياليون عن نيتهم الغادرة في إعداد تجديد احتلال بلادنا بأسرها من قبل المستعمرين الفرنسيين، ورأى حزبنا أن الحلف الفرنسي- الصيني لم يكن شأنا يهم فرنسا و تشانغ كاي تشيك فقط، بل اعتبره عملا ارتكبه مجمل المعسكر الامبريالي ضد شعبنا".
وحول التكتيك الذي يجب اتخاذه لتنظيم المقاومة والاستعداد للمواجهة مع العدو الرئيسي، كان أمام الحزب الشيوعي الفيتنامي أمران:
"فإما امتشاق السلاح لمجابهة غزو الشمال من قبل القوات الفرنسية، لكننا سنكون حينئذ مضطرين لمقاتلة عدة أعداء في وقت واحد، و إما التفاوض مع فرنسا، و استثمار التناقضات في صفوف الدول الامبريالية لإخراج قوات تشانغ كاي تشيك، و الاستفادة من فترة الهدوء، التي توفرها تلك المباحثات (مع الفرنسيين) لتعزيز القوات الثورية و تطويرها، و إعداد المقاومة الوطنية".
بالفعل، فقد اختار الحزب الشيوعي الفيتنامي طريق المفاوضات مع الفرنسيين، و في 6 مارس 1946 وقع مع فرنسا اتفاقات أولية، مرسيا أسسا لمفاوضات رسمية. لكن، فلم يكد، يجري توقيع هذه الاتفاقيات حتى أدار لها الفرنسيون ظهرهم، مغيرين موقفهم فجأة، لكن بفضل الصمود والصرامة، استطاع الحزب أن يفرض على فرنسا الدخول في المفاوضات التي افتتحت في 6 يوليوز 1946، تلك المفاوضات التي قادها من جانب الحكومة الفيتنامية، الرفيق فام فان دونغ، وممثل الحكومة الفرنسية، وذلك في فونتينبلو (فرنسا). لكن المفاوضات فشلت لأن الاستعماريين الفرنسيين كانوا يريدون فقط ترسيخ سيطرتهم على الفيتنام. وفي سبيل كسب الوقت، وقع الرئيس هو شي منه مع الحكومة الفرنسية اتفاقا لتوقيف القتال مؤقتا، وذلك في 14 يوليوز 1946 قبل عودته إلى البلاد.
لقد كان من نتائج الاتفاقية الأولية، جوانب إيجابية أتاحت للثورة استبعاد عدو وحشي كان يخدم أغراض الامبريالية الأمريكية، كما أتاح لها توجيه كل نار الكفاح ضد الفرنسيين، العدو المباشر والأكثر خطرا، إضافة إلى أن الحزب الشيوعي الفيتنامي قد كسب وقتا ثمينا لإعداد قواه، من أجل خوض مقاومة طويلة الأمد. وعندما أطلق المستعمرون الفرنسيون حربهم من جديد، اتسعت المقاومة لتشمل البلاد بأسرها، مقاومة عل جميع الأصعدة وطويلة الأمد ضد المستعمرين الفرنسيين المعتدين.
في 19 دجنبر 1946، اتسعت رقعة الحرب إلى جميع أنحاء الفيتنام، وانتهت كل التسويات المؤقتة، فنهض الشعب الفيتنامي بقيادة الحزب والرئيس هو شي منه لمقاومة المحتلين، وصيانة الاستقلال والوحدة الوطنيتين، وحماية مكاسب ثورة غشت 1945. وفي يوم 20 دجنبر 1946، أعلن الرئيس هو شي مينه، ما يلي:
"لقد قدمنا تنازلات، رغبة منا في الحفاظ على السلم. لكننا كنا، كلما زدنا في ذلك، زاد اعتداء الفرنسيين علينا وعلى حقوقنا، لأنهم عازمون على استعادة غزو البلاد وإعادة احتلالها كليا".
وأضاف هو شي مينه:
"كلا! إن الأفضل، والأشرف لنا أن نضحي بكل شيء من أن نفقد الاستقلال، ونسقط مجددا فرائس للاستعباد والرق".
من جهة أخرى، وفي يوم 22 دجنبر 1946، أصدرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفيتنامي بيانا تحت عنوان: "كل الشعب ضد العدوان"، وقد حدد هذا البيان هدف المقاومة وطابعها، وكذلك برنامج العمل المشترك للحزب والجيش والشعب بأسره، معتبرا أن المقاومة تشمل جميع الأصعدة، وبالاعتماد على قوى الشعب الذاتية ستكون مقاومة طويلة الأمد.
بدوره، أصدر الرفيق تريونغ شينه وثيقة تحت عنوان " المقاومة ستنتصر"، و هي وثيقة هامة، تعرضت لخط و توجيهات الحزب حول حرب المقاومة، و يقول الرفيق تريونغ شينه أنه، في مواجهة عدو، هو الامبريالية، يملك جيشا قويا و حسن التجهيز، على شعبنا أن يخوض حرب مقاومة طويلة الأمد، مدمرا بمقدار أكبر كل يوم قوى العدو الحية، مع صيانة قوانا الذاتية و تطويرها، و على شعبنا أن يجعل كفة الميزان تميل إلى جانبه، فعليه أن ينتقل من حالة النقص إلى حالة توازن القوى، و أن يضمن لنفسه التفوق و الانتصار النهائي، و قال الرفيق تريونغ شينه: و لكي يتمكن شعب من خوض مقاومة طويلة الأمد، فإنه من المهم أن يعتمد على قواه الذاتية، ذلك هو الاتجاه الاستراتيجي العام، و لأجل ضمان النصر، من المهم تحقيق الاتحاد الوطني، و تعبئة القوى البشرية و المادية و المعنوية للشعب في خدمة المقاومة، و الواقع أن المقاومة للعدوان ينبغي أن تخاض على جميع الأصعدة، السياسية و العسكرية و الاقتصادية و الثقافية، و حسب الرفيق ، فهذه المقاومة الطويلة الأمد ستمر بثلاثة مراحل : مرحلة الدفاع، مرحلة توازن القوى و مرحلة الهجوم العام.
إن الدعامة الأساسية التي يستند عليها الشعب لخوض المقاومة تحت قيادة الحزب الشيوعي تتشكل من القوى المسلحة الموزعة إلى ثلاث فئات : الوحدات النظامية، التشكيلات المناطقية، و مليشيات حرب العصابات.
لقد وضعت الحرب في بداية المقاومة الطرفين في وضع غير متساو، حيث كان العدو الفرنسي يملك سفنا بحرية و قوات برية، و طيرانا، في حين لم يكن لدى القوات الفيتنامية سوى جيش مشاة حديث النشأة و قليل الخبرة و التجربة، و يفتقر إلى كل شيء، لكن العدو لم يكن باستطاعته الاعتماد على أسلحته العصرية لإبادة قوات الجيش الشعبي الفيتنامي، فكان ملزما أن يدفع غاليا احتلال عدد صغير من المدن، و كان الفيتناميون يطورون حرب العصابات و يشكلون الفئات الثلاث من القوات المسلحة الثورية. و استطاع الشعب الفيتنامي، عبر بطولات كبيرة، و تضحيات جسيمة، أن يتكيف مع الوضع، و يخوض، في نفس الوقت، ميداني الإنتاج و القتال، و أمام هذا الوضع، حيث يصطدم العدو بصعوبات العقبات المتزايدة، فإنه كان يسعى إلى إنهاء الحرب بسرعة. و في هذا السياق، و مع نهاية 1947، حشد الامبرياليون الفرنسيون أكثر من عشرة آلاف رجل، و أطلقوا ضد الفييت باك هجوما واسع النطاق، يهدف إلى تدمير قاعدة المقاومة في البلاد بأسرها، و إبادة جميع القوات النظامية و الهيئات القيادية.
لقد فطنت اللجنة العسكرية إلى خطة العدو هاته، و أعطت جميع التوجيهات الضرورية للتنظيمات على مختلف المستويات و المراتب، و أصدرت اللجنة المركزية بيانا توجيهيا جديدا تحت عنوان : "ماذا قال بولايرت؟ و ماذا سنفعل؟".
يشير البيان إلى أن على جميع القوى الوطنية أن تعبأ لمجابهة و إحباط خطة الغزاة، الهادفة لاستخدام الفيتناميين ضد الفيتناميين. و في 15 نونبر 1947، صدر أمر بعنوان : "علينا تحطيم الهجوم الشتوي للمعتدين الفرنسيين". و يقول الأمر : إن مقاتلينا و وطنيي بلادنا، بتنفيذهم لهذا الأمر في جميع ميادين العمليات، قد حققوا تنسيقا وثيقا لعملهم مع عمل قوات الفييت باك المسلحة، و قاتلوا ببسالة و إقدام و أحرزوا انتصارات مجيدة، فبعد شهرين من المجابهة الضارية، استطعنا إحباط الهجوم الصاعق للفرنسيين، و صنا قواتنا، و كذلك القاعدة الوطنية للمقاومة، و أبدنا قوات معادية حية مهمة و كبيرة، و غنمنا عددا كبيرا من الأسلحة و التجهيزات.
بعد هزيمة الفرنسيين في فييت باك، في شتاء 1947، تغير طابع الحرب عندما أدرك العدو أنه لا يستطيع أن يبيد بصورة مباشرة قواتنا النظامية، في عملية كبيرة، ولا أن يضع حدا سريعا للحرب، بقواه الذاتية. هكذا، و في سنة 1948، غير استراتيجيته، و بدلا من أن يسعى إلى توسيع المنطقة المحتلة، أخذ يسعى لتعزيز مؤخراته، فانتقل من هجوم باك بو إلى تعزيز نام بو، مستعيضا عن العمليات الكبرى بعمليات صغيرة لا تهدف إلى إبادة مباشرة لقواتنا النظامية، بل إلى تخريب اقتصادنا و دعائمنا بين الجماهير، و في الوقت ذاته كان يجهد لتعزيز الحكم و الجيش الكركوزي في الجنوب و التماس المساعدة الأمريكية.
بالنسبة لنا، فإن انتصارنا في الفييت باك زاد من ثقة مقاتلينا و شعبنا في النصر النهائي، و قد رأت الدورة العامة للحزب المنعقدة في يناير 1948 أن معركة الفييت باك قد حققت تغييرا كبيرا في مقاومتنا الطويلة الأمد، و انتقلت بنا إلى المرحلة الثانية، مرحلة توازن القوى.
إن هذه الدورة العامة الموسعة، و مؤتمر الكوادر، و هو المؤتمر الرابع الذي انعقد في يناير 1949، قد اتخذ القرارات التالية :
1- على الصعيد العسكري : تحطيم هجمات العدو ضد قواعدنا، و تطوير حرب العصابات مع فرق وسرايا مستقلة، و فصائل للدعاية المسلحة، و فرق من الرواد (مهمة هذه الفرق إنشاء نقط ارتكاز لصالح المقاومة بين الجماهير في مؤخرات العدو).
و تبعا للمبدأ الذي حدده سابقا الرفيق تريونغ شينه بالنسبة للمراحل الثلاثة، فإنه بالنسبة لمرحلة توازن القوى، تشكل حرب العصابات الشكل الأساسي للقتال، و تقوم الحرب المتحركة بدور ثانوي، و لكن من المهم تنشيط هذه الحرب و التقدم نحو بناء قوات مسلحة شعبية، تضم القوات النظامية و القوات المناطقية و مليشيات حرب العصابات.
2 – على الصعيد السياسي : بذل الجهود لتعزيز كتلة الاتحاد الوطني، و لتوسيع الجبهة الوطنية المتحدة، و تدعيم السلطة الشعبية و تعزيزها، و تدمير النظام العميل في الجنوب مع العمل على التوضيح و الإقناع بين الجنود المعادين، و السعي كذلك لكسب دعم البلدان الاشتراكية و القوى المحبة للسلم و القوى التقدمية في العالم.
3 – على الصعيد الاقتصادي و المالي : تحسين شروط معيشة الشعب المادية و الثقافية لأجل القيام بمقاومة طويلة الأمد، و تطوير اقتصاد الديموقراطية الجديدة، و مضاعفة المؤسسات الإنتاجية التابعة للدولة، و إعداد الشروط لتخطيط قطاع اقتصاد الدولة، و إقامة التجارة الخارجية ... تنفيذ سياسة الحزب الزراعية بزيادة القوى الحيوية للفلاحين، و تطوير الإنتاج الزراعي، و محاصرة المنطقة التي يشرف عليها العدو و تخريب اقتصادها.
4 – على الصعيد الثقافي و الاجتماعي : تربية الأوساط الثقافية و تعبئتها لإشراكها بصورة فعالة في المقاومة، و الاستمرار في مكافحة الأمية و تحسين منظومة التربية، و بناء ثقافة جديدة، وطنية الطابع، علمية و شعبية، و حفز الحركة لحياة جديدة و إلغاء العادات الرجعية، و السهر على صحة الشعب.
2 ) في الطريق إلى معركة ديان بيان فو التاريخية و مؤتمر جنيف حول الهند الصينية
عند محطة 1953، و بعد تكبد القوات الاستعمارية الفرنسية هزائم فادحة، أصبح مجمل الحملة العسكرية الفرنسية يمتصها الاحتلال، أو ما يسمى بعملية التهدئة، في وقت أصبح فيه الاقتصاد الفرنسي و ماليته في حالة سيئة، كما أن التناقضات بين الاستعماريين الفرنسيين استفحلت بشكل غير مسبوق.
بعد الهزيمة التي مني بها الأمريكيون في كوريا، سيوجهون مركز اهتمامهم نحو شؤون الهند الصينية، و تجلى هذا في تزايد المساعدة الأمريكية للاستعماريين الفرنسيين و خدامهم، كما تجلى ذلك في إرغام الفرنسيين على إبراز سلطة النظام الكراكوزي في الجنوب، و كذلك الاعتراف بالتدخل الأمريكي و سيطرته على جيشهم و حكمهم و على قيادة حرب الهند الصينية. في ظل هذه الأجواء، بدأ الاستعداد لتصفية المقاومة في الجنوب، هكذا، و في منتصف 1953، و بموافقة الولايات المتحدة الأمريكية عين نافار قائدا أعلى للحملة التأديبية العسكرية الفرنسية في الهند الصينية، فأنشأ الفرنسيون ما سمي ب "خطة نافار"، و هي في العمق خطة أمريكية من حيث التصميم، كان الامبرياليون الفرنسيون ينوون تنفيذها، و كان الاعتقاد السائد لدى كل من الفرنسيين و الأمريكيين، هو أنه بعد 18 شهرا سيسيطرون على المبادرة الاستراتيجية و يقلبون الوضع على مسرح العمليات في الهند الصينية.
بطبيعة الحال، لم تكن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفيتنامي لتنام ملئ جفونها، بل كانت تراقب تطور الأوضاع عن كثب، فكيف كانت ترى تلك الأوضاع؟
في بداية سنة 1953، قدمت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفيتنامي تحليلا علميا للوضع العسكري في مجمل بلاد الهند الصينية، و على ضوء هذا التحليل حددت اللجنة المركزية الاستراتيجية الواجب اعتمادها لحملة الشتاء- الربيع 1953 – 1954:
- مركزة القوات الثورية و إطلاق هجمات في الاتجاهات الاستراتيجية المهمة، حيث كان يوجد العدو في وضع ضعيف نسبيا، و من ثمة إرغامه على بعثرة قواته، مما يهيئ أوضاعا جديدة ملائمة لإبادة قواه الحية، و سيسمح بتوسيع المناطق المحررة.
- العمل في الوقت ذاته على تنشيط حرب العصابات في مؤخرات العدو، مع الدفاع عن المناطق المحررة، و إيجاد الشروط للقوات النظامية الفيتنامية للتمركز و الاحتشاد و إبادة العدو في الاتجاهات المنتقاة.
نتيجة الخطة الفيتنامية أصبح الوضع العسكري يتميز بما يلي :
- تزايد النشاطات المتواصلة للجيش الفيتنامي في مختلف الاتجاهات يحقق إخفاقا لخطة نافار الهادفة إلى مركزة و حشد القوات الفرنسية في دلتا باك بو.
- أصبح نصف القوات العسكرية الفرنسية السيارة محصورا في المناطق الجبلية، الشيء الذي ساعد على تطوير حرب العصابات في المناطق المحتلة.
- في مجموعة من المقاطعات، مثل كوانغ بينه و كوانغ تري و تواتيان، أصبحت القوات المناطقية و أعضاء المليشيات التابعة لقوات حرب العصابات، تحطم عمليات التمشيط التي كان يقوم بها العدو الاستعماري، فتدمر طرق مواصلاته المهمة مما ساعد على توسيع قواعد حرب العصابات، و التصدي لجميع هجمات العدو ضد المناطق المحررة من الفيتنام، و كان الجيش الثوري الفيتنامي، كما هو الحال في نان بو يقوم بتنشيط أعمال الشرح و الإيضاح و الإقناع بين العسكريين و الموظفين المدنيين للنظام الكراكوزي، و بشكل مواز، تمت إبادة أو الإجبار على الانسحاب للآلاف من المراكز العسكرية المعادية و أبراج الحراسة.
- في نونبر 1953، و عندما رأى نافار أن شطرا من القوات النظامية الفيتنامية يتجه نحو الشمال الغربي، أسرع إلى إنزال أكثر من 5000 رجل بالمظلات على قلعة ديان بيان فو بهدف احتلالها، و ذلك بغية ضمان قاعدة للتمركز في المنطقة و الدفاع عن اللاووس العليا، هكذا قام نافار بتعزيز الحامية بهدف أن يجعل من ديان بيان فو المعسكر الفرنسي الأقوى تحصينا في الهند الصينية.
أمام هذا المستجد العسكري، و في دجنبر 1953، قررت اللجنة المركزية شن معركة ذات أهمية استراتيجية ضد ديان بيان فو، و أعطيت قيادة المعركة إلى الرفيق الجنرال فو نغوين جياب القائد الأعلى لجيش الفيتنام الشعبي، و بسرعة تحولت النية الاستراتيجية للجنة المركزية إلى إرادة في القتال و العمل المصمم لدى الحزب بأسره و الجيش كله و الشعب جميعه. هكذا، أشرف جياب على بناء وحدات مدفعية و مشاة بقوة السواعد و بوسائل بدائية بسيطة عبر الجبال و الغابات، مئات الكيلومترات الموصلة إلى مواقع القتال، و قامت بحفر مئات الكيلومترات من الخنادق للتسلل تحت نيران العدو الغزيرة، كما تم جر قطع المدفعية على طلعات وعرة، حيث يتم نقلها إلى مواقع الرماية.
تحت شعار "كل شيء للجبهة، كل للنصر" جرت تعبئة ما يزيد عن 200 ألف عامل شعبي سيقدمون بالإجمال أكثر من 3 مليون عمل، و ذلك لخدمة جبهة ديان بيان فو. و بعشرات الآلاف كان شبان طوابير الصدام يعملون بصورة مشتركة مع وحدات الهندسة، يشقون طرقا جديدة و يفجرون قنابل العدو الموقوتة لتأمين التجول في مختلف طرق المواصلات و النقل، كما كانت تستخدم عشرات الآلاف من الزوارق و المراكب و دراجات النقل و عربات الجواميس و الثيران و الخيل لكي تنقل إلى الجبهة مئات الآلاف من الأطنان من الأرز و المنتجات الغذائية و الذخائر.
إن الشعارين الأساسيين للمرحلة كانا هما : "الاستقلال الوطني" و "الأرض لمن يزرعها"، هكذا، و في إطار الجبهة المعادية للإقطاعية، كان الإصلاح الزراعي يتقدم بنشاط كبير، و كان من نتائج ذلك أن الفلاحين المحررين من عمليات السيطرة الإيديولوجية التي كانت مفروضة عليهم من طرف الإقطاعية، سينهضون، تحدوهم روح هجومية و ثورية للإطاحة بطبقة ملاك الأراضي، وبذلك تحققت قفزة كبرى لقوى المقاومة.
لقد أصبح من الممكن تحقيق، في نفس الوقت، شعاري "الاستقلال الوطني" و "الأرض لمن يزرعها"، كما أصبح التنسيق واسع النطاق بين النضال المسلح و النضال السياسي، الشيء الذي ساهم بشكل كبير في تحقيق الانتصار في معركة ديان بيان فو التاريخية.
فكيف كانت حصيلة معركة ديان بيان فو؟
بعد 55 يوما، بلياليها، من المعارك البطولية، التي لم تتوقف و لم تهدأ نيرانها، استطاعت القوات الفيتنامية الثورية في 7 ماي 1954، أن تبيد إبادة تامة المعسكر المحصن للقوات الفرنسية في ديان بيان فو، كما قتلت و أسرت أكثر من 16 ألف رجل، و استسلم جميع ضباط و رتباء مقر القيادة العامة للمعسكر تحت قيادة الجنرال دي كاستري، رافعين الأعلام البيضاء.
في حملة شتاء – ربيع 1953 -1954، التي توجت بانتصار ديان بيان فو التاريخي، تم القضاء على 112 ألف جندي من جنود الأعداء، كما تم تحرير مناطق استراتيجية مهمة، هكذا، قضى انتصار ديان بيان فو التاريخي على خطة نافار، و هيئ الشروط للانتصار في مؤتمر جنيف.
في 26 أبريل 1954، في الوقت الذي كان فيه الجيش الفيتنامي يستعد لإطلاق موجاته الهجومية الثالثة لتقرير مصير حامية ديان بيان فو، عقد مؤتمر جنيف جلسته الافتتاحية، حيث قام الرفيق فام فان دونغ بتمثيل أمة متنصرة، الأمة الفيتنامية، أمام أمة منهزمة، الأمة الفرنسية. و في هذا السياق عقدت اللجنة المركزية للحزب دورتها العامة السادسة في يوليوز 1954، و قد وافقت الدورة العامة للمكتب السياسي على القرار بالتفاوض لإعادة السلم إلى الهند الصينية، و ذلك على أساس اعتراف فرنسا باستقلال البلاد و سيادتها و وحدة أراضيها.
بعد 75 يوما من المناقشات الحادة، و في 20 من يوليوز 1954، انتهى مؤتمر جنيف حول الهند الصينية بنجاح، فقد قبلت الحكومة الفرنسية إعادة السلم إلى الهند الصينية على أساس احترام فرنسا و البلدان الأخرى المشاركة في المؤتمر، لاستقلال الفيتنام و كمبوديا و اللاووس و سيادتها و وحدة و سلامة أراضيها، و تقرر أن تتمركز كل من قوات الجانبين وراء خط فاصل مؤقت، و تقرر كذلك أن ينظم الشعب الفيتنامي انتخابات عامة حرة في يوليوز 1956 بغية إعادة توحيد البلاد، و سوف يسحب الفرنسيون قواتهم إلى خارج الهند الصينية.
و فيما يخص الامبرياليين الأمريكيين، و رغم أنهم لم يوافقوا على البيان النهائي، اضطروا إلى أن يصدروا في خاتمة المطاف بيانا على حدة يتعهدون فيه باحترام اتفاقات جنيف حول الهند الصينية.
إن الانتصار العظيم للشعب الفيتنامي هو حصيلة زهاء قرن من نضال شعوب الهند الصينية ضد الامبريالية، وهذا الانتصار هو كذلك تتويج لتسع سنوات من المقاومة، التي خاضها الشعب الفيتنامي تحت قيادة الحزب الشيوعي الفيتنامي و القائد الشيوعي العظيم هو شي منه، و لم يكن هذا الانتصار انتصارا فقط لشعوب الهند الصينية، بل أيضا انتصارا عظيما لشعوب العالم المكافحة في سبيل الاستقلال الوطني و الديموقراطية و الاشتراكية.
قال الرفيق هوشي منه في مقال كتبه بمناسبة مرور 30 سنة على تأسيس الحزب الشيوعي الفيتنامي :
"لأول مرة في التاريخ، حقق شعب صغير و ضعيف، انتصارا على دولة مستعمرة ذات قدرة جبارة، و أنه انتصار لقوى السلم و الديموقراطية و الاشتراكية في العالم".
إذا كانت معركة ستالينغراد، التي دامت ستة أشهر (23 غشت 1942-2فبراير1943) والتي انتصر فيها الجيش الأحمر السوفياتي، هي بداية هزيمة القوات النازية والتي انتهت إلى دخول الجيش الأحمر إلى برلين ورفع العلم الأحمر فوق مقر الريشتاغ (البرلمان الألماني)، فإن الانتصار التاريخي في معركة ديان بيان فو التي دامت 55 يوما، قد أدى إلى خروج الاستعمار الفرنسي من الهند الصينية (الفيتنام، الكامبودج، اللاوس) وبداية انهيار الامبراطورية الاستعمارية العالمية بقيادة فرنسا وبريطانيا.
خلال النصف الأول من القرن العشرين، قدمت الحركة الشيوعية العالمية ملاحم كبرى للبشرية قادتها أحزاب ماركسية-لينينية كبرى في مقدمتها الحزب الشيوعي السوفياتي والحزب الشيوعي الصيني والحزب الشيوعي الفيتنامي، أحزاب قادتها أسماء خالدة من قبيل ستالين وماو وهوشي مينه وجياب......
علي محمود