Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

الحزب الشيوعي الفيتنامي وملاحم الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية في الفيتنام ـ الحلقة الأولى

بناء الأحزاب الماركسية – اللينينية

(السياقات، السيرورات، الأفكار والتجارب)

القسم السادس

الحلقة الأولى

الحزب الشيوعي الفيتنامي وملاحم الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية في الفيتنام

تقديم

تعتبر الثورة الفيتنامية النموذج الثالث الأهم والناجح في تاريخ الحركة الشيوعية العالمية، من حيث التطبيق الخلاق للماركسية – اللينينية على الواقع التاريخي الملموس لبلد كان يعيش وضعا استعماريا وشبه إقطاعي.

لقد كان الشعب الفيتنامي يشكل أمة عاشت 4000 آلاف من التاريخ، ترسخت خلالها تقاليد النضال التحرري ضد المحتل المعتدي وضد الطبقات الحاكمة، وخلال هذا النضال الطويل والعنيد، اكتسب الشعب الفيتنامي بشكل مبكر وعيا وطنيا.

عندما استعمر الفرنسيون البلاد استسلم الملاكون العقاريون الإقطاعيون، وفي مقدمتهم بلاط أسرة نغوين، بينما ظل الشعب الفيتنامي ينتفض بلا انقطاع حاملا السلاح ضد المحتلين و الخونة، لحد أن الاستعماريين الفرنسيين اضطروا من أجل إقامة سيطرتهم إلى خوض حرب طويلة ضد الشعب الفيتنامي دامت ثلاثين سنة (1858 – 1884).

بطبيعة الحال، كان هدف الكولونياليين الفرنسيين هو تحويل الفيتنام إلى سوق لتصريف بضائعهم ونهب المواد الخام، واستغلال اليد العاملة الفيتنامية بأبخس الأثمان، وتحويل الشعب الفيتنامي إلى لحم للمدافع. وفي سياق سياساتهم الاستعمارية، حافظوا على النظام الإقطاعي جاعلين منه أداة لقمع واستغلال الشعب الفيتنامي، ومحولين الفيتنام إلى بلد كولونيالي وشبه كولونيالي يتميز بتناقضين أساسيين:

- التناقض بين الأمة الفيتنامية والامبريالية الفرنسية

- التناقض بين الشعب الفيتنامي، وطبقة الفلاحين بصورة رئيسية وبين طبقة الملاكين العقاريين الإقطاعيين

منذ دخول الاستعمار الفرنسي إلى الفيتنام، قامت حركات مقاومة ضد الامبرياليين الفرنسيين، أخفقت كلها إلى أن  تم تأسيس الحزب الشيوعي الفيتنامي، ذلك أنه لم يكن بالإمكان حل التناقض بين الأمة الفيتنامية و الغزاة الاستعماريين، لأنه لم يكن لدى الشعب الفيتنامي نهجا ثوريا يلائم العصر التاريخي الجديد، الذي فتحته الثورة البلشفية في أكتوبر 1917، لتعتبر المرحلة عصر الامبريالية و الثورات البروليتارية، التي أسس لينين نظريتها الثورية، بالنسبة للثورة في الدول الرأسمالية، و كذلك الثورة في الدول المستعمرة و شبه المستعمرة، و بناءا عليه، فإن الشعب الفيتنامي، رغم تضحياته الجسام، لم يكن يتوفر على كافة الشروط المطلوبة لقيادة ثورة التحرر الوطني إلى النصر.

لقد دشنت الثورة البلشفية بالفعل، عصرا جديدا في تاريخ البشرية، هو عصر الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية على النطاق العالمي. استنادا إلى هذه الأطروحة، فإن ثورة التحرر الوطني في البلدان المستعمرة سوف تشكل، منذ انتصار الثورة الروسية، وبعدئذ، جزءا لا يتجزأ من الثورة البروليتارية.

في الفيتنام، استسلمت طبقة الملاكين العقاريين الإقطاعيين للمحتلين الفرنسيين، أما البورجوازية فقد تأخرت في النشوء، وتعرضت إلى الاستعباد الاستعماري، فكانت ضعيفة اقتصاديا وسياسيا، وكانت تسعى إلى تسويات تنازلية مع المحتل، بينما كان الفلاحون والبورجوازية الصغيرة، يطمحون إلى الاستقلال والحرية، لكنهم كانوا يجدون أنفسهم في مأزق إيديولوجي وطريق مسدود. أما الطبقة العاملة فلم تصبح قوة سياسية ذات أهمية إلا بعد الحرب العالمية الأولى، ومن خاصياتها أنها ولدت قبل البورجوازية.

في هذه الظروف سيتبين للطلائع الثورية أن الطبقة العاملة الفيتنامية، التي كانت خاضعة للنير المثلث: نير الاضطهاد والاستغلال الامبريالي، والإقطاعي، والبورجوازي، كانت تمثل القوى المنتجة الأكثر تقدما، تعمل في المراكز الاقتصادية للمستعمر، وتمثل بالفعل الطبقة الوحيدة التي تجتمع لديها الشروط للظفر بالتفوق السياسي في البلاد بأسرها.

I – الرفيق نغوين أي كوك (هو شي منه) وبناء الحزب الشيوعي الفيتنامي

كان الرفيق هو شي منه، أول فيتنامي اكتشف إمكانات الطبقة العاملة الفيتنامية وتعرف على وضعها، فمنذ عشرينيات القرن الماضي، وبعد اطلاعه على مختلف التجارب والخطوط الثورية شرقا وغربا، وتعرف على اختلافاتها سيتوصل إلى خلاصة مفادها أنه:

"في سبيل إنقاذ البلاد وتحرر الأمة، لا طريق سوى طريق الثورة البروليتارية".

هكذا، انطلق هوشي منه يبذل الجهود لنشر الماركسية – اللينينية، والإعداد لتأسيس حزب الطبقة العاملة الفيتنامية. لقد كان لدى هو شي منه تجربة كبيرة في الحركة العمالية الفرنسية، و يعتبر من اللذين ساهموا في تأسيس الحزب الشيوعي الفرنسي، كما يشهد على ذلك انعقاد مؤتمر تور في دجنبر 1920، حيث  وقف في صف الأممية الشيوعية و خط الرفيق لينين، و باستيعابه الجيد لأطروحات لينين حول المسألة القومية، وقضية المستعمرات و شبه المستعمرات، أدرك بشكل مبكر أن الامبريالية تشكل العدو المشترك للطبقة العاملة و لشعوب المستعمرات ، فدعا إلى التضامن بين الثورة الفرنسية و الثورة الفيتنامية، وأرسى أسس التعاضد بين شعوب المستعمرات الفرنسية من جهة، و الطبقة العاملة و الشعب الفرنسي الشغيل من جهة أخرى.

لقد تجمعت في شخصية هو شي منه، واندمج في تلاحم، الوعي الوطني والوعي الطبقي، لقد كان الرفيق يجسد بالفعل تحالف الوطنية الثورية مع الأممية البروليتارية.

لقد كانت لهو شي منه نشاطات ثورية وكتابات ومقالات نشرت في جريدة "لومانيتي" (صحيفة الحزب الشيوعي الفرنسي) و "الحياة العمالية" لسان "الكنفدرالية العامة للعمل" و "لوباريا"، التي كان مؤسسها، ومن أشهر كتاباته في المرحلة الأولى "مسيرة الاستعمار الفرنسي" 1925 و "طريق الثورة" 1927، كل هاته المقالات والكتابات وغيرها حفزت الحركة الثورية في البلاد وحثت الوطنيين الفيتناميين على الانخراط في طريق الماركسية – اللينينية.

هكذا إذن، وبفضل الجهود التي تفانى فيها هو شي منه، اخترقت الماركسية – اللينينية وتأثير ثورة أكتوبر 1917، ذلك الستار الحديدي، الذي وضعه المستعمرون الفرنسيون لكيلا ينتشر الفكر الثوري في الفيتنام. وبطبيعة الحال، سيستقبل الثوريون الفيتناميون، خاصة فئة المثقفين الشباب بحماسة كبيرة، النظرية الماركسية – اللينينية، ولم يكن من السهل عليهم الانتقال من مفهوم الوطنية القديم إلى مفهوم الماركسية – اللينينية للوطنية.

نظرا لتعقد الوضع في الفيتنام، كان بالإمكان أن يفهم تأسيس حزب بروليتاري فهما غير سليم و سيء، و يؤدي إلى انشقاق في الحركة الوطنية، و هي في إبان غليانها، لقد كان الفيتنام بلدا مستعمرا و متخلفا اقتصاديا لا يعرف تقاليد اشتراكية، سواء عند الفلاحين أو عند البورجوازية الصغيرة، و لا حتى عند الطبقة العاملة، فبات من الضروري و الحالة هذه، إنشاء تنظيم متكيف مع جميع هذه الطبقات، يسمح بتشجيع اتصالها بالماركسية – اللينينية، و تعويدها على تطبيقها في النضال الوطني، و هذا التنظيم، الذي كان له طابع انتقائي سيأخذ إسم "رابطة شبيبة فيتنام الثورية" التي أسسها الرفيق هوشي منه و وطنيون آخرون سنة 1925، و شكل "فريق الشيوعيين" نواة هامة داخلها، و كان هدفها الإعداد لتأسيس الحزب الشيوعي الفيتنامي.

ابتداء من 1924، بدأ نضال التحرر الوطني و الصراع الطبقي يشتدان في الفيتنام، وكانت القوى الثورية، كما قوى الثورة المضادة ينشران برامجهما السياسية من أجل استقطاب الجماهير، ورغم سرية تنظيم "الرابطة"، ورغم القمع الإرهابي الذي تعرضت له، فقد هاجمت مزاعم المستعمرين الفرنسيين و خدامهم من الخونة، وفي نفس الوقت ناضلت بشكل فعال ضد النزعات البورجوازية والبورجوازية الصغيرة للقومية الإصلاحية و القومية الضيقة، و استمرت الحركة الثورية في النهوض خلال سنتي 1926 -  1927 عرفت خلالها "رابطة شبيبة فيتنام الثورية" تطورا قويا جعل من أعضائها المنبثقين من الأنتلجنسيا  (البورجوازية الصغيرة) "يكتسبون الطابع البروليتاري" في المناجم والمصانع والضيعات الزراعية، و كانوا يقومون  بالدعاية و التحريض و التعبئة الثورية في صفوف الطبقة العاملة، ينظمونها، و يقودون نضالها، مساعدين بذلك الطبقة العاملة على أن تعي مهمتها التاريخية، و في نفس الوقت، كانوا يسعون بدأب ليزدادوا هم أنفسهم صلابة، و يصبحوا مناضلين ثوريين حقيقيين. وبفضلهم أخذت الحركة العمالية تشتد قوة خلال عامي 1928 – 1929 منتقلة من النضال الاقتصادي إلى النضال السياسي.

بالإضافة إلى الحركة العمالية، كانت حركات نضال الفلاحين والبورجوازية الصغيرة للمدن تعرف غليانا هائلا. كل هذه الحركات اندمجت متلاحمة في مد جبار للتحرر الوطني والمطالبات الديموقراطية في البلاد عامة، وخلال هذه الحقبة أصبحت الطبقة العاملة الفيتنامية قوة سياسية مستقلة، وهكذا تجمعت الظروف، التي جعلت تأسيس حزب شيوعي للطبقة العاملة لتجميع وتنظيم وقيادة جميع القوى الوطنية والتقدمية، مطلبا ملحا للثورة.

II – تأسيس حزب الطبقة العاملة الفيتنامي

بدخول نضال الجماهير مرحلة مد كبير في جميع أنحاء البلاد، لم يعد باستطاعة "رابطة الشبيبة الثورية" أن تؤمن قيادة الثورة فدقت ساعة تأسيس حزب سياسي حقيقي للطبقة العاملة، حزب شيوعي يضطلع بهذه المهمة، وخلال هذه الحقبة، عرفت الرابطة مخاضا ثوريا أدركت معه العناصر المتقدمة والطليعية داخلها تدرك جيدا هذه الضرورة الموضوعية، إلا أن قادتها لم يدركوا ذلك بالإجماع في الوقت الملائم، فلم يكن ممكنا تأسيس حزب شيوعي وحيد منذ البدء. هكذا، تولد من داخل الرابطة تنظيمان شيوعيان:

- الحزب الشيوعي للهند الصينية

- حزب أنام الشيوعي

وأعاد "الحزب الثوري للفيتنام الجديدة" تنظيم نفسه فأصبح "الفدرالية الشيوعية للهند الصينية".

انطلاقا من هذا الوضع، وابتداء من منتصف سنة 1929، وجدت على أرض الفيتنام ثلاث منظمات شيوعية إلا أن هذا التشتت كان قصير الأمد، ذلك أن نضالات القوى الوطنية، خاصة نضالات العمال والفلاحين تحت راية الماركسية – اللينينية سرعان ما انصهرت في تيار وطني ديموقراطي أصبح يتطلب قيادة حزب شيوعي واحد.

هكذا، سيدعو الرفيق هوشي منه في 3 فبراير 1930، باعتباره مندوبا للأممية الشيوعية، ممثلي مختلف الجماعات الشيوعية إلى مؤتمر عقد في كوو لوون، قرب هونكونغ (الصين) بغية توحيد القوى الشيوعية الفيتنامية في حزب شيوعي فيتنامي.

اتخذ هذا المؤتمر من أجل تأسيس الحزب طابع مؤتمر كبير، وقد أقر برنامجا سياسيا واستراتيجية عرضهما هو شي منه بإيجاز. ترسم الوثيقتان للثورة الفيتنامية نهجا أساسيا صحيحا سوف تعتمد عليه اللجنة المركزية للحزب لصياغة موضوعاتها السياسية، ويقوم هذا النهج على قيادة الثورة الديموقراطية البورجوازية، بما في ذلك الثورة الزراعية للإطاحة بالامبرياليين والإقطاعيين، وجعل الفيتنام بلدا مستقلا يتقدم نحو الاشتراكية والشيوعية. ولتحقيق ذلك، كانت هناك ضرورة لبناء حزب الطبقة العاملة، وإنشاء جيش من العمال والفلاحين، وتحقيق التحالف العمالي الفلاحي، وتشكيل جبهة وطنية موحدة، وتأمين التضامن بين الثورة الفيتنامية والحركة الثورية العالمية، وقد قرر المؤتمر من جهة أخرى إنشاء منظمات جماهيرية مثل النقابات الحمراء، الرابطة الفلاحية الحمراء واتحاد الشبيبة الشيوعية ورابطة تحرير المرأة، والإغاثة المتبادلة الحمراء، والعصبة المناهضة للإمبريالية (الجبهة الوطنية الموحدة المناهضة للإمبريالية) في الفيتنام.

لقد شكلت ولادة الحزب الشيوعي الفيتنامي انعطافا كبيرا في تاريخ الثورة الفيتنامية، مدشنة عهدا جديدا، هو عهد الثورة التي تقودها الطبقة العاملة الفيتنامية وحزبها الماركسي – اللينيني.

لقد كانت الطبقة العاملة الفيتنامية قليلة العدد، لكنها ممركزة نسبيا، وتشكل طبقة متلاحمة ومتجانسة وبدون أرستوقراطية وبعيدة عن سيطرة النزعة الإصلاحية، وكان إلى جانبها طبقة الفلاحين، أقرب حليف لها والأكثر جدارة بالثقة، تحدوها روح كفاحية عالية.

إن العمال والفلاحين يشكلان القوى الثورية الرئيسية في الفيتنام، ذلك البلد ذو التقاليد النضالية العنيدة التي لا تقهر، وبذلك توفرت التربة الملائمة لترسخ وتجذر الماركسية – اللينينية في الفيتنام، وعلى هذا الأساس انبنى حزب ثوري من طراز جديد، هو الحزب الشيوعي الفيتنامي، الذي سيصبح القائد الأوحد للحركة الوطنية الفيتنامية.

في أكتوبر 1930، ستقرر الدورة العامة الأولى للجنة المركزية إطلاق الاسم الجديد للحزب، الذي سيصبح الحزب الشيوعي الهند – الصيني، كما أقرت الموضوعات السياسية، التي صاغها أول أمين عام للحزب الرفيق تران فو. و قد أكدت هذه الموضوعات على كون الثورة الفيتنامية قد أصبحت في عصر الامبريالية و الثورات البروليتارية، أي بعد انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية في الإتحاد السوفياتي، جزءا لا يتجزأ من الثورة البروليتارية العالمية، وعليها أن تجتاز مرحلتين، تقوم الأولى على إنجاز الثورة الديموقراطية البورجوازية تحت قيادة الطبقة العاملة للإطاحة بالامبرياليين و الإقطاعيين، و الظفر مجددا بالاستقلال الوطني و إعادة الأرض لمن يحرثها، والمهمتان : المناهضة للامبريالية و المناهضة للإقطاعية مترابطتان ترابطا وثيقا، و في هذا السياق يشكل العمال و الفلاحون القوى الرئيسية للثورة، و لهذا كان على الحزب الشيوعي الهند – الصيني تحقيق التحالف العمالي الفلاحي و حسم قضية السلطة عن طريق العنف الثوري عبر انتفاضة للاستيلاء على السلطة.

حسب الوثيقة ستنتقل الثورة إلى المرحلة الثانية، التي ستعمل على الانتقال مباشرة نحو الاشتراكية وتجنب مرحلة التطور الرأسمالي، وكان الشرط الأساسي للانتصار وضامنه هو وجود حزب شيوعي، يتبنى الماركسية – اللينينية كأساس إيديولوجي، ويصوغ خطا سياسيا سديدا لقيادة الثورة، حزب منظم على قاعدة المركزية الديموقراطية ويقوم على الانضباط الصارم، حزب ذو علاقات وثيقة مع الجماهير، ويترعرع في خضم النضال الثوري.

هكذا، وللمرة الأولى وجد الشعب الفيتنامي والطبقة العاملة الفيتنامية نفسيهما مجهزين ببرنامج ثوري ديموقراطي بورجوازي من طراز جديد، يعكس بالضبط القوانين الموضوعية للمجتمع الفيتنامي الكولونيالي وشبه الكولونيالي، الشيء الذي سمح للشيوعيين الفيتناميين أن يملكوا سلاحا قويا ضد المفاهيم التي تنفي التمايز الطبقي، ويستطيع عن طريقه تجنيب العمال والفلاحين التأثير المشؤوم للنزعة القومية الإصلاحية والتروتسكية والنزعة القومية البورجوازية الصغيرة الضيقة.

1 – الحزب الشيوعي الفيتنامي زمن المد الثوري لسنتي 1930 – 1931

وافقت نشأة الحزب الشيوعي الهند – الصيني اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية للرأسمالية، التي لم تتأخر آثارها على الفيتنام فتنشر الظلام والخراب في كل الهند الصينية، وقد كان العمال والفلاحون الضحايا المباشرين لهذه الأزمة، واللذين أصيبوا أقصى إصابة منها. وخلال حقبة 1929 – 1933، تضاعفت في الفيتنام الكوارث الطبيعية، فتعاقبت الفيضانات وحالات الجفاف والقحط، وأصيب الفلاحون بالخراب والبؤس، وتزايد عدد العاطلين عن العمل وتعرض البورجوازيون الوطنيون والبورجوازيون الصغار للإفلاس. لقد أصبحت حياة الشعب الفيتنامي مهددة.

لقد ساهمت الأزمة الاقتصادية والزيادة في الاستغلال الاستعماري وتشديد سياسة الإرهاب الرهيب، وذلك قبل انتفاضة ين باي (انفجرت هذه الانتفاضة في 11 فبراير 1930، وقد كان وراءها الحزب القومي الفيتنامي) وبعدها، في استفحال التناقضات بين الشعب الفيتنامي والإمبريالية الفرنسية. هكذا، تهيأت الشروط الموضوعية لينظم الحزب الشيوعي الفيتنامي ويقود حركة ثورية لم يسبق لها مثيل ضد الإرهاب، و من أجل إطلاق سراح المناضلين المعتقلين و تحسين شروط معيشة الشعب، وقد عرفت هذه الحركة بدايتها بعدما انطلق إضراب ثلاثة  آلاف عامل في إحدى المزارع الكبرى في الكوشينشين  و ذلك في فبراير 1930، و تبع ذلك إضراب أربعة آلاف عامل في مزرعة نام دينه للقطن في باك بو (مارس 1930) ثم إضراب 400 عامل في معمل الثقاب و منشرة بن تويه في ترونغ بو (ابريل 1930)، و ابتداء من  1 ماي  1930 عرف المد الثوري تدفقا شاملا مس جميع أنحاء البلاد، و خاصة المؤسسات الصناعية في مجموعة من المدن :هانوي و هايفونغ و نام دينه و هونغيه وكام فا و فينه و بن تيه بنه و غيرها من المدن الكثيرة.

هكذا انفجرت آلاف الإضرابات العمالية والتظاهرات الفلاحية والاحتشادات الجماهيرية والإضرابات المدرسية وإضرابات الأسواق.

إن هذه الحركة من النضال الواعي للجماهير العمالية والفلاحية والبورجوازية الصغيرة، قد ربطت بشكل وثيق ما بين النضال المعادي للإمبريالية والنضال المعادي للإقطاع، كما قطعت العلاقة مع أي تأثير للنزعة القومية الإصلاحية البورجوازية.

وعرفت هذه الحركة ذروتها عندما أقامت الجماهير سوفياتات نفيه تينه، وتحت ضغط الجماهير الثوري العارم تفكك وانهار حكم الامبرياليين والإقطاعيين، وستقوم اللجن التنفيذية للجمعيات الفلاحية المحلية، تقودها خلايا الحزب الشيوعي بالاضطلاع بإدارة الحياة السياسية والاجتماعية بجميع وجوهها، ممارسة بذلك سلطة شعبية سوفياتية الطراز.

هكذا، ولأول مرة استولى الشعب على السلطة المحلية، ورغم أنها لم تدم طويلا لأنها تعرضت للقمع على رجال الثورة المضادة، فإنها ألغت الضرائب التي فرضها الامبرياليون والإقطاعيون وضمنت الحريات الديموقراطية للشعب، وأعادت توزيع مزارع الأرز والأراضي المشاعية على الفلاحين وأرغمت الملاكين العقاريين على تخفيض الريع العقاري الرئيسي وإلغاء الريع العقاري الثانوي، كما شجعت السكان على تعلم الكوك نغو (الكتابة الوطنية ذات الأحرف القائمة) ومكافحة الخرافات والعادات البالية القديمة ...

لقد كانت تجربة عامة أولى للشعب الفيتنامي ساهمت في انتصار ثورة غشت المجيدة. وقد كان خط الحزب (الثوري الوطني والديموقراطي) بشعاريه "استقلال وطني" و "الأرض لمن يفلحها" قد أخذ يصبح مصدرا لإيمان وآمال الجماهير الشعبية، كما انصهر في بوتقة هذا المد الثوري، الحزب الشيوعي الذي تصلب ونضج، وفي أبريل 1931 سيتم الاعتراف به كفرع للأممية الشيوعية.  لقد أثبت المد الثوري لسنتي 1930 – 1931 والسوفياتات التي توجته، أن الطبقة العاملة الفيتنامية وطليعتها الحزب الشيوعي الفيتنامي، هما وحدهما القادران على قيادة الثورة الوطنية الديموقراطية، كما أتثبت التجربة كذلك، أن الطبقة العاملة والفلاحين تحت قيادة الحزب والمتحدين مع الفئات الأخرى من السكان، قدرتهم على الإطاحة بسيطرة الامبرياليين والإقطاعيين وإقامة حكم الشعب الثوري، وقد كانت الطريقة المستخدمة لبلوغ هذا الهدف، هي استعمال العنف الجماهيري الثوري.

2 – الحزب الشيوعي في ظل القمع الرهيب

لقد أخاف نهوض حركات الجماهير وتزايد نفوذ الحزب الشيوعي، الاستعماريين الفرنسيين، فلجأوا إلى تدابير إرهابية فظيعة، وتعرض الحزب الشيوعي لحملات قمع شرسة، فتم تفكيك العديد من هيئات الحزب القيادية، وتم اعتقال عشرات الآلاف من كوادر الحزب وأعضائه ومن المناضلين الوطنيين، فقتلوا أو سجنوا. وبعد منتصف 1930، ضعف المد الثوري بصورة مؤقتة، لكن الحزب والجماهير ظلا محتفظين بثقتهما في آفاق الثورة الوطنية، لقد اكتسبت الثورة الفيتنامية مهابة كبيرة في الداخل والخارج بسبب روح النضال البطولي العنيد لأطر الحزب الشيوعي وأعضائه ودور الجماهير الثورية.

في سنة 1932، وضع الحزب الشيوعي الفيتنامي برنامجا للعمل محددا المهمات الملموسة المباشرة، وكذا أشكال وطرق النضال طبقا للظروف الجديدة.

رغم القمع، وبفضل وفاء وإخلاص المناضلين، اللذين نجوا من تدابير العدو القمعية والإرهابية، استطاع الحزب الشيوعي أن يحتفظ بعلاقات وثيقة مع الجماهير، كما كان يسهر على تعزيز منظماته السرية، وكذلك على تطوير وإتقان المزاوجة بين النشاط الشرعي والسري للحزب، فتطورت إمكانياته في استغلال الإمكانات الشرعية لأغراض الدعاية والتحريض في الصحافة والمجالس البلدية والمجلس الكولونيالي.

أما في سجون العدو، فقد كانت كوادر الحزب وأعضاؤه المعتقلون ينظمون، ويقودون بصورة دائمة نضالات من أجل تحسين المعيشة في السجن وضد المذابح والإرهاب، وكانوا يحولون سجون الاستعماريين إلى مدارس للثورة، ويستخلصون العبر من النضالات الماضية لإيصالها إلى منظمات الحزب القاعدية في الخارج، وقد لعبت الأحزاب الشيوعية السوفياتية والصينية والفرنسية دورا كبيرا في مساعدة الحزب الشيوعي الفيتنامي خلال سنوات القمع هاته.

منذ 1930، بدأت الحركة الثورية تتقوى تدريجيا، وعرفت سنة 1934 إقامة قيادة الحزب في الخارج مع تكليفها بمهمة توحيد القواعد، التي أعيد تشكيلها في البلاد، كما تم إعداد وتحسين الكوادر القيادية، والعمل على إعداد المؤتمر الأول للحزب، وسينعقد هذا المؤتمر في ماكاو (الصين) في مارس 1935. وستتيح نشاطات قيادة الحزب وأعمال المؤتمر إمكانية توحيد منظمات الحزب في البلاد تحت قيادة اللجنة المركزية.

في سياق هذه الفترة، بدأت الحركة الثورية تسترجع أنفاسها، وتتحول من جديد إلى تيار عارم.

لقد أثبتت دروس الحركة الشيوعية في الفيتنام خلال هذه الفترة أن الحزب الثوري يستطيع الاستمرار بالرغم من الإرهاب القمعي الوحشي الممارس عليه من قبل المستعمرين، مثله كمثل سفينة في بحر تتلاطم فيه الأمواج و تهب عليه العواصف، تقاوم و تصمد و تشق طريقها إلى شاطئ الأمان، إن مثل هذا الحزب هو وحده القادر في ظروف القمع الوحشي على إعادة تنظيم كوادره و تنظيماته و الحفاظ على علاقاته مع الجماهير و إصدار أدبياته، و كذلك قيادة نضالات العمال و الفلاحين، و بذلك استحق الحزب الشيوعي الفيتنامي أن يكون القوة التنظيمية و السياسية و الكفاحية الوحيدة للثورة الفيتنامية.

3 – الحزب الشيوعي الفيتنامي في ظل الحملة من أجل بناء الجبهة الديموقراطية الهند - الصينية (1936 – 1939)

تطور نضال الحزب الشيوعي الفيتنامي في هذه الفترة في ظل سياق دولي وأممي تميز بما يلي:

- تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية في إبان سنوات 1929- 1933 على الأوضاع الاجتماعية في المراكز الرأسمالية، خاصة أوروبا الغربية، مما هيأ عوامل نهوض الحركة الثورية من جديد، مما جعل بعض البورجوازيات الغربية تلغي الحريات الديموقراطية وتختار طريق الدكتاتورية الفاشية، وقد تدعم المد الفاشي في كل من ألمانيا وإيطاليا واليابان، فاستولى على الحكم في هذه البلدان وأصبح يهدد العالم بحرب شرسة بغية تقسيم جديد للعالم وإبادة الاتحاد السوفياتي قلعة الثورة العالمية.

- لمواجهة هذا التطور الجديد، انعقد المؤتمر السابع للأممية في يوليوز 1935 ، وصادق على قرارات جديدة تهم مهام الحركة الشيوعية العالمية، معتبرا أن المهمة المباشرة للشيوعيين و الطبقة العاملة لا تقوم مباشرة في الإطاحة بالرأسمالية وإقامة الاشتراكية، بل في النضال ضد الفاشية ومن أجل الديموقراطية والسلم، ومن أجل هذا، أصبح لازما على الأحزاب الشيوعية أن تعمل على توحيد القوى العمالية، وتأسيس جبهة شعبية واسعة  في كل بلد تضم الأحزاب و الجماعات الوطنية والديموقراطية من أجل تحقيق وحدة جبهة العمل ضد الفاشية، العدو الرئيسي والمباشر.

- في ماي 1936، عرفت فرنسا انتخابات عامة أدت إلى انتصار الجبهة الشعبية، التي كان الحزب الشيوعي يشكل هيكلها الأساسي، فتولت الحكم من 1936 إلى 1939، مما كان له أثر مباشر على الأوضاع السياسية في المستعمرات الفرنسية، ومن بينها الفيتنام والهند الصينية. وفي الفيتنام حيث آثار الأزمة الاقتصادية وسياسة القمع التي كان يمارسها الاستعماريون الفرنسيون قد دفعت جميع فئات السكان، بمن فيها البورجوازية الوطنية والشخصيات الديموقراطية إلى تبني مطلب تحقيق تغييرات ذات طابع ديموقراطي. وتجسيدا لقرار المؤتمر السابع للأممية الشيوعية، حددت الدورة العامة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الفيتنامي المنعقد في صيف 1936 مهمة الثورة الهند الصينية في هذه الفترة، وكانت هذه المهمة تتمثل في أخذ موقع ضمن الجبهة العالمية للديموقراطية والسلم، وللنضال ضد الفاشية والحرب العدوانية الفاشية.

ضمن هذا التصور، قرر الحزب الشيوعي الفيتنامي ان يسحب مؤقتا شعاري "فلتسقط الامبريالية الفرنسية" و "مصادرة مزارع الأرز و أراضي الملاكين العقاريين لتوزيعها على المزارعين"، كما دعا الحزب إل تكوين جبهة وطنية هند- صينية معادية للإمبريالية تجمع كل القوى الديموقراطية و التقدمية ضد العدو الرئيسي المباشر، و ضد الفاشيين و الرجعيين الاستعماريين الفرنسيين، من أجل النضال ضد العدوان الفاشي، و في سبيل الحريات الديموقراطية، و لتحسين شروط معيشة الشعب و صيانة السلم العالمي، كما حددت اللجنة المركزية الأشكال التنظيمية و طرق النضال، وأكدت على ضرورة استغلال جميع إمكانات الشرعية (العلنية) وشبه الشرعية من أجل تحريك الجماهير و تنظيمها، و دعت اللجنة المركزية كذلك إلى تعزيز و تطوير منظمات الحزب السرية، و الخلاصة، هي الجمع بين النشاطات الشرعية و شبه الشرعية و النشاطات غير الشرعية، بهدف تطوير المنظمات الحزبية و منظمات الجبهة الديموقراطية و تنشيط حركة نضال الجماهير تنشيطا قويا.

ولتحقيق هذه المهمات، كان على الحزب أن يناضل بلا هوادة ضد النزعات الانقسامية، وأن يقوم بتعميق الدراسة المنهجية للماركسية – اللينينية لرفع المستوى الثقافي والسياسي لأعضائه.

ا- النتائج الملموسة لعمل الحزب:

في هذه الفترة كانت حركة الجماهير تعرف نهوضا كبيرا، دشنتها حملة تنظيم الحملة من أجل مؤتمر الهند الصينية، و بدأ الإشراف عل بناء لجان للعمل في كل مكان، واجتماعات للحديث واحتشادات جماهيرية، كل هذا بغية جمع رغبات الشعب ومطالبة الحكومة الفرنسية التي تقودها الجبهة الشعبية بتحقيق الإصلاحات الديموقراطية و تحسين شروط معيشة السكان، و نتيجة ضغط الحركة الجماهيرية في فرنسا و الهند -الصينية أطلق سراح العديد من المعتقلين السياسيين، كما أصبحت كثير من جرائد الحزب والجبهة الديموقراطية الهند -الصينية واتحاد الشبيبة الديموقراطية تصدر بصورة شرعية، و عمل الحزب بجهد لتحقيق وحدة العمل مع الجماعات السياسية البورجوازية الصغيرة والعناصر المثقفة البورجوازية ذات النزعة الديموقراطية.

عرفت فترة منتصف 1936 – منتصف 1939 تطورا هائلا لنضال الجماهير في الهند الصينية، سواء على مستوى الاتساع أو العمق. لقد اندلعت التظاهرات والإضرابات في المدن الكبرى والمناطق الصناعية، خاصة في سايغون وهانوي وهاي فونغ وفينه وبين توي وهو نغاي وكامنة. لقد كان العمال يناضلون من أجل تحسين شروط معيشتهم، وفي سبيل العمل بثماني ساعات، وحرية تنظيم النقابات والجمعيات، وكان العمال اليدويون والذهنيون يؤسسون جمعيات وروابط المؤازرة المتبادلة، كما كان الفلاحون يتظاهرون بالملايين مطالبين بتخفيض الضرائب والرسوم ويحتجون ضد التحصيلات التعسفية والتوزيعات الجائرة للأعباء.

لقد شكلت الحملة لصالح الجبهة الديموقراطية الهند- الصينية 1936 – 1939 مدا ثوريا وطنيا وديموقراطيا واسع النطاق، رغم أن الحزب كان حذرا جدا، ولم يطلق شعارات تعرض بوضوح موقفه حول الاستقلال الوطني. وإبان قيادته للحركة الثورية، تحسن المستوى السياسي للكوادر وأعضاء الحزب ونوعية عملهم، كما زاد تأثير الحزب ونفوذه داخل أوساط الشعب، والأهم هو أن الحزب عرف كيف يستفيد من الوضع السياسي للعمل بصورة شرعية وشبه شرعية ونشر الإيديولوجية الماركسية – اللينينية والتعريف بنهج الحزب والأممية الشيوعية وسياستهما، وقد ساهمت المطبوعات الشرعية وغير الشرعية للحزب والجبهة الديموقراطية إسهاما كبيرا في تعبئة الجماهير الفيتنامية وتربيتها وتنظيمها وقيادتها. لقد حقق الحزب انتصارات كبيرة في النضال من أجل الحريات الديموقراطية وتحسين شروط معيشة الشعب، فكان الحزب يعبئ ويربي ويبني جيشا سياسيا جماهيريا مؤلفا من ملايين الناس في المدن والأرياف، واستفاد من ذلك في تكوين عدد كبير من كوادر الثورة. وقد مثل هذا النهوض الثوري للجبهة الديموقراطية للهند- الصينية مقدمة وتجربة عامة ثانية لثورة غشت.

وفي سياق هذه التجربة الغنية، لم ينج الحزب من ظهور نزعات وانحرافات يسارية ويمينية مثل، بالنسبة لليسارية النزعة التكتلية وضيق العقلية والاستغلال غير الكامل للإمكانات الشرعية وغير الشرعية، وبالنسبة للانحرافات اليمينية، نزعة الاستناد إلى العمل الشرعي فقط والانتشاء بالنجاحات الجزئية، مع إهمال تعزيز منظمات الحزب السرية أوكدا الاهتمام المفرط لكسب البورجوازية والملاكين العقاريين، وإهمال تعزيز وتطوير القوى الثورية العمالية والفلاحية، واستصغار تحالف العمال والفلاحين.

علي محمود