Ok
En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.
Aller au contenu
Le Centre Marxiste-Léniniste d'Etudes, de Recherches et de Formation
الـشــرارة
من الشرارة يولد اللهيب
الشرارة، الأداة النظرية للمركز الماركسي ــ اللينيني
للدراسات و الأبحاث و التكوين
لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية
من أجل خط ثوري ماركسي ــــ لينيني
مهمَّات الاشتراكيّين الديمقراطيين الرُّوس
ــــ ملخص ــــ
الحلقة الثانية
وهنا يوضع السؤال بشكل طبيعي تماماً:
-أولاً، كيف يجب أن تكون علاقات الطبقة العاملة مع هذه العناصر؟
-وثانياً، ألا يجب على الطبقة العاملة أن تتحالف مع هذه العناصر من أجل القيام بنضال مشترك ضد الحكم المطلق؟
وبما أن جميع الاشتراكيّين – الدِّيموقراطيّين يعترفون بأنه يجب أن تسبق الثَّورة السِّياسيّة في روسيا الثَّورة الاشتراكيّة، أفلا يجدر تأجيل الاشتراكيّة مؤقتاً، بعد التحالف مع جميع عناصر المعارضة السِّياسيّة من أجل النِّضال ضد الحكم المطلق؟ أليس ذلك إلزامياً من أجل تقوية النِّضال ضد الحكم المطلق؟
لنبحث هذين السؤالين:
ففيما يتعلق بعلاقات الطبقة العاملة في كفاحها ضد الحكم المطلق، مع جميع فئات وطبقات المعارضة السِّياسيّة الأخرى في المجتمع، فإن هذه العلاقات إنما تحددها بدقة كاملة المبادئ الأساسيَّة للاشتراكية – الدِّيموقراطيّة، المعروضة في "بيان الحزب الشيوعي" الشهير. إن الاشتراكيّين – الدِّيموقراطيّين يؤيدون طبقات المجتمع التقدمية ضد الطبقات الرجعية، والبرجوازيّة ضد ممثلي الملكية العقارية المميزة والمغلقة، وضد سلك الموظفين، البرجوازيّة الكبيرة ضد الأطماع الرجعية للبرجوازية الصَّغيرة. وهذا التأييد لا يفترض ولا يتطلب أية مساومة مع البرامج والمبادئ غير الاشتراكيّة – الدِّيموقراطيّة: فهو تأييد حليف ضد عدو معين، وإذا كان الاشتراكيّون – الدِّيموقراطيّون يمحضون هذا التأييد، فلكي يعجلوا سقوط العدو المشترك، ولكنهم لا يتوقعون شيئاً لأنفسهم من هؤلاء الحلفاء المؤقتين ولا يتنازلون لهم عن شيء. إن الاشتراكيّين – الدِّيموقراطيّين يؤيدون كل حركة ثورية ضد النظام الاجتماعيّ الحالي، كل قومية مظلومة، كل دين مضطهد، كل فئة اجتماعية مستذلة، وهكذا دواليك، في نضالها من أجل المساواة في الحقوق.
إن تأييد جميع عناصر المعارضة السِّياسيّة إنما يجب أن ينعكس في دعاية الاشتراكيّين – الدِّيموقراطيّين على النحو التالي:
إن الاشتراكيّين – الدِّيموقراطيّين، إذ يبرهنون على عداء الحكم المطلق لقضية العمال، سيبينون في الوقت نفسه أن الحكم المطلق يعادي هذه أو تلك من الفئات الاجتماعيّة الأخرى، وسيبينون تضامن الطبقة العاملة مع هذه الفئات في هذه المسائل أو تلك، من أجل هذه المهمات أو تلك، ..إلخ..
أما في حقل التَّحريض:
فإن هذا التأييد سيتجسد في أن الاشتراكيّين – الدِّيموقراطيّين سيستغلون جميع ظاهرات نير الحكم المطلق البوليسي لكي يبينوا للعمال أن هذا النير ينيخ بكلكله على جميع المواطنين بوجه عام، وبوجه خاص على ممثلي الفئات الاجتماعيّة، والقوميات، والأديان والطوائف.. إلخ، التي تعاني من الاضطهاد أشده، ولكي يبينوا للعمال كيف أن هذا النير ينيخ بكلكله على الطبقة العاملة بوجه أخص. وأخيراً، يتجسد هذا التأييد عملياً في كون الاشتراكيّين – الدِّيموقراطيّين الرُّوس مستعدين للتحالف مع الثَّوريّين على اختلاف اتجاهاتهم، بغية تحقيق هذه الأهداف الجزئية أو تلك، وهذا الاستعداد إنما أعطي عنه البرهان عملياً أكثر من مرة.
وهكذا نصل إلى السؤال الثاني:
إن الاشتراكيّين الدِّيموقراطيّين، إذ يبينون تضامن هذه الفئات المعارضة أو تلك مع العمال، سيضعون دائماً العمال على حدة، وسيجهدون دائماً لتفسير طابع هذا التضامن، المؤقت والمشروط، وسيشيرون على الدوام إلى أن البروليتاريا طبقة على حدة، قد تتكشف غداً عن خصم لحلفائها اليوم.
سيقال لنا: إن مثل هذه الإشارة ستضعف الحرية السِّياسيّة، في الوقت الحاضر. وسنجيب: إن هذه الإشارة ستقوي جميع المكافحين من أجل الحرية السِّياسيّة. فالأقوياء هم وحدهم أولئك المكافحون الذين يعتمدون إلى ما لطبقات معينة من مصالح فعلية مفهومة فهماً جيداً، وكل تمويه لهذه المصالح الطَّبقيّة، التي تضطلع منذ الآن بدور أولي في المجتمع المعاصر، لن يفعل غير أن يضعف المكافحين، هذا أولاً.
- ثانياً، في النِّضال ضد الحكم المطلق، يجب على الطبقة العاملة أن تضع نفسها على حدة، لأنها وحدها إلى النهاية العدو المنسجم والمطلق للحكم المطلق، وبينها وحدها والحكم المطلق، تستحيل المساومات، وفي الطبقة العاملة وحدها يمكن للديموقراطية أن تجد نصيراً مطلقاً، لن يظهر عليه التردد، ولن يتطلع إلى الوراء.
-إن العداء للحكم المطلق في جميع الطبقات الأخرى، في جميع الفئات والكتل الأخرى من السكان، ليس مطلقاً، وديموقراطيتها تتطلع دائماً إلى الوراء. وليس في مستطاع البرجوازيّة أن لا تدرك أن الحكم المطلق يعيق التَّطوُّر الصناعي والاجتماعيّ، ولكنها تخشى إشاعة الدِّيموقراطيّة بصورة تامة في النظام السِّياسيّ والاجتماعيّ، وفي إمكانها دائماً أن تتحالف مع الحكم المطلق ضد البروليتاريا. أما البرجوازيّة الصَّغيرة، فطبيعتها مزدوجة: فهي تشعر من جهة بالميل إلى البروليتاريا والدِّيموقراطيّة كما تشعر من جهة أخرى بالميل إلى الطبقات الرجعية، فتسعى إلى إعاقة سير التاريخ، وفي وسعها أن تؤخذ وتخدع بتجارب الحكم المطلق، وفي وسعها أن تتحالف مع الطبقات الحاكمة ضد البروليتاريا، لمجرد أن توطد وضعها بوصفها مالكاً صغيراً. إن الناس المتعلمين، أو "الأنتليجنتسيا" بوجه عام، لا يمكنها أن لا تنتفض ضد الاضطهاد البوليسي الوحشي الذي يسلطه الحكم المطلق الذي يطارد الفكر والمعرفة، ولكن مصالح هذه الأنتليجنتسيا المادية تربطها بالحكم المطلق، بالبرجوازيّة وتجبرها على أن لا تكون منسجمة، على إجراء مساومات، على بيع حميتها الثَّوريّة وحمية معارضتها لقاء الرواتب التي تدفعها لها الدولة، أو لقاء حصة من الأرباح أو القسائم.
أما فيما يتعلق بالعناصر الدِّيموقراطيّة التي تنتسب إلى القوميات المظلومة أو التي تعتنق ديناً مضطهداً، فإن كل امرئ يعرف ويرى أن التناحرات الطَّبقيّة في قلب هذه الفئات من السكان أقوى وأعمق بكثير من تضامن جميع طبقات الفئة المعنية ضد الحكم المطلق وفي سبيل المؤسسات الدِّيموقراطيّة. ولكن البروليتاريا وحدها تستطيع أن تكون – وبحكم وضعها الطَّبقيّ لا تستطيع أن لا تكون – ديموقراطية منسجمة إلى النهاية، عدواً حازماً للحكم المطلق، عاجزة عن أي تنازل، عن أي مساومة. إن البروليتاريا وحدها تستطيع أن تكون مكافحاً طليعياً في سبيل الحرية السِّياسيّة والمؤسسات الدِّيموقراطيّة؛ أولاً، لأن على البروليتاريا يمارس الاضطهاد السِّياسيّ بأعنف أشكاله، ولا يجد أي تخفيف له في وضع هذه الطبقة، فأبواب السُّلطة العليا موصدة في وجهها، وحتى أبواب سلك الموظفين، وليس في إمكانها التأثير في الرأي العام. ثانياً، إن البروليتاريا وحدها قادرة على أن تدفع إلى النهاية إشاعة الدِّيموقراطيّة في النظام السِّياسيّ والاجتماعيّ، إذ إن مثل هذه الإشاعة من شأنها أن تضع هذا النظام في أيدي العمال.
ولهذا السبب، كان دمج نشاط الطبقة العاملة الدِّيموقراطيّ مع ديموقراطية الطبقات والفئات الأخرى، من شأنه أن يضعف من قوة الحركة الدِّيموقراطيّة، أن يضعف النِّضال السِّياسيّ، ويجعله أقل حزماً، وأقل انسجاماً وأوفر قدرة على المساومة. أما وضع الطبقة العاملة على حدة، بوصفها مكافحاً طليعياً في سبيل المؤسسات الدِّيموقراطيّة، فهو، على العكس، يقوي الحركة الدِّيموقراطيّة، يقوي النِّضال في سبيل الحرية السِّياسيّة، لأن الطبقة العاملة ستحفز جميع العناصر الدِّيموقراطيّة وعناصر المعارضة السِّياسيّة الأخرى، وتدفع اللِّيبراليّين نحو الراديكاليّين السِّياسيّين، وتدفع الراديكاليّين إلى القطيعة الحاسمة مع كل النظام السِّياسيّ والاجتماعيّ في المجتمع الحالي.
ونوضح فكرتنا بمثال، لنأخذ هذه المؤسسة التي هي سلك الموظفين أو الدواوينية (البيروقراطية)، بوصفها فئة خاصة من أفراد مختصين في الإدارة وموضوعين في وضع مميز بالنسبة إلى الشعب.
لأن الدواوينية هذه تحتفظ بكثرة من الامتيازات، وهي في غالب الأحيان سيدة الشعب لا خادمته. فأكثر فئات البرجوازيّة تقدماً تدافع عن بعض امتيازات سلك الموظفين، وتعارض انتخاب جميع الموظفين، وإلغاء تقييد الحق الانتخابي إلغاء تاماً، وجعل الموظفين مسؤولين مباشرة أمام الشعب، إلخ.. إذ أن هذه الفئات تدرك أن البروليتاريا ستستخدم هذه الإشاعة للديموقراطية إلى النهاية ضد البرجوازيّة. فضد سلك الموظفين الرُّوسي الكلي الجبروت، غير المسؤول، المباع، الوحشي، الجاهل، الطفيلي، تهب فئات عديدة جداً من الشعب الرُّوسي ومن أكثرها تنوعاً وتبايناً. ولكنه لا توجد، عدا البروليتاريا، فئة واحدة من هذه الفئات تقبل بإشاعة الدِّيموقراطيّة إشاعة كلية في سلك الموظفين، لأن لجميع الفئات الأخرى (البرجوازيّة، والبرجوازيّة الصَّغيرة، و"الأنتليجنتسيا" بوجه عام) روابط مع الموظفين، لأن جميع هذه الفئات تنتسب إلى سلك الموظفين الرُّوسي. فهل هناك من يجهلون بأية سهولة يجري في روسيا المقدسة تحويل المثقف الراديكاليّ، المثقف الاشتراكيّ، إلى موظف الحكومة الإمبراطورية -موظف يتعزى بفكرة أنه "مفيد" في حدود الرتابة الدواوينية – موظف يبرر بهذه "الفائدة" لامبالاته السِّياسيّة، واستجداءه أمام حكومة السوط والهراوة؟ البروليتاريا، وحدها، معادية للحكم المطلق والدواوينية الرُّوسية عداء مستحكماً، البروليتاريا ،وحدها لا رابطة لها مع هذه الأجهزة لمجتمع النبلاء والبرجوازيّة، البروليتاريا وحدها قادرة على الحقد عليها حقداً لا هوادة فيه ومحاربتها بحزم وتصميم.
وحين نبرهن على أن البروليتاريا، التي تخوض نضالها الطَّبقيّ بقيادة الاشتراكيّة – الدِّيموقراطيّة، هي المكافح الطليعي في الدِّيموقراطيّة الرُّوسية، فإننا نصطدم برأي في أقصى الانتشار والغرابة، رأي يزعم أن الاشتراكيّة – الدِّيموقراطيّة الرُّوسية تنبذ المهام السِّياسيّة والنِّضال السِّياسيّ إلى المؤخرة.
للإجابة على ذلك، يخيل لنا أنه ينبغي البحث عن تفسير هذا الواقع المدهش في الظُّروف الثلاثة التالية:
* أولاً، في الانعدام العام لفهم مبادئ الاشتراكيّة – الدِّيموقراطيّة عند ممثلي النظريات الثَّوريّة القديمة، ممن اعتادوا بناء البرامج وخطط النَّشاط على أفكار مجردة، بدلاً من حسبان الحساب للطبقات الفعلية التي تعمل في البلاد والتي وضعها التاريخ في هذه العلاقات أو تلك. وعن انعدام هذه الدراسة الواقعية للمصالح التي تساند الدِّيموقراطيّة الرُّوسية.
* ثانياً، في عدم فهم أن جمع القضايا الاقتصاديّة والسِّياسيّة، جمع النَّشاط الاشتراكيّ والدِّيموقراطيّ في كل واحد، في نضال طبقي واحد تخوضه البروليتاريا، لا يضعف، بل يعزز الحركة الدِّيموقراطيّة ويقوي النِّضال السِّياسيّ ويقربه من المصالح الفعلية للجماهير الشعبية، ومن أعماق "مكاتب الأنتيليجنتسيا الضيقة"، تخرج القضايا السِّياسيّة إلى الشارع، إلى بيئة العمال والطبقات الكادحة، واضعة محل الأفكار المجردة عن الاضطهاد السِّياسيّ ظاهرات هذه الاضطهاد الفعلية التي أشد ما تعاني منها البروليتاريا، والتي على أساسها تقوم الاشتراكيّة – الدِّيموقراطيّة في عملها التَّحريضي.
* ثالثاً، إن سوء الفهم ينجم عن أن لمفهوم "النِّضال السِّياسيّ" نفسه معنى يختلف بالنسبة لنصير "نارودنايا فوليا" ونصير "نارودنويه برافو" من جهة، وبالنسبة للاشتراكي – الدِّيموقراطيّ من جهة أخرى. إن الاشتراكيّين الدِّيموقراطيّين يفهمون النِّضال السِّياسيّ على نحو آخر، إنهم يفهمونه على نحو أوسع بكثير مما يفهمه ممثلو النظريات الثَّوريّة القديمة. ولنا مثال أخاذ عن ذلك، مثلا إن مفهوم النِّضال السِّياسيّ ومفهوم التآمر السِّياسيّ هما بالنسبة للنارودوفوليا شيء واحد! إن تقاليد البلانكية، تقاليد روح التآمر، قوية جداً عند أنصار "نارودنايا فوليا"، قوية إلى حدِّ أنهم لا يستطيعون أن يتصوروا النِّضال السِّياسيّ إلا بشكل تآمر سياسي. والحال لا يمكن اتهام الاشتراكيّين – الدِّيموقراطيّين بمثل هذا الضيق في التفكير، فهم لا يؤمنون بالمؤامرات، بل يعتقدون أن عهد المؤامرات قد ولى منذ زمن بعيد، وإن حصر النِّضال السِّياسيّ في التآمر إنما يعني المغالاة في تقليصه من جهة، ومن جهة أخرى، اختيار أقل أساليب النِّضال حظاً بالتوفيق. وإن الاشتراكيّين – الدِّيموقراطيّين الرُّوس لم ينسوا قط في الواقع أوضاعنا السِّياسيّة، ولم يحلموا قط بإمكان إنشاء حزب عمالي في روسيا بصورة علنية، مكشوفة، ولم يفصلوا قط مهمة النِّضال في سبيل الاشتراكيّة عن مهمة النِّضال في سبيل الحرية السِّياسيّة. وقد اعتقدوا دائماً، ولا يزالون يعتقدون، أن هذا النِّضال إنما ينبغي أن لا يقوم به متآمرون، بل حزب ثوري يعتمد على الحركة العُمَّاليَّة. وهم يعتقدون أنه ينبغي أن لا ينحصر النِّضال ضد الحكم المطلق في تحضير المؤامرات، بل في تثقيف البروليتاريا وتنظيمها وتعويدها الطاعة، في التَّحريض السِّياسيّ بين العمال، بغية التنديد بكل ظاهرة من ظاهرات الحكم المطلق والتشهير بكل فرسان الحكومة البوليسية وإكراه هذه الحكومة على إجراء التنازلات. أليس هذا بالضبط نشاط "اتحاد النِّضال من أجل تحرير الطبقة العاملة في سانت بطرسبورغ"؟ أليست هذه المنظمة، بالضبط، جنيناً للحزب الثَّوريّ الذي يعتمد على الحركة العُمَّاليَّة ويقود نضال البروليتاريا الطَّبقيّ، ويقود النِّضال ضد الرأسمال وضد الحكومة المطلقة دون أن ينظم أي مؤامرة من المؤامرات، ويستمد قواه بالضبط من توحيد النِّضال الاشتراكيّ والدِّيموقراطيّ في نضال طبقي واحد لا يتجزأ تخوضه بروليتاريا بطرسبورغ؟ أولم يثبت نشاط "الاتحاد"، رغم قصره، أن البروليتاريا السائرة بقيادة الاشتراكيّة – الدِّيموقراطيّة تشكل قوة سياسية كبرى، لا بد للحكومة أن تحسب لها الحساب منذ الآن، وتسرع في إجراء التنازلات لها؟
يبقى لنا أن نقول بضع كلمات عن أعضاء "نارودنويه برافو". إن لافروف على تمام الحق، حسب رأينا، حين يقول إن الاشتراكيّين – الدِّيموقراطيّين يوصون بأعضاء "نارودنويه برافو" على اعتبار أنهم أناس أكثر صراحة، وهم مستعدون لتأييدهم، دون أن يندمجوا معهم، إنما ينبغي أن نضيف فقط: على اعتبار أن أعضاء "نارودنويه برافو" ديموقراطيون أكثر صراحة، وبقدر ما يتكشفون عن ديموقراطيين منسجمين. ولكن هذا الشرط، مع الأسف، هو بالأحرى، أمنية المستقبل أكثر منه واقع الحاضر. لقد أعرب أعضاء "نارودنويه برافو"عن الرغبة في تخليص المهمات الدِّيموقراطيّة من الشعبوية، وكذلك تخليصها بوجه عام من كل صلة مع الأشكال القديمة "للاشتراكية الرُّوسية"، ولكنه تبين أنهم أنفسهم كانوا أبعد من أن يكونوا قد تحرروا من الأوهام القديمة، وأبعد من أن يكونوا منسجمين، حين أسموا حزبهم، حزب التحويلات السِّياسيّ الصرف، - الحزب "الاجتماعيّ الثَّوريّ" (راجع بيانـهم في 19 شباط/ فبراير 1894)، وحين أعلنوا في "بيانـهم أن "فكرة تنظيم الإنتاج الشعبي تدخل في مفهوم حق الشعب" (ونحن مكرهون هنا على الاستشهاد عن ظهر قلب)، فمرقوا هكذا خلسة نفس أوهام الشعبية. ولهذا، ربما لم يكن لافروف على تمام الخطأ حين نعتهم بأنهم "ساسة مساخر". ولكن ربما يكون من الأصح اعتبار النارودوبرافية مذهباً انتقالياً، لا يمكن الامتناع عن الإشادة بمأثرته إذ خجل من أصالة المذاهب الشعبوية وخاض علناً وجهاراً غمار الجدال والمناظرة ضد أشد أعضاء الشعبوية إغراقاً في الرجعية، أولئك الذين يسمحون لأنفسهم بالقول، إزاء الحكم المطلق البوليسي والطَّبقيّ، بأن التحويلات الاقتصاديّة لا السِّياسيّة هي المرغوب فيها (راجع "المسألة الملحة"، إصدار حزب "نارودنويه برافو"). فإذا كان حزب "نارودنويه برافو" لا يضم فعلاً غير أناس كانوا سابقاً اشتراكيين ويخفون رايتهم الاشتراكيّة لاعتبارات تكتيكية، ولا يفعلون غير أن يتقنعوا بقناع يظهرون فيه أنهم سياسيون غير اشتراكيين (كما يفترض لافروف)، فليس لهذا الحزب إذ ذاك، طبعاً، أي مستقبل. ولكن إذا كان هذا الحزب يضم أيضاً رجالاً سياسيين حقيقيين غير اشتراكيين، ديموقراطيين غير اشتراكيين، لا يتسمون بأية من سمات ساسة المساخر، حينذاك يمكن أن يكون هذا الحزب جزيل الفائدة، إذا ما سعى إلى التقرب من عناصر المعارضة السِّياسيّة في برجوازيتنا، إلى إيقاظ الوعي السِّياسيّ الطَّبقيّ عند برجوازيتنا الصَّغيرة، صغار التجار، صغار الحرفيين، إلخ..، عند هذه الطبقة التي لعبت دورها في الحركة الدِّيموقراطيّة في كل مكان من أوروبا الغربية، وخطت عندنا في روسيا خطوات سريعة جداً إلى الأمام في الميدان الثَّقافيّ وغيره من الميادين في الحقبة التي عقبت الإصلاح، والتي لا يمكنها أن لا تشعر بنير الحكومة البوليسية، مع ما تسديه من تأييد وقح لكبار الصناعيين، وكبار الطواغيت(احتكاريي المال والصناعة). ولهذا الغرض، ينبغي فقط أن يأخذ أعضاء "نارودنويه برافو" على عاتقهم مهمة قوامها بالضبط التقرب من مختلف فئات السكان، بدلاً من الاقتصار دائماً على "الأنتيليجنتسيا" نفسها التي تعترف "المسألة الملحة" أيضاً بعجزها لانفصالها عن مصالح الجماهير الفعلية. ولهذا الغرض، ينبغي أن يتخلى النارودوبرافيون عن جميع ادعاءاتهم الرامية إلى دمج عناصر المجتمع المتباينة واستبعاد الاشتراكيّة عن ميدان المهمات السِّياسيّة، أن يتخلوا عن الخجل الكاذب الذي يعيق التقارب مع الفئات البرجوازيّة من الأمة، أي أن لا يكتفوا بالحديث عن برنامج الرجال السِّياسيّين غير الاشتراكيّين، بل أن يعملوا أيضاً وفقاً لهذا البرنامج، بإيقاظ وتطوير الوعي الطَّبقيّ عند تلك الفئات والطبقات الاجتماعيّة التي لا تحتاج إطلاقاً إلى الاشتراكيّة، ولكنها تشعر أكثر فأكثر بثقل نير الحكم المطلق وضرورة الحرية السِّياسيّة.
إن الاشتراكيّة – الدِّيموقراطيّة الرُّوسية لا تزال فتية جداً. فقد خرجت للتو من هذه الحالة الجنينية التي كانت فيها القضايا النظرية تحتل مكاناً أولياً. وبدأت للتو في تطوير نشاطها العمليّ. وعلى ثوريي الفئات الأخرى، بحكم الأمور، أن ينتقدوا نشاط الاشتراكيّين – الدِّيموقراطيّين الرُّوس العمليّ، بدلاً من أن ينتقدوا النظريات والبرامج الاشتراكيّة – الدِّيموقراطيّة.
إن مجالاً رحباً للعمل، يكاد أن يكون بكراً، ينفتح أمام الاشتراكيّة – الدِّيموقراطيّة الرُّوسية. فإن يقظة الطبقة العاملة الرُّوسية، واندفاعها العفوي إلى المعرفة، إلى الاتحاد، إلى الاشتراكيّة، إلى النِّضال ضد مستثمريها ومضطهديها، يتجليان يوماً بعد يوم بمزيد من السطوع والسعة. والخطوات الهائلة التي خطتها الرأسماليّة الرُّوسية إلى الأمام في الآونة الأخيرة، تعطي الضمانة على أن الحركة العُمَّاليَّة ستنمو بلا انقطاع سعة وعمقاً. وفي الظرف الراهن، نجتاز، على ما يبدو، مرحلة من الدَّورة الرأسماليّة "تزدهر" فيها الصناعة، وتنشط فيها التجارة بالغ النَّشاط، وتعمل فيها المصانع بكل طاقتها، وتنبت فيها، كالفطر بعد المطر، كثرة من المصانع الجديدة، والمؤسسات الجديدة، والشركات المساهمة، والسكك الحديدية، إلخ..، إلخ..، ولا حاجة أن يكون المرء نبياً لكي يتنبأ بالإفلاس المحتم (الشديد إلى هذا الحد أو ذاك) الذي لا بدّ أن يعقب هذا "الازدهار" في الصناعة. إن هذا الإفلاس سيشيع الخراب بين سواد أرباب العمل الصغار، ويقذف بجماهير من العمال إلى صفوف العاطلين عن العمل، ويضع، على هذا النحو، أمام جميع الجماهير العُمَّاليَّة، وبشكل حاد، قضايا الاشتراكيّة والدِّيموقراطيّة، التي توضع منذ زمن بعيد أمام كل عامل واع ومفكر. فعلى الاشتراكيّين – الدِّيموقراطيّين الرُّوس أن يحرصوا على أن يجد هذا الإفلاس البروليتاريا الرُّوسية أوفر وعياً، وأوفى اتحاداً، متفهمة لمهمات الطبقة العاملة الرُّوسية، قادرة على الرد على طبقة الرأسماليّين الذين يجنون في أيامنا أرباحاً فاحشة ويسعون دائماً إلى تحميل العمال خسائرهم، قادرة على السير في طليعة الدِّيموقراطيّة الرُّوسية وشن نضال حاسم ضد الحكم المطلق البوليسي، الذي يكبل أيادي وأقدام العمال الرُّوس والشعب الرُّوسي بأسره.
وهكذا إذن، إلى العمل، أيها الرفاق! ولا نضيعنّ وقتاً ثميناً! فعلى الاشتراكيّين – الدِّيموقراطيّين الرُّوس أن يبذلوا جهداً هائلاً لتلبية حاجات البروليتاريا التي تستيقظ، لتنظيم الحركة العُمَّاليَّة، لتعزيز الجماعات الثَّوريّة وصلاتها المتبادلة، لتزويد العمال بأدب الدعاية والتَّحريض، لحشد الحلقات العُمَّاليَّة والفرق الاشتراكيّة – الدِّيموقراطيّة، المبعثرة في جميع أنحاء روسيا، في حزب عمالي اشتراكي – ديموقراطي واحد!
إلى العمال والاشتراكيّين في بطرسبورغ
من "اتحاد النِّضال"
ثوريو بطرسبورغ يعيشون مرحلة شديدة الوطأة. فكأنّ الحكومة قد جمعت جميع قواها لكي تحطم الحركة العُمَّاليَّة التي ولدت منذ وقت غير بعيد وتجلت ببالغ القوة. وقد ارتدت الاعتقالات مقاييس فائقة العادة، والسجون تغص بالمسجونين. يقبضون على المثقفين والرجال والنساء، يقبضون على العمال وينفونهم بالجملة. ويكاد لا يمضي يوم دون أن يحمل الأنباء عن ضحايا جديدة وجديدة للحكومة البوليسية المنفلتة بكل كَلَب وضراوة على أعدائها. وقد وضعت الحكومة نصب عينيها أن تمنع التيار الجديد في الحركة الثَّوريّة الرُّوسية من أن يستعيد قواه ويقف على قدميه. بل إن المدعين العامين ورجال الدرك يتباهون منذ حين أنهم توفقوا وحطموا "اتحاد النِّضال".
هذا التباهي كذب بكذب. فإن "اتحاد النِّضال" سليم رغم جميع ا لملاحقات. ونحن نلاحظ بملء الارتياح، أن الاعتقالات بالجملة تؤدي خدمة جلى، وأنها أداة جبارة للتحريض في أوساط العمال وفي أوساط المثقفين الاشتراكيّين، وأنه مقام الثَّوريّين الذين استشهدوا يقوم ثوريون جدد مستعدون للانخراط بقوى طرية في صفوف المناضلين من أجل البروليتاريا الرُّوسية ومن أجل الشعب الرُّوسي كله. وبلا ضحايا، لا يمكن أن يكون ثمة نضال، وعلى اضطهاد الباش بزوقات القيصريين الوحشي، نرد نحن بهدوء: لقد استشهد الثَّوريّون ، عاشت الثَّورة!
إن تشديد الملاحقات لم يستطع أن يؤول حتى الآن إلا إلى ضعف مؤقت في بعض وظائف "اتحاد النِّضال"، إلى نقص مؤقت إلى العملاء والمحرضين. وهذا النقص بالضبط هو ما يشعر به الآن وما يجبرنا على توجيه نداء إلى جميع العمال الواعين وإلى جميع المثقفين، ممن يرغبون في بذل قواهم في خدمة قضية الثَّورة. إن "اتحاد النِّضال" لفي حاجة إلى العملاء. فلتبلغ جميع الحلقات وجميع الأفراد ممن ترغب ويرغبون في العمل في أي مجال من مجالات النَّشاط الثَّوريّ حتى، ولو كان أضيق مجال، ليبلغوا عن ذلك من لهم صلة مع "اتحاد النِّضال". (وإذا لم تستطع فرقة ما أن تجد أمثال هؤلاء الأفراد – وهذا أمر قليل الاحتمال جداً – ففي وسعها أن تبلغ بواسطة "اتحاد الاشتراكيّين الدِّيموقراطيّين الرُّوس" في الخارج). ينبغي عاملون بشتى أنواع العمل. وكلما تخصص الثَّوريّون بمزيد من الصرامة في بعض وظائف النَّشاط الثَّوريّ، وكلما أمعنوا الفكر بمزيد من الصرامة في الأساليب السرية وفي ستر أعمالهم، وكلما انحصروا بمزيد من التفاني ونكران الذات في عمل صغير، جزئي، غير منظور، كلما كان العمل كله أكثر وثوقاً، واكتشاف الثَّوريّين من قبل رجال الدرك والجواسيس أشد صعوبة. وقد لفت الحكومة مسبقاً بشبكة عملائها، لا البؤر الحالية من العناصر المعادية للحكومة وحسب، بل أيضاً البؤر الممكنة، المحتملة. وبلا وهن تطور الحكومة، سعة وعمقاً، نشاط خدامها الذين يلاحقون الثَّوريّين، وتخترع طرائق جديدة، وتجند استفزازيين جدداً، وتحاول أن تضغط على المعتقلين بالتخويف وتقديم البراهين الكاذبة والتواقيع المزورة ودسّ الأوراق المكتوبة المزيفة، وغيرها من الوسائل المماثلة. فبدون تعزيز وتطوير الطاعة الثَّوريّة، وبدون التنظيم والسرية، يستحيل النِّضال ضد الحكومة. والسرية تتطلب، أول ما تتطلب، تخصص بعض الحلقات والأفراد في وظائف معينة من العمل وتفويض الدَّور الأوحد إلى النواة المركزية "لاتحاد النِّضال" التي هي أقل نواة شأناً من حيث عدد الأعضاء.
إن وظائف العمل الثَّوريّ المنفردة متنوعة إلى ما لا حد له:
ينبغي محرضون علنيون يعرفون كيف يتكلمون بين العمال بحيث يستحيل إحالتهم إلى المحاكمة لهذا السبب، يعرفون كيف يتكلمون عن أ فقط، ويعطون الآخرين الكلام عن ب و ج. ينبغي موزعون للمطبوعات والمناشير. ينبغي منظمون لحلقات وفرق العمال. ينبغي مراسلون من جميع المصانع والمعامل يوصلون المعلومات والأخبار عن جميع الأحداث. ينبغي أناس يراقبون الجواسيس والاستفزازيين. ينبغي مدبرون للشقق السرية. ينبغي أناس لنقل المطبوعات، لنقل التكليفات، لإقامة الصلة من كل شكل وطراز. ينبغي جامعون للأموال. ينبغي عملاء في أوساط المثقفين والموظفين ممن هم على تماس بالعمال، بحياة المعامل والمصانع، بالإدارة (بالبوليس، بتفتيش المعامل ..إلخ). ينبغي أناس للاتصال مع مختلف مدن روسيا وغيرها من البلدان. ينبغي أناس لتدبير مختلف الوسائط من أجل استنساخ شتى المطبوعات بصورة آلية. ينبغي أناس للحفاظ على المطبوعات وغيرها من الأشياء، وهكذا دواليك وهلم جرا. وكلما كان العمل الذي يأخذه على عاتقه فرد بعينه أو فرقة بعينها تفصيلياً، صغيراً، كلما توافر له مزيد من الحظ للقيام بعمله بعد إمعان في الفكر ولتأمين مزيد من الضمانات له دون الإخفاق، لبحث جميع التفاصيل السرية، ولتطبيق جميع الأساليب الممكنة للإفلات من مراقبة رجال الدرك، ولتضليلهم، كلما كان نجاح القضية أوثق، وكلما صعب على رجال البوليس ورجال الدرك تتبع الثَّوريّ وصلته مع المنظمة، وكلما سهل على الحزب الثَّوريّ أن يستعيض عن العملاء والأعضاء الذين هلكوا، بغيرهم، دون الإضرار بالقضية كلها. ونحن نعرف أن هذا التخصيص أمر صعب جداً، صعب لأنه يتطلب من المرء أكبر ما يكون من رباطة الجأش وأكبر ما يكون من التفاني، يتطلب بذل جميع القوى على عمل غير منظور، وحيد الشكل، عديم الصلة بالرفاق، ويخضع كل حياة الثَّوريّ لقواعد جافة وصارمة. ولكن بهذه الشروط وحدها لا غير أمكن لجهابذة النَّشاط العمليّ الثَّوريّ في روسيا أن يضعوا موضع التنفيذ أجل المشاريع، صارفين سنوات وسنوات على تهيئة القضية من جميع النواحي، ونحن واثقون عميق الثقة بأن الاشتراكيّين – الدِّيموقراطيّين لن يبدو قدراً من التفاني أقل مما أبداه ثوريو الأجيال السابقة. ونحن نعرف كذلك أن النظام الذي نقترح سيجعل من الصعب جداً على الكثيرين ممن يتحرقون إلى بذل قواهم من أجل العمل الثَّوريّ، احتمال تلك المرحلة التحضيرية التي يجمع فيها "اتحاد النِّضال" المعلومات اللازمة عن الأفراد أو الفرق الذين يعرضون جهودهم، ويمتحن فيها قدرتهم أثناء القيام بتكليفات معينة. ولكن، دون هذا الامتحان المسبق، يستحيل النَّشاط الثَّوريّ في روسيا المعاصرة.
ونحن إذ نعرض على رفاقنا الجدد هذا النظام للنشاط، نعرب عن الرأي الذي قادتنا إليه تجربة طويلة، مقتنعين عميق الاقتناع بأن نجاح العمل الثَّوريّ مضمون أكثر في ظل هذا النظام.
حمو خالد