Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

  • الدولة والثورة (الجزء الأول)ـ

    لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية

    أهمية سلاح النظرية في بناء الحزب البلشفي

    و قيادة الثورة الاشتراكية العظمى في روسيا

    (سلسلة ملخصات ومقالات حول أهمية النصوص اللينينية

    التي ساهمت في بناء الحزب الاشتراكي الديموقراطي العمالي البلشفي الروسي)

    المرحلة الثانية: 1912 -1924

    الدولة والثورة

    "من وجهة النظر البورجوازية المبتذلة، فمفهوما الدكتاتورية و الديموقراطية ينفي احدهما الآخر". لينين

    الجزء الأول

    التاريخ و السياق العام

    خلال غشت 1916، كان لينين في منفاه بسويسرا، و كانت هذه الفترة من مساره الثوري تعرف خصوبة كبيرة من حيث الإنتاج الفكري، و من حيث النشاط العملي- كانت الفترة فترة حرب امبريالية، و كان لينين يحارب الاتجاهات الوطنية الشوفينية داخل الأحزاب الاشتراكية الديموقراطية، المنتمية إلى الأممية الثانية، كما حصل في ندوتي زمروايلد و كينتال- و من حيث النشاط النظري الذي كان كثيفا،أنتج لينين نصوصا ذات أهمية كبيرة،من قبيل "أطروحات حول حق الأمم في تقرير مصيرها"، "الاشتراكية و الحرب"، "إفلاس الأممية الثانية"، "الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية"، و إلى جانب هذا النشاط النظري، زاوج لينين النشاط العمومي و النشاط المكتبي.

    لقد كان لينين، هذا الداعية الثوري الشهير، "فأر مكتبات"، يسود دفترا تلو دفتر، حيث يضع ملاحظاته. و هكذا، فمن علم المنطق إلى الفرضية البيوجينية، و من أفكار نابليون إلى ميتافيزيقا أرسطو، و من الديالكتيك إلى الرأسمال المالي، و كانت الحصيلة:

    1) "دفاتر الامبريالية" (المجلد 39) : 148 عملا، 232 مقالا بأربع لغات، حوالي 1000 صفحة مطبوعة، هناك تحليل ملموس لواقع ملموس، كان لينين يبلور الأدوات العلمية لتغيير العالم بالمعنى الدقيق، في وضع كان فيه العالم تحت قعقعة السلاح، التي كانت تخفي العنف الرأسمالي أو عنف علاقات الإنتاج الرأسمالية، هذا العنف الذي جرف معه الحركة العمالية نفسها، التي أصبحت تعاني من ضبابية و عمى أحسن قادتها. في ظل هذا الصخب العام، فإن إدراك تفكك النظام القديم، و الانتباه إلى الشقوق و مساعدتها لكي تتسع، و ذلك عبر تحويل الحرب الامبريالية إلى حرب مدنية أهلية، و تهييء ظروف مجيء سلطة البروليتاريا، كل هذه الأسئلة كانت تتشابك و تتداخل فيما بينها، و كان مطلوبا التفكير فيها بشمولية.

    2) "دفاتر فلسفية" (مجلد 38)، و قد تراكمت مادتها في نفس الوقت الذي كانت تتراكم فيه مادة الوثائق التهييئية لكتاب "الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية".

    3) لقد أصبح ضروريا أن يصبح الثوريون بالضرورة، قادرين على التحكم في الأسس النظرية لاستراتيجيتهم، و هذا يعني:

    - وضع خط فاصل مع الفوضوية، خاصة فيما يخص أطروحاتها الغامضة حول "القضاء على الدولة"1.

    - مجابهة الانتهازية و أطروحاتها الغامضة حول "استعمال" الدولة.

    - بطريقة أخرى، إزاحة التذبذبات من رأس الاشتراكيين، و على رأسهم البلاشفة فيما يخص دكتاتورية البروليتاريا2.

    ==> و كانت هذه الأهداف هي موضوع "الدفتر الأزرق"، الذي كان لينين يوليه أهمية كبرى لحد الهوس.

    هيئ لينين مادة كتابه هذا، من خلال الوثائق و الملاحظات، التي سطرها، و ذلك في مكتبة زيوريخ، إلى حدود نهاية فبراير – بداية مارس 1917، لكنه توقف لما سمع بخبر ثورة فبراير 1917 بروسيا، فبحث عن طريقة للعودة إلى البلاد، و في عربة القطار المصفحة، كتب "أطروحات نيسان"، التي شكلت الترجمة الأولى في برنامج سياسي ل : "جمهورية مجالس مندوبي العمال و الفلاحين في البلاد كلها من القمة إلى القاعدة" (مجلد 24، ص 13)، وكذلك تفكيره حول الدولة، و حول خصوصية تجربة "كومونة باريس".

    توقف لينين في طريقه إلى روسيا في ستوكولهم، قبل أن يعبر الحدود الروسية، فترك دفتره الأزرق في أيادي أصدقاء أمينين. و إلى حدود صيف 1917، جرفت الأحداث لينين في تطورات متلاحقة، فعند يوم 7 يوليوز، أصدرت الحكومة المؤقتة مذكرة اعتقال في حق لينين، لكن هذا الأخير، الذي انحاز إلى موقف الحزب، رفض أن يغامر في تقديم نفسه أمام المحاكم، و في يوم 11 يوليوز عاد إلى السرية، و اختفى عن الأنظار، و استقر في مكان قريب من بحيرة رازليف في خيمة هيأها إيمليانوف، و كان معه زينوفييف، وقبع لينين في هذه الخيمة لمدة شهر، و كانت فكرة إنهاء كتابه حول الدولة لا تفارقه. و هكذا عن طريق مبعوثين، استطاع لينين أن يربط الاتصال بالخارج، و أن يستعيد دفتره الأزرق، حيث غمرته فرحة عارمة حين توصل به، لكن ما أن انطلق لينين في صياغة كتابه "الدولة و الثورة" حتى توقف عن ذلك.

    كان الوضع الأمني يستدعي مغادرة رازيليف للتوجه إلى مكان آخر أكثر أمانا في فنلندا، هكذا صعد لينين إلى القطار ليقطع، متخفيا، الحدود، و لم ينس ان يضع الدفتر الأزرق لدى شوطمان، و طلب منه ان يحرص عليه مثل بؤبؤ عينيه، و يحكي هذا الأخير قائلا :

    "عندما وصلنا إلى نهاية الطريق من الجهة الأخرى من الحدود، و عندما كنا نحيي أنا و راهيا لينين في أسفل القاطرة، كانت كلمته الأولى هي سؤاله عن حالة الدفتر، هل كان في حالة جيدة، و بعدما استرجعه دسه في صدره".

    هكذا، بعد استقراره في هيلسينغفورس مع دفتره الأزرق، و ذلك عند رسام اسمه روفيو، ابتدأ لينين من جديد في صياغة كتابه "الدولة و الثورة"، و مرة أخرى سيتوقف عن ذلك، و قد كانت ثورة أكتوبر تقترب يوما عن يوم.

    منذ ان قام البوليس الروسي بتفتيش لدى كروبسكايا، وجد ورقة صغيرة مكتوبة بيد لينين، موجهة إلى كامنيف تحت عنوان : "بيننا" تقول : "في حالة ما إذا قتلت أطلب منك أن تنشر دفتري "الماركسية و الدولة" (بقي في ستوكولهم)، إنه دفتر مجلد بغلاف أزرق، كل مقتطفات ماركس و انجلز، و كذلك كاوتسكي ضد بانيكوك قد تم تجميعها، هناك مجموعة من الملاحظات و الإشارات و البلورات، أظن أنه يمكن نشر الكتاب في أسبوع، و أعتبر أن ذلك أمرا مهما، ذلك أن بليخانوف و كذلك كاوتسكي قد قاما بخلط كل شيء. الشروط : كل هذا يبقى بيننا في المطلق".

    لم ينتظر لينين صيف 1916 ليعالج موضوع الدولة، فعبر كتاباته السابقة، كانت الدولة حاضرة في تصوراته و أطروحاته المختلفة، وابتداءا من كتاب "من هم أصدقاء الشعب"، حيث أشار لينين لأول مرة الى "كومونة باريس" (1894)، و صولا إلى مقالة "في التعاون" الصادرة في سنة 1923، حيث يقدم لينين حصيلة "السياسة الاقتصادية الجديدة" (نيب)، هناك حوالي 96 كتابا و وثيقة و مقالا.

    و قد تدرجت كما يلي :

    - ضرورة النضال بلا هوادة ضد السلطة القيصرية، من أجل القضاء على الدولة الإقطاعية، و بناء نظام ديموقراطي، يفتح الطريق إلى الاشتراكية، و لذلك احتل مطلب و شعار الجمهورية أولوية.

    - تحديد طبيعة السلطة السياسية للطبقة العاملة، باعتبارها دكتاتورية البروليتاريا، الشرط السياسي الضروري للثورة الاجتماعية (مشروع برنامج الحزب العمالي الاشتراكي الديموقراطي لروسيا، يناير 1902).

    - إن هذا التحديد سيتم تدقيقه، باعتبار الدولة دكتاتورية ثورية ديموقراطية للبروليتاريا و الفلاحين (انظر جريدة "إلى الأمام"، 12 أبريل 1905، مجلد 8، ص 294 و ما يليها)، و قد ارتبط الموضوع عند لينين بالخصوصيات الروسية، التي كان يؤكد عليها دائما، مما كان يستدعي مجموعة من التوضيحات:

    * فيما يخص الدور الهيمني للبروليتاريا : "باعتبارها الطبقة الثورية حتى النهاية في المجتمع الحديث"، عليها أن تثبت هيمنتها في نضال الشعب بأكمله، من أجل قلب ديموقراطي شامل، خلال نضال كل العمال و المستغلين ضد المضطهدين و المستغلين (مجلد 17، ص 234) .

    * فيما يخص التحالف الطبقي بين البروليتاريا و الفلاحين الفقراء (انظر: "هدف نضال البروليتاريا في ثورتنا"/ مجلد 15، ص 385 و ما يليها) .

    * فيما يخص الانتقال المزدوج من الأوتوقراطية إلى الديموقراطية البورجوازية، و من هذه الأخيرة إلى الديموقراطية البروليتارية (انظر المجلد 16، ص 207 و ما يليها).

    * فيما يخص "كومونة باريس"، و قد تم اعتمادها بشكل أساسي في كتابه "الدولة والثورة"، بالإضافة إلى ثورة 1905، و ذلك من أجل التهييء النظري حول مسألة الدولة، بارتباط مع دروس المبادرات الجماهيرية (تجربة السوفياتات) (انظر المجلد 41، ص 9 و ص 13) .

    * بمناسبة كتابه حول ماركس سنة 1914، قام لينين بوضع النقط حول إشكالية الدولة (مجلد 21، ص 68 -69)، و قد استعمل لينين كتابي انجلز "أصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة" و "ضد دوهرينغ")، و قد سجل ما يلي : ارتباط العنف المنظم بالمجتمعات الطبقية، فكل دولة هي دولة طبقية، و الاشتراكية ستقضي على الدولة و على الطبقات، و يتعلق الأمر بسيرورة اختفاء (انقراض، انتهاء، تصفية) تؤدي إلى وضع آلة الدولة في متحف الآثار القديمة إلى جانب عجلة الغزل و فأس البرونز، حسب تعبير انجلز.

    * في بداية 1916، في أطروحاته حول الثورة الاشتراكية و حق الأمم في تقرير مصيرها، كتب لينين يقول :

    "أجل، إن الديموقراطية هي كذلك شكل الدولة، حيث ستختفي حينما تختفي هذه الأخيرة، و هذا لن يحصل إلا خلال الانتقال من الاشتراكية المنتصرة نهائيا و المتبثة، إلى الشيوعية الكاملة" (مجلد 22، ص 156).

    * لحد الآن لم يكن لينين قد اشتغل منهجيا على نصوص ماركس و انجلز حول الدولة، و بالأخص، لم يركز بعد على إشكالية كسر الدولة، ابتداءا من وضع دكتاتورية البروليتاريا، أي إشكالية العلاقة الضرورية بين الكسر و الاضمحلال، أي ظاهرة نصف دولة مقدمة للثانية.

    لقد كانت مسودة غشت – شتنبر 1917 محاولة لإخراج دفتر زيوريخ، محاولة ديداكتيكية نظرية استثنائية، حاولت في مسألة أساسية، أي مسألة الدولة، أن توحد مجموعة من النصوص متفرقة ب "امتداد 50 سنة من "بؤس الفلسفة" 1846 إلى مقدمة انجلز لإعادة نشر كتاب "الحرب الأهلية في فرنسا" لماركس، 1891 .

    ملحوظات :

    1 – لم يستعد لينين كل النصوص الواردة في الدفتر الأزرق في كتابه "الثورة و الدولة"، و منها مجموعة من رسائل ماركس إلى كوجلمان و فرانكيل و فارلان، و كذلك رسائل انجلز إلى برنشتاين و لافارغ، و كذلك مقدمة انجلز لمنشور بورخايم تحت عنوان "في ذكرى الوطنيين الألمان القتلة"، و كذلك صفحة انجلز المأخوذة من كتاب "الثورة و الثورة المضادة في ألمانيا".

    هذه النصوص لم يكن لها أثر كبير بالرغم من حذفها، على مستوى التحليل النظري، و بالمقابل قام لينين بإضافتين:

    أولهما، رسالة ماركس إلى ويدماير في سنة 1852، و قد وردت خلال إعادة نشر الكتاب سنة 1918 (انظر المجلد 25، ص 416)، و قد سبق للينين أن طرح سؤالا في دفتره الأزرق، حول هل سبق لماركس و انجلز أن تحدثا عن دكتاتورية البروليتاريا قبل 1871، و كان جواب لينين أنه لا يعتقد في ذلك.

    في الدفتر الأزرق، كما في "الدولة و الثورة" (مجلد 25، من صفحة 444 إلى ص 517)، كما هو عند حديثه عن مراجع 1852 ليس هناك أي إشارة إلى دكتاتورية البروليتاريا، بل هناك حديث عن كسر الدولة، كما جاء في كتاب "18 برومير".

    2- الإضافة الثانية، هي عبارة عن مقتطف طويل من "أنتي دوهرينغ"، حيث يقوم انجلز، من خلال نص لماركس بالتأكيد على دور العنف الثوري، باعتباره قابلة المجتمعات القديمة لحظة المخاض. هكذا يجمع لينين هذه الخلاصة من خلاصات "بؤس الفلسفة" و "بيان الحزب الشيوعي"، حيث يعلن البيان بافتخار أن الثورة العنيفة لا مناص منها، و هناك كذلك تذكير بكتاب "نقد برنامج غوتا"، هكذا أصبح العنف الثوري عنصرا حاسما في مفهوم الدولة.

    ويرى لينين كذلك أنه لا يجب الاكتفاء، بالنسبة للماركسيين بالقول أن الدولة "تنطفئ"، بينما يقول الفوضويون بضرورة القضاء عليها، إن القول بذلك، يعني السكوت عن المرحلتين في السيرورة :

    1) المرحلة الأولى : و هي القضاء ( سوبريسيون) على الدولة البورجوازية، و هو عمل تقوم به الثورة البروليتارية .

    2) المرحلة الثانية : مرحلة التصفية (إكستانكسيون) وهي ذات صلة بما تبقى من الدولة البروليتارية بعد الثورة الاشتراكية. إن هذا التمييز علق عليه لينين قائلا : "إن الدولة البورجوزية حسب انجلز لا تنطفئ، بل يتم القضاء عليها من طرف البروليتاريا خلال الثورة، إذ ما ينطفئ بعد الثورة هي الدولة البروليتارية، و بطريقة أخرى، يمكن القول :

    ==> إن مفهوم دكتاتورية البروليتاريا، يسمح بالتفكير معا في التحطيم و الاختفاء للدولة. إن العمليتين تسيران في مسار واحد، و هنا عجز كل من كاوتسكي و بليخانوف و بوخارين كذلك، عن ادراك ذلك، و هنا المساهمة الكبيرة للينين، و لذلك مثل كتابه " الدولة والثورة" مرحلة هامة في تطوير الفكر النظري الماركسي.

    ==> عند هذا الحد تنطرح اشكالية العنف:

    العنف هو تلك:

    "السلطة الخاصة للقمع، التي يمارسها ملايين العمال ضد كمشة من الأغنياء، هي دكتاتورية البروليتاريا.

    غالبا ما يعارض البورجوازيون الاشتراكيون الديموقراطيون و التحريفيون، و مفكروهم هذه المسألة، أي العنف بالديموقراطية، لكن ما هي الديموقراطية÷ أهي ديموقراطية "الدولة الشعبية الحرة" كما في "برنامج غوتا" سنوات 70 من القرن 19، و التي لا تختلف عن الديموقراطية البورجوازية، حيث العبودية المأجورة هي قاسم الشعب، أو أن الأمر يتعلق بالدولة بشكل عام، أي الديموقراطية الأكثر اكتمالا، التي لا يمكن أن تنطفئ معها نصف الدولة، الدولة – الكومونة، الدولة لا دولة، الدولة بثمن بخس، أو دكتاتورية البروليتاريا، كمحاولة لإعادة دمج Reinfusion للدولة في المجتمع المدني كنهاية للدولة، و هذا الذي لا يقبل من الديموقراطية في الديموقراطية البورجوازية.

    ==> بناءا على هذا الاعتبار، فسلطة الطبقة العاملة و حلفائها ليس لها معنى إلا في تعميق الديموقراطية إلى أقصى حد، أي دكتاتورية ديموقراطية، بحيث أنها ليست دولة للجميع، إلا بشرط ألا تكون "دولة تماما".

    ==> الدولة و الثورة، و هما معا، لا يمكن الفصل بينهما. الثورة و القضاء على الدولة البورجوازية من أجل دولة البروليتاريا، أي الدولة لا دولة، نصف دولة، الدولة السائرة نحو الانمحاء، الدولة التي تقضي على نفسها بنفسها في حالة نجاح الثورة الاشتراكية و تصلب عودها بشكل نهائي، أو بالعودة إلى الثورة لتصحيح مسارها و تصليب عودها، لتستأنف مسارها نحو الانمحاء، أي الانتقال من الاشتراكية إلى الشيوعية الكاملة، و هنا استحضار التجارب التاريخية و إسهام الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى في الصين.

    لقد مرت عشرات السنين على صدور كتاب "الدولة و الثورة"، و في تاريخه الحافل تم طبعه بأعداد كبيرة من النسخ، و بعشرات اللغات في أكثر من مئة بلد، و أعيد طبعه مرات عديدة، و لا زال مرجعا للدارسين و الباحثين في مجال مفهوم الدولة الماركسي، و يستعمله الماركسيون اللينينيون الثوريون نبراسا لطريقهم الثوري، انطلاقا من أن لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية، و ما زال الكتاب يحظى بقوة راهنيته في زمن تضبب فيه الأفق الثوري، نتيجة للانتكاسات التي عرفتها الحركة الشيوعية العالمية، و نتيجة خيانات التحريفية و انتشار الخطوط العفوية و الفوضوية و كل أنواع الانحرافات البورجوازية الصغيرة .(يتبع بالجزء الثاني: ملخص كتاب "الدولة والثورة"، فلاديمير ايليتش أوليانوف – لينين.)

    علي محمود

    18 ــ 7 ــ 2019

    الهوامش:

    1 ــ تطورت و توطدت الماركسية من خلال صراعها ضد منوعات الفكر البورجوازي الصغير، و قد عرف القرن 19 و بداية القرن 20 صراعا مريرا بين الماركسية و الفوضوية حول مفهوم الدولة، و كان للفوضوية تأثيرا مهما داخل الشرائح غير الناضجة من الطبقة العاملة، و عموما، كانت الفوضوية من حيث جوهرها تتميز بطابع رجعي، لأنها لم تكن موجهة فقط ضد الدولة البرجوازية فحسب، بل أيضا ضد الدولة البروليتارية، فقد كانوا يطرحون ضرورة القضاء على الدولة و إلغائها حالا دون الأخذ بعين الاعتبار الظروف التاريخية الموضوعية، و قد وجه ماركس و انجلز سهام نقدهما الحاد للنظرات الفوضوية للدولة، التي كان يروج لها الثوري الروسي باكونين. و قد تصدى كذلك لينين و البلاشفة للفوضوية.

    2 ــ في كتابه "مقدمات الاشتراكية" اتهم الأب الروحي للتحريفية العالمية إدوارد بيرنشتاين، الماركسية بالبلانكية (لأنها تتميز حسب رأيه بالنشاط السري، التآمري). و عند تناوله ل"كومونة باريس"، قام بخلط الماركسية بالبرودونية (الاحتجاج الراديكالي البورجوازي الصغير على الدولة بوصفها حامية مصالح البورجوازية الكبيرة)، و تهرب بيرنشتاين، كما قال لينين، من مسألة تحطيم جهاز الدولة البورجوازية الاضطهادي. و قد كان هذا الموقف الإصلاحي، الموقف السائد، لا في الحزب الاشتراكي الديموقراطي الألماني فحسب، بل أيضا في الأحزاب الاشتراكية في البلدان الأخرى. لقد أشار لينين في إحدى المرات إلى أن هذه الأحزاب، تتميز بالسجود الخرافي أمام الدولة البورجوازية، و بإنكار ضرورة تأسيس دولة بروليتارية اشتراكية.

    و كانت نظرات كاوتسكي تمثل الخطر الأكبر، لكونه كان أحد أبرز منظري الحركة الاشتراكية الديموقراطية العالمية، و لم ينج هو الآخر من الانزلاق، كما قال لينين في جميع مسائل نضال البروليتاريا الطبقي، بما فيه مسألة الدولة البرجوازية (انظر في هذا الصدد كتاب "الثورة الاشتراكية و المرتد كاوتسكي، لينين).

    و في روسيا، كان المناشفة و الاشتراكيون الثوريون يتبنون آراء البورجوازية الصغيرة في مسألة الدولة، و قد ظهر ذلك جليا في مرحلة الثورة البورجوازية الديموقراطية في فبراير 1917، و قد كتب لينين يقول " ... و هكذا،عندما طرحت في ثورة 1917 مسألة شأن الدولة، و دورها بكل خطورتها، عندما طرحت عمليا، باعتبارها مسألة عمل مباشر، و في النطاق الجماهيري، انزلق جميع الاشتراكيين الثوريين و المناشفة، جميعهم، دفعة واحدة و دون تحفظ، نحو النظرية البورجوازية الصغيرة القائلة بأن "الدولة" "توفق" بين الطبقات. كما انتقد لينين النظرات الانتهازية إلى الدولة المنتشرة داخل الأحزاب الاشتراكية الديموقراطية قائلا : "... و لم يقتصر الأمر على نسيان خبرة الكومونة، بل إنما تعداه إلى تشويهها. إنهم لم يبينوا لجماهير العمال أنه تقترب الساعة التي يتوجب عليهم فيها أن ينهضوا و يحطموا آلة الدولة القديمة، و أن يستعيضوا عنها بجديدة، محولين بهذا الشكل سيادتهم السياسية إلى قاعدة لتحويل المجتمع على أساس اشتراكي، بل كانوا يلقنون الجماهير النقيض، و قد فسروا "الاستيلاء على السلطة" بشكل يترك ألف منفذ للانتهازية".