Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

  • موضوعات حول خط الجماهير ــ من أجل أسلوب ماركسي ـ لينيني للعمل الجماهيري ـ


    تقديم:

    كتبت هاته الوثيقة لأول مرة سنة 2008، أما أفكارها فسابقة على ذلك بكثير، و في كل الأحوال جاءت مواكبة للعديد من الانشغالات و الأفكار التي كانت تشغل بال المناضلين ولازالت إلى يومنا هذا، عندما يثور نقاش حول معنى استعمال مفهوم "خط الجماهير"، الذي تبلور في الصين، خاصة بعد ندوة تسونيي سنة 1935، في نهاية "المسيرة الطويلة"، تلك الندوة التي شكلت بداية انتصار أفكار ماو تسي تونغ داخل الحزب الشيوعي الصيني، على إثر تقييم الحزب لانتكاساته السياسية و العسكرية، التي تسبب فيها اليميني تشين توسيو و اليسراوي وانغ مينغ، و على إثر ذلك دخل الحزب في حملات نقد و نقد ذاتي مصاحبة بتقويم للأخطاء في علاقة مع الجماهير، و عرفت بداية الأربعينات انتشار هذا التصور للعمل السياسي، الذي سيطلق عليه "خط الجماهير"، و كل نصوص ماو لهذه الفترة مرتبطة ببناء هذا الخط، و لعل أهمها "في الممارسة العملية" و "في التناقض" و نصوص أخرى، و استطاع الحزب بذلك اكتساب أسلوب عمل جماهيري ماركسي – لينيني ثوري و تحقيق انتصارات سياسية و عسكرية تاريخية، أدت إلى تأسيس الجمهورية الشعبية للصين في أكتوبر 1949، و شكل هذا المفهوم محورا أساسيا و محركا شاملا لمضامين و أهداف الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى في الصين، التي مثلت المعركة الكبرى الأخيرة التي خاضها القائد الثوري ماو تسي تونغ ضد "العصابة السوداء" و "الخط الأسود"، و التي كان على رأسها ليو شاو شي و دينغ كسياو بينغ .

    و سيكون لنا عودة للموضوع في وثائق أخرى تهم الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى، التي عرفتها الصين بين 1966 – 1976، و التي دارت رحاها بين الخط الثوري البروليتاري بقيادة ماو تسي تونغ و الرفاق الأربعة، و بين الخط التحريفي اليميني البورجوازي بقيادة ليو شاو شي و دينغ كسياو بينغ.

    لقد قررنا نشر هذه المقالة، لما قد تكون تحتويه من أفكار ثورية صائبة و سديدة تساهم في توجيه عمل المناضلين، و تصحيح اتجاهها من أجل بوصلة سياسية ثورية، تساعد على نجاح نضالاتهم و توجيهها نحو بناء الحزب الماركسي – اللينيني، باعتباره المهمة الأساسية لكل الثوريين و الثوريات الماركسيين – اللينينيين و الماركسيات اللينينيات في المرحلة الراهنة.

    I - في الأسس الفلسفية لخط الجماهير :

    1 – المادية الجدلية وخط الجماهير:

    يستمد "خط الجماهير" أسسه الفلسفية من المفهوم البروليتاري للعالم الذي تشكل المادية الجدلية ركيزته الأساسية.

    لقد استطاع ماركس في معرض نقده للمادية السابقة (مادية فويرباخ نموذجا) أن يكتشف بذور ذلك الطرح كما هو الحال في "موضوعات حول فويرباخ" (ربيع عام 1845).

    ففي الأطروحة الأولى سجل ماركس النقيصة الرئيسية للمادية السابقة بأسرها، والمتمثلة في تناولها للواقع، الحساسية، في شكل موضوع وتأمل، دون استطاعتها إدراك ذلك بشكل نشاط إنساني حسي وتجربة، أي أنها غيبت وجهة النظر الذاتية: "وفيورباخ يريد الموضوعات الحسية التي تتميز في الحقيقة عن الموضوعات الفكرية، ولكنه لا ينظر إلى النشاط الإنساني نفسه بوصفه نشاطا واقعيا".

    هكذا اعتبر فيورباخ النشاط النظري هو النشاط الإنساني حقا، وهو بذلك لم يدرك أهمية النشاط "الثوري"، النقدي- العملي".

    أما الأطروحة الثانية، فقد أكدت على نقطة جوهرية، وهي استحالة البحث عن حقيقة الفكر، عن مدى واقعيته خارج النشاط العملي للإنسان، أي تبعية الفكر للممارسة، وهي وجهة نظر مادية حقيقة، لأنها تجعل من الممارسة المعيار الأول للمعرفة. من هذا المنطلق قال ماركس: "والنقاش حول واقعية أو عدم واقعية الفكر المنعزل عن النشاط العملي إنما هو قضية كلامية بحتة".

    أما النقد الثالث (انظر الأطروحة الثالثة) فانصب على التفسير الذي قدمته المادية السابقة (وضمنه طرح فيورباخ) للتاريخ من خلال اعتبارها "الناس هم نتاج الظروف والتربية، وبالتالي بأن الناس الذين تغيروا هم نتاج ظروف أخرى وتربية متغيرة، ..." بهكذا طرح أغفلت المادية السابقة الأمر الأساسي، وهو "أن الناس هم الذين يغيرون الظروف وأن المربي هو نفسه بحاجة للتربية". وينتقل النقد الثوري عند ماركس إلى مستوى أعلى لما سجل ملاحظته الجوهرية والعميقة: "عن اتفاق تبدل الظروف والنشاط الإنساني لا يمكن بحثه وفهمه فهما عقلانيا إلا بوصفه عملا ثوريا".

    وبطرحه هذا، وضع ماركس يده على الطابع الثوري للمادية، التي ستكون جدلية في طرحها لعلاقة المعرفة بالممارسة العملية: "إن الحياة الاجتماعية هي بالأساس حياة عملية، وكل الأسرار الخفية التي تجر النظرية نحو الصوفية، تجد حلولها العقلية في نشاط الإنسان العملي وفي فهم هذا النشاط" (الأطروحة الثامنة.)

    انطلاقا مما سبق، أقام ماركس الدليل على الطابع الطبقي البورجوازي للمادية السابقة "إن الذروة التي بلغتها المادية التأملية، أي المادية التي لا تعتبر الحساسية نشاطا عمليا إنما هي تأمل أفراد منعزلين في المجتمع المدني". (الأطروحة 9)، ثم ميز بين المادية الثورية والمادية البورجوازية من حيث مركز الاهتمام لديهما: "إن وجهة نظر المادية القديمة هي المجتمع "المدني" (هنا طابعها البورجوازي) ووجهة نظر المادية الجديدة (أي المادية الجدلية، الثورية... سلاح البروليتاريا في ثورتها ضد البورجوازية، هي المجتمع الإنساني أو الإنسانية التي تتسم بطابع اجتماعي".( الأطروحة 10)

    ثم قام ماركس بعملية قلب جوهري وثوري لمهمة الفلسفة ليجعل منها فلسفة البراكسيس (أي فلسفة التغيير الثوري) "إن الفلاسفة لم يفعلوا غير أن فسروا العالم بأشكال مختلفة ولكن المهمة تتقوم في تغييره". (الأطروحة 11.) ويعني هذا بلورة الأدوات النظرية التي تجعل الواقع قابلا للفهم ومن ثمة تغييره بطريقة عقلانية وواعية مطابقة لغايات وقيم الذات الثورية، أي ذات الممارسة الثورية. اعتمادا على هذا الطرح يمكن فهم مقولة ماركس: "تجد الفلسفة أسلحتها المادية في البروليتاريا كما تجد البروليتاريا أسلحتها الفكرية في الفلسفة".

    إن العلاقة النظرية، بين مادية ماركس الجدلية والمادية السابقة والجدلية المثالية الهيجلية كذلك، تعكس طبيعة العلاقة التاريخية بينهما، أي علاقة الثورة البروليتارية بالثورة البورجوازية. ("جدلية الملموس" كاريل كوزيك).

    هكذا، من أجل تفسير العالم بطريقة نقدية، يجب أن يقف التفسير على أرضية الممارسة الثورية (البراكسيس الثوري). ولذلك تأسست الماركسية نظرية ومنهجا على أساس نقدي، علمي وثوري من وجهة نظر الطبقة الثورية حتى النهاية في المجتمع الرأسمالي : البروليتاريا.

    فكل كتابات ماركس وانجلز تصب في هذا الاتجاه، أي خدمة المصالح والأهداف الثورية للبروليتاريا والكادحين منتجي الخيرات الأساسية في المجتمع الرأسمالي. يقول ماركس في كتابه "بؤس الفلسفة":

    "بما أن الاقتصاديين هم الممثلون العمليون للطبقة البورجوازية، فكذلك الاشتراكيون والشيوعيون هم منظروا الطبقة البروليتارية. (...) إن العلم الذي أنتجته الحركة التاريخية والمرتبط بها بمعرفة تامة، انتهى من كونه عقيديا ليصبح ثوريا".

    وجاء في "مبادئ الشيوعية" لانجلز "أن الشيوعية هي علم تحرر البروليتاريا". هكذا إذن تأسس العلم الثوري بارتكازه إلى مبادئ المادية الجدلية والمادية التاريخية، وبصياغته للمفهوم المادي الجدلي لنظرية المعرفة، على أسس نظرية ومنهجية نقدية مادية، ثورية وجدلية.

    فالمادية الجدلية تتصف بميزتين:

    1 – كونها طبقية لانحيازها الصريح للبروليتاريا أي أنها في خدمة هاته الطبقة.

    2 – صفتها العملية لتأكيدها تبعية النظرية للممارسة العملية، أي قيام النظرية على أساس الممارسة العملية ثم تعود لخدمة الممارسة العملية.

    على هذا الأساس يكون المقياس الوحيد لمعرفة الحقيقة هو الممارسة الاجتماعية، ومن وجهة نظر المادية الجدلية الممارسة العملية هي وجهة النظر الأولية.

    يقول ماو: "إن الممارسة العملية أعلى من المعرفة النظرية، لأنها لا تمتاز بصفة الشمول فحسب، بل تمتاز كذلك بصفة الواقع المباشر"، "فمقياس المعرفة ليس الأحاسيس الذاتية بل النتائج الموضوعية للممارسة العملية الاجتماعية".

    إن تأكيد ذلك يضع المعرفة على أرضية مادية، ولأنه جدلي، لا يقف ماو عند هذا الحد، بل يضع الأساس لوحدة متينة ديالكتيكية بين الممارسة والمعرفة. إن الانطلاق يكون من المعرفة الحسية من أجل الارتقاء إلى المعرفة العقلية، ثم الانطلاق من هاته الأخيرة لتوجيه الممارسة الثورية من أجل تغيير العالم الذاتي والموضوعي.

    هناك تطور لولبي، "ممارسة، معرفة، ثم من جديد ممارسة ومعرفة." أي في كل قفزة هناك اغتناء لمضمون الممارسة والمعرفة، اللتان ترتقيان إلى مستوى اعلى باستمرار. (انظر "في الممارسة العملية" ، و "من أين تأتي الأفكار الصحيحة؟." – ماو -).

    نجد هنا عمق النظرية المادية الجدلية للمعرفة التي أسس لها كل من ماركس وانجلز، وقام لينين بتطويرها بشكل كبير، بوضعه للتعريف الفلسفي الأشمل لمفهوم المادة ولنظرية الانعكاس، ومفهوم الجوهر والظاهرة وعلاقتهما الجدلية والتأسيس العلمي والجدلي لعلاقة الذاتي بالموضوعي الخ... (انظر في هذا المجال كتابه: "المادية والمذهب التجريبي النقدي"...)

    إن الواقع بالمعنى الماركسي اللينيني، هو وحدة متناقضة تجمع بين جوهر الشيء وظاهره، فلا تطابق ولا توافق، بل هناك تناقض بينهما. فللوصول إلى الجوهر (عند لينين، الديالكتيك هو دراسة التناقض في جوهر الشيء)، لإدراك الواقع لابد من مجهود. لهذا يميز الفكر المادي الجدلي بين تصور الشيء (représentation) ومفهوم الشيء (le concept)، ليس فقط كدرجتين في المعرفة (معرفة حسية ومعرفة عقلية، ولكن، وخاصة، كنوعيتين للممارسة الإنسانية، (مثال الممارسة العفوية والممارسة الثورية الواعية، اللتان توافقان مستوى الوعي العفوي والوعي السياسي الطبقي). لا وجود لفصل ميكانيكي بين الممارسة العفوية والممارسة الواعية، ولا فصل كذلك بين الوعي الحسي والوعي العقلي، وما يجمعهما  هو علاقة جدلية (وحدة وتناقض، تراكم وتطور عبر قفزات).

    إن الاعتماد على هذا الطرح يسمح باستيعاب النظرية اللينينية للحزب، القائمة على الفصل والربط بين مستويات الممارسة والمعرفة (الوعي التراديوني والوعي السياسي الطبقي، الطليعة البروليتارية والطبقة العاملة الخ... كذلك نستطيع بهذا الطرح إدراك الجوهر والروح الثورية لخط الجماهير الذي ساهم في تعميق وتطوير النظرية اللينينية حول الحزب (انظر: "خط الجماهير الشكل المتطور للمركزية الديمقراطية") ،الفصل الثالث من هذه المقالة).

    لقد رأينا وبتركيز، كيف يقف خط الجماهير على أرضية مادية جدلية، منبثقة من الروح الحية للماركسية اللينينية، والتي ساهم القادة الكبار (ماركس، انجلز، لينين، ستالين، ماو) عبر ممارستهم الثورية وكتاباتهم النظرية في تطويرها، وبقي أن نعالج الجانب الثاني الذي يضع خط الجماهير على سكة المادية التاريخية من حيث التأكيد على مقولة الصراع الطبقي، والاستناد إلى دور الجماهير في صنع التاريخ (الثورات...).

    2المادية التاريخية وخط الجماهير:

    قلبت الماركسية مفهوم الطبقات السائدة في المجتمعات الطبقية عن التاريخ (التاريخ يصنعه العظماء من ملوك وامبراطورات، وقياصرة وسلاطين وزعماء سياسيين وقادة عسكريين، أي ممثلو الطبقات المستغلة بكسر الغين). لقد اكتشف ماركس بالاستناد إلى المادية التاريخية، القانون المحرك للمجتمعات الطبقية:

    "إن تاريخ كل مجتمع إلى يومنا هذا لم يكن سوى تاريخ صراع بين الطبقات" البيان الشيوعي (ماركس، انجلز).

    فالجماهير التي تصنع التاريخ من خلال صراعها الطبقي، ومن خلال إنتاجها للخيرات المادية في المجتمع، هاته الجماهير تجد نفسها دائما مسلوبة من نتاج عملها، من خلال الاستغلال والاضطهاد الذي تتعرض له على يد الطبقات السائدة وأدواتها القمعية : الدولة الطبقية.

    تثور الجماهير دائما ضد الاستغلال والاضطهاد الطبقيين، وبناء على هذا الطرح، فالمبدأ الارتكازي لخط الجماهير، هو الاعتماد على الجماهير في كل شيء، لأنها وحدها القادرة على صنع كل شيء، إن الجماهير "تنشد تنظيم ثورتها، تسليحها، استنهاضها، قيادتها، توجيهها" وواجب المناضلين الثوريين هو "تنظيم السلطة غير المنظمة" للجماهير، أي تنظيمها من اجل الاستيلاء على السلطة تحت قيادة حزبها، عبر توفير الشروط الثلاثة لنجاح ثورتها :

    -        الإيديولوجيا الثورية مرشد حركتها الثورية.

    -        - بناء حزبها الثوري : الأداة القائدة لثورتها.

    -        - تنظيم العنف الثوري (الحرب الشعبية...) محرك ثورتها ووسيلتها لحسم المهمة المركزية لثورتها: الاستيلاء على السلطة.

    في محاولة لإبراز منطق قانون الصراع الطبقي، واعتماده كأساس نظري لمفهوم الثورة البروليتاري، كتب ماو تسي تونغ يقول :

     "تتألف الماركسية من عدة مبادئ، لكن في آخر التحليل يمكن إرجاعها إلى جملة واحدة : لنا الحق أن نثور ضد الرجعيين". "لنا الحق أن نثور، خلال قرون ساد القول : من الصائب اضطهاد واستغلال الشعب ومن الخطأ أن نثور، فقامت الماركسية بقلب هذه الأطروحة".

    هناك منطقان: المنطق الإمبريالي ومنطق الشعوب : "إثارة القلاقل، فشل، إثارة من جديد، فشل، وهذا حتى انهيارهم، هذا هو منطق الإمبرياليين وكل الرجعيين في العالم اتجاه قضية الشعب. ولن يذهبوا أبدا ضد هذا المنطق".

    "نضال، فشل، نضال جديد، فشل جديد، نضال جديد مرة أخرى، وهذا حتى الانتصار ذلك هو منطق الشعب وهو كذلك، لن يذهب ضد هذا المنطق".

    انطلاقا من هذا المنطق التاريخي الثوري نستطيع إدراك مقولة "الشعب، والشعب وحده هو القوة المحركة، المبدعة للتاريخ العالمي" وانطلاقا من هذا المبدأ نتبنى شعار خط الجماهير: "الانطلاق من الجماهير من اجل العودة إليها".

    ومن أجل ذلك يجب تعلم ومعرفة الاستماع إلى رأي الجماهير:

    "كل توجيه سديد "من الجماهير نحو الجماهير" مما يعني أخذ أفكار الجماهير (...) (وبعد دراستها) تحويلها إلى أفكار مركبة وعقلانية، ثم الذهاب إلى الجماهير لنشر وتفسير هذه الأفكار، حتى تقتنع بها وتتملكها وتتعلق بها، وتجرب صحتها في الممارسة، ثم مركزة من جديد لأفكار الجماهير والعودة بها إليها من جديد، وهكذا دواليك ومزيدا ومزيدا، في حركة لولبية بدون نهاية، وفي كل مرة أفكار تصبح أكثر صحة، حيوية، أكثر غنى".

    وعموما، بعد هذا العرض، يتضح لنا أن الأسس النظرية لخط الجماهير موجودة عند ماركس، لينين، ماو، وقام كل واحد منهم بتطويرها على ضوء تجارب تاريخية محددة، ويبقى ماو القائد الشيوعي الذي بلغ بها مستويات عليا من حيث جعلها خطا وفنا للقيادة.

    -IIلينين ومنظمة المحترفين الثوريين.

    "إن فن إدارة منظمة سرية إنما يتوقف بأجمعه على الاستفادة من كل شئ ممكن وعلى "إعطاء كل شخص شيئا يعمله" مع الاحتفاظ في الوقت نفسه بقيادة الحركة كلها لا استنادا إلى تملك السلطة بالطبع بل استنادا إلى قوة الإقناع وإلى القدرة، وإلى امتلاك قدر من الخبرة والإمكانيات والمواهب"

    من "رسالة إلى رفيق حول مهامنا التنظيمية" شتنبر 1902(لينين)-المؤلفات الكاملة، المجلد السابع.

    تمثل الثورة و السلطة في الدولة، الإشكالية المركزية في المنظور اللينيني للسياسة ( في ازدواجية السلطة، لينين ) التي يشبهها لينين بالجبر و الرياضيات العليا ( المرض الطفولي …لينين ) .

    ينظر لينين إلى العلاقة بين "السياسي" و "الاقتصادي" كعلاقة جدلية (الاقتصادي يحدد السياسي، السياسة تكثيف للاقتصاد) يحظى فيها السياسي باستقلالية نسبية، فالاعتراف بالتحديد للاقتصادي، يعني أن العنصر السياسي انعكاس و بنية فوقية. فعبر البنيات الفوقية يعي الناس المشاكل و يخوضون الصراعات التي يدفعون بها حتى الحل. هاته الحقيقة الأولى التي يعترف بها كل ماركسي، لكن الوقوف عندها يسقط بالضرورة في "النزعة الاقتصادوية"، ذلك أن العنصر السياسي يعود فيمارس تأثيره على الاقتصادي، بل في فترات الأزمة التي تنفجر في فترة تاريخية محددة، يحتل فيها السياسي موقع السيطرة لأنه يكشف عن القاعدة المحتجبة عن الأنظار، أي عن الوعي العفوي، بما يعني الكشف عن عمق التشكيلة الاقتصادية- الاجتماعية، وعمق العلاقات الاجتماعية للإنتاج، و القوى الاجتماعية، العلاقات الطبقية و المؤسسات ( البنى الفوقية ) التي تعبر عنها و تحافظ عليها . بهذا المعنى تصبح الظاهرة (السياسي ) جوهرية أي أنها أصبحت أغنى من جوهرها و قاعدتها، فالظاهرة بالمنظور اللينيني تحتوي على الجوهري، بما يعني إمكانية الكشف عن صيرورة الواقع (devenir’ ) و الإمكانيات التي يحبل بها هذا الواقع.

    بالاعتماد على المادية الجدلية والمادية التاريخية، عالج لينين إشكالية الوعي السياسي الطبقي لدى البروليتاريا باعتبارها الطبقة الثورية حتى النهاية، و انطلاقا من ذلك انصب اهتمامه على الكيفية التي تعمل بها هذه القوة الاجتماعية، كيف تعي ذاتها، كيف و متى تتحرك، كيف يمكنها أن تنتصر؟

    إنها إشكالات درسها لينين بفكر ثاقب من خلال المعطيات المحددة و مجموع الممارسة التاريخية.

    -        الغريزة الطبقية :( الوعي العفوي)

    تتوفر البروليتاريا على غريزة طبقية كما هو الحال عند الفلاحين و البورجوازية الصغيرة ... فموقعها في الإنتاج و مجموع الممارسات الاجتماعية المادية تربي لديها غريزة طبقية، لكن الغريزة الطبقية تظل على مستوى الوعي عفوية مما يؤدي إلى أخطاء، فالعنصر العفوي لا يمثل إلا الشكل الجنيني للوعي السياسي الطبقي، و للوصول إلى الوعي السياسي الاشتراكي، هناك الحاجة إلى بناء حزبها الثوري. بقواها الذاتية لا تصل الطبقة العاملة إلا إلى الوعي التراديوني ( النقابي)، الذي يعني الاقتناع بضرورة تشكيل النقابات و خوض النضال ضد الباطرونا أو المطالبة من الحكومة بوضع هذا القانون أو ذاك . بقواها الذاتية، و بنضالاتها العفوية، لا تستطيع الطبقة العاملة و الجماهير أن ترتفع إلى مستوى وعي التناقض الموضوعي العميق، الذي لا حل له لمصالحها المناقضة لمصالح البورجوازية، بمعنى أنها لا تتجاوز المرحلة الأولية الجنينية لصراع لطبقات، فلا تصل إلى الوعي الحقيقي.

    - الوعي السياسي الطبقي : ( الوعي الاشتراكي الثوري )

    يشكل الوعي السياسي الشكل الأعلى للوعي الطبقي البروليتاري، و لا يتحقق إلا من خلال اندماج النظرية الثورية ( الماركسية – اللينينية ) بالواقع المادي الاجتماعي للطبقة العاملة، ، عبر الأداة الثورية التي تمثل حلقة الوصل بين النظرية الثورية و الممارسة الثورية وسط الطبقة العاملة .

    من هاته المنطلقات، عارض لينين المطالبين بالخضوع للعفوية و تقديسها ( النزعة التمثلية : الحزب يساوي الطبقة ← الذيلية للجماهير ) إن تقديس العفوية و التقليل من قيمة النظرية ( العلم النظري) يعنيان تعزيز و تكريس تأثير  الإيديولوجية البورجوازية على العمال، فليس هناك إلا إيديولوجيتان : الإيديولوجية البورجوازية و الإيديولوجية البروليتارية (الماركسية - اللينينية) .

    وناهض لينين كذلك شعار " السياسي يتبع الاقتصادي"، الذي كان يرفعه الماركسيون المبتذلون. اعتبر لينين أن تحديد المصالح الاقتصادية، رغم أنها تلعب دورا أساسيا، لا يعني أن النضال الاقتصادي المهني يحظى بالأولوية، لأن المصالح الأكثر جوهرية، الأكثر حسما للطبقات، لا يمكن أن تحقق إلا عن طريق التحولات السياسية الجذرية، فحسب لينين، تمثل الاشتراكية الديموقراطية ( الماركسية اللينينية الآن)،  الطبقة العاملة، ليس فقط في علاقاتها مع مجموعة محددة من المشغلين،  و لكن مع كل طبقات المجتمع المعاصر و مع الدولة كقوة سياسية منظمة.

    و عن كيفية ذلك ( موضوع التربية السياسية )، يقول لينين :

    " لا يكفي أن نشرح للعمال اضطهادهم السياسي ... يجب أن نقوم بالتحريض بصدد كل مظهر ملموس من مظاهر هذا الاضطهاد ...و الحال أن هذا الاضطهاد يمارس على طبقات أكثر تنوعا في المجتمع، كما يتمظهر في المجالات المختلفة للحياة و النشاط المهني، المدني، الخاص، العائلي، الديني، العلمي ..."

    عارض لينين كذلك شعار الإصلاحيين و التحريفيين " إعطاء النضال الاقتصادي نفسه طابعا سياسيا "

    معتبرا إياه انبطاحا للوعي إلى مستوى العفوية، و لذلك جاء رده حازما، معتبرا أن على الاشتراكي الديموقراطي أن يربط " النضال من أجل الإصلاحات كجزء مرتبط بالكل، بالنضال الثوري من أجل الحرية و الاشتراكية "، و من تم كان نقد لينين لاذعا لكل من الاتجاهين، اللذين إما يحتقران و يهملان الاقتصاد أو يجعلانه شيئا مقدسا و مطلقا. عند لينين، تتحدد كلية الحركة العمالية و أهدافها، كشيء واقعي حي و فعال، فلا توجد "مرحلة اقتصادية" و بعدها بشكل متأخر " مرحلة سياسية ". إن هذا الفصل خاطئ، و على قاعدته قامت "نظرية تراكم القوى الإصلاحية"، التي تفصل النضال الاقتصادي عن النضال السياسي تحت غطاء مراكمة القوى، قبل التطرق إلى الموقف من السلطة، باعتبارها محورا أساسيا من محاور النضال الجماهيري، ونظرية تراكم القوى، نظرية تحريفية تجب مواجهتها.

    - دور الجريدة في التشهير السياسي ( أيام لينين، كان الإعلام الورقي سائدا، الأمور الآن تغيرت لصالح وسائل الإعلام الإلكترونية، لكن المبادئ تظل سليمة)

    تعتبر الجريدة منبرا و سلاحا قويا لتشتيت قوى النظام و الخصوم، فالجريدة تقوم بدور التشهير السياسي الذي هو وسيلة فعالة و قوية لتفكيك و ضرب النظام. عند لينين، وحده الحزب ،الذي ينظم التشهير السياسي ،و يستطيع أن يجلب اهتمام الشعب برمته،  يستطيع أن يصبح طليعة القوى الثورية، و لكي يكون كذلك ،أي طليعة، عليه جر الطبقة العاملة في النضال، لتكون في طليعة كل الطبقات، و جعلها تصبح في نظر الجميع قوة سياسية ،وذلك عن طريق التشهير السياسي و التحريض، اللذان يكونان بروح اشتراكية ديموقراطية ( أي ماركسية لينينية)، و بدون تنازلات و تشويهات للماركسية، و من هنا حدد لينين دور الحزب الثوري  في التحريض السياسي، و هدفه توحيد الطبقة العاملة و الحركة الجماهيرية في كل واحد و بشكل لا انفصام فيه عبر :

    -        الهجوم ضد النظام باسم كل الشعب

    -        القيام بالتربية الثورية للبروليتاريا و للجماهير

    -        الحفاظ على الاستقلالية السياسية للحزب، و قيادة النضال الاقتصادي للطبقة العاملة، و استعمال مواجهاتها العفوية ضد مستغليها.

    -        في أهمية منظمة" المحترفين الثوريين" ( نواة الثوريين المحترفين أساس و هيكل الحزب الثوري)

    للارتقاء بالصراع السياسي للطبقة العاملة، تبرز الضرورة إلى بناء منظمة ثورية، لتجاوز الأساليب البدائية و الحرفية و السقوط السريع للمناضلين في أيدي البوليس. إن هذه المهمة تتطلب صفات خاصة، تستدعي تحول المناضلين الثوريين إلى ثوريين محترفين، و يفرق لينين بين مستويين للتنظيم الطبقي البروليتاري:

    -        تنظيم العمال الاقتصادي : النقابة

    يقوم هذا التنظيم على أساس المهنة أو الحرفة، و يكون واسعا و جماهيريا ما أمكن .

    -        تنظيم المحترفين الثوريين :

    يقوم هذا النوع من التنظيم بمهام سياسية واسعة و أكثر تعقيدا من النضال الاقتصادي ( النقابي )، و لذلك يشترط وجود أناس تكون مهنتهم الأساسية هي النشاط الثوري، و من مميزات هذا التنظيم الثوري للمحترفين، كون المهام و المسؤوليات المشتركة داخله، تؤدي إلى القضاء و الانمحاء لكل تمييز بين العمال و المثقفين الذين يصبحون جميعا شيوعيين، و بهذه الطريقة يتكون رجال و نساء ذوي المواهب، متمرسين و مهيئين مهنيا و مكونين و متعلمين، عبر ممارسة طويلة و متفاهمين فيما بينهم .

    إن دور التنظيم الثوري للمحترفين يقوم على أساس العمل من أجل رفع النضال العفوي للبروليتاريا إلى مستوى الصراع الطبقي الحقيقي، و لقيام مثل هذا التنظيم، لابد من احترام مقاييس و مبادئ تنظيمية و ثورية، و منها :

    - احترام المناضلين لمبادئ السرية الصارمة

    - الاختيار الصارم للأعضاء و العضوات

    - الإعداد و التهييئ و التكوين للثوريين المحترفين

    - ضدا عن الديموقراطية الشكلية تقوم بين أعضاء التنظيم الثوري علاقات التضامن و الثقة الأخوية و الرفاقية

    -        التنظيم الثوري السري و مركزة المهام و جدلية العلاقة مع الجماهير:

    تقوم منظمة المحترفين الثوريين بمركزة المهام الأكثر سرية، تلك المركزة لا تضعف بل تغني و توسع نشاط مجموعة من التنظيمات المتوجهة إلى أوسع الجماهير، من خلال التداخل و التأثير المتبادل بين "نواة الثوريين المحترفين" و الجماهير العمالية، و بالمقابل تقوم الجماهير بتغذية تنظيم المحترفين الثوريين بعدد من المناضلين، خاصة، و أنه داخل الطبقة العاملة و داخل الطبقات الأخرى، يوجد رجال و نساء كثر يحترقون رغبة في العمل،  هكذا، و بشكل متبادل يتحول المحترفون الثوريون من دور الخميرة الثورية إلى منظمين للحركة العمالية و الجماهيرية .

    يقول لينين :

    "و فيما يتعلق بالمسؤوليات تجاه الحزب، إن قيادة الحركة يجب أن يعهد بها إلى أصغر عدد ممكن من أشد جماعات الثوريين المحترفين ذوي الخبرة العملية العظيمة تجانسا، بينما الإسهام في الحركة ينبغي أن يمتد إلى أكبر عدد ممكن من الجماعات تباينا و تغايرا من بين أشد قطاعات البروليتاريا ( و طبقات الشعب الأخرى) تنوعا ."

    IIIخط الجماهير هو الشكل المتطور للمركزية الديمقراطية:

    ليس بالإمكان استيعاب جوهر المركزية الديمقراطية دون استحضار النظرية اللينينية للحزب البروليتاري، التي تعتبر إحدى الإسهامات الكبرى لقائد الثورة البلشفية لينين. وإذا كان كتاب "ما العمل؟" قد أسهم بدور رئيسي في نقد "العفوية" وإبراز دور الطليعة في علاقة الحزب- الطبقة والقادة –الجماهير، فإن المنظور اللينيني للتنظيم، يتعدى حدود هذا الكتاب، ليتسع إلى كتابات مختلفة امتدت لخمسة وعشرين سنة، وإذا كان نقد الموقف الذي يخلط بين الطبقة – الجماهير والحزب كطليعة منظمة قد بات معروفا بما يكفي، إلا أن نقده للموقف الذي يخلط بدوره بين الطليعة والطبقة من جهة اختزال التنظيم الطليعي في أطره، والذي يشكل أساسا لبروز البيروقراطية وفقدان الحزب لعلاقته بالجماهير، بدعوى امتلاك الأطر للحقيقة الثورية، وبالتالي استبدال الطبقة بالحزب (النزعة الاستبدالية) قد تم اهماله. إن هذا الجانب قد أغفل الاهتمام به، ومما ساهم في ذلك، الخلط الذي قام بعد انتصار ثورة أكتوبر وموت لينين، بين البلشفية واللينينية، وزاد التحريفيون بعد موت ستالين، وكذلك التروتسكيون الوضع غموضا بكتاباتهم المشوهة للنظرية اللينينية، والتي أفرغتها من جوهرها الثوري المستند أساسا إلى صانعي التاريخ الثوري، العمال والجماهير الكادحة.

    وعموما، تتأرجح الممارسة السياسية للحزب الثوري البروليتاري، بين الاتجاه نحو العفوية (إغفال دور النظرية الثورية، دور الطليعة والسقوط في الذيلية للبورجوازية) وبين الاتجاه نحو الانفصال عن الجماهير والانكماش على الذات، واعتبار الحزب أو التنظيم بديلا للجماهير، والاعتقاد بأن الحزب لوحده يمتلك الحقيقة الثورية وما على الجماهير إلا إتباعه، إن هذا المنحى قد أطلقت عليه منظمة "إلى الأمام" اسم "الإطاروية" (cadrisme). وقد تم نقده انطلاقا من الأطروحات الماركسية - اللينينية، واعتمادا على إسهامات الثورة الصينية خاصة الثورة الثقافية البروليتارية.

    عند انتقادهم للمفهوم اللينيني للحزب، يقوم البورجوازيون والتحريفيون والتروتسكيون، بعزل صيغة المركزية الديمقراطية عن سياقها النظري والاستراتيجي، ويحولونها إلى مجرد قواعد تنظم الحياة الداخلية لتنظيم ماركسي، هكذا يسهل صب انتقاداتهم وسمومهم عليها. إن هؤلاء بتشويهاتهم تلك لا يدركون أن حياة الحزب أو التنظيم تكون وسط الجماهير، وأن لذلك نتائج، منها مراقبة الجماهير للحزب (الشعب العامل وجماهير القاعدة الحزبية)، بل حتى الأحزاب والمنظمات الديمقراطية كما أوضح ذلك ماو تسي تونغ.

    إن الطرح الثوري للمركزية الديمقراطية لا يقوم له أساس بروليتاري، إذا لم يستوعب هاته الأخيرة كوحدة متناقضة لطرفين، هما المركزية والديمقراطية، أي بمعنى آخر، حسب تعبير ماو، ديمقراطية من جهة، وقيادة ممركزة من جهة أخرى، وهما معا وسائل لغاية محددة، التي هي بلورة وتطبيق خط سياسي سديد، ولضمان القيادة السديدة، لابد أن يقوم النشاط العملي للحزب على مبدأ "الانطلاق من الجماهير من أجل العودة إليها"، وكذا التعلم منها، من خلال معرفة الاستماع إليها أي إلى رأيها.

    يقول ماو في هذا الصدد: "كل توجيه سديد، من الجماهير نحو الجماهير"، مما يعني أخذ أفكار الجماهير (....) (وبعد دراستها) تحويلها إلى أفكار مركبة وعقلانية، ثم الذهاب إلى الجماهير لنشر وتفسير هذه الأفكار، حتى تقتنع بها وتتملكها وتتعلق بها، وتجرب صحتها في الممارسة، ثم مركزة من جديد لأفكار الجماهير والعودة بها إليها من جديد، وهكذا دواليك ومزيدا، في حركة لولبية بدون نهاية، وفي كل مرة أفكار تصبح أكثر صحة، حيوية، أكثر غنى".

    هكذا تكون الديمقراطية في قلب المركزية والعكس صحيح، ما دام المطلوب هو مركزة أفكار الجماهير ومساعدتها على تحقيق أفكارها حسب الظروف... وعلى هذا الأساس، لا تقوم شرعية القيادة وسلطتها على كونها انتخبت حسب القواعد، بل على أساس صحة خطها السياسي، الذي لا يقوم له أساس من الصحة دون قدرة القيادة على الارتباط بالجماهير والتعلم منها وتعميم أفكارها، ومن هنا، القبول بمراقبتها وتشجيع النقد والنقد الذاتي.

    إن الانضباط لدى تنظيم يريد الثورة (تنظيم ماركسي لينيني...)، هو الشكل الملموس لحرية أعضائه، و عندما تنعدم حرية النقد وإعطاء الرأي، يتحول الانضباط إلى خضوع وخنوع، ليفقد ثوريته ويصبح رجعيا.

    فلا ديمقراطية بلا مركزية ولا حرية بلا انضباط ولا قيادة حقيقية بدون حق القواعد في نقدها وإبداء الرأي، لكن لا قيادة بدون انضباط القواعد، هكذا تظل المركزية الديمقراطية وحدة متناقضة لشيء واحد، أي وسيلة لغاية محددة : بلورة وتطبيق خط سياسي سديد.

    ولكن "إذا لم تكن هناك ديمقراطية (حسب ماو) فإنه لن تكون هناك مركزية حقة، لأنه إذا كانت الآراء تتعارض ولم تكن هناك وحدة في الرؤيا، فإن المركزية لا يمكنها أن تطبق، ماذا نعني بالمركزية؟

    إنها قبل كل شيء مركزة الأفكار السديدة وعلى هذا الأساس نوحد الرؤى والإجراءات السياسية والحقب والقيادة والتصرفات. وهذا ما نسميه الوحدة بالمركزية".

    "إن هيآتنا القيادية، هي بمثابة معمل للتحويل. وكل واحد منا يعرف بأن بدون مواد اولية، فإن المعمل لا يمكنه أن يحول شيئا. وإذا كانت المواد الأولية ليست بالقدر الكافي والنوعية المطلوبة فإنه لن يتأتى له صنع مواد نهائية جيدة."

    على هذا الأساس، وتعميقا للطرح اللينيني حول الحزب الثوري وآليات اشتغاله داخليا، وفي علاقته بالجماهير، جعلت الثورة الصينية بقيادة ماو خط الجماهير، الشكل الأكثر تطورا للمركزية الديمقراطية، وقد قام هذا الإسهام الكبير، بناء على مفهوم للقيادة تكون بالخط الإيديولوجي والسياسي السديد، عبر توحيد المواقف والإجراءات السياسية والخطط، ضمن علاقة سليمة مع الجماهير، وضمن نهجها لأسلوب ثلاثي يعتمد ثلاث ارتباطات :

    -        ارتباط النظرية بالممارسة.

    -        ارتباط وثيق بين الحزب الشيوعي والجماهير.

    -        ارتباط النقد والنقد الذاتي بحركة تقويم ثوري مستمرة.     

    -IV الهدف المركزي للعمل الجماهيري ومبدأه الأساسي:

    دأب الفكر السياسي الماركسي على يد قادته الكبار ماركس، انجلز، لينين، ستالين وماو، على اعتبار أن الإشكالية المركزية لكل ثورة، هي استيلاء الجماهير (البروليتاريا وحلفاؤها) على السلطة السياسية.

    انطلاقا من ذلك، فإن الهدف الأساسي للعمل الجماهيري هو سلطة الجماهير بقيادة حزبها الشيوعي (ديكتاتورية البروليتاريا، الديكتاتورية الديمقراطية الشعبية).

    إن مهام تعبئة الجماهير، تربيتها السياسية، تنظيمها، تسليحها من طرف الحزب الشيوعي تكون دائما قائمة على مبدأ حسم السلطة السياسية، عن طريق العنف الثوري (انتفاضة، حرب أهلية ثورية، حرب شعبية) لصالح الجماهير الثورية (بروليتاريا، فلاحون...).

    إن نقد الخطوط التحريفية الداعية إلى نهج خط النضال السلمي (المساهمة في الانتخابات أو العمل من أجل تحسين شروط المشاركة فيها) ضرورة ملحة، لأنها تساهم في تكريس ذيلية البروليتاريا والجماهير عموما للبورجوازية وأذنابها من البيروقراطيين والانتهازيين والوصوليين والتحريفيين، وهي بذلك تقدس القانونية وترفض قطعا أن يذهب نضال الجماهير أبعد من الوضع القانوني (légalisme)، ولأجل ذلك ينظرون لما يسمونه الفصل بين النضال الديمقراطي والنضال الديمقراطي الثوري، تحت مبرر مراكمة القوى وغيرها من الشعارات التغليطية، متناسين أن إعطاء النضال الاقتصادي (النضال المطلبي) نفسه طابعا سياسيا ليس طرحا ماركسيا بالمعنى العلمي، لأنه يعبر في مضمونه عن انبطاح للوعي إلى مستوى العفوية. إن النضال من أجل الإصلاحات (كما سبق ذكره) ينظر إليها من منظور ماركسي لينيني باعتباره جزء من كل أي مرتبط بالنضال الثوري من أجل السلطة السياسية، ولا مجال للكلام عن وجود "مرحلة اقتصادية" وبعدها "مرحلة سياسية" للنضال. إن هذا الفصل خاطئ، ويتناقض مع الطرح المادي الجدلي لنمو الوعي السياسي الطبقي، الذي ينمو بشكل غير متكافئ ولا يسير في خط مستقيم، ولذلك جعل الماركسيون اللينينيون دائما "السياسة في مركز القيادة"، ونذكر مرة أخرى قول لينين:

     "فمن كون المصالح الاقتصادية تلعب دورا فاصلا، لا يستطيع المرء أن يستنتج بحال أن للنضال الاقتصادي (المهني) اهمية اولية، لأن مصالح الطبقات الجوهرية "الحاسمة" لا يمكن أن تلبى إلا على أساس تغييرات سياسية جذرية...." لينين – المؤلفات الكاملة المجلد 6.

    إن الفصل بين النضال من أجل السلطة والنضال من أجل المطالب المادية، يساوي السقوط في التحريفية، وهي ظاهرة منتشرة اليوم بشكل كبير داخل حقل العمل الجماهيري، وقد حان الأوان للتصدي لها وتأكيد الأطروحة التي أكدت كل الثورات الماضية والقائمة الآن صحتها، والتي تعني العمل المستمر من أجل تطوير النضال الثوري بارتباط مع مسألة السلطة، باعتباره المبدأ الأساسي للعمل الجماهيري.

    من نافل القول الكلام عن الأزمة التي يتخبط فيها العمل الجماهيري (خاصة النقابي) نتيجة سقوط العديد من المناضلين في مستنقع التحريفية اللئيمة.

    إن الماركسيين اللينينيين يؤكدون اليوم، ومن جديد، أن الهدف المركزي للعمل الجماهيري، هو مسألة السلطة السياسية وتطوير النضال الثوري للجماهير، بارتباط مع مسألة السلطة، هو المبدأ الأساسي الموجه للعمل الجماهيري.

    -V قانون الصراع الطبقي والمعيار الطبقي في التعامل مع الجماهير:

    كل حركة جماهيرية هي نتاج الصراعات الطبقية داخل تشكيلة اجتماعية محددة تاريخيا، وهي بذلك ميدان ومعترك صراعات ومواجهات بين الفكر والممارسات البروليتارية ونقيضها البورجوازية، وهنا يبرز دور الحزب الثوري الماركسي اللينيني في هذا الصراع وتوجيهه التوجيه السديد.

    لتلافي السقوط في الشعبوية والتحريفية والعمل العشوائي، يحتل المعيار الطبقي الشرط الضروري للتقدم في العمل الجماهيري، لأنه يسمح بالإجابة عن أية جماهير نتوجه إليها. لا شك أن إنتاج تحاليل طبقية وأخرى ظرفية (بالمعنى اللينيني للظرفية) يقدم مساعدة كبيرة، في تحديد الطبقات والفئات الجماهيرية التي نتوجه إليها.

    ولكن لا معنى لذلك، إذا لم يكن المعيار الطبقي محددا بالعلاقة مع طابع الثورة في كل مرحلة، وهذا ما يسمح بتحديد طبقات الشعب وحركاتها الجماهيرية، التي ستقودها الطبقة العاملة وحزبها الشيوعي. وعموما يتميز العمل الجماهيري بتنوع مجالاته وإطاراته الطبقية والفئوية والقطاعية. إن العمل هنا يحتكم دائما إلى وحدة المصالح الطبقية والاستراتيجية البروليتارية، كما يخضع العمل داخل هذا المجال أو ذاك إلى طبيعة المصالح المشتركة للطبقات التي ينتمي لها هذا المجال.

    إن هذا العمل من المنظور الذي  سطرناه  أعلاه، لابد أن يخضع لأسلوب خدمة الجماهير، والتعلم منها ،ومعرفة الاستماع إليها، وبلورة شعار "الصمود والارتباط بالجماهير"، وتنظيم نضالاتها ومقاومتها في كل الظروف (جزر، تراجع، مد، هجوم، دفاع)، وإبداع الصيغ المناسبة للتنظيم، وإيجاد الأسلاك الرابطة مع الحركة الجماهيرية، تلك الأسلاك التي تأتي على شكل فصائل منظمة داخل الحركة الجماهيرية (داخل نقابة مثلا فصيل شيوعي (انظر المثال البلشفي حول Les Fractions Bolcheviques داخل النقابات وغيرها) أو "التنظيمات المنبثقة" (organismes engendrés) في التجربة البيروفية، والتنظيمات الثورية الشبه جماهيرية في تجربة "إلى الأمام" أو الحملم (تجربة الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين).

    إن القواسم المشتركة لهاته التجارب التنظيمية الجماهيرية، هو كون المجموعات التي يتم خلقها من طرف الحزب الشيوعي أو التنظيم الشيوعي تتميز ب:

    1-   تبنيها للإيديولوجية الثورية.

    2-   طابعها الجماهيري أو الشبه الجماهيري.

    3-   اتباعها للمركزية الديمقراطية.

    لا يكتفي الحزب الثوري للطبقة العاملة بالعمل داخل الإطارات الجماهيرية القائمة فقط، بل يقوم بتطوير "التنظيمات المنبثقة" (حسب التجربة البيروفية مثلا) وهي تنظيمات خاصة من إبداع الحزب ومناضليه، وتتميز كما رأينا أعلاه بثلاث مميزات، بل تتعداها إلى كونها الأكثر استعدادا للمستويات العليا للنضال.

    -VI خط الجماهير وفن قيادة الجماهير:

    أ- لقد سبق وأن سطرنا الكيفية التي تتم بها القيادة الصحيحة عن طريق الجمع بين الديمقراطية والقيادة الممركزة للجماهير، وسنرى الآن ما هي المبادئ التي يرتكزعليها المنهج الماركسي في قيادة الجماهير، أو ما أسميناه "فن قيادة الجماهير"، وتقوم طرق القيادة كما يعلم ذلك ماو (انظر "بصدد طرق القيادة" ماو) على مبادئ محددة ، ومنها، مبدآن يجب احترامهما و هما :

    1-   الانطلاق من العام إلى الخاص والربط بينهما دائما

    2-   ربط القيادة دائما بالجماهير.

    عموما، عندما ندعو إلى عمل جماهيري، فغالبا ما يكون عن طريق توجيه نداء إلى الجماهير وتوزيع النداء، يعني أننا نتوفر على خطة عمل، وأننا وفرنا القيادة العملية (أو القيادة الملموسة) للحركة، ولكن، وقبل ذلك، لا يتم العمل عشوائيا، بل يتم العمل في البداية عن طريق اختيار موقع أو بعض المواقع للعمل وسطها، بعدما تم إنجاز تحقيقات حولها، وهكذا يتم توجيه المسؤولين في بحثهم عن حلول ملموسة للقضايا أو الجوانب التي تعاني منها الجماهير، وهذا ما يسمى "التعلم من خلال دور القيادة".

    إن ضمان نجاح حركة جماهيرية، يتم دائما، عبر خلق، خلال تلك الحركة، وداخل كل وحدة من وحداتها، مجموعة قيادية، وتتشكل المجموعة القيادية من مجموعة صغيرة من العناصر الأكثر نشاطا وحيوية، مجتمعة وملتفة حول مسؤول رئيسي، وتعمل المجموعة باستمرار على ضمان ارتباط وثيق لها مع الجماهير المشاركة في الحركة،، فالجماهير بدون مجموعة قيادية لا تستطيع الاستمرار ولا التطور في اتجاه صحيح، والارتقاء إلى مستوى أعلى، أما المجموعة القيادية بدون ارتباط بالجماهير المشاركة في الحركة، فتسقط في أساليب العمل الفوقية والبيروقراطية، وتنعزل عن الجماهير لتتحول إلى عرقلة لحركتها بدل القاطرة التي تجرها إلى الأمام.

    ب – المستويات الثلاثة للجماهير وكيفية اختيار مجموعاتها القيادية:

    إن تطور حركة جماهيرية غالبا ما يفرز – وإن بشكل نسبي – ثلاث مستويات داخلها:

    1-   المستوى الأول ويضم العناصر الأكثر نشاطا داخلها.

    2-   المستوى الثاني ويضم العناصر أو الفئات المتأخرة.

    3-   المستوى الثالث ويضم العناصر التي هي بين بين (أي وسطية).

    ويقوم التكتيك المتبع من طرف المناضلين، على تجميع النشطاء حول المجموعة القيادية، والاعتماد ثانية على المجموعة الأولى، للرفع من مستوى المجموعة الثالثة، وثالثا، كسب عناصر المجموعة الثانية.

    إن طريقة العمل هاته، قد أثبتت نجاعتها في مراحل حاسمة من الثورة الصينية، ويمكن التعلم منها، لأنها تسمح بتكون مجموعة قيادية مرتبطة بالجماهير، تتكون من خلال، وعبر النضال الجماهيري، ووسط الجماهير، وليس خارجها.

    وفي هذه الحالة، تكون السياسة التي يجب اتباعها، هي ترقية العناصر النشيطة، وتعويض العناصر الأقل كفاءة داخل المجموعة القيادية، بها.

    أما الكيفية التي يتم بها اختيار المجموعات القيادية، فيتم عن طريق تطبيق الشروط الأربعة اللازمة توفرها في الأطر، والتي حددها القائد الشيوعي الأممي ديمتروف وهي:  

    1-   الإخلاص الأكثر عمقا

    2-   الارتباط بالجماهير

    3-   القدرة على إيجاد الاتجاه الصحيح مهما كانت الظروف

    4-   التوفر على روح الانضباط الصارم

    ج- الخط العام للنضال الجماهيري و علاقته بخط الجماهير:

    إن ما يحكم هذا الخط العام، هو تبنيه و اعتماده على فلسفة خط لجماهير، و قد سطرنا خطوطها العامة في الجزء الأول ،  ولن نعود إليها، فقط لابد من أجل تلافي السقوط في البيروقراطية، أن نسترشد بمبدإ أساسي و نعمل على تطبيقه : " الانطلاق من الجماهير من أجل العودة إليها "، و يعني ذلك، أنه كما قال ماو تسي تونغ "خلال سيرورة مركزة الأفكار و تطبيقها الحازم يجب ربط النداء العام بالقيادة العملية (أو الملموسة) في هذا القطاع المحدد او ذاك، إن هذا جزء لا يتجزأ من الطريقة الأساسية " و عمليا يعني ذلك :

    -1-الانطلاق من عديد من تجارب القيادات الملموسة في هذه الوحدة أو تلك، أو في هذا القطاع أو ذاك

    -2-بلورة الأفكار العامة بعد ذلك في صيغة النداء العام

    -3- القيام بتجريبها ووضعها على المحك في وحدات مختلفة

    -4- القيام بمركزة التجارب الجديدة و إنجاز حصيلة لها و بلورة الجديدة، من أجل القيادة في كل مكان للجماهير.

    د- في العلاقة بين الأجهزة القيادية العليا و المستويات الدنيا خلال إنجاز مهمة ما، و وحدانية المهمة المركزية.

    تقوم العلاقة بين المستويين التنظيميين (الأعلى والأدنى) على مبدأ " تطبيق مبدأ تحمل المسؤولية و مركزة السلطة ".

    و يعني هذا عمليا :

    -1- المرور عبر مسؤول الهيأة الدنيا و عدم تجاوزه و يسمى هذا " مبدأ تحمل المسؤولية "

    -2- بهذه الطريقة يتم التوصل إلى تقسيم العمل، في نفس الوقت الذي تتحقق فيه القيادة الواحدة، و هذا ما يسمى " مبدأ مركزة السلطة ".

    إن إنجاز المهام يتطلب دائما التحكم في فن القيادة، و العمل المستمر من أجل إتقانه، فلا يمكن مثلا أن تكون في ظل مرحلة محددة، و في منطقة محددة، و في نفس الوقت عدة مهمات مركزية، فالقاعدة هي" لكل مرحلة محددة مهمة مركزية واحدة "، أما المهام الأخرى فلا يتم إغفالها، و لكن يتم التعامل معها بحسب الدرجة الثانية أو الثالثة ...و هنا يمكن استحضار الطرح البلشفي حول السلسلة و حلقتها المركزية، التي يمكن القبض عليها من أجل إنجاز المهام الأخرى.

    على هذا الأساس إذن، يطرح على الشيوعيين الذين يتحملون مسؤوليات قيادية، و في كل حين، فرض طرق القيادة العلمية – الماركسية اللينينية، و مواجهة الطرق الذاتية البيروقراطية و القضاء عليها، فلا يجب التصرف من دون خطة، بالمرور من مهمة إلى أخرى، حسب التوجيهات التي يتوصل بها، لأن ذلك سيولد العديد من المهمات المركزية، مما يسقط في الغموض و الفوضى. يجب أن يكون التحديد ملموسا لمركز الثقل في العمل و أولوياته، حسب كل فترة أو فترات محددة، ثم العمل على التطبيق الحازم للقرار المتخذ، حتى يتم تحقيق النتائج المبتغاة و الأهداف المسطرة، إن هذا يعني اكتساب فن القيادة.

    علي محمود

    14– 2 – 2019