Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

بصدد كتاب لينين: "المادية والمذهب النقدي التجريبي"ـ الحلقة الأولى

 لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية

أهمية سلاح النظرية في بناء الحزب البلشفي وقيادة الثورة الاشتراكية العظمى في روسيا

(سلسلة ملخصات ومقالات حول أهم النصوص اللينينية التي

ساهمت في بناء الحزب الاشتراكي الديموقراطي العمالي البلشفي الروسي)

المرحلة الأولى:1900-1912

سلسلة حلقات حول كتاب "المادية والمذهب النقدي التجريبي" لينين.

الحلقة الأولى

عند انتهاء الثورة الروسية سنة 1905 بالفشل، واستطاعة القيصرية تغيير موازين القوى الطبقية لصالحها، دخلت روسيا مرحلة جديدة في تاريخها، أطلق عليها اسم "المرحلة الستوليبينية"1.

بعد الموجة الثورية، التي صاحبت انطلاق ثورة 1905، أعقبتها مرحلة جزر كان لها أثر كبير على فئات المثقفين المعارضين للنظام القيصري، حيث انتشر اليأس و ساد الانحلال الأخلاقي، و برزت حالة التفكك في هاته الأوساط، بل الأنكى من ذلك أن عددا لا بأس به من مثقفي الحزب الاشتراكي الديموقراطي الروسي قد انتقل إلى معسكر أعداء الماركسية، فانطلقت محاولات ما سمي بمراجعة النظرية الماركسية، الشيء الذي استلزم من لينين توجيه رد قوي على التحريفيين من خلال كتابه "المادية و المذهب النقدي التجريبي".

بالعودة إلى روسيا تلك المرحلة، نجد أن الوضع السياسي في البلد قد عرف ما سمي بانقلاب 3 يونيو 1907، حيث أقدم القيصر و الحكومة الروسية، على حل دوما الدولة، خارقة بذلك بيانها في 17 أكتوبر 19052، الذي ينص على أنه "لا يمكن سن قوانين جديدة إلا بموافقة الدوما".

لقد تغيرت الأوضاع السياسية في البلاد فتم حل البرلمان، و تم تقديم أعضاء الفريق الاشتراكي الديموقراطي في البرلمان إلى المحاكمة، فتم إرسال ممثلي الطبقة العاملة إلى السجون و المنافي، و استغل النظام القيصري الوضع فسن قانونا انتخابيا جديدا، و طريقة جديدة للاقتراع لانتخاب الدوما الثالثة ساعدت في زيادة ممثلي الملاكين العقاريين و البورجوازية التجارية و الصناعية، و تم التقليص بشكل كبير لعدد ممثلي العمال و الفلاحين.

-الدوما الثالثة، الطبقات والأحزاب السياسية

لقد كانت الدوما الثالثة، كما سماها البلاشفة، دوما ل "المائة السود"3 و الكاديت.

- الملاكون العقاريون الإقطاعيون

لقد كانت الدوما الثالثة (البرلمان الروسي) تتكون من ملاكين عقاريين إقطاعيين رجعيين بشكل كبير، كانوا لا يزالون يضربون الفلاحين، بل يطلقون عليهم النار، كلما تحرك الفلاحون دفاعا عن حقوقهم و مطالبهم، و كانوا ينظمون حملات تصفية جماعية لليهود، و ينهالون بالعصي على العمال المضربين أو المتظاهرين، و تميزوا خلال ثورة 1905 بإحراقهم للمقرات التي تعقد فيها التجمعات خلال الأيام الثورية.

لقد كان هؤلاء يتميزون بالدعوة إلى قمع وحشي للعمال، و يدافعون عن سلطة لا محدودة للقيصر، و قد سبق لهم أن رفضوا بيان 17 أكتوبر 1905.

- حزب الأكتوبريين (اتحاد 17 أكتوبر)

ينتمي هذا الحزب إلى اليمين، ويعكس مصالح الرأسمال الصناعي الكبير، و كذلك مصالح الملاكين العقاريين الكبار، الذين ينتجون من أجل التصدير بطرق رأسمالية، و ما يميز هذا الحزب عن الجماعة الأولى هو إعلانهم الاتفاق اللفظي مع بيان 17 أكتوبر، و في الواقع كانوا يساندون السياسة الداخلية و الخارجية للحكومة القيصرية.

- حزب الكاديت (الحزب الدستوري الديموقراطي)

مثل هذا الحزب داخل الدوما الثالثة مصالح البورجوازية الروسية، و كان له مجموعة من القواعد سواء في الدوما الأولى أو الثانية.

خلال ثورة 1905، و بعد هزيمتها أسقط الكاديتيون قناعهم الديموقراطي، و تحركوا كملكيين حقيقيين يدافعون عن الملكية. خلال 1905، أصدر مجموعة من الكتاب الكاديت المرموقين، مجموعة نصوص تحت اسم فيكلي (لبنات) قاموا من خلاله و باسم البورجوازية بشكر القيصر لكونه قام بسحق الثورة، و في سياق خنوع تام للقيصرية، و في جو المشانق و المعتقلات و المنافي كتب هؤلاء "لنبارك هذه السلطة، التي وحدها، ببنادقها و سجونها ما زالت تحمينا (نحن هنا تعني البورجوازية اللبرالية) ضد الغضب الشعبي".

- مجموعة التروفيك4

كانت هذه المجموعة الصغيرة و القليلة العدد، تمثل مصالح البورجوازية الصغيرة الديموقراطية، وظلت هذه الجماعة تتأرجح بين الكاديت و الديموقراطية العمالية، ذلك أنها كانت نتاج وضع الملاكين الصغار (Petite exploitation ).

كان لينين، تجاه هذه الجماعة، يدعو تكتيكيا البلاشفة إلى مساعدة هؤلاء الديموقراطيين البرجوازيين الصغار و انتزاعهم من تأثير اللبراليين، و تشكيل معسكر الديموقراطية ضد الكاديت المناهضين للثورة، و ليس فقط ضد اليمين.

بعد حلها للدوما الثانية و اعتقال أعضاء الفريق الاشتراكي الديموقراطي داخلها، بدأت الحكومة القيصرية سياستها القائمة على تصفية المنظمات السياسية و الاقتصادية للبروليتاريا، فأصبحت السجون الرهيبة و القلعات و منافي سيبيريا ملأى بالثوريين، الذين كانوا يتعرضون للضرب و التعذيب و يتم إرسالهم إلى المشانق.

- مرحلة الإرهاب الستوليبيني :

خلال هذه المرحلة قطعت روسيا فترة رهيبة من تاريخها، فقد كان "المائة السود" في أوج نشاطهم الإرهابي القمعي، وكان ستوليبين قد ملأ روسيا بالمشانق، حيث تم شنق الآلاف من الثوريين، وقد أطلق الشعب الروسي على هاته المشانق اسم "ربطة عنق ستوليبين"، و هو اسم أطلق على حبال المشنقة، التي نصبها ستولبين للثوريين في كل مكان.

لقد استمات ستوليبين في محاولته الدفاع عن القيصرية و إنقاذها من السقوط، فحاول استغلال التأثير الإيديولوجي للقيصر وسط الفلاحين، فلجأ إلى مناورة كبيرة، استهدف بها تقوية الدعم للقيصر في البادية، و ذلك بتعزيز طبقة البورجوازية القروية (الكولاك5).

هكذا، و في سنة 1906 سن ستوليبين قانونا زراعيا جديدا يسمح للفلاحين بالانسحاب من المير6، و الإقامة في الخوطورس (الضيعات المعزولة). بهذه السياسة، قام ستوليبين بضرب الملكية الجماعية للأرض، من خلال دعوة الفلاح إلى أخذ قسمته كملكية شخصية و الانسحاب من المير، و أصبح بإمكانه بيعها خلافا للسابق. و بهذه الطريقة اغتنى الكولاك بشرائهم للأراضي بثمن بخس، في وقت أصبح فيه أكثر من مليون فلاح بدون أرض، و أفلسوا، و كان من اللازم إعطاء أحسن الأراضي للكولاك، كما قام ستوليبين و حكومته بتقديم قروض هامة للكولاك لشراء الأراضي و تكوين ضيعاتهم، هكذا جعل ستوليبين من طبقة الكولاك مدافعين عن الأوتوقراطية القيصرية. و من 1906 إلى حدود 1915، انسحب أكثر من مليوني مزارع من المير، و تفاقمت وضعية الفلاحين الصغار و الفقراء، و تعمقت الفوارق الطبقية وسط الفلاحين، مما ولد انفجار صراعات و نزاعات بين الفلاحين الصغار و طبقة الكولاك، و أصبح الفلاحون يدركون بأنهم لن يحصلوا على أراضي الإقطاعيين طالما استمرت حكومة القيصر و دوما الملاكين العقاريين و الكاديت.

لقد كانت سنوات 1907 – 1909 فترة تكون كثيف لضيعات الكولاك، كما أن حركة الفلاحين تراجعت خلال هذه الحقبة لتعود من جديد خلال حقبة 1910- 1911، و ذلك على قاعدة الصراع بين الفلاحين الجماعيين وضيعات طبقة الكولاك، لقد ازدادت قوة هذه الحركة ضد الملاكين العقاريين و طبقة الكولاك.

عرفت الصناعة خلال هذه الحقبة تعمق سيرورة التمركز بازدياد الشركات الصناعية الضخمة، و تمركزها بين يدي مجموعات رأسمالية قوية، فتشكلت التروستات وغيرها، وحصل نفس الشيء بالنسبة للأبناك الكبرى التي تزايد عددها، و ازداد كذلك دورها في الصناعة، و واكب ذلك دخول رساميل أجنبية (فرنسية و انجليزية) إلى روسيا، لقد أصبحت الرأسمالية في روسيا ذات طابع احتكاري امبريالي. لكن رغم كل هذا التطور في الصناعة، ظلت روسيا بلدا متخلفا بالمقارنة بأوروبا، و في نفس الوقت ذات تبعية للرساميل الأجنبية.

-المثقفون :

كانت هذه الفئة الاجتماعية الأكثر تأثرا بهزيمة 1905، فرفاق الطريق هؤلاء، اللذين جاؤوا من وسط بورجوازي ملتحقين بصفوف الثورة، عندما كانت تعرف انعطافة قوية، تركوا الحزب أيام الردة الرجعية. بعضهم التحق بصفوق العدو، و البعض الآخر فضل العمل فيما تبقى من جمعيات عمالية شرعية، محاولين صرف البروليتاريا عن طريق الثورة، وذلك عن طريق ضرب الحزب الثوري للبروليتاريا، لقد تأقلم هؤلاء مع الرجعية و النظام القيصري. و قد استغلت الحكومة القيصرية وضعية هزيمة الثورة لاستقطاب رفاق الطريق الأكثر جبنا للعمل كمخبرين.

لقد كان الخونة السيئ السمعة و المخبرين، اللذين بتتهم الأوخرانا7 داخل المنظمات العمالية، و داخل الحزب، يتجسسون من الداخل و يبيعون الثوريين.

و في سياق هذه الأوضاع، و على الجبهة الإيديولوجية برزت شرذمة من كتاب الموضة، اللذين "ينتقدون" و "يغتالون" الماركسية، مستخفين بالثورة، و ممجدين للخيانة و مستنقع الرذيلة باسم تقديس حرية الفرد.

هكذا، في مجال الفلسفة تعددت محاولات "نقد" و "مراجعة" الماركسية، و برزت في نفس الوقت أنواع شتى من التيارات الدينية، تختبئ تحت أقنعة "علمية" مزعومة. لقد أصبح نقد الماركسية موجة منتشرة، لقد كان كل هؤلاء السادة رغم تنوعهم الأقصى يتبعون هدفا واحدا مشتركا، و هو صرف الجماهير عن الثورة، و لقد انتقلت العدوى إلى داخل الحزب الاشتراكي الديموقراطي الروسي بتياريه، البلشفي أمثال (بوجدانوف و بزروف و يوناتشارسكي الذين التحقوا بالبلاشفة سنة 1905) و المنشفي أمثال (إيوشكفتش و فالانتينوف) .

لقد صوب هؤلاء و أولئك، و في نفس الوقت، نقدهم للأسس الفلسفية و النظرية للماركسية (المادية الجدلية و أسسها العلمية و التاريخية أي المادية التاريخية). لقد كان النقد منافقا و مغطى بقناع الدفاع عن المواقف الأساسية للماركسية، و يدعي أصحابه أنهم بالنسبة للأساسي فهم ماركسيون، لكنهم يريدون تطوير الماركسية و فصلها عن بعض المبادئ الأساسية. و في الواقع، فقد كانت هذه الفلول معادية للماركسية، تحاول ضرب مبادئها النظرية، في نفس الوقت الذي كانوا فيه، و بنفاق كبير ينكرون عداءهم للماركسية، بل ظلوا يصرخون لمن يريد أن يسمعهم بأنهم ماركسيون.

لقد كان هذا النقد المنافق يهدف إلى تغليط المناضلين القاعديين للحزب، ثم إن نقدهم المنافق كان يشكل خطرا بالنسبة للحزب، لأنه يتحالف مع الحرب، التي كانت تشنها فلول الرجعية ضد الحزب و الثورة. و في هذا السياق ظهرت فئة جديدة من المثقفين، تخلت عن الماركسية، و أصبحت تدعو إلى بناء دين جديد، و قد أطلق عليهم اسم "الباحثون عن الله" أو "بناة الله".

أمام حالة التفكك و الانحلال هاته، أصبح من الضروري توجيه رد قوي على هؤلاء المرتدين عن الماركسية، عبر نزع أقنعتهم و تعرية أهدافهم، وذلك للدفاع، و الحفاظ، على المبادئ النظرية للحزب الماركسي الثوري. لقد كان البعض يعتقد أن بليخانوف و بعض أصدقائه المناشفة سيتحملون مسؤولية الرد، إلا أن هؤلاء ما أن دبجوا بعض المقالات حتى تراجعوا إلى جحورهم.

لقد كان لينين هو من تحمل عبء هذه المهمة التاريخية، من خلال نشر كتابه الشهير "المادية و المذهب النقدي التجريبي" سنة 1909.

يقول لينين في هذا الكتاب: "في أقل من ستة أشهر ظهر أربعة كتب، مخصصة بشكل أساسي، تقريبا بالكامل، للهجوم على المادية الجدلية، إنها أولا "محاولات حول فلسفة الماركسية" (كان من الأحسن القول ضد) سانت بترسبورغ 1908 (مجموعة مقالات لبازروف و بوجدانوف و لوناتشرسكي و برمان وهلفود و إيوشكفتش و سوفاروف)، ثم هنالك كتاب "المادية و الواقعية النقدية" ل إيوشكفتش، و كذلك كتاب "الديالكتيك على ضوء النظرية المعاصرة للمعرفة" ل برمان، و كتاب "البناءات الفلسفية للماركسية" ل فلانتينوف .

لقد كان كل هؤلاء الأشخاص، اللذين وحدهم – رغم اختلاف مواقفهم السياسية – يكنون الحقد للمادية الجدلية، ويزعمون أنهم ماركسيون في مجال الفلسفة.

إن ديالكتيك انجلز هو روحانية كما يقول برمان، و تصورات انجلز قد "تقادمت"، يطرحها بازروف بشكل عابر، كشيء بديهي، فالمادية على ما يظهر قد تم دحضها من طرف هؤلاء المحاربين الشجعان، اللذين يستمدون العون باعتزاز من "النظرية المعاصرة للمعرفة"، "الفلسفة المعاصرة" (أو"الوضعية المعاصرة")، "فلسفة العلوم الطبيعية المعاصرة"، بل حتى "فلسفة العلوم الطبيعية للقرن العشرين" " لينين، المجلد 13، الطبعة الروسية .

في جواب على لونتشارسكي، الذي، في محاولة لتقديم التبرير لأصدقائه التحريفيين في الفلسفة، يقول: "من الممكن أن نضل، لكننا نبحث" جاء رد لينين كما يلي: "فيما يخصني، فأنا باحث في الفلسفة... لقد ألقيت على نفسي مهمة البحث عما يسقط في معضلة، هؤلاء الناس، اللذين يقدمون لنا بلون ماركسي، شيئا غير منسجم بشكل لا يصدق، غامض و رجعي".

علي محمود

الهوامش

1 ــ الستوليبينية نسبة إلى ستوليبين (بيوتر أركدييفيتش) سياسي روسي رجعي أصبح وزيرا أولا للقيصرنيكولا الثاني من 8 يوليوز1906 إلى 5 سبتمبر 1911. وكان ستوليبين عدوا لذودا للثورة وللاشتراكيين الديموقراطيين الروس، عرف بالمشانق الكثيرة التي نصبها على امتداد روسيا إلى حد سمى الشعب الروسي تلك المشانق ب " ربطة عنق ستوليبين "(Cravate de Stolypine).وقد اغتال الاشتراكي الثوري الروسي ديمتري بوغروف ستوليبين يوم 14سبتمبر1911.

2 ــ بيان 17 اكتوبر 1905 هو البيان الذي أصدره القيصر الروسي نيكولا الثاني، وأعلن فيه ،عن دعوته إلى انتخاب مجلس الدوما الأول (البرلمان الروسي) ، وذلك تحت ضغط الأوضاع الثورية في روسيا آنذاك.

3 ــ المائة السود: حركة قومية ملكية رجعية روسية ظهرت خلال ثورة 1905 الروسية وشكلت أقصى اليمين الرجعي المناهض للثورة.

4 ــ التروفيك: فريق داخل الدوما الثالثة ،وكان يمثل مصالح الفلاحين الصغار.

5 ــ الكولاك: هم الفلاحون الأغنياء الروس، ومقابل هذه الطبقة الفلاحية في روسيا، كان هناك الموجيك (الفلاحون الفقراء) وهم الأغلبية الساحقة في الريف الروسي.

6 ــ المير: الجماعة الفلاحية القروية الروسية قبل الثورة، وكانت تقوم على الملكية الجماعية للأرض.

7 ــ الأوخرانا: هي الاسم الروسي ل" فرقة الحفاظ على الأمن والنظام العام" أي البوليس السياسي السري للإمبراطورية الٌقيصرية، من نهاية القرن 19 وإلى حدود سقوط النظام القيصري سنة 1917.