Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

النص الرابع ــ الجزء الأول ــ دفاتر "قوموا بالتحقيقات ولا تنطقوا بالحماقات" ـ

يقدم موقع الشرارة الماركسي ــ اللينيني، الأداة النظرية للمركز الماركسي ــ اللينيني للدراسات والأبحاث والتكوين، النص الرابع من الجزء الأول من سلسلة دفاتر "قوموا بالتحقيقات ولا تنطقوا بالحماقات"، وهو بعنوان " في المعالجة الصحيحة للتناقضات في صفوف الشعب"

الجزء الأول

النص الرابع

إنجاز جميلة صابر

في المعالجة الصحيحة للتناقضات في صفوف الشعب

1) السياق العام للنص:

يعالج النص كما هو الحال بالنسبة للنصوص الثلاثة الأخرى، وهو تفصله عن أولاها 31 سنة ، مسألة معرفة الأعداء والأصدقاء بالنسبة للثورة، وللنص أهمية، لأنه في نفس الوقت الذي يستفيد فيه من خبرات 36 سنة من العمل الثوري وسط الجماهير، فهو يضيف اجتهادا جديدا فيما يخص معالجة التناقضات خلال طور بناء الاشتراكية، وللتذكير فقد جاء النص بعد الأحداث التي وقعت في أوروبا الشرقية، كما حصل في هنغاريا سنة 1956، وهو في نفس الوقت قراءة نقدية للتجربة السوفياتية فيما يخص حل التناقضات خلال مرحلة بناء الاشتراكية، وفي ظل دكتاتورية البروليتاريا، ويعتبر في هذا الصدد إحدى إسهامات ماو المهمة بالنسبة للماركسيين –اللينينيين، حيث لا يكتفي بتحديد الطبقات ومواقفها المختلفة من الثورة، بل يعطي أهمية خاصة لمفهوم الشعب كمفهوم استراتيجي، ككتلة تخترقها تناقضات، ومن تم دور البروليتاريا في جر كل الفئات الاجتماعية إلى تبني الاشتراكية والمساهمة في بنائها، وذلك بأساليب خاصة لا تخلط بين الأهداف والوسائل .

موضوع هذا النص، خطاب ألقاه ماوتسي تونغ في الدورة الحادية عشرة الموسعة لمجلس الدولة الأعلى، المنعقد في فبراير 1957، وقد أعاد ماو تسي تونغ النظر في المحضر، وأدخل عليه إضافات قبل أن تنشره جريدة "الشعب" اليومية بتاريخ نونبر 1957.

بالإضافة إلى أن الخطاب تناول التناقضات في صفوف الشعب، والكيفية الصحيحة لمعالجتها، تناول أيضا التناقضات بين الشعب وأعداء الشعب، ويركز ماو تسي تونغ على مسألة رسم خط فاصل بين الشعب وأعدائه، والتناقضات بين صفوف الشعب. يقول ماو:

"ومن الضروري جدا في هذا الوقت بالذات أن نعرض مسألة رسم خط بيننا وبين أعدائنا والتناقضات بين صفوف الشعب، بغية حشد قوى جميع القوميات في بلادنا في سبيل خوض معركة جديدة من أجل تنمية اقتصادنا وتطوير ثقافتنا".

2) ماو تسي تونغ وتحديد مفهوم الشعب

إن مفهوم الشعب عند ماو مفهوم استراتيجي، مفهوم يرقى إلى مستوى التجريد، وهو أيضا مفهوم متحرك، يختلف باختلاف المراحل التي يمر منها الشعب في تطوره، إنه مفهوم يختلف باختلاف البلدان وباختلاف الفترات التاريخية التي يمر بها كل بلد.

1 – مفهوم الشعب خلال مرحلة مقاومة اليابان:

في فترة حرب المقاومة ضد الغزاة اليابانيين، كان الشعب يتألف من جميع الطبقات والفئات والكتل الاجتماعية، التي كانت تقاوم العدوان الياباني، بينما كان الاستعماريون اليابانيون والخونة والعناصر الموالية لليابان هم أعداء الشعب".

2- مفهوم الشعب في فترة الحرب التحريرية:

في هذه الفترة كان الاستعماريون الأمريكيون وأذنابهم من البورجوازية البيروقراطية، والملاكون العقاريون والرجعيون المنتمون إلى الكومنتانغ، الذين يمثلون هاتين الطبقتين هم أعداء الشعب، وكان الشعب يشمل آنذاك جميع الطبقات والفئات والكتل الاجتماعية، التي كانت تقف ضد هؤلاء الأعداء.

3- مفهوم الشعب في المرحلة الراهنة:(مرحلة بناء الاشتراكية)

في مرحلة بناء الاشتراكية، يشمل الشعب جميع الطبقات والفئات والكتل الاجتماعية، التي تستحسن وتساند قضية البناء الاشتراكي وتسهم فيها، وأن أعداء الشعب هم جميع القوى الاجتماعية، التي تقاوم الثورة الاشتراكية، والتي تقف من البناء الاشتراكي موقفا عدائيا وتعمل على تقويضه.

يعكس اختلاف مفهوم الشعب اختلاف التناقضات بين صفوفه والمرتبطة بكل مرحلة تاريخية.

3) في معالجة التناقضات في صفوف الشعب:

تختلف التناقضات في صفوف الشعب، وهنا يجب التمييز بين التناقضات العدائية والتناقضات غير العدائية، فالتناقضات فيما بين الشغيلة هي تناقضات غير عدائية، في حين أن التناقضات بين الطبقات المستغلة والطبقات المستغلة يوجد فيها جانبان، الجانب العدائي والجانب غير العدائي، والتناقضات بين صفوف الشعب ليست بالمسألة الجديدة، إلا أن محتواها يختلف في كل فترة من فترات الثورة، وفي فترة البناء الاشتراكي.

4) التناقضات المختلفة وسط الشعب وأساليب حلها:

- التناقضات المختلفة في صفوف الشعب:

يقول ماو:

"...وفي ظروف الصين الراهنة، تتضمن التناقضات في صفوف الشعب، التناقضات داخل طبقة العمال، والتناقضات داخل طبقة الفلاحين، والتناقضات بين المثقفين، والتناقضات بين العمال وطبقة الفلاحين، والتناقضات بين العمال والفلاحين من جهة والمثقفين من جهة أخرى، والتناقضات بين طبقة العمال وسائر الشغيلة من جهة والبورجوازية الوطنية من جهة أخرى".

بمعنى ان التناقضات في صفوف الشعب تكون بين الطبقات والفئات، وتكون أيضا بين فئات الطبقة الواحدة، وقد تكون عدائية وغير عدائية، فمثلا تعد التناقضات بين طبقة العمال وبين البورجوازية الوطنية في الصين تناقضات في صفوف الشعب، لأن البورجوازية الوطنية تختلف عن الاستعماريين، وعن الملاكين العقاريين الكبار والبورجوازية البيروقراطية. أما التناقضات بين طبقة العمال والبورجوازية الوطنية، فهي تناقضات بين مستغلين ومستغلين، وهي تناقضات عدائية، لكنها قد تتحول إلى تناقضات غير عدائية، وتحل بالطرق السلمية إذا عولجت بطريقة صائبة.

يتبين أنه إذا كان مفهوم الشعب مفهوما استراتيجيا متحركا، فإن التناقضات في صفوف الشعب هي بدورها مفهوم متحرك.

- أساليب حل التناقضات وسط الشعب:

إذا كانت التناقضات مختلفة، بين الشعب وأعدائه ووسط الشعب، فأساليب حلها أيضا هي مختلفة. يقول ماو تسي تونغ في هذا الصدد:

"وبما أن التناقضات بيننا وبين أعدائنا، والتناقضات بين صفوف الشعب تشكلان نوعين مختلفين، فإن سبل حلهما كذلك مختلفة، وموجز القول، أن النوع الأول من التناقضات يتعلق بمسألة رسم خط فاصل بيننا وبين أعدائنا، أما النوع الثاني منها، فهو يتعلق بالتمييز بين الحق والباطل".

إن حل التناقضات في صفوف الشعب، تختلف باختلاف المراحل التي قطعتها الثورة الصينية، وبالتالي يجب التمييز بين مرحلة الديموقراطية الجديدة ومرحلة المجتمع الاشتراكي.

1) مرحلة الديموقراطية الجديدة:

أو ما يسمى ايضا بالدكتاتورية الديموقراطية الشعبية، في دولة الديكتاتورية الديموقراطية الشعبية هذه، التي تقودها طبقة العمال، وتقوم على أساس تحالف العمال والفلاحين، فإن مهمتها الأولى في الداخل، هي كبت الطبقات الرجعية والرجعيين والمستغلين المناهضين للثورة الاشتراكية، وكبت جميع من يعملون على تقويض البناء الاشتراكي. يقول ماو تسي تونغ حول حل التناقضات بين الشعب:

"إن حل التناقضات بيننا وبين اعدائنا في داخل البلاد يدخل في نطاق وظائف دكتاتوريتان على سبيل المثال، اعتقال بعض العناصر المناهضة للثورة والحكم عليها، وحرمان الملاكين العقاريين والبورجوازيين البيروقراطيين من الحقوق الانتخابية ومن حرية الكلام لفترة محددة".

من الطبيعي أن هذه الدكتاتورية تمارسها طبقة العمال والشعب، الذي تقوده هذه الطبقة، لكن هذه الدكتاتورية لا تطبق داخل صفوف الشعب، لأن ذلك لا يصح. يقول ماو:

"إن الدكتاتورية لا تطبق داخل صفوف الشعب، فلا يصح أن يمارس الشعب الدكتاتورية على نفسه، وأن يضطهد قسم من الشعب قسما آخر منه ... إن ما يطبق داخل صفوف الشعب هو المركزية الديموقراطية ... إن ديموقراطيتنا الاشتراكية هي أوسع ديموقراطية ..."

وفي تعريف الدكتاتورية الديموقراطية للشعب، يقول ماو:

"إن دكتاتوريتنا تعرف باسم الدكتاتورية الديموقراطية الشعبية، التي تقودها طبقة العمال، وتقوم على أساس تحالف العمال والفلاحين، وهذا معناه تطبيق الديموقراطية داخل صفوف الشعب، بينما تقوم طبقة العمال بممارسة الدكتاتورية على الطبقات الرجعية، والرجعيين والعناصر التي تناهض التحويلات الاشتراكية وتقاوم البناء الاشتراكي".

ويربط ماو تسي تونغ بين الديموقراطية والمركزية، وبين الحرية والتقيد بالنظام الاشتراكي، ففي ظل المركزية الديموقراطية، يتمتع الشعب بقسط كبير من الديموقراطية والحرية، وفي نفس الوقت التقيد بالنظام الاشتراكي، وبالنسبة لجميع المسائل ذات الصفة الفكرية، وجميع المسائل المختلف عليها داخل صفوف الشعب، لا يمكن أن تحل إلا بأساليب ديموقراطية، مثل أساليب النقاش والنقد والإقناع والتثقيف، ولا يمكن حلها بأساليب الإكراه أو الضغط. وهذه الوسيلة الديموقراطية لحل التناقضات في صفوف الشعب اختصرها ماو في صيغة "وحدة – نقد – وحدة، حيث، يقول في ذلك:

"ننطلق من الرغبة في الوحدة، ونحل التناقضات عن طريق النقد أو النضال، لنتوصل إلى وحدة جديدة على أساس جديد. ويتضح من تجاربنا، أن هذه هي الطريقة الصحيحة لحل التناقضات في صفوف الشعب، وقد طبقنا هذه الطريقة عام 1942 لحل التناقضات داخل الحزب الشيوعي، أي التناقضات بين ذوي نزعة الجمود العقائدي وبين الجماهير الواسعة من أعضاء الحزب، والتناقضات بين الجمود العقائدي وبين الماركسية".

إن حل التناقضات في صفوف الشعب اعتمدت طريقة جديدة أساسها الانطلاق من الرغبة في الوحدة، والتمييز بين ما يسميه ماو تسي تونغ، بين الحق والباطل، أي الصحيح وغير الصحيح، عن طريق النقد أو النضال، للتوصل إلى وحدة جديدة على أساس جديد، ومن هنا، يتبين أن الوحدة عند ماو هدف أساسي يقوم على النقد. لقد استعمل ماو هذه الطريقة في مناسبات ومواقف متعددة، فقد استعملها داخل الحزب وخارجه في تسوية العلاقات بين الحزب والجماهير، وبين الجيش والسكان، وبين الضباط والجنود، وسائر العلاقات داخل صفوف الشعب، وإبان حرب المقاومة ضد الغزاة اليابانيين، وبعد تحرير البلاد تم تطبيقها على الأحزاب الديموقراطية والأوساط الصناعية والتجارية.

إن هذا الأسلوب في حل التناقضات في صفوف الشعب لا يستثني أي مجال من المجالات ويهم كل الصينيين. يقول ماو:

"... ومهمتنا الآن، هي أن نستمر في تعميم وتحسين استعمال هذه الطريقة بين الشعب باسره، وأن نطالب بتطبيقها لأجل حل التناقضات الداخلية في جميع المصانع، وفي جميع تعاونيات الإنتاج والمؤسسات التجارية، ومؤسسات التعليم والدوائر والمنظمات الاجتماعية، وبالإجمال، بين الستمئة مليون إنسان في بلادنا".

ويشير ماو إلى أن التناقضات في صفوف الشعب لا تعتبر تناقضات عدائية في الأوضاع العادية، لكن عندما تعالج التناقضات في صفوف الشعب، معالجة غير صائبة وغير صحيحة تصبح تناقضات عدائية، وبالتالي تكون التناقضات عدائية أو غير عدائية حسب طريقة معالجتها.

يؤكد ماو، على أن حل التناقضات في صفوف الشعب في ظل نظام الدكتاتورية الديموقراطية الشعبية، يتم بواسطة الديموقراطية، أي عن طريق النقاش، النقد، الإقناع والتثقيف.

في ظل نظام الدكتاتورية الديموقراطية الشعبية، وفي سبيل حل التناقضات بيننا وبين أعدائنا وبين صفوف الشعب، كما يقول ماو تسي تونغ–وهما نوعان من التناقضات يختلفان من حيث طابعهما- يجب اتباع طريقتين مختلفتين هما الدكتاتورية والديموقراطية.

الدكتاتورية الديموقراطية الشعبية: الديموقراطية للشعب والدكتاتورية للرجعيين، وأن الأساليب التي يتم استخدامها في سبيل حل المسائل القائمة داخل صفوف الشعب هي أساليب ديموقراطية، أي أساليب الإقناع وليست أساليب الإكراه.

لكن بالإضافة إلى الإقناع، فإن الطريقة الديموقراطية تقوم أيضا على تثقيف الشعب، أي التثقيف الذاتي في صفوف الشعب، والطريقة الأساسية للتثقيف الذاتي تتم عن طريق النقد والنقد الذاتي.

2) مرحلة البناء الاشتراكي:

بما أن المجتمع الاشتراكي يختلف عن المجتمع الذي ما قبله، فإن ماو يميز بين التناقضات القائمة في المجتمع الاشتراكي وتناقضات المجتمع القديم، حيث يقول:

"... ولكن تناقضات المجتمع الاشتراكي تختلف اختلافا جذريا عن تناقضات المجتمع القديم، كتناقضات المجتمع الرأسمالي مثلا، فتناقضات المجتمع الرأسمالي تظهر بصورة عدائية، وعلى شكل نزاعات حادة، إنها تظهر في نضال طبقي شديد، ولا يمكن إيجاد حد لها عن طريق النظام الرأسمالي نفسه، فهي لا تحل إلا بالثورة الاشتراكية، غير أن الأمر على خلاف ذلك فيما يتعلق بتناقضات المجتمع الاشتراكي، إذ أن هذه التناقضات ليست عدائية، والمجتمع الاشتراكي نفسه قادر على حلها واحدة بعد أخرى".

إن النظام الاشتراكي حديث العهد في الصين، ولم يتوطد بعد بصفة كاملة، فالاستغلال ما زال قائما، وأن طابع الملكية لا زال غير اشتراكي بعد، ومسألة العلاقة بين التكديس والاستهلاك من الصعب حلها دفعة واحدة، مما يبين صعوبة توطيد النظام الاشتراكي توطيدا كاملا، وقد لخص ماو هذه الصعوبة في عدة أسباب فيقول:

"إن علاقات الإنتاج الاشتراكية قد تم إيجادها، وهي تتجاوب مع تطور القوى المنتجة، ولكنها لا تزال ناقصة إلى حد بعيد، وهذا النقص هو في حالة تناقض مع تطور القوى المنتجة ... ويبرز أيضا وضع يكون فيه البناء الفوقي متطابقا مع القاعدة الاقتصادية، ولكنه في نفس الوقت في حالة تناقض معها".

كما أن ماو يرى في وجود الإيديولوجيا البورجوازية وبعض الأساليب البيروقراطية في العمل في دوائر الدولة، ووجود نواقص في بعض أوجه نظام الدولة، يجعلها في حالة تناقض مع القاعدة الاقتصادية الاشتراكية، وبالتالي فهذا أمر يطرح، ويتطلب ضرورة الاستمرار في حل مثل هذه التناقضات وفق الظروف الواقعية، وكلما طرحت قضايا جديدة بعد حل هذه التناقضات، ينبغي أيضا حل هذه التناقضات الجديدة، وهكذا دواليك. يقول ماو وهو يتحدث مثلا عن التناقضات بين الإنتاج الاجتماعي والحاجات الاجتماعية، التي ستبقى موجودة موضوعيا خلال مدة طويلة من الزمن، والتي ينبغي تسويتها باستمرار عن طريق برامج تضعها الدولة:

"في بعض الأحيان تبرز تناقضات ويختل التوازن بسبب عدم مطابقة التسوية الذاتية للواقع الموضوعي، وهذا ما يطلق عليه ارتكاب خطأ. إن التناقضات تبرز على الدوام، وهذا يشكل القانون الديالكتيكي لتطور الأشياء".

عندما يتعرض ماو للوضع القائم، فهو يركز على أن هناك مستويين في النضال الطبقي: النضال الطبقي الجماهيري في مرحلة الثورة، الذي انتهى بالاستيلاء على السلطة السياسية، والنضال الطبقي في ذاته، وهو المستوى الثاني، يقول ماو عن هذا الأخير:

"... إلا أن النضال الطبقي في ذاته لم ينته بعد تماما، فالجماهير الشعبية الغفيرة ترحب بالنظام الجديد من جهة، ولكنها من جهة أخرى لم تألفه بعد ... إن نظامنا الاشتراكي لا يزال بحاجة لبعض الوقت ليترعرع ويتوطد، وأن جماهير الشعب بحاجة ايضا إلى بعض الوقت لكي تعتاد على هذا النظام الجديد".

هكذا، ومن أجل توطيد النظام الجديد وبناء الدولة الجديدة، من الضروري جدا رسم خط فاصل بين الشعب وأعدائه، والتناقضات في صفوف الشعب، وكذلك مسألة المعالجة الصحيحة للتناقضات في صفوف الشعب.

ودائما في سياق التناقضات في صفوف الشعب في مرحلة البناء الاشتراكي، يتعرض ماو تسي تونغ أيضا لمسألة المثقفين، ومسألة الأقليات القومية، والثقافة الاشتراكية، كما تعرض لمشكل البيروقراطية:

- في مسألة المثقفين:

تتجلى التناقضات في صفوف الشعب أيضا، في التناقضات بين المثقفين، فالانتقال من مجتمع قديم إلى مجتمع جديد، يطرح كيف لعدة ملايين من المثقفين أن يبلغوا مستوى متطلبات المجتمع الجديد، وكيف يمكن مساعدتهم لكي يبلغوا هذا المستوى، فهذا أيضا يعتبر تناقضا في صفوف الشعب ومن الضروري حله، فكيف يمكن حل هذا النوع من التناقض في صفوف الشعب؟

كثير من المثقفين يناصرون النظام الاشتراكي، وأصبح قسم كبير منهم من الشيوعيين، وعددهم يتزايد شيئا فشيئا، وأولئك الذين لا زالوا لا يتقبلون الاشتراكية هم قلة. وبما أن بناء الاشتراكية في الصين يتطلب أن يعمل به أكبر عدد من المثقفين، فكيف يمكن حل التناقضات في صفوف المثقفين؟

يقول ماو بصدد ذلك:

"يجب علينا أن نثق في جميع المثقفين الراغبين حقا في العمل لقضية الاشتراكية، وأن نحسن علاقاتنا معهم تحسينا جذريا، وأن نساعدهم على حل جميع المسائل التي تتطلب حلا، كيما نتيح لهم ان يظهروا مواهبهم ومؤهلاتهم بنشاط، وهناك كثير من رفاقنا لا يعرفون كيف يتحدثون مع المثقفين، وهم يتصلبون في مواقفهم تجاه هؤلاء، ولا يحترمون عملهم، ويسمحون لأنفسهم في الميدان العلمي والثقافي، بأن يتدخلوا بطريقة لا تليق في شؤون لا يجوز لهم التدخل فيها".

وحسب ماو، فإن هذه النواقص تجاه المثقفين ينبغي التخلص منها. لكن ماذا عن المثقفين أنفسهم؟ يقول ماو:

"ولكي يكون المثقفون في مستوى متطلبات المجتمع الجديد بشكل تام، ويؤلفوا كلا واحدا مع العمال والفلاحين، يجب عليهم أن يثابروا على إعادة تثقيف أنفسهم، وأن ينبذوا شيئا فشيئا المفهوم البورجوازي للعالم، ويكونوا لأنفسهم مفهوما بروليتاريا شيوعيا للعالم ... ويستوعبون الماركسية –اللينينية شيئا فشيئا، كلا واحدا مع العمال والفلاحين" .

وبما أن تبديل المفهوم للعالم بشكل نهائي يتطلب وقتا طويلا جدا، لذلك كما يقول ماو:

"يجب علينا أن نثابر على عملنا بأناة دون أي استعجال ... لا ينبغي أن نكون لجوجين فيما نتوخاه من هؤلاء الناس". كما يرفض ماو الأساليب الفظة في إعادة التثقيف الإيديولوجي.

- بصدد الثقافة الاشتراكية:

على أساس الوضع الملموس في الصين، والمتمثل في استمرار تناقضات مختلفة في المجتمع الاشتراكي، وأن المتطلبات المحلية للدولة تحتاج إلى السرعة في إنماء اقتصادها وثقافتها، فقد تمت صياغة شعار "دع مئة زهرة تتفتح ومئة مدرسة تتفتح ومئة مدرسة فكرية تتبارى"، وشعار: "التعايش الطويل الأمد والرقابة المتبادلة".

ففي ميدان الفن يمكن أن تنمو بحرية أشكال وأساليب مختلفة، وفي مجال العلم يمكن أن تتبارى بحرية مدارس متنوعة، ويرفض ماو الترويج القسري لهذا الأسلوب، أو لهذه المدرسة، وتحريم ذلك الأسلوب أو تلك المدرسة بقوة السلطة الإدارية، لأن ذلك بالنسبة له عمل يضر بتطور الفنون والعلوم. وفيما يخص حل مسألة الصواب والخطأ في مجال العلم والفن يقول ماو:

"إن مسألة الصواب والخطأ في الفن وفي العلم ينبغي أن تحل عن طريق نقاش حر بين الفنانين والعلماء، وعن طريق ممارسة العلم والفن، ولا يجب أن تحل بأساليب بسيطة، وغالبا ما يكون امتحان الزمن ضروريا للبث فيما هو صحيح وما هو خاطئ".

ولأن التطور حسب ماو يتم في غمرة النضال، فإنه في مسألة الصواب والخطأ في الفن والعلم يجب تشجيع النقاش الحر، وعدم التسرع في إطلاق الاستنتاجات، ويقدم ماو مثالا من الماركسية، التي كانت تتعرض لمختلف أنواع الهجمات، واعتبرت "عشبة سامة" في كثير من مناطق العالم، لكن وضعيتها في البلدان الاشتراكية مغايرة عما يوجد في تلك المناطق، لكن هذا لا يعني أن الأفكار الماركسية تمكنت من الجميع، بل ما تزال فيها أفكار غير ماركسية ومناهضة للماركسية، يقول ماو تسي تونغ:

"إن التحويل الاشتراكي في بلادنا فيما يختص بالملكية قد أنجز من حيث الأساس، وأن نضال الجماهير الطبقي الواسع، الشبيه بالعاصفة، الذي كان قائما في المرحلة الثورية قد انتهى الآن من حيث الأساس، غير أنه ما تزال هناك بقايا من طبقات الملاكين العقاريين والكومبرادور المخلوعة، وما تزال البورجوازية موجودة، والبورجوازية ما تزال في بداية إعادة تثقيفها، والنضال الطبقي لم ينته بعد".

إنه حيال الأفكار الخاطئة الموجودة في صفوف الشعب، لا يمكن إنماء الأفكار الصحيحة، والقضاء على الآراء الخاطئة وحل المسألة حلا حقيقيا إلا عن طريق النقاش والنقد وتبيان الحقيقة. وفي هذا يقول ماو:

"... من واجبنا انتقاد جميع الأفكار الخاطئة، ومن البديهي أنه لا يمكن عدم انتقاد الأفكار الخاطئة، والنظر إليها بلا مبالاة وهي تنتشر في كل مكان، والسماح لها أن تحتكر السوق، بل إذا كانت هناك أخطاء فيجب انتقادها، وإذا ظهرت أعشاب سامة فيجب مكافحتها، غير أنه لا يمكن أن يكون الانتقاد متصفا بالجمود العقائدي ... يجب أن يبنى الانتقاد على التحليل العلمي وأن يكون مقنعا تماما".

- بصدد مسألة البيروقراطية:

يعتبر ماو البيروقراطية الإدارية أمرا غير مقبول، لما تسببه من ظهور فتن في صفوف الشعب حيث يقول:

"نحن لا نقبل بالفتن، لأن التناقضات في صفوف الشعب يمكن حلها بطريقة: وحدة – نقد _ وحدة ... من الضروري أن نقضي بشكل جدري على أسباب الفتن، أن نتخلص بشكل حازم من البيروقراطية، وأن نعزز التثقيف الإيديولوجي والسياسي بقدر كبير، وأن نحل جميع أنواع التناقضات على نحو ملائم".

إذ يرى ماو في الفتن التي تظهر في صفوف الجماهير وفي المجتمع أمرا سيئا:

"... وإننا لا نقبل بها، ولكن مثل هذه الحوادث حين تقع فعلا يمكن أن تدفعنا إلى استخلاص العبر، وإلى التخلص من البيروقراطية وإلى تثقيف الكوادر والجماهير".

- بصدد مسألة السيء والجيد:

في هذه المسألة، يرى ماو أنه يجب النظر في المسائل من جميع الوجوه، أي النظر إلى الوجه الظاهري، وأيضا للوجه الخلفي للأشياء حيث يقول:

"... ففي شروط معينة، يتحتم أن يتحول كل مظهر من المظهرين المتعارضين لتناقض ما إلى نقيضه، نتيجة التنازع بينهما، إن الشروط هنا هامة، فبدون شروط معينة لا يمكن لهذين المظهرين المتنازعين أن يتحولا إلى نقيضهما".

5) التناقضات الاقتصادية في المجتمع الاشتراكي وطرق حلها:

إن الصين بلاد اشتراكية كبيرة، لكنها في الوقت نفسه بلاد متخلفة اقتصاديا، وبلاد فقيرة، وهذا تناقض كبير في الصين، فكيف يرى ماو حل هذا التناقض؟ إن ماو يرى ذلك في الممارسة الصارمة للتوفير ومكافحة التبذير والإسراف إذ يقول:

"فلكي تصبح بلادنا غنية وقديرة، يجب بذل جهود دائبة على مدى عشرات من السنين، هذه الجهود التي تشمل، في جملة ما تشمله، تطبيق السياسة التي مفادها، بناء بلادنا بالجد والتوفير، أي الممارسة الصارمة للتوفير ومكافحة الإسراف".

ويجب أن يتم ذلك في كل أنحاء البلاد، لأن الصين الاشتراكية ما تزال تعوزها الخبرة في البناء.

وحول المسائل الاقتصادية المرتبطة بهذا البناء يتعرض ماو لمسألة طريق التصنيع، وبالأساس مسألة العلاقة ما بين نمو الصناعة الثقيلة والصناعة الخفيفة والزراعة، ويعتبر ان الصناعة الثقيلة هي نواة البناء الاقتصادي في البلاد، ولكن يجب في نفس الوقت إنماء الزراعة والصناعة الخفيفة المرتبطان أشد الارتباط، وماو هنا يستحضر التجربة السوفياتية في عهد ستالين التي كانت لها نتائج خطيرة على المجتمع السوفياتي وعلى مصير الاتحاد السوفياتي عموما.

وفي حقل البناء الاقتصادي يركز ماو على مسألة اكتساب الخبرة، إذ يقول:

"إن خبرتنا ما تزال ناقصة في حقل البناء الاقتصادي ... فينبغي لنا أن نستزيد من الخبرة ... إننا نطلب أن تكون مرحلة اكتساب الخبرة في حقل البناء الاقتصادي أقصر من مرحلة اكتساب الخبرة الثورية، كما نطلب ألا يكلفنا اكتساب هذه الخبرة مقدار ما كلفنا اكتساب الخبرة الثورية" .

يرى ماو أنه يجب إدراك أن في هذا الأمر تناقضا، وهو تناقض بين القوانين الموضوعية للنمو الاقتصادي في المجتمع الاشتراكي، وبين الإدراك الذاتي للشعب، ويعد هذا عند ماو تناقضا في صفوف الشعب، فكيف يجب حل هذا التناقض؟ يقول ماو:

"إن هذا التناقض أيضا بين الناس بوصفه تناقضا بين من يعكسون القوانين الموضوعية على نحو صحيح نسبيا، وبين من يعكسونها على نحو خاطئ نسبيا".

ولكي تصبح الصين بلدا صناعيا يرى ماو:

"أنه يجب علينا أن ندرس بشكل جدي خبرة الاتحاد السوفياتي المتقدمة ... وخبرته ثمينة جدا بالنسبة لنا ... بل يجب دراسة الخبرة الجيدة المكدسة لدى جميع البلدان، أي استيعاب الخبرة التي فيها فائدة للصين، فهذا الموقف هو ما تحتاجه الصين".

يرى ماو أن جميع التناقضات موجودة موضوعيا، ومهمة الصين الاشتراكية هي أن تعكسها وتحلها على نحو صحيح قدر الإمكان.