Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

حول قانون التناقض ــ الجزء الأول ــ علي محمود

الجزء الأول

 

- I - لينين، ماو، قانون التناقض

1) لينين و قانون التناقض من خلال

مقالة "حول مسالة الديالكتيك"

كتب لينين مقالة "حول مسالة الديالكتيك" سنة 1915، تعميما لدراساته حول الديالكتيك في تلك الفترة الحاسمة من تاريخ القرن العشرين، حيث كانت الحرب الامبريالية الأولى قد اندلعت، و تحولت معها الاشتراكية الديموقراطية الأوربية إلى جثة، بعد خيانتها لمبادئ الثورة الاشتراكية والأممية البروليتارية.

كان لينين قد أعاد دراسة هيجل من جديد و استوعب جوهر أطروحاته الفلسفية حول الديالكتيك، و تم ذلك في ظروف تاريخية كانت تعرف انشطارات كبرى حتمت إعداد المنهج الثوري لاستيعاب تناقضات المرحلة، و العمل على حلها، في وقت كان العديد من الماركسيين السابقين قد ضعفوا أو انهاروا أمام تلك التحديات الكبرى. في تلك المقالة الشهيرة كثف لينين أهم أطروحاته حول الديالكتيك.

 

أ) الأطروحة الأولى : ازدواج الواحد و معرفة جزئيه المتناقضين كجوهر للديالكتيك.

كتب لينين معرفا الديالكتيك بما يلي:

"إن ازدواج ما هو واحد و معرفة جزئيه المتناقضين، يشكلان جوهر الديالكتيك (أحد جواهره، إحدى خصائصه أو ميزاته الرئيسية، إن لم تكن خاصيته الرئيسية). على هذا النحو بالضبط يطرح هيجل المسألة بدوره ...".

بعد هذا التعريف أكد لينين على ضرورة إثبات هذا الجانب من مضمون الديالكتيك و ذلك بواسطة تاريخ العلم، و هي دعوة لكل الماركسيين للبحث الدائم في لب الديالكتيك من خلال الدراسات و البحوث العلمية، حتى لا يظل التعريف أعلاه للديالكتيك مجرد كلام فارغ، أو جعجعة بلا طحين.

ب) الأطروحة الثانية: الاعتراف بوحدة الضدين أو الأضداد  تعني ضرورة الإقرار بوجود اتجاهات متناقضة، متضادة ينفي بعضها البعض في جميع ظاهرات الطبيعة و المجتمع و تفاعلاتها.

 

إن شرط إدراك جميع تفاعلات العالم، ضمن حركتها الذاتية و تطورها العفوي و واقعها الحي، يقوم على ضرورة إدراك ذلك كوحدة أضداد.

يقول لينين: "إن التطور هو صراع الأضداد". و يرى أن المفهومين الممكنين عن التطور الذي يعطيهما التاريخ، يعني المفهومين الأساسيين في ذلك هما: التطور بوصفه نقصانا و زيادة، بوصفه تكرارا، و التطور بوصفه وحدة الأضداد، أي ازدواج الواحد و انشطاره إلى ضدين ينفي أحدهما الآخر في ظل علاقات وحدة بينهما.

و يقول لينين مقارنا بين المفهومين:

بالنسبة للمفهوم الأول: "مع المفهوم الأول عن الحركة، تبقى في الظل الحركة الذاتية، قوتها المحركة، مصدرها، سببها (أو ينقل هذا المصدر إلى الخارج، الله، فاعل ما، إلخ ).

بالنسبة للمفهوم الثاني: "أما المفهوم الآخر، فهو يحملنا على معرفة مصدر الحركة الذاتية".

و بالرجوع إلى المفهوم الأول، يرى لينين أنه "جامد، عقيم، جاف".

أما بالرجوع إلى المفهوم الثاني يقول لينين عنه:"طافح بالنشاط و الحياة. فقط المفهوم الثاني يعطينا مفتاح الحركة الذاتية لكل ما هو موجود، فقط المفهوم الثاني يعطينا مفتاح "القفزات"، و "الانقطاع في الاستمرار"، و تحول الشيء إلى نقيضه و تدمير ما هو قديم و ولادة ما هو جديد".

يخلص لينين إلى" أن وحدة (.........) الأضداد مشروطة، مؤقتة، نسبية. إن صراع الأضداد التي ينفي بعضها البعض، هو مطلق، كما هو عليه التطور، كما هي عليه الحركة".

 

ج) الأطروحة الثالثة: في الجدل الموضوعي يوجد النسبي في المطلق و الفرق بين النسبي و المطلق نسبي

 

في محاولة للينين للمقارنة بين الديالكتيك و الذاتوية ، و يقصد أساسا الريبية و السفسطائية، يميز لينين بينهما من خلال إبراز أن الديالكتيك (الموضوعي) يتميز بكون الفرق لديه بين النسبي و المطلق هو نسبي كذلك، ففي الديالكتيك الموضوعي يوجد المطلق في النسبي. أما الذاتوية و السفسطائية، فالنسبي ليس سوى نسبي  و هو ينفي المطلق.

 

د) الأطروحة الرابعة: في العلاقة بين العام و الخاص و طريقة العرض الديالكتيكي

 

يعتمد لينين في أطروحته هذه، على المثال أو النموذج الذي يقدمه ماركس في كتابه "الرأسمال"، و يقول في هذا الصدد : "إن ماركس يحلل أولا، في "رأس المال"، أبسط الأشياء، و أألفها و أكثرها تواترا، الأشياء العادية التي تصادف مليارات المرات العلاقات في المجتمع البورجوازي( البضاعي): تبادل البضائع. و تحليله يبين في هذه الظاهرة البسيطة (في "خلية" المجتمع البورجوازي هذه) جميع تناقضات (بشكل أدق، بذور جميع التناقضات) المجتمع المعاصر. إن تتمة هذا العرض تبين لنا تطور (و نمو،و حركة) هذه التناقضات، و هذا المجتمع في مجموع أجزائه المختلفة، منذ بدايته حتى نهايته".

و يخلص لينين إلى وجوب اعتماد طريقة العرض هذه للديالكتيك بوجه عام، و يرى أن ديالكتيك المجتمع البورجوازي ليس في نظر ماركس سوى حالة خاصة من حالات الديالكتيك.

يرى لينين، و هو في ذلك يثمن عاليا ملاحظة هيجل العبقرية، أنه لو أخذنا أية جملة من أبسط الجمل العادية، مثال أوراق الشجرة خضراء، جان هو إنسان، ميدور هو كلب ... ، إن في هذه الأمثلة البسيطة يوجد الديالكتيك، فالخاص هو عام. فهناك وحدة أضداد (فالخاص هو ضد العام). إن الخاص لا يوجد إلا في ظل هذا الارتباط المؤدي إلى العام. و العام لا يوجد إلا في الخاص عن طريق الخاص. فكل خاص هو بطريقة أو بأخرى عام. كل عام هو (جزيء أو جانب أو جوهر) من الخاص. و كل عام لا يشمل جميع الأشياء الخاصة إلا على وجه التقريب. و كل خاص يرتبط عبر آلاف الدرجات الانتقالية بعناصر خاصة من طبيعة أخرى (أشياء، ظاهرات، تفاعلات)، و هنا يقول لينين، توجد عناصر و بذور مفهوم الضرورة، أي عناصر العلاقة الموضوعية في الطبيعة. و هنا يوجد العرضي و الضروري، و الظاهرة و الجوهر، فحينما نقول ميرو كلب أو هذه ورقة شجرة، فإننا يقول لينين ننبذ جملة من المميزات بوصفها من الأشياء العرضية، و نفصل الجوهري عن ما هو طارئ، و نعارض أحدهما بالآخر. هكذا بين لينين أن الديالكتيك بوجه عام هو من طبيعة كل معرفة إنسانية. إن الديالكتيك حسب لينين هو حقا نظرية المعرفة (عند هيجل) و عند الماركسية.

 

ه) الأطروحة الخامسة: المثالية بين الديالكتيك المادي و المادية الميتافيزيقية

عند لينين فإن الديالكتيك بوصفه معرفة حية، متعددة الجوانب، مع ما لا حد له من الأشكال و الألوان، من أجل مقاربة الواقع، لهي ذات محتوى فائق الغنى مقارنة بالمادية الميتافيزيقية، التي يقول عنها لينين ، أن مصيبتها الكبرى، أنها ليست أهلا لتطبيق الديالكتيك على نظرية الانعكاس، و على مجرى المعرفة و تطورها. فالمثالية الفلسفية من وجهة نظر المادية الفظة أو الميتافيزيقية، ليست سوى ضربا من الحماقة، أما بالنسبة للمادية الديالكتيكية، فهي تطوير وحيد الجانب، مبالغ فيه (انتفاخ، نفخ) لإحدى الميزات الصغيرة في المعرفة، لأحد جوانبها، لأحد وجوهها، نحو مطلق مفصول عن المادة، عن الطبيعة، بله مؤله.

و في استدراك له، يقول لينين: "إن المثالية هي ضرب من الظلامية الإكليريكية، و هذا صحيح. و لكن المثالية الفلسفية هي (بالحري، و فضلا عن ذلك) سبيل يؤدي إلى الظلامية الإكليريكية عبر أحد  مظاهر معرفة الإنسان (الديالكتيكية) اللامتناهية التعقيد".

و يضيف لينين قائلا، إن معرفة الإنسان ليست ( و بالتالي لا تتبع) خطا مستقيما، إنما هي خط منحن، يقترب اقترابا لا حد له من سلسلة من الحلقات، من خط لولبي. و يمكن تحويل أي قطعة، قسم، جزء من هذا الخط المنحني (تحويله بشكل وحيد الجانب) إلى خط مستقل، كامل، مستقيم، يؤدي (إذا كانت الأشجار تحول دون رؤية الغابة) حينذاك إلى المستنقع، إلى الظلامية الإكليريكية (حيث تتبثه المصلحة الطبقية للطبقات السائدة). إنها طريقة أحادية الجانب و تسير في خط مستقيم، متخشبة و متكلسة، ذاتوية، و عمى ذاتي، تلك هي الجذور العرفانية للمثالية، و يقدم لينين تشبيها رائعا للمثالية، حين يقول عنها: "إنها زهرة عقيمة، ذلك لا جدال فيه، و لكنها تنبث على شجرة حية هي شجرة المعرفة الإنسانية الحقيقية، الشديدة الحيوية، المثمرة، القوية، الكلية الجبروت، الموضوعية، المطلقة".

 

2) ماو و كراسة "في التناقض"

[ إن الديالكتيك، بمعناه الأصلي، هو دراسة التناقض في صميم جوهر الأشياء]

 أ) معنى "الديالكتيك هو دراسة التناقض في جوهر الأشياء".

سبق وأن رأينا في مقالة سابقة، أن الكون مادة في حالة حركة، مرتبطة بالزمان والمكان. ولذلك فالتغييرالديالكتيكي والحركة الديالكتيكية يلخصها مقولة : "لاشيء يبقى حيث هو، ولا شيء يظل على ما هو". إن توالي الأطوار في حركة الأشياء وتسلسلها الداخلي، يعني أن كل الأشياء هي عبارة عن سيرورة، كما أن الديالكتيك هو تعبير عن حركة ودينامية ذاتية لسيرورة الأشياء، وبطبيعة الحال فكل السيرورات تترابط فيما بينها ترابطا شاملا. وحينما نتحدث عن الدينامية الذاتية الخاصة بشيء ما، فنحن نتكلم عن محرك تطورها، وكما قال لينين فليس الديالكتيك سوى دراسة التناقض في جوهر الأشياء، أي بالعودة إلى ديناميتها الذاتية.

فما هي الدينامية الذاتية للأشياء؟

إنها ببساطة الصراع ووحدة الأضداد التي تشكل مصدر الحركة في الشيء. والديالكتيك ينطلق من المضمون الداخلي للشيء، بما يعني أن مصدر الحركة للشيء داخلي، ويعني هذا، أن التناقضات الداخلية في الأشياء هي مصدر حركتها، وحينما نقول أن التناقض هو مصدر الحركة، نعني بذلك أنه سببها الأساسي، أما الترابطات، وتأثيراتها المختلفة،فهي أسباب ثانوية، ولذلك يقول الماركسيون، أن العامل الداخلي في الشيء، هو قاعدة التغيير، والعامل الخارجي هو شرطه. وبدون هذه النظرة لا يمكن تفسير وجود الكيف، ولا تفسير الانتقال من كيف إلى آخر.

إن العوامل الخارجية، تسبب فقط الحركة الميكانيكية للأشياء والظواهر، أي أن ما يحصل هو مجرد تغيير في الحجم والكم، ونحن نعلم أن التبدلات الكمية هي شكل ارتقائي تدريجي، ولكن في ظل الاستمرارية، بينما التبدلات الكيفية هي شكل ثوري، تطور عبر قفزات أو نقلات نوعية، مما يولد انقطاعا في سيرورة التطور، بحيث يتم الانتقال من نوعية قديمة إلى نوعية جديدة.

 

ب) قانون التناقض كنقطة انطلاق لفهم الديالكتيك

لقد جعل لينين من قانون التناقض، القانون الأساسي للديالكتيك المادي، وقد طالب لينين بإنجاز برنامج لتطوير نواة الديالكتيك، من خلال موضوعته الأساسية: "الواحد ينشطر إلى اثنين".وعلى خطى لينين سار ماو، فأنجز البرنامج الذي حدده لينين، وبذلك سيشكل هذا التطور التركيب الفلسفي للثورة الماركسية – اللينينية ضد الدوغمائية والتحريفية.

قام ماو تسي تونغ ببلورة وحدة الأضداد ضمن خمسة أطروحات ديالكتيكية اساسية و هي:

* الأطروحة الأولى: كل واقع هو سيرورة.

* الأطروحة الثانية: كل سيرورة هي عبارة عن نظام من التناقضات.

*الأطروحة الثالثة: في كل سيرورة أو نظام للتناقضات هناك تناقض يكون رئيسيا.

* الأطروحة الرابعة: كل تناقض هو غير متساوق، متماثل، بما يعني أن أحد طرفي التناقض تكون له السيطرة داخل الحركة الشمولية للتناقض نفسه، ويطلق على هذا الطرف، الطرف الرئيسي للتناقض.

* الأطروحة الخامسة: هناك تناقضات من نوع مختلف، وحلها متعلق بسيرورات مختلفة، من هنا التفريق بين التناقضات العدائية وغير العدائية.

 

على قاعدة هذا التوظيف لقانون التناقض ضمن خمس أطروحات، تطورت المنهجية الديالكتيكية في مواجهة الدوغمائية والتحريفية، وتم على يد ماو تسي تونغ اكتشاف نظرية الخطين، أو ما سمي بصراع الخطين كقانون لفهم تطور الظواهر السياسية داخل الحزب والدولة على حد سواء. كما أن تطور هذه المنهجية الديالكتيكية، سمح بجعل مفهوم الصراع الطبقي (وليس تطوير قوى الإنتاج) في قلب الخط الثوري، مما سمح بتطوير الفهم الصحيح للصراع الطبقي، في ظل دكتاتورية البروليتاريا، فليست الوحدة الوضعية للبنية التحتية، بل انشطار البنية الفوقية والحزب كذلك، مما سمح ببلورة نظرية الخطان: الطريق البروليتاري أو الطريق البورجوازي، وفي هذا السياق تبلور فكر ماوتسي تونغ كتيار مضاد، كعمل تقسيم، أي استعمال مبدأ وحدة الضدين، تماما كما فعل من قبله لينين مع فرسان الاشتراكية الديموقراطية والشوفينية، وبذلك كان فكره ثائرا بامتياز، ديالكتيكي، فكر للثورة ومن أجل الثورة.

 

علي محمود

دجنبر2016