Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

  • حول استمرار الثورة في ظل دكتاتورية البروليتاريا

    بعد نشره لثلاث حلقات من الترجمة العربية لنص: " Beat Back the Dogmato-Revisionist Attack on Mao Tsetung Thought - Comments on Enver Hoxha’s Imperialism and the Revolutionلكاتبه ج. وارنر (J. Werner)، والتي تضمنت:

    1 ـــ مقدمة.

    2 ـــ إنفير خوجا ومسار الثورة الصينية

    2 ـــ 1: ماو، الكومنترن، اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية وستالين

    2 ــــ 2: ماو، ستالين وخروتشوف

    3 ــ بناء الاشتراكية في الصين.

     يقدم موقع الشرارة الماركسي ــ اللينيني الحلقة الرابعة من هذه الترجمة، وهي تتضمن المحور الرابع: 4 ــــ حول استمرار الثورة في ظل دكتاتورية البروليتاريا

    ـــــ ـــــ ــــ

    الرد الحاسم على الهجمة العقائدية ـــ التحريفية

    ضد فكر ماو تسي تونغ

    تعليقات حول "الإمبريالية والثورة" ل "إنفير خوجا"

    ج. وارنر

    ("الشيوعي" ــــ عدد 5، ماي 1979)

    ترجمه إلى اللغة العربية: حمو العبيوي

    4 ـــ حول استمرار الثورة في ظل دكتاتورية البروليتاريا

    إن تطوير ماو تسي تونغ لنظرية وممارسة "استمرار الثورة في ظل دكتاتورية البروليتاريا" يمثل أكبر إسهاماته في علم الماركسية ـــ اللينينية، ويشكل في الواقع تطويره الأهم لهذا العلم. لقد تم الاعتراف بهذه الحقيقة من طرف جميع الماركسيين ـــ اللينينيين الحقيقيين خلال النضال ضد التحريفية المعاصرة، وخاصة خلال الثورة الثقافية البروليتارية العظمى. في الواقع، أشاد خوجا والحزب الألباني عاليا بإسهامات ماو. ويمكن القول إن الاعتراف أو عدم الاعتراف بهذا التطوير للماركسية ــ اللينينية الذي قام به ماو، يشكل ولا يزال يشكل خطا أساسيا للفصل بين الماركسية ـــ اللينينية والتحريفية. وبالتالي ليس من المستغرب أنه في محاولاته لإزاحة ماو عن  موقعه   كواحد من أعظم المعلمين والقادة الماركسيين ــ اللينينيين الكلاسيكيين، شن خوجا هجوما هستيريا محموما على الثورة الثقافية، مع أنه لم يجرؤ أبدا على مواجهة مباشرة للتعاليم النظرية لماو والثوار الذين قاتلوا معه جنبا إلى جنب بشأن هذه المسألة.

    إن تلخيص خوجا للثورة الثقافية لافت للنظر بسبب سطحيته بالإضافة إلى خطه الرجعي:

    "أظهر مجرى الأحداث أن الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى لم تكن ثورة، ولم تكن عظيمة ولا ثقافية، وعلى الخصوص لم تكن ثورة بروليتارية على الإطلاق. كان ذلك بمثابة انقلاب قصر على نطاق عموم الصين لتصفية حفنة من الرجعيين الذين استولوا على السلطة. بالطبع[!]، هذه الثورة الثقافية كانت خدعة. لقد قضت على كل من الحزب الشيوعي الصيني وعلى المنظمات الجماهيرية، وأغرقت الصين في فوضى جديدة. هذه الثورة قادتها عناصر غير ماركسية [أو على وجه التحديد الأربعة] الذين تم تصفيتهم بدورهم من خلال انقلاب عسكري شنته عناصر أخرى مناهضة للماركسية وفاشية." [1]

    وهكذا لدينا أطروحة خوجا الأساسية (بعيدة عن كونها أصيلة على الإطلاق)، والتي بموجبها لم تكن الثورة الثقافية أكثر ولا أقل من صراع فئوي على السلطة، تم التلاعب بها من طرف حفنة من قادة الحزب الشيوعي.

    تكشف هذه الأطروحة حقيقة أن خوجا غير قادر على فهم التطور الديالكتيكي للمجتمع الاشتراكي، وأنه بالتالي في حيرة من أمره لفهم الثورة الثقافية وأهميتها ودروسها التاريخية    للعالم كله. يكره خوجا الثورة الثقافية لأنها تتعارض تماما مع الجذور الميتافيزيقية المتأصلة في نظرته للعالم، حيث يمثل الاستقرار والوحدة والانسجام السمات الرئيسية للكون، وبالتأكيد تمثل أسمى تطلعات المجتمع البشري.

    "الفوضى": هذه هي الصفة المفضلة لدى خوجا عندما يهاجم الثورة الثقافية، لأن مفهوم "الفوضى"، وفي الحقيقة الصراع بين الأضداد، الصراع الطبقي والثورة نفسها، تتعارض مع تصوره للعالم وتصوره للمستقبل الذي كما لاحظنا سابقا، أقرب ما يكون إلى المفهوم الديني ل"الجنة" عن المادية الديالكتيكية. قبل المرور إلى فحص تصوره الميتافيزيقي للعالم (والذي هو أصل هجومه الكامل على ماو)، من المفيد فحص "الفوضى" التي وجدها خوجا بشكل خاص مثيرة للاشمئزاز في الصين، بمعنى الثورة الثقافية.

    خلال الثورة الثقافية، ارتكب ماو الخطيئة العظمى حسب الدوغمائيين التحريفيين: لأنه أطلق العنان لحركة الجماهير الثورية للنضال من أجل انتزاع السلطة من أيدي قادة الحزب المنخرطين في الطريق الرأسمالي الذين استولوا على أقسام معينة من سلطة الحزب والدولة. إن أردنا أن نصدق أقوال خوجا، فلم يكن ليعارض مهاجمة العناصر التي كانت أهدافا للثورة الثقافية، وبالتحديد المقر العام التحريفي لـليو شاو شي (Liou Chao-chi) و تينغ سياو بينغ (Teng Siao-ping) (ومع ذلك سنرى لاحقا أن "معارضة" خوجا لخطهم هي خيالية أكثر     من كونها حقيقية). ولكن، لإطلاق سيل من النضال الجماهيري على نحو غير مسبوق ولا مثيل له، وعدم خوض النضال من خلال سلسلة من الإجراءات المنظمة للحزب والدولة، والأهم من ذلك كله الاعتماد بشكل مباشر على الجماهير - العمال، الفلاحين، الجنود والطلاب -، فهذا كان مرة أخرى شيء آخر تماما! *

    هذا ما كتبه خوجا:

    في رأينا، كون هذه الثورة الثقافية لم يكن يقودها الحزب، ولكن كانت فوضى عارمة عقب نداء أطلقه ماو تسي تونغ، نزع عن هذه الحركة طابعها الثوري.

    أثارت سلطة ماو في الصين الملايين من الشباب غير المنظمين، طلاب وتلاميذ المدارس، الذين انطلقوا في مسيرة نحو بكين تجاه لجان الحزب والسلطة، وقاموا بتفكيكها.

    وقيل إن هؤلاء الشباب كانوا يمثلون حينئذ "الإيديولوجية البروليتارية" في الصين، وأنهم سوف يظهرون للحزب وللبروليتاريين الطريق "الحقيقي"! . . .

    نشأ هذا الوضع الخطير من تصورات ماو تسي تونغ القديمة المناهضة للماركسية المتمثلة في التقليل من الدور القيادي للبروليتاريا والمبالغة في تقدير دور الشباب في الثورة.

    كتب ماو:

     "ما هو الدور الذي بدأ شباب الصين في لعبه منذ فترة "حركة 4 ماي"؟ بطريقة ما بدأوا في لعب دور طليعي معين. وهي حقيقة يعترف بها الجميع في بلدنا، باستثناء الرجعيين المتطرفين. وما معنى الدور الطليعي؟ إنه يعني أخذ زمام المبادرة... ". وهكذا تركت الطبقة العاملة على الهامش، وكانت هناك العديد من الحالات التي عارضت فيها الجيش الأحمر، وحتى أنها دخلت في مواجهات معهم..

    رفاقنا الذين كانوا في الصين في ذلك الوقت، رأوا بأعينهم عمال المصانع يحاربون الشباب. تفكك الحزب، وتم تصفيته وتم تجاهل الشيوعيين والبروليتاريا. كان هذا الوضع خطيرا للغاية." [2]

    تخيل ذلك! رعب! الرفاق الألبان "رأوا بأعينهم" عمال المصانع يحاربون الطلاب! لا يمكننا مقارنة موقف خوجا إلا بموقف آدم بعدما أخذ قضمة من التفاحة. من حسن حظ خوجا أنه لم يذهب بنفسه إلى الصين خلال الثورة الثقافية، لأنه ربما رأى عمالا يقاتلون ضد العمال، ولكان قد سقط على الفور ميتا بنوبة قلبية! السؤال المذهل حقا والذي لا يمكننا الإجابة عنه في الوقت الحالي، هو كيف يمكن أن ينطق خوجا بمثل هذه التخاريف، حتى بعد أن اختبر هو بنفسه الثورة.

    يعلم الجميع أنه تم حل لجان الحزب خلال الثورة الثقافية، وتم تعليق إلى حد كبير العمل المنتظم للتسلسل القيادي للحزب، إلخ...؛ هذه الأحداث لطالما كانت جزءا من قائمة التحريفيين السوفيات، الذين أصروا عليها مدعين أنها دليل "إثبات" على أن ماو كان "مثاليا" و "يساريا" متطرفا (إن نصوص وانغ مينغ المكتوبة في موسكو، حيث أنهى حياته المهنية   بها   كمدافع عن التحريفية السوفيتية، هي مرة أخرى مفيدة للغاية، وننصح ورثته بمقاضاة خوجا بتهمة السرقة الأدبية!) بالنسبة للتحريفيين السوفيات، يتفهم المرء بسهولة سبب عدم رغبتهم في الحديث عن طبيعة لجان الحزب التي تم حلها وعن الخط الذي كانت تتبعه إلخ...؛ إلا أن المرء يأمل من إنفير خوجا شيئا أفضل من ذلك بقليل. إلا أنه بدلا من ذلك، فهو يتحدث فقط عن شكل هذه اللجان الحزبية وليس عن محتواها. ونظرا لأننا نعرف جيدا ما هو المحتوى الفعلي لهذه اللجان الحزبية، والخط الذي كانت تتبعه، فإن هذا لا يدفعنا إلا للشك، رغم اعتراضات خوجا، على أنه في الواقع يعتبر "شيوعيين" أولئك الذين تم "تجاهلهم" بفظاظة، أي بيروقراطيو الحزب المتحالفين مع ليو شاو شي.

    كان الوضع الذي واجهه ماو في بداية الثورة الثقافية (1966) واضحا للغاية: فقد نجحت القيادة العامة التحريفية داخل الحزب، بقيادة ليو تشاو تشي، في الاستيلاء على السلطة في العديد من الصناعات والمدن والمقاطعات الرئيسية. في ذلك الوقت، كان تنغ سياوبينغ (Teng xiao ping) الأمين العام للحزب، وبالتالي كانت له قبضة قوية على سلسلة القيادة، وهيمنت التحريفية على الجبهة الثقافية والتعليمية. وتم اتباع الخط التحريفي من قبل العديد من مديري المصانع، إلخ. وسمح هذا الوضع للقيادة العامة للبورجوازية بالتصدي لخط ماو الثوري، وعرقلة بشدة تعليم الماركسية ـــ اللينينية للجماهير، واستخدام بنية الحزب التنظيمية على نطاق واسع من أجل قمع الجماهير والسيطرة عليها (سنتناول لاحقا حقيقة أن هذا الوضع لم ينتج عن "أخطاء" أو "ليبرالية" ماو).يمكننا الحكم على قوة القيادة التحريفية من خلال فحص الوثائق والسياسات التي كانت سائدة داخل الحزب الصيني في ذلك الوقت، وأيضا من خلال واقع أن هذه القيادة كانت قادرة على الحفاظ على قوة معينة حتى بعد تعرضها لبعض الهزائم الكبيرة خلال الثورة الثقافية. لأنه قبل كل شيء فالقيادة القديمة ل Liou Chao-chi (الذي يعتبر Teng xiao-ping الوريث الشرعي له)، جنبا إلى جنب مع جزء من البيروقراطية الوفية ل ـChou En-lai، هي من لعبت الدور الرئيسي في الانقلاب المضاد للثورة عام 1976.

    إن الشدة التي هاجم بها الرأسماليون في الصين كل مكاسب الثورة والسرعة التي يعيدون بها حاليا النظام الرأسمالي، تدلان على القوة الحقيقية لهذه الطبقة. إن الادعاء بأنه كان من الممكن القضاء على هذه القوة ببساطة، عن طريق تعديل تشكيلة الهيئات القيادية للحزب وإصدار بعض التوجيهات، هو مثير للضحك إن لم يكن جريمة، خاصة في ضوء ما حدث في الصين. وبالمثل، يكشف برنامج القادة التحريفيين الصينيين الحاليين بوضوح الطبيعة الحقيقية لأولئك الذين كانوا أعداء ماو واليسار الثوري: لم يكن مجرد نزاع لا سياسي بين "الفصائل"، بل صراعا بين الطبقات للتقرير في الخط والطريق الذي ستتبعه الصين، طريقا بورجوازيا أم طريقا بروليتاريا. يبدو أن نصيحة خوجا للثوريين في الصين، هي في الأساس تشبه العبارة القديمة للانتهازيين أيام ماركس بشأن كومونة باريس، ولإعلان بليخانوف بشأن ثورة 1905: "ما كان ينبغي عليهم حمل السلاح".

    طبعا، لم يكن السؤال هو ما إذا كان يجب الانخراط في النضال المسلح أم لا، ولكن بالأحرى ما إذا كان يجب القيام بثورة حقيقية، انتفاضة سياسية موجهة ضد قادة الحزب الرئيسيين المنخرطين في الطريق الرأسمالي. فعلى الرغم من أن للثورة الثقافية ميزاتها الخاصة حيث جرت في ظل ديكتاتورية البروليتاريا، إلا أنه من الصحيح، كأي ثورة، أنها لا يمكن أن تتقدم إلا من خلال النضال العنيف، وكان لا بد لها أن تتضمن تيارات مضادة، وإشراك أقسام مختلفة من الجماهير الثورية التي جلبت معها في النضال، أحكامها المسبقة وحدودها، وفي بعض الأحيان وجهات نظر وبرامج متناقضة. ومثل أي ثورة، ستثير مقاومة شرسة وعنيدة، ليس فقط من أولئك الذين كانوا أهدافا لهذه الثورة (والذين لا يمثلون سوى نسبة ضئيلة فقط من المجتمع الصيني والحزب)، ولكن أيضا من طرف أقسام معينة من الجماهير، بما في ذلك العديد من العمال، الذين يمكن تعبئتهم إلى حد ما وفي الأوقات الحرجة، ليكونوا بمثابة قاعدة اجتماعية للرجعيين وحركتهم. هذه ليست مجرد سمة من سمات الثورة الثقافية، ولكنها تشكل قانونا للصراع الطبقي وللثورة بشكل عام. قد يكون من المفيد هنا أن نذكر بتعليق لينين الشهير على تمرد الشعب الإيرلندي في عيد الفصح عام 1916، والذي كان موجها إلى أولئك الذين حاولوا استخدام ما أسموه بـ "الماركسية" للسخرية من تلك الانتفاضة البطولية، والتقليل من شأنها والافتراء عليها، حيث وصفوها بأنها "انقلاب"، وبذلك انتهوا موضوعيا في صف البورجوازية الإمبريالية:

    "لا يمكننا استخدام مصطلح "انقلاب" بمعناه العلمي، إلا عندما لم تكشف محاولة التمرد سوى عن دائرة من المتآمرين أو مهووسين عبثيين، وعندما لم تجد صدى لها في الجماهير. تجلت الحركة الوطنية الإيرلندية، والتي يمتد تاريخها إلى قرون طويلة مرت بمراحل مختلفة ومزيج من المصالح الطبقية، على وجه خاص في المؤتمر الوطني الإيرلندي الجماهيري الذي عقد في أمريكا... الذي نادى باستقلال إيرلندا، كما تجلى في قتال الشوارع الذي شارك فيه جزء من البورجوازية الصغيرة الحضرية، وكذلك جزء من العمال، بعد فترة طويلة من التحريض الجماهيري والمظاهرات وحظر الصحف... إلخ. إن من يسمي مثل هذا التمرد بأنه انقلاب هو إما رجعي متشدد، وإما عقائدي عاجز تماما عن تصور الثورة الاجتماعية كظاهرة حية. إن الاعتقاد بأن الثورة الاجتماعية يمكن تصورها بدون تمرد الأمم الصغيرة في المستعمرات وفي أوربا، بدون انفجارات ثورية لجزء من البورجوازية الصغيرة بكل تحيزاتها، بدون حركة جماهير البروليتاريا وشبه البروليتاريا الغير الواعية سياسيا ضد قمع ملاك الأراضي والكنيسة والملكية، ضد القمع القومي... إلخ، إن الاعتقاد بكل هذا هو نبذ للثورة الاجتماعية. هو أن نتصور أن جيشا سيأخذ موقعا في مكان معين ويقول: "نحن مع الاشتراكية"، وآخر في مكان آخر، يقول: "نحن مع الإمبريالية"، وأنه هكذا ستكون حينئذ الثورة الاجتماعية! فقط أولئك الذين يتبنون مثل هذه النظرة المتحذلقة والسخيفة يمكن أن يشوهوا التمرد الإيرلندي من خلال وصفه بشكل مهين على أنه "انقلاب". من يتوقع ثورة اجتماعية "نقية" لن يعيش أبدا ليراها، مثل هذا الشخص يتشدق بالثورة دون أن يفهم شيئا عما هي الثورة الحقيقية." [3]

    توجه كلمات لينين هذه ضربة شديدة للخط التحريفي العقائدي لإنفير خوجا، الخط الذي أدى بهذا الأخير إلى الافتراء على الانتفاضة الثورية الأكثر ضخامة، والأطول أمدا، والأكثر وعيا في تاريخ العالم، قائلا إنها لم تكن سوى "انقلاب قصر على نطاق عموم الصين".

    دعونا نلقي نظرة أعمق على الطريقة التي يتعامل بها خوجا مع مسألة الشبيبة والدور الذي يمكن أن تلعبه كقوة مبادرة في الثورة. إنه يدين الثورة الثقافية لأن "الملايين من الشباب والطلاب وتلاميذ المدارس غير المنظمين" ساروا في مسيرة إلى بكين. وفقا لخوجا، فإن الأساس النظري لهذا "الخطأ" موجود في نص ماو الشهير "اتجاه حركة الشبيبة"، حيث يجرؤ ماو على القول إن الشبيبة الصينية بدأت "بطريقة ما" في لعب دور طليعي، والتي حددها على النحو التالي:

    "أن تأخذ زمام المبادرة، يعني السير في مقدمة الصفوف الثورية" [4]

    مرة أخرى، يجب الإقرار أن ماو على حق، وليس خوجا. أولا، لعبت الشبيبة الصينية "بطريقة ما" دور طليعيا في حركة 4 مايو وبعدها في الصين. هذه حقيقة لا يمكن إنكارها من أي شخص لديه أدنى اهتمام بالدقة التاريخية وبجعل التاريخ يتوافق مع الواقع. كما أنه لا يمكن إنكار أننا شهدنا مرات عديدة عبر التاريخ التجربة التاريخية لشباب "يأخذ زمام القيادة" ويسير "في الصفوف الأمامية للثورة". هذه الظاهرة هي أمام أعيننا اليوم في إيران، حيث وضع الشباب أنفسهم، بمن فيهم الطلاب والمفكرون الشباب، في الصف الأمامي لهذه الحركة القوية، مما ساعد على إيقاظ الجماهير العريضة من الشعب والبروليتاريا الإيرانية، والتضحية بأنفسهم خلال الكفاح المسلح. في الواقع، من الصعب فهم أي سيرورة ثورية عظيمة وعميقة حقا، والتي لم يكن هذا فيها صحيحا إلى حد كبير.

    ولكن بالنسبة إلى خوجا، فإن الدور الديناميكي للشبيبة، أي جرأتهم، ورغبتهم في تدمير العالم القديم، وما إلى ذلك، يشكل بالنسبة للثورة خطرا وليس ميزة، شيء يجب مهاجمته وخنقه ما لم يكن من الممكن "قيادة" الشبيبة (وهنا يجب القول في الحقيقة السيطرة عليهم) من طرف الطبقة العاملة وحزبها (كما هو الحال بالنسبة لمسألة الفلاحين، فإن السؤال ليس هو ما   إذا   كانت الشبيبة ستنتفض أم لا، بل ما إذا كان يجب قيادة أو خنق مبادرة الشبيبة).

    ماذا يعني أن "تقود" الطبقة العاملة وحزبها الشبيبة؟

    حسب خوجا، فإن هذا يعني أن الشبيبة يجب أن تتبع بشكل سلبي في ذيل الطبقة العاملة؛ من أجل محبة الله! علينا ألا نعتقد أبدا أن الشبيبة قادرة على لعب دور طليعي، بأي شكل كان، دور قيادي في تعبئة وتنظيم صفوف الجماهير العريضة من الشعب. بالطبع، ماو واضح تماما في أن الطبقة العاملة، وبالمعنى الأساسي، هي من يجب أن تقود الثورة. في نص نُشر في نفس المناسبة التي منها اقتبس خوجا، يوضح ماو العلاقات الطبقية الأساسية * :

    "هناك قوى اجتماعية معينة ضرورية لتحقيق الثورة الديمقراطية في الصين. هؤلاء هم الطبقة العاملة والفلاحون والمثقفون والقسم التقدمي للبورجوازية ... إن العمال والفلاحين هم القوى الثورية الأساسية والطبقة العاملة هي الطبقة القيادية للثورة. بدون هذه القوى الثورية الأساسية وبدون قيادة الطبقة العاملة، سيكون من المستحيل إنجاز الثورة الديمقراطية المناهضة للإمبريالية وللإقطاعية." [5]

    لكن من هنا، يشرع ماو وخوجا في مسارات مختلفة تماما. لأنه حتى لو اتفقنا على أننا بحاجة إلى "قيادة الطبقة العاملة" (وهذا يعني قبل كل شيء، قيادة حزب الطبقة العاملة، وقيادة خط الطبقة العاملة، أي الماركسية ــــ اللينينية)، يبقى سؤال: ما هو مضمون هذه القيادة، وما الذي تسعى إلى تحقيقه، وعلى أي طريق تقود الشبيبة؟ إن مقالة ماو بأكملها، "اتجاه حركة الشبيبة"، التي اقتبس منها "خوجا" الفقرة أعلاه، تهدف تحديدا (كما يوحي بذلك حتى عنوانها) إلى إعطاء القيادة والتوجيه للشبيبة:

    "لا بد أن يختلط مفكرونا الشباب وطلابنا بجماهير العمال والفلاحين الذين يشكلون 90 في المائة من السكان، ويقومون بتعبئتهم وتنظيمهم. إذا لم تكن لدينا هذه القوة الرئيسية من العمال والفلاحين، وإذا كنا نعتمد فقط على جسم المثقفين والطلاب الشباب، فلن نتمكن من الانتصار على الإمبريالية والإقطاع. لهذا السبب يجب على كل الشباب المثقف والطلاب في جميع أنحاء البلاد أن يلتحموا بالجماهير العريضة من العمال والفلاحين حتى يؤلفوا معها كلا واحدا: وعندئذ فقط يمكن تكوين قوة جبارة." [6]

    وأشار ماو إلى أنه "في الحركة الثورية الديمقراطية الصينية، كان المثقفون هم أول من أدرك سياسيا من بين الشعب .... ولكن إذا لم يندمج المثقفون بجماهير العمال والفلاحين، فلن يحققوا شيئا." [7] وهكذا، يقدم ماو وجهة النظر الديالكتيكية الصحيحة للعلاقة بين حقيقة أن المثقفين، ولا سيما الطلاب، غالبا ما يكونون القوة الأولى التي تنتفض خلال حركة ثورية ويلعبون دورا حيويا مهما في المساعدة على "التعبئة" "وتنظيم" الجماهير الشعبية، وحقيقة أنه فقط من خلال الاندماج بالعمال والفلاحين يمكن للمثقفين أن يقدموا مساهمة فعلية للسيرورة الثورية. وكما أشار مرارا وتكرارا في كتاباته، فإنه فقط من خلال القيام بذلك، يمكن للشباب تغيير نظرتهم ومفهومهم عن العالم، وأن يصبحوا فعليا ماركسيين حقيقيين.

    هذا مثال على ما يعنيه حقا منح القيادة الحقيقية. وهذا لا علاقة له بفكرة خوجا التي تقيد حركة الشبيبة وتجبرها على السير بطاعة خطوة واحدة خلف العمال. تعني القيادة الماركسية ـــ اللينينية الحقيقية للثورة معرفة كيفية إبراز العوامل الثورية وإطلاقها، وفي نفس الوقت إعطاء القيادة والتوجيه السديد للحركة بشكل عام وفي أجزائها الخاصة. القيادة الحقيقية لا تعني تجاهل أو محاولة إزالة التناقضات بين أقسام مختلفة من الجماهير (وبالتالي أدوارها المتناقضة)، ولكنها تدرك هذه التناقضات وتستخدمها لدفع الثورة إلى الأمام. مفهوم إنفير خوجا هذا يبدو شبيها بأسلوب لين بياو ("كل شيء تحت إمرتي وكل شيء تحت تصرفي")، بدلا من الأسلوب الماركسي للقيادة الذي مارسه ماو.

    أولئك الذين ينتقدون ماو لأنه أدرك واستخدم حقيقة أن الشبيبة في كثير من الأحيان تلعب نوعا من دور الطليعة خلال النضال الثوري، هم أنفسهم عالقون تماما وبشكل يائس لا يمكن إصلاحه في فكرة، كما وصفها لينين، أن عليك انتظار ظهور جيشين، جاهزين، صافيين ولكل منهما علامته الخاصة. أما بالنسبة لأولئك الذين يرغبون في منع حشد أقسام معينة من الجماهير الثورية وحتى أقسام معينة من العمال، لانتظار اليوم الذي سينهض فيه العمال في وحدة واحدة متجانسة (يوم على هذا النحو لن يأتي في الواقع أبدا)، يجب عليهم أن يصمموا على عدم رؤية الثورة أبدا، أو أن ليست لديهم أي فكرة عما هو النضال الثوري. لأنه طالما أن هناك طبقات، فلن يأتي اليوم الذي لن تنقسم فيه الطبقة العاملة إلى أقسام مختلفة، تحمل مشاعر وخطوط ثورية وغير ثورية، أو حتى معادية للثورة. وهذه الانقسامات ستؤدي إلى صراعات (صراعات إيديولوجية، وسياسية، وحتى إلى صراعات جسدية في بعض الأحيان) بين أقسام معينة من العمال وأقسام أخرى من الجماهير الشعبية.

    ولأن ماو فهم هذا، فقد عرف عند اندلاع الثورة الثقافية، أن يعتمد إلى حد كبير على مبادرة وجرأة الشباب والطلاب، ليس كبديل للطبقة العاملة، ولكن للمساعدة في إيقاظها وحشدها في هذه المعركة العظيمة.

    على إنفير خوجا أن يكون على دراية بمنطق ماو حول هذه المسألة، بالنظر إلى أن ماو قد أوضح ذلك بإيجاز شديد لوفد زائر من ألبانيا للصين في عام1967:

    "انطلقت حركة "4 ماي" من قبل المثقفين، مما يدل بوضوح على بعد نظرهم ووعيهم. ومع ذلك، يجب أن نعتمد على أسياد عصرنا، أي العمال والفلاحين والجنود، ليكونوا القوة الرئيسية لمواصلة الثورة حتى اكتمالها، ثورة كالحملة الشمالية الحقيقية أو المسيرة الطويلة.... على الرغم من أن المثقفين والجماهير العريضة من الطلاب الشباب هم الذين أطلقوا نقد الخط البورجوازي الرجعي، إلا أنه كان من واجب أسياد ذلك الوقت، والجماهير العريضة من العمال والفلاحين والجنود، أن يكونوا القوة الرئيسية في مواصلة الثورة حتى اكتمالها. لطالما كان المثقفون دائمًا قادرين على تغيير تصورهم للأشياء بسرعة كبيرة، ولكن بسبب محدودية غرائزهم، وكونهم يفتقدون للطابع الثوري الحقيقي، فهم في بعض الأحيان انتهازيون" [8]

    من الواضح إذن أنه من الناحية النظرية (وكذلك في الممارسة)، اعتبر ماو أن دور الطلاب في الصين هو بالدرجة الأولى دور المبادر. لقد أدرك جيدا نقاط ضعفهم، لا سيما ميولهم نحو الفوضوية و "اليسارية" المتطرفة، ولكن أيضا في بعض الأحيان نحو المحافظة (conservatism)؛ كما أدرك صعوباتهم في توحيد الصفوف الثورية لمواصلة النضال حتى النصر، و لولا الدور المبادر للطلاب، ولا سيما الحرس الأحمر البطولي، لكانت التحريفية قد انتصرت قبل ذلك بكثير في الصين، ولما كانت الثورة الثقافية قد انطلقت،  ولو لم يصبح العمال القوة الرئيسية والقيادية في الثورة الثقافية، لكانت الانتصارات الأولية قد تحولت إلى هزائم، ولم تكن لتتحقق الإنجازات العظيمة للثورة الثقافية، وبالتأكيد لما تعززت، وبالمثل، لكانت التحريفية قد انتصرت في الصين في وقت مبكر بكثير.

    يتجاهل خوجا دور الطبقة العاملة في الثورة الثقافية، لأنه لا يتلاءم مع الفانتازيا التي يحاول نقلها إلى الثوريين في جميع أنحاء العالم. لكن، إن نحن سألنا، من كانت بالفعل القوة المحركة والقائدة لعاصفة يناير في شنغهاي، الانتفاضة التي تمثل الحالة الأولى والنموذجية "بحل" الجماهير الثورية لجان الحزب الرجعية؟ بالنسبة لأي شخص لديه أدنى معرفة بالأحداث في الصين، فمن المؤكد أنها كانت بالأساس منظمات العمال الثوريين لشنغهاي، بقيادة تشانغ تشون-تشياو (Chang Chun-chiao)، وياو وين يوان (Yao Wen-yuan) ، و وانغ هونغ-وين (Wang Hung-wen) (جميعهم تم الافتراء عليهم حاليا كأعضاء في "عصابة الأربعة" في الصين) الذين أنجزوا هذه الانتفاضة العظيمة جدا. بعد ذلك، مثل هذه الانتفاضات تكررت في مدينة بعد مدينة في الصين. وعندما أصبح واضحا أن بعض الأقسام من الحرس الأحمر غير قادرة على المضي قدما في الثورة وأن دورها الأولي المبادر، بدأ يتحول إلى نقيضه، فماذا حدث؟ مرة أخرى، كما نعلم، أصدر ماو توجيهه الشهير:

    "يجب على الطبقة العاملة ممارسة القيادة في كل شيء"، مما أدى إلى مسيرة عشرات الآلاف من العمال نحو الجامعات لتولي القيادة. بعد دخولهم الجامعات، مكثوا هناك واتحدوا مع الطلاب الثوريين وأعضاء هيئة التدريس والكوادر الثورية، وأطلقوا أعظم التغييرات الثورية على الجبهة التعليمية التي شهدها العالم على الإطلاق. كل هذه الإنجازات لا يمكن إنكارها، رغما عن إنفير خوجا.

    أخيرا، وحول مسألة قيادة الحزب في الثورة الثقافية، ففي الواقع قاد الحزب الثورة الثقافية بالشكل الصحيح الوحيد المناسب للظروف الملموسة التي كانت سائدة في تلك الفترة. كان يقودها الخط القيادي في الحزب وفي اللجنة المركزية، خط رئيسها ماو تسي تونغ. تمت المصادقة على التوجه العام للثورة الثقافية بأغلبية ضئيلة في اللجنة المركزية سنة 1966، وأسندت مهمة قيادتها إلى المجموعة المسؤولة عن الثورة الثقافية [9] ، ويشير ماو بنفسه   أنه   كان عليه "انتظار اللحظة المناسبة" لحشد أغلبية اللجنة المركزية للشروع في الثورة الثقافية. لكن على عكس خوجا، نحن لا نبني رأينا حول الثورة الثقافية على ما إذا كانت تتوافق أم لا مع الممارسة الراسخة حول أسلوب إدارة النضال داخل الأحزاب اللينينية.

    يمكننا القول بشكل لا لبس فيه، أنه حتى لو (وفي الواقع على وجه الخصوص) عارضت الثورة الثقافية غالبية اللجنة المركزية (وهو ما كان سيعني أن اللجنة المركزية قد تم الاستيلاء عليها من طرف التحريفيين) لكانت من مسؤولية ماو دعوة الجماهير داخل الحزب وخارجه للتمرد على اللجنة المركزية.

    نود أن نطرح هذا السؤال على إنفير خوجا: ما الذي يجب أن يفعله الشيوعيون الحقيقيون، والعمال ذوو الوعي الطبقي، والجماهير الثورية بشكل عام، عندما تكون إمكانية انتصار التحريفية وشيكة؟ وما هو الموقف الذي يجب أن يتخذه الشيوعيون الحقيقيون والجماهير الثورية، إذا حدث في الواقع مثل هذا الاغتصاب التحريفي للسلطة؟ هل كان من المقبول بالنسبة لخوجا أن تكون الطبقة العاملة في الاتحاد السوفياتي قد ثارت بعد "خطاب خروتشوف السري" وأطاحت به؟ أو ماذا لو حشد الماركسيون ـــ اللينينيون الحقيقيون في قيادة الحزب السوفياتي أغلبية ضئيلة في اللجنة المركزية وأقروا ثورة ثقافية قبل الانقلاب مباشرة؟ وماذا لو كانت غالبية الطبقة العاملة لا تزال غير مدركة لخطر التحريفية الوشيك، فهل يجوز لقادة الحزب عندئذ الاعتماد على الطلاب للبدء في النضال الثوري؟  أم أنه يفضل قمعهم؟ خنقهم باسم "هيمنة البروليتاريا"؟! لا يمكن أن يكون هناك شك، أن خط خوجا يقود إلى استنتاج واحد فقط، وهو: ما كان على الثوار حمل السلاح (ولا حتى البدء في صراع سياسي سلمي نسبيا).

    بطيعة الحال، فحجج خوجا يلفها في عباءة كونه المدافع العظيم عن الماركسية ـــ اللينينية، ولكن جهوده لوضع الشكل ("المعايير اللينينية") فوق المحتوى (الطبقة التي تخدمها هذه الأشكال)، تشبه إلى حد كبير الأكاذيب المصطنعة في البلدان الديمقراطية البورجوازية حول "الديمقراطية"، أكثر من التعاليم الثورية لماركس وانجلز ولينين وستالين. هنا، مجددا فالممارسة التي يحتقرها لينين بشدة:

    تناول الماركسية بشكل حرفي للتنكر في الواقع لروحها الأساسية! في النهاية، فخوجا يعارض الثورة الثقافية، وخط ماو تسي تونغ، لأنه يفضل خط أولئك الذين أطاحت بهم تلك الثورة! صحيح أنه يتمتم ببعض الأشياء ضد ليو شاو شي (Liou Chao-chi) و تينغ كسياو بينغ (Teng xiao-ping)، إلا أنه لا يوجد محتوى فعلي في انتقاداته لليو (Liou)، بينما يقتصر انتقاده لخط هوا (Houa ) وتينغ (Teng) في التعامل فقط مع "استراتيجية العوالم الثلاثة". سنرى لاحقا أن خط خوجا فيما يتعلق بطبيعة الاشتراكية والصراع الطبقي في ظل الاشتراكية، هو في الأساس نفس الخط التحريفي الذي روج له ليو وتينغ، باستثناء أنه تم إخفاؤه تحت غطاء دوغمائي تحريفي رقيق للغاية.

    في الواقع، تواجه خوجا صعوبة كبيرة في إخفاء مواقفه الحقيقية، فالمنطق الداخلي للكتاب نفسه، يقود القارئ إلى استنتاج مفاده أنه كان من الأفضل لو انتصرت قوى ليو تشاو تشي (أو بدلا من ذلك، القوى الأخرى الموالية للتحريفية السوفياتية). إذا كان فكر ماو تسي تونغ هو نوع من التحريفية منذ عام 1935، ألا ينبغي لنا أن ندعم أولئك الذين عارضوه باستمرار؟ يدعي خوجا أن الحزب ككل لم يكن ماركسيا ّأبدا، وأن أيا من المجموعات المختلفة في قيادة الحزب (على الأقل خلال العقد الماضي، بطبيعة الحال حالة وانغ مينغ (Wang Ming)، قصة أخرى تماما!) لم تكن ثورية. إذن لماذا قلق خوجا المعلن من أن الثورة الثقافية "قضت على الحزب الشيوعي الصيني والمنظمات الجماهيرية"؟ إذا كان صحيحا أن "قيادة الحزب الشيوعي الصيني لم تكن مشكلة من ثوريين ماركسيين ــ لينينيين" [10] فمن يهتم إذن إذا تمت تصفية هذا الحزب، إلا أن قلق خوجا بشأن هذه "التصفية" هو حقيقي وليس مفترضا، فهو يعلن أنه تمت "تصفية المنظمات الجماهيرية"، ولكنه لا يهتم بتصفية أية تنظيمات جماهيرية، لأنه، بعد كل شيء، لن ينكر سوى معتوه أبله، أن الثورة الثقافية خلقت عددا لا يحصى من المنظمات الجماهيرية الجديدة: في المراحل الأولية كان هناك الحرس الأحمر، المجموعات العمالية المتمردة، إلخ، وبعد ذلك أدت هذه الثورة إلى إعادة بناء النقابات العمالية، والمنظمات النسائية وغيرها، إعادة البناء على أساس قيادة خط ماو واليسار. هكذا يتضح أن قلق خوجا الحقيقي هو هزيمة المنظمات الجماهيرية التي كانت تحت سيطرة خط ليو شاو شي (Liou Chao-chi) (مثل رابطة الشباب الشيوعي)، فبينما هو يدعم تلك المنظمات، يدين خوجا بجنون المنظمات الجماهيرية الثورية التي تأسست خلال الصراع.

    علاوة على ذلك، فإذا كانت المشكلة الرئيسية للحزب الشيوعي الصيني، هي أنه ابتعد عن "الماركسية ـــ اللينينية" في الثورة، وفي بناء الاشتراكية (وهو ما يعني، وفقا لخوجا، الابتعاد عن تجربة وأساليب الاتحاد السوفياتي)، ألا ينبغي لنا أن ندعم المسؤولين داخل الحزب الصيني، الذين ناضلوا لتنفيذ هذه المبادئ "اللينينية" في الصين؟ إن إحدى الميزات الإيجابية في قراءة النصوص الأصلية لوانغ مينغ (بدلا من الانتحال الذي يقوم به خوجا) هي أنها تخلص من الخداع الذي لا يزال خوجا يرى أنه من المفيد توظيفه، ف وانغ لا يحاول حتى التستر على سياساته كما يفعل خوجا ذلك، إذ يدعي وانغ مينغ علنا أن "الأمميين الحقيقيين" في الحزب الصيني لم يضموا في صفوفهم سوى ليو تشاو تشي (سيء السمعة)، بالإضافة إلى مجموعة من الخونة الآخرين، الذين أعيدوا حاليا إلى السلطة، أو أعيد تأهيلهم، بعد وفاته، من طرف تينغ كسياو بينغ [11] (Teng xiao-ping).

    إن الفيتنام، التي يصفق لها خوجا بشكل متزايد، بينما هي تقع تحت سيطرة الجناح السوفياتي، تعتبر أن ليو تشاو تشي وتينغ كسياو بينغ هما الماركسيان ـــ اللينينيان الحقيقيان في الصين [12].

    إن نقد خوجا للثورة الثقافية، ينبع من حقيقة فشله في فهم طبيعة الاشتراكية، ونظرته الميتافيزيقية للعالم، ومن براغماتيته، فخلال "عرضه" عن التغيير الدرامي والمأساوي لخط الحزب الألباني تجاه ماو والثورة الثقافية، يكشف خوجا بغير قصد عن الأساس البراغماتي الذي أدى بهذا الحزب إلى "إعادة تقييم" فكر ماو تسي تونغ.

    يؤكد خوجا:

    "للحكم على الممارسات الملتبسة السابقة [للصينيين]، وكذلك تلك التي لوحظت في الثورة الثقافية، وخاصة الأحداث التي أعقبت هذه الأخيرة حتى الآن، الانضمام المتعاقب لمجموعات مختلفة إلى القيادة، اليوم لمجموعة لين. بياو (Lin Piao)، وغدا لمجموعة تينغ كسياو بينغ (Teng xsiao-ping)، أو ل هوا كيو فينغ (Hua Kuo-feng)، وما إلى ذلك ... كل هذه الأشياء دفعت حزبنا إلى التعمق أكثر في وجهات نظر وأفعال ماو تسي تونغ والحزب الشيوعي الصيني، للحصول على معرفة أكثر شمولا عن "فكر ماو تسي تونغ"." [13]

    ويضيف لاحقا:

    "ساعد التطور الفوضوي للثورة الثقافية ونتائجها على تعزيز رأينا الذي لم يتبلور بعد بالشكل الكامل، بأن الماركسية ـــ اللينينية لم تكن معروفة ولم يتم تطبيقها في الصين، وأنه بالأساس، لم يكن للحزب الشيوعي الصيني و لماو تسي تونغ وجهات نظر ماركسية ـــ لينينية ..." [14]

    هكذا، في تقييم مسألة فكر ماو تسي تونغ، يكشف خوجا بوضوح عن وجهة نظره وتوجهه الأساسيين، فمن الواضح أن خوجا لم ترقه "نتائج" انقلاب 1976 في الصين، ولا سيما سياسات الاستسلام والتحالف الرجعي مع الإمبريالية الأمريكية لهوا (Houa) وتينغ (Teng) تحت راية استراتيجية "العوالم الثلاثة". وبالنظر إلى أخطائه ووجهة نظره العامة، فإن خوجا لا يستطيع تحليل الأحداث في الصين انطلاقا من الصراع الطبقي، وخاصة انطلاقا من الصراع بين الخط التحريفي الكامل لهوا (Houa) وتينغ (Teng)، والخط الثوري لماو والأربعة الذين قاتلوا جنبا إلى جنب معه، وبدلا من تولي المهمة التي فرضها عليه التاريخ، والمتمثلة في قيادة الدفاع عن إنجازات الثورة الصينية وإسهامات ماو، اختار خوجا أن يتخذ "نتائج" الصراع الطبقي في الصين كنقطة انطلاق ("نتائج" مُعرَّفة بطريقة ضيقة ومحدودة)، ومن هناك، يسعى للعودة إلى الوراء، في محاولة لإيجاد أساس هذه النتائج في خط وأفعال الماركسيين ــــ اللينينيين [15] .

    إذا كان هؤلاء قد انهزموا، فلا بد أنهم كانوا مخطئين: هذه في كلمتين، هي نقطة انطلاق خوجا، وبما أن خوجا لا يفهم بشكل صحيح دينامية الثورة، وخاصة قوانين تطور الاشتراكية، فإنه لا يستطيع أن يتصور أن التحريفية، يمكن أن تنتصر دون أن تكون بعض الأخطاء من جانب الثوريين هي السبب الرئيسي (مع أنه لا أحد ينكر أن أخطاء مختلفة سيتم حتما ارتكابها)، ولكن بسبب القوة النسبية للطبقات المنخرطة في الصراع * .

    لسوء الحظ، فقد أثر هذا المنطق على طريقة تفكير بعض الماركسيين ـــ اللينينيين الحقيقيين، حيث بينما يدعمون إسهامات ماو، فهم لا زالوا ينطلقون من فرضية، أن التحريفية انتصرت في الصين، فيجب أن تكمن أسباب هذه الهزيمة في أخطاء الثوريين.

    مثل هذا الخط من التفكير، على الأقل من جانب خوجا، يعادل إنكار وجود أي احتمال حقيقي لاستعادة الرأسمالية، طالما ظل الحزب "يقظا"، بمعنى أنه لا يتردد في منع ظهور أي فصيل، أي قيادة وأي خط متطور بالكامل يعارض القيادة الفعلية داخل الحزب.

    هذه النظرة هي خاطئة في الأساس، وتتعارض بشكل مباشر مع تعاليم ماو، لأنها تفصل مسألة الصراع داخل الحزب عن أي نوع من التحليل المادي ـــ والديالكتيكي ـــ الحقيقي للصراع الطبقي في ظل الاشتراكية.

    مع تطور تحليل ماو للصراع الطبقي في ظل الاشتراكية، أصبح التركيز أكثر فأكثر على وجود القيادة العامة للبورجوازية داخل الحزب الشيوعي نفسه.

    لنفحص هجوم خوجا على تحليل ماو حول وجود خطين داخل الحزب وحول البورجوازية في الحزب:

    "ماو تسي تونغ نفسه دعا إلى الحاجة إلى "خطين" في الحزب. ووفقا له، فإن وجود خطين والصراع بينهما هو ظاهرة طبيعية، هو تعبير عن وحدة الأضداد، هي سياسة مرنة توحد في حد ذاتها الوفاء للمبادئ والتسوية ... هذه الآراء تتعارض تماما مع التعاليم اللينينية عن الحزب الشيوعي باعتباره فصيلا طليعيا منظما، يجب أن يكون لديه خط واحد ووحدة فولاذية للفكر والحركة.

    إن الصراع الطبقي في صفوف الحزب، باعتباره انعكاسا للصراع الطبقي الجاري خارج الحزب، ليس له أي شيء مشترك مع مفاهيم ماو تسي تونغ حول "الخطين في الحزب". الحزب ليس ساحة للطبقات يجري فيه الصراع بين الطبقات العدائية، إنه ليس تجمعا لأشخاص لهم أهدافا متناقضة.

    إن الحزب الماركسي ـــ اللينيني الحقيقي هو حزب الطبقة العاملة وحدها، ويقوم على أساس مصالح هذه الأخيرة. هذا هو العامل الحاسم في انتصار الثورة وبناء الاشتراكية، فستالين، مؤيدا للمبادئ اللينينية بشأن الحزب، والتي لا تسمح بوجود عدة خطوط، وتيارات معارضة داخل الحزب الشيوعي، أشار إلى أن:

    "... الحزب الشيوعي هو حزب البروليتاريا الأحادي، وليس حزب مجموعة عناصر مختلفة من طبقات مختلفة".

    من ناحية أخرى، يرى ماو تسي تونغ الحزب على أنه اتحاد طبقات متناقضة المصالح، كمنظمة تضم قوتين، البروليتاريا والبورجوازية، "القيادة البروليتارية" و " القيادة البرجوازية"، يكون لهما ممثلين على جميع مستويات الحزب، من القواعد إلى الهيئات القيادية العليا، يواجهون ويصارعون بعضهم البعض" [16] .

    إن خوجا مخطئ هنا لعدة أسباب: مخطئ، لأنه لا يفهم شيئا عن الديالكتيك، مخطئ لأنه لا يفهم ما الذي يعطي أي حزب ماركسي ـــ لينيني حقيقي الحياة والحيوية، ومخطئ في تصوره للموقع الفعلي الذي يحتله الحزب في المجتمع الاشتراكي، ومن هنا الخصائص المختلفة التي يتخذها الصراع داخل الحزب.

    دعونا أولا، نتخلص من حجة لخوجا الأكثر سخافة وهي أن:

    "ماو تسي تونغ نفسه قد دعا إلى الحاجة إلى وجود "خطين" في الحزب"، وأنه بطريقة ما، فضل، أو سمح بوجود قيادة بورجوازية داخل الحزب. بالطبع، فإن ماو لم يقل أي شيء من هذا القبيل، فما قاله ماو، وهو محق تماما في ذلك، هو أن وجود خطين في الحزب، ونشوء فصائل أو قيادات بورجوازية داخل الحزب، هو ظاهرة حتمية، والأهم من ذلك، هو أن ماو طور الفهم النظري لضرورة محاربة الخط البورجوازي، والمحاولات المتعددة من طرف مسؤولي الحزب، المنخرطين في الطريق الرأسمالي، لتأسيس قيادة بورجوازية في الحزب، والاستيلاء على السلطة في القطاعات الرئيسية داخل الحزب والدولة، ومن تم الاستعداد للهجوم النهائي على القيادة البروليتارية للحزب والدولة.

    لم يطور ماو هذا التحليل من الناحية النظرية فحسب، بل قاد أيضا الصراع لتنفيذ هذا الخط، وخاصة خلال الثورة الثقافية، أن يٌستخلص من هذا، أن ماو أراد أن يترك البورجوازية تقوم بعملها، وأنه لم يشن حربا عليها، سيكون مناقضا تماما للحقائق [17] .

    لطالما دعم الماركسيون ـــ اللينينيون الأطروحة الفلسفية القائلة بأن "الحرية هي إدراك للضرورة"، فقدرة الإنسان على تغيير المجتمع والطبيعة لا تعتمد في المقام الأول على إرادته، ولكن بناء على فهمه الصحيح للعالم الموضوعي، لأنه فقط من خلال التعامل وفقا للقوانين التي تحكم المجتمع والطبيعة، يمكن للإنسان التأثير في هذه القوانين. إن الادعاء بأن ماو دافع عن الخط البورجوازي، وعن نشوء قيادة بورجوازية في الحزب، فقط لمجرد أنه كان أول من اعترف وأدرك بطريقة شاملة ومنهجية، القوانين التي تحدد وجودها، هو بمثابة الادعاء بأن لويس باستور دافع عن وجود الفيروسات!

    لنتابع قليلا هذا التشبيه إلى أبعد من ذلك، يمكننا القول إنه بسبب تمكن باستور من اكتشاف وجود الفيروسات تمكن من تطوير اللقاح الأول، وبالمثل، لأن ماو اكتشف القوانين التي تحكم المجتمع الاشتراكي، والتي تؤدي إلى ظهور الخط البورجوازي داخل الحزب، تمكن من تطوير السياسات والاستراتيجيات، وكذلك التكتيكات، لهزم الخط البورجوازي ومختلف المراكز البرجوازية، ليس لمرة واحدة، بل لعدة مرات.

    قد يعتقد خوجا أنه قدم مساهمة رائعة للماركسية من خلال تطبيق مبدأ النعامة، على استمرار الثورة في ظل الاشتراكية، لكن في الواقع، كل ما يطبقه بشكل خلاق هو نفس النظرة الإنسانوية (humanitarian) البورجوازية الصغيرة التي ترفض الاعتراف بانقسام المجتمع الرأسمالي إلى طبقات عدائية، على أمل أنه بهذه الطريقة سيجعل هذا العداء يختفي.

    بعرضه المبتذل "للمبادئ اللينينية" المتعلقة بالحزب، وباستخدامه التبسيطي لكلمات ستالين المتعلقة بـ "الحزب الأحادي للبروليتاريا"، يكشف خوجا ببساطة، وبشكل أكثر عمقا، عن نظرته الميتافيزيقية الضد ـــ ديالكتيكية للعالم، وبالتالي عن الغياب التام لأي فهم للتطور الفعلي لأي حزب ماركسي.

    يزعم خوجا أن المبادئ اللينينية، "لا تسمح بوجود خطوط متعددة، أو اتجاهات متعارضة في الحزب الشيوعي". رائع! ببضع كلمات، يلغي خوجا الضرورة إلى محاربة التحريفية، والدوغمائية، والتروتسكية، وأي انحراف آخر قد ينشأ في صفوف الحزب.

    هل يمكن القول على سبيل المثال، أنه لا يوجد تيار تحريفي داخل الحزب الألباني؟ لا، نحن لا نصدق ذلك! حتى لو التزم خوجا بخط ماركسي ـــ لينيني بدلاً من أن يدافع بنفسه عن اتجاه تحريفي جديد، فنحن ما زلنا لا نصدق ذلك.

    على الرغم من ثرثرة خوجا حول "المبادئ اللينينية"، فقد كرّس لينين وستالين قدرا كبيرا من الاهتمام للاعتراف بكل أنواع "الاتجاهات المعارضة" في الحزب البلشفي، ومحاربتها وهزمها.

    في الواقع، ما يفعله خوجا بطريقته النموذجية المفضلة، هو أنه يدمج اثنين في واحد، على عكس الطريقة الديالكتيكية لتقسيم واحد إلى اثنين. إنه يأخذ مسألة الخطوط والاتجاهات (الميول والنزعات) ويخلط بينها وبين مسألة الفصائل، رغم من أن هاتين المسألتين متصلتان، إلا أنهما متميزتين. إن وجود خطوط واتجاهات تحريفية داخل الحزب، لا تنشأ لكوننا "نسمح" لها بالوجود، بل إنها انعكاس لا مفر منه للقوى الطبقية في المجتمع، والتي هي أيضا لا يعتمد وجودها على "إذن" الماركسيين ـــ اللينينيين، ولكن على الظروف المادية والإيديولوجية في المجتمع، بما في ذلك بقايا المجتمع الطبقي الاستغلالي التي توجد ضمن قاعدة المجتمع الاشتراكي وبنيته الفوقية.

    إن فصيلا تحريفيا داخل الحزب يمكن حله، وطرد قادة عصابته وما إلى ذلك، لكن مثل هذه الإجراءات لن تؤدي، ولا يمكن أن تؤدي إلى القضاء على كل الميول والنزعات، وكل الخطوط التحريفية داخل الحزب، لأن هذه الميول والنزعات ليست موجودة فقط في الحزب ككل، ولكن أيضا في طريقة تفكير كل فرد!

    في التعامل مع هذه المسألة، ينتقل الحزب الألباني من طرف إلى آخر، مما أدى به إلى الخروج بصياغة انتقائية تسمح ب "الصراع الطبقي" داخل الحزب، ولكنها تنفي وجود خطوط متعارضة. هذا إنجاز كبير! يبدو أن خوجا يعتقد أنه من خلال تصفية عملاء العدو، والعناصر البورجوازية والمتفسخين في وقت مبكر، يمكنه منع ظهور خطوط العدو، وخطوط غير ماركسية، وخطوط بورجوازية داخل الحزب، كما لو كان وجود الخط يتوقف على توافر الآلات الكاتبة! مرة أخرى، إنه خوجا، وليس ماو، من ابتعد عن الماركسية ـــ اللينينية، التي تعلم أن مسألة الخط وصراع الخطوط (التي لا يمكن إلا أن تفترض وجود خطوط مختلفة) هي روح الحزب.

    لنأخذ بعض الأمثلة:

    في البلدان الإمبريالية، فالميول نحو التحريفية، لا سيما في شكل الاقتصادوية (أي الاتجاه إلى اختزال نضال العمال في مجرد الحصول على ظروف أفضل للعبيد في ظل عبوديتهم)، هي نزعة خبيثة وعنيدة في نفس الوقت. لقد كشف لينين الأساس الاجتماعي لهذا الاتجاه في عمله الرائع، ما العمل؟، وكذلك في بعض كتاباته اللاحقة حول الامبريالية، لكن، وببساطة لا يعني أن هذا الاتجاه الذي تم تحديده، و كون الماركسيين اللينينيين الحقيقيين قد انخرطوا في صراع طويل الأمد وعنيف ضده، أنه لا ينعكس داخل الحزب كخط معاد للماركسية، وبالمثل، في العديد من البلدان حيث تكون المهمة المباشرة للطبقة العاملة والحزب هي النضال من أجل تحرير الأمة، فإن الميول نحو القومية الضيقة هي انعكاس للقوى الطبقية الفعلية المنخرطة في المعركة، والشيوعيون في هذه البلدان يجب عليهم أن يخوضوا صراعا شرسا ضد هذه الانحرافات، بما في ذلك، وقبل كل شيء، داخل الحزب حيث تنعكس فيه هو نفسه.

    مرة أخرى، فإن الاعتراف بوجود خطوط خاطئة في الحزب، وفهم قاعدتها الطبقية وجذورها التاريخية، هو ما يمكّن الماركسيين ـــ اللينينيين من محاربة هذه الخطوط وهزمها، إن مثل هذا الواقع ليست فيه مسألة "سماح" من عدمها، وليست مسألة على الإطلاق.

    هل وجود الصراع بين خطين داخل الحزب لا يتوافق مع حقيقة أن "الحزب الماركسي ــ اللينيني الحقيقي هو حزب الطبقة العاملة فقط" على حد تعبير خوجا؟ [18] ، فقط أولئك الذين لا يفهمون أي شيء عن الديالكتيك، يجدونها كذلك.

    إن الحزب الشيوعي هو حزب الطبقة العاملة، لأنه يسترشد بالماركسية ـــ اللينينية، إيديولوجية الطبقة العاملة، لأن الطبقة العاملة هي الطبقة الوحيدة التي تكمن مصالحها في الإطاحة بالرأسمالية، وجميع أشكال الاستغلال والاضطهاد، وتحقيق الشيوعية، ولأن المبادئ التنظيمية للحزب، "المعايير اللينينية"، إن أردنا، تعكس الطابع الاجتماعي للإنتاج، وتحديدا دور البروليتاريا في الإنتاج، فبهذا المعنى، وبه فقط، يمكننا أن نفهم أن الحزب الشيوعي هو حزب الطبقة العاملة.

    لا يظهر الحزب، والطبقة العاملة، والماركسية ـــ اللينينية، في شكل "خالص"، فهذا واضح عند النظر على سبيل المثال إلى الطبقة العاملة، فقط نسبة صغيرة من العمال في المجتمع الرأسمالي تدرك دورها كحفار قبور النظام الرأسمالي. بالإضافة إلى ذلك، هناك انقسامات داخل صفوف البروليتاريا (الانقسامات السياسية والقومية والاقتصادية)، على الرغم من أن جميع العمال يشتركون بشكل موضوعي في نفس المصلحة الطبقية، وبالتالي فإن الحديث عن بروليتاريا "خالصة" تمثل ذروة السخافة، وستكون بمثابة إنكار للحاجة إلى الحزب الشيوعي، وهي ليست أقل سخافة من التحدث عن "نقاء" الحزب والماركسية ـــ اللينينية عند النظر إلى خصوصيات الوجود الفعلي والملموس لأي حزب معين، أو خط أي حزب معين. إن القيام بذلك هو بالضبط إلغاء الحاجة إلى خوض النضال داخل الحزب. هذا هو السبب في أن ماو يَسْخَر بحق، من فكرة "الوحدة المتجانسة" للحزب والحركة الشيوعية العالمية. ("يبدو أن بعض الناس يعتقدون ذلك ... الحزب ليس موضوعا للتحليل، بعبارة أخرى، إنه متجانس وموحد ...") [19] .

    دعونا نفحص مقولة لستالين استخدمها خوجا على أمل أن يخيف بها القارئ، من خلال إجراء فحص نقدي وديالكتيكي لهذا الموضوع: "الحزب الشيوعي هو حزب البروليتاريا الأحادي، وليس حزب مجموعة عناصر مختلفة من طبقات مختلفة".

    إن المقولة أعلاه هي صحيحة من ناحية، وغير صحيحة من ناحية أخرى، فإذا اعتبرنا  المقولة    كتجريد علمي، فهي مفيدة إلى حد ما، أما كتحليل لأي حزب كان، فهي غير صحيحة وضارة في نفس الوقت. يجب أن ينطلق الخط السياسي وكذلك المبادئ التنظيمية للحزب من تجريد علمي صحيح (بمعنى كما يقول لينين، أنه يعكس الطبيعة بشكل "أعمق، أصح وأكثر اكتمالا")، من حقيقة أن الحزب هو حزب البروليتاريا، وهذه الطبقة فقط، بينما عضوية الحزب الشيوعي يجب أن تشمل بالضبط "عناصر مختلفة من طبقات مختلفة".

    بالطبع، يجب أن ينضموا إلى الحزب على أساس تبني وجهة نظر وخط البروليتاريا، لكن هل يمكن القول إن المثقفين مثلا، في أي حزب، لا يجلبون معهم جوانب معينة من وجهات النظر، والخط والعادات التنظيمية للبورجوازية والبرجوازية الصغيرة؟ ألا يجلب الفلاحون إلى الحزب جوانب معينة من وجهة نظر المنتج الصغير؟ هل من الخطأ إجراء تحليل طبقي لعضوية الحزب، واستخدام هذا التحليل الطبقي (ديالكتيكيا وليس ميكانيكيا) في فهم الانحرافات المحتمل حدوثها، وكذلك كيفية محاربتها؟ بطبيعة الحال، فإن جميع أعضاء الحزب، بمن فيهم العمال، يجلبون معهم، عندما ينضمون إلى الحزب، أنواعا مختلفة من الإيديولوجيات البورجوازية والأخطاء السياسية، ومن هنا جاءت ملاحظة ماو الساخرة: "كما لو أن المرء بمجرد انضمامه للحزب، يصبح بالضرورة ماركسيا مائة بالمائة " [20] .لا يوجد شيء اسمه "ماركسيون مائة بالمائة"، بمن فيهم إنفير خوجا وبطله وانغ مينغ، الذي أثار أول مرة ضجة كبيرة في أوائل الثلاثينيات، معلنا أنه وحفنة من الطلاب الذين عادوا معه من موسكو، أنهم "بلاشفة مائة بالمائة".

    هل الاعتراف بأن الحزب ليس "منسجما"، وأنه في الواقع مليء بالتناقضات التي تعكس العلاقات الطبقية في المجتمع والتركيب الطبقي للحزب نفسه، يلغي الحاجة إلى النضال ضد الفصائلية، ومبدأ أن الحزب لا يمكن إلا أن يقوده خط واحد؟ يجب أن نكرر مرة أخرى، أن هذا لا يطرح مشكلة إلا للميتافيزيقيين فقط، وليس للماركسيين ـــ اللينينيين.

    إن الاعتراف بوجود خطين داخل الحزب (بالمعنى الأساسي، للخط البورجوازي والخط البروليتاري) هو في نفس الوقت الاعتراف بحقيقة أن أحد هذه الخطوط (بمعنى الخط الرئيسي) يجب أن يكون مهيمنا، ويجب أن يحدد طبيعة الحزب، وهو أيضا الاعتراف بإمكانية أن يتحول أحد المظهرين إلى الآخر، وبالتالي يصبح الحزب تحريفيا.

    طالما أن الخط السائد (أي الخط الجماعي للحزب وقيادته، المنعكس في نظرياته وسياساته ومنشوراته، وما إلى ذلك) هو حقا ماركسي ـــ لينيني، فمن الصواب اعتبار هذا الحزب ماركسيا ـــ لينينيا، حزب الطبقة العاملة. ولكي يظل مثل هذا الحزب ماركسيا ـــ لينينيا، فمن الضروري على وجه التحديد خوض صراع شرس لا هوادة فيه ضد كل مظاهر الخط الخاطئ. إن الاعتراف وإدراك هذه الضرورة، هو في نفس الوقت، الاعتراف بالحاجة إلى محاربة وتحطيم الفصائل البورجوازية التي تنشأ داخل الحزب.

    إن تاريخ الحركة الشيوعية العالمية، يبين بوضوح، ضرورة الاستمرار في النضال بهذه الطريقة، لدحر مساعي الجماعات التحريفية المنظمة داخل الحزب للاستيلاء على هذا الأخير، وتنفيذ خط تحريفي. كانت هذه بالضبط هي المهمة الرئيسية للثورة الثقافية للاستيلاء على السلطة من كبار المسؤولين المنخرطين في الطريق الرأسمالي من أجل هزمهم وتدمير مركزهم التحريفي، ومن هنا تأتي سخافة محاولة خوجا استخدام الثورة الثقافية "لإثبات" أن ماو "سمح" بوجود مراكز بورجوازية داخل الحزب.

    في الوقت نفسه، إذا أخذنا في الاعتبار وجود خطين في الحزب، وللأساس الاجتماعي لوجود هذين الخطين، فسندرك أيضا أن تشكل فصائل المعارضة البورجوازية في الحزب ليس ظاهرة عرضية أو هو غير قابل للتفسير، ولكنه جزء لا مفر منه من الصراع الطبقي ومن تطور الحزب، فكلما ظهرت ميول خاطئة، كلما كان الخط الخاطئ موجودا في حالة جنينية (وهو ما يحدث حتما للأسباب التي تم تلخيصها سابقا)، سيتقدم بعض الأفراد عاجلا أم آجلا، للدفاع عن هذه الميول، لتحويلها إلى خط وبرنامج متطور وكامل، وللقتال من أجل استبدال خط الحزب الماركسي ـــ اللينيني بهذا الخط الخاطئ.

    إن فهم هذه الحقيقة يمَكن، ولا يعيق، الحزب وجميع هيئاته وأعضائه من التعرف على هذه السيرورة بشكل أسرع أثناء تطورها (بشكل متكرر)، من أجل التصرف بشكل حاسم والتصدي لها.

    إن الفصائلية (الحزبية) بحد ذاتها هي مظهر من مظاهر الخط الخاطئ. إنها تعكس الانقسامية والتنافسية، و "كل واحد لنفسه" التي تطبع الرأسمالية، على عكس التضامن والتعاون اللذين يميزان العمال كطبقة، لذلك يجب أن يحارب الماركسيون ـــ اللينينيون الانقسامية كما فعل ماو في مبادئه الثلاثة الشهيرة حول ما يجب فعله وما لا يجب فعله:

    مارس الماركسية وليس التحريفية؛ اعمل للوحدة وليس للانقسام، كن صريحا وفوق الشبهات، ولا تدبر المؤامرات والمكائد.

    علاوة على ذلك، وكما أشار الثوار في الصين إلى ذلك (انظر تقرير وانغ هونغ وين (Wang Hong-wen) حول الدستور، الذي ألقي في المؤتمر العاشر للحزب)، فإن الخيارين الأخيرين "لمبادئ ما يجب فعله وما لا يجب فعله" يعتمدان على الأول [21] . يسعى الماركسيون – اللينينيون إلى الوحدة وليسوا في حاجة إلى نسج المؤامرات والمكائد، وقوتهم تنبع من كون خطهم يعكس بشكل صحيح الواقع الموضوعي، ويخدم مصالح الغالبية العظمى من الشعب، ويؤدي إلى تقدم الثورة إلى الأمام. هكذا، كلما تم الالتزام بالمبادئ اللينينية الصحيحة لحياة الحزب الداخلية، كلما تعزز الخط الصحيح بشكل عام.

    من الواضح أن أولئك الذين يؤيدون الخط البورجوازي سيعملون حتما من أجل الانقسام، وسيدبرون المؤامرات والمكائد، لأنهم بهذه الطريقة، وفي هذه الساحة يجدون ويطورون قوتهم، تماما كما يهابون النضال السياسي المفتوح مثل الطاعون، ومن ثمة، فإن المسألة ليست "السماح" للفئوية (الحزبية) والمؤامرات والمكائد داخل الحزب، ولكن الاعتراف بأن النضال ضد كل هذا هو جزء من "ممارسة الماركسية وليس التحريفية"، وتنبيه أعضاء الحزب والجماهير إلى حقيقة أن العناصر التي تتبع خطا خاطئا لا يمكن أن تلتزم بالمبادئ التنظيمية الماركسية ـــ اللينينية، وبالتالي يجب الحفاظ على اليقظة. إن إصرار خوجا على وجود "وحدة متجانسة" في الحزب، هو انعكاس لحقيقة أنه يرفض نظريا وعمليا أن يتخذ كنقطة انطلاق وأساس أي تحليل لمبدأ الواحد ينقسم إلى إثنين.

    يرتبط هذا الرفض ارتباطا وثيقا بتبنيه في الواقع لفلسفة "مدرسة ديبورين" (التي سميت على اسم فيلسوف سوفياتي بارز، خاصة خلال العشرينات من القرن الماضي، الذي بَشر من بين أمور أخرى، بأن التناقض لا يوجد بالضرورة طيلة مدة تطور الشيء، ولكنه ينشأ فقط في مرحلة معينة من ذلك التطور. على سبيل المثال، أعلنت مدرسة ديبورين أنه لا يوجد تناقض داخل "الطبقة الثالثة"("Tiers Etat"، "Third Estate")، أي بين القوى التي عارضت النبلاء ورجال الدين خلال الثورة الفرنسية، ولكن التناقض بين العمال والرأسماليين نشأ في وقت لاحق فقط، أي بعد تطور أكثر تقدما للإنتاج الرأسمالي)، واعتبر ماو تسي تونغ أنه من المهم للغاية النضال ضد مدرسة ديبورين، حيث أشار في عمله الشهير، "في التناقض"، إلى أن:

    "مثالية ديبورين تركت أثرا سيئا جدا في الحزب الشيوعي الصيني، ولا يمكن أن نقول إن أسلوب الجمود العقائدي في التفكير داخل حزبنا لا يمت بصلة إلى أسلوب هذه المدرسة." [22]

    وبالتالي فليس من المستغرب أن يجد خوجا في هجماته المسعورة على خط ماو ومحاولته قلب حكم التاريخ على وانغ مينغ (Wang Ming)، ملاذًا في المدرسة الفلسفية التي كان وانغ مينغ تلميذا وفيا فيها.

    كيف يمكن تفسير ظاهرة بروز وانتصار التحريفية دون دراسة التناقضات الداخلية للحزب، والتناقض بين الخطين؟ فينبغي، إما أن يتخلص المرء من التناقضات الداخلية تماما وتصوير هذه الظاهرة على أنها استيلاء على الحزب من قبل قوى خارجية، أو (وهو ما يعود للأمر نفسه) الادعاء بأن التناقضات الداخلية للحزب لا تظهر إلا في مرحلة معينة من تطورها، وتنشأ من تأثيرات خارجية و"أخطاء" من جانب الثوريين، وهكذا دواليك، إن هذه التفسيرات كلها ترجع إلى الميتافيزيقيا.

    لقد نفى ستالين وجود التناقض والخطين داخل الحزب، ولم "يسمح" بذلك، ومع ذلك، فإن هذا لم يمنع صعود التحريفية الخروتشوفية، فهل كانت الجماهير في الاتحاد السوفياتي مسلحة بشكل أفضل لفهم ما حدث، وما يجب فعله بسبب أخطاء ستالين هذه؟ بالطبع، يمكن أن نفهم أن ستالين ربما كانت لديه نظرة أحادية الجانب لحياة الحزب في ظل الاشتراكية، لأنه لم تكن هناك تجربة تاريخية لحزب شيوعي حقيقي نجح في القيام بالثورة، ثم تحول فيما بعد إلى نقيضه، إلى حزب بورجوازي يهدف إلى استعادة الرأسمالية * ، لكن الأمر مختلف تماما عندما يصر خوجا على تكرار أخطاء ستالين هذه، وجعلها مبادئ مطلقة، بينما أوجدت التجربة التاريخية منذ ذلك الحين أساسا مَكن الماركسيين ـــ اللينينيين، وخاصة الرفيق ماو تسي تونغ، من تقييم هذه الأخطاء وتصحيحها والتغلب عليها.

    عندما انتصرت الانتهازية في الأممية الثانية خلال الحرب العالمية الأولى، تمكن لينين، من خلال علم الديالكتيك، من تتبع تطور التناقض (وكذلك الجذور الاجتماعية والتاريخية) الذي أدى إلى هذه الخيانة، لقد أظهر كيف انقسمت الاشتراكية الديموقراطية إلى معسكر ثوري ومعسكر انتهازي، وكيف كان لهذه الظاهرة أساسها المادي في إنشاء أرستقراطية عمالية في البلدان الإمبريالية، وأن المدة الطويلة من العمل السلمي والقانوني قد أدت، من جهة، إلى أن تصبح الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية أحزابا جماهيرية للعمال في أوروبا، ومن جهة أخرى، إلى أن أغلبية قيادة هذه الأحزاب تميل إلى تبني ممارسة ومنظور انتهازي وبرلماني في نفس الوقت، و أظهر لينين أيضا كيف انفجر التعفن الانتهازي مع اندلاع الحرب العالمية الأولى.

    لا يستطيع خوجا تفسير صعود وتطور تحريفية خروتشوف، لأنه يرفض الاعتراف بأن التناقضات في الحركة الشيوعية العالمية لم تنشأ ببساطة مع انقلاب خروتشوف، لكنها انفجرت في تلك اللحظة فقط، لذا فإن "المساهمة العظيمة" لخوجا تكمن في نفي التقدم الحقيقي، الذي تم إحرازه في النضال ضد التحريفية خلال العشرين عاما الماضية، والإصرار على تقديس كل صياغة وكل خطأ (وكذلك الأساس الأيديولوجي لهذه الأخطاء) كالكتاب المقدس، ونعت كل من يرفض اتباع هذا الخط بالزندقة [23] .

    أخيرا، للرد على هجمات خوجا على خط ماو حول الحزب، يجب كشف الخلط الذي ينشره خوجا حول سياسات ماو في التعامل مع الصراع داخل الحزب.  يقتبس خوجا مقولة لماو:

    "وهكذا يمكننا استخدام كلتا يدينا للتعامل مع رفيق ارتكب أخطاء: بواحدة، سنناضل ضده، وبالأخرى، سنتحد معه. إن الهدف من هذا النضال هو التمسك بمبادئ الماركسية، مما يعني الحزم على المبادئ، هذا مظهر من المسألة، والمظهر الآخر هو الاتحاد معه، والهدف من الوحدة، هو أن نقدم له مخرجا للوصول إلى تسوية معه، [هذا ما نسميه بالمرونة]." [24]

    لم يكتف خوجا بحذف تعريف ماو لمصطلح "تسوية" ("هذا ما نسميه بالمرونة")، بل قام كذلك بتصفية استنتاج ماو: "الاتحاد بين المبادئ والمرونة هو مبدأ ماركسي ـــ لينيني، يشكل وحدة الأضداد [25]. بداية، يجب الإشارة إلى أن ماو لا يتحدث هنا إطلاقا عن المعادين للثورة المتشددين في الحزب، أولئك الذين يقودون الفصائل البرجوازية، فقد أكد ماو هذا تحديدا في الفقرة السابقة عن تلك التي اقتبسها خوجا:

    "ومع ذلك، تجاه الأشخاص من نوع آخر، فإن موقفنا مختلف، اتجاه أفراد مثل تروتسكي، أو مثل وتشن تو-سيو (Tchen Tou-sieou)، وتشانغ كو-تاو (Tchang Kouo-tao)، وكاو كانغ (Kao Kang) في الصين، فمن المستحيل تبني موقف مفيد، ولا مجال لمساعدتهم، لأنهم غير قابلين للتصحيح." [26]

    (هنا مرة أخرى، نرى أسلوب خوجا اللامع المجادل في العمل. في الواقع، إنه ينجز شيئين هنا: أولا، يجبر أي قارئ جاد للبحث عن الكتابات في النص الأصلي، لأنه بدون القيام بذلك، من المستحيل فهم ما يقوله ماو من خلال قراءة "اقتباسات" خوجا، ثانيا، يكشف عن الإفلاس التام لوجهة نظره، مدركا بنفسه أنه لا يستطيع أن يصمد في مواجهة وجها لوجه مع فكر ماو تسي تونغ).

    لذلك فمن الواضح جدا أن ماو لا يدعو إلى وحدة غير مبدئية مع المتعصبين، وتكتسي وجهة نظره الحقيقية أهمية أكبر بكثير عندما يتم فحص سياق خطابه، الذي ألقاه في اجتماع موسكو عام 1957 لممثلي الأحزاب الشيوعية والعمالية، لأنه في هذا الاجتماع، قاد ماو صراعا معقدا للغاية للدفاع عن مبادئ الماركسية ــــ اللينينية، وهو صراع تطلب تنازلات تكتيكية مع خروتشوف، من جهة، وجهودا حثيثة لحشد وتأسيس أرضية للوحدة مع أكبر عدد ممكن من 60 حزبا شيوعيا حضرت للاجتماع.  إن وجهة نظر ماو واضحة، على الرغم من كونه عبر عنها بأسلوب إيسوبي * إلى حد ما.

    خوجا يؤنب ماو لأنه اقترح في عام 1956 "انتخاب قادة الفصائل اليمينية واليسارية للجنة المركزية ..." [27] ، واختار إنفير خوجا عدم الكشف عن أسماء هؤلاء القادة، خوفا من الكشف عن نقطة ضعف أخرى في حجته، لأن أحد هؤلاء القادة لم يكن سوى صديقنا القديم وانغ مينغ (Wang Ming)، "البلشفي مائة بالمائة"، الذي يتوافق خطه مع خط خوجا. بالإضافة إلى ذلك، ستواجه خوجا صعوبة في تفسير سبب موافقة لينين وستالين أحيانا، على انتخاب قادة انتهازيين للجنة المركزية.

    أولا، من الصواب محاولة كسب الممثلين الرئيسيين السابقين للخطوط الخاطئة، ثانيا، ليس من الممكن دائما، ولا من المستحسن بالضرورة، إقصاء القادة الانتهازيين من مناصبهم في أي وقت. قد يكون، على سبيل المثال، أن هؤلاء القادة لم يتم كشفهم بعد، وأنهم ما زالوا يقودون قاعدة اجتماعية، وأن هذه القاعدة يمكن أن تتآكل بشكل كبير من خلال خوض صراع خاص لمدة زمنية معينة. كان هذا هو الحال، في جوانب عديدة، مع النضالات التي خاضها ستالين ضد اليمين كما ضد "اليسار" في العشرينات وأوائل الثلاثينيات. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون أيضا أن زعيما تحريفيا معينا ليس بالممثل الرئيسي للخط التحريفي في لحظة معينة، وأن هجوما يتم شنه على جبهتين أو أكثر قد يؤدي إلى الهزيمة.

    بالطبع، كان من الضروري في كثير من الأحيان، طوال تاريخ الحركة الشيوعية العالمية، النضال في وقت واحد على عدة جبهات، ولكن كانت هناك أيضا العديد من الحالات، منذ عهد ماركس وإنجلز، كان من الواضح فيها أن هناك صراع داخلي واحد كان على الثوريين أن يركزوا اهتمامهم به في المقام الأول، وحيثما لم يفعلوا بذلك كان من الممكن أن تكون له مشاكل وعواقب وخيمة للغاية. لا نعرف جميع الأسباب التي جعلت ماو يعتبر أنه من المستحسن انتخاب وانغ مينغ (Wang Ming) ولي لي سان (Li Li-san) في اللجنة المركزية في عام 1956، ولكن من الواضح أن مثل هذا العمل لا يشكل بالتأكيد استهتارا بالمبادئ الماركسية، أو أن يقال إنه انتهك مبدأ مقدسا للماركسية، لا أكثر ولا أقل من حقيقة انتخاب تروتسكي في اللجنة المركزية للحزب البلشفي مرارا وتكرارا حتى سقوطه الأخير في عام 1927، أو ربما يعتقد خوجا أن لينين وستالين لم يفهما حقا طبيعة تروتسكي الحقيقية؟

    دعونا نلقي نظرة على منطق ماو بشأن هذه المسألة على النحو الذي أوضحه في خطابه خلال الاجتماع التحضيري للمؤتمر الوطني الثامن للحزب الشيوعي الصيني، وهو يدعو إلى إعادة انتخاب لي لي سان (Li Li-san) ووانغ مينغ (Wang Ming) في مقاعد اللجنة المركزية التي يشغلانها. هذان العنصران، بالطبع، هما ممثلين بارزين للخطوط التي كان لها خلال تاريخ الحزب، عواقب وخيمة للغاية. بالإضافة إلى ذلك، ليس لدى ماو أي وهم بشأن خطوطهم الحالية، ولا سيما خط وانغ مينغ الذي حاول التراجع عن نقده الذاتي لأخطائه السابقة. في الواقع يؤكد ماو أن "السؤال ليس ما إذا كان وانغ مينغ و لي لي سان سيصححان طريقتهما أم لا، هذا ليس له أهمية..." [28] بل بالأحرى:

    "جوهر المسألة هنا هو أنهم ليسوا مجرد عدد قليل من الأفراد المنعزلين، بل هم يمثلون جزءا كبيرا من البورجوازية الصغيرة، فالصين بلد به بورجوازية صغيرة كبيرة جدا، وجزء كبير من عناصرها يتأرجح [يمضي في الحديث عن مختلف فئات البرجوازية الصغيرة الصينية.]. فما الذي يمكن أن يعنيه التصويت لهذين الشخصين اللذين يمثلان خطوط وانغ مينغ و لي لي سان؟ هذا يعني أننا نتعامل مع الأشخاص الذين ارتكبوا أخطاء إيديولوجية بشكل مختلف عن أولئك المعادين للثورة والانقساميين (مثل تشن تو سيو (Tchen Tou-sieou) و تشانغ كو تاو (Tchang Kouo-tao) و كاو كانغ (Kao Kang) و جاو شو شي (Jao Chou-che)). هؤلاء الأشخاص يمارسون الذاتية والطائفية في وضح النهار، بإحداث الضجة والسعي إلى الانتصار من خلال برامجهم السياسية.... لذلك، فإن مشكلة وانغ مينغ ولي لي- سان ليست مشكلة عنصرين فقط، المهم هنا أن لهما أصلهما الاجتماعي" [29]

    يواصل ماو، مشيرا إلى أن وجود هذين العنصرين في اللجنة المركزية المنبثقة عن المؤتمر السابع (المنتخبة عام 1945) لم يتسبب في خسائر كبيرة للبروليتاريا: "... ومع ذلك فزنا بالنصر في الثورة، وانتصارنا [أي انتصار عام 1949] لم يتأخر لبضعة أشهر لمجرد أننا انتخبنا وانغ مينغ ولي لي سان " [30] . يوضح ماو أكثر:

    "البلد بأسره، والعالم بأسره، يعرف جيدا أنهم ارتكبوا أخطاء في الخط، وشهرتهم بالذات، هي بالتحديد سبب انتخابهم ...في بلد مثل بلدنا حيث البورجوازية الصغيرة كبيرة جدا.

    فَهُمَا رايتان، إذا انتخبناهما سيقول كثير من الناس: إن الحزب الشيوعي لا يزال صبورا اتجاههما، يفضل الاحتفاظ بهما بمقعدين، على أمل أن يصححوا أساليبهما، وسواء أكانا يصححان ذلك أم لا، فهذه مسألة أخرى، علاوة على ذلك فهي ليست مهمة جدا، وتتعلق بهما فقط. فالمسألة المهمة هي أن البرجوازية الصغيرة في مجتمعنا ضخمة من حيث العدد، وأن هناك في حزبنا العديد من العناصر المتذبذبة من أصل برجوازي صغير، والعديد من العناصر المترددة بين المثقفين، وجميعهم يريدون معرفة ما سيحدث لهذه الحالات النموذجية. إذا رأوا هاتين الرايتين لا زالتا قائمتين، فسيشعرون بالطمأنينة، وسوف ينامون بهدوء وسيسعدون، أما إذا أسقطت هاتين الرايتين، فسوف يصابون بالذعر." [31]

    وها هو ذا ماو يفتح بطريقة علنية ووقحة حزب البروليتاريا أمام الانتهازيين!

    لقد استشهدنا بإسهاب هنا بمنطق ماو، ليس فقط لمحاربة طريقة خوجا في التشويه والاقتباس الخاطئ لأقوال ماو، ولكن أيضا لأنه من الممكن أن يسأل الثوار المخلصون أنفسهم أيضا أسئلة في هذا الصدد، لكن ما هو الخطأ هنا في تفكير ماو؟ كيف ينتهك مبادئ وجهة النظر الماركسية ـــ اللينينية للذهاب عكس تيار الثورة؟ إنه لا يتعارض مع هذه المبادئ على الإطلاق، يؤكد ماو، أن وجود هذين العنصرين في اللجنة المركزية لن يضر بالمصالح الثورية للبروليتاريا، بل سيدفع بالثورة إلى الأمام في ظل الظروف الخاصة للمجتمع الصيني.

    لقد كانا مشهورين للغاية ومكشوفين بشكل جيد، وهذا يعني أنهما لم يكونا في وضع يسمح لهما بإحداث الكثير من الضرر على الإطلاق. من ناحية أخرى، لم يكونا (في ذلك الوقت) عدائيين للثورة أو انقساميين، بل كانا شخصين ارتكبا أخطاء إيديولوجية في وضح النهار، وعلى وجه الخصوص خطأ التردد الذي تحمله بالضبط البورجوازية الصغيرة. لهذا السبب، كانا رمزين للبورجوازية الصغيرة الضخمة في الصين، ولكي تنجح الثورة الصينية، كان من الضروري للغاية أن تتحد البروليتاريا مع هذه البرجوازية الصغيرة، وأن تناضل معها بطريقة غير عدائية، وأن تكسب قيادتها لها (لفهم هذه الضرورة تماما، يجب أن نتذكر أن مئات الملايين من الفلاحين   الصينيين   كانوا جزءا من البورجوازية الصغيرة). لذا، فإن إبقاء هذين العنصرين في اللجنة المركزية لن يضر بالثورة (وفي الواقع، سيكون من الصعب للغاية إثبات أن وجودهما قد تسبب في أي ضرر)، لكن من ناحية أخرى، كان للإطاحة بهما سيؤدي إلى الكثير من الضرر، لأن مثل هذا الإجراء كان سيخلق اضطرابات وعدم ارتياح في قاعدتهما الاجتماعية، في وقت كان فيه الحزب الشيوعي يعمل من أجل الوحدة مع هذه القاعدة الاجتماعية بهدف الفوز بها وحشدها.

    مع ذلك، يمكن للمرء دائما أن يتساءل، حتى لو حاول الحزب الشيوعي الصيني كسب هذه القاعدة، فلماذا استلزم ذلك وضع ممثلين بورجوازيين صغيرين في اللجنة المركزية للحزب البروليتاري؟ ألا يفترض أن تكون هذه المنظمة بالضبط حزبا للبروليتاريا، أليس هذا في الواقع يحولها إلى مجرد "حزب لمجموعة عناصر مختلفة من طبقات مختلفة" (هذه الأخيرة    هي  كلمات ستالين التي اقتبسها خوجا)؟ هناك العديد من الإجابات على هذه الأسئلة: 

    بادئ ذي بدء، تجب الإشارة إلى أن وجود أفراد في الحزب، وحتى في اللجنة المركزية، يلعبون دور ممثلي البورجوازية الصغيرة، لا يجعل من الحزب في الواقع مجموعة عناصر من طبقات مختلفة، أي أنه لا يغير بالضرورة الطابع الأساسي للحزب، كممثل وطليعة للبروليتاريا التي لها خط بروليتاري، ويجب على أي مراقب موضوعي أن يعترف بأن وجود وانغ مينغ ولي لي-سان لم يغير لا طابع ولا الخط الأساسي للحزب الشيوعي الصيني في الفترة التي أعقبت الكشف عن خطهما وهزمهما.

    ثانيا، يجب الأخذ بعين الاعتبار الظروف الخاصة للثورة الصينية، فالمرحلة الأولى من الثورة الصينية هي الثورة الديمقراطية الجديدة، أي بعبارة أخرى، كان من اللازم أولا على البروليتاريا وحزبها أن يقودا إلى انتصار ثورة ديمقراطية بورجوازية تستهدف الإمبريالية والإقطاعية قبل المرور إلى مرحلة الثورة الاشتراكية (كما قال ماو، الثورة الديمقراطية الجديدة هي ثورة بورجوازية ديمقراطية، لكنها "... لم تعد من النمط العام القديم، الذي تم الآن تجاوزه، بل من نمط خاص وجديد". وهي "... ثورة معادية للإمبريالية وللإقطاع، تقوم بها الجماهير الشعبية تحت قيادة البروليتاريا".) [32] ويترتب على ذلك، أنه كان من المحتم أن يصبح بعض الأشخاص الذين كانوا ثوريين حقا في ذلك الوقت (حتى أنهم قبلوا بالشيوعية من دون أن يستوعبوا حقا الماركسية ـــ اللينينية) واللذين يمثلون في الواقع البورجوازية الصغيرة بدلا من البروليتاريا، أعضاء في الحزب القائد لهذه الثورة الديمقراطية البورجوازية من نمط جديد. كانت هذه ضرورة للقيام بالثورة في الصين، وإنكار هذه الحقيقة يعني إما أن المرء يتجاهل الحقائق التاريخية، أو أنه يسعى للتهرب من الواقع. بالنظر إلى أنها كانت ضرورة، ألم يكن من الأفضل بكثير، وأكثر ماركسية، الاعتراف بهذه الحقائق والتعامل معها (كما فعل ماو) بدلا من التظاهر بأنها لم تكن موجودة والتحدث فقط عن نقاء الحزب المنسجم؟

    ثالثا، حتى في غياب الظروف الخاصة للصين، فإن الادعاء بأن الحزب الثوري يمكن أن يكون ذا نقاوة أحادية حتى بعد الاستيلاء على السلطة، هو في الواقع مجرد ذريعة وبث للأوهام. لقد أدرك لينين هذه الحقيقة جيدا عندما قال:

    "تحت سلطة السوفييتات، سوف يتسلل إلى حزبكم وإلى حزبنا، حزب البروليتاريا، عدد أكبر من المثقفين البورجوازيين، سوف يتسللون إلى السوفييتات والمحاكم، وإلى الإدارات، لأننا لا نستطيع بناء الشيوعية إلا بالمواد البشرية التي خلقتها الرأسمالية، لا يوجد شيء أخر. لا يمكننا إبعاد المثقفين البورجوازيين أو إبادتهم، بل يجب هزمهم، وتحويلهم، وإعادة تشكيلهم، وإعادة تثقيفهم، مثلما يجب علينا، من خلال نضال طويل الأمد على أساس ديكتاتورية البروليتاريا، أن نعيد تثقيف البروليتاريين أنفسهم، فهم أيضا لا يتخلصون من تحيزاتهم البورجوازية الصغيرة فجأة، دفعة واحدة، بمعجزة، بأمر من السيدة العذراء، أو بناء على أمر بإشعار، قرار، مرسوم، ولكن فقط على حساب نضال جماهيري طويل وصعب ضد تأثيرات جماهير البورجوازية الصغيرة." [33]

    كيف! المثقفون البورجوازيون سيتسللون إلى الحزب البروليتاري! ولا يمكن إبعادهم من الحزب ولا إبادتهم؟ ولكن بعد ذلك، يجب أن نتذكر أن الليبرالي الشهير · لينين هو الذي يتحدث هنا، وليس نموذجا مثاليا للنقاء البروليتاري كإنفير خوجا! بالطبع، سيكون من الأفضل عدم تقديم مثل هذه التنازلات. لكن الثورات، بغض النظر عما يعتقده السيد خوجا الساكن في السحاب، تتم بالضبط من خلال، وأثناء مثل هذه التسويات التكتيكية، حتى داخل حزب البروليتاريا. ماذا يقول خوجا عن انتخاب تروتسكي عضوا في اللجنة المركزية السادسة للحزب البلشفي في غشت 1917؟ ألم ير لينين الطبيعة الحقيقية لتروتسكي؟ هل يمكن القول أن تروتسكي كان "بروليتاريا نقيا"؟ ألا يتعلق الأمر بحقيقة أنه كان من الضروري تقديم تنازلات معينة فيما يتعلق بتروتسكي، بل والذهاب إلى أبعد من ذلك وجعله قائدا، من أجل كسب قاعدته الاجتماعية التي كانت بورجوازية صغيرة أكثر منها بروليتارية، ليس فقط في تصورها للعالم، بل وأيضا من خلال تركيبها الطبقي، ألم ينضم كثير من هؤلاء إلى الحزب مع تروتسكي؟ *

    لنرى أخيرا هذا المقطع الهرطقي · من مناقشة ماو لهذه المسألة:

    هل يعني انتخابهم إذن أنه ينبغي على المرء أن يكافئ أولئك الذين ارتكبوا أخطاء؟ بما أن هؤلاء الأشخاص قد تم انتخابهم في اللجنة المركزية، ستقولون، حسنا، دعونا جميعا نرتكب الأخطاء، وعلى أي حال ستتاح لنا فرصة انتخابنا. هل هكذا تحدث الأمور؟ لا أعتقد ذلك. لدينا سبعون وبضع من أعضاء اللجنة المركزية لم يرتكبوا أخطاء عن قصد لإعادة انتخابهم! ... كل البلد، حتى العالم كله يعلم جيدا أنهم ارتكبوا أخطاء في الخط، وشهرتهم على وجه التحديد هي سبب انتخابهم. ماذا تريد؟ إنهم أشخاص مشهورين، بينما أنت من لم يرتكب أي أخطاء أو ارتكب أخطاء صغيرة فقط لست مشهورا مثلهم.

    يقتبس خوجا جزءا من هذا النص وهو مصدوم، ضميره النقي ذعر به، ولا يسعنا مساعدته: يبدو أن "الثقافة الماركسية ـــ اللينينية" (كذا) التي يتهم خوجا ماو بالتخلي عنها خالية تماما من روح الدعابة ** .

    أو ربما لننظر أقرب قليلا إلى منزل (خوجا). بعد كل شيء، مرت الثورة في ألبانيا أولا بمرحلة وصفت رسميا بأنها "ثورة ديمقراطية مناهضة للإمبريالية"، أسست "النظام الديمقراطي الجديد" في ألبانيا [34] ،  أليس من الممكن أن يكون بعض الأشخاص الذين تم قبول عضويتهم في الحزب، ممن لم يستوعبوا الماركسية ـــ اللينينية بشكل صحيح، وكانوا من الناحية الموضوعية ديموقراطيين بورجوازيين أو ممثلين للبورجوازية الصغيرة؟ لكن، لا يتعين علينا الاعتماد على مجرد الافتراض، فدستور جمهورية ألبانيا الديمقراطية الشعبية (الذي تم استبداله منذ ذلك الحين بالدستور المعتمد عام 1976) لم يشر إلى الحزب إلا مرة واحدة فقط:

    "ينضم المواطنون الأكثر نشاطا ووعيا من الطبقة العاملة والجماهير العاملة إلى صفوف حزب العمل الألباني، المنظمة الطليعية للطبقة العاملة وجميع الجماهير العاملة، في سعيهم لبناء أسس الاشتراكية والنواة القيادية لجميع منظمات الجماهير العمالية والاجتماعية والدولة." [35]

    هل يعني ذلك أن حزب العمل الألباني لم يكن "حزب البروليتاريا فقط"؟ لقد تم شرح هذه النقطة بمزيد من التفصيل في النص الرسمي لتاريخ حزب العمل في ألبانيا، حين مناقشة المؤتمر الأول للحزب الشيوعي في ألبانيا الذي عقد سنة 1948، النص يؤكد أن:

    "قرر المؤتمر الأول تغيير اسم الحزب، من الحزب الشيوعي الألباني إلى اسم حزب العمل الألباني (PTA). هذا التغيير فرضته التركيبة الاجتماعية للبلاد وللحزب، ولم يضر بطابعه أو أهدافه. إن الجزء الأكبر من السكان في ألبانيا (حوالي 80٪) يتألف من الفلاحين، وقد انعكس هذا الواقع أيضا في الحزب، حيث كانت الغالبية العظمى من أعضائه يعملون على الأرض في الأرياف". [36]

    حسنا، على الأقل تحت قيادة ماو، لم يغير الشيوعيون اسم حزبهم ليُطلق عليه "حزب العمال والفلاحين الصيني" أو "حزب العمال الصينيين"!

    بالطبع هذا لا يعني أن حزبا شيوعيا ماركسيا ـــ لينينيا حقيقيا لا يمكنه، في ظروف معينة، جذب غالبية أعضائه من الفلاحين أو غيرهم من الفئات البورجوازية الصغيرة. إن المسألة المهمة هنا تتعلق بحقيقة أن خوجا على وشك أن يعلن أن طابع الحزب يجب أن يعتمد على "تركيبته الاجتماعية" (أي أن الحزب في بلد زراعي إلى حد كبير، ومعظم أعضائه من الفلاحين، يجب عليه أن يكون حزبا من العمال والفلاحين بدلا من حزب بروليتاري).  لم يقدم حزب العمل الألباني أبدا أي نقد ذاتي حول هذا الموضوع، ويستمر حتى اليوم في تسمية نفسه "حزب العمل". إن قيام خوجا بذلك في وقت ما، ثم إطلاقه الصواعق من السماء عندما يتناول ماو مسألة العناصر البورجوازية الصغيرة في الحزب الشيوعي الحاكم، هو مثال صارخ على نفاق خوجا، ولا مبدئيته التامة، ولا ماركسية أسلوبه في مناقشاته ومجادلاته.

    ولعل الأكثر سخافة من بين جميع اتهامات خوجا لماو وللحزب الشيوعي الصيني، هي المزاوجة بين مقاربته البيروقراطية والميتافيزيقية لصراعات الحزب الداخلية، ونداءاته المنافقة لأشكال الديمقراطية الحزبية، فهو يعلن أن القادة الصينيين يتصرفون "بمكر"، "لم ينشروا على الملأ العديد من الوثائق الضرورية لمعرفة نشاط حزبهم ودولتهم. لقد كانوا ولا زالوا حذرين للغاية من نشر وثائقهم ". [37] *

    إذا كان هناك حزب في تاريخ الدول الاشتراكية، قد فعل كل شيء حتى نتمكن من فهم خطه بشكل عميق، وأن نتمكن من معرفة كيفية تطور هذا الخط في صراعه ضد الخطوط الخاطئة، والطريقة التي ظهر بها في كل مجالات النشاط الثوري، فهو الحزب الشيوعي الصيني ** . نود أن نذكر خوجا بالمثل القديم "على من يسكن في بيوت زجاجية ألا يرشق بالحجارة". لأنه من المستحيل الحصول على منظور مضبوط لصراع الخطوط في ألبانيا، وعلى الخصوص لشروط الصراع الذي دار بين قادة حزب العمل الألباني ومختلف مجموعات المعارضة، التي تشكلت وهُزمت داخل الحزب. إن وثائقهم، بدون استثناء تقريبا، تتحدث فقط عن هذا أو ذاك "العميل الأجنبي"، أو هذا "المنحط" أو ذاك، إلخ...، الذي حاول تخريب الحزب. وبصرف النظر عن بعض الملاحظات المختصرة والسطحية للغاية، فإن المحتوى السياسي لمختلف خطوط المعارضة لم يكشف لنا عنها أبدا، وإذا رغب خوجا بالقول إنه لم يكن هناك أي خطوط تحريفية في حزب العمل الألباني، فسنجيبه مرة أخرى: نحن لا نصدق ذلك، ولا أحد يصدق ذلك حقا، ولا حتى متملقوك.

    لقد تناولنا بشكل مكثف نقد خوجا لخط ماو فيما يتعلق بطابع الحزب، حيث أن الأوركسترا التي يقودها خوجا تعلن عن عملها كما لو أنها قابلة للتطبيق عالميا. في الحقيقة هو خطأ عالمي. إن أطروحته حول "الوحدة المتجانسة للحزب" ليست أكثر صحة بالنسبة للأحزاب التي ليست بعد في السلطة، منها للأحزاب التي هي في السلطة، لكن يجب أن نضيف أيضا أنه إذا كان تطبيق العديد من الصيغ التي يقدمها خوجا والتفكير الميكانيكي الذي يروج له، هو خطأ بالنسبة لحزب لم يصل بعد إلى السلطة، فسرعان ما ستصبح وصفة حقيقية لكارثة عند تطبيقها بالنسبة لحزب يحاول قيادة دولة اشتراكية.

    إن هذا يرجع إلى أن طبيعة الصراع الطبقي تتغير نوعيا بعد انتصار الثورة الاشتراكية، وعلى الخصوص بعد إنجاز التحول الأساسي للقاعدة الاقتصادية. في ظل الرأسمالية، يعتبر الصراع الطبقي في الحزب، وبتعبير خوجا نفسه، "انعكاسا للصراع الطبقي الذي يجري خارجه ..." [38] ، لكن خوجا لا يميز بين الصراع في ظل الرأسمالية والصراع في ظل الاشتراكية. يقول:

     "ليس الحزب ساحة طبقية يجري فيها صراع بين طبقات عدائية ..." [39] حقا؟ وكيف يفسر خوجا الانقلاب الذي قاده خروتشوف؟ كيف يفسر عامين من النضال المرير في الهيئات العليا للحزب السوفياتي بعد وفاة ستالين؟ أليست صراعا بين طبقات عدائية، ألم يجري داخل الحزب الشيوعي نفسه؟ وماذا عن نضال ستالين ضد تروتسكي وبوخارين وآخرين خلال العشرينيات، صراعات استمرت عدة سنوات؟

    في الواقع، على الرغم من أن خوجا لا يريد الاعتراف بذلك، فإن تحليله لهذا الموضوع مشابه جدا لتحليل هوا كو فنغ (Houa Kouo-feng) و تينغ سياو بينغ (Teng xiaoping)، فعند الاستيلاء على السلطة، شن هوا (Houa) وشركاؤه هجوما نظريا كبيرا على تعاليم ماو حول مسالة أن البورجوازية "موجودة في الحزب الشيوعي"، باستخدامه خط من الحجج مشابه بشكل ملحوظ لخط حجج خوجا، فقد قدم هوا (Houa ) حجة أن الصراع الطبقي في الحزب ما هو إلا انعكاس للصراع الطبقي في المجتمع بشكل عام، وبينما هو يتشدق ببعض أقوال ماو الشهيرة حول هذا الموضوع، اتهم "عصابة الأربعة" (التي كان يقودها ماو كما يعلم الجميع) للترويج لفكرة أن البورجوازية كطبقة موجودة داخل الحزب. وفقا لحجج هوا (Houa) وخوجا معا، إذا كان هذا صحيحا، فلا يمكن للحزب أن يكون حزب البروليتاريا [40] . لقد كانت دوافع هوا كو فنغ وتينغ كسياو بينغ واضحة لاتخاذ هذا الخط، فقد أرادا توجيه الانتباه بعيدا عن القادة الرئيسيين للبورجوازية ككل من أجل حمايتهم، داخل الحزب وخارجه، والذين لم يكونوا سوى المسؤولين المنخرطين مثلهم في الطريق الرأسمالي.

    يجدر بنا أن نقتبس من الحزب الشيوعي الصيني حول هذا الموضوع، عندما كان الحزب لا يزال تحت قيادة خط ماو الثوري، وعندما كانت المعركة ضد المسؤولين المنخرطين في الطريق الرأسمالي في الحزب تقترب من المواجهة الحاسمة:

    "إن التناقض الأساسي في كل الفترة التاريخية للاشتراكية هو التناقض بين البروليتاريا والبورجوازية. مع تغير ميزان القوى الطبقية، يجد الصراع الطبقي بين البروليتاريا والبرجوازية تعبيرا له في الحزب بطريقة عميقة وحادة بشكل متزايد." [41]

    في المقال المذكور أعلاه، كما في العديد من المقالات الأخرى، يقدم ثوريو الحزب الصيني تحليلا ماديا للتناقضات في الاشتراكية، وتحديدا للتناقض الأساسي بين البروليتاريا والبورجوازية، وهو التناقض الذي ينفيه خوجا، مدعيا بأن الاشتراكية "تؤدي إلى إزالة الطبقات العدائية واضطهاد الإنسان واستغلاله للإنسان" [42] (إزالة، على ما يبدو لأن الدستور الألباني الجديد "لا يسمح بذلك")!

    يشير مقال الحزب الصيني المقتبس أعلاه إلى:

    "إن الخط التحريفي لرواد الطريق الرأسمالي في الحزب، هو تركيز لمصالح البورجوازية القديمة والجديدة، ولمصالح جميع الطبقات المستغِلة الأخرى، وهو الذي يحدد الطبيعة الطبقية البورجوازية لمسؤولي الحزب.... من زاوية نظر الاقتصاد، فإن السبب الذي يجعل مسؤولي الحزب المنخرطين في الطريق الرأسمالي هم بورجوازية داخل الحزب، هو أنهم يمثلون علاقات الإنتاج الرأسمالية المنحلة.

    خلال المرحلة الاشتراكية، تريد البروليتاريا باستمرار تحويل البنية الفوقية وعلاقات الإنتاج التي لا تتوافق مع القاعدة الاقتصادية ولا مع قوى الإنتاج الاشتراكية، كما تريد إنجاز الثورة الاشتراكية حتى النهاية، بينما يبذل مسئولو الحزب المنخرطين في الطريق الرأسمالي قصارى جهدهم، للحفاظ على البنية الفوقية وعلاقات الإنتاج التي تعيق تطور القاعدة الاقتصادية وتطور قوى الإنتاج الاشتراكية، تماما كما يسعون دون جدوى لاستعادة الرأسمالية." [43]

    مقال آخر، نُشر في نفس الفترة تقريبا (خلال حملة "نقد تنغ (Teng) والرد على الانحراف اليميني" في سنة 1976) يتناول هذه المسألة بعمق أكبر:

    "إذا كانت قيادة قسم أو وحدة تحت سيطرة المسؤولين المنخرطين في الطريق الرأسمالي الذين يدفعون الخط التحريفي بقوة، فإن الإنتاج الاشتراكي سيتحول إلى حركة لمضاعفة قيمة رأس المال، مع السعي لتحقيق أقصى قدر من الربح كهدف وحيد، بعبارة أخرى، هو نظام رأسمالي للعمل المأجور، وسيصبح نظام الملكية الاشتراكية، الذي يتم تقليصه إلى "مجرد مظهر" فعليا، نظام ملكية رأسمالية تحت قيادة المسؤولين المنخرطين في الطريق الرأسمالي، وستفقد البروليتاريا والشعب العامل في الواقع هذا الجزء من وسائل الإنتاج.

    إذا نظرنا إلى العلاقات المتبادلة بين الناس، اللذين يعيشون في ظل نظام اشتراكي، الذي لا يقوم على استغلال واضطهاد الإنسان للإنسان، فإننا نعلم أن العلاقات بين الكوادر والجماهير، وبين المستويات العليا والدنيا في صفوف الثوريين، يجب أن تكون علاقات مساواة بين الرفاق، ومع ذلك، فإن الفروق الرئيسية الثلاثة (الفرق بين العمال والفلاحين، بين المدينة والريف، بين العمل اليدوي والعمل الذهني) لا تزال موجودة، بالإضافة إلى الممارسة القديمة لتقسيم العمل، ونظام الأجور المتدرجة، إذن فالحقوق البورجوازية لا تزال موجودة إلى حد كبير جدا. حتى هذه الحقوق البورجوازية في العلاقات المتبادلة بين الناس، والتي يجب القضاء عليها من الآن، مثل التدرج الصارم [للأجور]، فرضها على الجماهير والتحلل منها، فالمعاملة غير المتكافئة في العلاقة مع البعض، وما إلى ذلك، غالبا ما تعاود الظهور بعد أن تم القضاء عليها، فإذا تم الاستيلاء على قيادة أقسام معينة من قبل أولئك المسؤولين المنخرطين في الطريق الرأسمالي، فسوف يسعون إلى تعزيز وتوسيع الحقوق البورجوازية في العلاقات بين الناس، وإخضاع العمال ل "المراقبة والضبط والقمع"، محولين العلاقات الاشتراكية بين الناس إلى علاقات ارتزاقية رأسمالية، وفارضين الدكتاتورية البرجوازية. هذا الوضع هو واضح اليوم بشكل خاص في الاتحاد السوفياتي ". [44]

    ويتابع المقال:

    "إن ظهور المسؤولين المنخرطين في الطريق الرأسمالي داخل الحزب خلال المرحلة الاشتراكية ليس غريبا على الإطلاق. كل شيء ينقسم إلى إثنين، والحزب السياسي للبروليتاريا ليس استثناء، فطالما بقيت الطبقات، التناقضات الطبقية، والصراعات الطبقية، فإن هذه الصراعات ستنعكس حتما داخل الحزب. "المسؤولون المنخرطون في الطريق الرأسمالي لم يتوقفوا عن السير في هذا الطريق"، ستكون هذه ظاهرة تاريخية طويلة الأمد.

    تختلف الماركسية عن التحريفية في كون هذه الأخيرة تخشى الاعتراف بوجود الصراع الطبقي في المجتمع الاشتراكي، وعلى الخصوص ظهور البورجوازية داخل الحزب. لقد حاول خروتشوف وبريجنيف وأمثالهما خداع أنفسهم وخداع الآخرين بمغالطات من قبيل "حزب الشعب بأسره" و "دولة الشعب بأسره". ويخشى تينغ كسياو بينغ (Teng xiao-ping) من سماع مصطلح "المسؤول المنخرط في الطريق الرأسمالي".

    تماما كما يخشى Ah Q [45] سماع الحديث عن القشرة فوق رأسه. هذا لأنهم إذا اعترفوا بهذه الحقيقة، فإن ذلك بمثابة الاعتراف بأنهم هم أنفسهم البورجوازية داخل الحزب، وبالتالي هذا يعني القضاء عليهم. هذا الأمر بالنسبة لهم مؤلم ولا يمكن تصوره، فالحزب البروليتاري الثوري والماركسيون لا يجرؤون فقط على الاعتراف بإمكانية وجود البورجوازية داخل الحزب فحسب، بل يجرؤون أيضا على خوض الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى، ويجرؤون على دعوة الجماهير للتعبير عن آرائها، ووضع ملصقات بأحرف كبيرة، وعقد نقاشات جماهيرية كبيرة في الصراع الحازم ضد المسؤولين المنخرطين في الطريق الرأسمالي، لأنه بهذه الطريقة فقط يمكننا توطيد دكتاتورية البروليتاريا ومنع عودة الرأسمالية، وإرسال البورجوازية في النهاية إلى قبرها وتحقيق الشيوعية. إن الثورة الاشتراكية هي ثورة عظيمة تهدف إلى دفن آخر طبقة مستغلة منذ ظهور البشرية.

    "في مثل هذا الوقت، يجب أن نكون مستعدين لخوض صراعات عظيمة تختلف في نواح كثيرة عن أشكال النضال التي حدثت في الماضي" [ماو]. "لذلك من الضروري أن نطبق طريقة التحليل الطبقي لفهم خصائص الصراع الطبقي بشكل كامل والتغيرات في العلاقات الطبقية، وذلك لتوضيح هذه المسألة المهمة، أي مسألة وجود البورجوازية داخل الحزب، والاستمرار في ممارسة الدكتاتورية الكاملة للبروليتاريا على البورجوازية، وبالتالي مواصلة الثورة الاشتراكية حتى النهاية." [46]

    إن المقاطع المقتبسة أعلاه، حددت بطريقة واضحة وموجزة خط ماو تسي تونغ حول طبيعة الصراع الطبقي في ظل الاشتراكية، هذا هو الخط الذي أطيح به في الصين الحالية، ويتعرض الآن للهجوم من قبل خوجا، وبالطبع، كان هذا الخط أيضا هو الذي تعرض لهجوم محموم من قبل التحريفيين السوفيات طوال الوقت. لا تتحد الخطوط السوفياتية والألبانية وهوا و تنغ (Houa-Teng) على مهاجمة الإسهامات العظيمة لماو في هذا الموضوع فحسب، بل إنها تشترك في العديد من الخصائص، وقبل كل شيء في نفي الديالكتيك.

    لم ينجح أي من الثلاثة في تحليل الاشتراكية (أو ما يسمونه "الاشتراكية") انطلاقا من تناقضاتها الداخلية، ويرفضون (علانية في حالة الألبان، والسوفيات بشكل أقل علنية، ولكن بالتأكيد في الأساسي في حالة القادة الصينيين الحاليين) الاعتراف بأن الطبقات العدائية تستمر في الوجود طوال فترة الانتقال الاشتراكي.

    دعونا نفحص ادعاء خوجا بأنه لا توجد طبقات عدائية في ظل الاشتراكية، وبعبارة أخرى، أن البورجوازية كطبقة قد تم القضاء عليها ولم يتبق سوى "بقايا" فقط وتأثير إيديولوجيتها، إلخ...

    كان ستالين هو أول من طرح هذه الأطروحة بالإعلان على أن البورجوازية كطبقة قد تم القضاء عليها في الاتحاد السوفياتي مع استكمال التحول الاشتراكي لنظام الملكية. لقد مثلت هذه الصيغة تركيزا لأخطاء ستالين، وكشفت عن الأساس الإيديولوجي ــــ أي الميول نحو الميتافيزيقيا ــــ الذي يشوه تفكيره، لكن ورثة ستالين الحقيقيين، الماركسيون ــ اللينينيون الحقيقيون لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية والبروليتاريا الثورية للعالم أجمع، تلقوا درسا مريرا ومأساويا للغاية. لم يقتصر الأمر على بقاء البورجوازية في الوجود فحسب، بل نجحت أيضا في العودة والاستيلاء على سلطة الدولة، وتنفيذ استعادة الرأسمالية. لا يسع المرء أمام محاولة خوجا في إحياء خط أثبت التاريخ خطأه، إلا أن يردد: ما كان مأساة في المرة الأولى يصبح مهزلة في المرة الثانية، لكن لسوء الحظ، ليس هناك ما يضحك في هذه المهزلة، فبصدمة الانتكاسة الشديدة التي تعرضت لها مرة أخرى البروليتاريا الأممية (أي الهزيمة المؤقتة للثورة في الصين)، أصيب العديد من الماركسيين ـــ اللينينيين والشعوب ذات التفكير الثوري بالارتباك، فيعرض عليهم خوجا طُعما من الميتافيزيقيا والمثالية، ويُقدم لهم مملكة من السحب، حيث من المفترض أن الاشتراكية لم توجد أبدا في الصين، لأن ماو قد "سمح" للبورجوازية بالوجود، وبالتالي فمن البديهي أن الهزيمة في الصين ليست حقيقة هزيمة! لكن في هذا العالم الوهمي (مملكة السحاب)، هناك أمل، إذا استولى الماركسيون ـــ اللينينيون الحقيقيون على السلطة، فسيتمكنون من الفوز باللعبة، وهكذا، فإن البروليتاريا، متقدمة بثبات و "دون انقطاع"، لن تضطر إلى المرور بالفوضى، ولا لنضالات مريرة أو انتكاسة، وستصل ببساطة إلى مملكة الانسجام والاستقرار الدائمين. حسنا، القس خوجا، رؤيتك للعالم لا تصمد! لقد سئمت الطبقة العاملة والشعب من القصص الخرافية، ولم يعودوا مهتمين حتى بتلك لما يسمى بالشيوعيين. إن العمال لا يريدون ضمانات، ويدركون بسرعة أن الأغبياء والانتهازيين فقط، هم اللذين يجرؤون على تقديم النصر دون إمكانية الهزيمة، ما يريده في الواقع العمال الواعون طبقيا، هو العلم وتفسير القوانين التي تحكم المجتمع، الذي سيمكنهم من تغيير العالم وفقا لقوانينه الموضوعية.

    دعونا نعود للحظة إلى مسألة اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية في السنوات التي سبقت قطع خروتشوف "المسيرة إلى الأمام بدون انقطاع". إذا لم تكن هناك طبقات عدائية، وإذا لم تكن هناك بورجوازية، فمن أين أتى خروتشوف وأتباعه الكثيرين؟ هل كانوا أبناء ملاك الأراضي أو رأسماليين سابقين، أو ربما "عملاء أجانب" من البلدان الإمبريالية، الذين تسللوا إلى الاتحاد السوفياتي؟ بعيدا عن ذلك، نشأ خروتشوف وزمرته تحت العلم الأحمر، وكانوا مسؤولين رفيعي المستوى في الحزب الشيوعي، وبإمكانهم الاقتباس أكثر من خوجا حول "نقاء" الماركسية ـــ اللينينية.

    لكنهم كانوا بورجوازية * ، لم تكن بورجوازية متطورة بالكامل، لأن ذلك يتطلب سلطة الدولة للوصول إلى ذلك، ولكنها مع ذلك كانت بورجوازية. لقد نشأت وانتعشت على بقايا علاقات الإنتاج والتوزيع الرأسمالية القديمة التي كانت لا تزال موجودة، والتي لا يمكن إلا أن توجد، ليس لأن ستالين "سمح" بهذه العلاقات الرأسمالية (على الرغم من أنه لم يعترف بها على أنها علاقات رأسمالية إلا عند نهاية حياته. وهنا مرة أخرى بشكل جزئي)، ولكن لأن كل "الندبات" الاقتصادية والسياسية والإيديولوجية للمجتمع الرأسمالي لا يمكن القضاء عليها، لا بضربة واحدة ولا برغبة بسيطة. لا يمكننا التخلص منها إلا شيئا فشيئا، وفقا لمزيد من تثوير علاقات الإنتاج والبنية الفوقية، مما يسمح، على هذا الأساس، بتقدم تطور القوى المنتجة.

    إن التحريفيين في الحزب السوفياتي، مثل أبناء عمومتهم في الصين، انتعشوا من بقايا العلاقات الرأسمالية القديمة، وأصبحوا بذلك التعبير السياسي لهذه البقايا، ويكافحون من أجل الحفاظ على هذه العناصر الرأسمالية وعلى تطويرها، وحتى عندما كانت البروليتاريا لا تزال على رأس الحزب والدولة، وكان التحريفيون حينها هدفا للهجمات السياسية، فإن أولئك الذين اتبعوا الطريق الرأسمالي داخل الحزب تمكنوا من الاستيلاء على قيادة بعض الوزارات والوحدات والمصانع، إلخ...، وكذلك على بعض الأقسام الرئيسية في الحزب نفسه، والمؤسسات الثقافية والتعليمية والعلمية وما إلى ذلك في جميع أنحاء المجتمع. إن هذه الحقيقة لا يمكن إنكارها.

    ماذا يتصور خوجا أن يكون عليه طابع العلاقات في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي سيطر عليها التحريفيون قبل أن يتمكنوا من الاستيلاء على سلطة الدولة على الصعيد الوطني؟

    هل يعتقد حقا أنه في المصانع التي تقودها عصابة خروتشوف، لم يكن هناك أي عنصر من عناصر الاستغلال؟ ولا أي تملك خاص من طرف هؤلاء البيروقراطيين لثمار قوة العمل الجماعي للعمال؟ هل يعتقد حقا أن هذه المصانع على سبيل المثال، هي بالكامل مملوكة للشعب من حيث المحتوى وكذلك الشكل؟ أم أنه ليس صحيحا أن التحريفيين نفذوا إلى أقصى درجة ممكنة جميع السياسات التي تمكنوا، حيث أمكن لهم ذلك، من تنفيذها بشكل كامل، وعلى نطاق كامل وطنيا بعد أن نجحوا في الاستيلاء على سلطة الدولة؟

    لا، التحريفيون ليسوا مجرد بيروقراطيين من دون طبقة، لديهم بعض المفاهيم الخاطئة: إنهم، كما كانوا دائما، عناصر رأسمالية تمتص دماء العمال. سياسيا، حاولوا فرض ديكتاتورية بورجوازية في جميع القطاعات التي يسيطرون عليها. لقد استخدموا معاقلهم في مجالات الثقافة والتعليم والعلوم لنشر الإيديولوجية البورجوازية ومحاربة الماركسية ـــ اللينينية، من أجل إعداد الرأي العام للطريق الذي عقدوا العزم على مباشرته.

    من داخل الحزب، الذي هو الساحة، حيث يجد الصراع الطبقي نقطته المحورية وشكله الأكثر تركيزا، شجعوا التحريفية، وطالبوا بتبني الخطوط والسياسات التي تعكس مصالحهم الخاصة في التطور كمستغِلين، وحاربوا من أجل تصفية الخط الماركسي اللينيني.

    كل هذا يبدو أنه جد أولي، في ضوء التاريخ الفعلي لانتصار التحريفية في الاتحاد السوفياتي، لكن ليس حسب إنفير خوجا، فحسب وجهة نظره الميتافيزيقية والمثالية، فإن التناقض بين البروليتاريا والبورجوازية لا يظهر إلا بعد أن استولى التحريفيون على السلطة. مرة أخرى ترفع مدرسة ديبورين للفلسفة رأسها القبيح، حيث التناقض بين البروليتاريا والبورجوازية، العداء بين البروليتاريا والبورجوازية، لا يمكن أن ينشأ إلا في لحظة معينة، ظاهرا في يوم جميل ومتطور بالكامل من رأس زيوس (Zeus)! وهذا على الأقل يحدث في بلد لم "يسمح" فيه الثوريون بوجود البورجوازية، أو طبقات عدائية، أو خطوط خاطئة في الحزب! لا يستطيع خوجا أن يفهم وجود البورجوازية في ظل الاشتراكية، لأنه لا يستطيع أن ينفذ إلى ما وراء سطح الظواهر، والقبض على تناقضاتها الجوهرية. إنه لا يفهم جوهر الرأسمالية (هيمنة العمل الميت على العمل الحي، الاستيلاء الخاص على الإنتاج الاجتماعي للطبقة العاملة)، وبدلا من ذلك فهو لا يرى سوى أشكالا وآثارا معينة للاستغلال الرأسمالي: الشركات المساهمة، دفع الفوائد، وواقع أن بعض الأشخاص يعيشون في معسكرات (داشو dachaus) ولا يشاركون أبدا في العمل اليدوي، إلخ، ولهذا السبب لا يستطيع أن يفهم أن البورجوازية يمكن أن توجد، سواء كان ذلك "مسموحا به" أم لا، حتى داخل الحزب والمجتمع الاشتراكي.

    إن دور الحزب نفسه في ظل الاشتراكية هو أيضا مليء بالتناقضات، فمن جهة، هو في الأساس يمثل القيادة السياسية للطبقة العاملة، ويقودها إلى الأمام للقيام بالثورة ومهاجمة كل بقايا المجتمع القديم، لكنه أيضا، من جهة ثانية، هومن الناحية الموضوعية جهاز إداري في ظل الاشتراكية،  فمعظم العناصر التي تمارس القيادة على وحدات معينة هم أعضاء في الحزب، وتخطيط الدولة يتم تحت قيادة الحزب وهكذا دواليك... وبالمثل، يجب على الحزب أن يمارس دكتاتورية شاملة في كل مجال من مجالات المجتمع، فهو أداة للديكتاتورية البروليتارية، لكن في نفس الوقت فإن وجود الحزب نفسه يتناقض مع الهدف الذي يناضل من أجله الحزب، ألا وهو القضاء على جميع الفوارق الطبقية، ومعها الحاجة إلى أي دولة أو حزب.

    إن الحزب يسعى إلى القضاء على جميع أشكال عدم المساواة، لكنه يجد نفسه ملزما بحماية، وحتى الحفاظ على بعض بقايا عدم المساواة في شكل اختلافات في الأجور، والتقسيم بين العمل اليدوي والذهني، إلخ... لأن الحزب لا يستطيع القضاء عليهم هكذا بإرادته البسيطة، فبسبب كل هذه التناقضات لدور الحزب في ظل الاشتراكية على وجه التحديد، تجعل الحزب الماركسي ــ اللينيني عرضة للتحول إلى نقيضه.

    إن بيان ماو المهم ("أنتم تقومون بالثورة الاشتراكية ولا تعرفون بعد أين توجد البورجوازية، ومع ذلك، إنها موجودة في الحزب الشيوعي، إنهم المسؤولون المنخرطون في الطريق الرأسمالي.")، قد ينطبق فعلا على إنفير خوجا.

    يود خوجا أن يرسل العمال في مطاردة بلا جدوى للمستغلين القدامى اللذين صودرت ممتلكاتهم منذ فترة طويلة، في حين أن الهدف الرئيسي الفعلي للنضال الطبقي يعشعش داخل الحزب نفسه، فبدلا من قيادة الماركسيين ــ اللينينيين وتركيز جهودهم على الكشف والنضال ضد حالات داخل المجتمع الاشتراكي حيث الملكية العامة، فضلا عن قيادة الحزب، تستخدم كقناع سطحي لمحاولات القادة والشخصيات البارزة لتنفيذ خط تحريفي واختزال العمال مرة أخرى إلى مجرد عبيد أجراء، يفضل خوجا أن يرى الماركسيين ـــ اللينينيين يركزون على الكشف عن حالات صغار المستغِلين اللذين يستخدمون العمال بشكل غير قانوني، وما إلى ذلك، وبدلا من قيادة النضال السياسي ضد البورجوازية داخل الحزب، كما فعل ماو، كان خوجا سيقوده ضد أشخاص مثل أرملة سن يات سن (Sun Yat-sen) وغيرها من الديمقراطيين البرجوازيين القدامى، فقط لأنهم ما زالوا يشغلون مناصب رسمية في هيئات معينة للدولة، هيئات لم تجتمع منذ سنوات ولم تعد لها سلطة حقيقية.

    بالطبع، لعب هؤلاء الممثلون الثانويون للرأسمالية وللدولة البورجوازية دورا معينا في الانتكاسة في الصين، كما فعلت عناصر مماثلة في الاتحاد السوفياتي، لكنهم لم يكونوا، ولا يمكن أن يكونوا، المصدر الرئيسي للبورجوازية. في الواقع، فهم لا يمثلون قوة مهمة إلا عندما تتولى البورجوازية داخل الحزب قيادتهم وتوجيههم.

    في الحقيقة، في مرحلة معينة من تطور الثورة الاشتراكية، يصبح من المستحيل عمليا بالنسبة للبورجوازية القديمة (أي أعضاء الطبقات المستغِلة القديمة) أن تعود - تصل إلى السلطة - فمهما يكن، فقد تم تجريدهم من وسائل الإنتاج، وتعرضوا باستمرار للهجمات السياسية، وشاخوا أو ماتوا، وسياساتهم تم كشفها بشكل جيد، لدرجة أنهم لم يعودوا يجدون أي دعم في المجتمع (وحتى العديد من أطفالهم يأتون لدعم الاشتراكية أو قبولها).

    لقد أدرك ستالين هذه الحقيقة، حيث كان يعلم أن مساعدي القيصر القدامى، الكولاك، أصحاب المصانع السابقين، لن يتمكنوا أبدا من استعادة السلطة ما لم يكن هناك اجتياح إمبريالي، لكنه توصل إلى استنتاجات خاطئة تماما، مفادها أن استعادة الرأسمالية كانت مستحيلة بدون استيلاء الإمبرياليين على السلطة، وأن دكتاتورية البروليتاريا كانت ضرورية فقط لحماية الدولة الاشتراكية من الأعداء الخارجيين.

    هذا هو بالأساس الخط الذي يعيد اليوم خوجا إحياءه، مضيفا إليه بعض "الصيغ" الخاصة به حول "التناقض بين الطريق الرأسمالي والطريق الاشتراكي"، "الصراع الطبقي" (ولكن لا وجود للطبقات العدائية!) و "إمكانية الاستعادة التي لا تزال موجودة "، عبارات استمدها الحزب الألباني من ماو من دون أن يستوعب أبدا خطه الماركسي ــ اللينيني (وهو خط يصفونه اليوم بالتحريفي).

    إن حقيقة أن ستالين أدرك الحاجة إلى استمرار دكتاتورية البروليتاريا، كانت في تناقض حاد مع نظريته حول اختفاء البورجوازية، وعدم وجود الطبقات العدائية والتناقضات العدائية في ظل الاشتراكية، فبينما بدأ (ستالين) في معالجة بعض قضايا خطه في كتابه القضايا الاقتصادية للاشتراكية في الاتحاد السوفياتي (كتب قبل وفاته بفترة وجيزة)، حيث يصحح فيه وجهة النظر الخاطئة، التي طرحها خلال الثلاثينيات من القرن الماضي، بأنه لا وجود لأي تناقضات بين علاقات الإنتاج والقوى المنتجة في ظل الاشتراكية، لم يتوصل إلى استخلاص النتائج الصحيحة بطبيعة الصراع الطبقي في الاتحاد السوفياتي في ذلك الوقت، ولم يبق إلا خروتشوف "لحل" التناقض في الخط السوفياتي بين دكتاتورية البروليتاريا وما يسمى بعدم وجود البورجوازية، ومن هنا جاءت نظريته السيئة السمعة حول "دولة الشعب بأسره".

    مهما يكن، يستدل خروتشوف منطقيا (وليس بدون منطق)، إذا لم تكن هناك بورجوازية، وإذا لم تعد هناك علاقات طبقية عدائية، فلماذا يجب الحفاظ على ديكتاتورية البروليتاريا وعلى دولة موجودة فقط لممارسة هذه الديكتاتورية على البورجوازية وقمعها بالقوة؟ إذا لم نعد بحاجة للدولة لمحاربة أعداء ينشأون من الظروف الداخلية، وإذا كانت الدولة موجودة فقط لمحاربة العدو الامبريالي الخارجي، والعملاء الأجانب، والمخربين وغيرهم ممن يعتمدون على هذا العدو الخارجي من أجل وجودهم، أليس من الأصح أن توصف هذه الدولة بشكل أكثر ملائمة بأنها دولة الشعب بأسره، وتمثل فعليا جميع الطبقات الموجودة في المجتمع السوفياتي (الطبقة العاملة، والفلاحون، والمثقفون الاشتراكيون) مع الاستمرار في لعب وظائفها فيما يتعلق بالعدو الخارجي؟ بطبيعة الحال، إن أفكار ستالين المشوشة هي أفضل بكثير من تحريفية خروتشوف، ولكن يجب أن يقال بأن منطق ستالين المشوش يحتوي على العديد من العناصر التي يمكن، وهو ما تم فعليا، استخدامها من طرف خروتشوف في بناء نظرياته التحريفية.

    الهوامش

    [1]ــ نفس المرجع، ص. 107 (مرجع النص الفرنسي، ص. 413).

    * ـــ ملاحظة المترجم: نعتقد أن الكاتب يلوح بمفهوم "ثورة في الثورة"! (وذلك بالاعتماد المباشر على الجماهير الثورية الغفيرة: العمالية والفلاحية والشبيبية...، وعدم خوض طريق المسالك والقنوات الحزبية والحكومية، طبعا ضمن منظور استمرار الصراع الطبقي في ظل ديكتاتورية البروليتاريا).

    [2]ــ نفس المرجع، ص. 106 ــ 107 (مرجع النص الفرنسي، ص. 411 ــ 412).

    [3]ــ لينين، "حصيلة المناقشات حول تقرير المصير" الأعمال الكاملة، المجلد. 22 (موسكو، 1964)، ص 355 ــ 356؛ تشديد لينين. (مرجع النص الفرنسي، ص. 382 ــ 383).

    [4]ــ ماو، المؤلفات المختارة، المجلد. 2، ص. 245. (مرجع النص الفرنسي، ص. 263)

    * ــ نورد مقال "حركة 4 مايو". الذي نشر مع خطاب "اتجاه حركة الشبيبة" بمناسبة الذكرى العشرين لحركة 4 مايو عام 1939.

    [5]ــ نفس المرجع، ص. 238 (مرجع النص الفرنسي، ص. 256).

    [6]ــ نفس المرجع، ص. 245 (مرجع النص الفرنسي، ص. 263 ــ 264.).

    [7]ــ نفس المرجع، ص. 238 (مرجع النص الفرنسي، ص. 256).

    [8]ــ "خطاب إلى الوفد العسكري الألباني"، مختارات من فكر ماو تسي تونغ (1949-1968) (أرلينغتون، فيرجينيا، 1974)، ص. 458.

    [9]ــ انظر "قرار من 16 نقطة حول الثورة الثقافية" و "منشور اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني" (16 مايو 1966)، مطبوع في كتيب في بكين، 1968.

    [10]ــ خوجا، مرجع سابق، ص. 477.

    [11]ــ وانغ مينغ، لينين، اللينينية والثورة الصينية (موسكو، 1970).

    [12]ــ انظر مانشستر جارديان (Manchester Guardian) (29 أكتوبر 1978)، ص. 13، نقلا عن هوانج تونج (Hoang Tung)، رئيس تحرير جريدة حزب فيتنام اليومية نهان دان (Nhan Dan).

    [13]ــ خوجا، مرجع سابق، ص. 106 (مرجع النص الفرنسي، ص. 410 ــ 411.).

    [14]ــ خوجا، مرجع سابق، ص. 107 (مرجع النص الفرنسي، ص. 414.).

    [15]ــ انظر الرسالة من اللجنة المركزية لحزب العمل الألباني والحكومة الألبانية إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني والحكومة الصينية (تيرانا، 1978)، حيث يدعي الحزب الألباني أن الثورة الثقافية "انتهت في الصين من خلال إقامة السلطة بين أيدي العناصر البرجوازية والتحريفية"، ص. 36. (مرجع النص الفرنسي، ص. 38).

    * ــ قد يسأل القارئ، إذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن لخوجا أن يدعم ستالين بطريقة خالية من الحس النقدي بالنظر إلى أن التحريفية انتصرت بعد وقت قصير من وفاته؟ في الواقع، هذا يشكل تناقضا للخط الألباني الذي يتجنبونه بأي ثمن. والأكثر ما يلفت الانتباه في الكتابات الألبانية التي تتناول هذا الموضوع هو سطحيتها، وعدم قدرتها على تقديم تفسير حقيقي للانتصار التحريفي في الاتحاد السوفياتي.

    [16]ــ خوجا، مرجع سابق، ص. 109 (مرجع النص الفرنسي، ص. 420 ــ 422).

    [17]ــ في الوقت نفسه، أدرك ماو الضرورة، وقد دعا في بعض الأحيان، إلى وضع انتهازيين في بعض المواقع المعينة داخل الحزب لأسباب تكتيكية. سيتم مناقشة هذا الموضوع في الصفحات التالية.

    [18]ــ نفس المرجع، ص. 422.

    [19]ــ ماو، "المنهج الجدلي لتثبيت وحدة الحزب" الأعمال المختارة، المجلد. 5، ص. 515. (مرجع النص الفرنسي، ص. 559).

    [20]ــ نفس المرجع.

    [21]ــ المؤتمر الوطني العاشر للحزب الشيوعي الصيني (وثائق) (بكين، 1973)، ص. 46 (مرجع النص الفرنسي، ص. 51). أعيد طبعه في R. Lotta، (شيكاغو، 1978)، ص. 96.

    [22]ــ ماو، "في التناقض"، الأعمال المختارة، المجلد الأول، ص. 311. (مرجع النص الفرنسي، ص. 347).

    * ـــ قد تكون يوغوسلافيا استثناء، لكن من غير المرجح أن تكون الاشتراكية قد تحققت هناك، وأن عصبة الشيوعيين اليوغوسلافيين يمكن اعتبارها ماركسية ــ لينينية.

    [23]ــ في حين أن هذا ليس المكان المناسب لتقديم نقد شامل لخط خوجا السياسي، إلا أنه من المفيد الإشارة إلى بعض الأخطاء الأخرى التي صمم خوجا على تقديسها: دعمه الكامل وبدون تمييز لخط ديميتروف (Dimitrov) والمؤتمر السابع للأممية الشيوعية؛ الأطروحة التي قدمها ستالين في أوائل الخمسينيات، والتي مفادها أن البرجوازية الإمبريالية "أسقطت العلم الوطني"، وبالتالي يتوجب على الطبقة العاملة أن تلتقطه لتصبح أفضل المدافعين عن الأمة، حتى في البلدان الإمبريالية؛ عدم إدراك أو الأخذ في الاعتبار بأن بؤرة الثورة قد انتقلت من الغرب إلى الشرق (إلى البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة) خلال العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. في كل هذه الحالات، يواصل فيها خوجا الدفاع عن الأطروحات الخاطئة على الرغم من تقدم الماركسية ـــ اللينينية.

    [24]ــ نقلا عن خوجا في ص. 109 (مرجع النص الفرنسي، ص. 421)؛ الكلمات التي تظهر بين قوسين لا يقتبسها خوجا على الرغم من أنها جزء من الجملة، كما هو موجود في: ماو، "المنهج الجدلي لتثبيت وحدة الحزب"، الاعمال المختارة، المجلد الخامس، ص. 515 ــ 516. (مرجع النص الفرنسي ص. 560)

    [25]ــ ماو، نفس المرجع.

    [26]ــ نفس المرجع، ص. 515. (مرجع النص الفرنسي، ص. 559).

    *ــ هامش من وضع المترجم: إيسوبي، نسبة إلى إيسوب، شخصية إغريقية، اشتهر بكتابة حكايات فلسفية في القرن السادس قبل الميلاد.

    [27]ــ خوجا، نفس المرجع، ص. 109 (مرجع النص الفرنسي، ص. 442).

    [28] ــ ماو، "تعزيز وحدة الحزب والمضي إلى الأمام في تقاليد الحزب" الأعمال المختارة، المجلد. 5، ص. 322. (مرجع النص الفرنسي، ص. 348).

    [29] ــ نفس المرجع، ص. 320 (مرجع النص الفرنسي، ص. 346 ــ 347).

    [30] ــ نفس المرجع، ص. 320 (مرجع النص الفرنسي، ص. 347).

    [31] ــ نفس المرجع، ص. 322 (مرجع النص الفرنسي، ص. 348).

    [32] ـــ ماو، "الثورة الصينية والحزب الشيوعي الصيني"، المؤلفات المختارة، المجلد. 2، ص 326-327. (مرجع النص الفرنسي، ص. 348 ــ 349).

    [33] ـــ لينين، مرض "اليسارية" الطفولي فيي الشيوعية"، الأعمال الكاملة، المجلد. 31، ص. 115. (مرجع النص الفرنسي، ص. 121 ــ 122).

    • ـــ ملاحظة من المترجم: دعابة الكاتب هنا في استخدامه لمصطلح "لبرالي شهير" في حق لينين، هي للسخرية من إنفير خوجا الذي نعت ماو تسي تونغ باللبرالي فيما يتعلق بوجود مثقفي البرجوازية الصغيرة وسط الحزب وأجهزة الدولة، فإن كان خوجا يعتبر هذا النعت في حق ماو تسي تونغ صائبا، فقد كان عليه قبل ذلك أن ينعت به لينين كذلك، وهو الذي سبق ماو تسي تونغ في هذا التكتيك اتجاه مثقفي البرجوازية الصغيرة، وهو الأمر الذي لم يتجرأ عليه خوجا، في حين أصدره في حق ماو، مع أن المسألة في جوهرها هي نفسها. وهو ما يزيد من التأكيد على خط التحامل وتشويه الحقائق الذي نهجه خوجا بكل الأساليب المنحطة في حق ماو تسي تونغ.

    * ـــ كان لتروتسكي بالطبع مهارات تنظيمية معينة أراد البلاشفة استخدامها في قيادة الثورة، وقد قدم بالطبع نقدا ذاتيا، كما تنصل رسميا من أخطائه السابقة (كما فعل وانغ مينغ ولي لي سان)

    • ـــ ملاحظة المترجم: من الهرطقة، وهي هنا تعبير عن استمرار الكاتب في استخدامه بعض العبارات للسخرية من الفكر العقائدي لإنفير خوجا (وهي تعني تغييرا في منظومة المعتقدات الثابتة التي تتميز بها عموما المنظومات العقائدية الدينية)

    ** ـــ مأخوذ من "المقطع الهرطقي" لماو المذكور أعلاه. الصفحات 347-348 من المجلد 5 من أعماله المختارة. يشكو خوجا (انظر الإمبريالية والثورة، الصفحات 409-410) من أن المقالات المكتوبة تحت إشراف ماو "مليئة بالصيغ النمطية الصينية الطبع"، وصعبة الفهم على المنظرين الألبان، لأنهم "تعودوا على التفكير والتعامل والكتابة بروح النظرية والثقافة الماركسية ـــ اللينينية التقليدية".

    [34] ـــ تاريخ حزب العمل الألباني، مرجع سابق، ص. 275 ــ 277 (المرجع الفرنسي، ص. 292 ــ 293).

    [35] ـــ نقلا عن ويليام آش (William Ash) في كتابه المعول والبندقية: تاريخ الشعب الألباني، (لندن، 1974)، ص. 112.

    [36] ـــ تاريخ حزب العمل الألباني، مرجع سابق، ص. 334 (مرجع النص الفرنسي، ص. 354 ــ 355).

    [37] ـــ خوجا، الإمبريالية والثورة، ص. 106 (مرجع النص الفرنسي، ص. 409).

    * ـــ في نفس المقطع يثير خوجا ملاحظة غريبة جدا حول المجلدات الأربعة لماو، مفادها أن تلك المجلدات تم "التلاعب فيها بعناية شديدة، بحيث لا تقدم صورة مضبوطة للأوضاع كما تطورت فعلا في الصين". لكنه لا يجرؤ على تقديم أي دليل يدعم هذا الاتهام. فهو لا يريد التوسع في هذا الموضوع، لأن هذا الاتهام هو صادر عن الصحافة السوفياتية. انظر على سبيل المثال، وجهات النظر الفلسفية لماو تسي تونغ

    1. Altaisty, V. Georgigev, The Philosophical Views of Mao Tsetung: A Critical Analysis (Moscou, 1971), (La philosophie de Mao Tsétoung).

    نجد في هذه المقالة العديد من افتراءات خوجا ضد ماو، مثل الادعاء بأن ماو كان "عنصريا" وما إلى ذلك. وبصورة مماثلة، يثير خوجا ضجة حول كون "المؤتمر، بصفته الهيئة الجماعية العليا للحزب، لم ينعقد بانتظام". هنا أيضا يعلق أهمية كبرى على الشكل أكثر من محتوى الشيء، ويبدو وكأنه برلماني برجوازي أكثر منه شيوعي. (وبما أن خوجا المتعنت هو من مؤيدي عقد المؤتمرات الحزبية بانتظام، فقد يسأله المرء عن سبب عدم انعقاد المؤتمر الأول للحزب الشيوعي الألباني حتى عام 1948، أي بعد حوالي سبع سنوات من تأسيس هذا الحزب، وأكثر من ثلاث سنوات بعد تحرير البلاد).

    ** ـــ هكذا كان الحال في الاتحاد السوفياتي خلال السنوات الأولى للاشتراكية. ولكن منذ منتصف الثلاثينيات فصاعدا، أصبح من الصعب أكثر فأكثر الحصول على منظور عام لصراع الخط في الاتحاد السوفيتي من خلال الوثائق المطبوعة.

    [38] ـــ خوجا، مرجع سابق، ص. 109 (مرجع النص الفرنسي، ص. 421).

    [39] ــ نفس المرجع.

    [40]ـــ انظر تقرير هوا (Hua) إلى المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي الصيني في المؤتمر الوطني الحادي عشر للحزب الشيوعي الصيني (وثائق) (بكين، 1977).

    [41]ــ فانغ كانغ (Fang Kang)، "المسؤولون المنخرطون في الطريق الرأسمالي هم البرجوازية داخل الحزب"، مراجعة بكين رقم 251976. أعيد طبعه في Mao Makes ، 5، ص. 360. (مرجع النص الفرنسي، Pékin Information، رقم 25، 1976، ص 8).

    [42] ـــ خوجا، مرجع سابق، ص. 113 (مرجع النص الفرنسي، ص. 438).

    [43] ـــ فانغ كانغ، مرجع سابق، ص. 362. (مرجع النص الفرنسي، ص.9).

    [44] ـــ تشوانج لان (Chuang Lan)، "أصحاب الطريق الرأسمالي هم ممثلو علاقات الإنتاج الرأسمالية" Mao Makes، 5، ص 369-370. ظهر هذا المقال لأول مرة في "Study and Criticism"، المجلة التي صدرت في شنغهاي تحت القيادة المباشرة للأربعة، وتم قمعها منذ انقلاب 1976.

    [45] ـــ ملاحظة من المترجم: هي رواية قصيرة صدرت تحت عنوان "القصة الحقيقة ل Ah Q "، للكاتب لو شون (Lu Xun)، ظهرت في الأصل كسلسلة أسبوعية في "أخبار الصباح" (مورنينغ نيوز) من 4 دجنبر 1921 إلى 12 فبراير 1922. وهي عبارة عن قصة ساخرة حول المجتمع الصيني والثورة الفاشلة لسنة 1911، حيث كان كاتب القصة قد شارك فيها بمسقط رأسه في "شاوشينغ".

    [46] ـــ نفس المرجع، ص. 373.

    * ـــ مثلما يستحيل على البرجوازية أن توجد في ظل الاشتراكية بنفس الشكل تماما كما هو الحال في ظل الرأسمالية، فإن مصطلح البروليتاريا يأخذ هو أيضا معنى جديدا. لم تعد البروليتاريا في ظل الاشتراكية "طبقة بلا ملكية" كما هي في ظل الرأسمالية، ولم تعد تخضع لسيطرة رأس المال. لكن الادعاء بأن الشيوعيين ينبغي عليهم ألا يتحدثوا عن البروليتاريا في المرحلة الاشتراكية سيكون ذروة السخافة وأيضا تحريفية. في الواقع، تستمر البرجوازية والبروليتاريا في الوجود بعد الثورة الاشتراكية، ولكنهما يكتسيان خصائص مختلفة عن تلك التي كانت في ظل الرأسمالية. يمكن للمرء أن يرى بسهولة كيف أن المنهج الدوغمائي (التطبيق الصارم للتعاريف "الماركسية" مقابل تحليل الحالة التي لا تنطبق فيها هذه التعريفات بشكل صارم) يتناسب بشكل جيد مع الاستنتاج التحريفي: اختفاء الطبقات العدائية.

    ـــ ــــ ــــ

    يتبع بالحلقة الخامسة والأخيرة، وهي تتضمن المحور الخامس: 5 ــ الديالكتيك.