Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

  • النص الثاني ــ الجزء الأول ــ دفاتر "قوموا بالتحقيقات ولا تنطقوا بالحماقات"ـ

    يقدم موقع الشرارة الماركسي ــ اللينيني، الأداة النظرية للمركز الماركسي ــ اللينيني للدراسات والأبحاث والتكوين، النص الثاني من الجزء الأول من سلسلة دفاتر "قوموا بالتحقيقات ولا تنطقوا بالحماقات"، وهو "تقرير عن حركة الفلاحين في هونان"

    الجزء الأول

    النص الثاني

    إنجاز جميلة صابر

     

    تقرير عن حركة الفلاحين في هونان

    مارس 1927

     

    يرى ماو تسي تونغ أنه لا يمكن أن توجد قيادة صالحة بالفعل بدون معرفة ملموسة حقيقية بالأحوال الواقعية لمختلف الطبقات الاجتماعية في الصين. فما هو السبيل لمعرفة هذه الأحوال؟ يقول ماو:

    "إن السبيل الوحيد لمعرفة الأحوال، هو القيام بالتحقيقات الاجتماعية، أي بتحقيقات حول الأحوال المعيشية لكل طبقة اجتماعية".

    ويرى ماو أن أكثر الطرق أساسية لمعرفة الأحوال هي، أن يتم تركيز الاهتمام من طرف الذين يتولون إرشاد الأعمال على بضع مدن وقرى حسب خطة مرسومة، يتم فيها القيام ببضع تحقيقات شاملة دقيقة، باستخدام وجهة النظر الماركسية الأساسية في أسلوب التحليل الطبقي، ولا يمكن بغير هذا الحصول على أكثر المعارف أساسية حول قضايا الصين الاجتماعية، وبدون ذلك لا يمكن فهم أمور الصين فهما حقيقيا، ولا يمكن الحصول على أي معرفة كاملة بدون عقد جلسات التحقيقات، بل إن ماو يرى في التحقيقات مدرسة إذ يقول:

    "إن عقد جلسات التحقيقات هو أكثر الطرق بساطة وسهولة وأكثرها إخلاصا ووثوقا، إنها مدرسة أفضل من أي جامعة كانت".

    ويقول حول كيفية تحصيل المعارف:

    "الجماهير هم الأبطال الحقيقيون، بينما نحن أنفسنا في كثير من الحالات سذج نثير الضحك، وبدون فهم هذا، يستحيل علينا تحصيل أبسط المعارف"

    وعملا بهذه المبادئ والتصورات قام ماو بمجموعة من التحقيقات في عدد من مقاطعات الصين، منها تحقيقاته التي شملت خمس محافظات من مقاطعة هونان في مارس 1927حول حركة الفلاحين وتنظيماتهم "اتحادات الفلاحين" فجاء كراسه هذا: "تقرير عن تحقيقات في حركة الفلاحين في هونان".

    إن لهذا النص أهمية كبرى، فقد أعجب به ستالين إعجابا كبيرا، ووجد صدى كبيرا داخل الأممية الشيوعية.

    1 ـــ السياق العام للنص:

    لفهم السياق العام للنص لابد من التعرض لواقع الصين وللتناقضات التي كانت داخل الحزب الشيوعي الصيني وداخل الكومنتانغ، والوقوف عند حركة الفلاحين.

    كتب ماو تسي تونغ هذا النص في أوج الصراعات بين الخطوط التي عرفها الحزب الشيوعي الصيني في موضوع الموقف من الفلاحين وحركة الفلاحين ونضالهم الثوري، لذلك جاءت هذه المقالة كرد على النقد الذي وجه من داخل الحزب وخارجه آنذاك لنضال الفلاحين الثوري، ولإثبات أهمية النضال الثوري للفلاحين في الثورة الصينية.

    منذ 1923، نفى تشين تو سيو أن يكون لطبقة الفلاحين الصينيين، التي تتشكل حسبه من نصف عدد الملاكين الصغار قبولا بالشيوعية، وأن تكون شيئا آخرا غير حليف متذبذب يميل إلى التسوية مع الرجعية، هذا في الوقت التي كانت فيه التوجيهات المكونة من 13 نقطة الموجهة سنة 1923 إلى المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي الصيني من طرف الأممية الشيوعية تحت إدارة بوخارين تؤكد على المسألة الفلاحية التي يجب ان تحتل موقعا مركزيا في سياسة هذا الحزب.

    لقد كان تشين، الذي يمثل الجناح الانتهازي اليميني داخل الحزب الشيوعي الصيني، شديد الحذر تجاه حركة الفلاحين ورفض مساندتها والموافقة على تسليحها، وهذا يتعارض تماما مع القرارات المتبناة من طرف الأممية الشيوعية، التي قبل الانتهازيون اليمينيون توصياتها ثم تصرفوا باتجاه مضاد.

    إن الموقف من حركة الفلاحين يحكمها خطان:

    خط الأممية الشيوعية الذي يضع في حسبانه بقايا الإقطاع في الصين، لكونها تعد الشكل الأساسي من أشكال الاضطهاد، ويرى في الحركة الزراعية القوية أهمية حاسمة، وما لبقايا الإقطاع من صلة بالإمبريالية، وخط تروتسكي الذي ينفي الأهمية الأساسية للاضطهاد الإقطاعي العسكري، وعدم تقدير ما للحركة الفلاحية في الصين من أهمية حاسمة، فتروتسكي ينتقص من أهمية الثورة الزراعية في الصين، وينفي وجود الظروف الموضوعية لحركة زراعية في الصين تهم عدة ملايين من الفلاحين، وينتقص من أهمية دور الفلاحين في الثورة الصينية، وهذا يرجع إلى عدم فهمه لما لتلك الثورة من طابع ديموقراطي بورجوازي .

    في الدورة السابعة للجنة العامة للجنة التنفيذية للأممية الشيوعية التي انعقدت في نونبر 1926، تبنت الدورة القرار الصادر حول الثورة الفلاحية، - وقد كانت البعثة الصينية إلى الأممية من أعد هذا القرار- مع التأكيد على أنه يجب دعم الكومنتانغ، وصرحت بصفة خاصة أنه على البروليتاريا أن تختار بين وجهة نظر جبهة مع الفئات الهامة للبورجوازية، ووجهة نظر مزيد من تعزيز التحالف مع الفلاحين، إذ أن البروليتاريا إذا لم تشكل برنامجا زراعيا جذريا، لن تعرف كيف تجر طبقة الفلاحين إلى النضال الثوري وستفقد هيمنتها في حركة التحرر الوطني .

    في الخطاب أمام البعثة الصينية قال ستالين:

    "أعرف أنه من بين أعضاء الكومنتانغ وحتى بين الشيوعيين الصينيين، هناك من يعتقد أنه ليس من الممكن إشعال الثورة في الريف، نظرا للتخويف من أن جر الطبقة الفلاحية إلى الثورة سيقوض الجبهة الموحدة ضد الامبريالية، إنه خطأ عميق أيها الرفاق، إن الجبهة ضد الامبريالية في الصين ستكون قوية إذا ما تم التسريع بجر الطبقة الفلاحية الصينية، وبدقة أكثر، نحو الثورة".

    وهناك من لا يريد أن تتطور الحركة الفلاحية لدرجة أن تصبح قوة أساسية في الثورة الصينية من أمثال لي لي سان (أحد قادة الحزب الشيوعي الصيني آنذاك)، الذي كان يدعو إلى التحالف مع الفلاحين الأغنياء، لأن بالنسبة إليه، تعني مواجهتهم القطع مع الفلاحين المتوسطين، كما يرى أنه من اللامعقول الشروع في توزيع الأرض، وبعد ذلك جعلها جماعية، بينما الأممية الشيوعية أدانت بوضوح كل فكرة للتحالف مع الفلاحين الأغنياء، وذلك في رسالة إلى ماو، كما وافقت الأممية على كل ما كتبه ماو حول مشكل الفلاحين الأغنياء. يقول ماو:

    "خلال الإصلاح الزراعي لن نأخذ كهدف ولا يجب أن نتخذ كهدف إلا نظام الاستغلال الإقطاعي الممارس من طبقة الملاكين العقاريين والفلاحين الأغنياء من النوع القديم، ولا يجب أن نمس لا مصالح البورجوازية الوطنية ولا مصالح المؤسسات الصناعية والتجارية التي يسيرها الملاكون العقاريون والفلاحون الأغنياء".

    وبشكل دقيق، لأن الشيوعيين الصينيين عرفوا كيف يميزون بين مراحل الثورة، استطاعوا الاستمرار فيها بدون انقطاع.

    وفيما يتعلق بالكومنتانغ، وجه تروتسكي انتقاداته للتحالف معه، وهذا يتناقض مع المواقف التي دافع عنها لينين في المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية التي قال عنها لينين (أي المواقف):

    "ليس هناك أدنى شك في أن كل حركة وطنية لا يمكنها ان تكون إلا ديموقراطية بورجوازية [...]الأممية الشيوعية عليها أن تقيم تفاهمات مؤقتة بل تحالفات مع الديموقراطية البورجوازية في المستعمرات والبلدان المتخلفة، لكن لا تندمج معها، والحفاظ بدون أي شرط على استقلالية الحركة البروليتارية حتى ولو في شكلها الجنيني ".

    لذلك، وتمشيا مع الموقف اللينيني والواقع الصيني، دخل الحزب الشيوعي الصيني في تحالف مع الكومنتانغ بدعم من الأممية الشيوعية، إلا أن الخط اليميني الذي كان يقوده تشين تو سيوكان يراهن على الوحدة مع الكومنتانغ بدون مبادئ - مما كاد أن يقضي نهائيا على الحزب الشيوعي الصيني–الذي تعرض بعد انقلاب تشان كاي تشك على قيادة الحزب( الكومنتانغ)، وقد كان هذا الأخير معروفا بعدائه للشيوعيين، ومدافعا عن الكومبرادور والملاكين العقاريين الإقطاعيين الكبار، إلى مذابح رهيبة لأطره ومناضليه، وفي ظل هذا الواقع الجديد سيصبح الحزب الشيوعي الصيني مرغما على العودة إلى العمل السري وإعادة بناء ذاته .

    انتمى الشيوعيون الصينيون إلى الكومنتانغ بصفتهم أعضاء فرديين، وشارك عدد من الشيوعيين البارزين، ومن بينهم ماو تسي تونغ، في أجهزة الكومنتانغ القيادية، بل كانوا أعضاء في الحكومة الثورية.

    لم يأت على بال تروتسكي وكل المعارضين للتحالف مع الكومنتانغ، أن 90 % من مجالس الكومنتانغ من المستوى الأعلى إلى المستوى الأدنى، بل والمتوسطة كانت مراقبة من طرف الشيوعيين ويسار الكومنتانغ، وفي نفس الوقت كان الشيوعيون في الممارسة يحتفظون باستقلال تنظيمهم – كما نص لينين على ذلك – ويقومون بالدعاية بكل حرية.

    في سنة 1926، لا زال الحزب الشيوعي الصيني في مرحلة متوسطة بين منظمة صغيرة وحزبا جماهيريا، إلا أن المجموعة اليسارية المتطرفة داخل الحزب بالغت في قوة الحزب، واعتقدت أنه بعد الهجوم على الشيوعيين في 20 مارس، لم يعد الكومنتانغ يشكل خطرا سياسيا جديا، لذلك، وفي اجتماع موسع للجنة المركزية للحزب في يوليوز عاد اليساريون المتطرفون إلى اقتراح انسحاب الحزب من الكومنتانغ، و لم يدر في خلد هؤلاء أن الكومنتانغ سيصبح لعبة في أيدي الجيش، لذلك فثورة زراعية هي القادرة على الحيلولة دون ذلك.

    وكما كان للحزب الشيوعي الصيني تناقضاته الداخلية، فالأمر كذلك كان داخل الكومنتانغ بين جناحه اليميني وجناحه اليساري، حول حركة الفلاحين، والتحالف مع الشيوعيين، فنتج عن ذلك خطان مختلفان أفضى إلى حكومتين، كومنتانغ ووهان التي يشارك فيها الحزب الشيوعي الصيني، مركز الحركة الديموقراطية الثورية البورجوازية وحكومة نانكين التي تمثل مركز الثورة المضادة القومية.

    عندما تحالف الحزب الشيوعي مع الكومنتانغ، فهو قد احتكم إلى المبادئ التكتيكية اللينينية التي تقضي أن يتم الأخذ بما هو متميز وخاص قوميا في كل بلد بمفرده بعين الاعتبار، وأن يستغل الحزب الشيوعي في كل بلد حتى أقل إمكانية، ليضمن للطبقة العاملة حليفا جماهيريا، ولو كان حليفا مؤقتا وغير ثابت وهش وغير موثوق، وهكذا كان حال الحزب الشيوعي الصيني مع الكومنتانغ. لقد كان الكومنتانغ منظمة جماهيرية إلى حد ما، وقامت سياسة الشيوعيين فيه آنذاك على عزل ممثلي البورجوازية الوطنية (اليمين) من خلال استغلالهم في صالح الثورة، دفع المثقفين البورجوازيين الصغار (اليسار) وجمع الفلاحين وفقراء المدن حول الطبقة العاملة.

    عندما كانت الثورة في مراحلها الأولى مرحلة الجبهة الوطنية العامة المتحدة (مرحلة كانتون) كان الفلاحون وفقراء المدن والمثقفون البورجوازيون الصغار والبورجوازية الوطنية حلفاء للطبقة العاملة، وفي المرحلة الثانية من الثورة الصينية، لما انتقل تشانغ كاي تشيك والبورجوازية الوطنية إلى معسكر أعداء الثورة، وانتقل مركز الحركة الثورية من كانتون إلى ووهان، كان الفلاحون وفقراء المدن والمثقفون البورجوازيون الصغار حلفاء الطبقة العاملة.

    في المرحلة الأولى والثانية من الثورة كان الفلاحون رقما صعبا، لذلك عندما أراد بعض قادة الحزب الشيوعي أن يسقطوا الفلاحين معتبرينهم "متخلفين ومحافظين"، ناضل ماو ضد هذه النظرة، وقال أنه "دون الفلاحين الفقراء لن تكون هناك ثورة".

    ولإثبات أهمية النضال الثوري للفلاحين في الثورة الصينية ذهب ماو تسي تونغ إلى أهم مقاطعات الصين، وهي مقاطعة هونان التي قضى بها أكثر من شهر (32 يوما) أجرى خلالها تحقيقات حول حركة الفلاحين فيها، فجاءت مقالته "تقرير عن حركة الفلاحين في هونان في مارس 1927، وقد أثبت ماو من خلال هذه التحقيقات صحة توجهه واستراتيجيته وخطه السديد لضرب الآراء الخاطئة حول أهمية الفلاحين في الثورة الصينية، لكن الانتهازيين اليمينيين في الحزب آنذاك ظلوا متشبثين بآرائهم الخاطئة التي كذبها انتصار الثورة الصينية بمشاركة الفلاحين فيها، وبسبب رعبهم من التيار الرجعي للكومنتانغ لم يجرؤوا على تأييد النضالات الثورية العظيمة، التي خاض غمارها الفلاحون وتركوا جانبا الحليف الرئيسي الأول وهم الفلاحين، مما أدى إلى عزلة الطبقة العاملة والحزب الشيوعي، وقد استغل الكومنتانغ هذا الضعف في الحزب الشيوعي، فخان الثورة وشن حملة تطهير في الحزب وإعلان الحرب على الشعب في صيف 1927 .

    2 ـــ حركة الفلاحين في هونان:

    أ – أهمية مسألة الفلاحين:

    كانت مقاطعة هونان في عام 1927 مركز حركة الفلاحين في الصين، فقام ماو تسي تونغ بتحقيق مباشر حول الأوضاع في عدد من محافظاتها، فعقد جلسات تحقيق حضرها فلاحون مجربون ورفاق يعملون في حركة الفلاحين، حيث استمع إلى تقاريرهم جمع من خلالها مجموعة من المعلومات، وقد عرف من خلال حركة الفلاحين أحوالا كثيرة مناقضة تماما لما سمعه من أفواه طبقة الوجهاء ،ووقف على أشياء غريبة لم يكن له علما بها من قبل، لذلك ترسخ عنده، وأصبح مقتنعا أن نفس الشيء ينطبق على مناطق كثيرة أخرى، وخرج بخلاصة مفادها، أنه يجب تصحيح، وبسرعة، ما يقال عن حركة الفلاحين وكل الإجراءات الخاطئة التي اتخذتها السلطة الثورية فيما يتعلق بحركة الفلاحين، ذلك لأن النهضة التي كانت تشهدها حركة الفلاحين في هذا التاريخ هي حدث هائل، يقول ماو تسي تونغ :

    "ولن تنقضي إلا فترة قصيرة حتى يهب في هذه النهضة مئات الملايين من الفلاحين في مقاطعات الصين الوسطى والجنوبية والشمالية بسرعة خارقة وقوة جارفة كالعاصفة العاتية".

    لقد اعتبر ماو حركة الفلاحين قوة عظيمة لا تستطيع أن تقف أمامها أية قوة، حيث يقول:

    "سوف يحطمون جميع القيود والأغلال التي تكبلهم وينطلقون قدما في الطريق المؤدية إلى التحرر، وسوف يقذفون في غياهب القبور بجميع الإمبرياليين وأمراء الحرب والموظفين الفاسدين والعتاة المحليين والوجهاء الأشرار".

    لقد أصبح من الواضح أن حركة الفلاحين قد انتشرت في أنحاء الصين، ففي عام 1926 شن الكومنتانغ حملة عسكرية لاحتلال شمال الصين، وعندما تحركت الجيوش شمالا انتفض الريف، وخلال شهور تمكن مئات الآلاف من الفلاحين تنظيم أنفسهم في اتحادات، استطاعت أن تسيطر على أماكن كبيرة من الريف.

    إن الواقع البديهي في الصين يقول بوجود بقايا الإقطاع والاستغلال الإقطاعي، وهو الشكل الرئيسي للاضطهاد في الريف الصيني، وبالتالي فإن الثورة الزراعية هي واقع جوهري في الحركة الثورية كما يقول ستالين.

    على هذا الأساس ارتكز ماو فقام بتحقيقاته حول حركة الفلاحين واتخذ من مقاطعة هونان مشتله في البرهنة على قوة الفلاحين ونهوضهم فجاء هذا التقرير.

    يمكن تقسيم تطور حركة الفلاحين في مقاطعة هونان إلى مرحلتين على وجه العموم:

    - المرحلة الأولى: من يناير إلى شتنبر 1926 وهي مرحلة التنظيم، وقد ضمت فترتان:

    *فترة النشاط السري، من يناير إلى يونيو.

    * فترة النشاط العلني، من يوليوز إلى شتنبر.

    في هذه المرحلة لم يكن مجموع أعضاء اتحادات الفلاحين يزيد عن 400 ألف، ولم يكن في المناطق الريفية بعد أي نضال يذكر، والجماهير التي توجد تحت قيادتها لا تزيد عن المليون إلا قليلا.

    - المرحلة الثانية: من أكتوبر إلى يناير 1927، هي مرحلة العمل الثوري، وقد وصل فيها عدد أعضاء الاتحادات إلى مليونين، وتوجد تحت قيادتها 10 ملايين من الفلاحين. ولما أصبح للفلاحين منظماتهم الواسعة الانتشار، بادروا إلى العمل، وأحدثوا في شهور معدودة (أربعة أشهر) ثورة عظيمة في الريف، وكما يقول ماو: "ثورة لم يسبق لها مثيل في التاريخ".

    3 ـــ الصراع الطبقي في هونان:

    أ – اتحادات الفلاحين:

    من الإنجازات العظيمة التي حققها الفلاحون بالاعتماد على نموذج مقاطعة هونان، هو تشكيل ما يسمى ب"اتحادات الفلاحين"، التي تمكنت من تحطيم هيبة الملاكين العقاريين الكبار سياسيا، ولا سيما هيبة العتاة المحلين والوجهاء الأشرار، أي إزاحة سلطة الملاكين العقاريين الكبار من مكانها في المجتمع الريفي وإقامة سلطة الفلاحين.

    ا – اتحادات الفلاحين:

    كانت الطبقة الإقطاعية القائمة على النظام الأبوي، التي تضم العتاة المحلين والوجهاء الأشرار وملاك الأراضي البغاة، هي أساس الحكم الاستبدادي منذ آلاف السنين، وحجر الزاوية الذي ترتكز عليه الامبريالية وأمراء الحرب، وهدف الثورة الوطنية الحقيقي هو الإطاحة بهذه القوة الإقطاعية، يقول ماو:

    "إن الثورة الوطنية تتطلب انقلابا عظيما في الريف، وقد فشلت ثورة 1911 لأنها لم تحدث هذا الانقلاب، وحدوث هذا الانقلاب في هذا الوقت هو عامل مهم لإتمام الثورة، وعلى كل ثوري أن يؤيده وإلا وقف موقفا مناهضا للثورة".

    هكذا تكلم ماو عن حركة الفلاحين في هونان وتنظيماتهم، التي أدت إلى قيام "اتحادات الفلاحين"، يقول ماو عن هذه الجماهير العظيمة من الفلاحين:

    إن الجماهير العظيمة من الفلاحين قد نهضت لأداء رسالتها التاريخية، وأن القوى الديموقراطية في الريف قد نهضت للإطاحة بالقوة الإقطاعية. لقد أصبح اتحاد الفلاحين يتمتع بسلطة ليس فوقها سلطة، فلم يعد يسمح لملاك الأراضي بالكلمة، وقضي على هيمنتهم ونفودهم".

    ويقول عن مشروعية الثورة على الإقطاعيين في الريف:

    "إن الثورة انتفاضة وعمل عنف تلجأ إليه إحدى الطبقات للإطاحة بطبقة أخرى، وثورة الريف هي ثورة تطيح بها طبقة الفلاحين بسلطة طبقة الملاكين الإقطاعيين".

    لقد توسعت اتحادات الفلاحين بسرعة مذهلة، وهذه السرعة المتصاعدة في التوسع، توضح السبب في عزلة العتاة المحليين والوجهاء الأشرار، فالأمور قد تبدلت منذ قيام حركة الفلاحين وتنظيمهم "اتحادات الفلاحين"، كما أن هذه السرعة المتصاعدة في التوسع، توضح السبب في قيام ثورة عظيمة في الريف، ويعتبر إحراز هذا النضال السياسي ضد الملاكين العقاريين الكبار ذو أهمية قصوى في مرحلة العمل الثوري، إذ بدون الانتصار في هذا النضال يستحيل أي نصر في النضال الاقتصادي، وقد تعددت الأساليب المستخدمة من طرف الفلاحين في توجيه الضربات السياسية إلى ملاك الأراضي، منها تصفية الحسابات وهم بذلك يريدون القضاء على الغش في الحسابات وفرض الغرامات والتبرع الإجباري والاحتجاجات الصغرى ضد التشهير باتحادات الفلاحين، وتم استعمال أسلوب المظاهرات الكبرى ضد العتاة المحلين والوجهاء الأشرار ممن يعادون اتحادات الفلاحين، كما سن الفلاحون أشكال عقاب مختلفة ضد هؤلاء، مثلا إلباس الملاكين الطراطير، وهو عقاب في قمة الإهانة، وحبسهم في سجن المحافظة، كما مارس الفلاحون الإعدام كعقاب ضد العتاة المحليين والوجهاء الأشرار، وقد كانت أساليب العقاب تتدرج من البسيط إلى الأكثر قسوة.  وبالإضافة إلى أساليب العقاب هذه وغيرها، تمس الجانب النفسي والسيكلوجي (الحرب النفسية) عمل اتحاد الفلاحين على توجيه الضربات لملاك الأراضي اقتصاديا، منها حظر إرسال الأرز خارج المنطقة (لأن هذا الأمر كان يزيد من ارتفاع أسعاره) وحرم رفع سعره واحتكاره، وعندما تعاظمت قوة "اتحادات الفلاحين" حظرت زيادة الإيجارات التي تشكل شكلا من أشكال استغلال الفلاحين بتخفيض الفائدة على القروض القديمة.

    لقد تمكنت "اتحادات الفلاحين" من الإطاحة بحكم العتاة المحليين والوجهاء الأشرار الإقطاعيين، أي قلب سلطة المركز والناحية، فقد كانت أجهزة السلطة السياسية القديمة في المركز والناحية في أيادي العتاة المحليين والوجهاء الأشرار، وكانوا يمارسون هيمنتهم على عدد كبير من السكان، وكان لهذا الحكم قوة مسلحة خاصة وسلطة مستقلة في جمع الضرائب، إنهم في الحقيقة ملوك الريف، إذ لم يكن الفلاحون يكترثون لرئيس الجمهورية أو لحاكم المنطقة العسكري أو لحاكم المحافظة، بل كان رؤساؤهم الحقيقيون هم هؤلاء العتاة المحليين والوجهاء الأشرار (مالكي النفوذ الاقتصادي)، اللذين كانوا يرعبون الفلاحين، لكن "اتحادات الفلاحين" أطاحت بهيبة طبقة الملاك العقاريين الكبار عموما، وانهارت أجهزة السلطة الريفية التي يسيطر عليها العتاة المحليون والوجهاء الأشرار، كما تمت الإطاحة بقوة الملاكين العقاريين الكبار المسلحة وتأسست مكانها قوة الفلاحين.

    في الأجزاء الجنوبية والوسطى من مقاطعة هونان، لم تسطع طبقة الملاكين العقاريين الصمود أمام القوة الهائلة التي نهض بها الفلاحون، فأصبحت معظم القوات المسلحة في يد "اتحادات الفلاحين"، وفي المحافظات التي أصبحت فيها سلطة الفلاحين قوية جدا انهارت سلطة حاكم المحافظة وحجاب المحاكم، فقد تغلبت سلطة الفلاحين تماما على سلطة الملاكين العقاريين، وأصبح وضع الحكومات يتميز بكون جميع القرارات تتخذ بواسطة مجلس مشترك، يتشكل من حاكم المحافظة وممثلي المنظمات الجماهيرية الثورية.

    إن جميع مشاكل الفلاحين أصبحت تعالجها اتحادات الفلاحين في مختلف المستويات، فلم يعد الحرس المسلح ورجال الشرطة وحجاب المحكمة أي ما يسميهم ماو تسي تونغ "الكلاب الشرسة" قادرين على ابتزاز القرى، حيث يقول:

    "إن الكلاب الشرسة التي كانت تربيها حكومة المحافظة من رجال شرطة وحرس مسلح وحجاب المحكمة، قد أصبحوا يخافون التردد على القرى، لقد أصبحوا يرتجفون رعبا لدى رؤية رماح الفلاحين".

    لقد أطاحت اتحادات الفلاحين بكل أنواع السلطات، فقد خضع الرجال في الصين عادة لسيطرة أنظمة من السلطات، من نظام الدولة أي السلطان السياسي، إلى نظام العشيرة، أي السلطان العشائري إلى السلطان الديني (النظام الروحي). أما النساء، فإلى جانب خضوعهن لسيطرة الأنظمة الثلاث، فهن يخضعن أيضا لسلطة الرجال أي سلطان الزوج. إن هذه الأنواع الأربعة من السلطان تمثل كل عقلية النظام الأبوي الإقطاعي، إنها السلاسل الأربع كما يسميها ماو، التي تقيد الشعب الصيني والفلاحين على الأخص، ولما كان السلطان السياسي للملاكين العقاريين في الريف، هو العمود الفقري لسائر أنواع السلطان، فبانهياره تزعزعت أركان السلطات السابقة.

    ومن الإنجازات العظيمة لاتحادات الفلاحين أنه باعتمادها الدعاية السياسية تعمم التثقيف السياسي بين الرجال والنساء والشيوخ والشبان في كل مكان، حتى في الأصقاع النائية من الريف، يقول ماو في هذا الصدد:

    "لو افتتحت عشرة آلاف مدرسة للحقوق والعلوم السياسية، فهل كان بوسعها أن تعمم هذا التثقيف السياسي بين الرجال والنساء والشبان والشيوخ في كل مكان، حتى في الأصقاع النائية من الريف في مثل هذا الوقت القصير كما فعلت اتحادات الفلاحين اليوم؟ لا أعتقد ذلك"

    إن الإنجازات العظيمة لاتحادات الفلاحين لا تتوقف عن هذا الحد، فعندما وطد هذا الاتحاد بقيادة الحزب الشيوعي سلطته في الريف، شرع الفلاحون بتحريم كل ما لم يعد مرغوبا فيه أو فرض القيود عليه، كألعاب القمار واحتراف المقامرة وتدخين الأفيون، وغيرها من الممارسات التي كانت سائدة في الريف، وسمي ذلك ب "محظورات الفلاحين"، وقد شكلت كل أنواع الحظر هذه ثورة ضد العادات الاجتماعية السيئة التي كانت سائدة في الريف. وقد ظهرت قوة بأس اتحادات الفلاحين في القضاء على اللصوص وقطاع الطرق، إذ يقول ماو:

    "فحينما كانت اتحادات الفلاحين قوية، لم يعد هناك أثر لهؤلاء، فقد انتهى شر اللصوص وقطاع الطرق بقيام حركة الفلاحين".

    بقيامها بكل هذه الأعمال العظيمة تمكنت "اتحادات الفلاحين" من كسب مساندة عامة الجماهير الفلاحية.

    بعد نهضة حركة الفلاحين وسقوط العتاة المحليين والوجهاء الأشرار، ألغيت الجبايات الباهظة مثل ضريبة الأرض، كما لم يغب عن 'اتحادات الفلاحين" الاهتمام بالشأن التعليمي (أليس لهذا السبب استبعد بعض قادة الحزب الشيوعي الفلاحين من الثورة معتبرينهم متخلفين ومحافظين، وهي النظرة التي ناضل ضدها ماو تسي تونغ وظل يقول أنه دون الفلاحين لن تكون هناك ثورة)فقد نتج عن تطور حركة الفلاحين ارتفاع سريع في مستواهم الثقافي، فعندما تمت الإطاحة بسلطة الملاكين العقاريين في المناطق الرئيسية، بدأت حركة الفلاحين الثقافية وأصبح أولئك الفلاحون الذين كانوا يكرهون المدارس ينشئون مدارس ليلية بحماس كبير (وهكذا فند الواقع التصورات السلبية عن الفلاحين خاصة لدى بعض قادة الحزب الشيوعي).

    تعدت حركة الفلاحين في أعمالها المنجزات السابق ذكرها، فمع هذه الحركة حلت الكثير من المشاكل المرتبطة بالاستهلاك والبيع والتسليف، إذ كان الفلاحون يخضعون لاستغلال التجار في هذه الجوانب الثلاثة، وهكذا ظهرت الحركة التعاونية، بل حتى بناء الطرق وإصلاح السدود والأحواض كانت أعمالا عظيمة أنجزتها اتحادات الفلاحين.

    إن كل تلك الأعمال المتعددة والكبرى التي لا يمكن أن تحصى، والمنجزات العظيمة، قام بها الفلاحون بقيادة اتحاداتهم، ويلخص ماو كل ذلك قائلا:

    "وكانت كلها أعمال حسنة من حيث الروح الأساسية، ومن حيث المغزى الثوري، فقط، العتاة المحليون والوجهاء الأشرار من يصف هذه الأعمال بالسوء، فكثير من السادة، ومنهم تشانغ كاي تشيك، لا يوافقون مطلقا على نشاطات الفلاحين في هونان، ومناهضي الشيوعية في هونان"

    إن شعار "ليسقط العتاة المحليون والوجهاء الأشرار، كل السلطة لاتحادات الفلاحين"، الذي رفعته حركة الفلاحين، يعكس إمكانية مناهضة سلطة اتحادات الفلاحين من قبل العتاة المحليين والوجهاء الأشرار. إنها "حركة الرعاع" كما يسميها الجناح اليميني من الكومنتانغ، لأن الأمور انقلبت لرأسا على عقب، يقول ماو:

    "وبالاختصار، فإن جميع اللذين كان الوجهاء يحتقرونهم ويمرغونهم في الوحل، واللذين كانوا لا يملكون أي مكان في المجتمع، ولم يكن لهم حق في الكلام، قد رفعوا الآن رؤوسهم فجأة وعلى غير انتظار، لم يرفعوا رؤوسهم فحسب، بل أمسكوا زمام السلطة بأيديهم، وهم الآن أصحاب الأمر والنهي في اتحادات الفلاحين في النواحي".

    4 ــ من هم الفلاحون اللذين أنجزوا المهام الثورية العظيمة؟

    إن أولئك الذين سماهم العدو الطبقي في الريف بالرعاع شكلوا طليعة الثورة، فقد أدى الفلاحون مهمة ثورية، وقدموا خدمة هامة للثورة الوطنية، إنها مهمة ثورية عظيمة. فهل قدم هذه الخدمة الثورية الهامة جميع الفلاحين؟

    بالاستناد إلى التحليل الطبقي في الريف، فقد تم الوقوف على أن طبقة الفلاحين هي فئات متعددة، حسب مركزها الاقتصادي وموقعها من الملكية، وبالتالي فهي تختلف حسب مصلحتها في الثورة.

    هناك ثلاثة أنواع من الفلاحين:

    الفلاحون الأغنياء، الفلاحون المتوسطون والفلاحون الفقراء، وهم يعيشون ظروفا مختلفة، ولهم مواقف متباينة من الثورة.

    - بالنسبة للفلاحين الأغنياء، فقد شككوا في استمرارية اتحادات الفلاحين، مستهينين بحركة الفلاحين، لكن بعد أن تبين لهم أن سلطة الفلاحين أصبحت واقعا يفرض نفسه، سلموا بأمر واقع اتحادات الفلاحين وانضم الكثير منهم إليها مضطرين.

    - بالنسبة للفلاحين المتوسطين، فإن موقفهم متذبذب ويعتقدون أن الثورة لن تجلب لهم فائدة كبيرة، وكانوا يرون أن اتحاد الفلاحين لن يثبت على قدميه، لكن ما لبثوا أن انضموا إلى اتحادات الفلاحين، وذلك في المرحلة الثانية من الثورة، عندما أصبحت هذه الاتحادات تتمتع بسلطة عظيمة، يقول ماو في شأن هؤلاء:

    "... تصرفاتهم في الاتحادات خير من تصرفات الفلاحين الأغنياء، إلا أنهم، مؤقتا، لم يتحمسوا لها كثيرا، وما زالوا يفضلون الانتظار لمعرفة ما سيحدث، فمن الضروري جدا للاتحادات أن تعمل على كسب عضوية الفلاحين المتوسطين فيها وأن تشرح لهم الأمور كثيرا".

    - لكن يبقى الفلاحون الفقراء القوة الرئيسية، التي ثابرت على النضال القاسي المرير في الريف، إنهم أكثر الناس استجابة لقيادة الحزب الشيوعي، وهم ألد أعداء العتاة المحليين والوجهاء الأشرار، ويشكل الفلاحون الفقراء 70 % من السكان، يقول ماو عن الفلاحين الفقراء:

    "... وهذا الحشد من الفلاحين الفقراء الذين يشكلون بمجموعهم (فقراء معدمون وفقراء أقل عوزا) 70 % من سكان الريف، هو العمود الفقري لاتحادات الفلاحين والطليعة في الإطاحة بالقوى الإقطاعية وصاحب الفضل الأول في إنجاز المهمة الثورية العظيمة ... ولولا طبقة الفلاحين الفقراء ("الرعاع" كما سماهم الوجهاء) كان من المستحيل خلق الوضع الثوري الراهن في الريف، والإطاحة بالعتاة المحليين والوجهاء الأشرار وإنجاز الثورة الديموقراطية".

    ولكونهم أكثر الفلاحين ثورية، فقد حصلوا على سلطة القيادة في اتحادات الفلاحين، قيادة يقول عنها ماو:

    "إن هذه القيادة التي يمارسها الفلاحون الفقراء هي ضرورية للغاية، فبدون الفلاحين الفقراء لا يمكن أن تكون هناك ثورة، وإنكار دورهم هو إنكار للثورة، والهجوم عليهم هو هجوم على الثورة، ولم يحدث أبدا أن أخطأوا في الاتجاه العام للثورة، لقد أسقطوا هيبة العتاة المحليين الوجهاء الأشرار... وكثير من الأعمال التي قاموا بها أثناء المرحلة الثورية كانت فعلا ما تتطلبه الثورة بالضبط".