Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

جواب أولي على أنفير خوجة بصدد كتاب "الإمبريالية والثورة" ــ الحلقة الثالثة

جواب أولي على أنفير خوجة

بصدد كتاب

"الإمبريالية والثورة"

الحلقة الثالثة

III– التحولات الزراعية بعد 1949

لو عالجنا قليلا الوضع الملموس في الصين سنة 1949، فبإمكاننا أن نطرح حكما على ما يسميه أنفير خوجة "مرحلة طويلة من التطور الرأسمالي". فهل في الواقع، شجع الحزب الشيوعي الصيني و ماو تطورا رأسماليا لمرحلة طويلة؟ الجواب بالنفي. في سنة1949، كان الإصلاح الزراعي قد تم إنجازه في شمال الصين و في الشمال الشرقي، و هي مناطق كانت تحت مراقبة الجيش الشعبي، يبقى إذن تحقيق الإصلاح الزراعي في باقي البلاد، لكن هذه المهمة تقدم صعوبات لم يسبق لها مثيل بسبب أن قوات الكيومنتانغ لم يتم سحقها بعد بالكامل في تخوم الصين، و بسبب الفوضى التي كان يوجد فيها الاقتصاد و المالية و الإدارة في مناطق شاسعة تم تحريرها مؤخرا، و بسبب أعمال التخريب و الممارسات المعادية للثورة ...

و في نفس الوقت الذي كان فيه يحاول قمع الثورة المضادة، و تصحيح الوضع في الاقتصاد و حل مشكل البطالة (خاصة مع حل مجموعة من وحدات الجنود) قام الحزب الشيوعي الصيني بالإصلاح الزراعي، الذي تم الانتهاء منه سنة 1952. لقد مس هذا الإصلاح الزراعي 300 مليون من الفلاحين و هي بدون سابقة في التاريخ، ثورة ديموقراطية وطنية تم تحقيقها على مستوى قاري، مدمرة كل النظام الإقطاعي، و قامت بالقضاء على الملاكين العقاريين كطبقة، فكيف الحكم على أناس يتجهمون، و اللذين يجدون، و بالتأكيد ذلك طويل جدا؟ فهل يمكن الحديث عن هذه المرحلة مع "نسيان" الوضع الملموس في الصين من 1949 إلى 1952، الصعوبات التي خلقها الهجوم الامبريالي في كوريا و الالتزام الأممي للصين إلى جانب الشعب الكوري.

إن الحديث عن "طول" الثورة الديموقراطية في الصين بدون القيام بتحليل للظروف، التي كانت تجري فيها، هو بمثابة إعطاء درس في التاريخ بعيدا عن المادية التاريخية.

* من أجل استكمال دحض تأكيدات أنفير خوجة، التي نسبها إلى ماو و الحزب الشيوعي الصيني حول انتقال الثورة الديموقراطية إلى الثورة الاشتراكية، علينا كذلك النظر في كيفية الظهور الملموس للأطروحة، التي بحسبها، ماو :

"ليس مع تحول الثورة الديموقراطية إلى ثورة اشتراكية".

 بالفعل، كيف يكون بالإمكان أن يؤكد ماركسي - لينيني بشكل هادئ هذا بدون القيام بتحليل ملموس للواقع، و كذلك الأعمال السياسية لماو و الحزب الشيوعي الصيني.

منذ يوليوز 1950، أشار ماو (مجلد 5، ص 36):

"إليكم كيف يتابع بلدنا طريقه إلى الأمام بخطى ثابتة : بعد أن مر من الحرب، يقوم الآن  بإصلاحات الديموقراطية الجديدة، و عندما يصل اقتصادنا  و ثقافتنا إلى مستوى ازدهار كبير، و تكون الظروف الضرورية قد تجمعت، و يكون الشعب قد أعطى اتفاقه بعد تفكير ناضج، فسيدخل بدون تسرع و بطريقة ملائمة مرحلة جديدة، مرحلة الاشتراكية (1) .

"هذا ما يجب فعله في كل المناطق، حيث تم إنجاز الإصلاح الزراعي، و نطلب منكم أن تتحملوا مسؤولياتكم في إنجازها كمهمة ذات أهمية كبيرة" (المجلد 5، ص 73).

منذ 1951، و بينما لم يكن الإصلاح الزراعي قد تم إتمامه في مجموع البلاد، ساند الحزب الشيوعي الصيني و ماو حركة المساعدة المتبادلة و التعاون الفلاحي المقام في المناطق، حيث تم إنهاء توزيع الأراضي:

الكل يعرف أنه في هذه المرحلة جرى صراع خطوط حاد داخل الحزب الشيوعي الصيني لمعرفة هل على الصين أن تسير في طريق الاشتراكية أو أن تطور الرأسمالية، و قد أطلق الانتهازيون وسط الحزب الشيوعي الصيني شعار: "تعزيز نظام الديموقراطية الجديدة"، بينما عارض ماو هذا الاتجاه و بلور أطروحة الانتقال التدريجي إلى الاشتراكية عن طريق إنشاء المزارع الجماعية و إدخال النظام الجماعي في الصناعة و في التجارة الخاصة.

"إن الخط العام للحزب مهمته العامة بالنسبة لمرحلة الانتقال، تتمثل بالنسبة للأساسي، في 15 سنة المقبلة، أو أكثر بقليل إنجاز تصنيع البلاد و التحويل الاشتراكي للفلاحة و الحرف، و كذلك الصناعة و التجارة الرأسماليين" (مجلد 5، ص 97).

إنه لمن الواضح أن أنفير خوجة ينسب لماو في هذه المسألة، خط الانتهازيين اليمينيين (ليو شاوشي)، أولئك اللذين حاربهم ماو، لكن في الواقع، نسي أنفير خوجة مرة أخرى القيام بتحليل لدعم أطروحته، و الحال أن الخط العام للحزب الشيوعي الصيني لم يبق على الورق، بل تحول إلى قوة مادية. إن التحول الاشتراكي للفلاحة عمل جبار على صعيد الصين، فقد تم القيام به منذ "حركة المساعدة المتبادلة و التعاون" إلى "الكومونات الشعبية".

من الأشكال الدنيا للتعاون المبني مرة أخرى، على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج (مجموعات المساعدة المتبادلة) إلى الأشكال العليا من التعاون المبنية على الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج (تعاونيات من نوع أعلى) ثم إلى توسيع هذه الملكية الجماعية على مستوى مجموعة أوسع (كومونة شعبية).

إن السيرورة المتبعة في الفلاحة كانت كالتالي :

خلال الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى، انطلقت عملية التحويل اللاحق ل "الكومونات الشعبية" إلى الشعب كله (و ليس فقط كملكية جماعية لأعضاء الكومونة) و قد انطلق هذا مع الانتقال من الوحدة الإنتاجية و الحسابية، من وحدة الإنتاج إلى فرقة الإنتاج، و هي مجموعة أوسع.

لإعطاء مثال على وضع تطبيق لهذه السيرورة من تشريك الفلاحة، فلنشر إلى أنه خلال "القفزة الكبرى إلى الأمام" في سنة 1958 – 1960، فإن 750 ألف تعاونية أصبحت 27 ألف كومونة شعبية، ثم زاد هذا الرقم قليلا ليصبح 70 ألف، و ذلك لتصحيح بعض الأخطاء اليسراوية التي تم ارتكابها خلال حركة التحويل الاشتراكي.

إن هذه لحجج لا يمكن دحضها للتحول الاشتراكي للصين، و قد تمت التحولات الاشتراكية في الزراعة الصينية عبر صراع قاس لصراع الطبقات، سواء داخل الحزب الشيوعي الصيني أو داخل المجتمع برمته.

لقد حركت هذه التحويلات مئات الملايين من الأشخاص عبر بلد واسع في حجم قارة.

لا يمكن لأحد اليوم أن ينكر، و تحت مبرر أن البورجوازية قد أخذت السلطة في الصين، هاته التجربة الثورية ذات البعد العالمي.

IV – التحويلات الاشتراكية للرأسمال الخاص

إن انتقادات أنفير خوجة ضد ماو تمس كذلك مسألة البورجوازية الوطنية، و حول هذه المسألة يجب القول أن أنفير خوجة لم يجرؤ حتى على معالجة الوقائع و السياسة الملموسة للحزب الشيوعي الصيني تجاه البورجوازية.

"يؤكد ماو تسي تونغ على واقع أن هذه المرحلة بشكل مواز لتطور الرأسمالية، التي يعطيها الأولوية ستخلق مقدمات للاشتراكية".

إن البرهنة بالكامل، تنبني على تحليل قبلي، حيث حجة الأطروحة هي فقط بلورة مختلفة للأطروحة نفسها، و من خلاها يتم تزوير فكر ماو عبر "ملخصات" مغرضة، و إليكم بعض النماذج :

"مفهوم ماو تسي تونغ حول الحرية الكاملة المتروكة للإنتاج الرأسمالي ..."

بعد ذلك، و لإبعاد أي اعتماد على مرجع "النيب" (السياسة الاقتصادية الجديدة) و على لينين، يسطر أنفير خوجة قائلا، أنه في المرحلة التي اعتمد فيها لينين على نوع من التطور الرأسمالي في روسيا كانت السلطة في يد البروليتاريا، و بالتالي، فالصناعة الكبيرة بإمكانها أن تتبع السياسة الاقتصادية الجديدة (النيب) بدون خطر، بينما في الصين، سواء في 1949 أو 1956، فالبروليتاريا لم يكن بيدها السلطة و لا الصناعة الكبيرة.

بمعنى آخر، فالتحليل هو كالتالي :

يعترف خوجة أنه في بلد متأخر بإمكان الموقف تجاه الرأسمالية أن يتنوع حسب الوضع الملموس بعد انتصار الثورة، أي أن بعض تطور الرأسمالية ليس خطءا في المبدأ ما دامت البروليتاريا تملك السلطة و الصناعة الكبيرة (مثال النيب). إذن، بدل معالجة الوضع الملموس للصين، بتحليل صحة أو خطأ الحزب الشيوعي الصيني كما يدل على ذلك المنطق، يكتفي أنفير خوجة بالتأكيد بشكل قاطع أن البروليتاريا لم يكن في يدها "لا السلطة و لا الصناعة الكبيرة"، و تكون اللعبة قد تمت، فهل هذا التصرف المثير للشفقة يليق بقائد ماركسي – لينيني؟ الذي، في أقل من ثلاث سنوات من قبل يغدق ماو بالأمداح؟

يجب مع ذلك معالجة المشكل، و هذا مشكل بالفعل للبورجوازية الوطنية في الصين بعد 1949، كل نقد التيار التصفوي العالمي، الذي غداه أنفير خوجة يزعم أنه في الصين لم تتم تصفية البورجوازية كطبقة، و لتأكيد ذلك تم الاعتماد على سياسة الحزب الشيوعي الصيني تجاه البورجوازية الوطنية، و هنا يكمن التلاعب بالتاريخ الحقيقي.

بالنسبة لأنفير خوجة، ففي الصين، البورجوازية الوطنية تساوي البورجوازية و هذا أمر خاطئ، فعندما يؤكد خوجة بأن البروليتاريا ليس بيدها الصناعة الكبيرة فهو يكذب بشكل واع، أو أنه يجهل كل شيء عن الثورة الصينية، لقد تمت عملية تأميمها سنة 1949، لأن هذا الرأسمال كان ملكية للبورجوازية البيروقراطية الكمبرادورية، التي تم انتزاع ملكيتها.

ما ينساه النقاد، في محاولاتهم ل "البرهنة"، هو أن الصين بلد شبه مستعمر و شبه إقطاعي، انخرط في طريق الاشتراكية انطلاقا من ثورة وطنية تقودها البروليتاريا، و في هذه الثورة تنشطر البورجوازية إلى فئتين، جزء منها مرتبط و تابع للامبريالية، و قد تم نزع ملكيته مباشرة، و جزء آخر يسمى "بورجوازية وطنية" أو "بورجوازية متوسطة" يجب تحويله بعد انتصار الثورة، لأنه لا يعارض بشكل عدائي مهام الثورة الديموقراطية، و بإمكانه أن يساهم في الجبهة الثورية.

إذن، فالحديث عن البورجوازية بشكل عشوائي بدون تقديم أي توضيحات، هو فيما يتعلق بالصين تزوير للتاريخ. إن هذا التقويم يقضي مسبقا على تهافتات أنفير خوجة حول "الصناعة الثقيلة"، و من تم منطق تحليله نفسه.

لكن يظل هناك سؤال آخر، و هو، هل تمت حماية البورجوازية الوطنية في تطورها الرأسمالي ؟

لقد تبنى ماو تسي تونغ بشكل مفتوح الإدماج السلمي للعناصر الرأسمالية في الاشتراكية".

يريد أنفير خوجا هنا أن يوحي بنوع من التشابه في الخط بين ماو و بوخارين، و الحال أنه إذا كان بوخارين يتبنى الإدماج السلمي للرأسمالي في الاشتراكية عن طريق البنك و الإدارة السوفياتية كطريق لإزالة الصراع الطبقي، فماو تبنى و مارس تشريك الصناعة الخاصة (20% من الرأسمال الكلي) عن طريق رأسمالية الدولة، و ذلك عن طريق الصراع الطبقي بين البورجوازية و البروليتاريا.

" في الصين، كان من المتوقع أن يستمر الحفاظ على الإنتاج الرأسمالي إلى أجل غير مسمى تقريبا".

لقد برر أنفير خوجة صمت حزب العمل الألباني في الماضي حول ماو "الانتهازي" من خلال حقيقة أنه كان يجهل حقيقة الوضع في الصين، لكن هذا النوع من الحجج (التبرير)يبين أنه قرر أن يعبر قبل أن تكون لديه معرفة حتى و إن كانت أولية في الثورة الصينية.

ماذا كانت عليه في الحقيقة ممارسة حزب العمل الألباني تجاه البورجوازية الوطنية؟

منذ مارس 1949، أشار ماو تسي تونغ :

"عندما ستنتصر الثورة الصينية في كل البلاد، و أن المشكل الزراعي سيكون قد تم حله، فهناك تناقضان أساسيان سيظلا متواجدان في الصين، الأول ذو طبيعة داخلية، و هو التناقض بين الطبقة العاملة و البورجوازية، و الثاني ذو طبيعة خارجية، و هو التناقض بين الصين و الامبريالية، لهذا السبب، فبعد انتصار الثورة الديموقراطية الشعبية، لا يجب أن تضعف سلطة الدولة للجمهورية الشعبية تحت قيادة الطبقة العاملة، بل تتقوى.

إن الحد من الرأسمال في الداخل، و مراقبة التجارة الخارجية، سيكونان المبدآن السياسيان الأساسيان للبلاد في صراعها الاقتصادي" (مجلد 4، ص 388).

إن سياسة الحزب الشيوعي الصيني تجاه البورجوازية الوطنية كانت تطبق تقريبا هكذا :

1 – مباشرة بعد انتصار الثورة، كانت هناك فترة تنظيم المالية، التجارة و الصناعة على أساس تخطيط شامل، تنظيم الاقتصاد كما هو : قطاع الدولة، قطاع خاص رأسمالي، إنتاج صغير  منبثق عن الإصلاح الزراعي الجاري إلخ ...

2 – بدأت حركة النضال الأولى ضد البورجوازية الوطنية منذ 1951 مع نضالات سانفان و ووفان. كانت أهداف حركة سانفان : النضال ضد الرشوة، التبذير و البيروقراطية داخل الحزب و أجهزة الدولة، و كانت أهداف حركة ووفان (بداية 1952) :

- تحقيق حول واقع الشركات الخاصة بهدف التخطيط.

- تصفية البيروقراطيين المرتشين من أجل إقامة خط حدود واضح بين البروليتاريا و البورجوازية وسط النقابات.

- تخليص الجمعيات و المنظمات البورجوازية من العناصر التي تحتال على الدولة، توزع كؤوس الخمر إلخ ... ("العيوب الخمسة").

- الزيادة في الشراء و البيع من طرف الدولة للمنتجات المصنوعة من طرف الصناعة الخاصة (وسيلة مراقبة و إخضاع) و من هنا تقوية التخطيط.

- إلغاء المحاسبة السرية و مراقبة التدبير بواسطة العمال.

- تنظيم خلايا الحزب في جميع الشركات الخاصة، الكبيرة و المتوسطة.

3 – كان النضال في المرحلة الثالثة ضد البورجوازية الوطنية يقوم على انتقال كل الصناعة و التجارة الخاصة داخل إطار رأسمالية الدولة تحت أشكال مختلفة (رؤوس أموال مختلطة، التزويد بالمواد الأولية و شراء السلع من طرف الدولة) و لم يلغ الربح الرأسمالي بل حدد في 20،5% من الربح العام للشركات.

4 – في 1956، يعني سبع سنوات فقط بعد انتصار الثورة، كانت الصناعة و التجارة الرأسمالية للبورجوازية الوطنية تغطيها القطاعات المختلطة ذات رؤوس أموال خاصة و رؤوس أموال الدولة، "الرأسمال الخاص" يكون مدفوعا فقط بواسطة فائدة محددة على الرأسمال في 5%. إنه شكل من أشكال استرداد البورجوازية الوطنية بواسطة سلطة البروليتاريا.

قال ماو في هذا الصدد :

"من أجل قدر متواضع من المال نشري طبقة بأكملها" (انظر مجلد 5، ص387).

في الشركات التي تمتلكها الدولة بصفة مشتركة مع الخواص، فإن الرأسماليين لا يقبضون على أي سلطة إدارية حقيقية. لا يوجد تدبير مشترك للإنتاج من طرف ممثلي الحكومة و من طرف الرأسماليين، لذلك، فمن الخطأ القول، أنه في هذه الوضعية "كان استغلال العمل من طرف الرأسمال محدودا، كان في الواقع محدودا إلى أقصى درجة" ("ماو و بناء الاشتراكية"، سوي، ص 99 – 100).

5 – حذف الفائدة المحددة خلال الثورة الثقافية. إنه الإنهاء لسيرورة التحويل الاشتراكي للصناعة و التجارة الخاصة التي تمتلكها البورجوازية الوطنية.

نرى جيدا كيف أن الحزب الشيوعي الصيني قد ترك "الحرية الكاملة" للعناصر الرأسمالية!

سبع سنوات فقط بعد انتهاء الثورة الصينية، كانت البورجوازية الوطنية مجردة من وسائل إنتاجها، بينما تمت إعادة تنظيم الزراعة في تعاونيات.

 في الاتحاد السوفياتي سنة 1933، بما يعني 16 سنة بعد انتصار أكتوبر، كانت فقط 60% من الاستغلاليات الفلاحية قد تحولت إلى كولخوزات و سوفخوزات. إننا لا نورد هذا الرقم من أجل حكم قيمة للمقارنة، و إنما نريد القول أن روسيا عرفت أربع سنوات من الحرب الأهلية و التدخلات الامبريالية، بينما كانت الصين، بشكل واسع جدا مساعدة من طرف الاتحاد السوفياتي و المعسكر الاشتراكي، فنحن عندما نورد هذا المثال فلنضع حكم أنفير خوجة حول الثورة الصينية في مكانه.

"لم يربط ماركس يديه و لم يعرقل في شيء صناع الثورة الاشتراكية المستقبليين فيما يتعلق بالأشكال، العمليات و أساليب الثورة لا تحتوى جيدا إلا على مشاكل جديدة و عديدة تنشأ في تلك المرحلة. إن الوضعية تتغير تماما خلال الثورة، و أنها ستستمر في التغيير أحيانا و بشكل واضح شيئا فشيئا مع التقدم الذي تحققه الثورة"

أما الغرور المعلن من طرف أنفير خوجة المتعلق بالوسائل، التي تم وضعها موضع التنفيذ من أجل تحويل الرأسمال الخاص و تجميعه فهو صبياني، خاصة أنه إذا طبق الحزب الشيوعي الصيني في الظروف الملموسة للصين، الانتقال عبر رأسمال الدولة و استرداد جزء من البورجوازية، فمعروف جدا أن هذه الوسائل لم يتم "اختراعها" من طرف ماو، و لكن من طرف الحزب البلشفي، لينين و ستالين، فقد أشار لينين سنة 1918 :

"لم يقم ماركس بتكتيف يديه ولا بعرقلة في أي شيء الصناع المستقبليين للثورة الاشتراكية سواء في الأشكال أو الإجراءات أو الطرق الخاصة بالثورة لأنه كان مدركا بالكامل أن مشاكل جديدة وعديدة ستنبثق في هذه المرحلة وأن الوضع سيتغير بالكامل خلال الثورة، وبأنها ستستمر في التغيير في غالب الأحيان وبشكل كبير بقدر ما تتقدم الثورة".

ثم بعد فحص الوضعية الملموسة لروسيا، فقد خلص لينين إلى أنه يجب مزاوجة الأسلوب القمعي "مع عمليات التوافق أو استرداد (الشراء) تجاه الرأسماليين المثقفين، اللذين يقبلون "رأسمالية الدولة"، قادرون على تطبيقها و يبينون أنهم نافعون للبروليتاريا بصفتهم منظمين أذكياء و خبراء مقاولات الأكثر أهمية قابلة لضمان التزويد الفعال لعشرات الملايين من الناس" (لينين، مجلد 27، ص 360).

قال لينين عن " شيوعيي اليسار"، اللذين وصفوه ب "الموفق" :

"... كل العبارات حول الصلح و التفاهم مع البرجوازية هي مجرد لغو خالص" (مجلد 27،  326).

اتخذت رأسمالية الدولة في روسيا عدة أشكال مثل التعاونيات، و تنازلت للرأسمال الأجنبي على بعض الأنشطة الاقتصادية ... كل هذه الأشكال تم جعلها ضرورية نظرا لوضع روسيا (فوضى و هيمنة عنصر البورجوازية (الصغيرة). أما في الصين فقد استعملت أشكال أخرى.

أخيرا في روسيا كما في الصين، فقد تم تجريد البورجوازية من ممتلكاتها و هذا هو المهم.  بدون شك، فإن كل أشكال الأخطاء كان لابد أن تقع في سيرورة ثورية من ذلك الحجم في بلدان بورجوازية صغيرة بشكل كبير، لكن أي نطاق عملي يمكن أن يكون لحكم أولئك اللذين يجدون أنه بالتأكيد أن هذا لم يتم بالسرعة الكافية؟ أو اللذين يجدون "انتهازيا" كون أن البروليتاريا لم تجرد البورجوازية الوطنية ب"حزم".

إن آخر تحذلق، أن يتم الاندهاش من كون "موظفين بورجوازيين" يستمرون في إدارة الصين بعد 1949، أو تستمر البورجوازية الوطنية في المساهمة في تدبير الاقتصاد بعد الاستيلاء على السلطة. من هم أولئك الآخرين اللذين يمكن للبروليتاريا أن تضعهم في مكانها؟ إن موقفا "حازما" لا يمكن قياسه بمقياس "شيوعية نقية"، إنها تقاس بقدرة الشيوعيين على تحويل العالم، بتبني إجراءات ملائمة لواقعهم الملموس، و هذه الإجراءات يمكن أن تكون تراجعات ظرفية، توافقات أو هجومات "حازمة" حسب الظروف، لكن الذي يهم هو اتجاه السير و ليس هذا أو ذاك الانعراج الذي تفرضه الظروف.

لقد أشرنا إلى أن التحويل الاشتراكي للصين كان نتيجة هيمنة البروليتاريا في الثورة، و كانت حقيقة لا مراء فيها، يمكن التحقق منها بسهولة في الوثائق التي نتوفر عليها. أما أنفير خوجة فيعني أن "الصين لم تتقدم أبدا في الطريق الصحيح للثورة الاشتراكية"، و للخروج من التناقض بين حقيقة راسخة و منطقه فقد كتب في ص 448 :

"بعد التحرير كانت الصين مسرحا لتحولات إيجابية متعددة، فقد تمت تصفية السيطرة الامبريالية الأجنبية و كبار الملاكين العقاريين، تمت محاربة الفقر و البطالة، تمت مباشرة سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية و الاجتماعية لصالح الجماهير العمالية، تم النضال ضد التأخر في ميدان التربية و الثقافة، اتخاذ مجموعة من الإجراءات لبناء البلاد التي دمرتها الحرب، و قد تم كذلك تحقيق بعض التحولات ذات طبيعة اشتراكية. في الصين، حيث كان الناس في الماضي يموتون من المجاعة بالملايين، فهذا الشر ضمن شرور أخرى تم القضاء عليه، هذه هنا وقائع لا نقاش فيها و انتصارات هامة للشعب الصيني".

دعونا نعجب بهذه الانتصارات المنسوبة إلى "نحن" و للشعب الصيني وحده، لكن يتم إنكارها كبرهان على صحة قيادة الحزب الشيوعي الصيني و قيادة ماو. دعونا نعجب بهذه الانتصارات المعروضة في نهاية الصفحة، ولكن هي حميدة (غير ضارة) أو "عادية" و لا تدخل في شيء كعنصر في منطق (تحليل) أنفير خوجة. إذن، يجب إعطاء تفسير لنا عن كيف يمكن لمثل هذه الانتصارات في بلد كالصين تحقيقها تحت قيادة خط انتهازي، لمنظر معادي للماركسية:

"إن المفاهيم السياسية و الإيديولوجية غير الماركسية الانتقائية البورجوازية لماو تسي تونغ، قدمت للصين المحررة بنية تحتية غير مستقرة، تنظيم دولتي و اقتصادي فوضوي، الذي لم ينجح أبدا في أن يستقر. لقد وجدت الصين نفسها في اضطراب مستمر بل فوضوي، الاضطراب الذي شجع عليه ماو تسي تونغ نفسه بشعاره "يجب الإزعاج من أجل التوضيح"".

فكيف لبنية تحتية بهذا الشكل، إلخ ... أن تنتج هذا الكم من النجاح و الانتصارات؟ لماذا يسعى أنفير خوجة إلى إنكار الوقائع الأكثر بديهية من أجل دعم لائحة اتهامه ضد ماو تسي تونغ وضد الحزب الشيوعي الصيني؟

سنرى أن موقفا مثل هذا يغطي مواقف نظرية و سياسية انتهازية بشكل صريح.

في نظرنا لأنه يعطي أهمية حاسمة ل الأشكال"، التي يكون بعضها نقي و بعضها غير نقي، لأنه لا يفهم منعرجات صراع الطبقات المعقد ، الذي جرى في الصين، من أجل الوصول إلى التحويل الاشتراكي، كذلك، فإن أغلب تحليلاته تتعارض مرارا مع الأساليب المفترض أنها "جدرية" مع أساليب أخرى تعتبر "لبرالية" أو انتهازية، بدون أن يدخل في أي وقت من الأوقات الحقيقة و الوقائع في تحليله، و أيضا من أجل التغطية على ضعف براهينه، التي يقترحها بدون انقطاع على القارئ، أن الصين كان يمكن أن تكون فوضى واسعة حقيقة غامضة من المستحيل الإمساك بها.

ترجمة: جميلة صابر

يتبع بحلقة رابعة