Ok
En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.
Aller au contenu
Le Centre Marxiste-Léniniste d'Etudes, de Recherches et de Formation
الـشــرارة
من الشرارة يولد اللهيب
الشرارة، الأداة النظرية للمركز الماركسي ــ اللينيني
للدراسات و الأبحاث و التكوين
لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية
من أجل خط ثوري ماركسي ــــ لينيني
مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية
لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية
أهمية سلاح النظرية في بناء الحزب البلشفي
وقيادة الثورة الاشتراكية العظمى في روسيا
(سلسلة ملخصات و مقالات حول أهمية النصوص اللينينية
التي ساهمت في بناء الحزب الاشتراكي الديموقراطي العمالي البلشفي الروسي)
المرحلة الثانية : 1912 –1924
ملخص كتاب " مرض "اليسارية" الطفولي في الشيوعية"
المؤلف: فلاديمير إيليتش لينين.
في بتروغراد، شهر أبريل 1920
عن دار الدولة للطبع والنشر.
الجزء الثاني
بقلم حمو خالد
6) هل ينبغي أن يعمل الثوريون في النقابات الرجعية؟
يعتبر «اليساريون» هذا الأمر مفروغاً منه، وهو أن الجواب على هذا السؤال سلبي دون قيد أو شرط. ففي رأيهم أن الخطب والهتافات الحانقة ضد النقابات «الرجعية» و«المضادة للثورة» كافية (ويعلل ذلك ك. هورنر «بوقار» خاص وبلادة خاصة) «لإثبات» عدم ضرورة وحتى عدم جواز عمل الثوريين الشيوعيين في النقابات الصفراء والنقابات الاشتراكية-الشوفينية والتوفيقية ونقابات ليغين والنقابات المضادة للثورة.
ولكن مهما وثق «اليساريون» الألمان من ثورية مثل هذا التكتيك، فإنه في الواقع خطأ من الأساس، وأنه لا يتضمن سوى عبارات جوفاء.
ولشرح ذلك، يقول لينين:
" أبدأ من تجربتنا، وفقا للخطة العامة لهذه المقالة التي هدفها هو أن يطبق على أوروبا الغربية ما في تاريخ البلشفية وتكتيكها المعاصر من أمور شاملة التطبيق وذات أهمية للجميع وإلزامية للجميع.
إن الرأسمالية تترك للاشتراكية، لا محالة، ميراثاً هو، من جهة، الفوارق القديمة المهنية والحرفية الناشئة خلال القرون بين العمال، ومن جهة أخرى، النقابات التي لا يمكنها أن تتطور، ولن تتطور إلاّ بشكل بطيء جداً، طوال سنوات عديدة، إلى نقابات إنتاجية أكثر اتساعاً، وأقل اتساماً بروح الحرفية (وتحتضن صناعات بكاملها، لا طرائف الحرفيين والحرف والمهن وحدها) ثم بعد ذلك، وعن طريق هذه النقابات الانتاجية، يجري الانتقال إلى القضاء على تقسيم العمل بين الأفراد، وإلى تربية وتعليم وإعداد أناس متطورين من جميع النواحي ومتعلمين من جميع النواحي، أي أناس قادرين على عمل كل شيء. إن الشيوعية تسير نحو هذا الهدف، ويجب أن تسير نحوه، وستدركه، ولكن بعد سنوات طوال، إلاّ أن محاولة التوصل عملياً اليوم إلى ما هو حصيلة للشيوعية المتطورة تماماً، والراسخة تماماً، والمكتملة والناضجة تماما، إنما هي بمثابة محاولة تعليم الرياضيات العالية من الرابعة من العمر.
إن بإمكاننا (ويجب علينا) أن نشرع في بناء الاشتراكية ليس من مادة بشرية خيالية، أو من مادة نوجدها خصيصاً، بل من تلك التي أورثتنا إياها الرأسمالية. حتما، إن ذلك «عسير» للغاية، ولكن أي موقف آخر من حل المهمة سيكون موقفاً غير جدي إلى حد أنه لا يستحق حتى الحديث عنه.
كانت النقابات في مستهل تطور الرأسمالية تقدماً هائلاً للطبقة العاملة، على اعتبارها انتقالاً من تشتت وعجز العمال إلى باكورة اتحادهم الطبقي. وعندما أخذ ينشأ أعلى أشكال اتحاد البروليتاريين الطبقي، ونعني حزب البروليتاريا الثوري (الذي لن يستحق هذه التسمية إلاّ إذا أجاد جمع الزعماء والطبقة والجماهير في كل واحد لا يتجزأ)، بدأ يظهر لدى النقابات، لا محالة، بعض من السمات الرجعية، وبعض من الضيق الحرفي، وميل نحو اللامبالاة في السمات الرجعية، وميل نحو اللامبالاة في السياسة، وبعض من التحجر الخ.. لكن تطور البروليتاريا لم يجر وما كان ممكناً أن يجري في أي مكان في العالم إلاّ عن طريق النقابات، عن طريق تفاعلها مع حزب الطبقة العاملة. إن ظفر البروليتاريا بالسلطة السياسية هو خطوة هائلة إلى الأمام تقطعها البروليتاريا كطبقة، ولذا يجب على الحزب أكثر من السابق أن يربي النقابات، لا بالطريقة القديمة وحدها، بل وبطريقة جديدة، وان يقودها، وألا ينسى، إلى جانب ذلك، أن النقابات تبقى وستبقى لزمن مديد «مدرسة للشيوعية» لا بد منها، مدرسة لإعداد البروليتاريا لأجل تحقيق ديكتا توريتها، اتحادا ضرورياً للعمال من أجل تأمين انتقال زمام ادارة كامل اقتصاد البلاد انتقالاً تدريجياً إلى يد الطبقة العاملة (لا بعض المهن)، ثم إلى أيدي الكادحين جميعاً.
إن «رجعية» النقابات لحدما، بالمعنى المذكور، هي أمر لا مناص منه في ظل ديكتاتورية البروليتاريا. وعدم فهم هذه الحقيقة يعني عدم الادراك التام للشروط الأساسية للانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية. والخوف من هذه «الرجعية»، ومحاولة تحاشيها، وتخطيها حماقة كبرى، لأن هذا يعني الخوف من ذلك الدور الذي يقع على عاتق الطليعة البروليتارية والذي يتلخص في تعليم وتثقيف الفئات والجماهير الأكثر تأخراً من الطبقة العاملة والفلاحين وفي تربيتها واجتذابها إلى الحياة الجديدة. ومن الجهة الأخرى، إن إرجاء تحقيق ديكتاتورية البروليتاريا إلى حين لا يبقى عامل واحد ذو ميول مهنية ضيقة، أو عامل واحد ذو أوهام حرفية وتريديونيونية، هو خطأ أفدح أيضاً. إن فن السياسة (وفهم الشيوعي فهماً صحيحاً لواجباته) يتلخص بالضبط في التحديد الصائب للظرف واللحظة اللذين تستطيع فيهما طليعة البروليتاريا أن تقبض على زمام السلطة بنجاح، وتستطيع أن تحظى أثناء ذلك وبعد ذلك بالتأييد الكافي من الوساطة الواسعة لدرجة كافية من الطبقة العاملة والجماهير الكادحة غير البروليتارية، وتستطيع بعد ذلك أن تحفظ وتعزز وتوسع سيطرتها، إذ تربي وتعلم وتجتذب جماهير أوسع فأوسع من الكادحين.
كما أن النضال ضد «الأرستوقراطية العمالية» إنما نشنه باسم جماهير العمال ومن أجل استمالتها إلى جانبنا، والنضال ضد الزعماء الانتهازيين والاشتراكيين-الشوفينيين إنما نشنه بغية استمالة الطبقة العاملة إلى جانبنا. فمن الحماقة نسيان هذه الحقيقة البسيطة والواضحة للغاية بحد ذاتها. وهذه الحماقة بالذات يرتكبها الشيوعيون الألمان «اليساريون» الذين يخلصون، منطلقين من رجعية القمة المترأسة في النقابات وعدائها للثورة، إلى القول… بالخروج من النقابات!! وبالامتناع عن العمل فيها!! وبإنشاء أشكال جديدة، مصطنعة لتنظيم العمال!! وهذه حماقة لا تغتفر إذ تضارع أعظم خدمة يمكن أن يقدمها الشيوعيون للبرجوازية.
7) هل يجب الاشتراك في البرلمانات البرجوازية؟
يجيب الشيوعيون «اليساريون» الألمان بمنتهى الاستخفاف، وبنزق ما بعده نزق، على هذا السؤال جواباً سلبياً. فما هي حججهم؟ لقد جاء في الفقرة المقتبسة المذكورة أعلاه ما يلي:
«...يجب بكل حزم رفض أية عودة إلى طريق النضال البرلمانية التي ولى عهدها تاريخياً وسياسياً…».
يجيب لينين ويوضح:
"إن هذا الزعم متعجرف إلى حد يدعو للضحك، كما أنه خاطئ بشكل بيّن. «العودة» إلى البرلمانية! هل قامت جمهورية سوفييتية في ألمانيا يا ترى؟ كلا، حسبما يبدو! فكيف إذن يمكن الحديث عن «العودة»؟ أليس ذلك مجرد عبارة جوفاء؟
البرلمانية قد «ولى عهدها تاريخياً». إن هذا صحيح من ناحية الدعاية. ولكن كل واحد يعلم أنه شتان ما بين هذا وبين التغلب على البرلمانية عملياً. فمنذ عشرات السنين كان من الممكن، ومع أتم الحق، أن يقال أن الرأسمالية «قد ولى عهدها تاريخياً» ولكن هذا لا ينفي قط ضرورة شن نضال مديد جداً وعنيد للغاية في صعيد الرأسمالية. إن البرلمانية قد «ولى عهدها تاريخيا» من وجهة نظر التاريخ العالمي، أي بمعنى أن عهد البرلمانية البرجوازية قد انطوى، وأن عهد ديكتاتورية البروليتاريا قد بدأ. هذا ما لا جدال فيه، بيد أن الحساب على الصعيد التاريخي العالمي يجري بعشرات السنين.
هل البرلمانية قد «ولى عهدها سياسياً»؟ هذه قضية أخرى. فلو كان ذلك صحيحاً لكان موقف «اليساريين» وطيداً. غير أن هذا ما ينبغي إثباته بتحليل جدي، بينما «اليساريون» لا يعرفون حتى كيف يتناولون هذا التحليل.
أولاً، إن «اليساريين» الألمان، كما هو معروف، قد اعتبروا، حتى منذ يناير 1919، أن البرلمانية قد «ولى عهدها سياسياً»، وذلك بالرغم من رأي قائدين سياسيين مرموقين كروزا لوكسمبورغ وكارل ليبكنخت.
إن هذا القول، حسب كل الدلائل، مفرط في التعميم والمبالغة. لكن الحقيقة الأساسية الواردة هنا لا جدال فيها، واعتراف «اليساريين» بها هو شهادة بينة للغاية على خطئهم. إذ كيف يمكن أن يزعموا أن «البرلمانية قد ولى عهدها سياسياً»، إذا كانت «الملايين» و«الفيالق» من البروليتاريين لا تزال تؤيد البرلمانية بوجه عام، وليس هذا وحسب، بل أنها أيضاً «معادية للثورة» مباشرة!؟ واضح أن البرلمانية في ألمانيا لما يول عهدها سياسياً. وواضح أن «اليساريين» في ألمانيا قد اعتبروا رغبتهم وموقفهم السياسي والفكري واقعاً موضوعيا. وهذه هي أخطر غلطة يرتكبها الثوريون.
ثانيا، يسهب الشيوعيون «اليساريون» في الأقوال الطيبة بحقنا نحن البلاشفة. وبودي أحيانا أن أقول: حبذا لو قللتم من كيل المديح لنا، وأكثرتم من التمعن في تكتيك البلاشفة ومن التعرف به! لقد اشتركنا نحن في انتخابات البرلمان البورجوازي الروسي - الجمعية التأسيسية- في سبتمبر- نوفمبر سنة 1917. فهل كان تكتيكنا صحيحاً أم لا؟ فإذا لم يكن صحيحاً، ينبغي أن يقولوا ذلك بوضوح وتثبتوه، فذلك أمر ضروري من أجل وضع تكتيك صحيح من قبل الشيوعية العالمية. وإذا كان صحيحاً، فينبغي أن تستنتجوا من ذلك عبراً معينة. بديهي أنه لا يمكن أبداً اعتبار الظروف في روسيا والظروف في أوروبا الغربية متساوية. ولكن فيما يتعلق بالمسألة الخاصة، مسألة ماذا يعني مفهوم أن «البرلمانية قد ولى عهدها سياسياً» لا بد من مراعاة تجربتنا مراعاة دقيقة، إذ أن مثل هذه المفاهيم تتحول بسهولة كبيرة جداً، في حال عدم مراعاة التجربة الملموسة، إلى عبارات جوفاء. أفلم يكن من حقنا، نحن البلاشفة الروس، في سبتمبر- نوفمبر سنة 1917، أكثر من أي من الشيوعيين الغربيين، أن نعتبر البرلمانية في روسيا قد ولى عهدها سياسياً؟ بالطبع كان ذلك من حقنا، لأن القضية ليست في كون البرلمانات البرجوازية موجودة من أمد بعيد أو قريب، بل في مقدار استعداد الجماهير الغفيرة الكادحة (استعداداً فكريا وسياسياً وعملياً) لقبول النظام السوفييتي وحل (أو السماح بحل) البرلمان البرجوازي الديموقراطي.
الاستنتاج من ذلك لا جدال فيه إطلاقا: فلقد ثبت أن الاشتراك في البرلمان البرجوازي الديموقراطي، حتى لبضعة أسابيع قبل انتصار الجمهورية السوفييتية، وحتى بعد هذا الانتصار، لا يضر البروليتاريا الثورية، بل يسهل لها إمكانية أن تثبت للجماهير المتأخرة لماذا تستوجب هذه البرلمانات الحل، وهو يسهل النجاح في حلها، ويسهل «إزالة» البرلمانية البرجوازية «سياسيا». إن عدم أخذ هذه التجربة بعين الاعتبار، والادعاء في ذات الوقت بالانتماء إلى الأممية الشيوعية، التي ينبغي أن تضع تكتيكها أممياً (لا تكتيك وطني ضيق وذي جانب واحد، بل بالضبط كتكتيك أممي)، يعني ارتكاب أفحش غلطة، والتراجع عن الأممية فعلاً، مع الاعتراف بها قولاً.
وبعد الحديث عن اليسراوية الألمانية يتطرق لينين إلى شقيقتها الهولندية:
"والآن فلنلق نظرة على الحجج «اليسارية الهولندية» تأييداً لعدم الاشتراك في البرلمانات، إليكم ترجمة (عن الانجليزية) لأهم موضوعة من الموضوعات «الهولندية» المذكورة أعلاه، ونعني بها الموضوعة الرابعة:
«عندما يكون تحطيم نظام الانتاج الرأسمالي قد تم ويكون المجتمع في حالة الثورة، يفقد النشاط البرلماني بالتدريج أهميته بالقياس إلى نشاط الجماهير نفسها. وعندما يصبح البرلمان، في مثل هذه الظروف، مركز العداء للثورة وهيئته، بينما الطبقة العاملة تصنع، من الجهة الأخرى، أداة سيطرتها بشكل السوفييتات، قد يكون حتى من الضروري الامتناع عن كل اشتراك أيا كان في النشاط البرلماني».
إن الجملة الأولى غير صحيحة بشكل بين، لأن أعمال الجماهير، كالإضراب الكبير مثلا، هي أهم من النشاط البرلماني على الدوام، وليس فقط في زمن الثورة أو في حالة توفر الوضع الثوري. إن هذه الحجة البينة بطلانها، وغير الصحيحة من الوجهة التاريخية والسياسية، تبين بوضوح خاص أن واضعي هذه الموضوعات لا يأبهون أبداً لا للتجربة الأوروبية العامة (الفرنسية قبيل ثورتي سنتي 1848 و1870، والألمانية لسنوات 1878-1890، وغير ذلك) ولا للتجربة الروسية (راجع ما ذكر أعلاه) فيما يخص أهمية الجمع بين النضال العلني والسري.
والجملة الثانية هي:
- أولاً، غير صحيحة تاريخياً، فلقد اشتركنا نحن البلاشفة في أشد البرلمانات عداء للثورة، وقد برهنت التجربة أن مثل هذا الاشتراك لم يكن مفيدا وحسب، بل كان ضرورياً أيضاً لحزب البروليتاريا الثورية، بالضبط بعد الثورة البرجوازية الأولى في روسيا (1905) من أجل التحضير للثورة البرجوازية الثانية (فبراير 1917)، وبعد ذلك للثورة الاشتراكية (اكتوبر 1917).
- ثانيا، إن هذه الجملة غير منطقية لحد مدهش. فمن واقع أن البرلمان يصبح هيئة العداء للثورة و«مركزه» (ونذكر عرضا أن البرلمان لم يكن في الواقع قط «مركزا» ولا يمكنه أن يكونه)، وأن العمال ينشئون أداة سلطتهم بشكل السوفييتات، ينجم أن العمال ينبغي أن يستعدوا، فكرياً وسياسياً وفنياً، لنضال السوفييتات ضد البرلمان، ولحل البرلمان من جانب السوفييتات. غير أنه لا ينجم من هذا أبداً أن وجود معارضة سوفييتية داخل البرلمان المعادي للثورة يعيق مثل هذا الحل، أو أنه لا يسهله. إننا لم نلحظ ولا مرة، أثناء نضالنا المظفر ضد دينيكين وكولتشاك، أن وجود معارضة سوفييتية بروليتارية في معسكرهما كان أمراً لا شأن له في انتصاراتنا. إننا نعرف خير معرفة أن وجود المعارضة السوفييتية، سواء منها المعارضة البلشفية الراسخة أو معارضة الاشتراكيين-الثوريين اليساريين المتقلقلة، في داخل الجمعية التأسيسية المعادية للثورة، المقرر حلها، لم يعسر علينا تحقيق حل هذه الجمعية التأسيسية في 5 يناير سنة 1918 بل سهله.
صحيح أنه بدون هذه الروحية، لا يمكن تطبيق التكتيك الثوري في العمل؛ إلاّ أننا في روسيا قد اقتنعنا على أساس تجربة مديدة للغاية، وشاقة، ودامية، بحقيقة أنه يستحيل بناء تكتيك ثوري على الروحية الثورية وحدها. يجب أن يقوم التكتيك على حساب دقيق وموضوعي تماماً لجميع القوى الطبقية في الدولة المعنية (والدول المحيطة بها، وجميع الدول في المجال العالمي) وكذلك على مراعاة تجربة الحركة الثورية.
إن إيجاد كتلة برلمانية ثورية حقاً في البرلمانات الأوروبية، لهو طبعاً أمر أصعب بكثير منه في روسيا. ولكن هذا ليس إلاً تعبيراً جزئياً عن الحقيقة العامة القائلة بأنه كان من السهل لروسيا في ظروف سنة 1917 الملموسة، أن تبدأ الثورة الاشتراكية، بينما الاستمرار بالثورة والسير بها حتى النهاية سيكونان أصعب على روسيا منهما على البلدان الأوروبية. لقد تسنى لي في بداية سنة 1917 أن أشير إلى هذا الأمر، وتجربتنا خلال سنتين مضتا بعد ذلك قد أكدت صحة هذا الرأي كل التأكيد. ومثل هذه الظروف الخاصة، كانت كما يلي:
+ إمكانية الجمع بين الانقلاب السوفييتي وبين إنهاء الحرب الامبريالية التي انتهت بفضله والتي كانت قد أنهكت العمال والفلاحين لدرجة لا تصدق.
+ إمكانية الاستفادة، بعض الوقت، من الصراع المميت بين مجموعتي الضواري الإمبرياليين ذوي الجبروت العالمي الذين لم يكن باستطاعتهما أن تتحدا ضد العدو السوفييتي.
+ إمكانية تحمل حرب أهلية طويلة نسبياً، ومن أسباب ذلك أبعاد البلد الهائلة ورداءة وسائط النقل.
+ توفر الحركة الثورية البرجوازية الديموقراطية في أوساط الفلاحين العميقة إلى حد أن حزب البروليتاريا أخذ المطالب الثورية عن حزب الفلاحين (الحزب الاشتراكي-الثوري الذي كان في أكثريته على أشد العداء للبلشفية)، وحققها فورا بفضل ظفر البروليتاريا بالسلطة السياسية.
8) هل من الصحيح القول: لا مساومة أبداً؟
إليكم ما كتبه إنجلس في سنة 1874 ضد الثلاثة والثلاثين كومونياً من أشياع بلانكي: «كتب الكومونيون البلانكيون في بيانهم يقولون: «… نحن شيوعيون لأننا نريد أن نتوصل إلى هدفنا بدون أن نتوقف في المحطات الانتقالية، ودون أن نلجأ إلى المساومة التي لا تؤدي إلاّ إلى إبعاد يوم الانتصار وإطالة عهد العبودية».
ثم إليكم ما استخلصه لينين:" إن الشيوعيين الألمان هم شيوعيون، لأنهم من خلال جميع المحطات الانتقالية والمساومات التي لم ينشئوها هم، بل أنشأها مجرى التطور التاريخي، يرون الهدف النهائي بوضوح ويقتفونه باستمرار، وهذا الهدف هو إلغاء الطبقات وإنشاء نظام اجتماعي لا يبقى فيه مكان للملكية الخاصة للأرض ولجميع وسائل الإنتاج. أمّا البلانكيون الثلاثة والثلاثون فهم شيوعيون لأنهم يتصورون أنهم ما داموا يريدون القفز من فوق المحطات الانتقالية والمساومات فإن الأمور ستكون على ما يرام، وأنه إذا «بدأت الثورة» في هذه الأيام، وهو ما يثقون به جازمين، ووقعت السلطة في أيديهم، فإن «الشيوعية ستتحقق» في اليوم الثاني. ومن هنا ينجم أنه إذا استحال عمل ذلك على الفور، فإنهم ليسوا إذاً شيوعيين".
«إنها لسذاجة صبيانية يقول لينين، أن يجعل المرء من جزئه الشخصي برهاناً نظرياً!».
ومن الطبيعي أن يبدو للثوريين الأحداث جدا والعديمي التجربة، وكذلك للثوريين البرجوازيين الصغار، وحتى للمقدمين منهم في السن والكثيري التجربة، أن «السماح بالمساومات» هو أمر «خطر» للغاية وغريب وغير صحيح. وهناك كثيرون من السفسطائيين (من المتسيسة «ذوي التجارب» المفرطة) يفكرون تماماً كما يفكر زعماء الانتهازية الإنجليز الذين ذكرهم الرفيق لنسبري، إذ يقولون: «إذا كانت تجوز للبلاشفة هذه المساومة أو تلك، فلم لا يجوز لنا أن نقدم على أية مساومة كانت؟». ولكن البروليتاريين الذين ترعرعوا في الإضرابات العديدة (ولنأخذ فقط هذه الظاهرة من النضال الطبقي) يفهمون عادة فهماً حسناً كل عمق الحقيقة (الفلسفية والتاريخية والسياسية والنفسية) التي شرحها إنجلس. إن كل بروليتاري قد اجتاز الاضرابات، واجتاز «مساومات» مع الظالمين والمستثمرين الممقوتين، وذلك حين كان يترتب على العمال أن يعودوا إلى العمل وهم لم يحصلوا على شيء مطلقاً، أو أنهم يوافقون على تلبية مطالبهم بصورة جزئية. إن كل بروليتاري يلاحظ، بحكم ظروف النضال الجماهيري واشتداد وتوتر التناقضات الطبقية التي يعيش فيها، الفرق بين مساومة تفرضها الظروف الموضوعية (كالعجز في صندوق الإضراب، وعدم المؤازرة من الغير، واشتداد الجوع والاعياء إلى أقصى حد لدى المضربين) - مساومة لا تنتقص بأي مقدار من الإخلاص الثوري والاستعداد للمضي في النضال من جانب العمال الذين أقدموا على مثل هذه المساومة، وبين مساومة أخرى، مساومة الخونة الذين يلقون على العلل الموضوعية جريرة أنانيتهم (وكاسري الإضرابات أيضاً يقدمون على «مساومات»!) وجريرة جبنهم ورغبتهم في التزلف إلى الرأسماليين، ووهنهم إزاء التهويل، وأحيانا إزاء الإقناع، وأحياناً إزاء الصدقات، وأحيانا إزاء مداهنات الرأسماليين (ومساومات الخونة هذه كثيرة على الخصوص في تاريخ الحركة العمالية الإنجليزية، وقد أجراها زعماء النقابات الإنجليزية، ولكن جميع العمال تقريبا في جميع البلدان قد شاهدوا نظائر هذه الظاهرة بشكل من الأشكال).
ومن هذا المنطلق يؤكد لينين على أنه ينبغي أن يكون عقل المرء سليماً لكيما يستطيع تحليل كل حالة على حدة:
"إن أهمية المنظمة الحزبية والزعماء الحزبيين الخليقين بهذا اللقب تنحصر، بالذات، في أن يعملوا، عن طريق الجهود المديدة الدائبة المتنوعة الشاملة التي تبذلها جميع القوى المفكرة في طبقة معينة، لإيجاد المعرفة اللازمة، والخبرة اللازمة، وعدا هاتين، الحدس السياسي اللازم، لكي ما تحل المسائل السياسية المعقدة حلا سريعا وصحيحاً. وليس كما يتصور السذج والعديمو التجربة من الناس، بالقول أنه يكفي الاعتراف بجواز المساومات بوجه عام، حتى تزول الحدود الفاصلة بين الانتهازية التي نشن نحن عليها، بل ويجب أن نشن عليها، نضالاً لا هوادة فيه، وبين الماركسية الثورية أو الشيوعية. ولكن ما دام هؤلاء الناس لم يعرفوا بعد أن جميع الحدود الفاصلة، سواء في الطبيعة أو في المجتمع، هي حدود متحركة، وأنها نسبية لدرجة معينة، فإن من المستحيل مساعدتهم إلا عن طريق تثقيفهم وتربيتهم وتهذيبهم زمناً طويلاً وعن طريق التجربة في السياسة وفي الحياة. المهم أن يستطيع المرء، عند كل لحظة تاريخية معينة أو خاصة، ان يميز بين المسائل العلمية في السياسة تلك المسائل التي يظهر فيها الشكل الرئيسي من المساومات غير الجائزة والغادرة، المساومات التي هي مظهر للانتهازية المهلكة للطبقة الثورية، وأن يوجه جميع الجهود لتبيانها ومكافحتها.
إن الخوف من «المساومة» مع هذا الجناح من الحزب أمر مضحك تماماً. فإن الشيوعيين، بالعكس، ملزمون بأن يبحثوا ويجدوا الشكل الملائم للمساومة معهم، مساومة تسهل، من جهة، الاندماج التام الضروري مع هذا الجناح وتعجل فيه، ومن الجهة الأخرى لا تعيق الشيوعيين مطلقا عن نضالهم الفكري السياسي ضد الجناح اليميني الانتهازي «للمستقلين». من المحتمل ألاّ يكون إيجاد الشكل الملائم للمساومة أمراً هيناً، فالدجال وحده بإمكانه أن يعد العمال والشيوعيين الألمان بأن يكون طريق النصر طريقا «هيناً».
لأنه كم يقول لينين: لا تكون الرأسمالية رأسمالية إذا لم تكن البروليتاريا «الصرف» محاطة بجمهرة من العناصر الانتقالية المتنوعة تنوعا خارقا، من البروليتاريين إلى أشباه البروليتاريين (أولئك الذين يحصلون على نصف وسائل عيشهم من بيع قوت عملهم)، ومن أشباه البروليتاريين إلى الفلاحين الصغار (والحرفيين الصغار وأصحاب الملكية الصغار بوجه عام). ومن الفلاح الصغير إلى الفلاح المتوسط وهكذا دواليك، وإذا لم تكن البروليتاريا نفسها منقسمة في داخلها إلى فئات أكثر تطوراً أو أقل تطوراً، ومنقسمة حسب مناطق الاستيطان، والمهنة، والدين أحيانا الخ. ومن كل هذا تنشأ ضرورة مطلقة، ضرورة لجوء طليعة البروليتاريا، وقسمها الواعي، أي الحزب الشيوعي، إلى مناورات التوفيق والمساومات مع مختلف فئات البروليتاريين، ومع مختلف أحزاب العمال وصغار أصحاب الملكية. وجوهر القضية كله يتلخص في معرفة كيفية تطبيق هذا التكتيك، لرفع المستوى العام لوعي البروليتاريا وثوريتها وقدرتها على النضال وعلى الانتصار، لا النزول بذلك المستوى. وتجدر الإشارة عرضاً إلى أن انتصار البلاشفة على المناشفة قد تطلب ليس فقط قبل ثورة أكتوبر 1917، بل بعدها كذلك، تطبيق تكتيك المناورات والتوفيق والمساومات، ولكن، من البديهي، تلك التي منها تسهل أمر البلاشفة وتعجل بتحقيقه وتوطد موقعهم وتقويتهم على حساب المناشفة.
و يؤكد لينين قائلا: "إن نظريتنا ليست عقيدة جامدة، بل مرشد للعمل "هكذا قال ماركس وإنجلس- وإن أفدح غلطة وأبشع جريمة ارتكبها الماركسيون «من الماركة المسجلة»، أمثال كارل كاو تسكي وأوتو باور ومن في شاكلتهم، هو أن هؤلاء لم يفهموا هذا الأمر ولم يستطيعوا تطبيقه في اللحظة الفاصلة من ثورة البروليتاريا".
9) الشيوعية «اليسارية» في انجلترا
لا يوجد بعد في إنجلترا حزب شيوعي، لكن هناك بين العمال حركة شيوعية يانعة وواسعة وقوية ونامية بسرعة، تعطينا الحق في أن نبني عليها أزهى الآمال. هناك بضعة أحزاب ومنظمات سياسية («الحزب الاشتراكي البريطاني»، و«حزب العمال الاشتراكي»، و«الجمعية الاشتراكية في ويلس الجنوبية». و«اتحاد العمال الاشتراكي»، ترغب في إنشاء حزب شيوعي، وها هي تقوم فيما بينها بمفاوضات في هذا الصدد.
ولكن ما يظهرهو أن احدى العقبات الرئيسية في سبيل المبادرة في الحال إلى إنشاء حزب شيوعي موحد هي الاختلاف حول مسألة الاشتراك في البرلمان، وحول انضمام الحزب الشيوعي الجديد إلى «حزب العمال» القديم القائم على المبدأ المهني، الانتهازي والاشتراكي-الشوفيني الذي يتألف بمعظمه من التريديونيونات. إن «اتحاد العمال الاشتراكي» و«حزب العمال الاشتراكي» سواء بسواء يعارضان الاشتراك في الانتخابات البرلمانية وفي البرلمان، ويعارضان الانضمام إلى «حزب العمال»، وهما في هذا الصدد يختلفان مع جميع أو أغلبية أعضاء الحزب الاشتراكي البريطاني الذي يعتبرانه «الجناح اليميني للأحزاب الشيوعية» في إنجلترا.
تستشهد الرفيقة سيلفيا بانكهورست في مسألة الاشتراك في البرلمان بمقالة نشرت في العدد نفسه للرفيق وليم غالاخر الذي يكتب باسم «مجلس العمال الأسكوتلندي» في غلاسغو:
"إن جمهور أعضاء حزب العمال المستقل في سكوتلنده يزدادون اشمئزازاً من فكرة البرلمان يوما عن يوم، وأما السوفييتات (وقد كتبت هذه الكلمة الروسية بالأحرف الإنجليزية) أو مجالس العمال فتجد التأييد تقريبا من جميع الفروع المحلية. وبديهي أن يكون لهذا الأمر أهمية خطيرة للغاية عند أولئك السادة الذين يعتبرون السياسة وسيلة للتكسب (كحرفة)، ولذا يلجؤون إلى مختلف الوسائل لإقناع أعضاء منظمتهم بأن يعودوا القهقرى إلى أحضان البرلمانية. يجب على الرفاق الثوريين ألاّ يقدموا أية مساعدة إلى هذه العصابة. إن نضالنا هذا سيكون نضالاً عسيراً. وأن من أسوأ ما يتصف به هو خيانة أولئك الذين تكون مطامعهم الخاصة دافعاً عندهم أقوى من اهتمامهم بالثورة. إن أي تأييد للبرلمانية ليس إلاّ مجرد مساعدة لوضع السلطة في أيدي أمثال شيدمان ونوسكيه البريطانيين. وأن هنديرسون وكلاينس (Clynes) وشركاهم هم رجعيون لا أمل فيهم. أمّا حزب العمال المستقل الرسمي، فهو صائر أكثر فأكثر تحت نفوذ الليبراليين البرجوازيين، الذين وجدوا مأواهم الروحي في معسكر السادة ماكدونالد وسنودن وشركاهما. إن حزب العمال المستقل الرسمي عدو لدود للأممية الثالثة، أمّا القاعدة فتؤيدها. إن أي تأييد للانتهازيين البرلمانيين ليس إلاّ مجرد تصرف لمصلحة السادة المذكورين أعلاه… إن كل ما يراد هنا هو منظمة ثورية إنتاجية (صناعية) سليمة، وحزب شيوعي يعمل وفق أسس عملية محددة واضحة. فإذا كان باستطاعة رفاقنا أن يساعدونا في إنشاء تلك المنظمة وهذا الحزب، فإننا سنتقبل مساعدتهم بسرور، وإذا لم يكن باستطاعتهم ذلك فليبتعدوا كلياً، إكراما لوجه الله، ولا يتدخلوا، إذا كانوا لا يريدون خيانة الثورة بتأييدهم للرجعيين، هؤلاء الذين يحرصون كل هذا الحرص على نيل اللقب البرلماني «السامي» (؟، الاستفهام لكاتب المقال)، ويتحمسون كل هذا التحمس ليثبتوا أنهم يستطيعون إدارة الحكم بمثل التوفيق الذي يدير به «السادة» أنفسهم، أي الساسة الطبقيون».
بالنسبة ل لينين، فهذه الرسالة المرسلة إلى هيئة التحرير تعبر تعبيرا رائعاً عن نزوع ووجهة نظر الشيوعيين الشبان أو النشطاء العمال الذين شرعوا يقتربون من الشيوعية للتو. وهذا النزوع مدعاة لأعظم السرور وله قيمة كبيرة، وينبغي أن يقدر ويسند، إذ بدونه لا يرجى أمل في انتصار ثورة بروليتارية في إنجلترا، أو في أي بلد آخر أياً كان. إن الأشخاص الذين يستطيعون أن يعربوا عن نزوع الجماهير هذا، ويستطيعون أن يثيروا عند الجماهير مثل هذا النزوع، ينبغي أن يقدروا وأن تبذل لهم كل مساعدة. ولكن يجب في الوقت نفسه أن نقول لهم بصراحة، وعلى المكشوف، أن النزوع وحده لا يكفي من أجل قيادة الجماهير في نضال ثوري عظيم، وأن هذا الخطأ أو ذاك الذي يوشك أن يرتكبه أكثر الناس وفاء لقضية الثورة، أو أنهم يرتكبونه فعلاً (غالبا ما يكون خامداً وغير مدرك وغير متيقظ)، إن رسالة الرفيق غالاخر إلى هيئة التحرير تدل دون شك على بذور جميع تلك الأخطاء التي يرتكبها الشيوعيون «اليساريون» الروس في سنة 1908 وسنة 1918.
لقد أدرك كاتب الرسالة إدراكا تاما أن سوفييتات العمال وحدها بإمكانها أن تكون الوسيلة للتوصل إلى أهداف البروليتاريا، لا البرلمان. وبالطبع، إن من لا يفهم حتى الآن هذا الأمر، هو رجعي عريق، حتى ولو كان أعلم العلماء، وأحنك الساسة، وأخلص الاشتراكيين، وأكثر الماركسيين اطلاعا، وأشرف المواطنين وأرباب العائلات. غير أن كاتب الرسالة، كما يبدو، لا يأخذ بالحسبان واقع أن السياسة علم وفن لا يهبطان من السماء، ولا يحصلان دون جهد، وان البروليتاريا، إذا أرادت أن تنتصر على البرجوازية، يجب عليها أن تنشئ لنفسها ومن عندها «ساسة طبقيين» بروليتاريين، ساسة لا يقلون شأنا عن الساسة البرجوازيين، كما أن كاتب الرسالة أيضا لم يقم حتى بطرح السؤال التالي ولم تخامر فكره ضرورة طرح هذا السؤال، هو: هل يمكن السير بالسوفييتات إلى الانتصار على البرلمان دون أن ينفذ الساسة «السوفييتيون» إلى داخل البرلمان؟ ودون أن يُعمل على نسف البرلمان من الداخل؟ ودون أن يجري الاستعداد في داخل البرلمان، من أجل نجاح السوفييتات في القيام بالمهمة المطروحة أمامها، مهمة حل البرلمان؟
في حين يبدى كاتب الرسالة فكرة صحيحة جداً، وهي أن الحزب الشيوعي في بريطانيا يجب أن يعمل بموجب الأسس العلمية. فالعلم يتطلب أولاً أن تؤخذ تجربة البلدان الأخرى بالحسبان، تجتاز تجربة مماثلة جداً، أو أنها قد اجتازتها من عهد قريب. ثانيا، أن تؤخذ بالحسبان جميع القوى والجماعات والأحزاب والطبقات والجماهير، العاملة في بلد بعينه، وليس تعيين السياسة فقط على أساس الرغبات والآراء، ودرجة الوعي والاستعداد للنضال عند جماعة واحدة أو حزب واحد فقط.
أمّا أن هندرسون وكلاينس وماكدونالد وسنودن ومن لف لفهم رجعيون لا يرجى شفاؤهم، فهو أمر صحيح، وصحيح كذلك أنهم يريدون الاستيلاء على السلطة (مفضلين أثناء ذلك الائتلاف مع البرجوازية)، وأنهم يريدون «إدارة الحكم» وفق الأنظمة البرجوازية القديمة ذاتها، وأنهم حالما يصلون إلى الحكم لا بد لهم من أن يسيروا سيرة شيدمان ونوسكيه وأمثالهما. كل ذلك صحيح. غير أنه لا يستنتج منه أبداً أن دعمهم يعني خيانة الثورة، بل أن ما يستنتج من ذلك هو أن على ثوريي الطبقة العاملة أن يؤيدوا، لصالح الثورة، هؤلاء السادة، بعض التأييد البرلماني. لأن هؤلاء السادة البورجوازيين ليسو أشخاصاً ذكيين جداً فحسب، بل إنهم تعلموا كذلك من الماركسيين أشياء كثيرة. فلا عيب في أن نتعلم نحن كذلك شيئا من لويد جورج، ومنه يجب على الشيوعيين الانجليز أن يساهموا في البرلمانية، ويجب عليهم أن يساعدوا، من داخل البرلمان، جماهير العمال على أن ترى ثمار حكومة هندرسون وسنودن، كما يجب عليهم أن يساعدوا هندرسون وسنودن ومن لف لفهما ليقهروا اتحاد لويد جورج وتشرتشل. وأي تصرف آخر يعني تعسير قضية الثورة، إذ ما لم تتغير آراء أكثرية الطبقة العاملة لا يمكن أن تقوم الثورة، وهذا التغير توجده التجربة السياسية عند الجماهير، ولا توجده الدعاية وحدها بحال من الأحوال.
ويقول لينين:
"إن قانون الثورة الأساسي الذي اثبتته جميع الثورات، وخاصة جميع الثورات الروسية الثلاث في القرن العشرين، يتلخص فيما يلي: لا يكفي من أجل الثورة أن تدرك الجماهير المستغلة والمظلومة عدم إمكانية العيش على الطريقة القديمة وأن تطالب بتغييرها. إن من الضروري أيضاً لأجل الثورة أن يغدو المستغلون (بكسر الغين) غير قادرين على العيش والحكم بالطريقة القديمة. إن الثورة لا يمكن أن تنتصر إلاّ عندما تعزف «الطبقات الدنيا» عن القديم، وعندما تعجز «الطبقات العليا» عن السير وفق الطريقة القديمة".
وسأقول(لينين) بمزيد من الدقة:" يجب على الشيوعيين الإنجليز، حسب رأيي، أن يوحدوا جميع أحزابهم وفرقهم الأربع (وكلها ضعيفة جداً وبعضها في غاية الضعف) في حزب شيوعي واحد، على أساس مبادئ الأممية الثالثة، والاشتراك الإلزامي في البرلمان. وليعرض الحزب الشيوعي على هندرسون وسنودن ومن لف لفهما «مساومة»، اتفاقية انتخابية بالشكل التالي: دعنا نكافح سوية حلف لويد جورج والمحافظين، ولنقتسم المقاعد البرلمانية بنسبة عدد الأصوات الانتخابية بل بالتصويت الخاص، ثم لنحتفظ بكامل الحرية في التحريض والدعاية والنشاط السياسي. فبدون هذا الشرط الأخير، لا يجوز، بالطبع، الدخول في كتلة، لأن ذلك سيكون خيانة. يجب على الشيوعيين الانجليز إطلاقا أن يذودوا ويدافعوا عن الحرية التامة في أمر فضح هندرسون وسنودن ومن لف لفهم، كما كان يذود عنها البلاشفة الروس (طوال خمسة عشر عاماً، من سنة 1903 إلى 1917) ونجحوا في الذود عنها حيال نظائر هندرسون وسنودن ومن لف لفهما في روسيا، أي المناشفة.
"لأن مثل هذه المبادئ ليست إلاّ تكرارا لخطأ البلانكيين الكومونيين الفرنسيين، الذين أعلنوا في سنة 1874 «الرفض» لكل مساومة ولكل محطة انتقالية. ولا ريب، ثانيا، أن المهمة هنا أيضا، كما هي على الدوام، تتلخص في معرفة تطبيق المبادئ العامة والأساسية للشيوعية، على ذلك التفرد في العلاقات الخاصة بين الطبقات والأحزاب، وعلى خصائص التطور الموضوعي نحو الشيوعية بدراسته واكتشافه واستشفافه.
ولكن هذا لا يرتبط بالشيوعية الانجليزية وحدها، وإنما يرتبط بالاستنتاجات العامة المتعلقة بتطور الشيوعية في جميع البلدان الرأسمالية. ولننتقل الآن إلى هذا الموضوع".
10) بعض الاستنتاجات
كشفت ثورة سنة 1905 البرجوازية في روسيا عن انعطاف هائل للغاية في التاريخ العالمي، فكانت روسيا المتأخرة أول بلد كشف للعالم تصاعد مبادرات الجماهير المظلومة، تصاعد يجري في زمن الثورة بشكل قفزات (وقد حدث هذا في جميع الثورات الكبرى)، وليس ذلك وحسب، بل وكشفت ما للبروليتاريا من أهمية تزيد زيادة غير محدودة عن نسبتها العددية من السكان، والجمع بين الاضرابات الاقتصادية والسياسية، مع تحويل الأخيرة إلى انتفاضة مسلحة، ونشوء شكل جديد للنضال الجماهيري والتنظيم الجماهيري للطبقات المضطهدة من قبل الرأسمالية، ونعني السوفييتات.
"إن ثورتي فبراير وأكتوبر لسنة 1917 قد أدتا إلى تطور السوفييتات تطوراً شاملاً على النطاق الوطني، ثم ان انتصارها في الانقلاب البروليتاري الاشتراكي. ثم بعد أقل من سنتين ظهر الطابع الأممي للسوفييتات، وانتشر هذا الشكل من النضال والتنظيم في الحركة العمالية العالمية، وبانت رسالة السوفييتات التاريخية كحفار قبر للبرلمانية البرجوازية ووارث وخلف لها وللديموقراطية البرجوازية بوجه عام.
وفضلا عن ذلك، يظهر تاريخ حركة العمال اليوم، ان أمام هذه الحركة في جميع البلدان نضالاً (وقد بدأ فعلاً) بالدرجة الأولى بين الشيوعية المترعرعة والآخذة في القوة والسائرة نحو النصر، وبين «منشفيتها» الخاصة (في كل بلد بمفردها)، أي الانتهازية والاشتراكية-الشوفينية، ذلك أولاً، وثانيا، ولنقل كأمر إضافي -بينها وبين الشيوعية «اليسارية». فالنضال الأول قد نشب في جميع البلدان دون استثناء، كما يظهر، كنضال بين الأممية الثانية (التي قد قتلت اليوم في الواقع) وبين الأممية الثالثة. والنضال الآخر يمكن ملاحظته سواء في ألمانيا أو بريطانيا أو إيطاليا وفي فرنسا، ويعني ذلك، دون شك، أن هذا النضال لا يجري في النطاق الأممي وحسب، بل وفي النطاق العالمي كله.
وتتلخص القضية الآن في أن على الشيوعيين في كل بلاد أن يأخذوا بالحسبان، بمنتهى الوعي، المهام المبدئية الأساسية للنضال ضد الانتهازية العقائدية «اليسارية» وكذلك الخصائص الملموسة التي يتخذها هذا النضال والتي يجب أن يتخذها في كل بلاد على حدة، تبعا للخصائص المميزة التي تميز اقتصادها وسياستها وثقافتها وتركيبها القومي (ارلنده، وغيرها) ومستعمراتها وتقسيماتها الدينية، وهلم جرا الخ. في كل مكان يبرز عدم الرضا في الأممية الثانية ويتسع وينمو، وذلك سواء بسبب انتهازيتها أو بسبب أنها ليست لديها القدرة أو القابلية لإيجاد مركز مكثف حقاً، وقيادي حقاً، وكفء لتوجيه تكتيك البروليتاريا الثورية العالمي في نضالها من أجل جمهورية سوفييتية عالمية.
إن من الضروري أن ندرك بجلاء أن مثل هذا المركز القيادي لا يمكن بأية حال أن نوجده على أساس قولبة القواعد التكتيكية للنضال وتسويتها وتوحيدها بصورة جامدة. فما دامت الفوارق من حيث القوميات والدول موجودة بين الشعوب والبلدان، وهذه الفوارق ستبقى زمنا طويلا وطويلا جدا، حتى بعد تحقيق ديكتاتورية البروليتاريا في النطاق العالمي، فإن وحدة التكتيك العالمي للحركة العمالية الشيوعية في جميع البلدان لا تتطلب إزالة التنوع، ولا استئصال الفوارق القومية (الأمر الذي ليس في اللحظة الراهنة إلاّ أضغاث أحلام)، بل تتطلب تطبيق المبدئين الأساسيين للشيوعية (السلطة السوفييتية وديكتاتورية البروليتاريا) بشكل يعدل بصورة صحيحة هذين المبدئين، في الجزئيات ويجعلهما يتلائمان وينسجمان بصورة صحيحة مع الفوارق القومية والفوارق بين الدول. إن الواجب الرئيسي في اللحظة التاريخية التي تجتازها جميع البلدان المتقدمة (وليس المتقدمة وحدها) هو استقصاء ودراسة وتمحيص واستقراء واستيعاب المميزات القومية والخصائص القومية في الأساليب الملموسة التي يتخذها كل بلد لحل المهمة الأممية الواحدة، وللانتصار على الانتهازية والعقائدية اليسارية في داخل الحركة العمالية، ولإسقاط البرجوازية، وتأسيس الجمهورية السوفييتية وديكتاتورية البروليتاريا. والأمر الرئيسي - وطبعا لا نقصد جميع الأمور، كلا وأبدا-قد سبق أن تحقق باجتذاب طليعة الطبقة العاملة، واستمالتها إلى جانب السلطة السوفييتية ضد البرلمانية، وإلى جانب ديكتاتورية البروليتاريا ضد الديموقراطية البرجوازية. والآن ينبغي تركيز جميع القوى وكل الانتباه على الخطوة التالية، التي تبدو أقل أهمية - من بعض وجهات النظر- ولكنها بدل ذلك، أقرب، من الناحية العملية، إلى حل المهمة حلاً عمليا، ونعني إيجاد أشكال الانتقال إلى الثورة البروليتارية أو الاقتراب منها.
لقد تم كسب الطليعة البروليتاريا فكريا. وهذا أمر رئيسي، بدونه تستحيل حتى الخطوة الأولى نحو الانتصار. لكن الشقة بين هذا الأمر وبين الانتصار لا تزال بعيدة جداً. إذ لا يمكن الانتصار بقوى الطليعية وحدها. والزج بالطليعة وحدها في معركة حاسمة، قبل أن تكون الطبقة كلها والجماهير الواسعة قد اتخذت أمّا موقف التأييد المباشر للطليعة وأمّا، على أقل تقدير، موقف حياد يتسم بالنية الطيبة تجاهها، بحيث تكون غير قادرة أبداً على تأييد عدو الطليعة، لا يكون حماقة وحسب، بل جريمة أيضا. ولكي ما تتخذ الطبقة كلها فعلاً، وجماهير الكادحين الواسعة فعلاً، ويتخذ المضطهدون من قبل الرأسمالية، مثل هذا الموقف، لا تكفي الدعاية وحدها، ولا التحريض وحده. ينبغي لذلك أيضا أن يكون لهذه الجماهير تجربتها السياسية الخاصة. هذا هو القانون الأساسي لجميع الثورات الكبرى، وقد أثبتته الآن روسيا وفضلا عنها ألمانيا بقوة وجلاء مدهشين. لم يكن الأمر ليتطلب من الجماهير الروسية غير المثقفة والأمية في الأغلب وحدها، بل كان الأمر يتطلب من الجماهير المثقفة تثقيفا عاليا والمتعلمة كلها في ألمانيا أيضا، أن تلمس بتجاربها المرة كل عجز حكومة فرسان الأممية الثانية وكل ميوعتها، وكل وهنها وكل خنوعها أمام البرجوازية، وكل دناءتها، وكل حتمية ديكتاتورية الرجعيين المتطرفين (كورنيلوف في روسيا وكاب وشركاه في ألمانيا) باعتبارها البديل الوحيد عن ديكتاتورية البروليتاريا، لكي ما تتجه تلك الجماهير بصورة قاطعة نحو الشيوعية.
"إن المهمة المباشرة التي تواجهها الطليعة الواعية من الحركة العمالية العالمية، أي الأحزاب والفرق والتيارات الشيوعية، هي أن تكون قادرة على سوق الجماهير الواسعة (التي لا تزال في معظم الحالات هاجعة، بليدة الحس، مقيدة بالروتين، هامدة، جامدة) نحو هذا الوضع الجديد، أو على الأصح، ان تكون قادرة على قيادة حزبها، وليس حزبها فقط، بل هذه الجماهير أيضا، خلال اقترابها من هذا الوضع الجديد، وانتقالها إليه. فإذا كان انجاز المهمة التاريخية الأولى (أي جذب الطليعة الواعية من البروليتاريا إلى جانب السلطة السوفييتية وديكتاتورية الطبقة العاملة) غير ممكن بدون الانتصار الناجز على الانتهازية والاشتراكية-الشوفينية انتصارا فكريا وسياسيا، فإن المهمة الثانية، التي تغدو الآن مهمة مباشرة، والتي هي عبارة عن القدرة على قيادة الجماهير نحو الموقع الجديد الذي يضمن انتصار الطليعة في الثورة، لا يمكن إنجازها بدون استئصال العقائدية اليسارية، وبدون التغلب على اخطائها بصورة تامة وتجنب هذه الأخطاء.
إن التاريخ بوجه عام، وتاريخ الثورات بوجه خاص، لهو على الدوام أغنى بالمضامين وأكثر تنوعا وشمولا وأنبض بالحياة و«أكثر روعانا» مما تتصوره أحسن الأحزاب وأكثر الطلائع وعيا من أكثر الطبقات تقدما. وذلك أمر مفهوم، لأن أفضل الطلائع إنما تعرب عن وعي وإرادة عشرات الألوف وعن عواطفهم وتخيلاتهم، بينما تتحقق الثورات في لحظات تفجر جميع الطاقات البشرية وتوترها لدرجة كبيرة، وهي تتحقق بوعي وإرادة وعواطف وتخيلات عشرات الملايين المدفوعة بأحد صراع بين الطبقات. وهنا ينبثق استنتاجان عمليان على غاية من الأهمية: الأول، انه يجب على الطبقة الثورية، من أجل تحقيق مهمتها أن تتضلع بجميع أشكال النشاط الاجتماعي ونواحيه دون استثناء (وبعد الاستيلاء على السلطة السياسية، أن تنجز، أحيانا، بمجازفات كبيرة وأخطار جسيمة، ما لم تنجزه قبل الاستيلاء عليها) والثاني، أنه يجب على الطبقة الثورية أن تكون على استعداد لتنتقل، بأتم السرعة والمفاجأة، من شكل إلى شكل آخر.
حمو خالد
27 ـــ 7 ـــ 2019