Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

حول مفهوم الطبقة العاملة

 توضيح

كتبت هذه المقالة في سنة 2007، وذلك في أوج الهجوم على النظرية الماركسية من طرف منظري الفكر الإمبريالي من أزلام وكلاب حراسة، إعلاميين و"علماء اجتماع " وساسة وغيرهم. وكانت أصداء هذه الحملات الامبريالية تصل إلى أعداء الماركسية ببلادنا، بل وتنزل بردا وسلاما على المرتدين التحريفيين والاصلاحيين الذين وجدوا فيها ضالتهم المنشودة. فانبروا لترويج بضاعتهم الفاسدة وكان أن وجدوا في نظرية نهاية الطبقة العاملة وتجاوز الرأسمالية لتناقضاتها ضالتهم فانكبوا على ترديد هذه النظريات القديمة -الجديدة واعتقدوا أنها تنسف الأساس المادي لوجود الماركسية كنظرية للبروليتاريا، باعتبار أن البروليتاريا والاستغلال الرأسمالي لم يعد لهما وجود، ومن تم فقدان الماركسية لشرعية وجودها. وقد وصل الأمر إلى حد أن أحد الاقتصاديين الإصلاحيين (لحلو) استغل حضوره في ندوة دولية ليردد على رؤوس الأشهاد نهاية الماركسية بنهاية الطبقة العاملة والأسس المادية التي دفعت إلى وجودها. ولأن الندوة كانت قاصرة في الرد على مثل هذه الترهات جاء الرد على يد ماركسيين-لينينيين مغاربة متشبثين بالإرث الثوري للحركة الماركسية ــ اللينينية المغربية ولمنظمة "إلى الأمام". وصدر هذا الرد في أحد الجرائد المغربية بمناسبة فاتح ماي 2007. ونظرا لأهميته وراهنيته يعيد موقع الشرارة نشره بمناسبة فاتح ماي 2018.

موقع الشرارة

حول مفهوم الطبقة العاملة

 

إن التحولات الجارية في صفوف الطبقة العاملة والناتجة عن تطور النظام الرأسمالي، وبلوغه المرحلة الحالية من العولمة الامبريالية يثير جدلا كبيرا، اختلطت فيه المفاهيم ومنها مفهوم الطبقة العاملة.

فمن جهة، ترتفع أبواق الامبريالية بالدعاية لإيديولوجيات قديمة/جديدة يحاول سوسيولوجيو البورجوازية تقديمها كنظريات بديلة للنظرية الماركسية لتحليل الطبقات. ولقد برهنت أدبيات الماركسية عن التهافت العلمي لتلك "النظريات" منذ زمان، إلا أنها ما زالت تجد لها مكانا عند بعض الانتهازيين الجهلة من "المثقفين" في مجتمعنا، واللذين راحوا يرددون ترهاتها حول نهاية الطبقة العاملة ودورها في تطور المجتمع1.

ومن جهة أخرى، انبرت بعض التنظيمات الماركسية الأوربية للدفاع عن مفهوم الطبقة العاملة في دراسات إحصائية أفصحت عن خلط كبير بين مفهوم الطبقة العاملة والأجراء بشكل عام، ومنهم من اعتبرها تضم جميع الطبقات المستغلة (بالفتحة)، كما أن منهم من اعتبر العاملين بقطاعات التعليم والصحة والضمان الاجتماعي جزء من الطبقة العاملة باعتبارهم يساهمون في إعادة إنتاج قوة العمل2، بينما في حقيقة الأمر فإن اختفاء الطبقة العاملة ليس إلا وهما يعشش في أذهان مثقفي البورجوازية وأذنابها من الانتهازيين والمحبطين السياسيين.

إن واقع الطبقة العاملة عالميا يشير للعكس تماما، فهي في تزايد مستمر، والرأسمال يقتحم ميدانا تلو الآخر، ولم يترك وظيفة إلا عمل على بلترتها. وتقوم الرأسمالية اليوم ببلترة العمل الذهني على أوسع نطاق، فلكأن "البيان الشيوعي" كتب بالأمس القريب، إذ يقول "تبعا لتطور البورجوازية تتطور البروليتاريا، طبقة العمال العصريين الذين لا يعيشون إلا إذا وجدوا عملا، ولا يجدونه إلا إذا كان عملهم هذا ينمي الرأسمال".

فإذا كان لينين قد قال "إن الجوهري في مذهب ماركس هو تبيان دور البروليتاريا التاريخي العالمي، بوصفها بانية المجتمع الاشتراكي"3، فإن دور المناضلين الشيوعيين والمثقفين التقدميين الآن هو الدفاع عن مفهوم الطبقة العاملة، ورد الاعتبار لدورها التاريخي في التغيير الثوري للمجتمع البورجوازي وفي البناء الاشتراكي، باعتبار هذا الدور له أهمية استراتيجية في النضال ضد الرأسمال.

وليست هذه الدراسة سوى محاولة للانخراط في هذه المعركة وفتح هذا النقاش الذي يجب أن يتوسع.

تتناول هذه الدراسة المحاور التالية:

- تحديد مفهوم الطبقة العاملة على ضوء دراسة لمفهومي "العمل المنتج" (Le travail productif) و"العمل غير المنتج" (Le travail improductif) في نمط الإنتاج الرأسمالي.

- انعكاسات العولمة الامبريالية على سوق العمل، وتأثير ذلك على عدد أفراد الطبقة العاملة وعلى تركيبتها الاجتماعية.

- أهمية التحليل الاجتماعي والسياسي، ودوره في دراسة فئات وشرائح الطبقة العاملة، مع إعطاء بعض الأمثلة.

1- مفهوم الطبقة العاملة

إن نظرية الطبقات والصراع الطبقي تكتسي أهمية خاصة في الفكر الماركسي، نظرا لدورها في مفهوم تطور المجتمع على أسس موضوعية ترتكز على  التناقضات الداخلية للمجتمع والقوانين التي تحكمه، ذلك أنها كنظرية تستند على المنهج المادي الجدلي، تتخطى العلاقات الظاهرية بين الطبقات، والتي تطبع جميع نواحي الحياة لتنفذ إلى التناقضات والصراعات الطبقية الجوهرية، التي تنشأ على قاعدة الإنتاج دون إغفال العلاقات الظاهرية وتأثيرها النسبي، "فالظاهرة باعتبارها تنطوي على الجوهر، فهي تخفيه، لكنها في نفس الوقت تفشيه"4، لذلك ترتكز هذه النظرية في التحليل الطبقي لتشكيلة اقتصادية واجتماعية محددة تاريخيا، على دراسة أنماط وأشكال الإنتاج التي تحدد بنيتها في علاقاتها المتبادلة. ففي التشكيلة الاقتصادية والاجتماعية الرأسمالية تتعايش عدة أنماط وأشكال إنتاج في تمفصل مع نمط الإنتاج الرأسمالي وتحت هيمنته، وتتعرض بفعل هذه الهيمنة عدة طبقات وفئات وشرائح من المجتمع لاستغلال الرأسمال، إذ ينتزع منهم هذا الأخير فائض عملهم بشكل أو بآخر. إلا ان الطبقة العاملة هي الطبقة المستغلة (بالفتحة) الأساسية لتعرضها للاستغلال الرأسمالي في شكله الخاص، الذي يميز نمط الإنتاج الرأسمالي كنمط إنتاج سائد في التشكيلة الاقتصادية والاجتماعية الرأسمالية. ولتحديد هذا الشكل الخاص للاستغلال، لابد من دراسة مفهومي "العمل المنتج" و"العمل غير المنتج" نظرا لعلاقتهما بتنمية الرأسمال وتراكمه5.

1-1 العمل المنتج ودوره في تنمية الرأسمال وتراكمه:

في دراسته لمفهوم العمل المنتج انطلق ماركس من التعريف العام والبدائي للعمل، كعلاقة بين الإنسان والطبيعة، بفعل نشاطه اتجاهها لتلبية حاجاته، لتصبح الطبيعة موضوع عمل والإنسان عاملا، ثم يطور نشاطه فيصنع من الطبيعة أدوات عمل تساعده على التحكم في قوى الطبيعة، لكنه لا يفعل ذلك بمفرده، وإلا كان الإنسان قد تراجع إلى المرحلة الحيوانية، فالعمل يكتسي إذن ومنذ البداية طابعا اجتماعيا، وهذا الطابع الاجتماعي يتحدد تاريخيا بنمط إنتاج معين، ويتم في إطار علاقات الإنتاج التي تميزه.

في نمط الإنتاج الرأسمالي، الذي ينبني أساسا على فصل العامل المنتج عن وسائل الإنتاج، يتخذ الطابع الاجتماعي للعمل المنتج شكلا خاصا، وهو ما يميز تنظيم الإنتاج الاجتماعي في هذا النمط من الإنتاج، ويمكن إيجازه في السمات التالية:

- يصبح الهدف من العمل المنتج خلق فائض القيمة وتنمية الرأسمال.

- يصير المنتوج منتوجا اجتماعيا، والعمال المنتجين "عاملا جماعيا" (Le travailleur collectif) يشترك مختلف أعضائه في معالج المادة بدرجات متباينة تماما عن بعد أو عن قرب، أو لا تشترك، فإن تحديدات العمل المنتج والعامل المنتج تتسع بالضرورة6

- ينسلخ العمل عن مضمونه الملموس، أي عن نوعية العمل، وعن العمل الذي ينجزه ويصبح عملا بمفهومه المجرد، أي نشاطا على وجه العموم أو قوة اجتماعية منتجة.

- يستحوذ الرأسمال على هذه القوة الاجتماعية المنتجة لتصبح مجرد أداة لتنميته (عمل مستلب) فيتقدم الرأسمال كرأسمال منتج.

- يتمم الرأسمال سيطرته على قوة العمل المنتجة، بإخضاع مجموع عملية تنظيمها، إن على المستوى الاجتماعي أو التقني، لمتطلبات تنميته وتراكمه.

هذه هي السمات المميزة للعمل المنتج في نمط الإنتاج الرأسمالي، ونظرا لمستوى التجريد الذي تتضمنه، فلابد من إعطاء الأمثلة الموضحة، خاصة لتبيان كيف تتسع فعلا تحديدات العمل المنتج والعامل الجماعي في عصر الرأسمالية المعولمة.

المثال الأول:

"يمر أحد مصممي هياكل السيارات بقلمه على لوحة الرسم الإلكترو مغناطيسية، وبخط سريع هنا وخط هناك تظهر على الشاشة ملامح سيارة قد تكون في القريب موديل فورد الجديد، فيتعالى من مذياع لا يراه المرء إلا بصعوبة، صوت يعلق على المخطط، وكما لو أن يد شبح تغير مخطط السيارة على شاشة (Graphics Silicon)، وفي سياق جهودهم للملائمة بين الأفكار والأذواق الأوربية والأمريكية واليابانية أيضا، يعمل المصممون المنتشرون عبر قارات العالم الخمس، كأنهم في استوديو واحد شامل مختص في تصميم السيارات مع فحص آثار الاصطدامات في السيارة، واحتساب آثار الرياح على توازنها7.

المثال الثاني:

يعقد مجموعة من "الأدباء" العاملين في شركة للنشر بعض الاجتماعات لمناقشة قصة وابطال رواية تجارية، ويقسمونها إلى أجزاء يؤلف كل منهم واحدا منها، ثم يلتقون لملائمة الأجزاء فيما بينها، في هذه الحالة فالمعنيون هم عامل جماعي، ولكن العمل غير منتج، لأن الغرض منه تلبية حاجات روحية وليست مادية، وبالتالي فالمنتوج لا يشكل جزءا من الخيرات المادية (Les biens matériels) للمجتمع ككل.

وتجدر الإشارة هنا، إلى ان صناعة الأسلحة تعد من الأعمال المنتجة في نمط الإنتاج الرأسمالي، وكذلك صناعة أدوات وآليات التعذيب التي تتطور باستمرار. كما يمتد العمل المنتج إلى البحث العلمي، فالعلماء والباحثون الأجراء لدى الشركات متعددة الجنسيات والعاملون في مختبراتها هم عامل جماعي، وعملهم عمل منتج (فكرة ماركس عن العلم كقوة مادية منتجة) بغض النظر عن أهدافه ومضمونه، المهم أن يكون المنتوج سلعة لها قيمة تبادلية وقيمة استعمالية تلبي حاجات مادية للمجتمع، وتتضمن فائض قيمة، وبالفعل، فهذه السلع يشار إليها ببراءة الاختراع أو علامة تجارية8.

للمزيد من توضيح مفهوم العمل المنتج، تجدر الإشارة إلى أن العمل ما لم ينسلخ عن العامل، ويتجسد في منتوج مادي له قيمة استعمالية وقيمة تبادلية، فإنه لا يعد عملا منتجا، لذا فإن عمل الأستاذ أو الطبيب العاملان لصالح الرأسمال، ورغم أنه يعود عليه بالربح، إلا أنهما لا ينتجان فائض قيمة لأن عملهما لم ينفصل عن شخصهما ويتجسد في سلعة، في حين أن البرامج الصحية والتعليمية التي ينجزها أساتذة وأطباء أجراء لدى الرأسمالي، فإنها سلعة لأنها قابلة للإنتاج والتوزيع على نطاق واسع في شكل أقراص مدمجة مثلا.

وللعودة إلى مفهوم العمل المنتج، فإن فائض القيمة المستأصل، هكذا، من جسد العامل ومن ذهنه وأعصابه أو من مادته الرمادية (matière grise) تصبح ملكا للرأسمال، بل تصبح رأسمالا، وبصفتها هذه أي رأسمال يتحتم عليها أن تعيد إنتاج نفسها بشكل موسع إلى ما لا نهاية وإلا انقضى أمرها، وفي كل دورة عليها أن تستأصل المزيد من فائض القيمة.

1 – 2 العمل المنتج غير المباشر ودوره في تراكم الرأسمال والحد من تناقضاته

إن مفهوم العمل غير المنتج في نمط الإنتاج الرأسمالي لم يتأسس ،عند الكثير من الماركسيين، إلا بناء على وضعه في تعارض ميكانيكي مع العمل المنتج، بعكس هذا الأخير الذي كان ماركس واضحا وصريح في تحديده، وهذا التحديد الميكانيكي لمفهوم العمل غير المنتج، والذي ظل سائدا لمدة طويلة، والذي على أساسه تم حصر الطبقة العاملة في عمال الصناعة، هو الذي أدى إلى هذا الخلط الحاصل اليوم في مفهوم الطبقة العاملة، لذا، فإن أرنود برتهود9، وانطلاقا من بحثه في نصوص ماركس توصل إلى أن هذا الأخير لم يهتم بالتمييز بين العمل المنتج والعمل غير المنتج، بقدر ما اهتم بالفرق بين العمل المنتج المباشر والعمل المنتج غير المباشر، مع ربط الأول بدائرة الإنتاج والثاني بدائرة التوزيع. ولا يخفى على أحد دور التوزيع في تراكم الرأسمال، إذ أنه يسرع دورة إعادة الإنتاج الموسع للرأسمال فيمنحه شروطا مادية أفضل لاستهلاك قوة العمل، وإنتاج المزيد من فائض القيمة. وهذا هو أساس تقسيم العمل بين الرأسمال المنتج والرأسمال التجاري، أي تمكين الأول من الزيادة في فعاليته وتحسين شروط تراكمه، ومن هنا تأتي تسمية ماركس له بالعمل المنتج غير المباشر.

في نظر برتهود، ما يفرق العامل في دائرة الإنتاج عن العامل في دائرة التوزيع، هو ما يفرق الإنتاج عن التوزيع، وليس ما يفرق بين الدائرتين، وهو محق في ذلك لأن في دائرة الإنتاج هناك عمال منتجين غير مباشرين كعمال النظافة والحراسة مثلا، كما أن في دائرة التوزيع عمالا منتجين مباشرين كعمال التلفيف والتخزين ونقل البضائع والخدمة بعد البيع، لأن عملهم امتداد للإنتاج، فهو يرفع من القيمة التبادلية للبضاعة على أساس قيمتها الاستعمالية، وبالتالي ينتجون فائض قيمة، بعكس العاملين في المتاجر وشركات الدعاية ودراسة السوق (Marketing) الذين يعتبرون منتجين غير مباشرين. إن هذا يدل على شيء واحد، وهو أن ماركس لم يفرق بين عمال الدائرتين بل فرق بين الدائرتين فقط.

إن المناقشة الطويلة العسيرة حول العمل المنتج والعمل غير المنتج لم تستكمل بعد، وكما يقول لوفيفر:

"التمييز الذي عول عليه ماركس، صعب استخدامه، وإن كان أمرا لابد منه، مثل هذا التمييز يحرج الدراسة التحليلية ويضعها أمام الأمر الواقع إن صح هذا القول، أي أمام مسائل اجتماعية صعبة تقتضي القيام بدراسة نقدية مشخصة للوظائف والخدمات، وتلك الحركة الاجتماعية التي تحمل أفراد المجتمع على الانتقال من زمرة إلى أخرى إلخ ..."10.

إن عدد الأجراء في دائرة التوزيع يتزايد بشكل مهول يوما عن يوم، وذلك لدور هذا القطاع في حل أزمة الرأسمالية عبر ترويج السلع وخلق مجالات جديدة لنشاطها، فالكل يلاحظ عدد البضائع التي تتشابه بل لا تختلف إلا باختلاف أسمائها وشكل تلفيفها، وحين تتنوع البضائع أو شبه ذلك، فمعنى هذا أن الآلات التي تصنعها تتنوع أيضا، وهكذا تجد الرأسمالية مجالات جديدة لنشاطها الصناعي والتجاري.

إن كل هذه المناورات، ليس الغرض منها، إلا تجاوز الرأسمالية لتناقضها الداخلي الذي يعكسه قانون الانخفاض الميولي لمعدل الربح. إن هذا القانون يشكل فرملة لتراكم الرأسمال، ولكن يجب فهمه في جدليته، فهو لا يعبر إلا عن اتجاه (Tendance)، إذ أن العوامل التي تدعو لانخفاض معدل الربح تفرز في نفس الوقت القوى المعارضة لهذا الانخفاض، وتعطي للتناقض المحتد مخرجا مؤقتا، وهنا يكمن دور العنصر الذاتي لحل التناقض، أي النضال الطبقي الثوري.

إن هذا الدور الذي يلعبه قطاع التوزيع في الحد من تأثير الانخفاض الميولي لمعدل الربح، هو ما يفسر تضخم دائرة التوزيع، الشيء الذي أفضى ببعض المفكرين وأشباه المثقفين إلى الحديث – وذلك ليس إلا جعجعة بلا طحين- عن اختفاء الطبقة العاملة.

إن عمال التوزيع إذن هم منتوج ثانوي(sous-produit) لرأسمالية اليوم، إذا اعتبرنا العمال المنتجين المباشرين منتوجها الأصلي.

1 – 3 مفهوم الطبقة العاملة

إن فئة المنتجين غير المباشرين التي تعرف تزايدا غير عادي في عدده، كلما تضخمت دائرة التوزيع، ليست فئة منسجمة، ففيها أجراء وغير أجراء، ومستغلين وغير مستغلين، لكن بينهم شريحة عريضة من العمال، كالعاملين بالمتاجر الكبرى (Les grandes surfaces) والذين لا تزيد أجورهم عما يكفي لإعادة قوة عملهم، يستغلهم الرأسمال التجاري بانتزاع فائض عملهم (surtravail)، كما أنهم منتجون غير مباشرين لفائض القيمة، وبالتالي يستغلهم الرأسمال ككل.

إن لينين يعرف الطبقات الاجتماعية على أنها:

"مجموعة كبيرة من الناس تتميز ب:

- المكانة التي تحتلها في نظام الإنتاج الاجتماعي المحدد تاريخيا.

- علاقتها (في أغلب الأحيان محددة ومكرسة بالقوانين) بوسائل الإنتاج.

- دورها في التنظيم الاجتماعي للعمل، وبالتالي بأهمية نصيبها من الثروة الاجتماعية التي تتوفر عليها، والطريقة التي تحصل عليها.

الطبقات هي مجموعة من الناس، بإمكان طرف منها أن يتملك عمل الطرف الآخر، وذلك نتيجة المكانة التي يحتلها كل طرف داخل بنية محددة للاقتصاد الاجتماعي"11.

بناء على هذا التعريف، فتلك الفئة من العمال المنتجين غير المباشرين المستغلة من طرف الرأسمال التجاري، والتي لا تملك وسائل الإنتاج، واعتبارا لموقعها في نظام الإنتاج الاجتماعي، كمنتجة غير مباشرة لفائض القيمة، هي موضوعيا جزء من الطبقة العاملة، وتجب الملاحظة أن ماركس لم يباشر تحليل الطبقات الاجتماعية للمجتمع الرأسمالي (الطبقات الثلاث : الرأسمالي، الملاك العقاري والعامل) في الفصل الأخير من "الرأسمال"، والذي لم يتسنى له أن يعمقه، إلا بعد أن استوفى شرحه للإنتاج والتبادل من جميع نواحيهما12.

إن جميع أقسام الرأسمال، التي انشقت واستقلت عن الرأسمال المنتج، ثم عادت وتداخلت معه بشكل أو بآخر، لا تنتعش إلا بانتعاش الإنتاج والتوزيع أي من خلال استئصال المزيد من فائض القيمة، فالرأسمال بمجموعه يقوم على أساس استئصال المزيد من فائض القيمة، التي تنتجها قوة العمل، بشكل مباشر أو غير مباشر، وهذا هو جوهر الطبقة العاملة التي تملك قوة العمل المنتجة لفائض القيمة، ولا تملك سواها، فتضطر لبيعها للرأسمال من أجل أن تستمر على قيد الحياة.

إن الفكرة القائلة أن الرأسمالي يستغل عماله هي فكرة كما يقول لوفيفر ساذجة وبدائية، لأن الرأسمالية كطبقة اجتماعية، هي التي تستغل الطبقة العاملة كطبقة اجتماعية، كما تستغل طبقات وفئات وشرائح أخرى من المجتمع. الرأسمال هو علاقة اجتماعية13.

فإذا أضفنا منتوج الرأسمالية الثانوي (المنتجين غير المباشرين) إلى منتوجها الأصلي (المنتجين المباشرين) والذي اتسع هو الآخر وشمل ميادين جديدة تمت بلترة العمل فيها، يكون ماركس فعلا قد صدق حين قال في "البيان الشيوعي" بأن الطبقة العاملة تتسع كلما تطورت الرأسمالية، وإذا لم يكن بإمكانه التنبؤ بالمنتوج الثانوي لرأسمالية اليوم، فإنه مع ذلك قد ربط بين الإنتاج والتوزيع في التطور المتناقض للرأسمالية منذ 1848 في "البيان الشيوعي" إذ يقول:

"فليس تاريخ الصناعة والتجارة منذ بضع عشرات السنين سوى تاريخ تمرد قوى الإنتاج الحديثة على علاقات الإنتاج الحديثة".

إن للطبقة العاملة إذن أساسا موضوعيا يبرره، وهذا الأساس يجد تبريره في نظام الإنتاج الاجتماعي، وليس في دائرة الإنتاج بالمعنى الضيق، ولكن للطبقة العاملة أيضا أساسا ذاتيا باعتباره داخل الشعور وداخل العلاقات التي تنعكس في الصراع الطبقي المستمر دائما، وإن كان خفيا ومحتشما أحيانا وأحيانا أخرى صاخبا ومتفجرا، وفي كل الأحوال لا يعرف انقطاعا. إذن، فإن ما يحدد الدور الاجتماعي للطبقة العاملة في بنية المجتمع البورجوازي، هي تلك المواصفات الكيفية الملازمة لها، والتي تجعلها تقف على طرفي نقيض مع الرأسمال، ولا يحدده عدد أفرادها وتفاوت أجورهم أو اختلاف فئاتها وشرائحها، فمواصفاتها الكيفية هذه هي الجوهر، أما الباقي فليس إلا ظواهر تتغير نتيجة للتطور المتناقض للرأسمال، ولكن يجب دراستها أيضا.

2 – انعكاسات العولمة الامبريالية على الطبقة العاملة

إن التطور العلمي والتكنولوجي واستعمالاته الحديثة من طرف الرأسمال، إضافة إلى خوصصة قطاعات الدولة في العديد من البلدان، وكذا انتشار الشركات متعدد الجنسيات، وإعادة الهيكلة المصاحبة لذلك كله، وما رافقه من من تفكيك لتشريعات الشغل، أدى إلى تحولات عميقة ومتسارعة في سوق العمل الدولية. ومن أهم نتائج ذلك، نمو معدلات البطالة وهشاشة العمل وتقليص الأجور، وتنوع العلاقات التعاقدية، التي تربط العامل بشغله، فهذه العلاقات تكون إما مباشرة، فهي قارة أو مؤقتة، وإما غير مباشرة أي عبر شركات عاملة من الباطن ومتخصصة في أجزاء من عملية الإنتاج، أو قد تكون علاقات واهية كتلك التي يعيشها العمال المياومون. وللإشارة، فإن شريحة المياومين هذه تضم العديد ممن يسمون أنفسهم "أحرارا" يعملون لصالح أنفسهم، وهم في الواقع يضعون أنفسهم رهن إشارة مؤسسة أو مؤسسات، ويتقاضون مكافأة مقابل عملهم.

إن الهدف من هذه التحولات يكمن في سعي الرأسمال للتخلص من أي تكاليف، سواء كانت متعلقة بحماية البيئة أو بالتغطية الاجتماعية، وبالتالي تخفيض سعر قوة العمل للحد من الانخفاض الميولي لمعدل الربح كقانون يعكس التناقض بين الميل إلى التطوير اللامتناهي لقوى الإنتاج والحفاظ على علاقات الإنتاج السائدة. فالتطور العلمي والتكنولوجي، الذي يعبر عن مستوى تحكم الإنسان في قوى الطبيعة، يصبح في يد الرأسمال أداة لاستعباد الإنسان واستيلابه وتدميره، وفي نفس الوقت تدمير الطبيعة.

إن الرأسمال كلما تطور، فهو يحطم البنيات القائمة، بما فيها بنيات الإنتاج الفكري، ويعيد تنظيمها تحت سيطرته، محولا العاملين فيها إلى عمال لا يعيشون إلا على قوة عملهم التي تساهم في تراكمه.

فماهي نتائج هذه التحولات على تركيبة الطبقة العاملة وعدد أفرادها؟

فيما يتعلق بعدد أفراد الطبقة العاملة، وفي الرد على المروجين لتقلصه، تجدر الإشارة أولا، إلى الزيادة المطلقة والنسبية لعدد أفراد الطبقة العاملة، يجب تناولها على مستوى السلسلة الامبريالية ككل، وليس على مستوى المركز او القطب المهيمن داخله فقط، وثانيا، فإن الذين يروجون لنهاية الطبقة العاملة وتقلص عدد أفرادها، يستندون إلى بنية المجتمع الأمريكي كمرجع يعممونه، والذي يجب الانتباه إلى أن ما يقع فيه، يعود من جهة لتصدير رؤوس الأموال الأمريكية، ومن جهة ثانية، لتحول أمريكا إلى مركز إداري للعالم14. علاوة على أن التطور اللامتكافئ كقانون عام يخترق أيضا قطاعات الإنتاج الرأسمالي، فهناك دائما قطاعات في المقدمة وأخرى تابعة، مما يؤدي إلى تنقل الطبقة العاملة من قطاع إلى آخر كلما تطورت شروط الإنتاج والتراكم، وحيث أن الشركات متعددة الجنسيات تتحكم في الإنتاج والتوزيع عالميا، فإن حركية الرأسمال العالمي عبر القارات، في تمفصل مع التطور اللامتكافئ للقطاعات يخلق طبقة عاملة عالمية وجيش احتياطي عالمي.

أما فيما يخص التغيير الذي أحدثه تطور الرأسمالية على تركيبة الطبقة العاملة، والذي يعمق التفاوتات بين فئاتها وشرائحها، ويرفع من حدة التنافس بين أفرادها، ويضرب وحدتها الطبقية، فإن هذا قد صاحب الرأسمالية منذ نشأتها، فلم تكن وحدة الطبقة العاملة في يوم من الأيام من مهام الرأسمال، بل هي مهمة المناضلين الشيوعيين الثوريين في معالجتهم لاستقرلية الذات الثورية ودورها التاريخي. وليس التباكي على ما آلت غليه الطبقة العاملة من تشتت إلى تعبيرا عن عجز الذين أذهلتهم التغيرات المتسارعة للأحداث فراحوا يروجون لنظريات عفى عنها الزمن. إن هذه النظريات التي يروجون لها، قد دحضها الماركسيون منذ زمن، فهي من جهة تمعن في التركيز على انسجامية المجتمع وتغفل عن تناقضاته الداخلية، ومن جهة أخرى، تتولى شرح الحركة الاجتماعية للمجتمع، بالاعتماد على الفوارق في الدخل والمكانة الاجتماعية، المرتبطة بالثقافة السائدة في المجتمع، وهذه كلها ليست إلا ظواهرا للحركة الاجتماعية، وانعكاس لحركتها الداخلية، التي يحددها تقسيم العمل الاجتماعي، على أساس نظام الإنتاج المحدد تاريخيا، فهي إذن نظريات تعتمد منهجية غير ماركسية وغير علمية، إذ لا يدرك أصحابها جدلية الملموس، وجدل المنطقي والتاريخي، فيغرقون في تفاصيل الأحداث التاريخية، ويفقدون الخيط المتين، الذي يربط الأحداث فيما بينها على أساس علاقاتها الداخلية. أما أتباع هذه النظريات في مجتمعنا السياسي المغربي، فقد تجاوزوا كل حدود الاجتهاد، وراحوا يروجون لخرافة جديدة، وهي نهاية قانون الانخفاض الميولي لمعدل الربح، ليبرهنوا على أن الرأسمالية قد تحررت من تناقضاتها، ويعتمدون في ادعائهم على أن براءات الاختراع واستخدامه في عملية الإنتاج، بوصفها عملا ذهنيا تؤدي إلى اختفاء الرأسمال الثابت. وليس عليهم سوى العودة لأبسط قواعد الاقتصاد الماركسي ليكتشفوا أوهامهم، فبراءة الاختراع كسلعة تتضمن عملا سابقا مكدسا فيها، أي عمل ميت، وهي كسلعة موجهة للاستخدام في الإنتاج ( Bien de production ) تشكل رأسمالا ثابتا لدى الرأسمالي، الذي يقتنيها ويستخدمها، وبالتالي تحتسب في مقام الكسر (dénominateur) في صيغة معدل الربح. ولهؤلاء لا يسعني إل ان اردد عبارة نقلها لينين عن هيجل وتقول: "ليس كل تجاوز للحدود يتحرر بعد"، فإن تكسير الرأسمالية لحدودها الذاتية في عشوائية دموية، لا يعني أنها تحررت من تناقضاتها بعد15، ونفس القول يسري على الاجتهادات التي تتخطى حدود أصحابها.

3 – اهمية التحليل الاجتماعي والسياسي في دراسة التركيبة الاجتماعية للطبقة العاملة

إذا كان الجوهر يعكس الظواهر في عمقها، فإن الواهر أكثر غنى من الجوهر وأكثر تنوعا وحياة، وكذلك أكثر مكرا16، ففي الواقع الاجتماعي العيني، لا توجد الطبقة العاملة كما يحددها المفهوم الجرد، أي في شكلها المحض الخالص، غنها محاطة بطبقات أخرى، وهي نفسها منقسمة إلى فئات وشرائح متباينة، لأن في المجتمع كما في الطبيعة ليست هناك حدود راسخة صارمة تفصل بين الظواهر، وكل حقيقة لا تتحدد إلا باتجاه حركتها كحالة انتقالية، وكذلك هي الطبقات، وعلى التحليل الاجتماعي والسياسي وحده أن يدرس التمايزات والتداخلات بينها، سواء في الشروط العينية، أو في مجموع التجربة التاريخية، فبدون هذا التحليل لا يمكن رسم استراتيجية للعمل وسط الطبقة العاملة، وتحديد الأولويات التي تستدعيها، لأن التمايزات بين فئات وشرائح الطبقة العاملة في ظروف عملها وعيشها وأصولها الاجتماعية وغير ذلك يؤدي إلى تباينات في مستوى وعيها، باعتبار الوعي الاجتماعي هو انعكاس للوجود الاجتماعي، ولكنه ليس انعكاسا ميكانيكيا، فالوعي الطبقي يملك رغم قيامه على قاعدة نظام الإنتاج الاجتماعي، استقلالا نسبيا عنه، وهذا ما يفسر التباعد الحاصل بين الطبقة العاملة وبين النظرية التي تعبر عن مصالحها، اي الاشتراكية العلمية، وهنا يكمن دور الأداة الثورية للطبقة العاملة وأهميتها في ربط النظرية الماركسية بالتطور الموضوعي للنضال الطبقي.

إن هذه الدراسة لا تدعي بانها تقوم بتحليل شامل، لأنها أصلا لا تتناول تشكيلة اجتماعية معينة، بل تعطي امثلة عن تحليل بعض الظواهر العامة التي تميز بعض فئات الطبقة العاملة.

من بين جميع قطاعات الإنتاج الرأسمالي، فالصناعة هي القطاع الذي وصلت فيه الرأسمالية إلى أعلى مستوى من التنيم التقني والتمتة، وظلك بسبب تجربتها الطويلة في ميدان الصناعة، لكونه أو قطاع إنتاجي تقتحمه منذ نشأتها. لذا، وبهدف استئصال أكبر قدر ممكن من فائض القيمة، فإن العمل في الصناعة يتجزأ ويأخذ شكل عمليات رتيبة تتكرر وفقا لإيقاع تلقائي للآلة، فتصير ذات العامل ملحقا للآلة، ويقوم مسؤولو الإدارة والمراقبة في المؤسسات الرأسمالية على حراسة هذا الإيقاع والحفاظ عليه، ومن تم يتخذ العمل في المؤسسة الرأسمالية، وخاصة الصناعة طابعا عسكريا استبداديا، فالديموقراطية البورجوازية تتوقف عن باب المؤسسة الإنتاجية. ولعل هذا الاستبداد هو أحد منابع تلك الغريزة الطبقية التي يشير غليها لينين، والتي تدفع العمال إلى التمرد على الرأسمال، فكم من عمال مؤسسة لم يقوموا في بادئ الأمر بالإضراب عن العمل أو تنظموا في نقابة إلا لمواجهة هذا الاستبداد المتجسد في رئيس السلسلة أو في رئيس ورش او غيره من المراقبين، وليس من أجل رفع أجورهم أو المطالبة بمنحة. وللإشارة، فإن العاملين في مهام المراقبة والإدارة لا يعدون جزءا من الطبقة العاملة، رغم مساهمتهم في إنتاج فائض القيمة حسب تعريف العمل المنتج، باعتبارهم أعضاء العامل الجماعي، وذلك لأنهم يمثلون سلطة رأس المال على العمال.

إن عمال الصناعة، باعتبار مستوى التنظيم التقني الذي وصلته، فهم الفئة التي تعكس العامل الجماعي الذي تسحقه الآلة في أكمل صورة، كما أن التنظيم التقني للعمل في الصناعة يفرض على العمال كأعضاء متفرقة للعامل الجماعي، بالتعاون والتمامل فيما بينهم لإنجاز العمل، كما يفرض عليهم الانضباط وإخضاع المصالح الفردية للمصلحة العامة، وهذا ما يفسر ميلهم للوحدة والتضامن في الممارسة العملية والنضالية، وكذا قابليتهم للتنظيم، ولهذا تعد البروليتاريا الصناعية هي النواة الصلبة للطبقة العاملة، وداخل هذه الفئة كذلك توجد تمايزات تؤدي لتفاوت في الوعي الطبقي لديها، فالشرائح العاملة في قطاعات حديثة العهد وعمالها حديثي العهد بالعمل في الصناعة يختلفون عن القطاعات التقليدية، التي يكون العامل فيها بروليتاريا أبا عن جد، وللعمال فيها تجارب وتاريخ نضالي، كما ان عنصر السن يلعب دورا في نوعية الوعي، فالشباب أكثر اندفاعا وحماسا للنضال، فهناك عدة عوامل تساهم في تحديد وعي فئة وتميزها عن أخرى، كالسكن ومستوى المعرفة وغيرها، فالعمل المجزأ الذي يقوم به العمال في عملهم يولد ليهم أيضا وعيا مجزأ. اما القطاعات الرأسمالية للإنتاج الفكري، فإنها تحتاج أيضا لدراسة وبحث، إذ أن تقسيم العمل إلى ذهني ويدوي، الذي لازم المجتمعات الطبقية منذ نشأتها يخلق تمايزا بين هذه الفئة وبين فئة العمال اليدويين، غير ان القيمة المعنوية للعمل الذهني تتجه نحو الانخفاض خصوصة مع عطالة حاملي الشهادات، مما يعمق بلترة العمل الذهني ويعمل على تقليص الهوة بينه وبين العمل اليدوين الذي يتطور بدوره في اتجاه ارتفاع عنصر العلم والمعرفة فيه، إذ ان الفرق في التسمية بين العمل اليدوي والذهني لا يقوم إل على مقدار ما يحمله كل منهما من الآخر، فهما في الواقع لا يوجدان بشكل منفصل تماما، كما أن هذه الفئة من العمال تتعرض لاستبداد الرأسمال بشكل مختلف ويتجلى في الخضوع البيروقراطي والتراتبية المميتة. إن المعارف التي يمكن أن تجلبها هذه الفئة لصفوف الطبقة العاملة مسألة إيجابية، لكن النزعة البيروقراطية المصاحبة لها مسألة سلبية.

إن الرأسمالية اليوم، وبعد ان سيطرت على العمل الذهني وأخضعته لاستغلالها ببلترته تتجه إلى الرفع من إنتاجيته، وذلك عبر ما يسمى حلقات الجودة المستمدة من التجربة اليابانية17 (Toyotisme).

إن الكل يعلم ان التطور العلمي والتكنولوجي هو نتيجة للخبرات التي تتراكم لدى العمال، لكن الفصل بين العمل الذهني والعمل اليدوي يجعل هذه العملية تأخذ وقتا طويلا لكي تتم الاستفادة من هذه الخبرات، لكن حلقات الجودة تلك تقرب هذه المسافة، إذ أن العمال داخل هذه الحلقات يتم تشجيعهم على إبداء الرأي في عملية الإنتاج والمساهمة في التطوير التكنولوجي. إن العمال اليدويين في حلقات الجودة يتقاضون أجورا أعلى نسبيا من زملائهم، والتي يشكل جزءا منها قيمة قوة عملهم والجزء الثاني مقابل خبراتهم التي يقدمونها للرأسمال. غن هؤلاء العمال لا يقلون استغلالا عن زملائهم خارج تلك الحلقات، أي المتواجدين في قاعدة الهرم، ويجب تعميق البحث في النواحي الإيجابية والسلبية التي تعكسها ظروف عملهم المؤثرة على وعيهم الطبقي.

هذه ليست إلا أمثلة أولية لما يجب على التحليل أن يتناوله ويتعمق في بحثه، وهناك أمثلة عديدة لم يتم تناولها كالعمال الزراعيين وعمال الصيد البحري وعمال المتجر الكبرى ...

ويبقى العامل الحاسم في تشكل الطبقة العاملة كطبقة وتبلورها هو الصراع الطبقي بمختلف أشكاله الاقتصادية والسياسية والإيديولوجية، لكي تتوحد في قوة اجتماعية وسياسية قادرة على قيادة نضالات الطبقات المستغلة والفئات والشرائح المضطهدة ضد الرأسمال.

وأخيرا، فإن الطبقة العاملة ليست الطبقة الثورية الوحيدة وليست كل فئاتها وشرائحها ثورية بنفس القدر وبنفس المستوى، ولكنها كطبقة وبكل الخليط الذي تحمله هي الطبقة الثورية حتى النهاية.

ع . ف

ماي-2007

الهوامش

1 ــ مجلة الملتقى، العدد 13،صيف 2005.

2 ــ مجلة "دراسات ماركسية"، العدد43، شتنبر-أكتوبر1998.

3 ــ لينين،المؤلفات الكاملة، المجلد 23،ص 1.

4 ــ هنري لوفيفر،"فكر لينين".

5 ــ أرنود برتهود،" العمل المنتج وإنتاجية العمل".

6 ــ "الرأسمال"، الجزء الثاني، القسم الثاني، الفصل5،ص724، ترجمة محمد عيتاني.

7 ــ مجلة عالم المعرفة، العدد295، مقال "فخ العولمة".

8 ــ كتاب "عولمة النضال ضد عولمة الرأسمال"،منشورات النهج الديموقراطي

9 ــ أرنود برتهود، نفس المرجع.

10 ــ هنري لوفيفر،"ماركس وعلم الاجتماع".

11 ــ لينين، "المبادرة الكبرى"،المجلد 29،ص 425.

12 ــ ارنود برتهود، نفس المرجع.

13 ــ هنري لوفيفر،"ماركس وعلم الاجتماع".

14 ــ نيكوس بولنتزاس،"الطبقات الإجتماعية لرأسمالية اليوم".

15 ــ هنري لوفيفر، "فكر لينين".

16 ــ هنري لوفيفر، " فكر لينين".

17 ــ كتاب "عولمة النضال ضد عولمة الرأسمال".