Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

النظرية المادية الجدلية للمعرفة من خلال كراستي ماو : " في الممارسة العملية " و " من أين تأتي الأفكار الصحيحة " ـــــــ علي محمود

تقديم

لقد كانت الماركسية أول نظرية في التاريخ تؤسس علميا لمفهوم الثورة، من خلال السلاحين الثوريين، اللذان زودت بهما البروليتاريا والجماهير الكادحة: المادية الدياليكتيكية والمادية التاريخية. وبالفعل، قام ماركس وانجلز بمجهودات جبارة في هذا الصدد، وسار على دربهما لينين و ماو تسي تونغ اللذان ارتقيا بالدياليكتيك المادي بمعناه الواسع (الدياليكتيك، المنطق، نظرية المعرفة) إلى أعلى المستويات في احتكاك واسع مع علوم ومعارف عصرهما، حتى أصبحت النظرية الماركسية اللينينية الثورية تقوم على أساس صلب من الفلسفة المادية و الدياليكتيك الثوري المادي،اللذان أصبحا يمثلان بجدارة الفلسفة المادية كعلم للثورة.

إن القاعدة الأولى في الفلسفة المادية الماركسية، هي الاعتراف بالعالم الموضوعي وأشيائه وظواهره باعتبارها المادة العنصر الأول، والفكر العنصر الثانوي في الجواب على المسألة الرئيسية للفلسفة: علاقة المادة بالفكر كما حددها انجلز (انظر مقالة : "المادية الجدلية : مقدمات أولية" ــ جميلة صابر ـ مقالات الشرارة ــ).

وبالنسبة للسؤال الفرعي الذي يشتق من الموضوعة الأولى في الفكر المادي، حول قابلية أو عدم قابلية معرفتنا للواقع المادي، وخلافا للنظريات والفلسفات التي ادعت عدم قدرتنا على معرفة جوهر الأشياء (كانط ، هيوم...) تجيب الماركسية بإمكانية ذلك وتقدم نظرية متكاملة لذلك.

القاعدة الثانية للفلسفة المادية الماركسية، تقوم على: الاعتراف بالعالم الموضوعي وأشيائه وظواهره، باعتباره المصدر الوحيد للمعرفة الإنسانية، وتلك هي المسلمة الأساسية لنظرية المعرفة الماركسية المادية الدياليكتيكية.

هكذا فالمعرفة من خلال هذا الطرح المادي الدياليكتيكي، هي الانعكاس الفعال الهادف للعالم الموضوعي وقوانينه في ذهن الإنسان، وبطبيعة الحال فمصدرها هو العالم الخارجي المحيط بالإنسان. فهناك تأثير وتفاعل بين المحيط الموضوعي والنشاط الحيوي للذات العارفة (الإنسان) عبر الدور الفعال للممارسة الاجتماعية، فالعالم الموضوعي (الطبيعي والاجتماعي)، يساهم في إثارة الأحاسيس والتصورات والمفاهيم، من خلال احتكاك الإنسان بالظواهر الطبيعية أو غيرها، وللإنسان كذلك دور مؤثر بالمقابل، ولذلك قلنا في تعريفنا الأول أن المعرفة هي الانعكاس الفعال الهادف للعالم في ذهن الإنسان.

القاعدة الثالثة، تقوم على اعتبار الممارسة كنقطة انطلاق عملية المعرفة وأساسها،وعلى هذا الأساس:

- العالم الموضوعي هو موضوع المعرفة ومصدرها .

- المجتمع الإنساني هو الذات بالنسبة للمعرفة وحاملها، فهناك إذن طبيعة اجتماعية للمعرفة.

هناك وحدة عضوية بين الإنسان والطبيعة، مصدر أحاسيسه وتصوراته ومفاهيمه من خلال ممارسته للإنتاج المادي من أجل تلبية حاجياته المادية، ذلك الإنتاج المادي الذي يتم خارج إرادته ضمن علاقات اجتماعية تسمح له باكتشاف ذاته واكتشاف الطبيعة.

هكذا، فمن وجهة نظر المادية الدياليكتيكية، فالمعرفة هي العملية اللامتناهية لاقتراب التفكير من الموضوع الجارية معرفته، والممارسة هي أساس المعرفة، فماهي الممارسة؟

الممارسة هي النشاط الفعال للناس في تحويل الطبيعة والمجتمع، ضمن أنواع ثلاثة من الممارسة الاجتماعية وهي:

- الإنتاج المادي للحاجيات المادية لضمان استمرار الحياة.

- الصراع الطبقي (بالنسبة للمجتمعات الطبقية).

- التجربة العلمية.

فمن خلال تحويل الطبيعة، أو تغيير المجتمع وخلق أشياء جديدة، فالممارسة هي نقطة انطلاق المعرفة وأساسها، فمسار تطور المعرفة الإنسانية والممارسة الاجتماعية مرتبطان دياليكتيكيا، والماركسية نفسها هي نتاج الصراع الطبقي البروليتاري، بعدما تراكمت عناصر تجربته التاريخية لتتولد عنها الماركسية، التي جعلت من الممارسة هدفا للمعرفة، من أجل استخدام تلك المعرفة لتحقيق الأهداف.

القاعدة الرابعة، يتمثل أساسها في اعتبار الوحدة بين النظرية والممارسة، المبدأ الأعلى للماركسية اللينينية.

إن المعرفة هي أحد أشكال نشاط الناس : نشاطهم النظري، لكنها تظل عاجزة عن تغيير الواقع بدون الاعتماد على الممارسة. فالنظرية تعكس العالم، تعمم الخبرة البشرية العملية، لكن النظرية دون الممارسة فهي عديمة المعنى، كما أن الممارسة دون النظرية فهي عمياء، ذلك أن النظرية تهدي الممارسة إلى الطريق الصحيح و تشير إلى أكفإ الوسائل لتحقيق الأهداف العملية. فالماركسية اللينينية تعميم لنضال البروليتاريا ولممارستها الثورية، فهي انعكاس للواقع، وعلى هذا الأساس فهي مرشد لنضال البروليتاريا من أجل الاشتراكية والشيوعية.

1) سيرورة المعرفة: من التأمل الحي إلى التفكير المجرد

حسب لينين: "من التأمل الحي إلى التفكير المجرد و منه إلى الممارسة، هذا هو الطريق الدياليكتيكي لمعرفة الواقع الموضوعي".

أ - المرحلة الأولى: المعرفة الحسية

في البدء يطلع الإنسان على أشياء العالم الخارجي عن طريق الحواس الخمس، وهكذا وعبر التأمل المباشر في الأشياء، تبدأ المرحلة الأولى على طريق المعرفة (معرفة الألوان، الروائح، الأصوات، المذاق، سخونة أو برودة) هكذا يتشكل الإحساس الذي هو الشكل الرئيسي للمعرفة الحسية. فمن المعلوم أن لدى الجسم الإنساني جهاز فسيولوجي لتكوين الأحاسيس يتكون من أعضاء الحواس ومن الألياف العصبية، التي تتم من خلالها عملية نقل الاستثارة إلى أجزاء المخ الإنساني المختصة، مثلما تنقل الكهرباء من خلال الأسلاك، ثم أجزاء المخ التي يتم فيها تحويل الاستثارة إلى أحاسيس معينة، مثال صوت محدد الذي تلتقطه الأذن ليتحول إلى إحساس بالصوت، أو كمثل الضوء الذي تلتقطه العين ليتحول إلى إحساس بالضوء.

إن الأمثلة أعلاه تتعلق بإحساس منفرد.

لكن المفهوم أوسع من ذلك، ذلك أن الإحساس بالمعنى الواسع للكلمة، باعتباره عمل إحساسي لجميع الناس في سياق نشاطهم الاجتماعي التطبيقي والتحويلي، هو وحده الذي يمكن أن يكون مصدرا لجميع المعارف وللمعرفة ككل.

فلاعتبارات نفسية أو لسجايا شخصية محددة لشخص محدد، أو لظروف اجتماعية، أو بيئة اجتماعية، قد نجد شخصان أمام تأثيرات خارجية نفسها، لكن لكل منهما إدراك مختلف، إلا أننا عن طريق المراجعة، أي استعمال الحواس المختلفة والأدوات والخبرات العملية نتوصل إلى فكرة صحيحة عن الأشياء.

إن للإحساس طابع اجتماعي عام، ولا يقوم فقط على الإحساس الفردي بل يتعداه إلى آخر اجتماعي، يضم معنى ومفهوما واسعا.

ب - المرحلة الثانية: المعرفة المنطقية

عندما نستعمل مصباحا كهربائيا، نستطيع معرفته عبر حواسنا ، فهو مصباح كهربائي، وبهذا المعنى يوقد أو يطفأ، لأنه يشتغل بالطاقة الكهربائية، لكن ما هي هذه الطاقة الكهربائية؟ فهذا لا نستطيع معرفته بالحواس، لأننا مع المعرفة الحسية لا نستطيع الكشف عن الطبيعة الداخلية للأشياء، عن جوهرها، أي قوانين تطورها، فالكهرباء تيار من الإلكترونات تتحرك بسرعة معينة، إنها سرعة الضوء.

إن معرفة قوانين وجوهر الأشياء، أي دور التفكير المنطقي، هي وحدها التي ترشد الناس في نشاطهم العملي، فالمعرفة المنطقية، مرحلة كيفية أرقى في تطور المعرفة، ويشكل المفهوم الشكل الرئيسي للتفكير المنطقي، أي أنه يعكس ما هو جوهري وعام في الشيء أو الظاهرة، فهو مثلا يتغاضى عن السمات الثانوية، فنحن حين نقول بمفهوم الإنسان، فإننا نعرف ما هو عام وما هو جوهري في كل إنسان، وهو الحال حين نتكلم عن طبقة اجتماعية أو عن حيوان أو عن مجتمع ... والممارسة الاجتماعية للإنسان هي أساس ظهور المفاهيم، وعبر المعرفة المنطقية، تقوم المعرفة الإنسانية بقفزة نوعية من الحسي إلى المجرد، قفزة دياليكتيكية في عملية المعرفة من الأدنى إلى الأعلى خلال الممارسة، فالنشاط العملي للناس وحده الذي يهدف إلى تحويل الأشياء وظواهر العالم، مما يجعل في الإمكان التغلغل في معرفة جوهرها، ومن تم التفريق بين المهم وبين الثانوي، بين الداخلي والخارجي، وعلى هذا الأساس تنبني المفاهيم. فكلما كانت درجة تطور الممارسة أرقى، وكلما كانت قوتها التحويلية أشد، كلما كانت معرفة الإنسان أعمق وأكثر تنوعا، ولذلك تتميز المفاهيم بحركة ومرونة، مرتبطان بتغير العالم والممارسة بما يعني تعميق المفاهيم القائمة وخلق أخرى جديدة. ولذلك فإن الماركسية اللينينينة تعادي كلا من التجريبية (أي رفض النظرية) والدوغمائية (أي تقديس النصوص وعزلها عن الممارسة العملية).

تقوم النظرية المادية الدياليكتيكية، على أساس التأكيد على الوحدة العضوية بين الحسي والمنطقي في سيرورة المعرفة، فكلاهما، المعرفة الحسية أو المعرفة المنطقية (التفكير المجرد) انعكاس لنفس العالم المادي، ويقومان على أساس مشترك ونشاط البشر العملي، ففي كلتا الحالتين هناك جهاز فسيولوجي واحد: الجهاز العصبي للإنسان، ويستحيل التجريد بدون الحسي ولا تتقدم الممارسة العملية بدون المنطقي (المعرفة، النظرية) وهذا ما يميز الماركسية عن التجريبية (المعرفة الحسية وحدها تعطي الإنسان صورة حقيقية عن العالم) وعن العقلانية المثالية (العقل، التفكير المجرد، المصدر الوحيد للمعرفة الحقة).

في النظرية الدياليكتيكية للمعرفة، لا يتم التوقف عند مرحلة المعرفة المنطقية، بل يتم توجيه سهام المعرفة المكتسبة منطقيا إلى الممارسة العملية، للتأكد من صحة معارفنا، وبذلك يتم تصحيحها، أو تدقيقها وتعميقها باستمرار، فمن المعرفة الحسية إلى المعرفة المنطقية، ومن هاته الأخيرة إلى الممارسة العملية، وهكذا دواليك وباستمرار، فالمعرفة لا نهائية، كما العالم المادي والطبيعة، فمن الظاهرة إلى الجوهر الذي هو طريق العلم، وإلا لما كان هناك علم، ومن الجوهر1 إلى الجوهر 2 فالجوهر 3 ، وهكذا فليس هناك شيئ غير قابل للتقسيم كما يقول ماو تسي تونغ.

2) بصدد كراسة "في الممارسة العملية":

تنتمي كراسة "في الممارسة العملية"، إلى تلك السلسلة من العروض التي قدمها الرفيق ماو تسي تونغ، في منتصف ثلاثينات القرن 20، في الكلية الحربية والسياسية المناهضة لليابان في يانآن، وقد شكلت هذه الكراسة، إلى جانب شقيقتها "في التناقض" وثيقتان حاسمتان في حقل الصراع من داخل الحزب الشيوعي الصيني آنذاك، ضد نزعة الجمود العقائدي والنزعة التجريبية، على طريق بناء خط ثوري ماركسي لينيني للثورة الصينية، وبالفعل، لقد كان داخل الحزب العديد من أطره ومناضليه من ذوي نزعة الجمود العقائدي، أو ذوي النزعة التجريبية، وقد تسبب هؤلاء وأولائك، وقد احتل بعضهم مراكز قيادية داخل الحزب، في خسائر جسيمة للثورة الصينية، خلال أعوام 1931- 1934، حيث استطاعوا تضليل الكثير من رفاق الحزب، خاصة وقد كانوا يرتدون معطف الماركسية.

وللتصدي لهاتين النزعتين المنحرفتين، ذات النظرة الذاتية، ومن أجل فضحهما، كان على ماو تسي تونغ، أن يقدم عرضا وافيا وواضحا حول وجهة نظرة الماركسية في المعرفة، وعموما شكلت هذه الفترة، محطة حاسمة في تاريخ الحزب الشيوعي الصيني، من أجل بلورة خط الجماهير على قاعدة النقد والنقد الذاتي، الفردي والجماعي، والتقويم الذي انخرط فيه الحزب على أوسع نطاق، و به اكتسب الطريق الصحيح لإنجاح الثورة الصينية.

قدم ماو تسي تونغ من خلال عرضه في كراسة "في الممارسة العملية"، مجموعة من الأطروحات المؤسسة للنظرية المادية الجدلية للمعرفة:

أ- الأطروحة الأولى: النشاط في الإنتاج هو أهم النشاطات العملية للإنسان

يسترجع هنا ماوتسي تونغ النقد الثوري المادي الجدلي للمادية ما قبل الماركسية، خاصة في موضوع المعرفة، حيث كانت تلك المادية تنظر إليها بمعزل عن طبيعة الإنسان الاجتماعية، وكذا تطوره التاريخي، وبذلك، كانت عاجزة عن إدراك تبعية المعرفة للممارسة الاجتماعية، أي تبعية المعرفة للإنتاج والصراع الطبقي ( كانت حسب انجلز مادية من تحت ومثالية من فوق).

والماركسية حسب ماو تسي تونغ، تعتبر أن نشاط الإنسان في الإنتاج تشكل أهم نشاطاته الأساسية، ويقرر نشاطاته الأخرى، ولذلك أهمية قصوى من حيث النتائج، وهي أربعة أساسية، فحسب ماو: " فالإنسان بالاعتماد بصورة رئيسية على نشاطه في الإنتاج المادي، يتفهم تدرجيا ظواهر الطبيعة وخصائصها، والقوانين التي تتحكم فيها، والعلاقة بين الإنسان وبين الطبيعة، وكذلك يتفهم تدريجيا، وعلى درجات متفاوتة عن طريق نشاطه، ما يربط بين الإنسان والإنسان من علاقات معينة. ولا يمكنه الحصول على أي معرفة من هذه المعارف بمعزل عن النشاط في الإنتاج".

ويوضح ماو معنى الممارسة العملية التي يباشرها الإنسان في المجتمع، ليحدد لنا أشكال النشاط الاجتماعي وهي ثلاثة:

1- النشاط الإنتاجي 2- الصراع الطبقي والحياة السياسية 3- النشاطات العلمية والفنية.

وتشكل عموما هذه الأشكال مجالات الحياة الواقعية في المجتمع التي يساهم فيها الإنسان جميعا باعتباره كائنا اجتماعيا.

وبهذا يتوصل الإنسان، وبدرجات متفاوتة إلى معرفة العلاقات المختلفة بين الناس، ليس فقط من خلال حياته المادية فحسب، بل من خلال حياته السياسية والثقافية، وهاتان الأخيرتان مرتبطتان ارتباطا وثيقا بالحياة المادية.

ويؤكد ماو على أهمية الصراع الطبقي، كأحد أشكال الممارسة الاجتماعية،وذلك من خلال الأثر العميق الذي يتركه في تطور المعرفة البشرية.

يقول ماو: "في المجتمع الطبقي يعيش كل إنسان كفرد من أفراد طبقة معينة، ويحمل كل نوع من أنواع التفكير دون استثناء طابع طبقة معينة"

ب - الأطروحة الثانية: حول تطور وتاريخية المعرفة

تعتبر الماركسية أن النشاط الإنتاجي في المجتمع البشري يتطور خطوة خطوة، من مرتبة دنيا إلى مرتبة عليا، وعليه، فمعرفة الإنسان، بالطبيعة أو بالمجتمع، تتطور أيضا خطوة خطوة من مرتبة دنيا إلى مرتبة عليا، أي من معرفة سطحية إلى معرفة عميقة، ومن معرفة وحيدة الجانب إلى معرفة متعددة الجوانب (نلاحظ هنا، التطبيق المنهجي للمقولات الفلسفية المادية الدياليكتيكية على مجال المعرفة. (للمزيد من التدقيق انظر مقالة "حول المادية الجدلية ــ مقدمات أولية" ــ جميلة صابر ــ مقالات الشرارة ــ ).

وبطبيعة الحال، وخلال مرحلة طويلة من التاريخ، لم يكن ممكنا لمعرفة الناس بتاريخ المجتمع أن تتعدى حد المعرفة الوحيدة الجانب، وذلك لسببين اثنين وهما:

1 – تعصب الطبقات المستغلة ( بكسر الغين) التي تشوه تاريخ المجتمع.

2 – النطاق الضيق للإنتاج ومستوى قوى الإنتاج، الذي كان يحد من آفاق الناس.

ولم يتسن لهم ذلك، أي الحصول على فهم تاريخي متكامل لتطور تاريخ المجتمع، ويستطيعوا تحويل معرفتهم بالمجتمع إلى علم، أي علم الماركسية، إلا بعد ظهور البروليتاريا الحديثة، مع ظهور القوى المنتجة الجبارة أي الصناعات الكبرى.

ج - الأطروحة الثالثة: الممارسة العملية هي المقياس أو المعيار لتحديد حقيقة المعرفة

لا تتبث صحة معرفة الإنسان إلا عندما يتوصل، من خلال ممارسته العملية الاجتماعية (الإنتاج المادي، الصراع الطبقي، التجربة العلمية)، إلى إحراز النتائج المنشودة، ولتحقيق ذلك، فعلى الإنسان ان يجعل افكاره متفقة مع قوانين العالم الخارجي الموضوعي، وإذا لم يحقق ذلك فلابد أن يفشل في الممارسة العملية ويقول ماو في هذا الصدد: "وإذا فشل فإنه سوف يستخلص الدروس من فشله ويصحح أفكاره ويجعلها متفقة مع قوانين العالم الخارجي، وعندئذ يستطيع تحويل فشله إلى ظفر، وهذا هو المقصود من قولهم : "الفشل أم النجاح" وقولهم "كل عثرة تزيد الإنسان فطنة".

ويلخص ماو هاته الأطروحة بما يلي: "إن النظرية المادية الدياليكتيكية عن المعرفة، تضع الممارسة العملية في المقام الأول، إذ تعتبر أن معرفة الإنسان، لا يمكن أن تنفصل إطلاقا عن الممارسة العملية، وتنبذ كل النظريات الخاطئة التي تنكر أهمية الممارسة العملية، وتفصل المعرفة عن الممارسة العملية.هكذا قال لينين :"إن الممارسة العملية أعلى من المعرفة (النظرية)، لأنها لاتمتاز بصفة الشمول فحسب، بل تمتاز كذلك بصفة الواقع المباشر".(لينين "ملخص علم المنطق لهيجل"). ويؤكد ماو على الميزة الطبقية للمادية الديالكتيكية، وعلى صفتها العملية، ويقول ماو في هذا الصدد: "إن للمادية الدياليكتيكية – الفلسفة الماركسية – ميزتين بارزتين: أولهما صفتها الطبقية، فهي تعلن بصراحة أن المادية الدياليكتيكية في خدمة البروليتاريا، و الثانية صفتها العملية، فهي تؤكد عل تبعية النظرية للممارسة العملية، حيث أن النظرية تقوم على أساس الممارسة العملية، ثم تعود لخدمة الممارسة العملية، إن ما يستنذ إليه المرء لكي يحكم بأن المعرفة أو النظرية، حقيقة أو لا، ليس هو الأحاسيس الذاتية، بل هو النتائج الموضوعية للممارسة العملية الاجتماعية، فالمقياس الوحيد لمعرفة الحقيقة هي الممارسة العملية الاجتماعية. إن وجهة نظر الممارسة العملية، هي وجهة النظر الأولية والأساسية في النظرية المادية الدياليكتيكية عن المعرفة.

وبطبيعة الحال يطرح السؤال: .كيف تنبثق المعرفة البشرية عن الممارسة العملية؟ ثم تعود لتخدم الممارسة العملية؟.

د - الأطروحة الرابعة: سيرورة المعرفة ومراحلها:

- المرحلة الحسية من المعرفة: مرحلة الإحساسات والانطباعات

ويعني هذا أن الإنسان لا يرى في بداية عملية الممارسة العملية سوى ظواهر الأشياء وجزئياتها والروابط الخارجية التي تربط بينها، بما يعني أنها تترك أثرا في حواس الإنسان، وتترك له في ذهنه انطباعات عديدة وصورا عامة عن الروابط الخارجية من هذه الانطباعات، ولذلك عدت المرحلة الأولى من المعرفة، فلا يستطيع الإنسان بعد في هذه المرحلة تكوين مفاهيم عميقة ولا نتائج منطقية.

- المرحلة المنطقية من المعرفة: من الإحساس إلى المفهوم

باستمرار الممارسة العملية الاجتماعية، تتكرر الأشياء التي تترك أحاسيس وانطباعات في حواس الإنسان، وعندئذ يحدث في ذهن الإنسان تبدل مفاجئ (قفزة) في عملية المعرفة، وتتكون المفاهيم. فالمفاهيم لم تعد ظواهر الأشياء ولا جزئياتها ولا الروابط الخارجية التي تربط بينها، بل هي إدراك تام لجوهر الأشياء وكلياتها وروابطها الداخلية. إن المفهوم والإحساس لا يختلفان كميا فحسب بل كيفيا أيضا.

يقول ماو: "إن مرحلة تكوين المفاهيم والحكم والاستدلال، هي مرحلة أكثر أهمية في كل عملية المعرفة البشرية لشيء ما، وهي مرحلة المعرفة العقلية. إن المهمة الحقيقية للمعرفة تكمن في التقدم إلى التفكير عن طريق الإحساس وإلى الإدراك التدريجي للتناقضات الكامنة في داخل الأشياء الموضوعية ولقوانينها والروابط الداخلية التي تربط بين عملية وأخرى، أي التوصل إلى المعرفة المنطقية. دعوني أكرر: إن السبب في اختلاف المعرفة المنطقية عن المعرفة الحسية يعود إلى أن المعرفة الحسية تتعلق بجزئيات الأشياء وظواهرها وروابطها الخارجية، في حين أن المعرفة المنطقية تتقدم بالمعرفة الحسية خطوة كبيرة إلى الأمام، فتتوصل إلى إدراك كليات الأشياء وجوهرها وروابطها الداخلية، وتكتشف التناقضات الكامنة في العالم الخارجي، وبهذا فإن المعرفة المنطقية تتمكن من تفهم تطور العالم الخارجي في مجموعه وفي الروابط الداخلية بين جميع جوانبه".

ه - الأطروحة الخامسة: في وحدة المعرفة الحسية والمعرفة المنطقية

تنظر الماركسية – اللينينية إلى كل من مرحلتي عملية المعرفة، بعد تحديد خصائصهما، باعتبارهما مرحلة في عملية واحدة من المعرفة، يقول ماو: "إن الإحساس والعقل يختلفان من حيث الطبيعة، ولكن لا ينفصل أحدهما عن الآخر، إنهما موحدان على أساس الممارسة العملية. إن ممارستنا العملية تثبت أن ما نحسه لا يمكن أن ندركه على الفور، وأن ما ندركه هو وحده الذي يمكن أن نحسه بصورة أعمق. إن الإحساس لا يحل سوى مسألة الظواهر، والنظرية وحدها تستطيع حل مسألة الجوهر. بيد أن هاتين المسألتين لا يمكن حلهما بأي حال من الأحوال بمعزل عن الممارسة العملية".

يقول ماو: "إذا أراد أي شخص أن يفهم أي شيء من الأشياء، فليس له من سبيل إلى ذلك سوى الاحتكاك بهذا الشيء، أي العيش (الممارسة العملية) في محيطه".

ويقول في مكان آخر: "إذا استثنينا شرط العبقرية، فإن السبب الرئيسي في قدرة ماركس وانجلز ولينين وستالين على صياغة نظرياتهم، يعود إلى مساهمتهم شخصيا في ممارسة الصراع الطبقي والتجربة العلمية في زمنهم".

وعليه، "إذا ما أردت أن تعرف بصورة مباشرة شيئا من الأشياء، أو عدة أشياء فلابد لك أن تساهم شخصيا في النضال العملي، الذي يهدف إلى تغيير الواقع – تغيير ذلك الشيء أو تلك الأشياء- ، وعندئذ تستطيع أن تحتك بظواهر ذلك الشيء أو تلك الأشياء، كما أنك لا تستطيع أن تكشف وتفهم جوهر ذلك الشيء أو تلك الأشياء إلا عن طريقة المساهمة الشخصية في النضال العملي الذي يهدف إلى تغيير الواقع. هذه هي طريق المعرفة التي يسلكها كل امرئ بالفعل، غير أن بعض الناس يزعمون عكس ذلك عامدين إلى تشويه الأمور. وأكثر الناس مدعاة للسخرية هو "العالم" الذي ما أن يلتقط فتاتا من المعرفة عن طريق السماع حتى يعتبر نفسه "العلامة الفريد في العالم"،وهو أمر لا يدل إلا على عجزه عن تقدير نفسه تقديرا صحيحا. إن المعرفة هي مسألة علم، فلا يجوز أن يصاحبها أدنى شيء من الكذب والغرور، بل المطلوب هو العكس بكل تأكيد، أي الصدق والتواضع".

ويقول ماو: "إذا أردت أن تعرف نظرية الثورة وطرائقها، فلابد أن تشترك في الثورة".

وبعد التفريق بين المعرفة المباشرة وغير المباشرة والتأكيد على وحدتهما، يقول ماو: "وهكذا فإن معرفة الإنسان لا تعدو أن تكون هذين القسمين: التجربة المباشرة والتجربة غير المباشرة. وفضلا عن ذلك فإن ما هو تجربة غير مباشرة عند شخص معين، هو عند غيره تجربة مباشرة. وهكذا فإن المعرفة من أي نوع كانت، إذا اعتبرنا المعرفة ككل، لا يمكن أن تنفصل عن التجربة المباشرة. إن كل معرفة هي تنبع من إحساس الإنسان بالعالم الموضوعي بواسطة حواسه، ومن ينكر الإحساس، ينكر التجربة المباشرة، وينكر المساهمة الشخصية في الممارسة العملية الرامية إلى تغيير الواقع فهو ليس بمادي".

وخلاصة القول نجد الخطوة الأولى في عملية المعرفة هي الاحتكاك بالأشياء الموجودة في العالم الخارجي وهي ما يسمى بمرحلة الإحساس، والخطوة الثانية التي تعنى بتجميع المعطيات الصحيحة وترتيبها وصهرها، وهذه هي مرحلة تكوين المفاهيم والحكم والاستدلال. ولا يمكن تكوين مفاهيم صائبة والتوصل إلى منطق سليم على أساس المعطيات الصحيحة، إلا إذا كانت هذه المعطيات غنية جدا أي غير جزئية وناقصة، ومتفقة مع الواقع، أي ليست وهمية وكاذبة.

إن من يحسب أنه يمكن للمعرفة العقلية ألا تنبع من المعرفة الحسية فهو مثالي، إن المعرفة تبدأ مع التجربة، وهذه هي المادية حول نظرية المعرفة.

و - الأطروحة السادسة: الوحدة بين المعرفة الحسية والمعرفة المنطقية والحاجة إلى الطفرة النوعية

تحتاج المعرفة إلى التعمق، وهذا يعني التطور من المرحلة الحسية إلى المرحلة العقلية. فالتوقف عند المرحلة الحسية، وهي مرحلة دنيا، فهذا يعني تكرار لأخطاء "المذهب التجريبي"، ويعني هذا كذلك التوقف في مرحلة المعطيات الجزئية والسطحية، التي لا تعكس الأشياء بصفة كاملة. يقول ماو : "لكي يعكس شيء بكامله، ويعكس جوهره وقوانينه الباطنية، لابد من صهر تلك المعطيات الحسية الغنية عن طريق التفكير باستبعاد ما هو قليل الأهمية منها واستخلاص ما هو عظيم النفع، ونبذ الكاذب منها، وإبقاء الصحيح المعتمد عليه، ثم الربط بين هذه المعطيات والنفاذ من ظواهر الأشياء إلى دواخلها وخفاياها، وذلك من أجل تكوين مفاهيم ونظريات في شكل منسق، أي لابد من تحقيق قفزة من المعرفة الحسية إلى المعرفة العقلية. وأن هذه المعرفة التي تم صهرها لم تصبح معرفة أكثر بعدا عن الواقع، وأقل أهلية لأن يركن إليها، بل هي على نقيض ذلك، إذ أن كل ما تم صهره خلال عملية المعرفة بصورة علمية، وعلى أساس الممارسة العملية، هو كما قال لينين، يعكس الواقع الموضوعي بصورة أعمق وأصدق وأكمل. أما أصحاب العمل الروتيني الضيقي التفكير فهم يتصرفون عكس ذلك، إذ أنهم يقدسون التجرية بينما يحتقرون النظرية، ونتيجة لهذا، يعجزون عن إدراك العملية الموضوعية ككل، فيفتقرون إلى الاتجاه الواضح والنظرة البعيدة المدى، ويرتضون النجاحات الوقتية والنظرات الضيقة. وإذا قام أمثال هؤلاء بتوجيه الثورة، فسيقودونها إلى زقاق مسدود. إن المعرفة العقلية تعتمد على المعرفة الحسية، والمعرفة الحسية في حاجة إلى التطور إلى معرفة عقلية، هذه هي النظرية المادية الدياليكتيكية للمعرفة.

ز - الأطروحة السابعة: استمرار سيرورة المعرفة وأهمية النظرية الثورية

لاتتوقف المعرفة عند الحد الذي سطرناه أعلاه، ذلك أننا عند التوقف عند المرحلة العقلية، فإننا لم نتناول من المشكلة إلا نصفها، وبالنسبة للفلسفة الماركسية، فإننا لم نتناول إلا ذلك النصف الذي لا يتمتع بأهمية عظمى. يقول ماو : "إن الفلسفة الماركسية تعتبر أن المسألة البالغة الأهمية ليست في معرفة قوانين العالم الموضوعي، وبالتالي في اكتساب القدرة على تفسيره، بل هي في استخدام هذه المعرفة في تغيير العالم بصورة فعالة. فالنظرية من وجهة نظر الماركسية هي مهمة، وتتجلى أهميتها في قول لينين : "لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية" ". ويلخص ما و الأطروحة كاملة فيما يلي : "إن المعرفة تبدأ من الممارسة العملية، والمعرفة النظرية التي يتم اكتسابها عن طريق الممارسة العملية، يجب أن تعاد إلى الممارسة العملية مرة أخرى، إن الدور الفعال للمعرفة، لا يتجلى في القفزة الفعالة من المعرفة الحسية إلى المعرفة العقلية فحسب، بل ينبغي أن يتجلى أيضا – وهذا أكثر أهمية – في القفزة من المعرفة العقلية إلى الممارسة العملية الثورية. إن المعرفة التي تمكننا من استيعاب قوانين العالم يجب أن تعاد لتطبق في ممارسة الإنتاج، وفي ممارسة الصراع الطبقي الثوري والنضال الوطني الثوري، وكذلك في ممارسة التجارب العملية. هذه هي عملية اختبار النظرية وتطويرها، هي تكملة لعملية المعرفة. إن مسالة إذا كانت نظرية ما منطبقة مع الحقائق الموضوعيية أو لا، لم تحل تماما، ولا يمكن أن تحل تماما، أثناء حركة تطور المعرفة، من المرحلة الحسية إلى المرحلة العقلية، التي تحدثنا عنها آنفا".

ويعني هذا أن الطريقة الوحيدة لحل المسألة حلا تاما، هي إعادة المعرفة العقلية إلى الممارسة العملية الاجتماعية، وتطبيق النظرية على الممارسة العملية، لمعرفة ما إذا كانت هذه النظرية توصلنا إلى الهدف المنشود. ولهذا السبب بالذات يقول ماو : "أن الممارسة العملية هي مقياس الحقيقة، وأن "وجهة نظرة الحياة والممارسة العملية يجب أن تكون وجهة النظر الأولية والأساسية في نظرية المعرفة". لقد أصاب ستالين عندما قال: "إن النظرية تصبح عديمة الهدف إذا لم ترتبط بالممارسة العملية الثورية، وكذلك شأن الممارسة العملية فإنها ستصبح ممارسة على غير هدى، إذا لم تنر طريقها نظرية ثورية" ".

ويستخلص ماو من كل ذلك مسألة أساسية، مفادها أن "كل عملية، سواء كانت في الطبيعة أم في المجتمع تتقدم وتتطور بفعل تناقضاتها الداخلية، والصراعات الناتجة عنها، ولابد لحركة المعرفة البشرية أن تتقدم وتتطور أيضا وفقا لذلك. وفيما يتعلق بالحركات الاجتماعية، فإنه يجب على القادة الثوريين الحقيقيين أن يحسنوا تصحيح أفكارهم، ونظرياتهم وخططهم ومشاريعهم حين تبرز فيها الأخطاء". بيد أنه في كثير من الأحيان، يتخلف التفكير عن الواقع والسبب في ذلك يعود إلى أن معرفة الإنسان مقيدة بظروف اجتماعية عديدة، يقول ماو : "إننا نعارض المتعنتين في صفوف الثورة، إذ أن تفكيرهم يعجز عن مجاراة تغيرات الظروف الموضوعية، فأظهروا أنفسهم تاريخيا في صورة الانتهازية اليمينية. إن هؤلاء الناس لا يدركون أن صراع التناقضات قد دفع العملية الموضوعية إلى الأمام، وبقيت معرفتهم في مرحلتها القديمة. هذه هي الخاصية الملازمة لتفكير جميع المتعنتين. وبما أن تفكيرهم ينفصل عن الممارسة العملية الاجتماعية، فلا يمكنهم أن يتقدموا ليقودوا عجلة المجتمع، فكل ما يمكنهم عمله هو أن يتخلفوا وراء العجلة متذمرين من سرعتها الفائقة، ومحاولين جرها إلى الوراء أو تحويلها في الاتجاه المعاكس. ونحن نعارض كذلك ثرثرة "اليساريين" الفارغة. إذ أن تفكيرهم يتخطى المرحلة المعينة من مراحل تطور العملية الموضوعية، فيحسب بعضهم الأوهام التي يحملونها كأنها حقائق، وآخرون منهم يتكلفون في الوقت الحاضر بتحقيق مثل أعلى لايمكن أن يتحقق إلا في المستقبل، منعزلين عن الممارسة العملية الراهنة التي تباشرها غالبية الناس وعن الواقع الحالي، ويتجسد تفكيرهم هذا عمليا في صورة المغامرة. إن المثالية والمادية الميكانيكية والانتهازية والمغامرة تتميز جميعها بفصل التفكير الذاتي عن الواقع الموضوعي، وفصل المعرفة عن الممارسة العملية. فلا يسع النظرية الماركسية – اللينينية للمعرفة، التي تتميز بالممارسة الاجتماعية العلمية، إلا أن تعارض هذه الإديولوجيات الخاطئة معارضة حازمة".

يقول ماو مرة أخرى، بعد التأكيد على أهمية الوحدة التاريخية المحددة بين ما هو ذاتي وما هو موضوعي، بين النظرية والممارسة العملية، بين المعرفة والعمل،قوله : "إن نضال البروليتاريا والشعوب الثورية من أجل تغيير العالم يتضمن إنجاز المهمات التالية: تغيير العالم الموضوعي وفي الوقت نفسه تغيير عالمهم الذاتي، تغيير مقدرتهم على اكتساب المعرفة وتغيير العلاقات بين العالم الذاتي والعالم الموضوعي".

وأخيرا، يقوم ماو بتلخيص مجموع كراسته بطريقة تستحق أن يستحضرها أمامه كل مناضل جاعلا منها شعارا موجها لخطواته النضالية، يقول ماو :

"اكتشاف الحقيقة عن طريق الممارسة العملية، وإثبات تطوير الحقيقة عن طريق الممارسة العملية مرة ثانية. الانطلاق من المعرفة الحسية وتطويرها بصورة فعالة إلى المعرفة العقلية، ثم الانطلاق من المعرفة العقلية لتوجيه الممارسة العملية الثورية بصورة فعالة، في سبيل تغيير العالم الذاتي والعالم الموضوعي. الممارسة العملية، ثم المعرفة، والعودة إلى الممارسة العملية ثانية، ثم المعرفة أيضا، وهكذا تتكرر العملية إلى ما لا نهاية، ومع كل دورة يرتفع مضمون الممارسة العملية والمعرفة إلى مستوى أعلى. هذه هي النظرية المادية الدياليكتيكية للمعرفة، وهذه هي النظرية المادية الدياليكتيكية لوحدة المعرفة والعمل".

3 - بصدد كراسة "من أين تأتي الأفكار السديدة؟"

لا تنتمي هذه الكراسة إلى الفترة التاريخية التي صيغت فيها كراستا "في الممارسة العملية" و"في التناقض"، وإن قامت بتلخيص مركز لأطروحات الكراسة الأولى.

إن كراسة "من أين تأتي الأفكار السديدة؟ "، هي عبارة عن فقرة مقتطفة من مشروع القرار الصادر عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بصدد بعض القضايا المتعلقة بعمل الحزب في الريف، وقد صيغ هذا المشروع تحت إشراف الرفيق ماو تسي تونغ، أما هذه الفقرة، فقد كتبها الرفيق ماو تسي تونغ نفسه. وقد صدرت في ماي 1963.

يقول ماو مخاطبا أعضاء الحزب من خلال طرحه لمجموعة من الأسئلة : "من أين تأتي الأفكار السديدة؟ هل تنزل من السماء؟ لا ، هل هي فطرية في عقل الإنسان؟ لا. إنما تأتي من الممارسة الاجتماعية بأنواعها الثلاثة: النضال من أجل الإنتاج، والصراع الطبقي،والتجربة العلمية. إن الوجود الاجتماعي للإنسان هو الذي يحدد تفكيره، وما أن تستوعب الجماهير الأفكار السديدة التي تتميز بها طبقة متقدمة، حتى تتحول هذه الأفكار إلى قوة مادية تغير المجتمع وتغير العالم.

يقوم ماو بالتعريف بالمرحلة الأولى للمعرفة (المرحلة الحسية) و يسميها مرحلة الانتقال من المادة الموضوعية إلى الوعي الذاتي، من الوجود إلى الفكر، ثم يتحدث عن المرحلة الثانية (المعرفة العقلية) ويسميها مرحلة الانتقال من الوعي إلى المادة ثانية، من الفكر إلى الوجود، حيث توضع المعرفة على محك الممارسة الاجتماعية للتأكد من صحتها.

يقول ماو: "إن التوصل إلى معرفة سديدة لا يتم في الغالب، إلا بعد التكرار المتعدد لعملية الانتقال من المادة إلى الوعي، ثم من الوعي إلى المادة ثانية، اي من الممارسة العملية إلى المعرفة، ثم من المعرفة إلى الممارسة العملية مرة ثانية. تلك هي النظرية الماركسية للمعرفة، النظرية المادية الديايكتيكية للمعرفة".

خلاصة القول، يؤكد ماو في هذه الكراسة، بعد تركيزه للمقولات الأساسية في كراسة "في الممارسة العملية"، على ضرورة إدراك أن المادة يمكن أن تتحول إلى وعي، وأن الوعي يمكن أن يتحول إلى مادة، ولذلك طالب بضرورة تثقيف رفاق الحزب بالنظرية المادية الدياليكتيكية للمعرفة، لكي يتمكنوا من تصحيح أفكارهم، ومن إجادة القيام بالتحقيقات والدراسة وتلخيص التجارب، والتغلب على الصعاب، والتقليل من الأخطاء، وتأدية أعمالهم على نحو مرضي، وخوض النضال الشاق من أجل بناء الصين حتى تغذو بلدا اشتراكيا عظيما قويا، ومن أجل مساعدة الشعوب العريضة التي تعاني الاضطهاد والاستغلال في جميع أرجاء العالم وذلك تنفيذا للواجب الأممي العظيم.

 

علي محمود

حرر بتاريخ 10 – 5 – 2016

هوامش:

1) كل المقتطفات المستعملة في هذا النص مأخوذة من الكراستين.

2) إن النص أعلاه لا يعفي من قراءة الكراستين.