Ok

En poursuivant votre navigation sur ce site, vous acceptez l'utilisation de cookies. Ces derniers assurent le bon fonctionnement de nos services. En savoir plus.

لماذا الشرارة ؟ في أهمية سلاح النظرية ـ علي محمود

1 ــ في ظل تفاقم الأزمة الامبريالية بأبعادها الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية، و تداعياتها على شعوب العالم، حيث تزايد الاستغلال و الاضطهاد و الاستيلاب، و انتشار رقعة الحروب المدمرة للأرض و الإنسان و الحضارة، و تنامي الاتجاهات الفاشية داخل الدول الامبريالية، و الانتعاش غير المسبوق للتيارات الأصولية و الظلامية في العالم، بما فيها الدول الامبريالية الغربية، في ظل الانحطاط الذي تعيشه السياسة و الثقافة و القيم الإنسانية، التي تبلورت عبر قرنين من الأنوار، و زاد من غناها و تطورها إسهامات الفكر الاشتراكي، خصوصا الفكر الماركسي.

لقد باتت بورجوازية الدول الغربية الامبريالية اليوم، تتمرغ في وحل الانحطاط المستديم، حيث سيادة الفكر المثالي الرجعي، وحيث  انتشار عدمية و نهيلية الأطروحات ما بعد الحداثية المعادية للثقافة و الفكر، و للقيم التي تطورت منذ عصر الأنوار، و ذلك تحت شعار تفكيك الخطابات الإيديولوجية الكبرى و التخلي عن أي خطاب. لقد أصبحت الظلامية في دول العالم العربي وما  بعد الحداثة توأمان سياميين معاديين لخير ما أبدعته الإنسانية، من أفكار التقدم و الديموقراطية و الاشتراكية، بل حتى معادية للعلم و المعرفة بشكل عام، حيث يتم التشكيك باسم النسبوية و الذاتية في كل المعارف العلمية. فلم يكن إذن مستغربا، التقاء الفكر الظلامي و ما بعد الحداثي البرجوازي على نفس الأهداف، لتحطيم الأسس التي تقوم عليها الحضارة الإنسانية، و خير دليل على ذلك، تلك الحرب المستعرة ضد الثراث الإنساني المادي و غير المادي، حيث يتم دك الآثار و المعالم التاريخية في مهد الحضارات و نشوء الفكر الإنساني في بلاد ما بين النهرين.

و لتنفيذ هذا المخطط الجهنمي، ترسم الاستراتيجيات (استراتيجية الشرق الأوسط الكبير...)، و يطلق ما يسمى بالثورات المتحكم فيها من بعد (من واشنطن و لندن و باريس، و حلف الناتو) بمسميات مختلفة، كالربيع العربي المتعدد بألوان الزهور، و حيث الشعارات واحدة يتم تسويقها عبر إعلام موجه، من باريس و واشنطن و لندن، تلتقطه الشبكات الإعلامية التابعة، و تبلوره المنظمات غير الحكومية التابعة و الممولة، التي تجد صدى لدى ما يسمى بالمجتمع المدني. و يقوم الإعلام الامبريالي بصنع معارضين و متحدثين باسم الشعوب على المقاس، حيث يتم الترويج لهم حد التخمة. و يزداد الأمر مأساوية، حين لا تجد الجماهير العربية مناضليها و مثقفيها العضويين، لرسم معالم حركات ثورية للشعوب خارج الوصاية الامبريالية و وكلائها، من أوليغارشيات كومبرادورية تواقة إلى الهيمنة و السيطرة على الشعوب و الدول، خدمة للمشروع الامبريالي الصهيوني الكبير.

هكذا أصبحت منطقة العالم العربي، بشعوبها المختلفة، مختبرا و حقل تجارب للامبريالية، حيث أصبح المواطن العربي أو الكردي أو الأرميني أو التركماني، الكلداني و السرياني، و حتى السني و الشيعي و المسيحي و الزيدي و الصابئي و القبطي... مجرد فئران تجارب، حيث تطبق أحدث نظريات علم النفس و علم الاجتماع البرجوازي، و حيث يتم التلاعب بوحدة الشعوب، و الإصرار على تجزيئ المجزء و تفتييت الدول، و الرجوع بها إلى مرحلة ما قبل الدولة الوطنية، مرحلة الحروب الدينية و الاستبداد و الاضطهاد الديني و العرقي، حيث يتم استثمار الترسانة الإيديولوجية السوداء للوهابية الخليجية، و حيث يستثمر فقهاء الصهيونية و وعاظ السلاطين، و أئمة الذل و العار، و خدام الامبريالية الأمريكية، من "مثقفين" و أحزاب سياسية و جمعيات تم تأسيسها تحت الطلب، و كلاب الحراسة من إعلاميين، تم تكوينهم على يد تلامذة غوبلز منظر الدعاية الامبريالية و أبوها الروحي.

هكذا عرفت المنطقة العربية، خاصة الشرق أوسطية منها، مجموعة من "الثورات" عند الطلب، ممولة بملايير الدولارات الخليجية، حيث "الثوار الجدد" (مجموعات لقيطة من ذوي السوابق الإجرامية و الإرهابية منتقاة من هنا و هناك) يتنقلون في سيارات رباعية الدفع، و حيث آلاف سيارات "تويوتا" تنقل الذخيرة و المؤن، و حيث "الثوار الجدد" يتوفرون على ملايير الدولارات تفوق بكثير ميزانية العديد من دول العالم الثالث، و حيث البنى التحتية مجهزة بأرقى وسائل التكنولوجيا المعلوماتية، الموضوعة في خدمة المشاريع الإرهابية التخريبية المعادية للبشر و الحجر.

لقد أصبح سيناريو ما يسمى ب"الثورات الجديدة" معروفا، بعد تنفيذ نماذج منها في مصر و تونس و ليبيا و سوريا ... حيث يوعز إلى منظمات شبابية (طلبة الجامعة ...) و منظمات غير حكومية، حقوقية و غيرها، مما يسمى بالمجتمع المدني، و بعد تداريب سرية، و باستغلال أوضاع الاستغلال و الاستبداد المستديم في الدول المعنية، إلى إطلاق حركات متحكم فيها عن بعد، يتم الدعاية لها على نطاق واسع، عبر التحريض، كما يتم تحديد أفقها السياسي و خطوطها الحمراء (عدم المساس بالمصالح الامبريالية و الكمبرادورية و الصهيونية) و يتم استثمار القوى السياسية الظلامية بمختلف تلاوينها، للتحكم في مسار تلك الحركات، فلكل وضع يختار الاتجاه الملائم لذلك البلد و لتلك الأوضاع فيه، فيتم توظيف التنظيم العالمي لحركة "الإخوان المسلمين" للأغراض السياسية من انتخابات و غيرها (مصر، تونس) والتيارات السلفية الوهابية المتطرفة ("تنظيم القاعدة"، "داعش" و مشتقاتها في سوريا و ليبيا ...و حتى في إفريقيا).

وفي سياق هذه الأوضاع، سقط العديد من المثقفين التقدميين، بل و حتى العديد من المناضلين المحسوبين على التيارات الثورية، في فخ الأطروحات الامبريالية حول ما يسمى بالثورات الجديدة، و أصبحوا يسوقون لمواقف تدعي دعم الثورات ضد الأنظمة، و حين يطرح السؤال عن أي ثورات يتحدثون، يتلكؤون في الجواب، حيث أصابهم عمى الألوان، و راحوا يدعون لذوي الأعلام السوداء، و يميزون – كما أريد لهم – بين الإرهاب المعتدل و الإرهاب المتطرف، و ذلك حسب الطلب، فسقطوا في مطب لا مخرج لهم منه، و معهم سقطت قيم المعارضة و الثورة في قاع الحضيض. و لم يسلم من هذا التأثير حتى بعض المناضلين المحسوبين على الفكر الماركسي – اللينيني، أما التحريفيون الجدد فقد وجدوا ضالتهم في التحالف مع القوى الظلامية، كما وقع في المغرب و مصر و تونس و غيرها ...

أمام هذا التعتيم و التزييف للحقائق و للمفاهيم، أصبح لزاما العودة إلى صميم الفكر الثوري الماركسي – اللينيني، و العمل باستمرار على تحيين التحاليل و المفاهيم و التصورات، و الدفاع عن الفكر الثوري الحقيقي ضد المفاهيم المزيفة و التحريفية.

هكذا أصبح استخدام سلاح النظرية لتفكيك الأطروحات و المفاهيم التحريفية و البرجوازية، و الدفاع عن الفكر الماركسي – اللينيني الأصيل، بالوقوف على أرضيته الصلبة، و بإرادة لا تكل، أمرا ملحا، من أجل تقديم الجواب عن الأسئلة المحرقة، التي تشغل بال المناضلين الماركسيين – اللينينيين الحقيقيين.

لطالما سقط مثقفونا في أحابيل الفكر البورجوازي، و كلما تعرض الثوريون لهزات، كلما سقط هؤلاء في المزيد من الأوهام البورجوازية، فعند أول ضربة أو تحول في الأوضاع يغيرون معاطفهم. فالمثقف البورجوازي الصغير، حتى و هو يدعي الانتماء إلى الفكر الماركسي – اللينيني، لا يستطيع التخلص بسهولة من تأثير غريزته الطبقية البرجوازية الصغيرة، و التي لا يمكن تثويرها إلا عبر التثقيف و المساهمة في الثورة، من خلال المساهمة في النضال الطبقي البروليتاري، الذي يجري على أساس مبادئ النظرية الماركسية – اللينينية. فالغريزة الطبقية البورجوازية الصغيرة، لا تساعد المثقف على تبني مواقف طبقية بروليتارية، بخلاف الغريزة الطبقية لدى العمال و الكادحين، التي تساعد على اتخاذ تلك المواقف البروليتارية، بينما لدى المثقفين تقاوم هذه النقلة و أحيانا بشراسة، علما أن العمال لا يحتاجون إلا المزيد من التثقيف الثوري، من أجل الوصول إلى مواقف بروليتارية، أي الوعي و الممارسة اللذين يتفقان مع الواقع الموضوعي للصراع الطبقي البروليتاري. فلا بد أن يوجه سهم النظرية إلى هدف الممارسة ليتغيرا معا، و يتثورا معا، في جدلية لا تتوقف أبدا، تساعد عليها و تقدمها الممارسة المبدئية، بأسلوب النقد و النقد الذاتي.

2 ــ في سياق عام للنظام الامبريالي العالمي، الذي حدد لينين مميزاته الأساسية ببراعة فائقة، تلك المميزات التي لا تتوقف عن التطور الكمي، بل تعرف أحيانا تزايدا، خاصة بعد سقوط الأنظمة التحريفية في الاتحاد السوفياتي و أوربا الشرقية، حيث:

- أطلقت الامبريالية العالمية صرخة الانتصار، و أعلن مثقفوها العضويون "نهاية التاريخ" (تبين فيما بعد حقيقة هذه الكذبة)، و روج كلاب الحراسة الجدد لشعارات حول العالم الجديد، المليئ بالسلم و التنمية للجميع، هذا العالم ذو البعد الواحد، الذي تقوده الرأسمالية المنتصرة من توها على "الاشتراكية"، في الحقيقة تحت الوصاية و الهيمنة للامبراطورية الامبريالية الأمريكية. هكذا حاولت الامبريالية العالمية، عبر منظماتها و مؤسساتها (البنك الدولي و صندوق النقد الدولي و منظمة التجارة العالمية ...) أن تفرض على العالم إيديولوجيتها المسماة نيو ليبرالية، ممهدة الطريق للولوج إلى كل أسواق العالم، من أجل الهيمنة عليها، في سباق محموم لتحقيق الربح الأقصى و من أجل النهب و تكثيف الاستغلال.

في سياق هذا السباق المحموم، فالامبريالية الوفية لطبيعتها الاستغلالية و الاضطهادية، تحمل معها في كل مكان، الحروب و الخراب (يوغوسلافيا، سوريا، العراق، اليمن، ليبيا، أفغانستان ...).

- لكن سرعان ما وصل هذا الهجوم إلى حالته القصوى، فانفجرت أزمات النظام الامبريالي، آخرها أزمة 2008 في الولايات المتحدة الأمريكية، التي هزت أركان النظام الرأسمالي العالمي، إلى حد أن منظري "النيولبرالية"، قد اضطروا إلى القبول بسياسات، كانت تعتبر إلى وقت قصير بمثابة طابوهات، من قبيل تأميم أو شراء من طرف الدولة الرأسمالية لأبناك و مؤسسات مالية، من أجل إنقاذها من الإفلاس. و لحد الساعة فشلت كل السياسات الاقتصادية في إيجاد حلول للأزمة، و بارت كل الوصفات لعلاج تداعياتها، و أصبح الاقتصاد يدور في حلقة مفرغة، حتى أن ما يسمى بالنمو، لما يتحقق أحيانا، فهو نمو بدون تنمية.

- تعمقت التناقضات البينية للامبرياليات، و بدأ النظام الامبريالي العالمي، ينتقل من نظام القطبية الواحدة إلى نظام تعدد الأقطاب، و تحولت الامبريالية الصينية إلى أول قوة اقتصادية عالمية، معترف بها (انظر التقرير السنوي المقدم من طرف البنك الدولي نهاية 2014) ، بينما دخلت الامبريالية الروسية مجال الصراع من أجل النفوذ، عبر استعراض قوتها العسكرية، التي تمت إعادة بنائها في السنين الأخيرة، كما يظهر ذلك التدخل الروسي في سوريا، و تسير بلدان أخرى في نفس الاتجاه، معبرة عن رغبتها في إظهار قوتها، مثل الهند و البرازيل و جنوب إفريقيا ... و ظهرت تكتلات إقليمية و غير إقليمية، مثل مجموعة دول البريكس و شنغهاي و غيرها، منافسة للمحور الثلاثي المشكل من أمريكا الشمالية (الولايات المتحدة و كندا) و الاتحاد الأوربي و اليابان.

هكذا، تبث مرة أخرى صحة قانون التطور غير المتكافئ للرأسمالية، الذي اكتشفه لينين، مما أظهر للعالم قوة التحليل الماركسي لتناقضات الرأسمالية.

3 ــ يتابع الرأسمال الامبريالي الكومبرادوري المهيمن في بلادنا، مساره نحو المزيد من السيطرة والاستغلال  و النهب، مسطرا فترات جديدة في سيرورة تراكمه الرأسمالي، بل أنبت أجنحة جديدة للذهاب بعيدا في عمق إفريقيا، بحثا عن نصيب له من كعكة الاستغلال، الذي تتعرض له الشعوب الإفريقية، و ذلك تحت الوصاية الامبريالية، و بشعارات مزيفة و كاذبة، عن تنمية الشعوب الإفريقية، يتم الترويج لها.

لقد أصبح لزاما علينا تحليل سيرورة تراكم الرأسمال الكومبرادوري في بلادنا، في إطاره الاجتماعي و السياسي، من أجل استخلاص النتائج و تحديد المهمات للمستقبل، خصوصا و أن الفئات الكومبرادورية، الأكثر اندماجا و ارتباطا بالامبريالية العالمية، المستفيدة من الأزمة الكبيرة، التي تضرب المراكز الامبريالية، أصبحت تعبر عن طموحات أكثر، و من أجل خدمة مصالحها و مصالح الامبريالية الكلاسيكية، و ذلك تحت ضغط عاملين أساسيين، هما:

- استمرارية و احتداد الأزمة الاقتصادية للامبريالية، و انعكاساتها على الفئات الكومبرادورية الأكثر ارتباطا بالامبريالية.

- تراجع القدرات التنافسية للمراكز الامبريالية الكلاسيكية، أمام الزحف الامبريالي الصيني، و الأقطاب الأخرى، و انعكاس ذلك على هامش الربح الذي كانت تحققه هذه الفئات الكمبرادورية من ارتباطها بتلك المراكز، و خير مثال على ذلك، الحليف الامبريالي الفرنسي، الذي يسير نحو التراجع بدرجات كبيرة، خاصة، و أنه المستعمر الكلاسيكي للعديد من الدول الإفريقية. إن هذا المنحى نفسه، تعيشه الأوليغارشيات الكومبرادورية في دول الخليج، التي أصبحت أكثر طموحا لاحتلال مواقع إقليمية في المنطقة، و خدمة المشروع الامبريالي الصهيوني داخلها ( انظر الأدوار الموكولة لها في سوريا و العراق و ليبيا و اليمن و أفغانستان ...).

لقد أصبحت الفئات الكومبرادورية، و الأوليغارشيات الكومبرادورية، أكثر طموحا و ذات نزعة توسعية، امبريالوفرعية، مطالبة بحصص أكثر من توزيع الكعكة.

4- تعيش القوى الإصلاحية المغربية، سواء منها المرتبطة بالبورجوازية المتوسطة و فئات من البرجوازية الكبيرة (حزب" الاستقلال"، "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية")، أو فئات من البرجوازية الصغيرة و المتوسطة (حزب "اليسار الاشتراكي الموحد" و حزب "النهج الديموقراطي"...)، على إيقاع مستمر من التعفن و المخزنة (حزب"الاستقلال" و"الاتحاد الاشتراكي") و الإفلاس، و تراجع التأثير(حزب "اليسار الاشتراكي الموحد" و "النهج الديموقراطي").

لقد أظهرت الانتخابات الأخيرة التي نظمها النظام الكومبرادوري، عن ضعف هذه الأخيرة، سواء منها المشاركة أو المقاطعة.

و تحاول الجماعات و الأحزاب البورجوازية الصغيرة، في محاولات يائسة، أن تسترجع مواقع الإصلاحية المحتضرة، و خاصة التي كان يتوفر عليها "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، و لكن بدون جدوى، متناسية أن أجزاءا كبيرة من البورجوازية المتوسطة و حتى الصغيرة، قد انتقلت إلى صفوف التيارات الإسلامية الرجعية، حارمة إياها من الأرضية الطبقية لفرض طموحها السياسي، كتيارات وسطية، أغلبها ملكي، و يسعى إلى إيجاد مظلة تحت قبة البرلمان.

و عموما، يظل صراع القوى الإصلاحية ضد التيارات الإسلامية (باستثناء المتحالفين معها)، أمرا محكوما عليه بالفشل، لكونه يدور في أرضية زلقة، و لكون الشروط الموضوعية و الخطوط السياسية لهذه القوى، غير قادرة على رفع تحدي المواجهة. و في نفس السياق يقوم النظام بمجموعة من المناورات، بهدف استنزاف هذه القوى، من خلال استقطاب العديد من عناصرها، سواء لخدمته المباشرة، من خلال هيئات و مجالس ("المجلس الوطني لحقوق الإنسان" و قبله "هيئة الإنصاف و المصالحة"...) أو لتطعيم قوى سياسية وطنية أو محلية، مرتبطة بالملكية، و تتشكل من مناضلين سابقين في اليسار، بما فيه "اليسار الماركسي اللينيني" ("البام"، و خلق أحزاب محلية، مستفيدة مما يسمى بالجهوية الموسعة (منطقة الشمال نموذجا)، و يهدف هذا المشروع، إلى سحب البساط من تحت أقدام الإصلاحيين، و إفشال أية محاولة لاستجماع قواها، من أجل العودة بقوة.

5 ــ تتصدى الحركة الجماهيرية لسياسات الاستغلال و الاضطهاد، متمردة أحيانا على تلك السياسات، التي تشكل أرضية موضوعية لتنامي تلك النضالات. لكن، بسبب خيانات البيروقراطيات النقابية المخزنية منها و الإصلاحية، و بسبب التأطير الإصلاحي للعديد من الحركات منها، تراكم الحركة الجماهيرية العديد من الفشالات، و في نفس الوقت العديد من الخبرات، في غياب تام لأداتها الثورية.

6- وحدهم الماركسيون اللينينيون المغاربة، من يستطيع أن يطلق دينامية جديدة في اتجاه الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية. لماذا الماركسيون اللينينيون؟

- لأنهم ورثة أفكار "البيان الشيوعي"، الذي تجاوز فلسفة "إعلان حقوق الإنسان و المواطن"، إنجيل كل البورجوازيين و البورجوازين الصغار، و رصيد النضال الثوري للأممية الأولى، و لدروس كومونة باريس.

- لأنهم ورثة الثورة البلشفية الكبرى بقيادة لينين، التي دشنت عصر الاشتراكية و اندحار الامبريالية، و سارت على خطاها الثورات التحررية الكبرى، في الصين و الفيتنام و ألبانيا ...و استنارت بفكر قائدها الثوري لينين، حركات المقاومة في أوروبا (المقاومة ضد النازية و الفاشية و الدور الطليعي للشيوعيين في هذه المقاومة) و في العالم الثالث، عبر القارات الثلاث.

- لأنهم ورثة الحركة التحررية للشعب المغربي ضد الاستعمار، بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي، و ماء العينين و غيرهما، و نضالات الشعب المغربي ضد الاستعمار الجديد منذ الاستقلال الشكلي.

- لأنهم ورثة نضال وصمود الحركة الماركسية – اللينينية المغربية، ضد النظام الكومبرادوري داخل و خارج السجون، و في المنافي، و لأنهم يسيرون على خطاها بعزيمة ثابتة و إرادة قوية، سيثبتون مرة أخرى، قدرتهم على التصدي لكل السياسات الرجعية.

و لأنهم كل هذا و غيره، يدركون طبيعة النضال الحقيقي الذي عليهم أن يخوضوه، ضد الاستراتيجيات الامبريالية و الرجعية و الفاشية الدينية، التي تصبو إلى العودة بشعوب المنطقة العربية مئات السنين إلى الوراء، من خلال محاولات التدمير العملي لكل الطموحات الثورية و التحررية، عن طريق تشويه المفاهيم (الثورة، الديموقراطية، التحرر..) و إطلاقها على القوى الهمجية الظلامية، أو الجماعات العميلة الليبرالية المرتبطة بها، و التي تعج بها فنادق الخمس نجوم بأوروبا، باعتبارها حركات ثورية معارضة أو معتدلة. ثورات تقودها أنظمة قروسطية في السعودية و قطر و دول البترودولار بالخليج. أما الحديث عن الديموقراطية على الطريقة الأمريكية، لا يعدو أن يكون مجرد ذخان كثيف، تبغي من خلاله الامبريالية الأمريكية إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة العربية، بما يخدم استراتيجيتها في هذه الأخيرة، عن طريق وضع أنظمة دمى في يدها، و عن طريق تجزيئ المجزء و إطلاق الحروب الطائفية و الدينية و العرقية، و إلهاء الشعوب عن القضية الفلسطينية كقضية مركزية.

على قاعدة كل هذا، يمكن فهم مواقف الامبرياليات الغربية و حقيقتها، فالديموقراطية المتغنى بها، تكشفها حقائق تفقأ العين، فلندن أصبحت الآن العاصمة العالمية لتنظيم "الإخوان المسلمين" العالمي، الذي لا تخفي بريطانيا تعاطفها معه، أو ليست هي صانعته ذات يوم في مصر العشرينيات؟ أما أمريكا فقد أخذت على عاتقها دور المناولة، عن طريق اتفاقات مع هذا التنظيم، من أجل أن يقوم بدور لصالحها و لصالح ربيبتها "إسرائيل" (الدور الممنوح للإخوان المسلمين فيما يسمى ب"الربيع العربي"، و الصفقة المبرمة من طرف إخوانيي مصر، بقيادة الرئيس المخلوع محمد مرسي مع إسرائيل، و ذلك من أجل القضاء على حق العودة الفلسطيني، و توطين الفلسطينيين بالمقابل، على جزء من أرض سيناء، و هو المشروع الذي تورطت فيه حركة "حماس")، بل ذهبت الولايات المتحدة إلى حد تكوين أطر و قيادات الحركات الإرهابية القائمة الآن، و تمويلها عن طريق دول الخليج على رأسها السعودية و قطر. و تقوم الشبكات الإعلامية الممولة بملايير الدولارات، من قبيل "الجزيرة" والعربية" و"الحرة" و أخواتهن، و أجهزة الإعلام الغربي، بالترويج للبضاعة الأمريكية حول ما سمي ب "الربيع العربي"، الذي لم يكن سوى محاولة استباقية، لوأد روح الثورة و النضال لدى شعوب المنطقة العربية، و بأيادي عربية و غيرها، حيث هيأت الامبريالية الأمريكية و حليفاتها الأوروبية، نخبا جديدة تم تكوينها على الطريقة الأمريكية، و ملإ جيوبها بآلاف الدولارات، و حيث يتم التلويح بالحلم الأمريكي و الديموقراطية الأمريكية، كبضاعة جاهزة للاستعمال، و خالية من كل القيم الديموقراطية الحقيقية، حيث يتم وضع أنظمة عميلة و برلمانات شكلية و أحزاب متحكم فيها و مجتمع مدني يدور في فلكها، و يغطي على استغلالها و نهبها و اضطهادها. هذه هي الديموقراطية الأمريكية التي يحاول الكثيرون الترويج لها و تسويقها، و التي تهدف إلى ضرب القضايا العادلة للشعوب، و تشويه ثوراتها الحقيقية، و ليس الثورات الملونة.

إن الامبريالية العالمية، بقيادة الولايات المتحدة، لتسعى، في ظروف احتداد أزمتها المستفحلة، إلى خوض حروب استباقية، بما فيها الثورات الملونة، و ذلك لضرب حق الشعوب في تقرير مصيرها، و حقها في الثورة، و من أجل التحرر الوطني و الديموقراطية و الاشتراكية.

7 ــ إن الماركسيين اللينينيين، المدركين لنقط ضعفهم قبل غيرهم، و الذين يقفون على الأرضية الصلبة للماركسية اللينينية الأممية، ليعلمون أن القيام بمهامهم التاريخية، لن يكون بدون:

1 ــ محاربة الحلقية و التصدي للدوغمائية و العفوية، و الزعامتية و الحركوية و التجريبية، و كل النزعات السلبية داخلهم.

2 ــ التصدي للتحريفية و التحريفية الجديدة على الجبهة الإديولوجية و الفكرية، باعتبارها عدوا رئيسيا.

3 ــ الدفاع عن خط أممي ثوري، و عن خط الثورة الوطنية الديموقراطية الشعبية، على طريق الاشتراكية.

4 ــ العمل من أجل بناء الحزب الماركسي-اللينيني للطبقة العاملة المغربية، عبر بلورة البرنامج الثوري للماركسيين اللينينيين.

إن "الشرارة"، و هي تستبطن تلك الأسئلة المحرقة، التي تقض مضاجع كل المناضلين المخلصين لقضية الشعب المغربي، ستعمل بتواضع، و بعزيمة لا تلين، على المساهمة الدؤوبة و المنتظمة، من أجل صياغة الأجوبة بنظرة شاملة، تجمع بين ما هو إديولوجي و فكري و سياسي و ثقافي، و تتقدم إلى الأمام باستمرار، مستحضرة حركة نضال الجماهير و البحث باستمرار عن المفاهيم، التي تنتج عن تلك الحركة و ترتقي بها في جدلية العام و الخاص، المنطقي و التاريخي، و تمسك بجوهر الأشياء في تمييز جدلي و متناقض و من خلال التناقض، بين تصور الشيئ و مفهومه، بين الممارسة المباشرة و الوعي الحسي و الحس المشترك، و بين معرفة الشيء في ذاته، من خلال تحويله لشيء لذاته، عبر امتلاك الحس الذاتي و الموضوعي، من أجل الوصول إلى الوعي العقلاني، عبر جدلية المحسوس و المجرد، فالجدلية بالمعنى العام هي دراسة التناقض في جوهر الأشياء، و هي بهذا المعنى طريقة لاستجلاء الواقع الاجتماعي- التاريخي، باعتبارها جبر الثورة، فهي ممارسة لتغيير واعي لهذا الواقع، أي نفيا للاضطهاد و الاستغلال و الاستيلاب الرأسمالي. إن الربط بين مستويين من المعرفة، و من الممارسة، و امتلاك المعرفة الثورية، يستدعي الجمع بين الفلسفة التي، كما يقول كارل ماركس، تجد لدى البروليتاريا أسلحتها المادية، بنفس القدر الذي تجد فيه البروليتاريا في الفلسفة أسلحتها الفكرية، بما يعني، أن استعمال الفلسفة (المادية الجدلية) كسلاح نقدي و ثوري، يهدف إلى بلورة الأسلحة النظرية، التي تسمح بفهم الواقع و تغييره بشكل عقلاني، متوافق مع الغايات و القيم التي تحملها الذات الثورية (الجماهيرالصانعة للتاريخ)، و العلم (المادية التاريخية، الاقتصاد السياسي ...) بما يعني، كما حدد ذلك ماركس، المعرفة المعمقة للمادة، من أجل السيطرة على الموضوع المتوخى دراسته، و ذلك حتى أدق التفاصيل الممكنة، ثم تحليل مختلف أنماط تطور تلك المادة، وصولا لدراسة ترابطاتها الداخلية، أي تحديد مختلف أشكال التطور، فبدون هذا، فكل كلام عن الجدلية ليس إلا تأملا و ثرثرة، فكتاب الرأسمال، ككتاب علمي، يبدأ بالعرض الذي هو بمثابة نتيجة البحث و التملك النقدي و العلمي للمادة، بعدما استنفذ البحث، و من هنا التمييز بين بداية العرض و بداية البحث، حيث تكون البداية تعسفية في البحث، و تعتمد على تفسير الأشياء و تقديمها في تطورها الداخلي و الضروري بالنسبة للعرض، تلك هي المنهجية العلمية التي أسس لها العالم الثوري كارل ماركس.و على الماركسيين اللينينيين الحقيقيين الثوريين، أن يعيدوا الاعتبار لهذه المنهجية العلمية، التي بدونها لا يمكن الحديث عن النظرية بمعناها العام و الخاص، كحقائق عامة، و كمفاهيم خاصة للثورة المغربية، بما يعني توجيه السهم (الماركسية ــ اللينينية) نحو الهدف، هدف الثورة المغربية، بما يسمح بالقضاء على الدوغمائية و اجتثاث التجريبية من جذورها.

إن إنجاز التحاليل و الدراسات النظرية، لا تعني بالنسبة ل "الشرارة"، إغفال الاهتمام بالثقافة، بل اعتبار كل ثورة تغفل البعد الثقافي منذ البداية، هي "ثورة بكماء"، الشيء الذي أثبته تاريخ الثورات، و أكد عليه القادة الثوريون الكبار من أمثال لينين و غرامشي و ماو تسي تونغ.

إن واجب الثوريين هو القيام بالثورة، و الثوار هم مستقبل الثورة، فكيف يصنع الثورة إلى جانب الجماهير من لا يحمل إلا اسم الثورة، و جزء من حياته أو جلها، لا تخضع لمنطق الثورة و لقيمها، و لذلك، تعطي "الشرارة" أهمية كبرى للتكوين في مجال النظرية الثورية، و نعني بالنظرية الثورية:

1- المبادئ العامة للماركسية اللينينية.

2- اعتماد المبادئ الأممية للماركسية اللينينية بتعميم التجارب الثورية العالمية.

3- التطبيق العملي لتلك الحقائق العامة على السيرورة الثورية، من أجل إنتاج النظرية الثورية الخاصة ضمن جدلية العام و الخاص.

4- تحصيل و استيعاب مبادئ الماركسية ــ اللينينية، ليس استظهارا للكتب و النصوص الذي يسقط في الدوغمائية (الدوغمائية هي الفصل بين النظرية و الممارسة الثورية، و الروح الثورية للنظرية الذي يمثلها "التحليل الملموس للواقع الملموس" كما قال لينين)، كما أن الحركوية، و غياب البعد النظري يسقط في التجريبية (لا تتعدى التجريبية حدود المعرفة الجزئية، و بالتالي العجز عن اكتساب المعرفة الكلية، أو الثورية، و تسقط في فصل الممارسة عن النظرية).

5- التطبيق الحي و الخلاق للمبادئ الماركسية ــ اللينينية على النضالات الطبقية، عبر التحليل الملموس للواقع الملموس، مع الدعوة المستمرة للمناضلين، لإعطاء الأهمية لأسلوب التحقيقات ("أنجزوا التحقيقات و لا تقولوا الحماقات" ماو).

إن "الشرارة" و هي تعطي أهمية قصوى للتكوين، من خلال الدعوة للتثقيف الذاتي و الجماعي، لتدرك كامل الإدراك، أن جوهر تكوين المناضلين، يتمحور حول القدرة على الانتقال من مفهوم بورجوازي للعالم لدى المناضل المبتدئ، إلى مفهوم بروليتاري للعالم الذي يؤهله، عبر سيرورة عملية من الممارسة الثورية، و النقد و النقد الذاتي المصاحب بتقويم الأخطاء و التعلم منها باستمرار، لأن يصبح مناضلا شيوعيا ثوريا، يؤمن بخط الجماهير، و يناضل من أجل تحررها، و يقدم مصالح الثورة على مصالحه الشخصية و الاجتماعية، و يستعد للتضحية من أجل تحقيقها. إن واجب الثوري هو القيام بالثورة، و الثورة إبداع، كما أن الشيوعي إنسان مبدع على حد قول الشهيد القائد عبد اللطيف زروال.

إن تثقيف المناضلين عملية مستمرة لا تتوقف، و تتناقض جوهريا مع روح الرضى عن النفس و الغرور وادعاء المعرفة الكلية، و الابتعاد عن التواضع و احتقار الجماهير و المناضلين بدل التعلم منها، لأن هي من يصنع التاريخ.

إن الجمع بين التثقيف الذاتي و الجماعي، مع إعطاء الأولوية للثاني، هو القاعدة العامة الأولى لتثقيف المناضلين و تكوينهم.

إن "الشرارة"، و هي ترفع راية الماركسية ــ اللينينية العظيمة، راية الثورة الشاملة، من أجل الاشتراكية على طريق المجتمع الذي تنمحي فيه الطبقات، المجتمع الشيوعي، تستحضر تضحيات القادة الثوريين الشيوعيين العظام، من أجل هذا المجتمع، و هبات و ثورات الطبقة العاملة و شعوب العالم ضد الاضطهاد و الاستغلال و الاستيلاب، من أجل التحرر الوطني و الديموقراطية و الاشتراكية، و رصيد شعبنا الكفاحي ضد الاضطهاد و الاستغلال و الاستبداد، لعاقدة العزم على السير بعزيمة لا تلين، نحو إنجاز المهام المسطرة أعلاه، خدمة، و بتواضع و نقد و نقد ذاتي، و نكران للذات، لقضية الثورة المغربية، و على قدر أهل العزم تأتي العزائم.

 

علي محمود 

27 – 11 - 2015